الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

الانتفاضة الفلسطينية

مقدمة

          انتفضت إرادة شعب فقد صبره، وطال انتظاره للعدل، الذي لا يجيء، وهو أعزل من أي سلاح، اللهم إلا "الحجارة"، التي يلتقطها من الأرض، ويلقيها في وجه من اغتصب منه الأرض.

          إن أحداث الانتفاضة الفلسطينية، بمشاركة شبابها وشيوخها ونسائها وأطفالها، جاءت صدمة كهربائية، أيقظت العالم من غفوته، ونبهته إلى أن القضية حية لم تمت، على الرغم من المحاولات الإسرائيلية المستميتة لقتلها. فقد استطاع الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة، أن يفرض قضيته على الضمير العالمي، وأن يغير أفكار العالم الغربي، ومعتقداته الثابتة عن إسرائيل ـ الدولة الديمقراطية المتحضرة ـ المهددة في أمنها، والمحاصرة بالأعداء والإرهابيين، من كل جانب. وأفاقت الدول الغربية على الحقيقة المرة، وهي أن ما تفعله إسرائيل في الضفة الغربية والقطاع، هو الإرهاب نفسه والعنصرية بعينها.

تعريف الانتفاضة

          الانتفاضة لغة: هي التحرك فقط، فقد جاء في معجم لسان العرب لابن منظور: نفضت الثوب والشجر إذا حركته لينتفض. وكذلك، جاء في المعجم الوسيط: انتفض الشيء: تحرك واضطرب، وفلان ينتفض من الرعدة. وهذا يعني أن الانتفاضة، وهي مصدر المرة والهيئة من فعل انتفض، هي حركة واضطراب. وقديماً وصف أحد الشعراء رعدته عندما يذكر حبيبته، فقال:

وإني لتعروني لذكراك هزة

 

كما انتفض العصفور بلّله القطر

          وأما اصطلاحاً، فهي ذلك التحرك الشّعبي الهائل، الذي انطلق في 8 ديسمبر 1987، وامتد عبر كل أرض فلسطين، لمواجهة القوة الصهيونية المسلحة. بل هي الثورة الجماهيرية، التي تعد فريدة في بابها وسلاحها.

          وقد جاء في أسباب اندلاع الانتفاضة، أن الشعب الفلسطيني، الواقع تحت الاحتلال الصهيوني، عندما وصل درجة بالغة من الإحباط واليأس، اندفعت انتفاضة شعبية عارمة، بدأت في ديسمبر 1987؛ وفيها جابه الشباب والأطفال، العدو الإسرائيلي المدجج بأحدث الأسلحة، وهو مجردون من أي سلاح إلاّ إيمانهم بالله، وبعدالة قضيتهم، والحجارة، غير عابئين بالنتائج، التي يمكن أن تسفر عنها هذه المجابهة الحتمية، وهي القتل، والتمثيل، والإصابات والاعتقالات، والتعذيب، وهدم البيوت، وقطع الأرزاق، والطرد من البلاد. ومن هنا أُطلق على عناصر هذه الانتفاضة، مصطلح "أطفال الحجارة".

          وقد استمرت الانتفاضة زمناً طويلاً، حتى فرض المصطلح نفسه على الساحة السياسية، ودخل ميدان الصحافة العربية، والصحافة الأجنبية، بلفظة العربي، وكذلك دخل الموسوعات الأجنبية، وفرض نفسه، أيضاً، على المحللين والمؤلفين في الوسط الإسرائيلي، فألف الصحفيان زئيف شين، وإيهود ميعاري، كتاباً عنها، كان عنوانه Intifada!

          وكان أول استعمال لهذا المصطلح، قد ورد في أول بيان صدر عن حماس، ووزع في غزة يومي 11، و12 ديسمبر، 1987، وفي الضفة الغربية في 14و 15 ديسمبر 1987، وأطلق البيان لفظ "الانتفاضة"، على التظاهرات العارمة، التي انطلقت. قال البيان: "جاءت انتفاضة شعبنا المرابط في الأرض المحتلة، رفضاً لكل الاحتلال وضغوطاته، ولتوقظ ضمائر اللاهثين وراء السّلام الهزيل، وراء المؤتمرات الدولية الفارغة"، ولتعلن أن "شعبنا عرف ويعرف طريقه، طريق الاستشهاد والتضحية.

          وثمة تعريف أكثر شمولاً، يرى أن الانتفاضة ليست ثورة شاملة، بل قمة الثورة، ونقطة الذروة، ويمكن أن تكون محصورة في نطاق مدينة، أو مجموعة قرى، أو مؤسسة ما (الجيش، الشرطة، المصنع)، ولا تشمل بالضرورة كل البلاد، بعكس الثورة ذات الطابع الشامل. وليست مهمتها بالضرورة تحقيق النصر، إذا لم تكن شروط النصر وعوامله مهيأة، أو إذا تعاملت القوى المحركة لها وأركانها، بشيء من التراخي والليونة تجاه العدو الصهيوني. والطابع الأساسي للانتفاضة هو الهجوم، والهجوم وحده؛ لأن في الدفاع موت كل انتفاضة. كما يجب أن يجري التفاعل معها على هذا الأساس، بتأن وروية، من دون تسرع وانفعالات. كذلك، يجب أن تكون روح أركان الانتفاضة وقادتها مرهفة، وشديدة الحساسية تجاه كل التطورات، التي تحدث في سياق الانتفاضة. وعنوان الانتفاضة البارز الشجاعة، والشجاعة أبداً، فلا خيار أمام الانتفاضة المسلحة، إذا شاءت النصر، إلا الإقدام على تقويض ثقة العدو في نفسه، وأن تعوّد الجماهير بعنفوانها على الالتفاف حولها، حتى المترددين منهم.

          وقد ربط بعض المراقبين بين الفعل الانتفاضي، من جانب، والبعد المدني، من جانب آخر؛ فالانتفاضة، في وجهة نظرهم، هي الكفاح المدني، وذلك لارتباطها بقوى وآليات غير عسكرية، فالقائمون بالانتفاضة لم يتلقوا تدريبات عسكرية، ولا علاقة بينهم وبين الجيوش العسكرية النظامية، بل هم مدنيون، ويستخدمون أدوات نضال مدنية كالحجارة.



الصفحة التالية الصفحة الأخيرة