إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / الأقمار الصناعية (أقمار الاستشعار عن بُعد)




ملئ خزانات الوقود
ألواح الخلايا الشمسية
منصة إطلاق صاروخ
إحدى غرف تمثيل الفراغ
هيكل مركبة فضائية
مراقبة الأنهار والبحيرات
مستشعرات كهروبصرية
نقل القمر الصناعي
المحطة الأرضية للتحكم
التغيرات الجوية للكواكب
القمر لاندسات
القمر الإسرائيلي عاموس
القمر الروسي GLONASS
القمر تايكوم
القمر عربسات - 2
اختبار منظومة الاتصالات
اختبارات الهوائيات
تمييز أنواع الطائرات
تجميع أقمار الاتصالات
حركة السحب
صورة كهروبصرية ذات قدرة تحليل
صورة عالية القدرة التحليلية
صورة فضائية بمستشعرات طيفية
صاروخ إطلاق الأقمار الصناعية
صاروخ الفضاء كوزموس
عمل خرائط للمنطقة
غرفة تمثيل الفراغ
غرفة تمثيل فراغ جانبية
غرفة قياس ضغط
قمر الإنذار المبكر DSP
قمر الاتصالات DSCS
قمر الاستشعار الصيني DFH
قمر الاستشعار Spot
قمر صناعي للاستطلاع
قمر ذو مستشعر راداري

مجموعة صواريخ الإطلاق
مدار متزامن مع الشمس
مدار غير متزامن
مدار قمر صناعي متزامن
أحد مواقع الإطلاق
مخطط لمركز تحكم
إعداد الخرائط
الهيكل التنظيمي لقمر صناعي
الدراسات الإرشادية
ارتفاع وانخفاض سطح الأرض
تحديد خطوط التصدعات
تصنيف التربة وتراكيبها
تغطية كاملة للمملكة
خرائط أساس الأعمال
قواعد إطلاق الصواريخ
قاعدة بيانات جغرافية للبيئة
قاعدة بيانات جغرافية لجدة
قاعدة بيانات جغرافية ساحلية




المبحث الثالث

المبحث الثالث

استخدامات أقمار الاستشعار عن بعد

وأثرها على الأمن القومي للدولة، والسيادة على الفضاء الجوى

أولاً: الأنواع الرئيسية لمنظومات الأقمار الاصطناعية واستخدامها

1. أقمار الاستشعار عن بُعد Remote sensing

تدرس أقمار الاستشعار عن بُعد سطح الأرض لمختلف الأغراض (زراعية ـ جيولوجية ـ مناخية ـ علمية)، وتستخدم عينات متعددة من الأجهزة والمستشعرات تعمل على استشعار الانعكاسات الضوئية، أو الاختلافات الحرارية لسطح الأرض، والأجسام الموجودة عليه طبقاً لنوع هذه المستشعرات، وإظهار تفاصيل المناطق/ الأهداف اعتماداً على اختلاف درجات (الانعكاس/ الانبعاث/ الامتصاص) بين هذه المناطق والأهداف. (اُنظر صورة القمر لاندسات)

وتغطي وسائل الاستشعار عن بُعد أكثر أجزاء الطيف الكهرومغناطيسي، بدءاً من الإشعاعات الذرية (أشعة جاما) التي تستخدم في استطلاع المواد المشعة، إلى الأشعة فوق البنفسجية، التي كثيراً ما تدخل في نظم الإنذار الحديثة، ثم الجزء المرئي من الطيف، الذي يستخدم للتصوير المرئي. وانتقالاً إلى الأشعة تحت الحمراء التي تستخدم في التصوير ونظم الاستشعار الحراري، ثم حيز الموجات الملليمترية التي تُستخدم في الاستشعار الراديومتري، وأخيراً الموجات المتناهية في الصغر التي تستخدم في الاستشعار الراداري، والموجات اللاسلكية بأنواعها المختلفة.

ونظم الاستشعار إما أن تكون نظماً سيئة، تلتقط الطاقة المنبعثة من الأهداف وسطح الأرض، سواء كانت طاقة ذاتية أو مكتسبة أو منعكسة، وذلك مثل التصوير الفوتوغرافي أو الاستشعار الذري والراديومتري، أو نظماً ايجابية تلتقط وتستقبل الموجات المرتدة من الهدف، مثل الرادارات.

ولكل من هذه النظم مميزاتها وخصائصها، ومن ثم استخداماتها الخاصة. كما قد يستخدم أكثر من مستشعر معاً في نظام متكامل، وعلي الأخص في التصوير.

وتدخل أقمار الاستشعار عن بُعد في العديد من التطبيقات، مثل :

أ. مسح وتقدير الأراضي الخاصة بالمحاصيل الزراعية.

ب. إعداد خرائط الموارد الطبيعية.

ج. رصد ومتابعة ظواهر التصحر وزحف الرمال.

د. متابعة الزحف العمراني على الأرض الزراعية.

هـ. انتخاب أنسب المواقع للمدن الجديدة، والتخطيط لإنشائها.

و. مراقبة الكوارث الطبيعية كالفيضانات وحرائق الغابات والبراكين. (اُنظر شكل إعداد الخرائط)

ومن أمثلة أقمار الاستشعار عن بُعد، القمر الأمريكي (Landsat) المزود بمستشعرات متعددة النطاقات الطيفية بقدرة تحليلية 30 م، والقمر الفرنسي (Spot) بقدرة تحليلية 10 م.

2. أقمار الاستطلاع العسكري

تُقسم أقمار الاستطلاع العسكري طبقاً للاستخدام، إلى نوعين رئيسيين: (اُنظر صورة فضائية بمستشعرات طيفية)

أ. أقمار الاستطلاع بالتصوير

وهي التي تستخدم وسائل استشعار كهروبصرية أو رادارية لالتقاط الصور الفضائية، التي تستخرج منها البيانات والمعلومات الخاصة بالأهداف العسكرية.

ب. أقمار الاستطلاع الالكتروني

والتي تُستخدم في التنصت على الموجات الكهرومغناطيسية المنبعثة من المعدات الرادارية واللاسلكية، لتحديد تردداتها وخصائصها الفنية.

وتُعد أقمار الاستطلاع بالتصوير (الكهروبصري/ الراداري)، التطبيق العسكري لعلوم الاستشعار عن بُعد.

ج. أقمار الاستطلاع ذات المستشعرات الكهروبصرية في حيز الضوء المرئي

يعتمد هذا الأسلوب على استشعار الانعكاس الضوئي الساقط على الهدف، وذلك بتسجيله على الفيلم الحساس للكاميرا من خلال العدسة، ويكون التصوير إما رأسياً، وهو المستخدم عادة في التصوير من ارتفاعات عالية، أو مائلاً، لتصوير المناطق في توقيتات متقاربة، أو لتوفير صور مجسمة.

تتوقف القدرة على التحليل (رؤية الأهداف)، على البعد البؤري للعدسة، إضافة لعدة عوامل أخرى، سواء لنوع العدسات، أو نوع الفيلم المستخدم من حيث قدرته على التحليل والاستجابة لطول الموجة المستقبلة. وعادة ما يُستخدم أكثر من حيز في التصوير لجمع أكبر قدر من المعلومات، بحيث يتم الاستفادة من مميزات كل حيز، وهو المعروف باسم "التصوير متعدد النطاقات الطيفية" (Multi Spectral Photography). (اُنظر صورة فضائية عالية القدرة التحليلية) و(صورة تمييز أنواع الطائرات)

كان التصوير في الماضي على أفلام حساسة، لتتم المعالجة على الأرض بعد انفصال الكبسولة من الأقمار واسترجاع الفيلم، أما حالياً فتُلتقط الصور الفضائية بطريقة رقمية، وتُرسل إلى الأرض مباشرة، حيث تتم معالجتها وتحسينها بواسطة الحواسب الآلية من خلال حزم برامج خاصة، بغرض إظهار التفاصيل المطلوبة، ويمتاز هذا الأسلوب بالحصول على المعلومات بصورة شبة فورية، في حالة وجود محطة استقبال أرضية.

وللتطوير الكهروبصري بعض العيوب التي تحتم استخدام وسائل أخرى بديلة، وأهم هذه العيوب التأثر بالأحوال الجوية وظروف الرؤية الضعيفة، مثل السحاب، والغبار، والضباب، والتي تحد من قدراته، وقد تحول تماماً دون استخدامه. (اُنظر صورة القمر الاصطناعي الإسرائيلي أفق ـ 1)

د. أقمار الاستطلاع ذات المستشعرات الكهروبصرية (في حيز الأشعة تحت الحمراء)

تعتمد نظرية العمل على استشعار اختلاف درجات بين الهدف والمنطقة المحيط به، ونظراً لطبيعة هذه الإشعاعات الحرارية، فإنها تمر بفترات أفضل تُمكن من رؤية الأهداف تحت ظروف الإخفاء والتمويه غير الحراري، كما تحقق إمكانية العمل ليلاً ونهاراً، خلافاً للتصوير المرئي، ولن يعيبها ضعف القدرة التحليلية.

هـ. أقمار الاستطلاع ذات المستشعرات الرادارية

تغطي الرادارات حيزاً عريضاً من الطيف، وهي وسيلة إيجابية تعتمد على إرسال موجات كهرومغناطيسية في حيز الميكروويف، حيث تقوم بعملية مسح بأسلوب يشابه أنظمة رادار Synthetic Aperture Radar (SAR)، لتكوين صورة رادارية للأهداف والمناطق، تعتمد على اختلاف مقدار انعكاس الأشعة الرادارية من المناطق والأجسام.

وللاستشعار الراداري مميزات عديدة، أهمها قدرته على العمل في جميع الظروف الجوية ليلاً ونهاراًَ، ومحدودية تأثره بالعوامل الجوية، وقدرة الموجات الرادارية للمستشعر على اختراق طبقات الغلاف الجوي، في كل الظروف الجوية.

وتختلف الرادارات في خصائصها وقدراتها طبقاً للترددات المستخدمة ونوع المهمة. فقد تُستخدم ترددات تتيح تصوير الأهداف الأرضية وتحديد معالمها الخارجية فقط، في حين يُمكن استخدام رادارات أخرى ذات ترددات تسمح بالنفاذ المحدود لسطح الأرض، ويمتاز هذا النوع بالقدرة على التصوير في مناطق الغابات، وتصوير الأهداف الدقيقة داخلها.

و. أقمار الاستطلاع ذات المستشعرات إلالكترونية

وهي مستشعرات سلبية تعتمد على استقبال الإشعاعات الكهرومغناطيسية الايجابية المباشرة، المنبعثة من أجهزة الإرسال الرادارية الأرضية أو المحمولة جواً، كل حسب قدراتها وتردداتها. وتستخدم المستشعرات الالكترونية في أعمال التنصت اللاسلكي، وفي التعرف على إمكانية ونوع الأجهزة والمعدات من واقع دارسة وتحليل الإشارات الملتقطة. كما ترصد هذه الأقمار بيانات وإشارات التحكم والسيطرة بين المحطات الأرضية والأقمار الاصطناعية، خلال دورانها حول الأرض.

وقد أظهرت نتائج حرب تحرير الكويت الحاجة إلى تطوير منظومة الإنذار (DSP)K لتتبع الصواريخ أثناء مسارها، وخاصة في المرحلة التالية لمرحلة الدفع، حتى لا تقتصر مهامها على الإنذار لحظة الإطلاق. وفي هذا الإطار أُنتج نوع من أقمار الإنذار لتتبع الصواريخ في مرحلة طيرانها خارج الغلاف الجوي، وذلك لضمان استمرار الإنذار وتحديد اتجاه ومدى الصاروخ المهاجم بدقة. وتعرف هذه الأقمار باسم Mid Course Space Experiment (MSX)، وهي تحمل مستشعراً، يتكون من تلسكوب 12 بوصة مُركب عليه شريحة تحمل 2000 – 6000 مستشعر من مادة ذات حساسية عالية، في حيز الأشعة المنبعثة من محرك الدفع للصواريخ البالسيتية.

ثانياً: أثر أنشطة أقمار الاستشعار عن بُعد على الأمن القومي للدولة

إذا كان استخدام أقمار الاستشعار عن بُعد للكشف عن المصادر الطبيعية الكامنة على سطح الكرة الأرضية، سوف يؤدي إلى الاستغلال الأمثل لهذه المصادر، ما يؤدي في النهاية إلى رفاهية الشعوب والنمو الاقتصادي، بغرض عدم استغلال هذا النشاط لصالح دولة دون أخرى، فإن استخدامه في الأغراض العسكرية يؤثر على أهم عناصر الأمن القومي، وهو المحافظة على بقاء الدولة ذاتها. وهذا ما يحققه الحصول على المعلومات عن مصادر التهديد التي قد تعصف بالدولة وتهدد بقاءها.

وإذا كان العدوان، كما سبق تعريفه، ينحصر في القيام بأعمال إيجابية، فإن الحصول على المعلومات يعد من الأعمال الدفاعية التي تؤمن بقاء الدولة، وتنأي بها عن تهديد الدول الأخرى أو استخدامها للقوة المسلحة ضدها.

وتسعي الدول باستمرار إلى الحصول على المعلومات عن القدرات العسكرية للدول الأخرى، وخاصة فيما بين الدول الكبرى التي تمتلك القدرات النووية ووسائل إطلاقها العابرة للقارات فائقة الدقة. وفي مواجهة إمكانيات التدمير المفاجئ، فإن الحصول الفوري على المعلومات عن التجهيزات العسكرية، أو حتى بدء الإجراءات للاستعداد للقتال في هذا الاتجاه، قد يقلل من هذا الخطر، حيث يعطي ذلك إنذاراً مبكراً باحتمال وقوع هجوم نووي، أو الاستعداد للقيام به، ومن ثم يمكن للدول المُهدّدة اتخاذ الإجراءات الأمنية المضادة، من طريق الحصول على المعلومات من أقمار الاستشعار عن بُعد، التي تتبع التطور النووي أو التطور في وسائل الإطلاق الإستراتيجية. كذلك تطور حجم ونوع وأماكن الأسلحة التنفيذية الأخرى، ما يقلل من احتمال وقوع عمل عدائي اعتماداً على مخاوف غير معلومة، أو التصرف دفاعاً عن النفس عندما يُهدد الأمن القومي للدولة.

ثالثاً: استخدام الفضاء الخارجي في أعمال الجاسوسية

إن الحجة النهائية التي يسوقها الذين يعارضون عمليات الرصد العسكري من طريق أقمار الاستشعار عن بُعد، هي الادعاء بأن هذه الأنشطة تنطوي على عمل من أعمال الجاسوسية.

وقد قال بهذا الادعاء، منذ بداية الستينيات، الاتحاد السوفيتي (السابق)؛ ولكن مع استمرار تطور وسائل جمع المعلومات من الفضاء، أصبح الاتحاد السوفيتي من الدول الرئيسية التي تجمع المعلومات العسكرية من الفضاء الخارجي.

والجاسوسية عمل يتسم بالتخفي والخداع، الغرض منه الحصول على المعلومات بطريقة سريعة، بغرض نقل هذه المعلومات عن العدو. ولا تتوقف أعمال الجاسوسية على جمع المعلومات العسكرية، بل تتعداها إلى جمع المعلومات عن كل ما يؤثر على أمن الدولة، من معلومات اقتصادية وسياسية واجتماعية، بل وحتى الرأي العام والتأثير فيه.

وتصبح للجاسوسية دلالة ايجابية أثناء العمليات العسكرية، وفي مناطق العمليات على وجه الخصوص. وعلى الرغم من ذلك ينظر بعض الناس إلى الجاسوسية على أنها لا تشكل جريمة من جرائم الحرب، وليست انتهاكا للقانون الدولي، بل ينادون بضرورتها استناداً للأمن العسكري.

وفي ضوء هذا التعريف، فإن الفحص السريع للادعاء بأن المعلومات التي تجمعها أقمار الاستشعار عن بُعد تعد شكلاً من أشكال الجاسوسية، يبدو في غير محله، وذلك للآتي:

1. إن أقمار الاستشعار عن بُعد لا تعمل أثناء الحرب فقط، أو في منطقة العمليات فحسب، بل تعمل، أيضاً، في فترات السلم وفوق مناطق قد تشمل الكرة الأرضية كلها.

2. لا يكتنف أنشطة هذه الأقمار السرية ولا تجري في الخفاء، فهي تعمل علانية وبطريقة مفتوحة، بل إن البيانات التي تجمعها بعض التوابع تكون متاحة لعدد كبير من الدول.

3. مع استمرار تطور أقمار الاستشعار عن بُعد الاصطناعية، وزيادة عدد المحطات الأرضية لاستقبال البيانات، ومع زيادة عدد الدول المشتركة في الأنشطة الفضائية، سوف تكون هذه البيانات متوافرة لجميع الدول.

4. ليس هناك أي نوع من الانتهاك لأراضي الدول الأخرى، نتيجة نشاط هذه الأقمار.

وفي هذا يمكن تشبيه الاستشعار عن بُعد بالمراقبة من أعلى البحار، الذي يعد انتهاكاً للقانون الدولي. وهذا ما اعترفت به لجنة الأمم المتحدة لاستخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية، يمكن لأي دولة أن تستخدم أقمار الاستشعار عن بُعد لأغراض المراقبة وجمع المعلومات. وأن المراقبة من الفضاء الخارجي تتمشي مع القانون الدولي، تماماً مثل المراقبة من البحار.

وهكذا، فان الاستشعار عن بُعد، حتى ولو كان لأغراض العسكرية، فإنه لا يعد اعتداءً مباشراً من دولة على دولة أخرى. وهو لا يعد عملاً غير قانوني أو عدواني، ومن ثم فإنه غير محرم بواسطة القانون الدولي.

1. تأمين الدولة ضد عمليات الحصول على المعلومات من الفضاء الجوي

ترتبط عمليات جمع المعلومات من الفضاء الجوي ارتباطاً وثيقاً بمبدأ سيادة الدولة على فضائها الجوي، سيادة كاملة وشاملة، حيث يعد الفضاء الجوي عنصراً من عناصر الإقليم لا ينفصل عنه. كذلك فقد نصت المعاهدات المختلفة التي تنظم الطيران في المجال الجوي، على تأمين الدول ضد أعمال جمع المعلومات عن أراضي الدول أثناء تحليق هذه الطائرات في المجال الجوي لها.

فقد نصت معاهدة شيكاغو، عام 1944، في المادة التاسعة منها، على أن "لكل دولة متعاقدة الحق في أن تُقيد أو تحرم بصفة موحدة، تحليق طائرات الدول الأخرى فوق مناطق معينة من إقليمها". وقد حددت الاتفاقية سببين لهذا المنع، وهما الضرورات العسكرية، والأمن العام.

كذلك في مؤتمر باريس الدولي للملاحة الجوية، عام 1910؛ فقد حظي عامل تأمين الدولة باهتمام شديد، وقد عدّ المؤتمر التجسس من الفضاء الخارجي أحد الأخطار الرئيسية التي تهدد أمن الدولة. وقد توصل المؤتمر إلى تحقيق أمن الدولة ضد الجاسوسية بتحريم وتنظيم كل استخدام يؤدي إليها مثل:

أ. تحريم التحليق فوق مناطق معينة (مناطق محرمة).

ب. تحريم وتنظيم عمل أو استعمال بعض الأشياء التي يمكن أن تستخدم في الجاسوسية، وهي آلات التصوير، وأجهزة اللاسلكي، والطيور الحاملة للرسائل.

2. مبادئ الاستشعار عن بُعد لعام 1986

حددت مبادئ الاستشعار عن بُعد الآتية:

أ. حدد المبدأ الأول من هذه المبادئ في الفقرة الأولى تعريفاً للاستشعار عن بُعد، الذي تحكمه هذه المبادئ، حيث نص على أن عبارة "الاستشعار عن بُعد" تصف استشعار سطح الأرض من الفضاء الخارجي، باستخدام خواص الموجات الكهرومغناطيسية التي تصدرها أو تحيدها الأجسام المستشعرة، من أجل تحسين إدارة الموارد الطبيعية واستغلال الأراضي وحماية البيئة. ومن هذا التعريف يمكن القول إن أنشطة الاستشعار عن بُعد التي تخرج عن هذا التعريف، أي لا تمس الموارد الطبيعية أو استقلال الأراضي أو حماية البيئة، لا تحكمها هذه المبادئ.

ب. يحدد المبدأ الثاني ضرورة أن تكون أنشطة الاستشعار عن بُعد ذات فائدة لجميع الدول ولمصلحتها، إلا إذا عُدّ ذلك مما يؤدي إلى حفظ السلم والأمن الدوليين.

ج. يؤكد المبدأ الثالث على ضرورة أن تكون هذه الأنشطة وفقاً للقانون الدولي، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة ومعاهدة الفضاء الخارجي.

د. أما المبدأ الرابع، ففيه نص ذي صلة كبيرة بالموضوع، حيث تنص الجملة الأخيرة في هذا المبدأ على أنه "ينبغي عدم الاضطلاع بهذه الأنشطة بطريقة تنطوي على الإضرار بالحقوق والمصالح المشروعة للدولة المستشعرة". وبالتأكيد فإن أي جمع معلومات عسكرية يُعد إضراراً بالدولة المستشعرة، ويندرج تحت هذا النص، إلا إذا جادلنا بأن هذه المبادئ لا تحكم إلا الأنشطة الخاصة بالموارد الطبيعية واستغلال الأراضي وحماية البيئة.

هـ. وينص المبدأ الرابع عشر، الذي يتحدث عن تحمل الدولة المسؤولية الدولية عن مباشرة أنشطتها في الفضاء الخارجي، على أن هذا المبدأ لا يخل بانطباق قواعد القانون الدولي بشأن مسؤولية الدول عن أنشطة الاستشعار عن بُعد.

3. محاولات تبرير الجاسوسية من الفضاء الخارجي

تحاول كثير من الآراء تبرير أعمال جمع المعلومات الخاصة بالنواحي العسكرية عن الدول الأخرى، أو ما يُطلق عليه "الجاسوسية"، على أساس أنها ضرورة دفاعية حتمية في العصر النووي، وعاملاً أساسياً في تحقيق أمن الدول القائمة به، ما يحقق استتباب السلم والأمن الدوليين. لذلك فإن حرية الحصول على هذه المعلومات سوف يدفع بالعالم إلى مرحلة جديدة من الانفتاح للفضاء، على خطورة ومساوئ السرية في المجتمعات المغلقة، ومن ثم يصبح العالم بلا أسرار وتصبح الحقائق الخاصة بالقوي العالمية معروفة وفعلية، وأن هذه العلانية سوف تؤدي إلى تحقيق السلم والأمن الدوليين. كما أن الاتحاد السوفيتي (السابق) طور من موقفه وأصبح هو الأخر يقوم بأنشطة تجسس مماثلة لما يقوم به الغرب. وهو يؤسس ذلك على مبدأ "الأيدي النظيفة clean hands"، الذي ينص على أن "من لا يتقيد بالالتزامات المتبادلة تجاه أحد الأطراف، ليس له أن يستفيد من عدم تقيد الطرف الثاني ببعض هذه المعلومات".

وعلى الرغم من دفاع الكثيرين عن عمليات الاستطلاع العسكرية التي تجري من الفضاء الخارجي، فينبغي أن تؤخذ هذه المعلومات بكثير من الحذر والدقة. إذ يمكن أن يؤدي إساءة تفسير المعلومات إلى إثارة مشاكل دولية حادة.

رابعاً: نظرة واقعية على تأثير "الاستشعار عن بُعد" على الأمن القومي للدول

إذا كان عصر الفضاء قد بدأ بارتياد أول سفينة للفضاء، عام 1957، فإنه بعد ما يقرب من خمسة وأربعين عاماً فإن تقنية الاستشعار عن بُعد تطورت تطوراً كبيراً، وزاد عدد الدول التي تستخدم هذه التقنية. فبعد أن كانت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي (السابق)، هما الدولتان الوحيدتان اللتان تحصلان على فوائد ومكاسب هذا النشاط، انضم العديد من الدول لذلك الميدان، مثل فرنسا، وإنجلترا، واليابان، والهند، والبرازيل، وإسرائيل. وتحاول غالبية الدول الآن الحصول على المعلومات من البرامج العاملة في مجال الاستشعار عن بُعد.

وتختلف مواقف الدول بين أنشطة الاستشعار عن بُعد، سواء للبيانات الخاصة بالمصادر الطبيعية، أو للمعلومات الخاصة بالأمن القومي. فالدول المتقدمة التي تمتلك الإمكانيات التكنولوجية للفضاء تنادي بحرية تداول هذه المعلومات، بل ترى أن من حقها مراقبة حركة القوات وغيرها من الأنشطة التي تقوم بها الدول الأخرى، والتي يحتمل أن تهددها، بغرض تحديد طبيعة هذه الأنشطة والحصول على إنذار مبكر عن نية العدو وأهدافه.

أما الدول الأقل تقدماً، أو المتخلفة تقنياً، فهي تعارض حرية تداول المعلومات وتعارض استخدام الفضاء للحصول على معلومات عن أراضي هذه الدول، سواء كانت هذه المعلومات خاصة بالمصادر الطبيعية، أو بالنواحي العسكرية. وقد وصل بعضها إلى درجه إدعاء السيادة على أجزاء من المدار الثابت للأرض، الذي يبتعد عشرات الآلاف من الكيلومترات عن سطح الأرض. كذلك نلاحظ تغير مواقف بعض الدول من المعارضة التامة لحرية المعلومات، إلى المطالبة بحرية المعلومات، بعدما تغير موقفها من دول متخلفة تقنياً إلى دول لها نشاط فضائي تحصل منه على المعلومات، سواء كان هذا النشاط خاصاً بها، أو بالتعاون مع الدول المتقدمة. وهذا السباق نفسه مر بهذه المراحل من التطور الفكري، من المعارضة التامة إلى القبول بحرية المعلومات.

إذن، يمكن القول إن مقدرة الدولة في مجال تقنية الفضاء هي التي تشكل موقفها تجاه النواحي القانونية المتعلقة بأنشطة جمع المعلومات، سواء الاقتصادية منها أو العسكرية. ولم يؤثر كل هذا الجدل والنقاش والحجج القانونية، منذ عام 1957 وحتى الآن، على سير الدول، التي لها قدرات على ارتياد الفضاء، في برامجها ومتابعة أنشطتها، بل إن من حاول الاستفادة من فوائد هذه الأنشطة من خلال التعاون الدولي، حصل عليها، ومن تقاعس جانباً، حرم نفسه من أهم المصادر التي تيسر وتوفر المعلومات، ألا وهو عنصر الاستشعار عن بُعد.

وتبقي هنا الإشارة إلى أنه ينبغي على الدول التي تخشى على أمنها القومي من أنشطة الاستشعار عن بُعد، أن تشارك في الجهود الدولية التي تُبذل في الفضاء الخارجي، وتطور من نفسها ومن قدراتها، حتى يمكنها اللحاق بركب التقدم العلمي، في عالم يحكمه الأقوياء والأغنياء والعلماء.

أما من جانب الأمم المتحدة، فإن حل هذا الخلاف الذي تسببه الثغرة الهائلة بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة، فقد يكون بإنشاء أجهزة قادرة على استقبال ونشر البيانات والمعلومات من أجهزة الفضاء المختلفة، كذلك بتقديم المساعدات التقنية للدول النامية، ما يزيل مخاوفها ويشجعها على ارتياد الثورة الجديدة في ميدان المعلومات.

خامساً: السيادة على الفضاء الجوي وحرية الفضاء الخارجي

يُعد استشعار الأرض عن بُعد بواسطة الأقمار الاصطناعية من أهم الاستخدامات التجارية للفضاء الخارجي. وتتعدد وسائل استشعار الأرض عن بُعد؛ فما يمكن تنفيذه من الفضاء الخارجي بواسطة الأقمار الاصطناعية، يمكن تنفيذه كذلك من المجال الجوي بواسطة الطائرات. وتختلف الوسيلتان من الناحية القانونية اختلافاً جوهرياً، فالاستشعار عن بُعد باستخدام الأقمار الاصطناعية يكون من الفضاء الخارجي، ومن ثم يحكمه مبدأ حرية استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي، الوارد في معاهدة الفضاء الخارجي؛ بينما استشعار الأرض بواسطة الطائرات من المجال الجوي، يحكمه مبدأ السيادة الوطنية للدولة على مجالها الجوي.

وقد كانت عملية تعيين الحدود بين الفضاء الخارجي والفضاء الجوي من أهم المشاكل التي مازالت تحظى بمناقشات وأراء عديدة، وهي مازالت قيد البحث في اللجنة الفرعية القانونية التابعة للجنة الأمم المتحدة لاستخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية. ويمكن القول إن 90% من العمل في قانون الفضاء الجوي متعلق بهذه المسألة، التي استمرت تشغل أذهان الفقهاء وصانعي القرار في كل مكان. ويظهر الاهتمام الكبير بالحدود بين هذين المجالين نظراً للاختلاف القانوني بين كل من الفضاء الخارجي والفضاء الجوي؛ فالأول غير قابل للتملك بادعاء السيادة أو بأي وسيلة أخرى، فهو حر للاستخدام في الأغراض السلمية لكل الدول، بينما يخضع الثاني لسيادة الدولة التي يعلوها ويعد جزءاً من أراضيها. وعلى الرغم من أهمية تحديد مدى امتداد سيادة الدولة في الارتفاع، إلا أن هذا الارتفاع لم يحدد حتى الآن.

وعلى الرغم من أنه سبق تناول هذه المسالة بالتفاصيل، إلا أن البحث فيها الآن يقتصر على الأثر الذي يتركه الاستشعار عن بُعد، كنشاط يُمارس في الفضاء الخارجي، على سيادة الدولة. كذلك فإن زيادة التقدم التقني يزيد من حدة المشكلة ويظهر الحاجة إلى تحديد الفضاء الخارجي، لتأثر كثير من المصالح الحيوية للدول، مثل محافظة الدول على مصادرها الطبيعية، وحماية أمنها القومي، بالأنشطة التي تمارس من الفضاء الجوي. وتهتم الكثير من الدول اهتماماً كبيراً بعملية نقل البيانات التي تجمعها أقمار الاستشعار عن بُعد إلى أطراف أخرى، قد تكون معادية، وترى هذه الدول أن جمع المعلومات عن أراضيها انتهاكاً لسيادتها الوطنية.

ويظهر ذلك من النصوص التي نادت بسيادة الدولة على فضائها الجوي، اعتباراً من عام 1919، عندما عُقدت اتفاقية باريس في ذلك العام .وفيها تم الاعتراف بمبدأ سيادة الدولة على فضائها الجوي بصورة واضحة. فقد نصت المادة الأولي منها على أن "تقرر الأطراف المتعاقدة أن لكل منها سيادة كاملة مطلقة على الفضاء الجوي الذي يعلو إقليمها". غير أن الاعتراف بمبدأ السيادة في اتفاقية باريس لم يغفل الجانب الخاص بمصلحة الجامعة الدولية في حُسن تسيير الملاحة الجوية بين الدول. فقد نصت المادة الثانية من هذه الاتفاقية على "التزام الدول المتعاقدة بأن تمنح وقت السلم حرية المرور البريء للطائرات التابعة للدول المتعاقدة الأخرى"، بشرط مراعاة القواعد المنصوص عليها في الاتفاقية. وبهذا يكون مبدأ السيادة الذي قررته الاتفاقية غير مُطلق ولكنه مُقيد بحق المرور البريء.

كذلك جاءت اتفاقية شيكاغو، عام 1944، لتؤكد ما جاء في اتفاقية باريس في مادتها الأولي التي نصت على "اعتبار الفضاء الجوي عنصراً تابعاً لإقليم كل دولة ويخضع لسيادتها الكاملة والمطلقة". وقد ظهرت المحافظة على مصالح الدول في مقابل مبدأ حرية المجال الجوي في أراء العديد من الفقهاء. فقد أوضح فوشيه أن مبدأ حرية الهواء لا يتعارض مطلقاً مع ما للدولة من حق في المحافظة على مصالحها المشروعة، وأن تطبيق مبدأ الحرية يجب أن يُقترن بالمحافظة على أمن وسلامة المواطنين وأموال الدولة والأشخاص المقيمين على إقليمها البري والمائي.

ويري أنصار مبدأ السيادة المطلقة للدولة على المجال الجوي، بوجوب اعتبار طبقات الهواء الواقعة فوق إقليم الدولة جزءاً من هذا الإقليم ومتممة له، ويخضع لسيادتها وسلطانها، وتباشر عليه كافة اختصاصاتها التي تزاولها على إقليمها البري والمائي. وبقيت الفكرة نفسها لمدة ثلاثين عاماً بعد اتفاقية باريس دون تغيير. فقد نصت اتفاقية الطيران المدني، عام 1947، في المادة الأولي على الشيء نفسه، وهو امتداد سيادة الدولة على الفضاء الجوي الذي يعلو أراضيها.

وهناك عاملان أحدهما قانوني والأخر عملي، يقولان بعدم إمكانية مد السيادة الوطنية إلى ما لا نهاية في الارتفاع.

1. العامل الأول: وهو تناقض امتداد سيادة الدولة الأرضية إلى الفضاء الخارجي، مع نصوص معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967.

2. العامل الثاني: تعارض أي امتداد للسيادة الأرضية إلى الفضاء الخارجي مع الحقائق العلمية، مثل دوران الأرض حول محورها ودورانها حول الشمس؛ فلا يوجد مكان معين على الأرض يعد ثابتاً للفضاء الذي يعلو الفضاء الجوي، وأن السيادة الأرضية للدولة في الفضاء الخارجي لا يمكن تحديدها، نظراً لتداخل الحدود السيادية الأفقية للدول، حيث لا يمكن تمييز أو تحديد الحدود الجغرافية للدول من الارتفاعات الشاهقة للفضاء الخارجي.

وتجدر الإشارة هنا إلى ما يقول به بعض فقهاء القانون الدولي من وجود عُرف دولي يحكم أنشطة الدول في الفضاء الخارجي؛ فإذا كان العُرف الدولي هو سلوك دولي يتمثل في اعتياد التصرف على نهج معين في صورة عمل أو امتناع عن عمل والشعور بإلزامية هذا التصرف، بمعني النظر إليه على أنه يمثل حقاً أو واجباً يكفله القانون، فإن قواعد العُرف الدولي تقوم على الحقائق التالية:

1. ممارسة عدد من الدول لموقف معين في إطار العلاقات الدولية.

2. استمرار أو تكرار هذه الممارسة لفترة من الزمن.

3. الاعتقاد بأن هذه الممارسة لفترة مطلوبة أو ضرورية بواسطة القانون الدولي السائد.

4. الاعتراف العام بهذه الممارسة بواسطة الدول الأخرى.

ونظراً لاعتياد استخدام الدول للفضاء الخارجي في شتي المجالات دون اعتراض الدول الأخرى، فإنه يمكن استنتاج وجود قاعدة عُرف دولي تسمح للدول أن تُطلق وأن تدير توابع اصطناعية في مدارات حول الأرض.

ولا ينقص من ذلك الرأي القائل بأن عدم اعتراض الدول على أنشطة الفضاء الخارجي لا يؤدي إلى نشوء قاعدة عُرف دولي تؤيد حرية الفضاء الخارجي، حيث إن سماح هذه الدول بهذا النشاط لم يكن سوى مساعدة منها في هذا العمل العلمي، الذي تعم فوائده وفوائد استكشاف الفضاء الدول عامة.

وقد مارس الاتحاد السوفيتي (السابق) والولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأخرى أنشطتها في الفضاء الخارجي، منذ عام 1957، في مهام عديدة، سواء للاستشعار عن بُعد، أو للاتصالات، أو للبث الإذاعي المباشر، والبث التلفزيوني المباشر. ولم تعترض أية دولة على ذلك ولم تطلب أياً منها ضرورة الحصول على موافقتها المسبقة على الأنشطة التي تتم في الفضاء الخارجي الذي يعلو أراضيها، بل إن جميع الدول تحاول أن تشارك من خلال التعاون الدولي في هذه الأنشطة، بغية الاستفادة من ثمارها. وتمارس الولايات المتحدة الأمريكية أنشطتها في الفضاء الخارجي بحرية تامة، مؤكدة حقها الثابت في ذلك طبقاً للعُرف الدولي، وطبقاً للمعاهدات الدولية التي تنظم أنشطة الدول في الفضاء الخارجي.

وقد يسرت الولايات المتحدة الأمريكية للدول الأخرى الاشتراك في أنشطة الاستشعار عن بُعد، وجمع المعلومات من الفضاء الخارجي في إطار التعاون الدولي. كما أبدت استعدادها للمشاركة في تفسير البيانات المتحصل عليها مع باقي دول العالم. وقد أدى ذلك إلى حرية نشر كل البيانات التي جرى تفسيرها، نتيجة لهذا التعاون. كما أدى إلى تدريب العديد من الفنيين في الدول الأخرى على تفسير البيانات، خاصة العاملين في الدول النامية.

وعلى جانب أخر، ترى العديد من الدول تأثر سيادتها بأنشطة الاستشعار عن بُعد، سواء أثناء عملية جمع المعلومات، أو أثناء تداول هذه المعلومات، خاصة ما يتعلق منها بالمصادر الطبيعية للدولة، واحتمال استخدام هذه المعلومات للإضرار بالدولة، ما يؤثر تأثيراً بالغاً على السيادة المطلقة للدولة على مصادرها الطبيعية.

سادساً: للأقمار الاصطناعية التجسسية قدرات مذهلة وسرية، منها التصوير داخل المباني والتقاط الأصوات وقراءة عقول البشر كهرومغناطيسيا بواسطة الموجات

لا يعرف غالبية سكان العالم بأن لدى الأقمار الاصطناعية القدرة على القيام بعمليات مدهشة، وأحيانا مخيفة، وينبغي ألا يستغرب أحد من هذه الحقيقة، لا سيما عندما تأخذ بالاعتبار الجهود المضنية والاستثمارات الهائلة التى وجهت لتطوير تقنية هذه الأقمار، منذ انطلاق القمر السوفيتي سبوتنيك (Sputnik)، عام 1957، والذي سبب الذعر فى الولايات المتحدة الأمريكية.

ويمكن لأقمار التجسس الاصطناعية مراقبة كل حركة من حركات الشخص المستهدف، حتى وإن كان الهدف موجوداً فى منزله أو في أعماق مبنى ضخم أو مسافراً في سيارة على الطريق السريع، ومهما كانت حالة الطقس (غائم أو ممطر أو عاصف). باختصار، لا يوجد مكان على وجه الأرض يمكن الاختباء فيه، حيث لا يتطلب الأمر سوى ثلاثة أقمار اصطناعية لجعل الكرة الأرضية تحت المراقبة التجسسية المستمرة. وإضافة إلى قدرة هذه الأقمار على تعقب كل حركة من حركات الشخص، وإرسال البيانات إلى شاشة كمبيوتر على الأرض، فإن لديها قدرات مدهشة أخرى، بما في ذلك قراءة أفكار الشخص (Mind Reading)، والتنصت على المحادثات والتحكم بالأجهزة والأدوات الإلكترونية لاسلكياً، وكذلك مهاجمة الأشخاص المستهدفين بأشعة الليزر. قد تبدو عملية قراءة الأفكار عن بُعد بواسطة هذه الأقمار عملية غريبة ومستحيلة، ولكن هذا هو ما يحدث فعلاً، إنها في الوقت الحالي حقيقة وليست فكرة مستوحاة من خيال تشاؤمى للمستقبل.

وعلى الرغم من أن للأقمار الاصطناعية قدرات سرية ومذهلة، إلا أن قدراتها المعروفة لها تأثير واضح تماماً فى حياتنا اليومية. تشير التقارير إلى أن الصناعة الخاصة بالأقمار الاصطناعية حققت إرباحاً، في عام 1998، تُقدر بمبلغ 26 مليار دولار. ويمكننا مشاهدة البث التلفزيوني العابر للقارات من خلالها، وإجراء مكالمات هاتفية لمسافات بعيدة، ومعرفة حركة السحب وأحوال الطقس من خلال صور هذه الأقمار التي تظهر على شاشات التلفزيون، وتحديد اتجاهاتنا الجغرافية بمساعدتها من خلال نظام تحديد المواقع العالمي (GPS). ومع ذلك فالتكنولوجيا المفيدة للأقمار الاصطناعية تخفي وراءها تطبيقات سرية وخطيرة، خلافاً للأقمار الاصطناعية المستخدمة في البث الإذاعي والتلفزيوني واستكشاف الفضاء, يكاد لا يكون للأقمار الاصطناعية التجسسية تطبيقات مدنية على الإطلاق، سوى إخضاع الأعداء للرقابة.

وبخصوص تعقب الأشياء من الفضاء، كتب "فورد روان" مؤلف كتاب "الجواسيس التقنية Techno Spies ما يلي: "بعض الأقمار الاصطناعية العسكرية الأمريكية مزودة بمستشعرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء، يمكنها التقاط الحرارة المنبعثة على الأرض بواسطة الشاحنات والطائرات والصواريخ والسيارات، وحتى في الأيام الغائمة يمكن للمستشعرات اختراق السحب والتقاط أنماط الحرارة المنبعثة و إظهارها على شاشة تلفزيونية. ففي أثناء حرب فيتنام تم اختبار مستشعرات الأشعة تحت الحمراء من الجو، وأمكن من خلالها تعقب الجنود الأعداء وهم يتحركون فرادى على الأرض". آخذين في الاعتبار أنه بهذه الإشارة يمكن تحديد عام 1970 كتاريخ بداية الرقابة عبر الأقمار الاصطناعية، ونهاية خصوصية العديد من البشر.

إن الهيئة الحكومية المنخرطة بشكل كبير فى تطوير تقنية الرقابة بالأقمار الصناعية، هي وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة (DARPA)، وهى ذراع تابع لوزارة الدفاع الأمريكية، على الرغم من أن وكالة الفضاء الأمريكية (NASA) تتولى مسؤولية الأقمار الاصطناعية المستخدمة للأغراض المدنية، إلا أنه لا يمكن الفصل التام بين الأقمار الاصطناعية المدنية والعسكرية. وتطلق وكالة الفضاء الأمريكية كافة الأقمار الاصطناعية من قاعدة كيب كينيدي في فلوريدا، أو قاعدة فاندينبرج الجوية في كاليفورنيا، سواء كانت تلك الأقمار تابعة للجيش أو لوكالة المخابرات المركزية (CIA)، أو تابعة لشركات أو تابعة لوكالة الفضاء نفسها. إن إطلاق الأقمار ووضعها في مداراتها عملية باهظة التكاليف.

ولا يمكن، أيضاً، التمييز بشكل تام بين الأقمار الاصطناعية الحكومية والخاصة، إذ إن الأبحاث التي تقوم بها الوكالة يمكن تطبيقها لتطوير كافة أنواع الأقمار. فلا يتم تصنيع هذه الأقمار من قبل وكالة الفضاء الأمريكية، أو من قبل وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة (DAPRA)، ولكنها تصدر تراخيص لاستخدام التكنولوجيا، وتنتج العديد من الشركات الأجزاء الصلبة.

تتضمن قائمة الشركات العاملة في صناعة الأقمار الاصطناعية الشركات التالية: لوكهيد (Lockheed), وجنرال دينامكس (General Dynamics), وآر سي إيه (RCA), وجنرال اليكتريك (General Electric), ووستنجهاوس (Westinghouse), وكومسات (Comsat), وبوينج (Boeing), وهيوز إيركرافت (Hughes Aircraft), وروكيل إنترناشيونال (Rockwell International)، وجرومان (Grumman Group)، وسي إيه إي إلكترونيكس (CAE Electronics)، وتريمبل نافيجيشن (Trimble Navigation)، وتي أر دبليو (TRW).

إضافة إلى ذلك، يمكن للقمر الاصطناعي التجسسى تعقب الكلام البشرى. فقد ذكر باروز بأن الأقمار الاصطناعية يمكنها التنصت على المحادثات من الفضاء، حتى وإن كنت في مبنى عالٍ وكان فوقك عشرة طوابق وتحتك عشرة طوابق، فإن القمر الاصطناعي يمكنه التجسس على صوتك دون عائق، سواء كنت في داخل مبنى أو خارجه، وفى أي طقس، وفى أي مكان في العالم، وفى أي وقت من اليوم، فإن القمر الاصطناعي الذي يدور بسرعة دوران الأرض (geosynchronous)، بحيث يبدو وكأنه واقف فوق نقطة معينة، يمكنه التقاط كلام الهدف البشري. ويبدو أنه لا يوجد مهرب من تنصت الأقمار الاصطناعية على الكلام إلا بالدخول في أعماق مبنى محصن بدرع سميك من مادة الرصاص.

وهناك قدرات أخرى متنوعة للأقمار الاصطناعية، مثل التلاعب بالأدوات والأجهزة الإلكترونية، كأجهزة الإنذار، وساعات اليد، وساعات الحائط الإلكترونية، وأجهزة التلفاز والراديو، وأجهزة كشف الدخان، وكذلك الأنظمة الكهربائية للسيارات.

وهناك قدرة مرعبة أخرى للأقمار الاصطناعية ، وهى التلاعب بعقل الشخص بواسطة "رسالة" صوتية خفية (Audio Subliminal Message)، وهو صوت ضعيف جداً لا يمكن أن تسمعه الأذن بشكل واعٍ، ولكن يستقبله العقل اللاواعي، ليقوم الشخص بعمل ما تريد منه فعله، ولا يهم أن يكون نائماً أو مستيقظاً. ويمكن لرسالة من هذه الرسائل إجبار الشخص على قول شيء تريده أن يقوله وبطريقة عفوية جداً، بحيث لا يمكن لأحد إدراك أن تلك الكلمات تمت صياغتها من قبل شخص آخر.

ولا يوجد حد لمدى الأفكار التى يمكن أن تلقن لشخص لا يدري بما يحدث كي يقولها، فيمكن التلاعب بالشخص المستهدف بحيث يقوم بفعل شائن، وقد يجعل الأشخاص المحيطين بالشخص المستهدف أن يقولوا أشياء تجرح الشخص المستهدف. من ناحية أخرى، فإن الشخص النائم أكثر عرضة لهذه التقنية، ويمكن التلاعب بعقله كي يقوم بعمل شيء ما، وليس مجرد قول شيء ما.