إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / نظرية الأمن الإسرائيلي





نظام القبة الفولاذية
مقطع لمدينة القدس
التهديدات الخارجية المعادية لإسرائيل

أوضاع الدفاعية الإسرائيلية في الجولان
أوضاع الدفاعية الإسرائيلية في سيناء
المناطق العازلة
الأوضاع النهائية في فلسطين
الهجمات الإسرائيلية على سورية
الضربة الجوية كولمب
العمليات على الجبهة الأردنية
العملية العين (حوريب)
العملية عوفداه
العملية قادش المعدلة
ضربة صهيون
عملية السلام من أجل الجليل



كلية الملك عبدالعزيز الحربية

ثانياً: نظرية الأمن الإسرائيلي حتى نهاية التسعينيات

يقول إيهود باراك “Ihud Barak” "رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، ورئيس الوزراء في نهاية التسعينيات (14 مايو 1999)": "أنه من الناحية الأمنية لا يبدو لي أننا نستطيع خفض حالة التأهب، أو تقليص ميزانية الدفاع، ذلك أن خطر تفاقم الوضع الأمني الإسرائيلي مايزال قائماً، وطالما لم تتغير المواقف الأساسية لدى أعداء إسرائيل، فلا يجوز لها أن تقلص قدرتها الدفاعية، وستظل قوة الجيش الإسرائيلي شرطاً لوجود إسرائيل".

تشكل نظرية الأمن المنتظرة، المفاهيم الشاملة السياسية والعسكرية، التي يتم من خلالها تحقيق الأمن القومي لإسرائيل، وهو الإطار الذي تعمل من خلاله، على تعظيم مميزاتها الذاتية والإقليمية والدولية، مع العمل، في الوقت ذاته، على التغلب أو تأمين معطيات ضعفها الإستراتيجية، بهدف هزيمة أي عدائيات وتحقيق هدفها القومي، وذلك من خلال تبنى عدد من المفاهيم الإستراتيجية والعسكرية المتطورة والملائمة. وهي تشمل عدة عناصر، لعل أبرزها العقيدة الإستراتيجية العسكرية، التي تُشكل في السياق نفسه، الإطار لسياستها العسكرية التي تعمل من خلالها عل تطوير وتطبيق إستراتيجيتها العسكرية.

وعلى الرغم من التغيرات الكثيرة، في ركائز نظرية الأمن الإسرائيلي منذ عام 1973، فإن هناك رأياً مفاده أنه لم يحدث تغيير جذري في نظرية الأمن الإسرائيلي، حتى نهاية التسعينيات. غير أن استمرار النظرية بمفاهيمها المبنية على التوسع والاستيلاء على أرض الغير، لم يعد من الأمور المنطقية، إذ بدأت إسرائيل التخلي عن الأرض، وإحلال السلام مع جاراتها، لا يعنى ذلك تخلى نظرية الأمن عن هذا المبدأ، وإنما قامت بتجميده مرحلياً.

1. التوجهات الرئيسية لنظرية الأمن الإسرائيلي، بعد التسوية

لا يُنتظر أن يتغير جوهر النظرية، بل سيظل كما هو، نتيجة لعدم وجود متغيرات إستراتيجية حادة، باستثناء مستقبل هضبة الجولان، الذي يمكن أن يؤثر عليها. من وجهة أخرى، من المنتظر أن يتم تعديل الإستراتيجيات العسكرية الإسرائيلية، لتتلاءم مع مختلف المتغيرات، ومن المرجح تغيير معظم مرتكزات النظرية لتتواكب مع متطلبات المستقبل.

نشرت إسرائيل الخطوط الرئيسية لنظرية أمنها، بمناسبة العيد الخمسين لإنشائها. وكان أبرز نقاطها:

أ. بالنسبة للفلسطينيين

(1) أمن إسرائيل هو أساس السلام، وأن جيشها يتمتع بحرية كاملة للعمل، في كل مكان يستدعي إليه.

(2) عدم إعطاء الفلسطينيين، أكثر من الحكم الذاتي، في إطار إسرائيل.

(3) المناطق الأمنية الحيوية للدفاع عن إسرائيل، والمستوطنات، ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية.

ب. الخطوط الرئيسية لنظرية الأمن

من أجل البقاء والأمن وسلامة الدولة والشعب ومجابهة الإرهاب، تُبنى نظرية الأمن الإسرائيلي على:

(1) إسرائيل لا تتحمل خسارة حرب واحدة.

(2) تتبنى إسرائيل إستراتيجية الردع، لضمان السلام والاستقرار، في الشرق الأوسط.

(3) تجنب الحرب، من خلال الوسائل الدبلوماسية، في إطار حلول معقولة.

(4) تجنب تصعيد الأزمات، في المنطقة.

(5) التصدي للإرهاب.

ترتكز إستراتيجية الدفاع على:

(1) قوات عاملة محدودة، تتمتع بإمكانيات عالية للإنذار المبكر، وتتعاون مع القوات الجوية، والبحرية.

(2) قوات احتياط ضاربة، ذات خفة حركة عالية.

(3) تستند الضربات المضادة، على جيش كبير متعدد الأنساق، يملك القدرة على سرعة نقل الحركة إلى أرض الخصم، وسرعة تحقيق أهداف الحرب.

القدرات العسكرية، لتحقيق الأهداف القومية تتحدد في:

(1) جهاز استخبارات وأنظمة معلومات متكاملة، على مستوى عال.

(2) القدرة العالية على تدمير الأهداف المتحركة.

(3) القدرة على الوصول للأهداف البعيدة.

(4) نظام دفاعي مضاد للصواريخ.

(5) القدرة على العمل في جميع الأجواء، وتحت الظروف الصعبة.

(6) نظام متقدم للتدريب.

مجالات العمل:

(1) الاستعداد الدائم والعالي لخوض الحرب.

(2) المجابهة الفورية للإرهاب، خاصة ضد فصائل المعارضة الفلسطينية.

(3) بناء القوات المسلحة، بقدرات تتناسب مع حروب المستقبل.

2. أبرز ركائز نظرية الأمن الإسرائيلي، حتى نهاية التسعينيات

أ. ضرورة توفر إنذار إستراتيجي موقوت، بما لا يقل عن 24 ـ 48 ساعة، لمنع تكرار المباغتة، ولإتاحة مساحة زمنية مناسبة، لإجراء التعبئة.

ب. العمل الوقائي، والهجوم المضاد المسبق[1]، استمراراً لاعتناقها هذا المبدأ، مع الحذر في تنفيذه، نظراً لمحاذير ذلك في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية.

ج. المبادرة، والضربة الأولى[2]، استمرار اعتناقهما كذلك، كسمتين يميزان جيش الدفاع الإسرائيلي، في ظل التهديدات التي تحيط بإسرائيل، نتيجة لعدم التوصل إلى سلام شامل، يحقق لها احتياجاتها الأمنية.

د. الحرب القصيرة الخاطفة.

هـ. نقل المعركة لأرض العدو.

3. أهداف نظرية الأمن الوطني الإسرائيلي

في إطار الهدف الوطني للصهيونية العالمية، الذي يدعو إلى "فرض وتأمين دولة يهودية في الشرق الأوسط، داخل أقصى حدود يمكن التوسع إليها، تجمع يهود العالم، وتسيطر على المنطقة العربية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وتحتل مكاناً بارزاً في المجتمع الدولي". فإن أهداف الأمن الوطني لإسرائيل تتمثل في الآتي:

أ. العمل على استكمال فرض شرعية الوجود الإسرائيلي، على شعوب المنطقة، بكل السبل المتاحة.

ب. تأمين المجال الحيوي، الذي يُحقق المطالب الأمنية لإسرائيل على حساب الأرض العربية.

ج. استمرار العمل على جذب الجزء الأكبر، من يهود العالم، للهجرة إلى إسرائيل.

د. ضمان استمرار التفوق الحضاري لإسرائيل، في منطقة الشرق الأوسط، وجعل الدولة المركزية الفعالة دائماً في المنطقة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً.

هـ. المحافظة على التحالف الوثيق، مع إحدى الدول العظمى.

وستظل هذه الأهداف ثابتة في مكونات معادلة الأمن القومي الإسرائيلي، وإنما تتغير الوسائل التي يمكن أن تتحقق بها، ارتباطاً بالظروف والمؤثرات الدولية والمحلية.

4. عناصر نظرية الأمن الإسرائيلي، حتى نهاية التسعينيات

يُنتظر أن تستمر إسرائيل في اعتناق العناصر التقليدية لنظرية الأمن، مع اختلاف مضمونها، ومع بعض الإضافات المحدودة.

أ. الحدود الآمنة

ارتبط مبدأ الحدود الآمنة، من حيث الجوهر، بإدراك قادة إسرائيل صعوبة الدفاع عن حدودها قبل 1967. ولم يكن هذا المبدأ منفصلاً عن المبدأ الهجومي، بل إن تكريس هذا الأخير كان ناتجاً عن غياب العمق الإستراتيجي، الذي يمثل أحد أهم متطلبات الحدود الآمنة. ولذلك تتمثل أهمية حرب 1967 بالنسبة لإسرائيل، فيما وفرته من حدود أكثر أمناً.

ويظل جوهر مبدأ الحدود الآمنة الإسرائيلي متعلقاً بالأرض، خاصة من حيث اتساعها النسبي، الذي يوفر العمق الإستراتيجي، إلى جانب تضاريسها من حيث وجود موانع طبيعية أم لا، وهذا الجوهر (الأرض) هو الذي سيتعرض لمراجعة مدى أهميته، في ضوء ثلاثة متغيرات، وفقاً لترتيب مكانتها وإمكانات تأثيرها، بغض النظر عن التسلسل الزمني، وهم: عملية التسوية العربية/ الإسرائيلية، والانتفاضة الفلسطينية، وتداعيات حرب الخليج الثانية (القصف الصاروخي العراقي لإسرائيل وهي دولة غير حدودية معها).

(1) تأثير عملية التسوية

يدل قبول قطاع متزايد من الإسرائيليين، لصيغة "الأرض مقابل السلام" باعتبارها مرتكزاً لعملية التسوية الراهنة، على الاستعداد للاعتماد على السلام، وليس فقط الأرض، لتحقيق الأمن مما يدل على حدوث تحول في النظرة للأهمية الأمنية للأرض، في مبدأ الحدود الآمنة. وتعود أصول هذا التحول إلى عملية السلام المصرية ـ الإسرائيلية، في نهاية السبعينات، التي قبلت إسرائيل بمقتضاها الانسحاب الكامل من سيناء، بعد إقامة ترتيبات أمن محددة، ومع أن معظم الإستراتيجيين الإسرائيليين يرفضون المقارنة، بين حالتي سيناء والجولان، ويطالبون بعدم القبول بانسحاب كامل من الهضبة السورية المحتلة. ذلك أن سابقة سيناء كانت بداية تحول رئيسي، في مبدأ الحدود الآمنة، وأهميته، ضمن نظرية الأمن الإسرائيلي. إنّ الإقرار بإمكانية الانسحاب عن جزء من الجولان، يمثل استمراراً لهذا التحول، وتعميقاً له كذلك، ويقود إلى تقويض جوهر ذلك المبدأ. فقد أدى اتفاق السلام الإسرائيلي الأردني، وكذلك اتفاق إعلان المبادئ الفلسطيني الإسرائيلي (غزة – أريحا أولاً)، وما تلاه من اتفاقيات، إلى وجود كيان فلسطيني يعيش مع كيان إسرائيلي. فإذا قبلت إسرائيل كذلك بأولوية السلام على الأرض، في علاقتها مع سورية، فإن إعادتها للجولان ستكون نهاية لمبدأ الحدود الآمنة بصورتها التقليدية. ستعتمد إسرائيل في منظورها الجديد لنظرية الأمن على صيغة جديدة، قد تكون نطاقات أمن في أراضي الغير، (مناطق محدودة القوات والسلاح بشكل مشابه لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية)، أو تفسير جديد، لمبدأ الحدود الآمنة، يتمشى مع عصر الصواريخ.

(2) تأثير الانتفاضة الفلسطينية

أهم تأثيرات الانتفاضة الفلسطينية الكبرى، التي بدأت في شكل عصيان مدني احتجاجاً على عنف القمع الإسرائيلي للشعب الفلسطيني (7 يناير 1988)، إضافة إلى أعمال المقاومة المحدودة لمنظمة حماس، أن تمة ثمناً أمنياً باهظاً للاحتفاظ بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، أو بعضها على الأقل. لأول مرة يبرز إدراك إسرائيلي متزايد، بأن هذا الثمن الأمني، يقلل من أهمية العمق الإستراتيجي، الذي توفره تلك الأراضي. فالعمق الإستراتيجي قد لا يمثل بالضرورة حلاً للمشكلة الأمنية الإسرائيلية. ويرتبط أهم جوانب هذا الثمن بالتأثير السلبي للانتفاضة، على الجيش الإسرائيلي، إذا ما اندلعت مرة أخرى، حيث تعتبر حرباً من نوع جديد، لم يعرفها الجيش الإسرائيلي من قبل، وظاهرة لم تعرفها إسرائيل منذ قيامها. فقد كان على الجيش أن يشترك في مواجهة نمط جديد من المقاومة، وهو نمط العنف المدني.

انشغال الجيش بمواجهة الاضطرابات، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، نتيجة عدم قدرة قوات الشرطة السيطرة وحدها على الشغب والمقاومة المدنية الفلسطينية، يسبب ارتباكاً لبرامج تدريب بعض وحدات الجيش، المكلفة بمهام قمع الانتفاضة، ومن ثم تفرض الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة عبئاً جديداً، من زاوية معدلات التدريب، وتوجيه جزء من الموارد المخصصة للإنفاق العسكري، من أجل مواجهة الانتفاضة. أدت الانتفاضة كذلك إلى تقويض إحدى ركائز نظرية الأمن الإسرائيلي، التي تعتمد على توجيه ضربات وقائية ومسبقة في أرض الخصم، ونقل المعركة إلى خارج إسرائيل.

ولذلك كانت الانتفاضة الفلسطينية، دافعا إلى إثارة جدل إسرائيلي حول جدوى الاحتفاظ بأراض، في إطار مبدأ الحدود الآمنة، عندما تشكل عملية السيطرة على هذه الأراضي عبئا أمنياً مستمراً ومتزايداً. والواضح أن هذا العبء المتزايد، بات يدعم الرأي، الذي يفضل التوصل إلى حل وسط إقليمي عبر عملية التسوية الراهنة، حتى إذا كان ذلك على حساب مبدأ الحدود الآمنة.

(3) تأثير حرب الخليج الثانية

يرتبط هذا التأثير بقضية انتشار الصواريخ الباليستية في المنطقة، في مقابل ما يمكن أن توفره الحدود الآمنة، من عمق إستراتيجي، في عصر هذه الصواريخ. ويرى بعض السياسيين والعسكريين أن الأمن في هذا العصر، لا يتحقق، اعتماداً على الاعتبارات الجغرافية وحدها، حيث لا تفيد في الحد من التهديد الصاروخي، الذي لا يمكن تحييده عبر الاحتفاظ بحدود آمنة (منهم شيمون بيريز). بينما يرفض آخرون هذا المنطق، ويعترضوا على الربط بين تأثير التحدي الصاروخي، وبين مبدأ الحدود الآمنة. وقد خرج هذا الاتجاه بدرس مختلف من حرب الخليج الثانية، وهو أن الصواريخ لا تهدد وجود الدولة نفسها، بعكس الدبابات والطائرات، التي تستخدم في غزوها، فالصواريخ من هذا المنظور تلحق أضراراً كبيرة أو صغيرة، لكنها لا تقضي على دولة، إذا كان لديها حدود تستطيع الدفاع عنها.          

إن المفهوم الذي استحدث بعد حرب عام 1967 للحدود الآمنة، ولاقى، وقتها، قبولاً واسع النطاق على كل المستويات، أدى فيما يبدو حالياً، إلى خلاف في الرأي، الأمر الذي جعل المفكرين الإسرائيليين يراجعون تلك النظرية:

·   توصل غالبية القادة والمفكرين إلى عدم فاعلية فكرة الحدود الآمنة، بغير سلام قائم ودائم، إلا أنهم يدركون، في الوقت ذاته، أن وجود سلام دائم بينهم وبين العرب، دون تمتع بلادهم بحدود يمكن الدفاع عنها، هي فكرة تماثل في عدم قبولها وفاعليتها الفكرة الأولى، نظراً لإدراكهم لطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، واعتقادهم بأن السلام لا يمكن أن يوفر بديلاً للأرض، كميزة عسكرية في حالة تجدد الصراع.

·   أكد القصف الصاروخي لإسرائيل في حرب الخليج الثانية، أن التطور التكنولوجي، أتاح إمكانية التعرض عن بعد لعمق إسرائيل. هذا التطور يؤكد للمترددين في إسرائيل، عدم جدوى تلك النظرية، ولِيُحْدِثْ تحول في مفهوم نظرية الأمن الإسرائيلي للحدود الآمنة، خاصة مع توجهات السلام بالمنطقة، إلى مفاهيم جديدة أبرزها:

(أ) المفهوم الأول

خلق عمق إقليمي صناعي (نطاق أمن إستراتيجي) يوفر الميزة الدفاعية من خلال تخفيف هامش أمني، يتيح مساحة زمنية للإنذار، في زمني السلم والحرب، في حالة حدوث هجوم مفاجئ، ويتمثل ذلك في مناطق منزوعة السلاح ومناطق محدودة القوات ومنخفضة التسليح، مما يجعل إسرائيل هدفا يصعب الهجوم المفاجئ عليه.

(ب) المفهوم الثاني

ضبط التسلح في المنطقة والسيطرة عليه، في إطار المحافظة على التفوق الكمي والتكنولوجي لصالح إسرائيل. والعمل على إخلاء المنطقة من الأنظمة، التي يمكنها أن تطول العمق الإسرائيلي وتؤثر فيه (الصواريخ ـ الأسلحة فوق التقليدية). وتأجيل المناقشة بالنسبة للأسلحة النووية، إلى ما بعد التوصل إلى سلام شامل، مع كل العرب.

(ج) المفهوم الثالث

أن تمتلك إسرائيل منظومات من الأسلحة الحديثة، يمكنها أن تهدد العمق الإستراتيجي للدول العربية، لتشكل بذلك قوة ردع تقليدية، ترتكز عليها. إضافة إلى قدرة هذه المنظومات على إرباك العدائيات العربية، والعمل، في الوقت نفسه، على حرمان العرب من الحصول على، مثل هذه الأنظمة.

(د) المفهوم الرابع

انفراد إسرائيل بتملك الرادع الإستراتيجي "الردع النووي" دون العرب، يمكن أن يشكل عامل استقرار في المنطقة، يحول دون قيام العرب بمباغتة إسرائيل، ويطمئنها كذلك. ومع ذلك، مازالت قطاعات كثيرة تتمسك بالحدود الآمنة بمفهومها القديم، الذي يعتمد على الاحتفاظ بالأرض، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "نتنياهو" إذ يقول: "ولكي تصمد معاهدة السلام مع سورية لوقت طويل، لا يجوز لإسرائيل أن تتخلى عن مواقعها الدفاعية والانذارية الموجودة على الجولان، مقابل ترتيبات أمنية هشة ترتكز بشكل رئيسي على مناطق منزوعة السلاح، ومقلصة القوات، يمكن إغراقها بقوات معادية في ساعات محدودة. بينما يمكن بسيطرة إسرائيل الدائمة على مرتفعات الضفة الغربية، تعويض العمق الإستراتيجي المفقود، والمطلوب للدفاع عن القدس والسهل الساحلي، ضد عدوان عربي من الجبهة الشرقية، القريبة جداً من هذه الأهداف".

ب. اختلاق الذرائع

كلمّا ازداد تعرض إسرائيل للخطر، ازداد اعتمادها على مبدأ الذرائع والمبررات، لمنع الحرب، عن طريق الردع بالعقاب. ومن المنتظر، على ضوء توجهات السلام (من خلال الاتفاقيات)، واحتمالات عودة إسرائيل لحدود عام 1967، أن لا تلجأ لهذا المبدأ بالأسلوب الحالي نفسه، وإنّ كانت لن تستبعده كلية كذلك. إلاّ أن استخدامها له، سيكون في أضيق الحدود، وبناء على معلومات دقيقة، ومؤكدة، حتى يمكنها مواجهة الشرعية الدولية. وقد لوحظ أنه منذ عام 1973، تزايدت حساسية إسرائيل تجاه أية تجميعات عسكرية عربية تقترب من حدودها، حيث يبدو ذلك بوضوح في جنوب لبنان، بالنسبة للقوات السورية، وهو أحد الركائز الأساسية للأمن الإسرائيلي منذ عام 1948.

ج. الحرب التقليدية، وفوق التقليدية، والنووية

تتبنى إسرائيل عقيدة عسكرية، تعمل باستمرار على تطويرها ودعمها بنظم أسلحة حديثة، وقد اهتزت تلك العقيدة عدة مرات، بحصول الدول العربية على نظم أسلحة متطورة، تمكنها من إصابة عمق إسرائيل، إضافة لضعف هيبتها ومصداقية ردعها التقليدي (الطائرة والدبابة)، خاصة بعد حرب 1973، وبعد الانتفاضة الفلسطينية والمقاومة في جنوب لبنان. لذلك، تطور إسرائيل عقيدة قتالية نووية إيجابية، تعتمد على الأسلحة النووية التكتيكية، لتحقق استقرار في توازن القوى (من وجهة نظرها) ، والأسلحة النيوترونية وأسلحة (الليزر)، كأدوات فعّالة للردع النووي التكتيكي، ضد الأهداف العسكرية وشبه العسكرية، لتناسب عقائدها الخاصة بالحرب الخاطفة والاقتراب غير المباشر، إذ يصعب الوقاية منها ويسهل استغلال نتائجها. ومن المنتظر أن تظل تلك العقيدة غير معلنة. وينتظر أن تستمر إسرائيل في تبني العقيدة التقليدية، باعتبارها العقيدة الأم، والعقيدة الأكثر قبولاً في المجتمع الدولي.

د. استمرار مبدأي الاعتماد على حليف قوي، وتنمية القدرات والاعتماد على الذات

تسعى إسرائيل لتأكيد ذاتها، من خلال إرساء أسس إستراتيجية مستقلة، حتى يمكنها أن تمارس إرادتها كاملة، وأن تشعر بحرية حركتها، لتحقيق أهدافها الوطنية، حتى لو أدى ذلك إلى معارضة أصدقائها مرحلياً. ويشير المفكرون الإسرائيليون، إلى أن فكرة التحالف مع دولة عظمى فقدت الكثير من بريقها، نظرياً وعملياً، لأسباب عديدة. منها أن الضمانات الخارجية لأمنها لم تعد مؤكدة الفاعلية، كما كانت من قبل، فضلاً عن صعوبة الحصول عليها أحياناً، كذلك فإنها تضع قيوداً على حرية عمل وإرادة إسرائيل، لاسيما عند اختلاف وجهات النظر، بما يخشى معه ألا تسمح بسرعة تدخل القوى الأجنبية المساندة في الوقت المناسب.

وعلى الرغم من اعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة الأمريكية، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، إلا أنها تخشى أن يؤدى تعاظم هذا الاعتماد، على المدى البعيد، إلى ضعف سياسي إستراتيجي إقليمي لإسرائيل (الإرادة السياسية، وحرية الحركة الإقليمية). ومع صعوبة حدوث ذلك، فإن الموقف الإسرائيلي يتسم بالتردد والازدواجية، فهي تسير في محورين متوازيين هما:

(1) استمرار الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية، وضمان مؤازرتها الشاملة (سياسياً، اقتصادياً، عسكرياً) والعمل على تطوير هذا الدعم إلى أقصى حد ممكن، ولأطول مدة ممكنة، وإضافة قنوات تعاون أخرى، مع كل من روسيا الاتحادية والصين والهند كذلك، تحسباً للمستقبل.

(2) زيادة الاعتماد على الذات، خاصة في الإنتاج الحربي والتطور التقني، للمحافظة على حرية القرار السياسي.

يأمل الإسرائيليون، الذين يتبنون مبدأ تحقيق القدر الأكبر من الاعتماد على النفس، أن يقلل ذلك من التأثير الأمريكي عليهم، خاصة في أوقات الحروب، ولزيادة مصداقية إسرائيل في مقاومة الضغوط، عند التفاوض لإحلال السلام الشامل.

هـ. جيش نظامي صغير وجيش احتياطي كبير

تستمر إسرائيل في العمل بذلك المعتقد، طالما بقيت مواردها البشرية والمالية محدودة.

و. ارتباط الأمن الوطني الإسرائيلي بالتقدم التقني

يرتبط الأمن الوطني الإسرائيلي بالتقدم التقني للدولة، وهي تحاول أن ترتقى إلى صفوف الدول التكنولوجية الكبرى، بما يسمح بمزيد من فُرص التعاون والمشاركة، ونقل التكنولوجيا.

(1) التقدم التقني في إسرائيل، كهدف لتحقيق الأمن الوطني

حرصت إسرائيل على الحصول على التقنية، التي تحتاجها لتحقيق أمنها الوطني، وليس فقط التقنية التي تسمح بها الدول الصناعية الكبرى والولايات المتحدة الأمريكية. وبالتالي حددت إسرائيل احتياجاتها من التقنيات التي تحقق بها التفوق النوعي، في نظم التسلح والإنتاج الحربي. وخططت للوصول في بعض المجالات التقنية، إلى مستوى منافس للدول الكبرى. كما اقتحمت إسرائيل مجال التقنية الحرجة، وعملت في عدد منها، بل إنها حصلت وطورت أيضا تقنيات أكثر أهمية وخطورة، وهو ما يطلق عليه التقنية المقيدة (النووية ـ نظم الفضاء ـ الصواريخ الباليستية). ويعتبر قطاع التقنية الراقية أهم قطاعات البحث والتطوير في إسرائيل، وأعلاها في معدلات النمو، وقد ركزت إسرائيل اهتمامها في تطويره.

(2) التطور التقني وأثره في تطوير نظرية الأمن الوطني الإسرائيلي

أدى التطور التقني العالمي، إلى تطوير بعض مفاهيم الأمن الإسرائيلي، مثل اعتمادها على الأرض لتحقيق الأمن. وما أثارته الصواريخ أرض / أرض بعيدة المدى، التي انتشرت في المنطقة من خلاف، لذلك زادت أهمية بعض مبادئ نظرية الأمن، مثل مبدأ الاعتماد على التقنيات المتقدمة في نظم التسلح الحديثة، والتأكيد على تطوير الصناعات العسكرية وتقدمها تقنياً والتأكيد على مبدأ المعلومات والإنذار كوسيلة أساسية، وأولوية للتعامل مع الصواريخ بعيدة المدى.

تهدف الصناعات الحربية في إسرائيل، الحصول على الاكتفاء الذاتي في التسليح، وتقليل فرص الاعتماد على الحلفاء، ليظل هذا المفهوم دون تغير.

ز. ضرورة مواجهة العرب فرادى: (إستراتيجية التفتيت)

تبني إسرائيل نظرية أمنها الوطني، على أساس ضرورة مواجهة العرب فرادى، وهو ما يؤثر على بنائها لقواتها المسلحة، وتعمل في ذلك على محورين:

(1) المحور الأول: العمل السياسي الدائم لبث الفرقة بين الدولة العربية، والوقوف دون توحد إرادتها، أو اقترابها بما يمكن أن يشكل تهديداً لها، وهي تعمل على ذلك حتى أثناء مباحثات السلام الشامل، إذ نجحت في بث الفرقة والخلافات بين الدول العربية من خلال إبطائها لبعض المسارات وتسريع مسارات أخرى، ثم مباغتة الجميع باتفاق بينها وبين إحدى الدول العربية يشترط تقدم تلك الاتفاقيات على أي اتفاقيات أخرى واتفاقية الدفاع المشترك العربية كذلك.

(2) المحور الثاني: وهو العمل العسكري، لمنع الجبهات العربية من العمل العسكري الموحد ضد إسرائيل بتركيز جهودها ضد أخطر الجبهات، والدفاع النشط على جبهة أخرى، واحتواء الباقي بما يؤدى إلى إثارة الشكوك بين الجبهات المختلفة، وإضعاف التعاون بينها، وهو ما ستستمر إسرائيل في العمل به.

ح. مبدأ الردع والتفوق

إيجاد الظروف والإمكانيات التي تقنع العرب بمقدرة إسرائيل، على تحقيق نصر سريع وحاسم، في أية جولة قادمة. وأن مباحثات السلام مرحلة انتقالية لالتقاط الأنفاس، في ظل متغيرات الوضع العالمي "الجديد"، يتم خلالها تحقيق ما لم تتمكن من تحقيقه بالحرب.

تعرضت سياسة الردع[3] للشك في قدراتها أربع مرات. الأولى عام 1967 عندما أغلقت مصر خليج العقبة، وحشدت قواتها في سيناء. والثانية عندما شنت مصر وسورية الحرب عام 1973، غير عابئتين بالردع الإسرائيلي. والثالثة عام 1991 عندما أطلقت العراق الصواريخ أرض/ أرض Skoud - B المعدلة على إسرائيل، غير عابئة بحسابات رد الفعل (الردع الإسرائيلي)[4]. والرابعة أعمال المقاومة اللبنانية المختلفة في جنوب لبنان، دون أي أثر للردع الانتقامي اليومي الذي تقوم به.

أثرت تلك الاعتبارات على حسابات إسرائيل، وكيفية استخدام قدراتها العسكرية المتعددة، كقوة رادعة ذات مستويات مختلفة. لذلك، ترى إسرائيل ضرورة إظهار قدراتها على حرمان العرب من تحقيق أية مباغتة مستقبلية، يمكن أن تؤدى لأي نصر ولو كان محدوداً، بتطوير أساليب ووسائل الردع في مرحلة السلام المقبلة، التي يمكن التلويح بها لردع العرب، والمحافظة على السلام، في إطار الأمر الواقع، الذي ينتظر أن يكون من خلال:

(1) المحافظة على فجوة التقنية الكبيرة في مجال التسلح، ليحل اليأس في نفوس العرب من استحالة اللحاق بإسرائيل، ومن أمثلة ذلك إطلاقها لسلسلة أقمار صناعية. مع تأمين نظام استطلاع ومعلومات إستراتيجي متقدم، يمكنه توفير المعلومات الدقيقة الموقوتة.

(2) توفر الإرادة السياسية القادرة على ممارسة سياسة الردع، معتمدة على امتلاك نظم تسلح إستراتيجية، يمكنها الوصول إلى أي هدف في المنطقة العربية (مثل الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى)، إضافة إلى احتفاظها بقوة جوية متفوقة كماً ونوعاً، مع استعدادها لممارسة الردع الانتقامي (الردع بالعقاب)، عند الضرورة القصوى، وفي أضيق نطاق، بما لا يخل بعملية السلام.

(3) الاستمرار في التهديد بالشك، بامتلاكها أسلحة نووية، ووسائل حملها وإطلاقها[5].

(4) التطوير المستمر لقدرات جيش الدفاع الإسرائيلي، والمحافظة على تفوقه في مواجهة أي دولة عربية. وتبني إستراتيجيات هجومية قادرة على نقل المعركة خارج حدود إسرائيل، في إطار دفاعي، لإقناع العرب بعدم ضعف قدراتها العسكرية.

تظل عقيدة الردع (المتدرج)، إحدى الركائز المهمة لنظرية الأمن الإسرائيلي، التي من المنتظر أن تكون هي أداة إسرائيل الرئيسية في مرحلة السلام القادمة.



[1] الهجوم المضاد المسبق: عمل هجومي أساسا تصنفه إسرائيل من وجهة نظرها كعمل دفاعي، يدخل في إطار العمل الوقائي لسبق العدو، لكنه لا يقتصر على عمل محدد، بل هو حرب شاملة.

[2] الضربة الأولى: عمل محدود، كجزء من عملية شاملة هجومية أو دفاعية، وتمهيداً لها، الهدف منها هو تحقيق المباغتة والحصول على المبادرة، وحرمان الجانب الآخر منها، بالإضافة لتحقيق حجم كبير من الخسائر في نظم التسلح الإستراتيجية والرئيسية.

[3] يعرف الردع على أنه مجمل التدابير التي تعدها دولة (أو عدة دول) بغية عدم تشجيع الأعمال العدائية من دول معادية (أو مجموعة دول) عن طريق بث الذعر في الطرف الآخر، لتثنيه عن الإقدام على أي عمل عدائي.

[4] أطلق العراق 32 صاروخ سكود ـ ب معدل (العباس ـ الحسين) على تل أبيب الفترة من 18 يناير إلى 11 فبراير 1991 أثناء حرب الخليج الثانية.

[5] تشير العديد من الدراسات المنشورة مثل: القنبلة الخفية Invisible Bombe وكتاب الأمن الإسرائيلي ومعركة الأرمجدو "النهاية" (لويس رينيه بيرليس)، بالإضافة لاعترافات "فانونو" الفني الإسرائيلي السابق بمفاعل ديمونه، وكذلك الاعتراف الضمني للمسئولين الإسرائيليين في لجنة ضبط التسلح المنبثقة عن مدريد، إلى امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية.