إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / نظرية الأمن الإسرائيلي





نظام القبة الفولاذية
مقطع لمدينة القدس
التهديدات الخارجية المعادية لإسرائيل

أوضاع الدفاعية الإسرائيلية في الجولان
أوضاع الدفاعية الإسرائيلية في سيناء
المناطق العازلة
الأوضاع النهائية في فلسطين
الهجمات الإسرائيلية على سورية
الضربة الجوية كولمب
العمليات على الجبهة الأردنية
العملية العين (حوريب)
العملية عوفداه
العملية قادش المعدلة
ضربة صهيون
عملية السلام من أجل الجليل



كلية الملك عبدالعزيز الحربية

أولاً: انعكاسات نظرية الأمن على المؤسسة العسكرية (من منظور حرب يونيه 1976)

كانت كل الدلائل، تشير إلى أن أمام إسرائيل فرصة نادرة، قد لا تتوافر لديها مرة أخرى. فقد أعادت تنظيم قواتها بعد الجولة السابقة (1956)، واستوعبت الأسلحة الأمريكية الجديدة، التي حصلت عليها للمرة الأولى، وتقاربت مع الإدارة الأمريكية. كما كان الموقف العربي مهيأً لتستغل تلك الفرصة، فهناك جزء كبير من القوات المصرية بمسرح العمليات في اليمن، والقيادة العربية الموحدة مجمدة، وغير ذات فاعلية، والموقف يتداعى لمصلحتها منذ إبريل 1967، في مواجهات محدودة مع الأردن وسورية، تتيح لها تصعيد التوتر حثيثاً، وتقديم التعليلات، التي يطلبها المجتمع الدولي.

   خططت إسرائيل منذ البداية، لإقامة إسرائيل الكبرى على مراحل. لذلك، كان التصور الإسرائيلي قائماً على أن الجولة الثالثة، واقعة لا محالة. عملت إسرائيل بعد انتهاء الجولة الثانية مباشرة، لتستعد لهذه الجولة، وكان لديها رؤية واضحة لطبيعة الحرب المقبلة. وقد أشار لذلك كل من دافيد دواننج، وجاري هيرمان حيث قالا: "كان الإسرائيليون يستوعبون هم أيضاً أسلحة جديدة أثناء الأحد عشر عاماً من السلام النسبي، ولكن بينما استورد المصريون أسلحة وتكتيكات، انطلق الإسرائيليون يبحثون عن الأسلحة، التي تناسب نواياهم الإستراتيجية، وكان لدى قيادة جيش الدفاع الإسرائيلي، صورة واضحة عن الطريقة، التي ينوون بها شن الحرب المقبلة (في إطار نظرية الأمن)، وكان من الصعب تفادي ذلك، لأن الوضع العسكري الجغرافي لم يدع مجالاً للاختيار. فحجم البلاد محدود، والصورة العامة تشير إلى أن القبول بحرب دفاعية، أمر غير وارد مطلقاً".

كانت الرؤية الإسرائيلية لطبيعة الحرب المقبلة، في إطار نظرية أمنها، تحث على ضرورة نقل الحرب خارج حدودها، وبأسرع ما يمكن، مع احتمال مواجهة العدائيات على طول الحدود، مع أكثر من دولة عربية في وقت واحد. لذلك، كان تقديرها أن تعمل بالتتالي، على الجبهات العربية. على أن تبدأ بمصر، فسورية، التي ستكون مهيأة للهزيمة، بعد هزيمة مصر، مع احتواء الأردن منذ البداية.

   بَنَتْ إسرائيل قواتها على أساس تصورها لطبيعة الحرب، وما تفرضه نظرية الأمن الإسرائيلي من محددات ومطالب، بأن تحقق التفوق العام على كل جبهة على حدة، مع توفر إمكانيات الاحتواء لباقي الجبهات الأخرى. وكانت أبرز التطبيقات الإسرائيلية لركائز نظرية الأمن للإعداد لتلك الجولة، وإدارة القتال خلالها، هي:

1. السمة العدوانية لنظرية الأمن

سعت إسرائيل لاستكمال برنامج تسليحها، الذي اقترب من نهايته عام 1966. وانتظرت التوقيت المناسب لبدء الحرب. وكانت الأجيال من القادة العسكريين، ذوي الخبرة والكفاءة، مثل موشيه ديان، وإسحاق رابين، وعيزرا وايزمان، على قمة الجيش الإسرائيلي، ضمانة للثقة بتحقيق نظرية الأمن الإسرائيلي. لذلك جهزت خطتين للعمل، مكملتين لبعضهما، وهما:

أ. خطة الضربة الجوية "كولومب". (اُنظر خريطة الضربة الجوية كولمب)

ب. خطة الضربة البرية "ضربة صهيون". (اُنظر خريطة ضربة صهيون)

وهما ضربتان مسبقتان، تتمشيان مع الطبيعة العدوانية لنظرية الأمن الإسرائيلي. وهما تعتمدان على المباغتة، والحصول على السيطرة الجوية أولاً، ثم الاندفاع إلى داخل أرض الخصم، لهزيمة قواته البرية، تحت ستر وبمعاونة قوة جوية متفوقة.

2. نظرية الشعب المسلح: (جيش نظامي صغير، جيش احتياطي كبير)

استمرت إسرائيل في اعتناقها لهذا المبدأ، فكانت القوات النظامية مكونة من "7" لواءات: مشاة، دروع، ومظلات. وعلى الرغم من توتر الموقف على الجبهة السورية، وتصاعد الاشتباكات بينهما (أهمها الاشتباك الجوي يوم 7 إبريل 1967، الذي أسقط فيه "6" طائرات سورية)، إلا أن إسرائيل لم تبدأ التعبئة إلا يوم 14 مايو 1967، على ثلاث مراحل:

أ. المرحلة الأولى: (14 ـ 19 مايو 1967)

كان الهدف منها التعبئة الجزئية لاستكمال الجزء الأكبر من احتياط الخط الأول، ليصل إجمالي القوات إلى 14 لواء مشاة آلي، ومظلات، 4 لواء مدرع، وعدد من الكتائب المشاة والدبابات المستقلة.

ب. المرحلة الثانية: (20 ـ 26 مايو 1967)

أضافت إسرائيل "4" لواء مشاة آلي إلى المرحلة الأولى، لتنتهي بهذه المرحلة تعبئة احتياطي الخط الأول.

ج. المرحلة الثالثة: (27 ـ 31 مايو 1967)

استكملت إسرائيل تعبئة احتياطيها، باستدعاء احتياطي الخط الثاني، ليبلغ الحجم الإجمالي للقوات الإسرائيلية "24" لواء مشاة آلي ومظلات، "7" لواء مدرع.

وصل إجمالي القوات المسلحة الإسرائيلية في هذه الجولة، 270 ألف فرد، من أصل تعداد إسرائيل 2.7 مليون إسرائيلي، أي ما يعادل 10% من تعداد السكان وهي نسبة عالية، إذا ما قيست بالقوات المصرية، التي بلغت 240 ألف فرد، منهم 50 ألف فرد باليمن، وهو ما يؤكد استمرار اعتناق نظرية الأمن الإسرائيلي لنظرية الشعب المسلح.

3. مبدأ العمل الوقائي: (الهجوم المضاد المسبق)

كانت المبادرة متاحة للطرفين، المصري والإسرائيلي. كما كانت الضربة الجوية المباغتة متاحة لهما كذلك، إلا أن إسرائيل بادرت بعملية هجومية شاملة (جوية، برية، بحرية)، وادعت قيامها بهجوم مضاد مسبق، وقاية لشعبها وأرضها من هجوم مصري عربي وشيك، وهو ما يتمشى مع نظرية أمنها.

4. التحالف مع قوة كبرى

على الرغم من استمرار العلاقات الخاصة، بين إسرائيل من جانب، وكل من فرنسا وبريطانيا من جانب آخر، منذ الجولة الثانية عام 1956، إلاّ أن إسرائيل كانت قد تحولت باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية. وانتقلت جهود الصهيونية العالمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كذلك، وعملت على بناء مصالح مشتركة معها. ومنذ عام 1964، تحولت الولايات المتحدة الأمريكية إلى مورد السلاح الرئيسي لإسرائيل. وآزرت الإدارة الأمريكية إسرائيل في مواقف عدة، قبل الحرب أو أثناءها أو بعدها.

أسباب تطور نظرية الأمن الإسرائيلي، عقب حرب يونيه 1967

أبرزت نتائج الحرب عوامل إيجابية لدى الجانب الإسرائيلي، كان لها تأثير في تطور نظرية الأمن لديه:

1.     حققت إسرائيل، بجانب التفوق النوعي للقوات المسلحة، الذي حافظت عليه من الحرب السابقة، تفوقاً كمياً، بقدرتها على حشد قواتها ـ بعد التعبئة الشاملة ـ بحجم يفوق ما تستطيع أي جبهة عربية حشده منفردة.

2. زاد من الإحساس بالتفوق الإسرائيلي العسكري، تفوق إسرائيلي في القدرات التنظيمية والقيادية، وانخفاض مستوى هذين العنصرين لدى القوات العربية، بصفة عامة، خاصة في المستويين الإستراتيجي والعملياتي، لأسباب التأمين الذاتي، وليس لضعف العنصر البشري العربي، كماً أو نوعاً.

الانعكاسات المباشرة على إعادة تنظيم وبناء، الجيش الإسرائيلي

1. تشكيل قوة الصدمة الضاربة الهجومية

أحدثت نتائج حربيّ 1956، 1967، تغييراً في الفكر الإستراتيجي لإسرائيل. فقد اشتركت في حرب 1956، مع بريطانيا وفرنسا، واضطرت للانسحاب، دون أن تحقق فائدة، سوى حق المرور في خليج العقبة، الذي فقدته مرة أخرى مع بداية أحداث حرب 1967. أما في حرب 1967، فقد أدارت العمليات فيها، بمفردها، واستطاعت أن تحرز نصراً كبيراً على ثلاث جبهات، وتمكنت خلالها من احتلال مساحات كبيرة من الأرض في الدول الثلاث، إضافة إلى كل ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، وهو ما يقربها من تحقيق حلم إسرائيل الكبرى. (اُنظر خريطة ضربة صهيون) و(خريطة الهجمات الإسرائيلية على سورية) و(خريطة العمليات على الجبهة الأردنية)

لذلك، رأت إسرائيل زيادة اعتمادها على قدراتها الذاتية، وهو ما يعني، عسكرياً، زيادة فاعلية قواتها، بالاعتماد على ثنائي الطائرة والدبابة، في إطار عقيدة مرنة، وباستغلال ما لدى الترسانة الأمريكية من أسلحة متفوقة، من حيث المدى وقوة النيران، والمناورة. أعادت إسرائيل تنظيم قواتها منذ نهاية حرب 1967، في إطار الفكر الجديد، لتعتمد بصفة أساسية على القوات الجوية والمدرعة، وقوات المظلات، لتشكل قوة صدمة ضاربة هجومية، تمكنها من تحقيق ما تصبو إليه، في عملياتها التالية، إن لم يرتدع العرب، بنتائج حرب 1967.

قبلت إسرائيل ـ في الوقت نفسه ـ أن تكون تنمية القوة الضاربة، على حساب عناصر قتالية أخرى، لها أهميتها، من سلاحي المشاة والمدفعية، والقوات البحرية، كذلك، التي جاء ترتيبها متأخراً، وفقاً للأسبقيات التي وضعتها الأركان العامة. ووقعاً للمفهوم نفسه، انتقل الدفاع الإقليمي إلى مرتبة تالية. كانت إسرائيل بذلك تضع كل مستقبلها وأمانيها، في رهان على القوات الضاربة الفعالة، لتكفل لها المطالب الدفاعية، بطريقة آلية غير مباشرة.

كان حاييم لاسكوف قد عُين رئيساً للأركان العامة في عام 1958، خلفاً لموشى ديان. ووضع ما أسماه "برنامج الردع" لإعادة تشكيل القوات المسلحة، وزيادة حجمها وتدعيمها وتدريبها على الأسلحة الحديثة، التي تعاقدت عليها إسرائيل في أعقاب الحرب. فقد سعت إسرائيل للحصول على طائرات "سوبر ميستير" ثم "ميراج ـ Mirag" من فرنسا، كما حصلت على دبابات سنتوريون Centurion من بريطانيا، وباتون من ألمانيا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية. إضافة إلى كميات أخرى من الأسلحة والمعدات الحديثة، تشمل المدفعية ذاتية الحركة، والمضادة للطائرات، والناقلات المدرعة، وغيرها من المعدات. وفي عام 1962، وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على تزويد إسرائيل بصواريخ أرض / جو من طراز "هوك"، وفي عام 1966 اتفقت على تزويدها بطائرات قاذفة مقاتلة من طراز "سكاي هوك ـ Skyhawk". وهكذا، واصلت إسرائيل مساعيها للحصول على الأسلحة والمعدات، التي تخدم مخططها العسكري.

أتاح السلاح الجديد وبرنامج لاسكوف للردع، أن تطبق إسرائيل، مبادئها الأمنية بسهولة، وهو ما وضح في حرب 1967، من قدرتها على شن الهجوم ضد ثلاث دول، ونقلها الحرب خارج أراضيها في كل جبهة، دون أن تشاركها دولة أخرى في أعمال القتال.

2. تطوير شكل ومهام القوات الجوية

أبرزت حرب 1956، الدور الرئيسي الذي يمكن أن تؤديه القوات الجوية، بسرعتها، وقوتها النيرانية، ومداها. وهو ما يحقق الحسم، ونقل الحرب إلى خارج الأراضي الإسرائيلية، وإنهاء أعمال القتال في زمن قصير. وكلها من الأسس الرئيسية التي تعتنقها إسرائيل.

لجأت إسرائيل إلى الدول الغربية، لتمدها بطائرة متعددة المهام، ذات حمولة كبيرة، ومواصفات فنية متفوقة. كما طورت من أداء أطقمها الفنية، ليمكنها إعداد الطائرات في وقت قصير، يسمح لها بتكرار استخدام الطائرات، مما يزيد من قدرتها على الهجمات الجوية.

ووضعت خطط العمليات، على أساس، إحراز سيطرة جوية مبكراً، يمكنها من إدارة أعمال قتال برية سريعة وسهلة نسبياً، وبأقل الخسائر الممكنة. واستطاع الجنرال عيزرا وايزمان، قائد القوات الجوية الإسرائيلية، منذ عام 1958، أن يضع تصوراً لإستراتيجية جوية، تطبق نظرية الأمن الإسرائيلي، وتوفر لإسرائيل العمق المفقود برياً، بعمق جوي (كما سماه وايزمان).

3. تطوير ودعم القوات المدرعة والميكانيكية

حظيت المدرعات بالاهتمام بنفسه، الذي حظيت به القوات الجوية، بعد حرب عام 1956. فقد حددت الإستراتيجية الإسرائيلية شكل الحرب البرية القادمة، على أساس حرب ميكانيكية تعتمد على صدام حاسم بين قوات مدرعة كبيرة الحجم. ومنذ ذلك الوقت، تعاقب على قيادة القوات المدرعة ثلاثة من القادة، كان لكل منهم دور مميز. أولهم الجنرال حاييم بارليف، الذي قام بتشكيل القوات المدرعة الإسرائيلية، وإعادة تنظيمها، في صورتها الحديثة، ورفع الكفاءة القتالية، والمقدرة الهجومية لها.

خلف بارليف، الجنرال دافيد اليعازر، الذي اهتم بوضع أسس استخدام القوات المدرعة، وتحديد معالم عملياتها وتكتيكاتها. كما حدد مهمة القوات المدرعة، بالعمل على "نقل الحرب إلى أرض العدو"، والوصول بها إلى نتائج حاسمة. وعلى هذا الأساس، تقرر أن يكون العمل الرئيسي للمدرعات اختراق الدفاعات، وأن تكون قادرة على شق الطريق، إلى العمق، في تنظيم متكامل يضم وحدات مشاة آلية، ووحدات مهندسي الاقتحام، ووحدات المظلات، وقوات منقولة جواً. ولمّا كانت مثل هذه القوات لا تستخدم بحسم إلا نهاراً، لذلك حظيت المعارك النهارية، بالاهتمام أكبر من العمليات الليلية، التي اقتصر دورها على المعارك المساعدة المحدودة.

كان الثالث هو الجنرال إسرائيل طال، الذي تعين عام 1964 قائداً للقوات المدرعة، وأخذ على عاتقه مهمة "رفع الكفاءة القتالية" للقوات المدرعة، حتى أصبحت قادرة على خوض الحرب الميكانيكية الحديثة الخفيفة الحركة. ولمّا كانت هذه الحرب، تتميز بالمواقف المائعة، والتغييرات الحادة، فان القيادة أصبحت هي العامل الأول في ضمان النجاح، لما تتطلبه ظروف القتال. لذلك، أصبح اختيار وتدريب القادة، يشكل حجر الزاوية في البناء الجديد، للقوات المسلحة الإسرائيلية. فاهتمت القيادة العامة الإسرائيلية بتطعيم القيادات بأجيال جديدة من الضباط الشبان، الذين برزوا أثناء حرب 1956، والتخلص تدريجياً من قدامى الضباط، الذين أصبحت خبراتهم القديمة لا تتفق مع التطوير الحديث لقوات الدفاع الإسرائيلية.

4. تنظيم وتطوير التعبئة والحشد

لمّا كان هذا التطور الضخم في القوات المسلحة، يتطلب بالضرورة حشداً بشرياً كبيراً، يُلبي احتياجاتها من الأفراد المتخصصين عند التعبئة، كما يتطلب في الوقت نفسه، انتقاء خاصاً لأفراد الأسلحة الرئيسية كالطيران والمدرعات والمظلات، فقد اهتمت إسرائيل بتوفير القوى البشرية المؤهلة، للوظائف العسكرية، التي تتطلب مستوى فنياً وثقافياً خاصاً. كما اهتمت، كذلك، بتطوير نظام التعبئة العامة، حتى تحقق الحشد البشرى اللازم، لتكوين القوات المسلحة في إطارها الجديد. ولهذا كان أحد الجهود الأساسية في أعقاب جولة عام 1956، الاهتمام بتوجيه الشباب، من مواليد الكيبوتز، للالتحاق بالوحدات المنتخبة، والتطوع كطيارين ورجال مدرعات أو مظلات أو غيرها، من الوظائف العسكرية المنتقاة. خاصة وقد اتضح، خلال حرب 1956، أن معظم القادة الذين أثبتوا كفاءة فيها، كانوا من المستعمرات الجماعية. ولم تكتف إسرائيل بذلك، بل زادت من مساعيها المستمرة لتحويل المجتمع الإسرائيلي كله، إلى مجتمع عسكري.

طورت إسرائيل، كذلك، نظم وأساليب التجنيد والتعبئة، بحيث أصبحت قادرة ذاتياً، على حشد قدرات عسكرية كافية، لشن الحرب الشاملة، ضد الدول العربية المجاورة، دون اعتماد مباشر على حليف. والاكتفاء في سد أوجه النقص البارزة، بالمتطوعين والفنيين ذوي التخصصات العالية، من خلال المتطوعين محدودي العدد من الخارج. ولتتمكن من زيادة وعاء التعبئة العسكرية بطريقة طبيعية، لمواجهة الأعداد الكبيرة المطلوب تعبئتها، عمدت وزارة الدفاع الإسرائيلية، إلى خفض مدة الخدمة الإلزامية من 30 شهراً إلى 26 شهراً، حتى يمكنها رفع النسبة السنوية للمنقولين من الخدمة العاملة إلى الاحتياط، ومن ثم الوصول بوعاء التعبئة إلى الحجم المطلوب خلال فترة زمنية محددة. وعلى ذلك، فان قدرات التعبئة وفرت لإسرائيل، فور أن أعلنت حالة التعبئة عام 1967، القدرة على رفع حجم قواتها البرية في مدة لا تزيد عن أسبوعين إلى سبعة أمثالها تقريبا، بتعبئة ما يزيد عن 11% من إجمالي تعداد السكان، وهو ما يعادل حوالي 25% من القوة العاملة في إسرائيل.

5. البحث العلمي والصناعات الحربية

تبنت وزارة الدفاع الإسرائيلية، في إطار نظرية الأمن الإسرائيلي، العمل على تحقيق قدر من الاكتفاء الذاتي المحلي، من الأسلحة والمعدات، مع الاعتماد على استيراد الأسلحة الثقيلة والمعدات المعقدة. وقد تطلبت هذه السياسة، تشكيل مزيج من الأبحاث العلمية، والصناعات العسكرية، التي عملت على تطوير الأسلحة الرئيسية، لمصلحة القوات المسلحة الإسرائيلية. وتحقيقاً لهذا الغرض، أنشأت وزارة الدفاع في عام 1958، "إدارة للأبحاث العسكرية"، لتصبح المسؤولة عن إنتاج الأسلحة والمعدات، وتطوير الصناعات العسكرية، خاصة في مجالات الطيران والإلكترونات، وفي مجال التقنية النووية، والتطبيقات الخاصة بها، سواء لأغراض السلم أو الأغراض العسكرية. كما أضيف لوزارة الدفاع الإشراف على كافة الأنشطة للبحوث النووية. وأصبحت مؤسسة الطاقة النووية تتبعها تبعية كاملة، حيث تتولى الإشراف على إدارة جميع المفاعلات، والمعامل، ومراكز الأبحاث النووية.