إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / نظرية الأمن الإسرائيلي





نظام القبة الفولاذية
مقطع لمدينة القدس
التهديدات الخارجية المعادية لإسرائيل

أوضاع الدفاعية الإسرائيلية في الجولان
أوضاع الدفاعية الإسرائيلية في سيناء
المناطق العازلة
الأوضاع النهائية في فلسطين
الهجمات الإسرائيلية على سورية
الضربة الجوية كولمب
العمليات على الجبهة الأردنية
العملية العين (حوريب)
العملية عوفداه
العملية قادش المعدلة
ضربة صهيون
عملية السلام من أجل الجليل



كلية الملك عبدالعزيز الحربية

ثانياً: انعكاسات نظرية الأمن على المؤسسة العسكرية (من منظور الجولة الرابعة ـ حرب أكتوبر 1973)

1. تغير الإستراتيجية العسكرية لإسرائيل

بعد حرب 1967، أدخلت إسرائيل بعض التعديل على نظرية أمنها، خاصة ما يتعلق بالحدود الآمنة، فقد رأت التمسك بحدود يمكن الدفاع عنها، إذ شكلت خطوط وقف إطلاق النار عوائق طبيعية على كل من قناة السويس، ونهر الأردن، وهضبة الجولان الإستراتيجية، وهي أفضل خطوط وصلت إليها قط. كذلك، كان على إسرائيل تغير مفهومها الهجومي والضربة المسبقة، ونقل المعركة خارج أراضيها، دفعة واحدة، بعد أن احتلت مساحات من الأراضي العربية، تعادل ثلاثة أمثال مساحتها، وأصبح لديها عمقاً إستراتيجياً يوفر الإنذار الكافي. وللمرة الأولى، أتخذ الفكر الدفاعي مكانه في نظرية الأمن الإسرائيلي مرة أخرى، منذ حرب عام 1948.

تطبيقاً للإستراتيجية الجديدة، أنشئت إسرائيل، خطوطاً دفاعية، على جبهتي القناة، والجولان. ولم تكن تعتقد أن العرب يجرأون على تخطيها، بعد ما لقنتهم في حرب 1967 من دروس. وعندما بدأت مصر حرب الاستنزاف، وتبعتها الجبهات الأخرى، لم تغير إسرائيل إستراتيجيتها الدفاعية، وإنما طورتها، فحّصنت خطوطها الدفاعية، وزادت من عمقها، وتمركزت الاحتياطيات خلفها، على مسافات متفاوتة، وأحجام متدرجة تضخماً، ليمكنها صد أي إغارة، مهما كان حجمها، وهو ما كانت إسرائيل ترى أن العرب لا يستطيعون أكثر منه. بزيادة خسائر إسرائيل البشرية، ونزيفها المادي، من جراء حرب الاستنزاف المتصاعدة، لجأت إلى الردع مرة أخرى، فشنت حرب استنزاف مضادة، داخل الأراضي العربية، والمصرية على الأخص، مستخدمة في ذلك قواتها الجوية، يدها الطولى.

تصاعد الاستنزاف والاستنزاف المضاد، الذي تأثرت به مصر، والذي كانت قمته المعركة الضارية، التي شنها الطيران الإسرائيلي، لمنع مصر من بناء حائط صواريخ الدفاع الجوى، غير أنه لم ينجح، رغم ما أحدثه من خسائر للجانب المصري، الذي نجح في تحقيق أهدافه، التي تأكدت في أسبوع تساقط الطائرات الإسرائيلية، من (30 يونيه ـ 5 يوليه 1970)، إذ شعرت إسرائيل ببدء تآكل تفوقها الجوي (نتيجة لسقوط 8 طائرات حديثة في هذا الأسبوع). وتدخلت الإدارة الأمريكية للسيطرة على الموقف المتصاعد، بطرح مبادرة لوزير خارجيتها وليامز روجرز، التي أدت إلى إيقاف إطلاق النار يوم 8 أغسطس 1970. قبلت مصر وإسرائيل المبادرة، ولكل هدفه منها، بيد أن التعنت الإسرائيلي جمد الجهود السلمية مرة أخرى، وبات الموقف على وشك الانفجار في أية لحظة.

استغلت إسرائيل حالة الركود (لا سلم ولا حرب)، لتدعيم وتطوير خط بارليف، متناسية دروس حرب الاستنزاف، إذ لم يمنع هذا الخط، عبور المصريين مراراً إلى الشرق، ومهاجمته. كانت إسرائيل، تظن أن المشكلة، في عدم اكتمال خططها الدفاعية، وتجهيزات دفاعها الهندسية، وهو ما انهكمت في تطويره لاحقاً، حتى باغتتها حرب أكتوبر 1973.

أدى الوضع الإستراتيجي للخطوط، التي توقفت عليها إسرائيل عقب حرب 1967، لاعتقادها أنّ هذه الخطوط يمكن أن تحقق لها الأمن المنشود (الحدود الآمنة)، من خلال التمسك بالأراضي التي احتلتها. الأمر الذي فرض معطيات جديدة على إسرائيل ولو مؤقتاً، باستبعاد نظرياتها العسكرية الأساسية، من حرب خاطفة، ونقل المعركة لأرض العدو وغيرها. فرض الوضع الإستراتيجي أن تتخلى إسرائيل عن الكثير من مرتكزات نظرية أمنها، وأن تتخذ إستراتيجية دفاعية نشطة، أدت بها إلى العديد من المشاكل الإستراتيجية والعملياتية لم تفطن إليها، كما أدت إلى سلبيات عديدة كذلك:

أ. تضاءلت القدرة على العمل من خطوط داخلية، لطول خطوط المواصلات بين الجبهات المختلفة، إضافة إلى صعوبة تأمين الحدود.

ب. هبوط مستوى خطة التعبئة الإسرائيلية، لطول المسافات بين المناطق السكنية، ومخازن الطوارئ، وخطوط الجبهة، وتضخم المشاكل الإدارية والفنية، وإعاشة القوات، لطول خطوط الإمداد والإخلاء.

ج. فقد جيش الدفاع الإسرائيلي أهم سماته من مبادرة وخفة الحركة، إذ ارتبط بالنقط القوية لخط بارليف، التي أصبحت أهدافاً ثابتة تحت الملاحظة والنيران المستمرة، من جانب القوات المصرية. (اُنظر خريطة أوضاع الدفاعية الإسرائيلية في سيناء) و(خريطة أوضاع الدفاعية الإسرائيلية في الجولان)

د. تطّلب الموقف الجديد، الاحتفاظ بقوات عاملة، بحجم أكبر مما هو معتاد بالنسبة لإسرائيل، وفي وضع تأهب عالٍ، مما يتناقض مع أحد المبادئ الأساسية لنظرية الأمن، أو الاكتفاء بالحجم المعمول به في الظروف السابقة، مما يقلل من حجم القوات خفيفة الحركة، والمعدة لمواجهة الهجوم العربي، بهجوم مسبق، فيقلل من فرص نجاحها، ويخل ذلك بمبدأ أمني آخر (الهجوم المضاد المسبق).

2. استمرار اعتناق إسرائيل مبادئ عام 1967 نفسها، في بناء القوات المسلحة

انعكس تصور إسرائيل لطبيعة الحرب المقبلة، بما يشابه حرب عام 1967، على بناء واستخدام جيش الدفاع الإسرائيلي، نتيجة الاطمئنان للحدود الآمنة. وأدى ذلك إلى عدم إعارة الاهتمام الكافي للمتغيرات النوعية العربية، كما أثر على بناء القوات المسلحة الإسرائيلية، وتطورها. كذلك استمر اعتماد إسرائيل على إستراتيجية القوة الضاربة، غير عابئة بالتغير النوعي، الذي حدث في الجانب العربي، لنوعية المقاتل، ونظم التسلح المتطورة خاصة الصاروخية (المضادة للطائرات، والمضادة للدبابات، وأرض/ أرض).

3. استمرار العمل بمبدأ "الشعب المسلح"

استمرت إسرائيل في الاحتفاظ بالحد الأدنى من القوات، في الخدمة العاملة القادرة على عمليات التأمين والقتال التعطيلي، مع الإعتماد الأساسي على قوات الاحتياط، بما فيها الضباط، مما أثر على قدرة تلك القوات، لاتساع المواجهة، وكبر العمق المكلفة بالدفاع عنه، على جبهات متعددة.

4. السمة العدوانية لنظرية الأمن

اتسمت نظرية الأمن الإسرائيلية، بعد حرب عام 1967، بمزيد من العدوانية، التي وضحت من خلال تعنت إسرائيل في تنفيذ قرارات مجلس الأمن، واستمرار احتلالها للأراضي العربية، تحت دعوى الحدود الآمنة، معتمدة على قواتها الجوية في اعتداءاتها، لردع العرب، ومحاولة كسر صمودهم، بقصف الأهداف المدنية والعسكرية، في حرب الاستنزاف.

5. زيادة اعتمادها على مبدأ التحالف، على قوة كبرى

استمرت إسرائيل في الاعتماد على هذا المبدأ، بالاستقطاب الكامل للولايات المتحدة الأمريكية، لتصبح المورد الرئيسي للسلاح. واستغلت ذلك في تحديث العناصر الرئيسية لجيش الدفاع الإسرائيلي (القوات الجوية، المدرعات)، وامتد التعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية إلى تبادل المعلومات، الأمر الذي حقق لها ميزة أخرى في مجال الإنذار، بل إِن الولايات المتحدة الأمريكية، كان لها دور رئيسي في منع انهيار الجيش الإسرائيلي في 1973، والعمل على تغيير الموقف لمصلحتها جزئياً.

6. تراجع مفهوم العمل الوقائي

أُدخل على نظرية الأمن مفهوم جديد للحدود الآمنة، أدى إلى تراجع مفهوم العمل الوقائي، نتيجة للعوائق الطبيعية، التي توقفت عليها القوات الإسرائيلية عقب حرب عام 1967، وما نتج عن ذلك من عمق إستراتيجي كبير لإسرائيل، وزيادة مدة الإنذار لتهديد إسرائيل نفسها (داخل حدود 4 يونيه 67) وقد أكد ذلك الجنرال إيلي زعيرا (مدير فرع الاستخبارات العسكرية وقت الحرب) حيث قال: "إن رئيسة الوزراء بعد تلقيها معلومات مؤكدة فجر يوم 6 أكتوبر 1973، عن النوايا المصرية والسورية، بالهجوم في آخر ضوء نفس اليوم، قامت بعقد اجتماع مصغر لمجلس الوزراء عند الساعة الرابعة والنصف صباحاً، ثم إعلان التعبئة الشاملة، والعمل على استكمال الفتح الإستراتيجي والعملياتي، بيد أن القيادة السياسية راعت الحذر، تحسباً لأي خطأ في المعلومات، ولعدم تصعيد الموقف، إذ رفضت توصية رئيس الأركان، بتوجيه ضربة جوية مسبقة لإحباط الهجوم العربي، صباح يوم 6 أكتوبر، متخلية عن أهم عناصر تصورها لإدارة الصراع (المبادرة والمباغتة).

7. تطوير الردع الإسرائيلي كركيزة أساسية لنظرية الأمن

تضمنت نظرية الأمن الإسرائيلية مبدأ الردع التقليدي والنووي، وانعكس ذلك على قواتها المسلحة، بحصولها على طائرات متقدمة من حيث المدى والحمولة (الفانتوم Phantom)، ليمكن أن تطول العمق العربي، ومن خلال الردع بالشك بالنسبة للأسلحة فوق التقليدية والنووية، التي عملت على تطويرهما في سرية تامة.

هدفت نظرية الأمن الإسرائيلية، إلى التلويح بالردع، لتبقى متمسكة بالحدود الآمنة، التي تقف عليها. وهو ما ثبت عدم مصداقيته، باتخاذ مصر وسورية قرار البدء في تحرير الأرض بالقوة (حرب عام 1973).

8. مبدأ الاعتماد على الذات

أكدت حرب أكتوبر 1967، أن من السمات الرئيسية للحرب الحديثة، زيادة معدل التدمير، والاستهلاك، للأسلحة والمعدات والذخائر. وقد أعاد ذلك، إسرائيل إلى الاعتماد على دولة كبرى، لاستعواض الخسائر، وهو ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية، بالجسر الجوي، كما استخدمت نفوذها السياسي لتأخير صدور قرار من مجلس الأمن لوقف إطلاق النار، من جهة أخرى، فقد ضغطت الولايات المتحدة الأمريكية على إسرائيل لقبول تسويات مرحلية لفك الاشتباك على الجبهتين المصرية والسورية، وهو ما كانت إسرائيل تتحاشاه دائماً.

لذلك، فإن نظرية الأمن الإسرائيلي، صعدت منذ حرب عام 1973، نسبة الاعتماد على الذات، بدرجة أكبر مما كانت عليه من قُبل، وذلك من خلال:

أ. تنمية وتطوير الصناعات العسكرية الإسرائيلية، بهدف تحقيق أكبر نسبة ممكنة من الاكتفاء الذاتي.

ب. تأمين احتياطيات من نظم الأسلحة والمعدات المختلفة على الرغم مما يشكله ذلك من تكاليف، ومن محاذير تقادم تلك النظم.

9. الإنذار

تعتمد نظرية الأمن الإسرائيلي، على الإنذار الموقوت، عن نوايا العدو، بما لا يقل عن 24-48 ساعة، وقد فشلت الوسائل التقليدية في حرب عام 1973، في أن تؤمن الإنذار المناسب. وحتى تحقق إسرائيل الإنذار المبكر، كأحد ركائز نظرية الأمن، طورت نظام إنذار مبكر فضائي ذاتي، بإطلاقها سلسلة الأقمار الصناعية من نوع "أوفيك" للتجسس على المنطقة، وتقديم المعلومات، وإنذارها في الوقت المناسب. إضافة لذلك، فإن إسرائيل تحصل على تسهيلات في تبادل المعلومات مع الولايات المتحدة الأمريكية، في إطار اتفاقية التعاون الإستراتيجي الموقعة بين البلدين، التي بموجبها يسمح لإسرائيل بالاستقبال المباشر، للإنذار، من الأقمار الصناعية الأمريكية، مما يمنحها مزيداً من الوقت.

10. العودة إلى إستراتيجية الذراع الطويلة

فشلت تلك الإستراتيجية، المعتمدة على القوة الجوية المتفوقة، في حرب أكتوبر عام 1973، إلا أن إسرائيل طورتها، لمواجهة السلبيات، التي اعترضتها، وذلك بتطوير سلسلة صواريخها أرض / أرض "أريحا"، إضافة لحصولها على طائرات الإمداد بالوقود في الجو، وعلى الطائرات ف-15أي، وكذلك الغواصات "دولفين"، التي يمكنها إطلاق الصواريخ من تحت سطح البحر، الأمر الذي يشير إلى القدرة على التعامل مع أي قوات دعم عربية، أثناء اقترابها على اتساع الوطن العربي، كما يمكنها كذلك إدارة أعمال قتال جوية في منطقة باب المندب في جنوب البحر الأحمر، دون الحصول على تسهيلات من دول المنطقة، (وهو أحد دروس حرب أكتوبر 1973). وبذلك جددت إسرائيل وسائل الردع البعيدة المدى، لتعود مرة ثانية إلى اعتناق إستراتيجية الذراع الطويلة.

11. الحدود الآمنة

أكدت حرب عام 1973، عدم جدوى مبدأ الحدود الآمنة، بعد أن فقدت إسرائيل خط بارليف، أقوى الحدود الآمنة، التي كانت ترتكز عليها نظريتها، وبعد أن تم إعادة غلق خليج العقبة، رغم احتلالها له، بقفل باب المندب، ومع ذلك، ففي مباحثات عملية السلام لم تستبعد إسرائيل مبدأ الحدود الآمنة من نظرية أمنها مع مصر، في أعقاب حرب 1973، لكنها عدّلت في مضمونها بمطالب إنشاء نطاقات للأمن في أراضي الغير، تحقق لها الإنذار، وتؤمن عدم المباغتة. وتعد اتفاقية السلام المصرية / الإسرائيلية، تأكيدا لذلك المفهوم، حيث أنشأت 4 مناطق أمنية، ثلاث منها داخل الحدود المصرية، وواحدة فقط داخل حدودها (بعد 1967)، مع استمرار احتلالها للأراضي العربية على الجبهات الأخرى:

المنطقة " أ ": وهي المنطقة المخصصة للقوات العسكرية، المتفق عليها.

المنطقة "ب": وهي منطقة حرس الحدود القليل الحجم، والخفيف التسليح، والمنخفض القدرة القتالية.

المنطقة "ج": وهي منطقة تعمل بها عناصر شرطة فقط، أي خالية من القوات.

المنطقة "د": داخل الحدود الإسرائيلية، وهي محدودة العمق والقوات.

وبذلك تستبدل إسرائيل الحدود الآمنة المرتكزة على عوائق طبيعية، بحدود آمنة ترتكز على مساحات واسعة، تفصل بين القوات المسلحة العربية، وبين أراضيها، وتوفر لها الإنذار المبكر، وإمكان نقل المعركة إلى أرض الخصم. (اُنظر خريطة المناطق العازلة)

الانعكاسات المباشرة على إعادة تنظيم وبناء الجيش الإسرائيلي

اتجاهات بناء وتطوير القوات المسلحة

بعد حرب أكتوبر 1973، لم يشهد جيش الدفاع الإسرائيلي توجهات رئيسية جديدة في المسائل التنظيمية، إنما تركزت كل الجهود، على التطوير الكمي والنوعي، وهما يهدفان إلى المحافظة على التوازن الإستراتيجي العسكري، لمصلحة إسرائيل، في مواجهة أية دولة عربية.

أ. الاتجاهات التنظيمية

أغرى حجم النصر غير المتوقع، الذي حققته إسرائيل في الجولة الثالثة عام 1967، وكانت ركيزتاه الطائرة والدبابة، الاستمرار في تبني الفكر الذي انعكس على بناء وتطوير جيش الدفاع الإسرائيلي بعد عام 1967، من منظور تصورها لطبيعة الحرب المقبلة، بأن تكون قادرة على تحقيق التفوق على أكبر جبهة عربية، مع إمكانية تحقيق الصد والاحتواء، على باقي الجبهات، في آن واحد، إضافة إلى احتفاظها باحتياطيات إستراتيجية قوية (بعد التعبئة).

بُني الحجم المطلوب من القوات، في الأفرع المختلفة، على أساس الاحتفاظ بالحجم المخفض المناسب، من القوات النظامية، القادرة على الصد والاحتواء، مع توافر احتياطي إستراتيجي محدود، على أن يتم تعبئة البنية الرئيسية، من قوات الاحتياط بالتتالي، خلال 1أيام، ليصل إلى الحجم القادر على دعم الاتجاهات الإستراتيجية المختلفة كمرحلة أولى، ثم القيام بضربة مضادة شاملة، لاستعادة الأوضاع، ونقل المعركة لأرض العدو، في الاتجاه الأكثر تهديدا، ثم الانتقال بعد ذلك لاتجاه إستراتيجي آخر، وهكذا.

ويعني ذلك، الاعتماد الرئيسي، في القوات الإسرائيلية على قوات الاحتياط، ومخازن الطوارئ، لذلك أعدت إسرائيل خطة تعبئة جيدة، ومحاور تحرك متعددة لخدمتها، للتغلب على مشكلة المسافات التي طالت. بالإضافة إلى المتطوعين من خارج إسرائيل، خاصة الطيارين والفنيين، في القوات الجوية والقوات المدرعة[1].

أما من حيث الكم، فإن إسرائيل ـ من أقوال قادتها العسكريين ـ تمتلك أربعة أضعاف ما لدى العرب من أسلحة، فضلاً عن النوع، وإمكانية الإستعواض لكل ما تفقده في الحرب، وفي المال، على غرار الجسر الجوي الأمريكي خلال حرب أكتوبر 1973.

ب. اتجاهات التطوير

كان الاتجاه العام للتطوير واضحا من خلال دروس جولة 1967، وما أدت إليه من تعديلات في نظرية الأمن، بالنسبة للقوات الجوية والقوات المدرعة، على حساب المشاة والمدفعية والدفاع الجوي، إذ بنت إسرائيل قواتها الجوية، لتكون قادرة على القيام بمهام القوات الجوية والدفاع الجوي معاً، وتوفير المعاونة النيرانية بدلاً من المدفعية كذلك. وتلبي المدرعات باقي المطالب النيرانية، بالتعاون مع العناصر المحدودة من المدفعية. لذلك، حصلت إسرائيل على أحدث أنواع الطائرات، التي تمكنها من تحقيق التفوق النوعي، بالإضافة للتفوق الكمي (فانتوم - ميراج - سكاي هوك) إلى جانب الدبابات الأمريكية م48، م60. لم تهتم إسرائيل بالمشاة، واكتفت بما توفره الدبابات من قوة نيران وقوة صدمة، وهو ما يكفي لحرب الصحراء، إلاّ أن الأيام الأولى من حرب 1973، أثبتت عدم صحة هذه النظرية. ونظراً لما تتمتع به إسرائيل من مرونة في التفكير وديناميكية في الأداء، فقد عادت، بعد ما واجهته في المرحلة الافتتاحية للحرب من المشاة المصريين والسوريين المسلحين بالصواريخ المضادة للدبابات، إلى استخدام عناصر المشاة الآلية بالأسلوب الصحيح، وتكليفها ببعض المهام التي تتناسب مع إمكاناتها، وإمكانها مواجهة المشاة المصرية والسورية المسلحة بالصواريخ المضادة للدروع، وقد وضعت إسرائيل الصواريخ المضادة للدبابات "تاو" والمدفعية، على رأس قائمة مطالب التسليح العاجلة. كذلك شمل التطوير القوات البحرية، بالاعتماد على لنشات الصواريخ.

ج. اتجاهات التخطيط الإستراتيجي والعملياتي

أدى اعتماد إسرائيل قبل حرب عام 1973، على مبدأ الحدود الآمنة، إلى تغير كبير في فكر التخطيط للعملية الدفاعية الإستراتيجية، غير أن المصاعب التي واجهتها نظرية الأمن، في حرب أكتوبر 1973، أدت بها إلى مراجعة تلك النظرية، والمبادئ التي تحتويها، وأساليب تطبيقها:

تعبئة القوات

حتى لا تحتفظ إسرائيل بحجم كبير من القوات في الخدمة لفترة طويلة. نظّمت دفاعها عن سيناء في حرب 1973، ليشمل ثلاثة عناصر رئيسية، هي:

(أ) نظام معلومات يوفر فترة إنذار من 24-48 ساعة عن العدائيات المنتظرة، حتى يمكن اتخاذ الإجراءات اللازمة للتعبئة.

(ب) قوات جوية على استعداد دائم لتوجيه ضربة جوية مسبقة، (ضربة وقائية)، عند اكتشافهم أي نوايا عدوانية قد توجه ضدهم.

(ج) جيش عامل قادر على صد هجوم العدو واحتوائه، وتهيئة الظروف الملائمة للتعبئة والحشد والفتح الإستراتيجي التعبوي. أي أنه ينفذ المرحلة الدفاعية من الخطة، ويهيئ الظروف للمرحلة الهجومية، التي تقوم بها القوات المعبأة.



[1] تعاقدت القوات المسلحة الإسرائيلية مع مائة طيار من أصل يهودى، يقيمون في أمريكا وبريطانيا وألمانيا، لكي يأتوا إلى إسرائيل ويتلقوا تدريبات على طائراتها ويكونوا جاهزين حين تستدعيهم.