مقدمة

أدى التقدم التقني، الذي حدث في مطلع القرن العشرين، إلى إدخال معَدة قتال مستحدثة في حروب هذه الفترة، وهي الدبابة؛ وهي معدة جسدت قوة المدفع، وحماية الدرع في مواجهة نيران العدو، مع مرونة وسرعة التحرك. إن المزج بين هذه المواصفات، أدى إلى إمكانية تخطيط وتنفيذ عمليات عسكرية، على مستوى لم يكن معروفا من قبل، وأدى هذا إلى اندفاع كلّ جيوش العالم نحو إعداد واقتناء أساطيل ضخمة من الدبابات؛ وأصبحت نتيجة أعمال القتال، تعتمد بصفة مباشرة على الاستخدام المميز لقوة الدبابات، التي تمثل القوة الضاربة الأساسية للقوات البرية.

الدبابات آليات ذات جنزير، ومزودة بمدفع يزيد عياره عادة على 75 مم. وتتنوع أحجامها وأنواعها طبقاً لظروف المهام وطبيعة الاستخدام. ومع تطور التقنيات، والإمكانيات الصناعية، تطور درع الدبابة، فأصبح أكثر قوة، وأثقل وزناً، وزاد من ثقل الدبابة؛ وهو ما استدعى استخدام محركات أقوى، وأسلحة أكثر تدميراً. ونتيجة لذلك، تحولت معظم الدبابات، التي كانت تصنف كدبابات متوسطة، إلى فئة الدبابات الثقيلة، وظهر اسم جديد في عالم الدبابات، هو دبابة القتال الرئيسية. وتحت هذا الاسم، ذاب وانصهر تقسيم الدبابات إلى فئات وزنية؛ وذابت كذلك الخطوط الفاصلة بين الدبابات والعربات المدرعة القتالية المجهزة بالمدافع، مثل الدبابة البريطانية Scorpion، والفرنسية AMX –13 التي يمكن تصنيفها على أنها عربة استطلاع مدرعة، أو عربة قتال مدرعة، أو دبابة خفيفة الحركة؛ وهي في جميع الأحوال آلية ذات درع وجنزير، ومزودة بمدفع من العيار 60 مم أو أكبر.

تتطور الدبابات المعاصرة في ثلاثة اتجاهات رئيسية، هي: المرونة وخفة الحركة، والقدرة على المقاومة والبقاء، والقوة التدميرية. ففي اتجاه زيادة المرونة وخفة الحركة، يسير الاتجاه نحو استخدام مجموعات نقل حركة حديثة، ومحركات ديزل ذات قوة أكبر، لتعويض ثقل الدروع الحديثة. كما تزود الدبابات بإمكانيات الطفو أو عبور المخاضات المائية، واجتياز مختلف أنواع العوائق الأفقية والمائلة والرأسية. أمّا في مجال المقاومة والبقاء، فتتطور الدبابات نحو زيادة قوة الدروع، مع استخدام الدروع الناشطة، وزيادة تدريع الأجزاء الحساسة، مثل تركيب دروع واقية للبرج أو للجنزير، مع تزويد الدبابات بإمكانيات ذاتية لحفر الخنادق الوقائية، وللتعامل مع حقول الألغام، مع تأمينها ضد آثار الضربات النووية، أو الحرب الكيماوية والبيولوجية؛ إضافة إلى تزويد الدبابات بوسائل إطلاق قنابل الدخان، والرقائق المعدنية والمشاعل الحرارية، لتضليل الصواريخ، التي تستخدم وسائل التوجيه الكهربائية البصرية أو الرادارية أو الحرارية. كما تزود بعض الدبابات الحديثة بإمكانيات إيجابية، لتدمير الصواريخ المهاجمة قبل وصولها إليها.

أمّا في مجال القوة التدميرية، فيتجه التطور نحو استخدام مدافع حديثة ذات مدى أبعد، ومعدل نيران أعلى، وعمر افتراضي أطول للسبطانة؛ مع استخدام وسائل اتزان، تسمح بالرماية أثناء الحركة؛ مع التوسع في تزويد الدبابات بقواذف الصواريخ المضادة للدبابات؛ مع استخدام أنواع ذخائر أكثر فعالية، وأعلى في قدرتها التدميرية. كل هذا إضافة إلى وسائل متطورة للرؤية النهارية والليلية، ومعدات متقدمة لاكتشاف الأهداف وإحكام التسديد، واستخدام وسائل ومعدات اتصال متطورة، تربط الدبابات ربطاً مباشراً مع نظام القيادة والسيطرة، وتسمح بتدفق المعلومات عن أهداف العدو في الوقت الحقيقي. وتزود الدبابات الحديثة بحاسب آلي، للتحكم في النيران، لمواكبة سرعة تدفق المعلومات.

إن الدبابات الحديثة، أصبحت من أكثر آلات الحرب الحديثة تعقيداً. واعتمدت على تصميم، يضمن درجة عالية من الثقة، ويسمح بالعمل تحت أقصى الظروف الطبيعية، وفي أصعب الأراضي، وتحت ظروف القتال في المعارك الحديثة، التي تتميز بالسرعة الكبيرة، والتغير الحاد في المواقف.