إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / الاستشعار عن بُعد




نموذج ثلاثي الأبعاد لسفينة
هوائي الرادار سار
موجات المحيط باللون الأحمر
منطاد بمستشعرات للأشعة الكونية
مركبة الفضاء كاسيني
مقبرة مدينة إرم
مقياس الإشعاع الطيفي موديس
المستشعر موبيت
المستشعر ميسر
الإشعاع المنبعث من المحيط الهادي
الانبعاثات الطيفية
التليسكوب الفضائي هابل
الخصائص المناخية لكوكب الأرض
الصاروخ الروسي SS-25
الغطاء الثلجي شرق الولايات المتحدة
القمر الصناعي تخسات جوروين1
القمر الصناعي تخسات2
القمر الصناعي ERS-1
جبل عمور في الجزائر
درجة الكلوروفيل
صورة من القمر متيوسات
صورة وادي الرحابي بالجزائر
صورة التقطها المستشعر "أستر"
صورة بنظام كهروبصري محمول جواً
صورة جوية بواسطة الرادار
صورة جوية بالرادار السار
صورة كميات المياه في الجو
صورة فضائية لبركان
سطح القمر تيتان
كاميرا التصوير بالقمر (أفق-3)
غابات الأمازون
قياس الإشعاع الطيفي

مراحل منظومة شنكاي
مراحل استعادة الكبسولة
أسلوب التصوير الضوئي
نطاق تغطية القمر أفق-3
مكونات القمر الصناعي أفق-3
التقاط الانبعاثات الطيفية




الفصل الرابع

المبحث التاسع

فن الاستشعار عن بُعد والجوانب الفنية والقانونية والتنظيمية

أولاً: فن الاستشعار عن بُعد باستخدام التوابع الصناعية

المعنى الحرفي لتعبير "الاستشعار عن بُعد" هو الحصول على معلومات عن شيء ما من مسافة بعيدة. ويستخدم هذا التعبير في الوقت الحاضر لوصف الطرق التي تجمع بها البيانات عن الأهداف، أو الظواهر الطبيعية التي تحدث على سطح الأرض، أو بالقرب من مكان مرتفع في الهواء، أو في الفضاء الخارجي، وبالتالي لا فرق بين الاستشعار عن بُعد من الجو أو من الفضاء الخارجي في كثير من النواحي الفنية. ولكن سيتم التركيز هنا على الاستشعار عن بُعد من الفضاء الخارجي، لاختلاف طبيعة الوسط الذي يتم فيه كل منها.

ويعدّ علم وفن الاستشعار عن بُعد بواسطة التوابع الاصطناعية من التكنولوجيا الحديثة لاكتشاف المصادر الطبيعية والظروف الجوية وتحديدها على سطح الأرض من الفضاء الخارجي التي مازالت في المهد. ولكن إذا ما قورن ذلك بما كان موجوداً من قبل يُعدّ ذلك ثورة علمية كبرى. ويرجع الفضل في العديد من الإنجازات العلمية إلى عمليات الاستشعار عن بُعد. وفى غضون الأعوام القادمة سيكون الاستشعار عن بُعد صناعة رئيسة لها كثير من الرواج.

وقد استخدمت أول آلة للاستشعار عن بُعد من الفضاء الخارجي، وهى آلة تصوير أمريكية، ركبت على الصاروخ V-2 المعدل عام 1947. وبعد عشر سنوات أطلقت توابع اصطناعية عديدة زُودت بآلات التصوير ومعدات الاستشعار عن بُعد.

وتختلف طرق استقبال المعلومات في كل حالة، فعند استخدام آلات التصوير يلزم استعادة الفيلم بعد تصويره لاستخراج الصور المطلوبة. وفى حالات أخرى يمكن إرسال هذه الصور أو المعلومات من طريق إشارات لاسلكية ترسل إلى محطات استقبال أرضية.

وقد أُنجزت أول عملية لمراقبة الأرصاد الجوية، عندما أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية أول تابع اصطناعي خاص بالأرصاد الجوية تيروس Television and Infra-Red Observation Satellite TIROS.

وفى أبريل 1960، تمكن هذا التابع من إرسال 23 ألف صورة تليفزيونية لنماذج من تراكمات السحب فوق العديد من مناطق الكرة الأرضية، وقد كان ذلك علامة جديدة على الطريق نحو عصر جديد للتنبؤ بالأحوال الجوية.

 وتًستخدم العديد من المعدات المعقدة لتسجيل الخواص المختلفة لمكونات سطح الأرض والأحوال الجوية المحيطة بها. وقد تتكون هذه المعدات من معدات سلبية، مثل آلات التصوير أو الماسحات الخطية Line Scanners، أو الوسائل اللاسلكية. وقد تكون معدات إيجابية مثل رادارات المراقبة الجاذبية Side Looking Radar، أو أجهزة قياس الموجات المنتشرة، أو المعدات التي تعمل بالليزر. ويمكن إجمال الوسائل التي تعمل بها معدات الاستشعار عن بُعد في الآتي:

1. آلات تصوير تقليدية تستخدم الحزمة المرئية من الطيف الكهرومغناطيسي.

2. أجهزة تعمل بالأشعة تحت الحمراء تلتقط الإشارات الحرارية المنبعثة من الأجسام.

3. أجهزة قياس الإشعاعات Radiometer.

4. المراقبة الرادارية Radar Monitoring .

5. أجهزة قياس الطيف Spectrometer.

6. أجهزة الليزر Lesser.

7. أجهزة الموجات متناهية القصر Micro Wave.

وقد استخدم، حتى الآن، من هذه الوسائل تلك التي تعمل بالموجات مختلفة الطول في الطيف الكهرومغناطيسي. فعلاوة على الضوء المرئي، فقد استخدمت الموجات غير المرئية من الضوء، وهى فوق البنفسجية، وتحت الحمراء، والقريبة من تحت الحمراء، وتحت الحمراء الحرارية، وحزم الموجات الدقيقة أو متناهية القصر.

ويتميز الاستشعار عن بُعد باستخدام الموجات متناهية القصر، بإمكان استخدامها ليلاً أو نهاراً، وفى مختلف الظروف الجوية. هذا بخلاف الأنواع الأخرى من الأشعة المرئية منها وغير المرئية، التي يتطلب استخدامها توفر ظروف جوية مناسبة، مثل الجو الصافي غير الغائم ووجود ضوء الشمس.

1. طريقة إرسال الصور من مركبات الفضاء إلى الأرض

ترسل الصور التي تلتقطها معدات الاستشعار عن بُعد، الموجودة على متن مركبات الفضاء إلى المحطات الأرضية على هيئة إشارات كهرومغناطيسية، تحولها الحواسيب الإلكترونية إلى صورة رقمية. وهكذا تقسم الصورة إلى ملايين النقط بيكسل، والأرقام التي يعطيها الحاسب الآلي هي إحداثيات كل نقطة بالنسبة للمستوى الأفقي والمستوى الرأسي (س، ص)، وكذلك درجة اللون، وبالتالي يمكن إعادة تجميع الصورة. ويُدل ذلك على مدى أهمية استخدام أنواع متطورة من الحواسب الإلكترونية التي تعمل مع البلايين من الأرقام. كذلك يمكن ترك عملية تفسير هذه الصور إلى الحاسب الآلي الذي يمكن بواسطته تحديد نوعية الارتفاع ومساحته وطبيعة أي منطقة يتم تصويرها.

أ. المستشعرات السلبية Passive Sensors

تعتمد المستشعرات السلبية على التقاط الموجات الكهرومغناطيسية الصادرة أو المنعكسة من الأجسام المختلفة وتسجيلها، ذلك أن كل جسم تزيد درجة حرارته عن الصفر المطلق – 273 درجة مئوية، يقوم بإشعاع طاقة كهرومغناطيسية ذات طول موجه معين، وهذه الموجات هي التي تستقبلها المستشعرات السلبية التي تستخدمها التوابع الاصطناعية. ويتم تخزين الصور المتحصل عليها مباشرة على هيئة موجات كهرومغناطيسية تستقبلها المحطات الأرضية. وقد تُرسل هذه الصور فور الحصول عليها، أو تُخزَّن في التابع الاصطناعي حتى يتم استدعاؤها في الوقت المناسب.

ويمكن لآلات التصوير المستخدمة في هذا الغرض التقاط الصور للأغراض التي تصدر أشعة مرئية أو أشعة غير مرئية، مثل الأشعة تحت الحمراء أو فوق البنفسجية. وبعد استقبال الأشرطة ومعالجتها يمكن الحصول على صور ملونة أو أبيض وأسود أو بالألوان الكاذبة، وهى الألوان التي لا تمثل الألوان الحقيقية للأشياء.

ب. المستشعرات الإيجابية Active Sensors

على عكس المستشعرات السلبية، فإن المستشعرات الإيجابية تعتمد على الأشعة التي تُرسل خصيصاً لهذا الغرض، لتصل إلى الأهداف المطلوب استشعارها. وهكذا استقبال الأشعة المنعكسة من هذه الأهداف وتسجيلها. ففي حالة استخدام الموجات المتناهية القصر Micro Wave تُرسل الموجات الكهرومغناطيسية بواسطة رادارات خاصة. أما في حالة استخدام أجهزة الأشعة المرئية أو أجهزة الأشعة تحت الحمراء، فإن الأشعة المنبعثة يتحصل عليها بواسطة أجهزة الليزر.

ج. المعدات العسكرية

تختلف المعلومات عن المعدات العسكرية عن المعدات المدنية، في أن الأخيرة لا تحمل أية درجة من درجات السرية، بل يمكن الحصول على معلومات عنها في الكثير من النشرات والكتب العلمية الخاصة بهذا المجال. بينما تعدّ المعلومات عن المعدات العسكرية محدودة للغاية، نظراً لدرجات السرية العالية التي تعطى للمعلومات الخاصة بهذه المعدات.

والمعدات العسكرية، بوجه عام، أكثر تعقيداً وأقل انتشاراً، حيث إنها تستخدم في مهام الاستطلاع العسكري. وآلات التصوير المستخدمة في الأغراض العسكرية آلات دقيقة يمكنها الحصول على معلومات أكثر تفصيلاً عن أهداف قد يصل حجمها إلى بضعة عشرات من السنتيمترات، في مقابل قدرات المعدات المدنية التي لا تستطيع أن تحمل معلومات عن مثل هذه الأهداف الصغيرة، ولكنها تستطيع، في أحسن أحوالها، أن تحصل على معلومات عن أهداف يصل حجمها إلى عدة عشرات من الأمتار.

وتصل دقة المعدات العسكرية المستخدمة في الاستشعار عن بُعد إلى أنها تستطيع مراقبة إطلاق الصواريخ والقذائف والمركبات الفضائية، كذلك حركة السفن والغواصات عبر المحيطات. كذلك يمكنها إعطاء معلومات دقيقة وتفصيلية عن الأرض والمباني والطرق والمركبات والأفراد من طريق الصور التي تلتقط بهذه الآلات الدقيقة.

د. معدات المعاونة الأرضية

تحصل أجهزة الاستشعار عن بُعد المُركبة بالتوابع الاصطناعية على المعلومات والبيانات، ثم ترسل هذه المعلومات والبيانات إلى الأرض، حيث تستقبلها محطات الاستقبال الأرضية. وفى هذه المحطات تستخدم برامج خاصة لفك رموز هذه البيانات. حيث تتحول إلى معلومات يمكن الاستفادة منها.

وتعدّ هذا المعدات أقل تعقيداً وتكلفة في حالة المحطات الأرضية المستخدمة للأغراض العامة، مثل محطات الأرصاد الجوية. أما في حالة المحطات المخصصة للأغراض العسكرية والأغراض الخاصة فإنها تكون أكثر تعقيداً وأكثر تكلفة.

ويكون الاتصال بين التوابع الاصطناعية والمحطات الأرضية إما مباشرة، أو من طريق محطات وسيطة، أو باستخدام وسائل المواصلات القومية أو العالمية المتاحة، مثل توابع الاتصالات. ولدى كثير من الدول محطات استقبال أرضية مزودة بجميع المعدات اللازمة للقيام بمهامها، وبالتالي تستطيع هذه الدول أن تحصل على الصور أو المعلومات الخاصة بأراضيها، كذلك المعلومات الخاصة بالدول المجاورة لها، وذلك عند مرور التوابع الاصطناعية فوق أراضى تلك الدول.

وتختلف البيانات الأولية Primary Date، وهى البيانات الخام التي يتم استقبالها وتسجيلها في المحطات الأرضية، عن المعلومات المحللة Analyzed Information، وهى البيانات بعد معالجتها وتحليلها وفك رموزها. ويهتم المستخدم بالنوع الأخير من المعلومات التي يمكن الاستفادة منها، خاصة تلك المعلومات التي تظهر حالة المحصولات الزراعية، أو احتمالات وجود المصادر الطبيعية. ولا تعدّ البيانات الأولية ذات فائدة تذكر، إلا إذا وجدت الوسائل اللازمة لتحليلها وفك رموزها وتحويلها إلى معلومات يمكن الاستفادة منها.

2. تحديد المبادئ الرئيسة للاستشعار عن بُعد

أ. تعريف الاستشعار عن بُعد

بالرغم من أن مبادئ الاستشعار عن بُعد التي تمت صياغتها حتى عام 1978، قد ركزت على استشعار المصادر الطبيعية للأرض والظروف البيئية لها، إلا أن العديد من الدول قد نادت بضرورة تحديد تعريف دقيق لعملية استشعار الأرض وظروفها الطبيعية عن بُعد.

ونتيجة لذلك فقد قبلت اللجنة الفرعية القانونية التحديد الذي اقترحته اللجنة الفرعية العلمية والتقنية ودولة السويد، الذي يرى امتداد هذه المبادئ لتشمل المصادر الطبيعية للأرض والظروف البيئية لها، دون أن يتعرض لتعريف عملية الاستشعار عن بُعد. وهذا ما اشتمل عليه المبدأ الأول في المشروع المقترح الذي ظل دون تغيير حتى عام 1981. وقد اشتمل المبدأ الأول كذلك على تحديد الفرق بين البيانات الأولية والمعلومات المُحللة.

ب. مراعاة مصالح كافة الدول

دعا المشروع في المبدأ الثاني، بأن يكون استشعار الأرض وظروفها البيئية عن بُعد، لصالح جميع الدول وفائدتها، أياً كانت درجة نمائها الاقتصادي أو العلمي. ويُلاحظ هنا توافق ما جاء في هذا المبدأ من حيث الصياغة مع ما ورد في المادة الأولى الفقرة الأولى من معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967. كذلك نادى هذا المبدأ بالتعاون الدولي وضرورة أن تؤخذ في الحسبان الحاجة الخاصة للدول النامية.

ج. الالتزام بالقانون الدولي

نادى المبدأ الثالث للمشروع بأن تُمارس أنشطة الاستشعار عن بُعد، بما يتوافق مع القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، ومعاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967.

د. التعاون الدولي في مجال الاستشعار عن بُعد

أكد المشروع في مادته الرابعة، على ضرورة التعاون الدولي في برامج الاستشعار عن بُعد، وضرورة توفير فرص للمشاركة في مثل هذه البرامج. كما حث الدول على الدخول في اتفاقات دولية والمشاركة في تسهيلات دولية، الأمر الذي يعزز التعاون الدولي، ويؤدي كذلك إلى اقتسام الفوائد المتحققة من البيانات الناتجة من أنشطة الاستشعار عن بُعد.

هـ. المحافظة على البيئة الطبيعية للأرض

يؤكد المبدأ الخامس على أهمية الاستشعار عن بُعد، بوصفه وسيلة للمحافظة على ظروف البيئة الطبيعية. لذلك دعا الدول القائمة بالاستشعار عن بُعد لتيسر الحصول على المعلومات التي تفيد في تجنب الضرر الناتج من الظواهر الطبيعية الضارة بالظروف البيئية للأرض.

و. الحصول على المعاونة الفنية

ويدعو المبدأ السادس من المشروع، الدول القائمة بالاستشعار عن بُعد لتيسر الحصول على المعاونة الفنية للدول المهتمة بهذا النشاط، على أسس مُتفق عليها فيما بينهم. وبهذا تتسع دائرة التعاون والاستفادة من برامج الاستشعار عن بُعد. كذلك يمكن للدول المهتمة، إذا ما حصلت على المعاونة الفنية، أن تطور إمكاناتها في مجال الاستشعار عن بُعد.

ز. دور الأمم المتحدة

وفي الفقرة الأولى من المبدأ السابع، ما يدعو الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها إلى زيادة التعاون الدولي، بما في ذلك المعاونة الفنية. كما دعا الأمم المتحدة إلى أن تؤدي دوراً في التنسيق بين أنشطة الاستشعار عن بُعد. وتدعو الفقرة الثانية الدول القائمة بالاستشعار عن بُعد، أن تُبلغ الأمم المتحدة عن أنشطتها في هذا المجال.

ح. الحماية من الكوارث الطبيعية

وطالب المبدأ الثامن الدول القائمة بالاستشعار عن بُعد، بعد أن تنقل البيانات والمعلومات المتحصل عليها من استشعار الأرض عن بُعد، والتي تُنبئ بكوارث طبيعية وشيكة الوقوع، بأسرع ما يمكن لتلك الدول المحتمل تأثرها بهذه الكوارث.

ط. عدم الإضرار بالدول الأخرى

ويطالب المبدأ التاسع، بعدم استخدام معلومات الاستشعار عن بُعد وبياناته لإلحاق الضرر بالدول الأخرى. ويجب أن تستخدم هذه البيانات والمعلومات في توافق مع الحقوق القانونية ومصالح الدول الأخرى.

ورغم اختصار هذا المبدأ، إلا أنه ناقش مسألة حيوية بالنسبة للدول المستشعرة، خاصة الدول النامية، التي تخشى أن تُستخدم البيانات والمعلومات المتحصل عليها من أنشطة الاستشعار عن بُعد للإضرار بها أمنياً أو اقتصادياً أو سياسياً.

ي. الإبلاغ عن المعلومات الفنية الخاصة بنظم التشغيل

وينص المبدأ العاشر على السماح للدول والمنظمات الدولية بممارسة أنشطة الاستشعار عن بُعد، وعلى هذه الدول أن تكون مستعدة أن تضع في متناول الأمم المتحدة أو الدول الأخرى المعنية، وبالأخص الدول النامية، وتحت طلبهم أي معلومات فنية خاصة بنظم التشغيل، التي يمكن لهذه الدول القائمة بالاستشعار الإفصاح عنها.

ك. المسؤولية الدولية عن أنشطة الاستشعار عن بُعد

يدعو المبدأ الحادي عشر، أن تتحمل الدول القائمة بالاستشعار المسؤولية الدولية عن الأضرار الناجمة عن أنشطة الاستشعار عن بُعد التي تمارسها، سواء أقام بهذه الأنشطة كيان حكومي أم كيان غير حكومي. وقد وضع هذا المبدأ بشكل عام يصعب تطبيقه دون تحديد نوع الضرر الذي ينجم عن أنشطة الاستشعار، والذي قد يختلف عن الضرر الذي حددته اتفاقية المسؤولية الدولية.

ل. حق الدولة المستشعرة في الحصول على المعلومات

نص مشروع المبادئ المذكور في المبدأ الثاني عشر، على السماح للدولة المستشعَرة بالحصول على المعلومات الخاصة بأراضيها في الوقت المناسب، وبدون تمييز، وعلى أُسس معقولة. ويعتمد الحصول على هذه المعلومات على ما هو ممكن وعملي. وسوف تحصل هذه الدول على المعلومات إما على "أُسس مستمرة مع إعطائها أسبقية خاصة"، أو "أن تحصل هذه الدول على المعلومات قبل نشرها، أو قبل أن يحصل عليها أي طرف ثالث"، ولا يستدعي ذلك الموافقة المسبقة من الدولة المستشعِرة قبل تنفيذ الاستشعار.

وقد يُفسر ذلك بأنه اعتراف بحرية الاستشعار عن بُعد، ولكنه يمنع فقط إعلان نتيجة هذا النشاط. ومن ناحية نظرية يرى البعض أن هذا يعطي أسبقية لسيادة الدولة المستشعَرة على سيادة الدولة القائمة بالاستشعار. وتؤيد العديد من الدول الحق في نشر البيانات الأولية والمعلومات النهائية المحللة، بعد سماح الدولة المستشعَرة بذلك. بينما يقل عدد الدول التي تفضل النشر الحر غير المشروط لهذه البيانات والمعلومات.

م. احترام السيادة الكاملة للدول

أكد المشروع في المبدأ الثالث عشر على احترام سيادة الدول كالآتي:

(1) يجب تنفيذ الاستشعار عن بُعد، الذي يشتمل على استشعار المصادر الطبيعية والعوامل البيئية، مع مراعاة مبدأ السيادة الكاملة والدائمة لكل الدول.

(2) عدم مساس أنشطة الاستشعار عن بُعد باحترام سيادة الشعوب على ثرواتها ومصادرها الطبيعية.

(3) مراعاة حق الدول غير القابل للتنازل في أن تقرر مصير مصادرها الطبيعية والمعلومات الخاصة بهذه المصادر.

(4) مراعاة حقوق الدول الأخرى ومصالحها وأشخاصها الطبيعية والقانونية، طبقاً لمبادئ القانون الدولي.

ن. الأخطار المسبقة للدولة المستشعَرة

ينادي المبدأ الرابع عشر، بأن تلتزم الدول القائمة بالاستشعار، بإخطار الدول المتأثرة بالاستشعار عن بُعد مسبقاً. كذلك على الدول القائمة بالاستشعار أن تخطر الأمانة العامة للأمم المتحدة عن ممارستها لهذا النشاط أو نيتها في ممارسته. ويمكن للدولة المستشعَرة أن تطلب إخطاراً بذلك من الدولة المستشعِرة، وعلى الأخيرة أن يتضمن إخطارها ـ على أوسع نطاق عملي ممكن ـ إيضاح طبيعة المهمة ومدتها، والمجال الذي يغطيه هذا النشاط. ويدعو المبدأ كذلك إلى الإفصاح عن المعلومات التفصيلية عن هذا النشاط بمجرد انتهاء المهمة. وعلى الأمانة العامة نشر هذه المعلومات فور الحصول عليها.

س. نشر البيانات والمعلومات

يلزم المبدأ الخامس عشر الدول القائمة بالاستشعار عن بُعد، باستشارة الدول المتأثرة به، بناءً على طلب الأخيرة، وذلك بخصوص نشر البيانات والمعلومات. والغرض من ذلك تنمية روح التعاون الدولي وعلاقات الصداقة بين الدول، وزيادة الفائدة المشتركة المتحصل عليها من هذا النشاط.

ع. موافقة الدول المستشعَرة على نشر البيانات والمعلومات

ينص المبدأ السادس عشر على منع الدول القائمة بالاستشعار عن بُعد، التي لم تتلق الموافقة من الدول التي تتأثر أراضيها بهذه الأنشطة، من الحق في نشر البيانات أو المعلومات الخاصة بالمصادر الطبيعية للدولة المستشعَرة أو التصرف فيها، إلى أربعة من المستقبلين، هم أي دولة ثالثة، أو أي منظمة دولية، أو الأشخاص العامة، أو الأشخاص الخاصة.

ويُلاحظ أن هذا المشروع يدعو إلى موافقة الدولة المستشعَرة على نشر البيانات، وليس الموافقة المسبقة على نشرها. ويمكن تفسير ذلك على أنه اعتراف بالحق في الاستشعار عن بُعد. ولا يُقيد إلا نشر البيانات والمعلومات أو نقلها دون تصديق من الدولة المستشعَرة.

ف. حل المنازعات الدولية الناجمة عن أنشطة الاستشعار عن بُعد

تناول المبدأ السابع عشر والأخير في المشروع، طرق حل المنازعات الدولية الناجمة عنن أنشطة الاستشعار عن بُعد. ويدعو هذا المبدأ إلى التشاور الفوري عند حدوث أي نزاع. وفي المواقف التي يستحيل فيها إجراء هذا التشاور، فإنه من الضروري اللجوء إلى وسائل أخرى، للوصول إلى حل سلمي للنزاع تتفق عليها الأطراف المعنية.


ثانياً: الجوانب الفنية والتنظيمية للاستشعار عن بُعد

تعتمد أجهزة الاستشعار عن بُعد على استقبال الموجات الكهرومغناطيسية التي تشعها الأجسام. وتختلف أطوال هذه الموجات طبقاً لطبيعة الجسم وخواصه. وترسل هذه الموجات حيث يتم استقبالها في صورة بيانات يمكن تحليلها وفك رموزها للتعرف على طبيعة الجسم وخواصه.

وتوضع معدات الاستشعار عن بُعد في مركبات الفضاء، المأهولة منها ـ أي التي يقودها رواد الفضاء ـ أو الآلية غير المأهولة. كذلك توضع هذه المعدات في الطائرات أو البالونات أو الصواريخ.

1. الشكل العام لمنظومة الاستشعار عن بُعد

غالباً ما تكون المنصات الفضائية التي تعمل في مجال الاستشعار عن بُعد من توابع اصطناعية ذات مدار محدود حول الأرض سواء حدد موقع هذا التابع بالنسبة لوضع الشمس أو بالنسبة لمنطقة معينة من خلال الأرض.

ويمكن للتوابع التي تعمل على مدارات ذات موقع محدد بالنسبة للشمس تغطية الأرض تغطية شاملة، تحت ظروف إضاءة كاملة ومستمرة للشمس. أما تلك التوابع التي تعمل على مدار ثابت بالنسبة للأرض، فهي الأكثر مناسبة لمراقبة مكان محدد على سطح الأرض، ويلزم ثلاثة توابع من النوع الأخير للحصول على تغطية كاملة لكل سطح الأرض من هذا المدار.

وتتكون منظومة الاستشعار عن بُعد من العناصر الآتية:

أ. تابع اصطناعي أو أكثر في مدار حول الأرض.

ب. محطة أرضية لأغراض السيطرة.

ج. محطات استقبال أرضية لجمع البيانات واحدة لكل إقليم على الأقل.

د. مركز لمعالجة البيانات وتحليلها ونشرها واحدة لكل إقليم على الأقل.

هـ. برنامج مراقبه دقيق في طائرة أو على الأرض.

و. مركز دولي لتخزين البيانات ونشرها.

2. تنظيم أنشطة الاستشعار عن بُعد

تجمع أنشطة الاستشعار عن بُعد بين السيطرة المركزية والسيطرة اللامركزية، بحيث يتم التخطيط والتنسيق للنظام بالكامل بشكل مركزي، وفى الوقت نفسه تعطى الحرية لمكونات النظام للعمل داخل إطار هذا النظام بشكل مستقل. أما من الناحية السياسية فيبنى النظام على أساس من التعاون الدولي الذي يعتمد على التكنولوجيا المتيسرة للدول المشتركة فيه، ومقدار حاجة كل من هذه الدول للمعلومات المتحصل عليها من هذا النظام، وكذلك يبنى النظام على أساس من تبادل الخبرات بين الدول في هذا المجال.

3. التوابع الاصطناعية للاستشعار عن بُعد

يُعد الاستشعار عن بُعد باستخدام التوابع الاصطناعية من أكثر الوسائل فعالية، للتعرف على خواص الظواهر الطبيعية وطبيعتها وحالتها على سطح الأرض، بل فوق السطح وتحته. ويتم ذلك بواسطة المراقبة والقياس من منصات فضائية.

وقد بدأ الإنسان في استخدام تكنولوجيا الاستشعار عن بُعد من التوابع الاصطناعية بشكل منتظم، منذ أن أُطلقت أول مركبة فضاء إلى الفضاء الخارجي، وهى سفينة الفضاء سبوتنيك Sputnik التي أطلقها الاتحاد السوفيتي (السابق) عام 1957. كذلك أُطلق أول تابع اصطناعي خاص بالأرصاد الجوية عام 1960. وقد تلا ذلك إطلاق الولايات المتحدة الأمريكية لأول تابع في سلسلة لاند سات Land sat، في عام 1972. ومنذ ذلك الوقت أُطلقت العديد من التوابع الاصطناعية الأخرى من الطراز نفسه. وقد أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية NASA، عام 1981، تابعاً اصطناعيا يدور حول الأرض أربع عشرة مرة يومياً، على ارتفاع 570 ميل، ولهذا التابع القدرة على اكتشاف الأهداف الصغيرة التي يبلغ حجمها 30 م.

وبمرور الوقت تحسن أداء معدات الاستشعار عن بُعد، إلى درجة أنه يمكن التعرف على أهداف يقل حجمها عن عشرة أمتار. كما تطورت المعدات العسكرية للاستشعار عن بُعد، بحيث أصبح في مقدورها تمييز أهداف لا يتجاوز حجمها بضعة عشرات من السنتيمترات.

ويدير الاتحاد السوفيتي (السابق) أجهزة مساحة من الفضاء من المحطات الفضائية، التي يقودها رواد الفضاء السوفيت، مثل المركبة سيوز Soyuz، وساليوت Salyut. ولقد بلغ عدد ما أطلقه الاتحاد السوفيتي (السابق) من هذه التوابع ما يزيد على مائة تابع في العام.

وتستخدم التوابع الاصطناعية للاستشعار عن بُعد في كل مكان من الميدانين العسكري والمدني، والكثير منها يمكن استخدامه لكلا الغرضين في الوقت نفسه.

وتهدف الأنشطة الميدانية إلى مراقبة المحاصيل والنباتات والمصادر الطبيعية. كذلك تراقب هذه الأنشطة جبال الجليد واتجاهات تحركها والانهيارات التي تحدث بها، كما تراقب تراكمات السحب وظهور العواصف واتجاهات تحركها، والظواهر الجوية العنيفة. وعلاوة على ما تقدم تراقب هذه الأنشطة أسراب الجراد، ومناطق توالدها.

ويهدف النشاط العسكري إلى تنفيذ مهام مساحية واستطلاعية، تعتمد على مراقبة مستمرة وإنذار مبكر عن الأنشطة العسكرية للدول الأخرى. وتستخدم أنشطة الاستشعار عن بُعد العسكرية في هذا المجال الأشعة تحت الحمراء لمراقبة التحركات الأرضية وإطلاق الصواريخ والقذائف. كذلك يقوم الاستطلاع الإلكتروني باكتشاف الإشعاعات التي تصدر من الأرض أو الجو. كما يهدف النشاط العسكري إلى القيام بعمليات مسح المحيطات ومراقبة حركة السفن والغواصات.

ويتم بناء التوابع الاصطناعية وإطلاقها على المستوى القومي أو على المستوى الدولي، تبعاً للحركة المدارية لمركبة الفضاء حول الأرض، ودوران الأرض أسفل ذلك المدار. ويتكرر مرور التابع أو مركبة عبر أراضى الدول باستمرار بواسطة هذه التوابع دون علم الدولة ودون إذن منها، بل ودون رضاها.

وسيزداد استخدام التوابع الاصطناعية على المستوى الدولي، وسوف يستفاد من المعلومات المتحصل عليها من شبكة المستقبلات الأرضية الضخمة التي تحقق تغطية كاملة وموقوتة للمناطق المطلوب مراقبتها. وسيتيسر للمستخدم الحصول على البيانات التي يتم نشرها وتوزيعها. وتوفير المنصات الفضائية خدمات متميزة لدراسة المشكلات ذات التأثير العالمي مثل التلوث والجفاف والتغيرات المناخية. كذلك تُمكن من دراسة مصادر الثروات الطبيعية.

بالرغم من الإنجازات الضخمة التي تحققت نتيجة للتعاون الدولي في الفضاء الخارجي، فإن المشروع الاختباري أبوللو ـ سيوز Apollo-Soyuz Test Project ASTP، يمثل نهاية عصر في مشروعات الفضاء، حيث اشتمل هذا المشروع على آخر رحلات سفن الفضاء التي يقودها رواد فضاء، قبل أن تبدأ رحلات مكوك الفضاء في الثمانينيات.

وتتميز عمليات التصوير ومراقبة الأرض التي تقوم بها مركبات الفضاء عن تلك التي تقوم بها الطائرات العادية بالآتي:

أ. تراقب مركبات الفضاء مساحات كبيرة من الأرض نظراً لدورانها في مدارات مرتفعة جداً عن سطح الأرض تصل إلى بضعة مئات من الكيلومترات.

ب. تفادى مركبات الفضاء لتأثير الأحوال الجوية غير المستقرة نظراً لدورانها خارج المجال الجوى.

ج. يزيد من قيمة الصور الملتقطة اتباع مركبات الفضاء لمدارات محددة حول الأرض.

4. مكوك الفضاء وتطور مهام التوابع الاصطناعية

يعدّ مكوك الفضاء Space Shuttle من أحدث ما توصل إليه العالم من مركبات الفضاء، حيث يمكن استخدامه مرات عديدة بعد إطلاقه وقيامه بمهامه في الفضاء الخارجي، ثم إعادته مرة أخرى إلى سطح الأرض. وقد أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية، عام 1981، مكوك الفضاء كولومبيا Columbia، حيث اتخذ مداره حول الأرض على ارتفاع 161 كم، ثم وصل ارتفاع المدار إلى 966 كم في المرات التالية. وقد بلغت مدة بقاء المكوك في الفضاء ما بين سبعة أيام وثلاثين يوماً.

وقد تطور مكوك الفضاء، ليحمل معه معملاً فضائياً كاملاً يعمل آلياً من دون رواد، ومزوداً بجميع الوسائل، وهو ما يُعرف بمعمل الفضاء Sky Lab. كما طورت وكالة الفضاء الأوروبية European Space Ageney ESA المشروع الدولي لمعمل الفضاء Sky Lab، وذلك بالتعاون العلمي والعملي بين الدول المشتركة في المشروع.

وقد تطورت مهام التوابع الاصطناعية تطوراً كبيراً، حيث حققت الولايات المتحدة الأمريكية نجاحاً كبيراً في إطلاق تابع اصطناعي في مهمة علمية إلى كوكب الزهرة Venus، حيث قطع مسافة 480 مليون كم، لدراسة الكوكب والمجال المحيط به.

وبعد رحلة استمرت ست سنوات، قطعت فيها مركبة الفضاء بايونير11 Pioneer 11، التي أطلقت عام 1979، مسافة 3,2 بليون كم، اقتربت المركبة من كوكب زحل Saturn، لإجراء عمليات تصوير وتحليل لهذا الكوكب.

ومن أكبر الإنجازات العلمية رحلتا الفضاء إلى المشترى Mars، والتي أطلقت عام 1977 وعام 1979، ورحلة الفضاء إلى زحل، التي أُطلقت عام 1980.

5. أهداف الاستشعار عن بُعد

يهدف الاستشعار عن بُعد إلى زيادة معرفة الإنسان بالظروف المحيطة به، واستخدام هذه المعرفة لتحسين ظروف الحياة في المجتمع الدولي.

ومع ظهور مشكلة الطاقة، بدأ الإنسان يشعر بالحجم المحدود للمصادر الطبيعية على الأرض، وضرورة الحفاظ على البيئة على سطح كوكب الأرض. وقد تطورت تكنولوجيا الفضاء المستخدمة، فيما بين عامي 1950 و1960، لأغراض الاستطلاع العسكري، لتشمل دراسة المصادر الطبيعية على الأرض وظروف الأرض المناخية. وامتدت هذه التكنولوجيا لتشمل عمليات جمع المعلومات عن البيئة، والزراعة، والغابات، والتضاريس، والمصادر المعدنية للأرض، وحالة البحر والمحيط، والثروات المتيسرة بهما. كذلك مصادر المياه والأحوال الجوية، وتقدير الكوارث والتنبؤ بها.

ويمكن ملاحظة الفوائد التي يمكن الحصول عليها من الاستشعار عن بُعد، في مجال البيئة والاقتصاد والاجتماع والثقافة. وفى الوقت نفسه يساهم الاستشعار عن بُعد في المجال العسكري، وفى الحفاظ على ودعم السلام العالمي والاستقرار الدولي، من طريق مراقبة التسلح الدولي، وتنفيذ اتفاقيات الحد من التسلح ونزع السلاح.

6. الدول النامية والاستشعار عن بُعد

تحاول الدول النامية، بما تمتلك من قوة اقتصادية محدودة، أن تتغلب على مشكلاتها الاقتصادية. كذلك فإن قدرتها على العمل في مجال الاستشعار عن بُعد سوف يلقى عليها أعباء مالية ضخمة، لا تستطيع هذه الدول تحملها منفردة، وبالتالي يؤدي حصول تلك الدول على الفوائد المتحصل عليها من الاستشعار عن بُعد، إلى المعاونة في التغلب على هذه المشاكل الاقتصادية.

وبالرغم من التعاون بين الدول الصناعية والدول النامية في مجالات حيوية متعددة. مثل مجالات الغذاء والطاقة والمواد الخام، فمازال التعاون في مجال الاستشعار عن بُعد متخلفاً بعض الشيء. فتوفر هذه التكنولوجيا الحديثة للمستثمر معلومات مهمة عن موقع المصادر الطبيعية المتوفرة لخدمة التطور الاقتصادي ومقدارها ونوعها.

ويوفر الاستشعار عن بُعد لمتخذي القرار السياسي معلومات مستمرة وحديثة، يمكنه الاعتماد عليها في مجالات الغذاء والطاقة. وتعد هذه المعلومات أقل تكلفة من المعلومات المتحصل عليها بالوسائل التقليدية.

وهكذا تعد معلومات الاستشعار عن بُعد ذات فائدة عظيمة للدول النامية، التي لا تملك سوى الوسائل التقليدية للحصول على المعلومات، التي مازالت بدائية وباهظة التكاليف. ولذا وجب التعاون بين الدول الصناعية والدول النامية وتطوير هذه التكنولوجيا الجديدة، ويجب أن يتم التعاون على المستوى الدولي لتطوير الاستثمار عن بُعد باستخدام التوابع الاصطناعية.

8. الاستشعار عن بُعد وحرب الكواكب

ينسب للرئيس الأسبق "ليندون جونسون" قوله بأن "البريطانيين قد سادوا العالم بسيادتهم للبحار، وأن أمريكا سيطرت على العالم بعد الحرب العالمية الثانية بفضل تفوقها في المجال الجوى، وسوف تسود أمريكا العالم بفضل سيادتها في الفضاء الخارجي".

وقد أعلن الرئيس الأمريكي السابق "رونالد ريجان" عن مبادرة الدفاع الإستراتيجي والمسماة "حرب الكواكب"، بديلاً عن التفوق النووي، الذي قد يؤدي إلى تدمير العالم أجمع، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها.

وقد أُعلنت هذه المبادرة في خطاب ألقاه الرئيس السابق "ريجان"، في 23 ديسمبر 1983، حيث طلب من العلماء الأمريكيين دراسة إمكانية تحقيق هذه المبادرة الفضائية.

وأصبحت الإستراتيجية الدفاعية الفضائية موضع اهتمام خبراء الدفاع في كل من البنتاجون والكرملين، منذ أخذت إمكانات تكنولوجيا الفضاء في التطور، تلك التكنولوجيا التي تفوق في إبداعها وإتقانها وقدرتها ودقتها كل ما عرفه الإنسان من تكنولوجيا حتى الآن.

وبدأ كل من الفريقين في استخدام التوابع الاصطناعية لأغراض التجسس، وأخذت توابع كل فريق ترصد بعيونها الإلكترونية كل الحركات والسكنات العسكرية للفريق الآخر. واستخدمت توابع اصطناعية أخرى طرقاً للاتصالات العسكرية ومنارات للأساطيل الحربية. وقد عملت التوابع الاصطناعية للفريقين بحرية تامة، على عكس ما حدث لطائرة الاستطلاع الأمريكية التي أسقطها الاتحاد السوفيتي (السابق) عام 1960، وقد يكون ذلك نتيجة دوران التوابع في الفضاء الخارجي الذي لا يخضع لسيادة أية دولة.

ويستخدم الأمريكيون والسوفيت أعداداً وأنواعاً مختلفة من توابع التجسس، ولعل أهمها منظومات الإنذار المبكر. وترصد هذه المنظومات تحركات الصواريخ، وتراقب الدلائل التي تشير إلى احتمال وقوع حرب نووية. وتحلق هذه التوابع على ارتفاع 36 ألف كم من سطح الأرض وتبدو كأنها مستقرة في مواقع ثابتة في الفضاء.

وتتولى توابع اصطناعية أخرى جمع المعلومات والتقاط الصور، حيث توجهها إلى دوائر الاستخبارات لتتولى تحليلها وفك رموز الصور إلكترونياً. ولا يزيد ارتفاع هذه التوابع عن سطح الأرض سوى عدة مئات من الكيلومترات، ولكن قدرتها على التصوير والتسجيل قدرة فائقة تفوق أي نوع آخر من التوابع، ففي قدرة هذه التوابع أن تكشف عما يجرى في منطقة لا تتعدى مساحتها 15 – 30 سم. كذلك هناك توابع خاصة لمراقبة التحركات البحرية، تعتمد على الرادار ووسائل أخرى للرصد والمراقبة.

ويستفاد من المعلومات التي يتم التحصل عليها من هذه المنظومات في عمل الخرائط، وبرمجة حواسب الصواريخ المصوبة نحو العدو قبل إطلاقها. كذلك يستفاد من هذه المعلومات في تحديد أماكن الغواصات، الحاملة والقاذفة للصواريخ وطرق تحركها واتجاهات عملها.

ونظراً للاستخدام المكثف للتوابع الاصطناعية من كلا القطبين، لاستكشاف أعمال الجانب الآخر ومناوراته وإمكاناته ، بدأ كلاهما في العمل على مقاومة هذه التوابع. وظهر ما يعرف بقتلة التوابع الاصطناعية Satellite Killers،  وهى توابع عادية، ولكنها مجهزة بمعدات وأجهزة تمكنها من تدمير التوابع الاصطناعية العسكرية المعادية، ويمكن استخدام أشعة الليزر عالية الطاقة من الفضاء الخارجي على التوابع الاصطناعية العسكرية المعادية، بهذا تشل قدراتها على الرصد وتعيق عملها. وتُطلق هذه الأشعة من الأرض، أو من الطائرات، أو من توابع اصطناعية أخرى.

واقترح البعض في الولايات المتحدة الأمريكية، بناء توابع اصطناعية دفاعية يتم إطلاقها فوق الاتحاد السوفيتي (السابق). وتُدعى هذه التوابع بالمركبات القاتلة. وتظل هذه التوابع محلقة فوق أراضى الاتحاد السوفيتي (السابق) متربصة لأي هجوم نووي يقوم بشنه، فتنقض هذه التوابع على صواريخه فور إطلاقها وتقوم بتدميرها.

ويأمل العلماء أن يتوصلوا في بداية القرن الواحد والعشرين، إلى تزويد التوابع الاصطناعية بأشعة ليزر مندمجة مع الطاقة النووية، بحيث يصبح في مقدور هذه التوابع أن تحرق أي صاروخ أو أي سلاح آخر فور إطلاقه من الأرض.

وأهم مشروعات استكشاف الفضاء هي تلك التي تؤدي إلى استجلاء المزيد من آيات الفضاء، والتعرف عليها تمهيداً لاستغلالها لصالح البشرية. وقد سعى العلماء إلى إنتاج التلسكوب الفضائي العظيم. وتتعدى قدرة هذا المجهر الفضائي عشرة أضعاف قدرة أي مجهر على الأرض في اكتشاف مكونات الفضاء. كذلك سيكون في وسعه أن يصل إلى معلومات تفيد في معرفة التطور الكوني منذ عشرة بلايين سنة وحتى الآن.

8. مبادرة الدفاع الإستراتيجية حرب الكواكب من نتائج تقدم تكنولوجيا الفضاء

شهدت تكنولوجيا الفضاء تقدماً هائلاً لم يعرف له مثيل في التاريخ، وقد جاء تطورها نحو المزيد من الدقة والسرعة والخفة والصغر ورخص التكاليف، وتعددت وسائل الإطلاق وتطورت مركبات الفضاء، واختلفت الإنجازات في الفضاء، من الهبوط على سطح القمر إلى إجراء التجارب لإقامة المباني في الفضاء.

وهذا التقدم المطرد في الإنجاز والإبداع في مجال تكنولوجيا الفضاء، هو الذي دعا إلى الثقة في نجاح مشروع مبادرة الدفاع الإستراتيجية. ويستخدم في هذه المبادرة كل أنواع التقدم التي أحرزت في تكنولوجيا الفضاء، من تكنولوجيا الرصد أو الاستشعار عن بُعد، إلى التكنولوجية الإعلامية. ذلك لأن المهمة الرئيسية للمبادرة هي رصد عمليات إطلاق الصواريخ لحظة إطلاقها من قواعدها، وبالتالي تُصوب إليها على الفور القذائف اللازمة للقضاء عليها قبل الإطلاق، وقبل أن تبتعد عن قواعدها. ويظهر من هذا الاعتماد الكبير على تكنولوجيا الاستشعار عن بُعد، سواء في عمليات الرصد أو في عمليات التوجيه.

أدت زيادة حرص الدول الكبرى على أمنها القومي، خاصة بعد الزيادة والتطور الذي طرأ على وسائل التدمير التي تمكن أية دولة من مباغتة دولة أخرى والقيام بتدميرها خلال ساعات محدودة، إلى الاهتمام باستخدام الفضاء استخداماً دفاعياً يحفظ تلك الدول من هول المفاجأة إذا ما بادر الطرف الآخر بالهجوم. وبالتالي أصبح من الصعب تحقيق شعار أن الفضاء يجب أن يُستخدم للسلم لا للحرب، وللإنماء لا للفناء، وأن يكون للإنسانية كلها وليس لدولة دون أخرى. كل ذلك رغم تعدد المعاهدات والاتفاقات الدولية التي تنص على استخدام الفضاء في الأغراض السلمية.

9. الرصد خارج الغلاف الجوى

رغم استمرار آلاف المراصد الفلكية في رصد الفضاء، ورغم العديد من رحلات الفضاء، فمازال الكون محتفظاً بأسراره وحقائقه، ولم يستطع الإنسان إلا معرفة القليل جداً من هذه الأسرار والحقائق.

وجاء التقدم في تكنولوجيا الفضاء بإحدى الوسائل المهمة لاكتشاف الكون، ألا وهى معدات الرصد خارج الغلاف الجوى. وتأتى هذه العملية في إطار المهام الأخيرة للمكوك الفضائي أطلانتس، التي تم خلالها وضع المرصد الفضائي (جاما) خارج الغلاف الجوى لدراسة الظواهر المتعلقة لأصل الكون.

والرصد من خارج الغلاف الجوى يعنى وضع تلسكوبات ووسائل الاستشعار والرصد في الفضاء الخارجي، في مواقع وارتفاعات محسوبة بدقة، بحيث تدور في مدارات تقع في فيما وراء الغلاف الجوى للأرض، أو توضع فوق سطح القمر، وبذلك يتحقق أمران:

الأول: تفادى مشكلات التلوث الجوى الضوئي والصناعي من الأدخنة والأتربة والعوامل، التي تؤدي إلى زيادة التشتت الضوئي النجمي وتعميق عمليات الرصد والاستشعار.

الثاني: استقبال وتجميع الموجات التي لا تستطيع التلسكوبات الأرضية تجميعها إلا بمقدار ضئيل للغاية، لأن الغلاف الجوى يمنع وصول هذه الموجات للأرض.

وهكذا يمكن الحصول على معلومات لا تستطيع التلسكوبات الأرضية الحصول عليها، لأنها تعتمد على وسيلتين في تجميع المعلومات:

الأولى: الضوء المرئي الذي تستخدمه التلسكوبات البصرية.

الثانية: موجات الراديو (الموجات الكهرومغناطيسية).

وباستخدام وسيلة الرصد من خارج الغلاف الجوى تم اتخاذ خطوتين مهمتين ويمكن القيام بالخطوة الثالثة. أما الخطوة الأولى فقد كانت عملية زرع للتلسكوب الفضائي الضخم (هابل) التي أنجزها رواد المكوك الأمريكي ديسكفرى، في أبريل 1990، في مدار على ارتفاع 395 كم. وكان الهدف من هذه العملية هو الكشف عن أسرار عشرين تريليون نجم وكوكب، والكشف عن أسرار الفترة الزمنية التي بدأت بالانفجار الكوني العظيم، الذي يعتقد أنه بداية نشأة الكون، وحتى ظهور المجرات العملاقة، وهى فترة تقدر بثلاثمائة ألف سنة. وتسمى هذه الفترة العصور المظلمة في تاريخ الكون.

وتمت الخطوة الثانية، عندما نجح رواد المكوك نفسه في وضع مرصد جديد هو (جاما) في مدار على ارتفـاع 466 كم فوق سطح الأرض، ويتولى هذا المرصد رصد أشعة جاما ذات الطاقة العالية جداً، الناتجة من انفجار النجوم والمجرات.

أما الخطوة الثالثة، فمازالت تحت الدراسة لوضع أجهزة ومعدات الرصد فوق سطح القمر. وتخطط وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" لوضع تلسكوب على سطح القمر، يُمكِّن العلماء من مراقبة الكون بصورة أفضل، كذلك يسهل الوصول إلى هذا التلسكوب وصيانته وإصلاحه، وبالتالي يمكن إطالة فترة استخدامه. وتعد عمليات الرصد من خارج الغلاف الجوى من عمليات الاستشعار عن بُعد، ولكنها ليست موجهة إلى الأرض ولكن إلى الفضاء والكون بشكل عام. وتخضع هذه الأنشطة بصفتها أنشطة في الفضاء الخارجي، لمعاهدة المبادئ المنظمة لأنشطة الدول في ميدان استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي، بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى، والاتفاقات الأخرى المنظمة لأنشطة الدول في الفضاء الخارجي.