إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / الاستشعار عن بُعد




نموذج ثلاثي الأبعاد لسفينة
هوائي الرادار سار
موجات المحيط باللون الأحمر
منطاد بمستشعرات للأشعة الكونية
مركبة الفضاء كاسيني
مقبرة مدينة إرم
مقياس الإشعاع الطيفي موديس
المستشعر موبيت
المستشعر ميسر
الإشعاع المنبعث من المحيط الهادي
الانبعاثات الطيفية
التليسكوب الفضائي هابل
الخصائص المناخية لكوكب الأرض
الصاروخ الروسي SS-25
الغطاء الثلجي شرق الولايات المتحدة
القمر الصناعي تخسات جوروين1
القمر الصناعي تخسات2
القمر الصناعي ERS-1
جبل عمور في الجزائر
درجة الكلوروفيل
صورة من القمر متيوسات
صورة وادي الرحابي بالجزائر
صورة التقطها المستشعر "أستر"
صورة بنظام كهروبصري محمول جواً
صورة جوية بواسطة الرادار
صورة جوية بالرادار السار
صورة كميات المياه في الجو
صورة فضائية لبركان
سطح القمر تيتان
كاميرا التصوير بالقمر (أفق-3)
غابات الأمازون
قياس الإشعاع الطيفي

مراحل منظومة شنكاي
مراحل استعادة الكبسولة
أسلوب التصوير الضوئي
نطاق تغطية القمر أفق-3
مكونات القمر الصناعي أفق-3
التقاط الانبعاثات الطيفية




الفصل الرابع

المبحث الثاني عشر

علاقات الدول الكبرى بالدول النامية ومستقبل الاستشعار عن بُعد

أولاً: خلفية تاريخية

كانت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي (السابق) هما الدولتان اللتان تسيطران على عمليات استكشاف الفضاء الخارجي. وقد كان لتفوقهما السياسي والتكنولوجي أثر كبير عند صياغة معاهدة الفضاء الخارجي عام 1967، التي تعد أول معاهدة تُنظم عمليات استكشاف الفضاء الخارجي. ويعد العديد من فقهاء القانون الدولي أن معاهدة الفضاء الخارجي هي الميثاق بالنسبة للقانون الدولي للفضاء الخارجي.

وقد ظهرت آراء عديدة في لجنة الأمم المتحدة لاستخدام الفضاء في الأغراض السلمية، تقول بأنه يمكن تطبيق المبادئ الأساسية الواردة في معاهدة الفضاء الخارجي على أنشطة الاستشعار عن بُعد، خاصة ما جاء بالمواد الأولى والثالثة والرابعة.

وتبنت وجهات النظر المتباينة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية من جانب، والاتحاد السوفيتي (السابق) ومعه الدول الشرقية من جانب آخر، خاصة فيما يتعلق بالاستخدام السلمي للفضاء الخارجي، وتفسير الولايات المتحدة الأمريكية الاستخدام السلمي بأنه الاستخدام (غير العدواني)، وبذا لا تنطوي على عدوان، وتعتبر مع ذلك استخداماً سلمياً وهكذا يمكنها استخدام التوابع الاصطناعية للأرصاد الجوية والخدمات الملاحية في كلا النشاطين المدني والعسكري.

وقد عارض الاتحاد السوفيتي (السابق) هذا التفسير في البداية، ولكنه مع استمرار ونمو أنشطة الاستشعار عن بُعد التي يقوم بها، يمكن القول إنه قد قبل التفسير الذي قالت به الولايات المتحدة ضمناً.

وبينما توصلت الدول العظمى إلى ما يمكن وصفه بأنه تسوية مؤقتة لاستخدام الفضاء الخارجي، استمرت الدول النامية في لفت الأنظار إلى ما أسمته عسكرة الفضاء الخارجي، فقد ادعت الأرجنتين أن توابع الاستشعار عن بُعد كانت تستخدم في الأغراض العسكرية البحتة خلال حرب فوكلاند. كذلك ادعى مندوب فنزويلا في اللجنة الفرعية القانونية عام 1983، إن كل منطقة أمريكا اللاتينية قد شهدت استخدام التوابع في الأغراض العسكرية، وهذا ما عدّه مثالاً واضحاً لإساءة استخدام تكنولوجيا الفضاء الخارجي.

وتشارك الدول الصناعية الدول النامية الشعور نفسه بالقلق الذي لا يمكن تداركه إلا في إطار علاقات الشرق والغرب. وبالرغم من التفوق العددي للدول النامية بالأمم المتحدة، إلا أن نقص الإمكانات التكنولوجية يجعلهم غير قادرين على فرض أي حل للمشكلات القانونية التي تطرح وبالرغم من الحاجة الملحة لدى الدول النامية لاتفاق دولي حول مبادئ الاستشعار عن بُعد، فإنها تبدى الكثير من التردد في قبول أياً من المشروعات إلى تقترح والتي تشعر أنها لا تحمى مصالحها، مما يؤدي إلى تعطيل الوصول إلى اتفاق. وهذا التعطيل في الوصول إلى اتفاق دولي سوف يعطل بدوره القوة السياسية للعالم الثالث ويجعلها غير ذات تأثير.

ثانياً: مطالب الدول النامية

تتركز المشكلات القانونية التي تثيرها الدول النامية بخصوص أنشطة الاستشعار عن بُعد في تأثر سيادة الدولة، سواء على أراضيها أو على مصادرها الطبيعية، بهذه الأنشطة، كذلك حول جمع البيانات والمعلومات التي يتم جمعها ونشرها، ورغم ما أبدته الدول النامية من مرونة بالنسبة لمسائل الاستشعار عن بُعد، فإنها مازالت تتمسك ببعض النقاط، مثل حق الدولة المستشعرة في أن تقيد نشر المعلومات الخاصة بالدفاع وتلك الخاصة بالمصادر الطبيعية.

وتعد غالبية الدول النامية نفسها خارج سباق الفضاء، ولأسباب اقتصادية، فإنها تبدى اهتماماً زائداً في المشاركة في الفوائد العائدة من غزو الفضاء، الذي تقوم به ويموله الدول الصناعية.

ويلقى التقييم الحديث لإستراتيجيات التنمية القومية للدول النامية بظلاله على الإمكانات الاقتصادية التي يمكن أن يوفرها الاستشعار عن بُعد. فبعد عقود عدة من الجهود العالمية والقومية يبدو النمو الاقتصادي لدول العالم الثالث مخيباً للآمال، فقد سعت هذه الدول للتحول السريع نحو التصنيع من طريق استيراد رؤوس الأموال والتكنولوجيا. وبالرغم مما تحققه من معدل عالٍ نسبياً في النمو، إلا أن الحالة الاقتصادية والاجتماعية لهذه الدول لم تتغير نتيجة الزيادة في السكان، وارتفاع نسبة البطالة والعجز في ميزان المدفوعات.

وقد أدى ذلك إلى أن تتجه سياسات معظم الدول النامية صوب تطوير مصادرها الطبيعية. وتعطى الدول النامية عملية زيادة الرقعة الزراعية اهتماما كبيراً، ذلك لأن ثلثي سكان الدول النامية تحصل على دخلها من قطاع الزراعة. وفى الوقت نفسه يزداد اهتمام هذه الدول بالإمكانات الهائلة التي يمكن الحصول عليها لو أحسن استخدام المصادر الطبيعية وتطويرها، ويتطلب ذلك عمليات مسح دقيق لمصادر الدول النامية التي لم يتم استخدامها بعد.

ويعد الاستشعار عن بُعد ذا فائدة عظيمة لهذه الدول، خاصة الأقاليم التي تكون نظم جمع المعلومات التقليدية فيها مازالت في مرحلتها البدائية وباهظة التكاليف. ويمكن من طريق الاستشعار عن بُعد أن تحصل على المعلومات التي تريدها بسرعة وبتكاليف منخفضة نسبياً. ولا تحتاج الدول النامية بالضرورة التي تملك الحواسب المعقدة أو المعرفة العلمية العالية، للاستفادة من ثمار الاستشعار عن بُعد. فيكفى في بعض الأحيان استخدام وسائل بصرية مبسطة ومعدات رخيصة الثمن لتفسير بيانات الاستشعار عن بُعد، حتى تحصل على المعلومات الضرورية لتخطيط سياسة تنمية اقتصادية قومية.

ومن الناحية القانونية تشعر الدول النامية بخطر استخدام هذه المعلومات للإضرار بمصالحها الاقتصادية، فهي تخشى أن يؤدي التوسع في نشر بيانات الاستشعار عن بُعد إلى تعريض مصادرها الطبيعية للاستغلال بواسطة الدول الأخرى. ويرى بعض المفكرين أن توابع الاستشعار عن بُعد ما هي إلا جامعات بيانات، وأن الدول النامية مازالت تحرم من الحصول على المعلومات الخاصة بمصادرها الطبيعية. وأن المعلومات عن المصادر الطبيعية إذا ما كانت في يد الدول المتقدمة، فإنها سوف تزيد من قوة هذه الدول وصلابتها عند المساومة مع الدول الأقل تقدماًُ.

وإذا كان البعض يرى أن الحصول الحر على بيانات الاستشعار عن بُعد سوف يوفر الحماية للدول النامية، فإن هذه المقولة تتعارض مع الإمكانات الضعيفة أو المعدومة للدول النامية في تفسير هذه البيانات وتحويلها إلى معلومات مفيدة. والحل لذلك هو أن تنقل هذه التكنولوجيا إلى دول العالم الثالث قبل نقل البيانات الخام إليه، أو أن يكون الحصول على المعلومات بمستوى الوصول الحر للبيانات نفسه. ومع التقدم الذي تحرزه الدول المتقدمة في المجالات الأخرى للتكنولوجيا، تبقى هذه الدول أكثر قدرة على استخدام بيانات الاستشعار عن بُعد والاستفادة منها.

ويأتي الخطر الحقيقي الذي تتوقعه الدول النامية من النظام المتبع في نشر معلومات الاستشعار عن بُعد وتوزيعها. وفى هذا المجال، فإن مطالب الدول النامية تتعلق فقط بالقطاع الأرضي وقطاع المستخدم والعلاقة بينهما.

1. تطالب الدول النامية بوضع قيود على نشر البيانات بدون تمييز.

2. تطالب الدول النامية أيضاً بضرورة أن تنقل إليها المعرفة اللازمة لتحويل البيانات الخام المرسلة من توابع الاستشعار عن بُعد إلى معلومات يمكن الاستفادة منها.

وقد سبقت مناقشة مقترحات الدول النامية بهذا الخصوص، كذلك تمت مناقشة موضوع السيادة القومية على المصادر الطبيعية وامتدادها لتشمل المعلومات الخاصة بهذه المصادر. ويصل البعض بفكره في هذا الصدد إلى ضرورة أن تخضع المعلومات الخاصة بالمصادر الطبيعية لقانون الأرض القانون الدولي التقليدي وليس لقانون الفضاء. ويعدون كذلك أنه إذا كانت المعلومات، التي جمعتها التوابع الاصطناعية من الفضاء الخارجي، غير مسموح باستخدامها، فإن عملية جمع المعلومات من أساسها تعد غير مشروعة في ذاتها.

ثالثاً: اهتمام مبادئ الاستشعار عن بُعد عام 1986 بالدول النامية

بعد العرض السابق، بقى استعراض ما أتت به مبادئ الاستشعار عن بُعد لعام 1986، والتي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها الرقم 41/65، في الثالث من ديسمبر 1986، من اهتمام بالدول النامية.

1. ظهر من الفقرة الأولى من المبدأ الأول أن الاستشعار عن بُعد يهدف إلى تحسين إدارة الموارد الطبيعية واستغلال الأراضي. خاصة في مجال الزراعة. وبهذا التعريف يمكن الوقوف على ما يمكن أن يقدمه الاستشعار عن بُعد من فوائد للدول النامية.

2. ويؤكد المبدأ الثاني على فوائد الاستشعار عن بُعد لجميع الدول بغض النظر عن مستوى نموها الاقتصادي أو الاجتماعي أو العلمي أو التكنولوجي. أي أن هذا يشمل فيما يشمل الدول الأقل تقدماً والأقل نمواً، إلا أنه يؤكد على أن يكون هناك اهتمام خاص باحتياجات الدول النامية، وربما جاء هذا النص ليزيل مخاوف الدول النامية من هذا النشاط.

3. ورداً على ادعاءات السيادة المتكررة , التي كثيراً ما نادت بها الدول النامية، وتخوف تلك الدول من أن تستغل مصادرها الطبيعية مما يؤدي إلى الإضرار بمصالحها جاء المبدأ الرابع الذي يحدد أن تكون ممارسة أنشطة الاستشعار عن بُعد على أساس احترام مبدأ السيادة الكاملة والدائمة لجميع الدول والشعوب على ثرواتها ومواردها الطبيعية، مع الاعتبار الواجب لحقوق ومصالح الدول الأخرى والكيانات الواقعة تحت ولايتها. ثم يؤكد المبدأ على أنه لا ينبغي ألا تنفذ هذه الأنشطة بطريقة تؤدي إلى الإضرار بالحقوق والمصالح المشروعة للدول المستشعرة.

4. ويبدو أن أفضل الحلول للدول النامية، هي مشاركتها في أنشطة الاستشعار عن بُعد وعدم تخلفها عن ركب هذه الأنشطة. ولذلك جاءت أربعة مبادئ متتالية لتشجيع التعاون وإتاحة فرص المشاركة، وهى المبادئ من الخامس وحتى الثامن. وتدعو هذه المبادئ إلى إنشاء وتشغيل محطات أرضية لجمع البيانات وتخزينها، كذلك إنشاء مرافق لتجهيزها وتفسيرها. كما تدعو إلى توفير المساعدة التقنية للدول النامية، وأن تتولى الوكالات المتخصصة في الأمم المتحدة التنسيق بين هذه المجالات وما على الدول النامية إلا المطالبة بتنفيذ المبدأ الثالث عشر للدخول في مشاورات مع الدولة القائمة بالاستشعار، لإتاحة فرصة للمشاركة وزيادة الفوائد المتبادلة المجنية من ذلك.

5. وفى مجال مطالبة الدول النامية بأسبقية حصولها على البيانات الخاصة بأراضيها، فقد جاء المبدأ الثاني عشر ليحدد أن تحصل الدولة المستشعرة، دون أي تمييز وبشروط معقولة من حيث التكلفة على البيانات الأولية والبيانات المجهزة المتعلقة بالأراضي الخاضعة لولايتها وذلك فور إنتاجها. كذلك تحصل على المعلومات المحللة بالشروط نفسها. وقد ركز على أن تؤخذ في الحسبان بوجه خاص احتياجات الدول النامية ومصالحها.

6. وبما أن الدول النامية من أعضاء المجتمع الدولي، فإنها بالقطع سوف تستفيد من أنشطة الاستشعار عن بُعد في مجال حماية البيئة الطبيعية للأرض، وفى مجال حماية البشرية من الكوارث الطبيعية، بل وربما كانت هي أكثر الدول حاجة إلى ذلك.

رابعاً: مبادئ الاستشعار عن بُعد لعام 1986

حددت مبادئ الاستشعار عن بُعد، عام 1986، الآتي بعد:

1. تعريف للاستشعار عن بُعد، الذي تحكمه هذه المبادئ، حيث نص على أن عبارة (الاستشعار عن بُعد) تصف استشعار سطح الأرض من الفضاء الخارجي باستخدام خواص الموجات الكهرومغناطيسية، التي تصدرها أو تحيدها الأجسام المستشعرة، من أجل تحسين إدارة الموارد الطبيعية واستغلال الأرض وحماية البيئة.

2. ضرورة أن تكون أنشطة الاستشعار عن بُعد لفائدة جميع الدول ولمصلحتها، وليست أعمال التجسس من الفضاء الخارجي من الأنشطة التي تعتبر لفائدة جميع الدول ولمصلحتها، إلا إذا اعتُبر ذلك مما يؤدي على حفظ السلم والأمن الدوليين.

3. أن تكون هذه الأنشطة وفقاً للقانون الدولي، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة ومعاهدة الفضاء الخارجي.

4. ينبغي عدم الاضطلاع بهذه الأنشطة بطريقة تنطوي على الإضرار بالحقوق والمصالح المشروعة للدول المستشعَرة، وبالتأكيد فإن أي جمع لمعلومات عسكرية يعدّ إضراراً بالدولة المستشعَرة.

5. تتحمل الدولة المسؤولية الدولية عن مباشرة أنشطتها في الفضاء الخارجي، بما لا يخل بانطباق قواعد القانون الدولي بشأن مسؤولية الدول عن أنشطة الاستشعار عن بُعد

خامساً: محاولات تبرر الجاسوسية من الفضاء الخارجي

تحاول كثير من الآراء تبرير أعمال جمع المعلومات الخاصة بالنواحي العسكرية عن الدول الأخرى، أو ما يُطلق عليه الجاسوسية، على أساس أنها ضرورة دفاعية حتمية في العصر النووي، وعاملاً أساسياً في تحقيق أمن الدول القائمة به، مما يحقق استتباب السلم والأمن الدوليين. لذلك فإن حرية الحصول على هذه المعلومات سوف يدفع بالعالم إلى مرحلة جديدة من الانفتاح، للقضاء على مساوئ السرية في المجتمعات المغلقة وخطورتها، وبالتالي يُصبح العالم بلا أسرار، وتصبح الحقائق الخاصة بالقوى العالمية معروفة وفعلية، وأن هذه العلانية ستؤدي إلى تحقيق السلم والأمن الدوليين.

كما أن الحكومة السوفيتية (السابقة) قد طورت من موقفها وأصبحت هي الأخرى تمارس أنشطة تجسس مماثلة لما يقوم به الغرب، وهي تؤسس ذلك على مبدأ الأيدي النظيفة Clean hands، الذي ينص على أن من لا يتقيد بالالتزامات المتبادلة تجاه أحد الأطراف، ليس له أن يستفيد من عدم تقيد الطرف الثاني ببعض هذه المعلومات.

ورغم دفاع الكثيرين عن عمليات الاستطلاع العسكرية التي تجري من الفضاء الخارجي، إلا أنه يجب أن تُوخذ هذه المعلومات بكثير من الحذر والدقة، حيث يمكن أن تؤدي إساءة تفسير المعلومات إلى إثارة مشكلات دولية حادة.

سادساً: نظرة واقعية على تأثير الاستشعار عن بُعد على الأمن القومي للدول

إذا كان عصر الفضاء قد بدأ بارتياد أول سفينة للفضاء، عام 1957، فإن بعد ما يقرب من خمسة وأربعين عاماً، تطورت فيها تكنولوجيا الاستشعار عن بُعد تطوراً كبيراً. وزاد عدد الدول التي تستخدم هذه التكنولوجيا. فبعد أن كانت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي (السابق) هما الدولتان الوحيدتان اللتان تحصلان على فوائد ومكاسب هذا النشاط، انضم العديد من الدول لذلك الميدان، مثل فرنسا، وانجلترا، واليابان، والهند، والبرازيل، وإسرائيل. وتحاول غالبية الدول الآن الحصول على المعلومات من البرامج العاملة في مجال الاستشعار عن بُعد.

وتختلف مواقف الدول بين أنشطة الاستشعار عن بُعد، سواء بالنسبة للبيانات الخاصة بالمصادر الطبيعية، أو بالنسبة للمعلومات الخاصة بالأمن القومي. فالدول المتقدمة التي تمتلك الإمكانات التكنولوجية للفضاء تنادي بحرية تداول هذه المعلومات، بل ترى أن من حقها مراقبة حركة القوات وغيرها من الأنشطة التي تقوم بها الدول الأخرى، والتي يحتمل أن تهددها، بغرض تحديد طبيعة هذه الأنشطة والحصول على إنذار مبكر عن نوايا العدو وأهدافه.

أما الدول الأقل تقدماً أو المتخلفة تكنولوجياً، فتعارض حرية تداول المعلومات، وتعارض استخدام الفضاء للحصول على معلومات عن أراضي هذه الدول، سواء كانت هذه المعلومات خاصة بالمصادر الطبيعية أو بالنواحي العسكرية. وقد وصل البعض فيها إلى درجة ادعاء السيادة على أجزاء من المدار الثابت بالنسبة للأرض، الذي يبتعد عشرات الآلاف من الكيلومترات عن سطح الأرض.

كذلك نلاحظ تغير مواقف بعض الدول، من المعارضة التامة لحرية المعلومات، إلى المطالبة بحرية المعلومات، بعدما تغير موقفها من دول متخلفة تكنولوجياً إلى دول لها نشاط فضائي تحصل منه على المعلومات، سواء كان هذا النشاط خاص بها، أو بالتعاون مع الدول المتقدمة في هذا المجال، وأبرز مثال على ذلك دولة البرازيل. بل أن الاتحاد السوفيتي (السابق) نفسه قد مر بهذه المراحل من التطور الفكري، من المعارضة التامة إلى القبول بحرية المعلومات.

إذاً يمكن القول بأن مقدرة الدولة في مجال تكنولوجيا الفضاء هي التي تشكل موقفها بالنسبة للنواحي القانونية المتعلقة بأنشطة جمع المعلومات، سواء الاقتصادية منها أو العسكرية.

ولم يؤثر كل هذا الجدل والنقاش والحجج القانونية، منذ عام 1957 حتى الآن، على سير الدول التي لها قدرات على ارتياد الفضاء في برامجها ومتابعة أنشطتها. بل إن من حاول الاستفادة من فوائد هذه الأنشطة من خلال التعاون الدولي حصل عليها، ومن تقاعس جانباً حرم نفسه من أهم المصادر التي تُيسر المعلومات وتوفرها، ألا وهو الاستشعار عن بُعد.

وينبغي على هذه الدول التي تخشى على أمنها القومي من أنشطة الاستشعار عن بُعد، أن تشارك في الجهود الدولية التي تُبذل في الفضاء الخارجي، وتطور من نفسها ومن قدراتها، حتى يمكنها اللحاق بركب التقدم العلمي في عالم يحكمه الأقوياء والأغنياء والعلماء.

أما من جانب الأمم المتحدة، فإن حل هذا الخلاف الذي تسببه الثغرة الهائلة بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة، قد يكون بإنشاء أجهزة قادرة على استقبال البيانات والمعلومات من أجهزة الفضاء المختلفة ونشرها. كذلك بتقديم المساعدات التقنية للدول النامية، مما يزيل مخاوفها ويشجعها على ارتياد الثورة الجديدة في ميدان المعلومات.

سابعاً: نظرة واقعية نحو مستقبل الاستشعار عن بُعد

1. عدم ملاحقة القواعد القانونية للتطور التكنولوجي

بينما تتحرك القواعد القانونية الدولية للاستشعار عن بُعد ببطء، تتطور تكنولوجيا الفضاء بشكل متزايد. وستؤدي التطورات الحديثة إلى تغيير الكثير من المفاهيم التي شغلت مناقشات لجنة استخدام الفضاء الخارجي في الأغراض الطويلة.

وقد كان يمارس أنشطة الاستشعار عن بُعد عدد محدود جداً من الدول، بدأ بالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي (السابق)، ثم تزايد عدد الدول التي تساهم في هذه الأنشطة من خلال تملكها لمحطات استقبال أرضية لاستقبال البيانات، دون أن يكون لها تابع اصطناعي خاص بها.

وسيقوم نظام التوابع TDRSS، وهو تابع اصطناعي للمواصلات، بعمليات جمع البيانات مباشرة من التوابع الاصطناعية للاستشعار عن بُعد، ثم نقلها إلى محطة استقبال واحدة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي يمكن إعادة إرسال بيانات الاستشعار عن بُعد من طريق توابع الاتصالات إلى بقية دول العالم. وقد يغنى استخدام توابع الاتصالات في هذا الغرض عن محطات الاستقبال الأرضية. وبالتالي يمكن لجميع الدول القائمة بالاستشعار أن تستخدم محطة واحدة لجمع البيانات الخاصة بالعالم أجمع.

وسوف يؤثر هذا التطور التكنولوجي على المواقف المتعارضة لكل من الدول المتقدمة والدول النامية. فاستخدامهم توابع الاتصالات سوف يؤدي إلى أن تحصل كل الدول على بيانات شاملة عن الدول الأخرى. كذلك فإن الدول المتقدمة تكنولوجياً التي لديها أنواع مختلفة من التوابع سيمكنها أن توجه البيانات التي تحصل عليها من أنشطة الاستشعار عن بُعد مباشرة إلى الدول التي ترغب في توصيل هذه البيانات إليها.

ويقترح البعض لضمان اشتراك الدول في الأنشطة الخاصة بتكنولوجيا الاستشعار عن بُعد الحالية والمستقبلة، أن تقوم منظمة دولية بتملك توابع الاستشعار عن بُعد وتشغيلها، وتتولى هذه المنظمة توزيع المعلومات على الدول المتقدمة على هذه الأنشطة.

ويحول دون تحقق هذا الاقتراح السيطرة الفعلية للدول المتقدمة على المستوى الدولي، كذلك التكلفة العالية والصعوبات التي يمكن أن تواجه الأمم المتحدة، إذا ما أرادت تشغيل هذه التوابع.

وعلى الأمم المتحدة، إن لم تستطع القيام بهذا الدور، أن تقوم على أقل تقدير بدور المنسق العام بين أنشطة الاستشعار عن بُعد التي تقوم بها الدول المختلفة. وتعارض الولايات المتحدة الأمريكية هذا الاقتراح أيضاً، حيث إنها ترى إمكانية إجراء التنسيق مباشرة بين الدول المعنية.

ولا يتوقع أن تُحل المشكلات القانونية للاستشعار عن بُعد بالسرعة التي تتقدم بها التكنولوجيا المستخدمة في هذا النشاط. فالمشكلات القانونية ترتبط تماماً بالحقائق والعوامل الاقتصادية والسياسية والعسكرية والمالية والفنية.

وتعد مبادئ الاستشعار عن بُعد، التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، خطوة كبيرة على الطريق للتوفيق بين مصالح الدول المتقدمة والدول النامية. ويمكن استغلال هذه المبادئ وتطويرها لتصل في النهاية إلى اتفاقات ثنائية أو إقليمية أو عالمية. وهنا يلزم التأكيد على النقاط الآتية، حتى يمكن للدول النامية الاستفادة التامة من أنشطة الاستشعار عن بُعد في المستقبل.

أ. ضرورة إمداد الدول النامية بالمعرفة التقنية اللازمة لاستخدام بيانات الاستشعار عن بُعد.

ب. الحصول الحر على البيانات، مع القدرة التقنية على تفسيرها وترجمتها، مما يضع الدول النامية على قدم المساواة مع الدول المتقدمة، خاصة فيما يتعلق باستكشاف المصادر الطبيعية.

ج. الابتعاد عن المناقشات الطويلة غير الواقعية بخصوص السيادة على المعلومات الخاصة بالمصادر الطبيعية، التي قد تؤدي إلى انتهاج الدول المتقدمة لخط أكثر تشدداً، فالسيادة ـ كحق نظري ـ تتلاشى وتذبل أمام السيادة المرتكزة على السيطرة الفعلية والقوة، شريطة أن تعتمد على حق قانوني وليست إدعاءات باطلة.

د. ضرورة أن تقوم الأمم المتحدة بدور فعال في التنسيق بين العدد الكبير المنتظر لأنظمة الاستشعار عن بُعد، فقد تتأثر كثيراً مصالح الدول النامية إذا ما تم هذا التنسيق خارج إطار الأمم المتحدة.

هـ. تذليل الصعوبات المالية والفنية والسياسية، التي تعترض إقامة بنك معلومات عالمي لنشر البيانات المستقاة من الأنظمة المختلفة للاستشعار عن بُعد وتوزيعها.

و. ضرورة التوصل إلى مبادئ تنص على تحريم إساءة استعمال معلومات الاستشعار عن بُعد، وإيجاد جهاز يشرف على ذلك، تكون له سلطة فرض جزاءات على الدولة المخالفة.

ز. على الدول النامية أن تقيم منظمات إقليمية، إلى جانب المحطات الأرضية الحالية التي تمتلكها، يكون هدفها نشر المعرفة التقنية ومد يد العون إلى الدول الأعضاء فيها، ويمكن لهذه المنظمات أن تأخذ في الحسبان الحاجات المحلية، عند وضع قواعد لتبادل معلومات الاستشعار عن بُعد.

ح. ضرورة أن تتخذ الدول النامية من الإجراءات المضادة الفعالة، ما يمكنها من منع التدخل في اقتصادها وثرواتها. كذلك عليها أن تمنع السيطرة الأجنبية على المصادر واستغلال مصادر الطاقة والتعدين التي تمتلكها.

ط. عدم الاعتماد على القروض الأجنبية لاستغلال المصادر الطبيعية، وضرورة تيسير مصادر أخرى لرؤوس الأموال، حيث سيؤدي عكس ذلك أن تمارس الدول الغنية الضغوط المختلفة على الدول التي تمتلك المصادر.

ي. أصبح الاستشعار عن بُعد، إلى جانب أنه وسيلة للتقدم والنمو، منتجاً اقتصادياً وسلعة تجارية ذات قيمة اقتصادية كبيرة، تُعرض في السوق العالمي لمن يريد الشراء. والاستشعار عن بُعد مثله في ذلك العديد من أنظمة المعلومات الحديثة التي زادت كفاءتها وقيمتها الاقتصادية، مع استخدام التوابع الاصطناعية والحواسب، مثل نظم المعلومات الحديثة، وبنك المعلومات الإلكتروني، والبث الإذاعي والتليفزيوني المباشر، والصور المتقدمة للاتصالات. ويزيد على ذلك قدرة الاستشعار عن بُعد على الإمداد لفيض هائل من المعلومات.

ولذلك كله على الدول النامية أن تطور من أفكارها التقليدية وتسعى إلى المشاركة في تكنولوجيا المعلومات الحديثة، بدلاً من تقاعسها بحجة الخوف من الاستغلال.

2. تحول الدول النامية لتأييد النشر الحر للبيانات

تؤدي الاعتبارات السياسية والأيديولوجية دوراً مهماً في أي اتفاق بخصوص السيادة القومية، وشروط استخدام معلومات الاستشعار عن بُعد في المستقبل. وللدول النامية أهمية خاصة في هذا المجال، فيمكن لها أن تستفيد بدرجة كبيرة من المعرفة الناتجة من أنشطة الاستشعار عن بُعد. ولكن تخشى الدول النامية من أن تستغل الدول المتقدمة مصادرها الطبيعية، إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

ولا يعنى وجود المعرفة المتفوقة في أيدي الدول الصناعية بالضرورة نقل السيطرة الفعلية على المصادر الطبيعية الموجودة في الدول النامية إلى الدول المتقدمة، في ظل القانون الدولي الحالي، وبالرغم من ذلك تعبر الدول غير الصناعية باستمرار عن قلقها المتزايد، حيث إنها مازالت تربط بين نشر البيانات وبين السيادة القومية لها. وتخشى الدول الأقل تقدماً، التي تعتمد إلى حد كبير على المصادر التعدينية والبيولوجية لنموها الاقتصادي، من الاستعمار الاقتصادي بواسطة الدول الأكثر تقدماً.

وفى الوقت نفسه، تتردد الدول الصناعية في أن تستثمر أموالها في دول العالم الثالث النامية، خشية فشل هذه الدول في احترام التزاماتها واحترام الالتزامات الدولية، أو قيام هذه الدول بتأميم الاستثمارات الأجنبية دون دفع التعويض الكافي، وفى هذا المجال يؤدي الاستشعار عن بُعد دوراً حيوياً، إذ يمكن بواسطته أن تستكشف الدول المتقدمة بالضبط الأماكن الصالحة للاستثمار.

وبالرغم من تصلب الدول النامية وعنادها، إلا أن موقفها بالنسبة لاستخدام بيانات الاستشعار عن بُعد قد بدأ يتغير، وأبدت بعض هذه الدول رغبتها في المشاركة في الفوائد المنتظرة من أنشطة الاستشعار عن بُعد. ويؤكد الذين يديرون المصادر الطبيعية على ضرورة التوسع في استخدام الاستشعار عن بُعد أداة من أدوات التنمية، واضعين في حسبانهم حقيقة أن استخدام التوابع الاصطناعية سوف يستمر دون توقف، حتى في أوقات الاختلاف السياسي والقانوني.

وقد بدأت بعض الدول بالفعل في تأييد النشر الحر للبيانات، فمن شأن النشر الحر للبيانات لكل الأطراف، أن يزيد من قدرة الدول النامية في السيطرة على مصادرها الطبيعية. ويمكن أن يزول أو على الأقل يقل اعتراض الدول النامية على نظام النشر الحر للبيانات إذا ما تحقق الآتي:

أ. أن يكون لهم السيطرة الفعلية على مصادرهم الطبيعية وثرواتهم، في ظل القانون الدولي.

ب. أن يؤدي الحصول المتساوي على بيانات الاستشعار عن بُعد إلى التقليل من احتمالات الاستغلال الاقتصادي.

ويمكن أن يكون حصول الدول النامية الحر على البيانات الخام عديم الجدوى، إذا كانت هذه الدول غير قادرة على معالجة الثروة الهائلة من البيانات التي ترسلها توابع الاستشعار عن بُعد، ولهذا السبب عبرت العديد من الدول النامية، التي اشتركت في مناقشات اللجنة الفرعية القانونية لوضع قواعد القانونية للاستشعار عن بُعد، عن حاجتها إلى وسائل قومية وإقليمية إضافية لمعالجة البيانات، حتى يمكن تفسير رسائل الاستشعار عن بُعد. وستزيد وسائل التفسير هذه من قيمة المعلومات المتحصل عليها، وتقلل من احتمال استغلال الدول الصناعية للدول النامية.

3. إمكانية التوصل إلى إطار قانوني

قد تنجح المجهودات التي تُبذل في إقناع الدول الأقل تقدماً في تقبل تكنولوجيا الاستشعار عن بُعد، وأن تترك هذه الدول موقفها المتشدد تجاه البيانات، ومطالبتها المستمرة بضرورة تقييد نشرها, ويمكن أن يتحقق ذلك إذا ما ضمن لمستقبلي بيانات توابع الاستشعار إمكانية الاستفادة من هذه البيانات. وتعتمد وجهة النظر هذه على أن عدم المساواة في استخدام الفضاء الخارجي سوف يؤدي إلى توتر العلاقات بين الدول، الأمر الذي سوف يكون له أثر مدمر على العلاقات الدولية بشكل عام.

ويتيح تقدم أنشطة الاستشعار عن بُعد فرصاً هائلة لتحسين مستوى المعيشة في العالم أجمع، وحتى يحقق الاستشعار عن بُعد كل الفوائد المرجوة منه، فإن تكنولوجيا الاستشعار عن بُعد يتطلب لتطورها سياسة معتدلة ومناخاً قانونياً متوازناً تشارك فيه كل الدول في تلك الفوائد، ومن ثم تشعر بتوفر الحماية اللازمة لمصالحها الاقتصادية الهامة.

وبالرغم من معارضة بعض الدول لتعبير السياسة المعتدلة والمناخ القانوني، فإنه يجب على أي معاهدة متعددة الأطراف، أن تحل النزاع الطويل حول الطبيعة السلمية للاستشعار عن بُعد، والإعلان عن البيانات واستخدامها ونقلها، وارتباط كل ذلك بالسيادة ودور الأمم المتحدة.

ويلاحظ البطء الشديد في السير نحو عقد اتفاق ينظم عمليات رصد مصادر الأرض من الفضاء الخارجي، وقد استغرق الاتفاق على المبادئ التي تحكم عمليات الاستشعار عن بُعد زمناً طويلاً من النقاش والجدل، بدأ عام 1970 بالمشروع الأرجنتيني، وانتهى عام 1986 بإصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة لقرارها الرقم 41/65 في 3 ديسمبر 1986، الذي يتضمن هذه المبادئ.

وبالرغم من الركود الذي أصاب المباحثات الدولية، فإن برامج الاستشعار عن بُعد آخذه في التوسع. ولكن مع وجود فراغ قانوني، فإن هذا سوف يؤدي إما إلى تقليص برامج الاستشعار عن بُعد؛ لأن النزاعات المحتملة حول نشر البيانات والسيادة القومية سوف تهدد مستقبل هذه البرامج، أو بدلاً من ذلك فإن عدم حل المسائل القانونية قد يؤدي بالدول المتقدمة أن تترك كل المحاولات التي تبذل للوصول إلى اتفاق دولي، وأن تستمر في تطوير برامجها للاستشعار عن بُعد بمفردها دون أي تنظيم أو قواعد دولية، مما يؤدي إلى زيادة الفجوة بين الدول المتقدمة والدول النامية. وكلا البديلين غير مرغوب، فيه خاصة بالنسبة للدول النامية التي تحتاج أكثر من غيرها للمعلومات القيمة التي يوفرها الاستشعار عن بُعد.

وقد تظهر مشكلات دولية أخرى في حالة غياب اتفاق دولي خاص بالاستشعار عن بُعد. فقد تمد بعض الدول من نطاق سيادتها إلى مسافات كبيرة في الفضاء، وقد يحاول بعض الأفراد أو الدول الادعاء بأن الأعمال التي تقوم بها توابع الاستشعار عن بُعد لمصادر الأرض، تعد انتهاكاً لحياتها الخاصة أو لسيادتها. وقد تسعى بعض الدول إلى تطبيق قانون العقوبات الداخلي على الأنشطة التي تجرى في الفضاء الخارجي.

لهذا كله فإن التوصل إلى معاهدة دولية ملزمة تحكم الاستشعار عن بُعد، سيؤدي إلى الكثير من الفوائد. فإن التوصل إلى أي اتفاق عالمي من شأنه أن يقلل من المشكلات القانونية، وسيؤدي إلى التنسيق بين المصالح المختلفة، وستوفر المبادئ المتفق عليها أساساً لقواعد تنظم التطور المنظور، وربما التطور غير المنظور في المستقبل. ويمكن أن تكون المبادئ الواردة في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 41/65 نواة لمثل هذه المعاهدة.

وبسلوك الدول النامية سلوكاً واقعياً في محاولتها لصياغة قانون دولي يحكم أنشطة الاستشعار عن بُعد، يمكنها أن تشارك في الاستفادة من مصادر المعلومات السخية التي يوفرها هذا النظام، وبالرغم من ذلك فإن الوصول إلى مثل هذه الاتفاقية مازال يبدو بعيد المنال. وقد كان هذا سبباً في دخول بعض الدول الممارسة لهذا النشاط في اتفاقات ثنائية. وتعدّ هذه الاتفاقات متواضعة جداً من حيث مجالها وأطرافها.

وتكون الاتفاقات الثنائية العديدة ما يُمكن أن يُشكل عرفاً دولياً. ومن تعدد الاتفاقات الثنائية وتعدد قواعد العرف الدولي مع المبادئ الصادرة من الأمم المتحدة، ويمكن التوصل إلى معاهدة دولية شاملة مستقبلاً، تنظم هذا النشاط الحيوي الذي تعم فائدته كل الدول المتقدم منها والنامي.

4. إمكانية التوصل إلى اتفاق دولي لتنظيم أنشطة الاستشعار عن بُعد

ساد نوع من التفاؤل بعد صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 41/65، بقرب التوصل إلى اتفاق دولي يحكم أنشطة الاستشعار عن بُعد. وربما يكون سبب ذلك ما بُذل من جهد على مدى ستة عشر عاماً من المناقشات والجدال، سواء على المستوى التقني أو المستوى القانوني، داخل لجنة استخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية.

وكان لهذا التفاؤل ما يبرره، فقد سارت الاتفاقات الخمسة التي وضعتها الأمم المتحدة بشأن أنشطة الفضاء الخارجي على نفس المنوال. فتدور مناقشات حادة داخل لجنة استخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية، ثم تصدر الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بالمبادئ، ثم تدخل الدول في مفاوضات لتحويل هذه المبادئ إلى اتفاق، ثم تُقر الأمم المتحدة هذا الاتفاق، ثم يُعرض لتوقيع جميع الدول.

ورغم موافقة أعضاء لجنة استخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية بالإجماع على مبادئ الاستشعار عن بُعد، إلا أن الكثير منهم قد أبدى بعض التحفظات على ما اشتملته بعض المبادئ، وقد اعتمد الذين تحفظوا على أنه يمكن إنهاء هذا العمل الشاق بالتوصل إلى هذه المبادئ. ثم تبدأ المناقشات مرة أخرى من أساس ثابت، وهو ما اتُفق عليه، بغية تحويل هذه المبادئ إلى معاهدة ملزمة لجميع أطرافها. فكلما كانت هذه المبادئ معبرة عن حقوق وواجبات الدول، زادت القوة الإلزامية لها.

وبينما تترك القواعد القانونية للاستشعار عن بُعد ببطء شديد، فإن تطور تكنولوجيا الفضاء آخذة في الزيادة بسرعة كبيرة، وسوف تؤدي التطورات الحديثة إلى تغيير الكثير من المفاهيم المستخدمة، التي لم تحددها اللجنة الفرعية القانونية. وأكبر دليل على هذا هو ازدياد عدد الدول العاملة في هذا المجال، من دولتين إلى أكثر من عشر دول في الوقت الحالي. فإذا ما أضفنا إلى هذا العدد الدول التي لديها محطات استقبال أرضية، يمكن القول إن أغلبية دول العالم الآن تهتم بما يمكن أن يجنيه هذا النشاط.

وسيزيد من حدة هذه المشكلة استخدام التوابع الاصطناعية للمواصلات لجمع البيانات مباشرة من توابع الاستشعار عن بُعد، ثم إعادة إرسالها إلى محطات أرضية أخرى في دول العالم. وسوف تزول الحاجة إلى إنشاء أكثر من محطة أرضية لاستقبال البيانات من الأنظمة المختلفة، وستكفي محطة واحدة لكل دولة لجمع البيانات الخاصة بالعالم أجمع.

وفي الوقت الذي ترى فيه بعض الدول أن إعلان مبادئ الاستشعار عن بُعد ما هو إلا خطوة في الطريق الصحيح، يجب أن تتلوها خطوات أخرى نحو اتفاق دولي يعطي المبادئ القوة الإلزامية المطلوبة. يرى البعض الآخر أنه لا حاجة، خاصة في الوقت الحالي، لتحويل هذه المبادئ إلى اتفاق دولي تحت إشراف الأمم المتحدة. وإنه بالرغم من إمكان تنفيذ ذلك في المستقبل، عندما يتم الاستفادة من الخبرة اللازمة من الممارسة الفعلية لأنشطة الاستشعار عن بُعد، إلا أن هذا سوف يُنهي الحاجة إلى عقد اتفاق رسمي، وسيستمر العمل على أساس قواعد القانون الدولي العرفي المعمول بها.

وباستعراض وجهات النظر المؤيدة والمعارضة لقيام الأمم المتحدة بوضع مشروع معاهدة خاصة بالتوابع الاصطناعية للاستشعار عن بُعد، نجد أنها تنحصر في الآتي:

أ. وجهة النظر المؤيدة

رغم المزايا الكبيرة التي تقدمها المعاهدات الحالية الخاصة بالفضاء الخارجي، والملزمة للدول الأطراف فيها، إلا أنها لم تقدم الحل الكافي للمشكلات التي أظهرتها أنظمة الاستشعار عن بُعد، وتحتاج هذه التكنولوجيا، التي تشمل العالم أجمع، والتي سيكون لها تأثير كبير على الدول من النواحي الاقتصادية والسياسية والقانونية، إلى اتفاق دولي ينظم تشغيلها وتطورها والسيطرة عليها.

وقد كانت لجنة الأمم المتحدة لاستخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية، ولجنتاها الفرعيتان موفقتين تماماً في الربط بين تكنولوجيا وعلم الفضاء وأنشطة الفضاء الخارجي، سواء القومية أو الدولية، عند صياغة المعاهدات التي نالت قبولاً واسعاً، ويمكن بذلك تحقيق اتفاق على صياغة النصوص المناسبة لمعاهدة تحكم أنشطة الاستشعار عن بُعد، وتكون المبادئ التي أعلنها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 41/65 أساساً لها.

اشتملت معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، على الخطوط العريضة لمبادئ يمكن تطبيقها عند صياغة اتفاقات أكثر تفصيلاً، طبقاً لتطور العلم والتكنولوجيا. وهذه هي الطريقة التي اتُبعت عند صياغة الاتفاقات التي تلتها، والخاصة بالإنقاذ والإعادة، والمسؤولية الدولية، والتسجيل، والقمر. ويمكن اتباع الإجراءات نفسها عند صياغة معاهدة لتوابع الاستشعار عن بُعد، وسوف يعاون على ذلك وجود مبادئ الاستشعار عن بُعد المتفق عليها.

أصبح الطريق الآن ممهداً بعد الإعلان عن المبادئ المتعلقة باستشعار أرض عن بُعد، ويمكن من خلال مناقشات جادة التوصل إلى اتفاق حول التحفظات التي أبدتها بعض الدول، استكمالاً لعمل شاق استمر ستة عشر عاماً. وعلى الدول المتقدمة إقناع الدول الأقل تقدماً بتقبل تكنولوجيا الاستشعار عن بُعد وأن تترك مواقفها المتشددة، ويكون ذلك بضمان حصولهم على المعلومات والاستفادة منها. كذلك على الدول المتقدمة أن تعي أن عدم المساواة في استخدام الفضاء سيؤدي إلى التوتر الذي سوف يكون له أثر مدمر على العلاقات الدولية بشكل عام.

يُقدم الاستشعار عن بُعد فرصة هائلة لتحسين مستوى المعيشة في العالم أجمع. وإذا ما كان للاستشعار عن بُعد أن يحقق كل إمكاناته، فإن ذلك يتطلب سياسة معتدلة ومناخاً قانونياً، تشارك فيه كل الدول في الفوائد، وتشعر كذلك أن مصالحها الاقتصادية المهمة قد كفلت لها الحماية القانونية اللازمة.

إن استمرار وجود الفراغ القانوني سيؤدي إلى تقليص برامج الاستشعار عن بُعد، لأن النزاعات المحتملة بخصوص نشر البيانات والسيادة القومية، سيهدد مستقبل هذه البرامج. كذلك سوف يؤدي عدم التوصل إلى اتفاق قانوني، إلى أن تستمر الدول المتقدمة في تطوير برامجها، تاركة كل المحاولات التي تُبذل للتوصل إلى اتفاق دولي. وكلا البديلين غير مرغوب فيه.

قد تظهر العديد من المشكلات في حالة غياب اتفاق دولي يُنظم الاستشعار عن بُعد، فقد تمد بعض الدول من نطاق سيادتها إلى مسافات كبيرة في الفضاء، وقد تدعي بعض الدول أو الأفراد أن الأعمال القانونية بواسطة الاستشعار عن بُعد انتهاكاً لحياتها الخاصة أو لسيادتها. كذلك قد تلجأ بعض الدول إلى تطبيق قانون العقوبات الداخلي على الأنشطة التي تجري في الفضاء الخارجي.

يمكن النظر إلى الاتفاقات الثنائية أو الإقليمية، رغم تواضعها جداً من حيث مجالها، على أنها أساس يمكن تطويره في المستقل. فهذه الاتفاقات الثنائية بين الدول المستشعَرة والدول القائمة بالاستشعار، تكون قاعدة عُرف دولي بالفعل. وهذه القواعد تكفي لاستمرار تكنولوجيا الاستشعار عن بُعد تطورها وتقدمها. وبتعدد الاتفاقات الثنائية يمكن تمهيد الطريق لمعاهدة دولية.

بالإضافة إلى النصوص الأكثر تفصيلاً التي قد تحتويها اتفاقية تنظيم أنشطة الاستشعار عن بُعد، فإن هذه الاتفاقية يمكن أن تنشئ وكالة دولية، يكون لها القدرة على التعامل مع مشكلات الاستشعار عن بُعد، وأي مشكلات أخرى بخصوص الفضاء يمكن الاتفاق عليها.

ب. وجهة النظر المعارضة

تتكون الدول المعارضة لقيام الأمم المتحدة بصياغة معاهدة لتنظيم أنشطة الاستشعار عن بُعد من الدول الغربية، التي تمارس هذا النشاط بحرية كاملة، وتعد رائدة في هذا المجال، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. وهي بذلك لا ترغب في تقييد نفسها بمواثيق دولية، قد تضع بعض القيود على ممارستها الحرة في هذا المجال، أو تقلل من مكاسبها الاقتصادية أو السياسية التي تحققها من أنشطة الفضاء الخارجي، وعلى وجه الخصوص الأنشطة في مجال الاستشعار عن بُعد.

وعموماً، فإن وجهة النظر المعارضة لقيام معاهدة تنظم أنشطة الاستشعار من بُعد تبني موقفها على الآتي:

(1) من غير العملي المطالبة بعقد معاهدة أخرى للفضاء، لتيسر الطرق لمواجهة المشكلات التي تنجم من تشغيل توابع الاستشعار عن بُعد، طالما أن المبادئ العامة الواردة في معاهدة الفضاء الخارجي يمكن أن تُطبق على هذه الأنشطة، خاصة وأنها تعترف بأن الفضاء الخارجي مجال للبشرية جمعاء، وأن استخدامه سيكون لمصلحة وفائدة كل الدول.

وقد مزجت الولايات المتحدة الأمريكية، بصفتها رائدة في هذا المجال عند تنفيذ مشروع لاندسات، بين القانون الدولي والسياسة القومية التي أعلنها الرئيس "نيكسون"، عندما قال: "إن هذا البرنامج سوف يكرس لإنتاج المعلومات، ليس فقط للولايات المتحدة الأمريكية، ولكن المجتمع الدولي كله".

(2) تخطط الحكومات الوطنية وتمول وتنفذ برامج الفضاء الخارجي الخاصة بها، ولكن عندما يتطلب الأمر نوعاً من التعاون الدولي، فإنه يمكن التوصل إلى اتفاقات ثنائية أو متعددة الأطراف. وقد أثبتت هذه الوسيلة جدواها في المشروعات العاملة في مجال توابع الأرصاد الجوية والاتصالات وغيرها. وتعتمد المشاركة في بيانات الأرصاد الجوية على اتفاقات دولية مقبولة بين الدول، وتشرف عليها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. كذلك فإن المنظمة الدولية للمواصلات السلكية واللاسلكية تشرف على المواصلات التجارية بواسطة التوابع الاصطناعية إنتلسات Intelsat.

(3) من الصعب توقع قيام وكالة دولية خاصة للاستشعار عن بُعد، تنشأ خارج إطار الأمم المتحدة، بالسيطرة على أنشطة التوابع الاصطناعية التي تنظمها بالفعل قواعد دولية فعالة، بما في ذلك أنشطة الاستشعار عن بُعد، وبهذا سوف تكون لهذه الوكالة قوة قانونية محدودة جداً. وسيكون على هذه الوكالة أن تُنمي علاقات خاصة مع الوكالات الأخرى في الأمم المتحدة، التي تسيطر بالفعل على توابع تعمل في مجالات خدمة الطقس والصحة والتعليم والمصادر الطبيعية والاتصالات.

ولو أُنشئت هذه الوكالة في إطار الأمم المتحدة، فستجد تعارضاً كبيراً مع الوكالات المتخصصة التي لها أنشطة في الفضاء الخارجي، مثل الاتحاد الدولي للمواصلات السلكية واللاسلكية، ومنظمة الأرصاد الجوية، واليونسكو، ومنظمة الصحة العالمية، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي.

وسواء كانت هذه الوكالة في إطار الأمم المتحدة أو خارج إطارها، فإنها ستجد صعوبات كثيرة في التمويل اللازم لتنفيذ نشاطها، وسوف تكون الدول التي تعمل في أنشطة الفضاء الخارجي غير راغبة في تمويل وكالة دولية تُنشأ لتسيطر وتنظم برامج الفضاء، بما فيها البرامج التي تقوم هذه الدول بها، خاصة إذا ما كان أمامها العديد من الخيارات الحرة في هذا المجال.

(4) يمكن تطبيق قواعد القانون الدولي العام على أي آثار لأنشطة الاستشعار عن بُعد على الأرض، بخلاف تلك التي تحددها قواعد المسؤولية الدولية الواردة في معاهدة الفضاء الخارجي، أو معاهدة المسؤولية، أو اتفاقات الفضاء الأخرى التي تم إبرامها، خاصة أنه لم تظهر أي مشكلات قانونية عن أنشطة الاستشعار عن بُعد منذ بداية عصر الفضاء وحتى الآن.