إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / الدفاع الجوي عن الأهداف الحيوية





الكشف الراداري
زمن الإنذار
طائرة الصواريخ




الدفاع الجوي عن الأهداف الحيوية

خامساً: تكامل الدفاعات

ظهرت أهمية التكامل في الدفاع الجوي، منذ أكثر من ربع قرن عندما بدأت القاذفات الألمانية، تنقضّ على المواقع البريطانية للمدفعية الثقيلة المضادّة للطائرات، من عيارَي 3 و 3.7 بوصات، التي لا يسمح معدلها البطيء في الحركة، الأفقية والرأسية، للسبطانة، بالتعامل مع هذه الغارات الخاطفة. ومن ثَمّ سارعت القيادة البريطانية إلى تدعيم هذه المَواقع برشاشات خفيفة مضادّة للطائرات، ذات قدرة على الاشتباك السريع، بغلالة كثيفة من النيران، في زمن قصير. وحقَّقت هذه الأسلحة الخفيفة نتائج، لا بأس بها.

ويُنفَّذ التكامل في الدفاع الجوي على ثلاثة مستويات، هي:

1. التكامل في المستوى الإستراتيجي

يُعَدّ تكامل أجهزة المعلومات في القوات المسلحة، أحد أمثلة هذا المستوى. وبوساطته، يحصل الدفاع الجوي على معلومات شديدة الأهمية، عن القوات الجوية المعادية. كما يحصل باقي أفرع القوات المسلحة والدفاع المدني، على الإنذار من الهجوم الجوي، من مراكز عمليات الدفاع الجوي. إضافة إلى ما تحتاج إليه أجهزة الدفاع الجوي من معلومات، لتأمين أعمال قتالها، وإجراءاتها.

2. التكامل في المستوى العملياتي

تتكوَّن منظومة الدفاع الجوي عن المنطقة الحيوية، أو النقطة الحيوية، من أربعة عناصر رئيسية، هي: الاستطلاع، ومراكز العمليات، والأسلحة الإيجابية، وأجهزة الاتصال.

وتتوقف نتيجة المعركة على مدى النجاح في تحقيق التكامل، بين هذه العناصر الأربعة.

وتشمل مجموعة الاستطلاع أنواعاً مختلفة من أجهزة الرادار. منها ما يمتاز بالمدى البعيد، ومنها ما يخصص لاكتشاف الطائرات، على الارتفاعات المنخفضة، وبعضها يُحمل، جواً، في طائرات الإنذار المبكر. وقد تشمل مجموعة الاستطلاع  وحدات مراقبة بالنظر، أو يُستَبدل بها أجهزة استشعار، تُزرَع في الأرض، على طرق اقتراب الطائرات المعادية، وتُنفَّذ مهام المراقبة بالنظر، بقدر أكبر من الكفاءة.

وتُعَدّ مجموعة الاستطلاع، مصدر المعلومات الرئيسي عن الموقف الجوي، بكافة أبعاده. ومن البديهي، أن تذهب هذه المعلومات، من الفور، إلى مراكز العمليات، حيث يتم تقدير الموقف الجوي المعادي، مقترناً بموقف قواتنا وإمكاناتها، وجاهزيتها للقتال. وبناءً على ذلك، يتَّخذ القائد قراره، ويُخصِّص المهام لوحداته، ويدير أعمال قتالها.

ثم يأتي دور العنصر الثالث، وهو الأسلحة الإيجابية، التي يُناط بها تنفيذ هذا القرار، واعتراض الطائرات المعادية بالمقاتلات، والصواريخ أرض/ جو، والمدفعية المضادّة للطائرات (م/ ط)، مع استخدام الحرب الإلكترونية.

أمّا عنصر الاتصالات، فمهمته نقْل الأوامر والبلاغات، بين مراكز العمليات، ووحدات النيران والاستطلاع، محققاً، بذلك، الترابط الضروري بين عناصر الدفاع الجوي.

ممّا سبق، تتضح أهمية التكامل، على المستوى العملياتي، لبناء منظومة متماسكة، يمكِنها تحقيق المهمة بنجاح.

3. التكامل في المستوى التكتيكي

يهتم المستوى التكتيكي بتكامل المكوِّنات الفرعية، لكل عنصر من العناصر السابقة، فيما بينها. والواقع، أن تكامل الأنواع المختلفة من أجهزة الاستطلاع ومعداتها، هو الذي يُحقِّق إنذاراً مبكراً من الهجوم الجوي، ويكفل استمراراً لسريان المعلومات عن الموقف. ولهذا، يجب، عند احتلال مَواقع الرادار، مراعاة شمولها أجهزة، تعمل على نطاقات تَردّد مختلفة. فإذا تعرَّض أحدها للإعاقة الإلكترونية، أمكن الأجهزة الأخرى اكتشاف الطائرات المعادية وتتبُّعها. أما إذا وَجّه العدو إعاقة، على نطاق عريض، فإن تأثيرها، سيكون مختلفاً من جهاز إلى آخر. ومن ثَمّ يمكِن بعض الأجهزة، التي تأثرت تأثراً خفيفاً، أن تستمر في تتبُّع أهدافها، خلال الإعاقة. والواقع، أن تكامل جميع عناصر الاستطلاع، هو الذي يُحقِّق "حقل إنذار" مستمر، على جميع الارتفاعات، وفي كافة الظروف.

أمّا الأسلحة الإيجابية، وهي قوة النيران في الدفاع الجوي، فإن لكلٍّ منها مَواطن قوّته، ولكنها لا تخلو بعض نقاط الضعف. فإذا تكاملت هذه الأسلحة، فإن الناتج سوف يتجاوز العيوب إلى المميزات فقط؛ لأن نقاط القوة في كل سلاح، ستتغلب على نقاط الضعف في السلاح الآخر.

فالمقاتلات، مثلاً، تتميز بطول المدى، وتستطيع اعتراض الطائرات المعادية، من مسافات بعيدة، قبْل أن تتمكّن من إطلاق مقذوفاتها جو/أرض، ذات المدى البعيد، من خارج مناطق نيران الصواريخ أرض/ جو. كما يمكِن تكليف المقاتلات باعتراض طائرات الحرب الإلكترونية وتدميرها، وكذلك طائرات القيادة والسيطرة، التي تعمل من مسافات بعيدة. وهو ما لا تستطيعه أسلحة الدفاع الجوي الأرضية. كما يمكِن دفْع المقاتلات بسرعة إلى المناطق، التي فَقَدت فيها وحدات الصواريخ والمدفعية (م/ ط) كفاءتها، أثناء القتال، إلى أن تستعيد تلك الوحدات موقفها وكفاءتها.

ومع ذلك، فهناك قيود على استخدام المقاتلات. فقدرتها محدودة على العمل المستمر. ولا يمكن إلقاء عبء الدفاع الجوي على عاتقها، لفترة طويلة. كما أن نسبة المقاتلات المجهَّزة للقتال ليلاً، في الأحوال الجوية الرديئة، تكون، في العادة، ضئيلة. فقد كان تحت إمرة قيادة القوات الجوية الأمريكية، في المسرح الأوروبي، في أوائل الثمانينيات، أي في ذروة الوجود الأمريكي هناك، 120 مقاتلة اعتراضية ليلية فقط، من إجمالي 1500 طائرة قتال. وذلك على الرغم من أن حلف وارسو كان قادراً، في ذلك الوقت، على توجيه هجمات جوية ليلية، بقوة 500 طائرة.

وتظهر أهمية الصواريخ أرض/جو، في قدرتها، باستثناء قليل من الأنواع الخفيفة، على الاشتباك بالطائرات المعادية، ليلاً ونهاراً، وفي كافة الأحوال الجوية. كما أن قدرتها على العمل المستمر، عالية جداً، إذا قورنت بالمقاتلات.

وقد ظهر، في السنوات الأخيرة، أنواع متعددة من الصواريخ أرض/ جو، تختلف فيما بينها، من حيث المدى، والارتفاع، ووسائل التوجيه. ويتفوّق كل منها على الآخر في بعض الجوانب، بينما يحتاج إليه في جوانب أخرى. والواقع، أن هذا التنوع، يُحقِّق تكاملاً جيداً، داخل عائلة الصواريخ، لتغطية الثغرات في الدفاع، سواء في المحور الرأسي أو الأفقي.

وتتميز الصواريخ أرض/جو بدقة عالية. ومع ذلك، يحُدّ بعض القيود من كفاءتها، في أحوال معينة. فهي غير قادرة على الاشتباك بالطائرات، التي تظهر، فجأة، على مسافات قريبة، نظراً إلى طول زمن رد الفعل، مقارنةً بالمدفعية (م/ ط)، ولأن سرعة الصاروخ، تكون بطيئة عند بدء انطلاقه، ويحيط بمَوقع الصواريخ منطقة "ميتة"، قطْرها عدة كيلومترات. وكثير من الصواريخ أرض/جو ذات قدرة محدودة على الاشتباك بالطائرات، التي تُحلِّق على ارتفاعات قريبة من الأرض. أما وحدات المدفعيـة (م/ ط)، فيمكِنها فتح النيران، في زمن قصير جداً، إضافة إلى أن سرعة مقذوف المدفعية، ومن ثَمّ قوة الصدم، تصبح أكثر قوة، على المسافات القريبة، مما يساعد على زيادة احتمال تدمير الطائرات المعادية. وتتحقق أعلى كفاءة للمدفع (م/ ط)، عندما يشتبك بالطائرات القريبة. وقد أُدخلت عِدَّة تحسينات على المدفعية (م/ ط)، في السنوات الأخيرة، أدت إلى زيادة السرعة الابتدائية للمقذوف، وقدرته التدميرية، وزُوِّدت  المَدافع بوسائل تسديد وإطلاق آلية، زادت من سرعة ودقة الاشتباك بالأهداف، التي تظهر فجأة. إضافة إلى ذلك ، فإن هذه المَدافع، عندما تشتبك، بالتسديد المكشوف (أي استخدام الأجهزة البصرية في التسديد)، تصبح السلاح الوحيد غير المعرّض لأي نوع من أنواع الإعاقة الإلكترونية. وتتميز المدفعية م/ ط، بمعدَّل عالٍ من النيران، كما أنها غير معقدة الاستخدام، وتسهل صيانتها وإصلاحها، إضافة إلى خفة حركتها، وقدرتها على الاشتباك، أثناء التحرك.

ولهذا، فعلى الرغم من تنوع عائلة الصواريخ وميزاتها الكثيرة، فهي لا تخلو من بعض العيوب، التي يمكِن تلافيها بوساطة المدفعية م/ ط. وهكذا نشأت فكرة الجمع بين السلاحَيْن، في وحدة نيران واحدة. وأُنتجت، منظومات الدفاع الجوي، التي تجمع الصواريخ والمَدافع معاً، مثل منظومتَي Skyguard ، وسيناء ـ 23.

وقد حسم مبدأ تكامل الأسلحة الإيجابية، الجدل الذي استمر لفترة. وكان محوره: أيّها أفضل لتحقيق الدفاع الجوي، المقاتلات أم الصواريخ؟ وأصبح النقاش يدور حول الأنواع الملائمة من مختلف الأسلحة، التي تُحقِّق التكامل، والأعداد التي تحقق التوازن بينهما.

وخلاصة القول، إن التكامل الصحيح، في منظومة الدفاع الجوي، يحقق:

أ. إنذاراً مبكراً ومستمراً ضد الهجوم الجوي.

ب. اشتباكاً مستمراً بالطائرات المعادية، من مسافات بعيدة، وطوال خط سيرها.

ج. إمكانية الاشتباك، على جميع الارتفاعات.

د. سد الثغرات في منظومة الدفاع الجوي، نتيجة لتدمير، أو إصابة، أو عطل بعض الأجهزة، أثناء القتال.

هـ. صعوبة نجاح العدو في إعاقة جميع أجهزة الدفاع الجوي الإلكترونية.

وقد كان التكامل أحد أسباب نجاح الدفاع الجوي العربي، في حرب أكتوبر 1973، وهو ما شد انتباه العالم، آنذاك، على عكس ما حدث في حرب يونيه 1967، حين كان الاعتماد، بصورة أساسية، على صواريخ سام ـ 2، وحدها.