إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / تطور الدفاع الجوي المصري





أسلوب الإنجليز في الإعاقة الرادارية
تنظيم قوات الدفاع الجوي
حائط الصواريخ
حائط الصواريخ لحماية العبور




الاستعداد القتالي وطائرة الكرملين

المبحث الرابع

نشأة القوة الرابعة وخوض حرب الاستنزاف

انتهت حرب الأيام الستة ـ كما سمتها إسرائيل، في ذلك الوقت ـ بنهاية مأساوية، كشفت عن كثير من أوجه القصور، في القوات المسلحة المصرية، بشكل عام، وفي القوات، التي تتولى مهام الدفاع الجوي، بشكل خاص، وبات، من المؤكد، ضرورة ظهور بديل، يتناسب مع شكل وطبيعة التحديات الجديدة، فكان قرار القيادة السياسية، بإنشاء القوة الرابعة، لمواجهة هذه التحديات.

أولاً: قرار إنشاء القوة الرابعة (فبراير 1968)

كانت قوات الدفاع الجوي تعتبر فرعاً من سلاح المدفعية، وتحت القيادة العملياتية للقوات الجوية، وهذا التنظيم معمول به، في كثير من دول العالم، ولكن، من دروس 1956، 1967، وجد أن القوة الجوية الإسرائيلية مركزة في يد قائد واحد، فمن الأجدى، أن تركز جميع الأسلحة والمعدات المضادة لها، والمكلفة بالتعامل معها وصدها، في يد قائد واحد؛ ضماناً للتنسيق، وتوحيداً للمسؤولية، وتحقيقاً للنجاح.

وكان القرار بإنشاء قوات الدفاع الجوي المصري، قوة مستقلة، قائمة بذاتها، لتصبح القوة الرابعة، ضمن القوات المسلحة المصرية، التي تشمل القوات البرية، والبحرية، والجوية، وذلك في أول فبراير 1968، في وقت بالغ الصعوبة بالنسبة لهذه القوات، التي كانت تواجه أقوى وأفضل أسلحة العدو الجوية، فيما كانت القوات الجوية المصرية مازالت في مرحلة إعادة التنظيم والتسليح، عقب خسائرها في حرب 1967.

بقرار إنشاء القوة الرابعة، انتهت السلبيات، الناجمة عن التبعية المزدوجة، التي لازمت وحدات الدفاع الجوي، في الحروب السابقة، وأنشئت قيادة مستقلة للدفاع الجوي، لكل الوسائل، التي تتعامل  مع أسلحة الهجوم الجوي، مع تنظيم التعاون، بأسلوب مدقق مع وسائل الدفاع الجوي العضوية في الأفرع الرئيسية الأخرى، عدا المقاتلات، التي ظلت تابعة للقوات الجوية؛ اكتفاءً بالتنسيق، في أثناء تخطيط الأعمال القتالية، والتعاون الوثيق في أثناء إدارة أعمال القتال.

وبدأت مرحلة من العمل الجاد والمكثف، للتطوير الشامل، شملت إعادة تنظيم القيادات والتشكيلات والوحدات، وعناصر التأمين القتالي، والفني، والهندسي، لتجنب أوجه القصور والعيوب، التي ظهرت في حرب 1967، وتشكلت قيادة الدفاع الجوي الشكل الرقم 2، وهي تضم رئاسة لوحدات الصواريخ والمدفعية، ورئاسة وحدات الرادار والإنذار، ورئاسة دفاع جوي التشكيلات البرية، وغيرها من الرئاسات والشعب، بحيث تتماشى مع باقي أجهزة القيادة العامة والأفرع الرئيسية.

1. بدء بناء المنظومة

ركزت القيادة السياسية جهودها، للحصول على الأسلحة، من الخارج، خاصة من الاتحاد السوفيتي، ومن بعض الدول الشرقية، مثل يوغسلافيا والمجر، ولكن نتائج هذه الجهود كانت محدودة للغاية، ولا يمكن اعتبار ما حصلنا عليه، في تلك الفترة، إضافة إلى إمكانيات الدفاع الجوي. من هذا المنطلق، اتجهت الجهود إلى تطوير الصواريخ سام -2.

وجرى العمل على قدم وساق؛ لتعديل إحدى هذه الكتائب، وبالفعل جرى تعديلها، لتصبح قادرة على الاشتباك مع الطائرات المعادية، على ارتفاعات، أقل من 1 كم، كذلك أدخلت تعديلات، لتقليل المنطقة الميتة[1] المحيطة بالكتيبة، وشمل التطوير الصاروخ نفسه، وذلك بتحسين قدراته على المناورة حتى يستطيع ملاحقة الطائرات، في أثناء مناورتها، وتم تزويد كتائب الصواريخ، بأنظمة التعارف، مما زاد من كفاءة التعاون مع المقاتلات.

وفي مجال الحرب الإلكترونية، وهو الأخطر والأهم، لم يتوافر أي إمكانيات إلكترونية، لدى الجانب المصري، ولم يكن بد من اتخاذ إجراءات فنية وقائية للمقاومة. وكان الهدف الأول هو حرمان وسائل الاستطلاع الإلكتروني، من الحصول على ما تريده من معلومات، أو تضليلها، وذلك بالسيطرة المدروسة على عملية الإشعاع، بالإضافة إلى مجموعة أخرى، من الإجراءات الفنية.

كما بدأ تجهيز وحدات الصواريخ، بمعدات فنية مبتكرة؛ لمقاومة الإعاقة، ونجحت تجربتها، وتم تعميمها في جميع الوحدات، واستمر تطوير الأساليب والتكتيكات، الهادفة إلى شل وسائل الحرب الإلكترونية للعدو، وكللت بنجاح كبير، ظهر أثره في أثناء حرب أكتوبر.

وفي مجال تطوير شبكة الاستطلاع والإنذار، زُوِدَّت أجهزة الرادار، بنظام انتخاب الأهداف المتحركة، ورفع الهوائيات على صوار، كما تم إنشاء نطاقات، من نقط المراقبة الجوية بالنظر، على حدود الدولة، وفي العمق، وحول الأهداف المدافع عنها، وتجهيزها بما يسمح باكتشاف الأهداف، مبكراً، ووصول المعلومات، إلى الوحدات من دون تأخير.

2. القوة الرابعة وحتمية الدفاع، من خلال منظومة متكاملة

بدأ التخطيط لبناء منظومة دفاع جوي، من منطلق الدور الرئيسي لهذه المنظومة، والذي يتمثل في توفير الدفاع الجوي، عن القوات والأهداف الحيوية في الدولة، ضد هجمات العدو الجوي، لذا ينبغي أن تحقق المنظومة ثلاثة أهداف رئيسية هي: استطلاع العدو الجوي، والإنذار عنه، ومنع العدو من استطلاع قواتنا وأهدافنا، ثم توفير الدفاع الجوي عن القوات والأهداف الحيوية.

ولتحقيق هذا، يجب أن تشتمل المنظومة، على عدة عناصر متناسقة متعاونة، تعمل تحت قيادة واحدة، وهي:

أ. العناصر الأساسية لمنظومة دفاع جوي

(1) نظام القيادة والسيطرة.

(2) نظام الاستطلاع والإنذار، ويضم: أجهزة رادار أرضية أو محمولة جواً، وأقماراً صناعية، وشبكات المراقبة الجوية بالنظر.

(3) نظم القتال الإيجابية، وتشمل: المقاتلات، والصواريخ الموجهة، والمدفعية المضادة للطائرات.

(4) أنظمة الحرب الإلكترونية.

(5) عناصر التامين، وتشمل: التأمين الفني، والهندسي، والكيماوي، والمادي والطبي، والتأمين الخاص

ب. بناء منظومة الدفاع الجوي

تركزت جهود البناء، في ثلاثة محاور رئيسية، هي الرجال، والسلاح، والميدان، كما يلي:

(1) إعداد الرجال

إن العنصر البشري يمثل العامل الرئيسي، في تحقيق النصر، ومن ثم، فقد أولت القيادة اختيار القادة الأكفاء اهتماماً خاصاً، واهتمت بإنشاء القيادات الصالحة، من الكوادر المؤهلة علمياً وعسكرياً، وتتمتع بمستوى مرتفع من الانضباط.

وفي سبيل تحقيق ذلك، سدت القيادة هذا النقص في الضباط، بالاستعانة بأعداد كبيرة من المهندسين، والعلميين، والمتخصصين، في مجال الإلكترونيات، وتكليفهم بصفة ضباط، للعمل في وحدات الرادار والصواريخ، وإعدادهم بفرق تخصصية، وكذلك تجنيد المؤهلات العليا والمتوسطة من ذوي التخصصات الفنية والهندسية، وتم تدريبهم، طبقاً لأساليب ومناهج تدريب متطورة، وهكذا لعب المقاتل دوراً هاماً، في بناء القوة الرابعة، سواء كان ضابطاً أو جندياً.

(2) إعداد السلاح

حددت خطة تحرير سيناء حجم قوات الدفاع الجوي، المستهدف تحقيقه، خلال ثلاث سنوات، بتشكيل ثماني فرق دفاع جوي، كل فرقة تقود وتسيطر على 3-5 ألوية صواريخ، ومدفعية مضادة للطائرات ثقيلة وخفيفة، وثماني كتائب رادار توجيه وإنذار، بالإضافة إلى شبكة للمراقبة بالنظر، ومواصلاتها، وأجهزتها، مع إنشاء غرف عمليات لكل فرقة أو لواء منفصل، على أن يرتبط بغرفة عمليات دفاع جوي رئيسية، وأخرى تبادلية.

وقد أوصت الخطة بأن تعتمد قوات الدفاع الجوي، في قتالها الجوي، على الصواريخ الحديثة المتطورة، المدعمة بأجهزة توجيه إلكترونية، وأن يكون معظمها متحركاً، وتشغيلها بالوقود الجاف. ومع إعادة تنظيم هذه القوات، وزيادة حجمها، مع تنويع أسلحتها، ومعداتها، كلفت بمسؤوليات وواجبات كبيرة؛ لحماية تشكيلات القوات المسلحة، ضد التدخل الجوي المعادي، وحماية الأهداف الحيوية في الدولة، وأهمها المدن الرئيسية، والقواعد الجوية، والمطارات، وهذا ما أدى إلى زيادة حجمها، أكثر من أربعين ضعفاً، عما كانت عليه عام 1967.

(أ) مراحل استكمال أسلحة الدفاع الجوي

مرت مراحل استكمال أسلحة الدفاع الجوي، بمراحل متنوعة، وأهم هذه المراحل هي:

·   حضور الرئيس عبد الناصر اجتماعات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، منذ حرب 1967، حتى عام 1970، وقد وسع الرئيس المشاركة حتى مستوى قادة الكتائب، خاصة كتائب الصواريخ والأسراب المقاتلة، وكان دائم التشديد، على حتمية العمليات الهجومية، والتركيز على مطالب القوات الجوية والدفاع الجوي، اللتين حظيتا بنصيب كبير، من جهد الرئيس عبد الناصر.

وفي يناير 1970، وافق الاتحاد السوفيتي، على إمداد مصر، بالمعدات الآتية:

·   18 كتيبة صواريخ سام -3 ، تعمل على الارتفاعات، من 25 متراً إلى 17 كم، وتشكل هذه الصواريخ، في كتائب كل كتيبة من 4-6 قواذف، وكل قاذف يركب عليه صاروخان.

·   20 كتيبة صواريخ سام -2 معدلة، ضد التشويش الراداري، ومؤهلة للاشتباك ضد الطيران المنخفض، حتى 100 متر.

·   14 محطة رادار، من نوع ب -15، ب -12، بالإضافة إلى 29 محطة لاسلكية متوسطة المدى.

وتركزت الجهود وتوالت؛ الوصول إلى الحجم المناسب من المعدات الحديثة، التي تستطيع مجابهة العدائيات الجوية، من حيث قدرتها على التعامل مع الأهداف، التي تطير على ارتفاعات مختلفة، تحت ظروف الإعاقة الإلكترونية بأنواعها المختلفة، وبالفعل، انضم إلى قوات الدفاع الجوي، خلال هذه الفترة، العديد من الأسلحة المتطورة، أهمها:

(ب) أهم الأسلحة التي انضمت إلى قوات الدفاع الجوي، خلال هذه الفترة

·       صواريخ سام -3، ذات الوقود الجاف، والمجهزة للعمل ضد الأهداف، على ارتفاعات منخفضة، في ظل الإعاقة الإلكترونية.

·       كتائب سام -2 المعدلة، للعمل على ارتفاع 100 متر، في ظل الإعاقة الإلكترونية.

·       الصواريخ الفردية "سام -7"، التي تطلق من على الكتف؛ للتعامل مع الطائرات المنخفضة.

·       المدافع عيار 23 مم الرباعية، الموجهة بالرادار، والمحملة على شاسيه جنزير، من نوع شيلكا.

·       أجهزة رادار الإنذار ب-15، ذات القدرة على اكتشاف الأهداف المنخفضة.

(3) إعداد الميدان: "التجهيز الهندسي"

لما كان التجهيز الهندسي أحد العوامل الرئيسية لنجاح عناصر الدفاع الجوي، في تحقيق مهامها، وزيادة قدرتها على الصمود، فقد استحوذ إعداد مسرح عمليات الدفاع الجوي، والإنشاءات المطلوبة في الخطة، على جهد خارق وجبار، ويمكن القول إن هذه الأعمال كانت معركة منفصلة، مع السلاح الجوي الإسرائيلي.

فقد دار صراع رهيب بين إرادتين: الإسرائيليون يركزون كل مجهودهم الجوي، لتدمير المواقع الجاري إنشائها، والقوات المسلحة، متمثلة في وحدات المهندسين العسكريين، التي تحولت كلها إلى وحدات إنشاءات مع الشركات المدنية، مصممة على استكمال مواقع الدفاع الجوي المحصنة على جبهة القناة.

وكان، من الواجب، الانتهاء من تجهيز المواقع، خلال شهر واحد، بداية من 25 يناير 1970 إلى حين وصول الصواريخ ومعداتها، إلى الإسكندرية في 25 فبراير 1970. واستمرت غارات العدو، بضراوة، على هذه المواقع الجاري إنشائها، وكانت خسائر كبيرة، خاصة في عمال الشركات المدنية، ومع استمرار الصراع ونجاح العدو في تدمير نسبة كبيرة من المنشآت، بدأ التفكير في البديل.

وتوصل المهندسون إلى فكرة المواقع سابقة التجهيز، وهي تنشأ من أجزاء خرسانية سابقة التجهيز، في العمق، وتنقل إلى الجبهة، ويتم تركيبها في وقت قصير، مما يوفر الحماية الجوية في أثناء إنشاء المواقع كاملة التحصين.

وخلال شهري يونيه ويوليه 1970، تم تركيب العديد من المواقع الهيكلية، التي كانت تحاكي المواقع الحقيقية.

وقد أتم المهندسون العسكريون، بناء عدة مئات من مواقع وحدات الصواريخ، وعدد مماثل من المواقع الهيكلية، استخدم في إنشائها نحو 12 مليون متر مكعب من أعمال الحفر والردم، ومليون وثلاثة أرباع متر مكعب من الخرسانة المسلحة والعادية، وتم إنشاء آلاف الملاجئ مسبقة الصنع، كما تجاوزت أطوال الطرق الداخلية، في هذه المواقع أربعة آلاف كم، أي مثل المسافة بين القاهرة وطرابلس.

ثانياً: حرب الاستنزاف "يوليه 1969- أغسطس 1970"

كانت حرب الاستنزاف هي الحرب الحقيقية الكبرى، التي خاضها الدفاع الجوي المصري ، حيث واجهت هذه القوات، في أحيان كثيرة، بمفردها، قوة السلاح الجوي الإسرائيلي، وقد استقرت لديها عقيدة الصمود، فسقط منها شهداء كثيرون، وفقدت الكثير من معداتها.

وعلى الجانب الآخر، ألحقت بالسلاح الجوي الإسرائيلي، خسائر كبيرة في طائراته، وأسقطت العديد منها، فأسقطت الفانتوم أقوى طائرة في ترسانته، بل ربما في العالم، في ذلك التاريخ، وأسقطت كبرى طائراته المجهزة بوسائل الحرب الإلكترونية، من نوع ستراتو كروزر STRATO- CRUISER، وكانت نداً قوياً، يعمل له كل حساب.

وتمثل حرب الاستنزاف بداية المسيرة، نحو تحرير الأرض، وأرست عدداً من المبادئ والأهداف أهمها:

1. الاحتفاظ بالجبهة العسكرية ساخنة ومشتعلة، والحصول على الخبرة القتالية.

2. فرض الإزعاج الشديد على القوات الإسرائيلية الموجودة شرق القناة، ومنعها من إقامة التحصينات.

3. إقناع إسرائيل، بما لا يدع مجالاً للشك، بأنها ستدفع ثمناً باهظاً، لبقائها في الأرض المصرية، وذلك بتكبيدها خسائر في المعدات والأرواح، كل يوم، وهذا ما لا تطيقه أو تتحمله إسرائيل.

وقد أفرزت حرب الاستنزاف خبرات واسعة في مجالات التنظيم، والتسليح، ومتطلبات الدفاع الصلب في مجال الدفاع الجوي، وهذا ما فتح للقيادة المصرية آفاقاً جديدة ومهمة، في قضايا التسليح، والتنظيم، وأدت دوراً حيوياً فعالاً، بعد ذلك، عند نشوب حرب أكتوبر 1973، حيث برزت الأهمية الكبيرة للأسلحة الصاروخية، التي حققت أروع النتائج، وجذبت اهتمام الدوائر العسكرية العالمية، إلى الدور الحاسم، الذي يمكن أن تؤديه الأسلحة الصاروخية في الحروب الحديثة.

المراحل الرئيسية لحرب الاستنزاف بالنسبة للدفاع الجوي: يوليه 1969 ـ أغسطس 1970

مر الصراع، بين قوات الدفاع الجوي المصري وبين السلاح الجوي الإسرائيلي، بمراحل مختلفة، تنوعت فيها أعمال القتال من الجانب الإسرائيلي، بين قصف مركز لمواقع الدفاع الجوي وتدميرها، إلى الإغارة على أهداف في العمق، باستخدام المقاتلات القاذفة، من نوع فانتوم، أو مهاجمة أهداف في الجبهة والعمق، عن طريق قوات الإبرار المحمولة جواً، بواسطة طائرات الهليكوبتر.

وفي المقابل، استمرت قوات الدفاع الجوي، بما لديها من إمكانيات، غير مكتملة، في التصدي للعدو الجوي، على امتداد أرض مصر.

وقد شجع العدو، على الهجوم على الأهداف الحيوية بالعمق، وصول الدفعة الأولى من طائرات الفانتوم المزودة بأجهزة ملاحية وإلكترونية عالية الكفاءة، تمكنها من الاقتراب على ارتفاعات منخفضة جداً، كذلك تم تزويد هذه الطائرات، بأجهزة إنذار وحماية، ضد وسائل الدفاع الجوي، بالإضافة إلى قدراتها العالية في الحمولة، من القنابل والصواريخ. ويمكن تقسيم حرب الاستنزاف، من وجهة نظر الدفاع الجوي، إلى أربع مراحل رئيسية:

أ. المرحلة الأولى باشتراك القوات الجوية الإسرائيلية في القتال:20 يوليه 1969 ـ أغسطس 1969

(1) في هذه المرحلة بدأ السلاح الجوي الإسرائيلي قصف القوات البرية، وعناصر الدفاع الجوي، على طول خط المواجهة، وبعمق 20 كم، بهدف إعاقة البناء العسكري.

(2) التركيز على قصف مواقع الرادار؛ لفتح ثغرات في الحقل الراداري، يمكن الاختراق من خلالها.

(3) التركيز على إضعاف الروح المعنوية للقوات الجوية المصرية، خاصة الطيارين، وذلك بتدبير معارك جوية، واستدراج الطيارين المصريين إليها، وإحداث خسائر تؤثر على الروح المعنوية[2].

(4) إعاقة التجهيز الهندسي في مسرح العمليات؛ لمنع إقامة مواقع الدفاع الجوي المحصنة.

ب. المرحلة الثانية ومحاولة إقامة خط دفاع جوي متكامل بالجبهة: سبتمبر 1969 ـ 6 يناير 1970

ظل الدفاع الجوي يبذل جهوداً خارقة؛ لمواجهة التفوق الجوي الإسرائيلي، الذي ظهر جلياً، منذ اشتراكه في معارك الاستنزاف في 20 يوليه 1969، وأدت هجماته الجوية إلى اختفاء كتائب الصواريخ من الجبهة، اعتباراً من نوفمبر 1969، بسبب عنف القصف الجوي، تحت ستر أعمال الإعاقة الرادارية الكثيفة.

وقد حاولت قيادة الدفاع الجوي إدخال بعض كتائب الصواريخ إلى الجبهة، خلال شهر ديسمبر، إلا أن العدو قام بمهاجمة هذه الكتائب، بضراوة وعنف، بتوجيه نحو 180 طلعة طائرة، على مدى ثماني ساعات، مستخدماً كل أنواع أسلحة الهجوم الجوي، وتحت ستر غلالة كثيفة من التداخل والشوشرة، وكانت خسائر العدو، خلال هذه المرحلة، إسقاط طائرة وإصابة أخرى.

وتم إخلاء منطقة الجبهة، نهائياً، من الصواريخ، والاعتماد على عناصر المدفعية المضادة للطائرات والصواريخ الفردية، التي تطلق من على الكتف، إلى حين تقويم أعمال القتال، ووضع خطط بديلة.  

ويمكن إجمال أعمال المرحلتين السابقتين، في قيام السلاح الجوي الإسرائيلي، اعتباراً من 20 يوليه 1969، بتنفيذ 3500 طلعة طائرة؛ لضرب وسائل الدفاع الجوي المصري، والقوات البرية، واستخدم العدو أحدث طائراته، وأكفأ طياريه، في المعارك الجوية مع الطائرات المصرية، أما القوات الجوية المصرية، فقد قامت بحوالي 2900 طلعة حماية جوية، واشتركت في 22 معركة جوية، بـ 110 طائرات، ضد 130 طائرة إسرائيلية، وكانت الخسائر المصرية 26 طائرة، مقابل 14 طائرة، خسرها السلاح الجوي الإسرائيلي.

ج. المرحلة الثالثة وتكثيف غارات العمق: 7 يناير 1970 ـ 17 إبريل 1970

(1) أهم ملامح هذه الفترة

استمر التحدي، على رغم الخسائر الجسيمة، التي لحقت بالقوات المصرية، وبدأت إسرائيل حملة كبيرة للاستنزاف المضاد، وذلك بتكثيف الغارات الجوية، على العمق المصري، وتم التركيز على مهاجمة أهداف، حول القاهرة، والدلتا، وصعيد مصر، واستهدفت هذه الهجمات عناصر الدفاع الجوي، والمستودعات، والمعسكرات.

وأسفرت هذه الغارات عن خسائر محدودة، إلا في غارتي "أبو زعبل" و"مدرسة بحر البقر"، حيث استشهد 70 عاملاً، في مصنع أبو زعبل، ونحو 30 طفلاً، في مدرسة بحر البقر، ولم ينجح القصف المعادي لمواقع أجهزة الرادار، في شل جهاز الإنذار.

وأصبح جلياً، أمام القيادة السياسية المصرية، أن القوات المسلحة المصرية لم تكن تملك القدرة، خلال هذه المرحلة، على مواجهة الغارات الجوية الإسرائيلية، فالسلاح الجوي المصري ما يزال في مرحلة إعادة البناء، والطائرات المتوافرة لديه، من نوع ميج 17، وميج 21، لم تكن بكفاءة طائرات الفانتوم، التي حصلت عليها إسرائيل.

ولم يتوافر لمصر، قاذفات ثقيلة بعيدة المدى، تستطيع تهديد عمق إسرائيل وردعها، أما شبكة الدفاع الجوي، فتتكون من عدد قليل، من كتائب الصواريخ ذات إمكانيات محدودة، في التعامل مع الأهداف، التي تطير على ارتفاعات منخفضة ومنخفضة جداً، عاجزة عن مواجهة الطائرات الإسرائيلية، المزودة بأحدث أجهزة الملاحة، والإعاقة الإلكترونية.

(2) المطالب الرئيسية لقوات الدفاع الجوي، كما حددتها في ذلك الوقت القيادة السياسية

طلب الرئيس جمال عبد الناصر وحدات كاملة من الصواريخ سام -3، بأطقمها، وأسراباً كاملة من الطائرات ميج 21، المعدلة بطياريها، وأجهزة رادار متطورة للإنذار والتتبع، وتم عرض هذه المطالب على مجلس السوفيت الأعلى، واللجنة المركزية، التي وافقت على مطالب مصر، وهي:

(أ) إمداد مصر بفرقة كاملة، من صواريخ سام -3، بأفرادها، ومعداتها، وأجهزتها، وحملتها، وأسلحتها المعاونة، على أن تصل إلى المواني المصرية، خلال شهر، وأن تعمل تحت القيادة المصرية، لأغراض الدفاع الجوي، عن العمق المصري.

(ب) إمداد مصر بقوة ثلاثة لواءات جوية كاملة، مشكلة من 95 طائرة ميج 21، معدلة بالمحرك الحديث R511، بالقادة، والطيارين، والموجهين، والفنيين السوفيت، وتصل خلال شهر، وتحت القيادة المصرية، للدفاع الجوي عن العمق المصري.

(ب) توريد 50 محرك ميج 21 معدل من نوع R511؛ لتركيبها على الطائرات المصرية.

(ج) توريد أربعة أجهزة رادار ب-15، لرفع كفاءة الإنذار الجوي، في شبكة الدفاع الجوي، في كشف الأهداف المنخفضة.

(د) تدريب أطقم مصرية، على الصواريخ سام-3، وكذا إعداد مجموعات من الطيارين المصريين، حتى يمكن أن يحلوا محل الأطقم السوفيتية.

(هـ) توريد مجموعة إعاقة وشوشرة واستطلاع راداري ولاسلكي.

كانت أحداث تلك الفترة بالغة الأهمية والخطورة، فعلى صعيد أعمال العدو، وصلت هجماته إلى ذروتها، بمهاجمة أهداف مدنية، في العمق، بجانب الأهداف العسكرية، أملاً في إضعاف نظام الحكم. ظلت طائراته تعربد في سماء مصر، بدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية، وأوجز موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي نوايا إسرائيل، عندما صرح بقوله "إن معركتنا سوف نكسبها فوق سماء القاهرة"، تعبيراً عن أمله في أن يصل بالجبهة الداخلية إلى مرحلة اليأس، وأن يكسب المعركة.

واستطرد قائلاً: "علينا ألا نسمح لمصر أن تقيم نظام دفاع جوي، بصواريخ سام، غرب القناة، وإننا قبلنا التحدي".

وعلى الجانب المصري، لم يكن هناك من سبيل، أمام القيادة السياسية والعسكرية، إلا التصدي والقتال، بما هو متاح من الإمكانيات، والإصرار على استكمال بناء القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي، بما يتلاءم مع إمكانيات العدو الجوي.

ولم تبخل الدول العربية "السعودية، ودول الخليج، وليبيا، والجزائر، والعراق" على دول المواجهة "مصر، وسورية، والأردن، ولبنان" بالمال، والسلاح، والرجال، وقد أصرت على أن يستمر الاتحاد السوفيتي، هو المصدر الرئيسي للسلاح، بالإضافة إلى دول الكتلة الشرقية "نفس العقيدة القتالية والتسليح".

ونجحت مساعي القيادة السياسية، في إدخال الاتحاد السوفيتي، بدرجة أكبر، في الصراع، بدخول معداته الدفاعية لحماية العمق المصري، مما مثل نوعاً من الردع لإسرائيل وأمريكا، وفي نفس الوقت دعماً كبيراً، لقدرات مصر الدفاعية والمعلوماتية.

د. المرحلة الرابعة وبناء حائط الصواريخ غرب القناة: 18 أبريل 1970 ـ أغسطس 1970

نجحت قوات الدفاع الجوي، في تنفيذ إستراتيجية التدرج، في فرض سيطرتها على المجال الجوي، واستمر تصعيد أعمال القتال، مع زيادة الإمكانيات، وبدأت في فرض سيطرتها، بدءاً من العمق المصري.

وبوصول قوات الدعم الروسية، واتخاذها أوضاع الدفاع عن الأهداف الحيوية في العمق، أوقف السلاح الجوي الإسرائيلي غاراته، على العمق، واقتصر نشاطه على مهاجمة الجيوش الميدانية، ووحدات البحر الأحمر، وقام بتنفيذ المهام الآتية:

(1) تدمير المواقع العسكرية المصرية، تدميراً منظماً، خاصة مواقع مدفعية الميدان.

(2) الإصرار على منع دخول، أو إقامة أي مواقع للدفاع الجوي، في منطقة القناة، وذلك بتدمير أي إنشاءات هندسية تقام لهذا الغرض، كذلك استطلاع ومراقبة محاور التحرك، على امتداد الجبهة لتدمير أي معدات أو قوات، قبل وصولها إلى مواقعها، وكان يوما 14، 15 أبريل 1970، بداية مرحلة من القصف العنيف، لمواقع الصواريخ الرئيسية، والاحتياطية، والهيكلية، ووصل معدل القصف في هذين اليومين، إلى نحو ألف طن يومياً، من قذائف الفانتوم، وبلغ إجمالي المجهود الجوي الإسرائيلي، نحو 4 آلاف طلعة طائرة، خلال أشهر أبريل ومايو ويونيه 1970، وكانت معظم الهجمات تتم من ارتفاعات متوسطة، خارج مرمى أسلحة المدفعية المضادة للطائرات، التي أوكل إليها، مهمة الدفاع الجوي عن الجبهة، خلال هذه الفترة.

(3) وبعد توفير الدفاع الجوي عن الأهداف الحيوية بالعمق، اتجهت الجهود لبناء شبكة الدفاع الجوي في منطقة القناة؛ لحماية التجميع الرئيسي للجيوش الميدانية، استعداداً لتصعيد العمليات العسكرية ضد إسرائيل.

ثالثاً: التخطيط لبناء حائط الصواريخ

كانت المهمة صعبة، والمسؤولية عظيمة، وتمت دراسات جادة وتفصيلية، شملت كل المجالات وأهم الموضوعات، التي كانت تشغل القادة، هي:

1. الحجم الأمثل من وحدات الدفاع الجوي، اللازمة للدفاع عن الجبهة، وإجراء المواءمة، بين ما هو مطلوب، وما هو متاح.

2. كيفية دفع هذه الوحدات، بحجمها الكبير، لاحتلال مواقعها، وهل يتم هذا دفعة واحدة أم على وثبات.

3. كيفية تحقيق الصمود لهذه الوحدات، ضد هجمات العدو الجوية المنتظرة، في أثناء التحرك والاحتلال، كذلك أسلوب الدفاع المباشر عن كتائب الصواريخ.

4. أسلوب التأمين الفني، والهندسي، والكيماوي، والإشاري.

5. أسلوب القيادة والسيطرة.

6. أسلوب الخداع، والإخفاء، والتمويه؛ لتحقيق المفاجأة.

7. خطط مشاغلة الطيران الإسرائيلي، وبلبلة قياداته بالنسبة لنوايانا، وتشتيت مجهوده الجوي، بتغيير اتجاه العمليات هنا وهناك.

رابعاً: كمائن صواريخ سام تواجه الفانتوم

لم يكن بد من عمل فدائي محكم التخطيط والتنفيذ، وأسفرت الدراسات، التي تمت بحضور قادة كتائب الصواريخ، على الاستفادة من خبرة القتال في حرب فيتنام، وكيف كانت كتائب الصواريخ تواجه الطائرات الأمريكية بتنفيذ أسلوب الكمائن، وهذا الأسلوب يعتمد على تطبيق العقيدة القتالية لحرب العصابات في فيتنام، والتي تقوم على نظرية "اضرب واهرب"، ولكن هل يساعد مسرح عمليات قناة السويس، الخالي من الغابات، ولا يحتوي إلا على غطاء نباتي قليل، على تنفيذ هذه النظرية؟

1. تطور أعمال القتال بين الجانبين وحتمية استخدام أسلوب الكمائن

بدأت معركة شرسة ضارية، بين الطيران الإسرائيلي، وبين مجموعة من كتائب الصواريخ المدربة تدريباً خاصاً، على خفة الحركة والمناورة، وكانت العقبة الرئيسية أمام تنفيذ هذه الكمائن بنجاح، هي حجم وعدد مكونات كتيبة الصواريخ سام 2، فقد صممت هذه النوعية، للدفاع عن المدن والأهداف الحيوية الثابتة.

وتتكون من مجموعة ضخمة، من الأجهزة، والمقطورات، والهوائيات كبيرة الحجم ثقيلة الوزن، تتصل فيما بينها عن طريق مجموعة كبيرة من الكوابل، ويحتاج فك هذه المعدات وتجهيزها للتحرك ساعات وساعات، ويلي عملية التحرك، تركيب الهوائيات، ونشر المعدات، وفرد الكابلات وتوصيلها، وأخيرا إعادة ضبط وتوليف مئات الدوائر الإلكترونية، التي لا بد أنها اختلت، في أثناء التحرك عبر الطرق الوعرة.

والمشكلة لم تكن في تنفيذ هذه الإجراءات، بل في التوقيت، إذ كان، من المحتم، أن تتم العملية كلها، في ليلة واحدة، وتحت جنح الظلام.

بدأ الكمين الأول بكتيبتين، مدربتين على التعامل مع الأهداف، التي تطير على ارتفاعات منخفضة ومنخفضة جداً، تحت ستار من الإعاقة الإلكترونية الكثيفة، واستمر هذا الأسلوب خلال أشهر مايو ويونيه ويوليه 1970، وقد خسر الجانب الإسرائيلي، في هذه الجولة الخاصة من القتال، ست طائرات مقاتلة، وطائرة هليكوبتر.

وتجسد، في هذه المواجهات، أقصى درجات الصراع والتحدي، بين الدفاع الجوي المصري والسلاح الجوي الإسرائيلي، فالمواجهة كانت تتم بين محترفي قتال من الطراز الأول، فالعدو يدفع بأحدث ما في ترسانته من طائرات، يقودها صفوة الطيارين، وأكثرهم كفاءة وخبرة، مدعمين بأحدث ما في العصر من أجهزة ملاحية وأجهزة حرب إلكترونية، يخطط لطلعاتهم بدقة وإحكام، بالاستفادة بمعلومات استطلاع مكتملة من مصادر متنوعة على مستوى إسرائيل وأمريكا.

2. أسباب نجاح أعمال قتال كمائن الصواريخ

يعتبر القادة والضباط، الذين شاركوا في هذه الكمائن في ميدان القتال، هذه الفترة، من تاريخ الدفاع الجوي، الجولة الحاسمة، التي سجلت انتصاراً حاسماً لرجال الدفاع الجوي المصري، على السلاح الجوي الإسرائيلي، وسيكتب التاريخ، لاحقاً، عن هذه الجولة بحروف من النور والفخار، لأيام خالدة ومجيدة في تاريخ مصر والأمة العربية كلها. وقد حققت هذه الجولة من القتال، أهدافها المخططة، بل أكثر منها؛ للأسباب الآتية:

أ. التخطيط الجيد لانتقاء المواقع في أرض زراعية، تسهل عمليات الإخفاء والتمويه.

ب. التدريب الجيد على المهام الموكلة لهذه الوحدات وخاصة العمل ليلاً.

ج. السرية المطلقة، التي أحاطت بأعمال قتال هذه الوحدات.

د. إعطاء قادة الكتائب سلطات كاملة للتصرف، واتخاذ القرارات، بما فيها قرار الاستمرار في تنفيذ المهمة أو إلغائها.

هـ. وفوق كل ما سبق، الروح المعنوية العالية وعزيمة الرجال القوية.

وقد تسببت هذه الجولة، في بث روح الحذر والخوف في نفوس الطيارين الإسرائيليين، بالإضافة إلى خداع السلاح الجوي الإسرائيلي، عن مدى حجم وشكل تجميع الصواريخ، عند تنفيذ خطة احتلال مواقع القتال بجبهة القتال.  

خامساً إتمام بناء حائط الصواريخ (اُنظر شكل تنظيم قوات الدفاع الجوي)

كانت خطة بناء حائط الصواريخ غرب القناة، تقتضي، إما دفع تجميع الصواريخ سام 2 وسام 3 والمدافع 23 مم الرباعية، وأسلحة، ومعدات الدفاع الجوي المكملة للحائط دفعة واحدة إلى مواقعها غرب القناة، أو تتخذ أسلوب الزحف البطيء من منفذ شرق القاهرة، إلى منطقة غرب القناة .

فضلت القيادة العامة الأسلوب الثاني لأغراض الأمان، وتطبيقاً لمبدأ الحشد، وذلك بإنشاء موقع لنطاق صواريخ محصن شرق القاهرة، يحمي نطاقاً آخر تحت الإنشاء شرقاً، تتم حمايته بواسطة صواريخ النطاق الأول، ثم إنشاء نطاق ثالث، تحت مظلة وحماية النطاق الثاني، وهكذا إلى أن وصلت النطاقات إلى منطقة غرب القناة.

واكتمل حجم التجميع من نحو 30 كتيبة صواريخ سام 2 ، سام 3، ومعها المدافع المضادة للطائرات من جميع الأعيرة "23مم، 37مم، 57مم، 100مم"، وكانت هذه الشبكة تمثل أكبر تجمع دفاع جوي، وكانت على بعد 50 كم غرب القناة، من منطقة وصلة الملاك، على طريق السويس، إلى منطقة تبة أم قمر القريبة من طريق مصر ـ الإسماعيلية. كما أنشئت منطقة دفاع جوي منفصلة من الصواريخ والمدافع 23 مم، في مدينة بورسعيد، مدعمة بصواريخ سام 6، محمولة على ثلاث فرقاطات سوفيتية متمركزة في الميناء.

وتمت هذه التحركات بسرية وتكتم شديدين، وفي أقل زمن ممكن، ضاربة المقاييس الزمنية في التحرك والتمركز وضبط وتوليف الترددات، وكان هذا التخطيط المحكم والتنفيذ الدقيق، سواء من ناحية حجم المواقع، أو توقيتها، أو سرعة أداء الرجال، مفاجأة تكتيكية لطيران العدو، الذي لم يتمكن من اكتشافها ورصدها.

اكتمل البناء، مساء 29 يونيه 1970، وأصبح هناك حائط للصواريخ، يقف ثابتاً وشامخاً جاهزاً للتصدي لأي هجمات جوية، مهما كان حجمها، وذلك اعتباراً من أول ضوء يوم 30 يونيه 1970.

سادساً: الذراع الطويلة ترتطم بالحائط

أدى الالتزام الصارم بتنفيذ خطط الأمن والسرية، في أثناء دخول وحدات الدفاع الجوي، إلى مواقعها في صمت وتكتم، وذلك بإجراء التحركات، ليلاً، مع تقييد الإضاءة، وتنفيذ إجراءات الصمت اللاسلكي والراداري، إلى عدم اكتشاف العدو لدخول الوحدات إلى مواقعها.

1. المواجهة بين الذراع الطويلة وحائط الصواريخ

في صباح 30 يونيه 1970، قام العدو باستطلاع الجبهة، بطائرتي فانتوم، على ارتفاع عالٍ من خارج مناطق تدمير الصواريخ، ويبدو أن معلومات هذا الاستطلاع، أكدت وجود كتائب الصواريخ بمواقعها.

وجاء أول رد فعل للعدو قبل آخر ضوء من اليوم نفسه، حيث قام بمهاجمة مواقع كتائب الصواريخ، بقوة تقدر بحوالي 24 طائرة، مركزاً هجومه على أطراف التشكيل شمالاً وجنوباً، وكانت المفاجأة التامة، حيث وجد الطيارون الإسرائيليون أنفسهم يطيرون، وسط غلالة من الصواريخ وقذائف المدفعية، وتم في هذا الهجوم، إسقاط طائرتين فانتوم، وطائرتين سكاي هوك، وأسر ثلاثة طيارين.

وكانت هذه هي المرة الأولى، التي يسقط فيها هذا العدد من الطائرات، دفعة واحدة، ويقع في الأسر هذا العدد من الطيارين. وظل هذا اليوم خالداً في تاريخ الدفاع الجوي المصري، يحتفل به كل عام، وتكبد السلاح الجوي الإسرائيلي خسائر فادحة، لم تكن في الحسبان، ودفع خلال الأيام التالية بمزيد من الطائرات في محاولة يائسة لاختراق هذا الحائط وتدميره.

وبالرغم من أن السلاح الجوي الإسرائيلي ألقى في هذه المعركة، بكل ما لديه من إمكانيات قتالية وفنية، سواء دفعه بأكثر الطيارين كفاءة، أو باتباع أحدث التكتيكات المضادة للصواريخ، واستخدامه لأحدث أسلحة الهجوم الجوي الحديثة، مع تكثيف أعمال الإعاقة الإلكترونية، على جميع الأجهزة الرادارية واللاسلكية، بالرغم من هذا، تكبد المزيد من الخسائر، ووقع المزيد من طياريه في الأسر.وعن الخسائر، التي تكبدها سلاح الجو الإسرائيلي، بواسطة حائط الصواريخ، نشرت مجلة Aviation Week & Space Technology، في عددها الصادر، في 16 نوفمبر 1970، أن الخسائر بلغت 51 طائرة، منها 17 طائرة، تم تدميرها، و34 طائرة، أصيبت.

2. رد الفعل الأمريكي، بعد انهيار الذراع الطويلة لإسرائيل، أمام حائط الصواريخ

تحت تأثير هذه الضربات، سارعت الولايات المتحدة الأمريكية، بطلب من إسرائيل، إلى التقدم بمشروع لوقف إطلاق النار، تمهيداً للبدء في مفاوضات، تستهدف الحل السلمي للقضية، وكان الهدف الرئيسي غير معلن، وهو هدنة مؤقتة إلى حين دعم إسرائيل، وإعادة تقويم قدراتها، وتمكينها من استعادة تفوقها الجوي مرة أخرى.

وكانت قوات الدفاع الجوي قد بذلت جهداً خارقاً، في تنفيذ الوثبة الأخيرة لحائط الصواريخ، وذلك بتحريك نسق كامل، من كتائب الصواريخ، ليحتل مكانه المخطط على حافة الضفة الغربية للقناة وبعمق يراوح بين 2: 3 كم، محققاً سيطرة جوية محكمة لقوات الدفاع الجوي، على منطقة الجبهة وعلى الضفة الشرقية للقناة، وانتهت التحركات، قبل حلول الساعة 100 يوم 8 أغسطس، وهو التوقيت المحدد لوقف إطلاق النار.

وأثارت إسرائيل ضجة كبيرة بتحريك حائط الصواريخ إلى قرب الشاطئ الغربي للقناة، وهددت بتدميره، إذا لم يتم إعادته إلى ما كان عليه بعيداً عن الضفة الغربية للقناة.

وانتهى البناء لأكبر تجميع لأسلحة وأجهزة وصواريخ الدفاع الجوي، مركزاً في منطقة قناة السويس، من القنطرة غرب حتى ميناء الأدبية جنوب السويس، وبعمق نحو 30 كم غرب القناة، يضم أكثر من 45 كتيبة صواريخ مضادة للطائرات، بالإضافة إلى كتائب المدفعية المضادة للطائرات وكتائب مدافع 23 مم، من نوع الشيلكا الرباعية ذاتية الحركة، الموجهة رادارياً، وكتائب صواريخ سام -7، وكتائب رادار وكتائب مراقبة جوية بالنظر.

كما أنشئت مجموعات دفاع منفصلة، لمنطقة بورسعيد، ضمت أربع كتائب صواريخ، وعناصر مدفعية وصواريخ سام 7، وارتبطت بشبكة الدفاع الجوي في نظام الإنذار والتوجيه، وأضيف إلى هذا التجميع الكثيف، أسراب الميج 21 الاعتراضية، مخصصة للدفاع الجوي، وتم التنسيق وتنظيم التعاون بين القوتين على مستوى القيادة العامة، ونظمت القيادة من مراكز عمليات مشتركة.  

سابعاً: الدروس المستفادة من حرب الاستنزاف

تعتبر حرب الاستنزاف أول صراع مسلح، يدور في مسرح الشرق الأوسط، بين قوات شبه متكافئة من حيث التسليح والمعدات، وذلك خلافاً لما حدث في الجولات العربية الإسرائيلية الثلاث السابقة. ولقد عمقت حرب الاستنزاف صمود الشعب المصري وقواته المسلحة، ومنها قوات الدفاع الجوي، حيث خرجت هذه القوات بالكثير من الخبرات القتالية، التي شكلت عقيدتها القتالية، وأتمت صقل خبراتها العملية في ميدان القتال على النحو التالي:

1. شهدت هذه الحرب صراعاً مريراً، بين الطائرة والصاروخ، وضع حداً للتفوق الجوي، الذي انفردت به إسرائيل في الجولات السابقة.

2. كان هذه الحرب ضرورة ملحة لمصر وللعرب، حيث كانت المصدر الرئيسي للخبرة المكتسبة للقيادات، وهيئة الأركان، والأجهزة، من أجل تحرير الأرض المغتصبة بالقوة.

3. مكنت حرب الاستنزاف القيادة المصرية، من إنشاء ودفع حائط الصواريخ حتى الشاطئ الغربي لقناة السويس، وهذا ما شكل حجر الزاوية في نجاح عملية العبور، يوم 6 أكتوبر 1973، والذي لولاه ما استطاع المخطط للعمليات الحربية أن يقود الجولة الخامسة بنجاح.

4. حطمت جدار الخوف، الذي التصق بالعسكرية المصرية، منذ عام 1948، بل نجحت حرب الاستنزاف، في نقل جدار الخوف إلى إسرائيل "وصول الجندي المصري إلى خندق الجندي الإسرائيلي وقتله أو أسره" مما دعم صمود المقاتل المصري في الميدان، من دون غطاء جوي وتحت ستر الدفاع الجوي فقط.

5. أجبرت حرب الاستنزاف، بما أحدثته من خسائر بسلاح الجو الإسرائيلي، على تغيير أسلوب قتالها من الهجوم إلى الدفاع، وكما قال الجنرال الإسرائيلي وايزمان، منتقداً موقف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية: إن هذه الحرب سوف تدخل التاريخ، بوصفها الحرب، التي خسرتها إسرائيل.

6. اضطر السلاح الجوي الإسرائيلي، إلى دفع كل ما لديه من خطط وأساليب وتكتيكات، وكذا استخدام معظم ما يمتلك من أسلحة هجوم جوي حديثة، ومعدات حرب إلكترونية لمواجهة قوات الدفاع الجوي المصري، وهذا سهل لهذه القوات، الوقوف على الإمكانيات القتالية الجوية لإسرائيل، والعمل على إيجاد السبل، وتطوير الوسائل المضادة لمجابهتها والتغلب عليها.

7. أتاحت هذه الحرب، بما استخدم فيها من قنابل ومقذوفات، ذات قوة تدميرية عالية، لسلاح المهندسين المصري، أن يكتسب خبرة كبيرة في أعمال التجهيز الهندسي، وأن يعيد تصميماته، بما يتلاءم مع قدرات الجانب الإسرائيلي التدميرية.

8. تمت إعادة تخطيط الحقل الراداري، على ضوء دراسة وتحليل أسلوب، وإمكانيات العدو الجوي، واتجاهات اقترابه، بما يمكن من ملء الثغرات على الارتفاعات المنخفضة، وتعميق مدى الإنذار المبكر.

9. تم تحسين أداء وحدات المراقبة الجوية بالنظر، وذلك بتكثيف تمركزها في اتجاهات أكثر احتمالاً لاقتراب الطائرات الإسرائيلية، مع تزويدها بأجهزة لاسلكية حديثة، بالإضافة إلى تلسكوبات المراقبة.

10. تطوير كتائب الصواريخ لتحصينها، ضد أعمال العدو الإلكترونية، وذلك بالاهتمام بأنظمة مجابهة الإعاقة وتطويرها، بالإضافة إلى تزويد هذه الكتائب، بأنظمة تتبع تليفزيونية وبصرية، تكون بديلاً في حالة عجز الرادار عن اكتشاف الهدف.

11. تحسين وتطوير أسلوب الاشتباك، مع الأهداف الجوية، الحاملة لأسلحة الهجوم الجوي الحديثة، خاصة الصواريخ راكبة الشعاع، من نوع شرايك، والصاروخ المافريك، الموجه تليفزيونياً.

12. تدقيق خطط تنظيم التعاون مع المقاتلات، وكذا خطط الحماية المتبادلة، بين كتائب الصواريخ في حالة هجوم العدو بكثافة، على ارتفاعات منخفضة.

13. الاهتمام بخطط الدفاع الأرضي، ضد أي هجمات أرضية محتملة، من جانب العدو.

14. الاهتمام بتوفير الهوائيات الاحتياطية، وكذا قطع الغيار، بهدف سرعة استعادة موقف المعدات في الميدان، في حالة تعرضها للقذف.

15. الاهتمام بتحسين أداء الوحدات، على خفة الحركة، وسرعة المناورة.

وبنجاح قوات الدفاع الجوي، في إنشاء حائط الصواريخ القوي، وتقدمه شرقاً، في اتجاه القناة، قبل لحظات من وقف إطلاق النار، في 8 أغسطس 1970، حدث تحول إستراتيجي في ميزان القوى لصالح القوات المسلحة المصرية، حيث توافر للتجميع الرئيسي للقوات غرب القناة، ولأول مرة غطاء جوي منيع، افتقدته على مدى الحروب السابقة، وأصبحت في وضع، يسمح لها بالتخطيط لعمليات هجومية كبيرة لتحرير الأرض.



[1] المنطقة الميتة المحيطة بكتيبة الصواريخ: هي تلك المنطقة الدائرية المحيطة بكتيبة الصواريخ، ويُحدد نصف قطرها المسافة، التي لا يتم فيها توجيه الصاروخ بعد إطلاقه، وتسقط بنهايتها المرحلة الأولى من محرك دفع الصاروخ.

[2] أسلوب المعارك الجوية المسبقة التدبير يتم باختراق عدد كبير من الطائرات الإسرائيلية في منطقة بعيدة نسبياً عن أقرب قاعدة أو مطار مصري، ويطير عدد قليل من هذه الطائرات، على ارتفاع عالي،والباقي على ارتفاع منخفض غير مكتشف رادارياً، وعند تصدي المقاتلات المصرية للأهداف المعادية العالية تفاجأ بأعداد كبيرة من الطائرات تخل بتوازن المعركة الجوية، وتؤدي إلى خسائر كبيرة، وكان العدو يستخدم أكفأ طياريه، ولكن تم استيعاب هذا الأسلوب وأمكن تفاديه.