إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / تطور الدفاع الجوي المصري





أسلوب الإنجليز في الإعاقة الرادارية
تنظيم قوات الدفاع الجوي
حائط الصواريخ
حائط الصواريخ لحماية العبور




الاستعداد القتالي وطائرة الكرملين

المبحث السادس

الدفاع الجوي المصري يخوض حرب أكتوبر 1973

تمكنت القوات المسلحة المصرية، من الحصول على استعواض الأسلحة والمعدات، التي فُقدت في معركة يونيه 1967، ومعارك الاستنزاف، والإمداد بأسلحة جديدة ومتطورة وحديثة، تمت تجربتها ميدانياً، لصالح مصر والاتحاد السوفيتي، بناءً على خبرة ميدان فيتنام، وميدان الشرق الأوسط. وبذا انتقلت مصر، عبر حرب الاستنزاف، إلى استخدام الجيل الجديد من التسليح المتطور، الذي وافق الاتحاد السوفيتي على إمداد مصر به، في أثناء زيارة الرئيس جمال عبدالناصر عام 1970، مثل سام -6، وسام -7، والمدافع 23مم الرباعية الموجهة رادارياً، والطائرة الميج 25.

وقد أطلق بعض المحللين على حرب أكتوبر 1973 اسم "الحرب المرآة"، أي أنها صورة لما حدث في حرب 1967، ولكن بمباغتة مصرية عربية، وعلى رغم أن الدروس المستفادة من الجولات العربية ـ الإسرائيلية السابقة مكررة تقريباً، وتصور الحقيقة إلى حد بعيد، فإن الحال قد اختلف بالنسبة إلى نتائج حرب 1967، وذلك بسبب قسوة الهزيمة وتعنت الجانب الإسرائيلي وصلفه.

وبالنسبة إلى الدفاع الجوي المصري، فقد بُذلت الجهود المتواصلة، وكان الإصرار على بناء منظومة متكاملة للدفاع الجوي، تستطيع أن تواجه، وبندية، القوة الجوية الإسرائيلية.

أولاً: التخطيط لعمليات الدفاع الجوي في حرب أكتوبر 1973

تشكل، في قيادة الدفاع الجوي، جهاز خاص للعملية الهجومية، وبدأ هذا الجهاز يعمل، بالتنسيق مع باقي أجهزة التخطيط، في القيادة العامة للقوات المسلحة، وكان على هذا الجهاز أن يجري التقديرات والدراسات، التي تكفل للخطة النجاح المنشود، وصولاً إلى الهدف المحدد، وهو حرمان العدو من تفوقه الجوي، وتحييد قواته الجوية في مسرح القتال.

وكان هناك عدد من الحقائق، لا بد من وضعها في الاعتبار، أساساً لضمان واقعية التخطيط، وهذه الحقائق هي:

1. أن قوات الدفاع الجوي ستتحمل العبء الأكبر، في مواجهة القوات الجوية الإسرائيلية المتفوقة، بكامل قدراتها، وذلك لأن القوات الجوية المصرية، لم تكن قادرة على مواجهة القوات الجوية الإسرائيلية، لقصر مدى طائراتها على توجيه ضربة إلى قواعد تمركز السلاح الجوي الإسرائيلي، وإنزال خسائر ملموسة بطائراته، على الأرض، لتمنع جزءاً كبيراً منها من الاشتراك في المعركة.

وقد ساهم، في تخفيف هذا العبء، بدء العمليات في وقت واحد، على الجبهتين المصرية والسورية، وكذا وضع مركز الإعاقة الأرضية، في أم خشيب بسيناء، على رأس قائمة أهداف الضربة الجوية الأولى، مما ساعد على تخفيف وطأة الإعاقة الإلكترونية، على وحدات الدفاع الجوي، في أيام القتال الأولى.

2. مواجهة التحدي الكبير، المتمثل في اتساع مسرح العمليات، وذلك بوضع خطة متوازنة تحقق حماية الأهداف الحيوية بالعمق، بكثافة مناسبة، مع المناورة بالقوات والوسائل لتحقيق التركيز المطلوب في جبهة القناة. كما تم تنظيم التعاون مع القوات الجوية، لحماية المناطق والأهداف، التي لا يتوافر لها عناصر دفاع جوية قوية.

3. أن حسم نتائج المعركة الرئيسية، مع القوات الجوية الإسرائيلية، في منطقة القناة، في الساعات والأيام الأولى، يعتبر أمراً مصيرياً للقوات المسلحة، وفي هذا المجال، راعت الخطة أن يتم تدعيم الجيوش الميدانية، بأكبر قدر ممكن من وسائل الدفاع الجوي، خفيفة الحركة، على أن يتم استعواض خسائرها باستمرار على حساب العمق.

4. أن قوات الدفاع الجوي يجب أن تكون جاهزة لصد ضربة الإحباط المعادية، أو الهجمات الجوية المركزة من الأوضاع الدفاعية، ثم تتحول بسرعة إلى الأوضاع اللازمة لتحقيق مهمتها الرئيسية في وقاية القوات البرية في أثناء العملية الهجومية.

5. أن العدو سيحاول، بكل الطرق، تدمير عناصر الدفاع الجوي بالجبهة، أو إسكاتها باستخدام كل الوسائل الإلكترونية والتكتيكية والنيرانية وأسلحة الخمد، في معركة حياة أو موت، يجب أن تخرج منها قوات الدفاع الجوي قوية، قادرة على الاستمرار في القتال، وتنفيذ المهام المكلفة بها.

6. أن حجم عناصر الدفاع الجوي المتحركة ذات الفاعلية غير كاف لتغطية القوات في المرحلة النهائية للعملية، وقد راعت خطة القوات المسلحة ذلك، عندما حددت شرط تنفيذ هذه المهمة، بتوافر الظروف المناسبة، ومعنى ذلك انخفاض قدرات السلاح الجوي الإسرائيلي إلى الدرجة، التي تكفي فيها هذه العناصر. كما أن قوات الدفاع الجوي خططت لتدعيم الحماية المضادة للطائرات، في هذه المرحلة، باستخدام صواريخ الدفاع الجوي الثقيلة بأسلوب الانتقالات المتتالية.

ثانياً: إجراءات الدفاع الجوي المصري في حرب أكتوبر 1973

ولمواجهة التحديات السابقة، فإن خطة الدفاع الجوي للعملية، شملت الإجراءات الرئيسية التالية:

1. مواجهة الهجمات الجوية المعادية المتوقعة، خلال الفترة التحضيرية، بتجمعات قوية ومتماسكة ومتكاملة، من مختلف أنواع عناصر الدفاع الجوي، طبقاً للخطة الدفاعية.

2. عدم إجراء أي مناورة بقوات ووسائل الدفاع الجوي، إلا في آخر وقت ممكن، قبل بدء العملية.

3. تطبيق مبدأ الحشد في اتجاه المجهود الرئيسي، باستخدام 100% من عناصر الدفاع الجوي المتحركة، في النسق الأول للدفاع الجوي بالجبهة، و40% من الصواريخ المضادة للطائرات، و70% من وحدات المدفعية المضادة للطائرات والصواريخ الفردية سام 7.

4. المحافظة على سرية ترددات الأسلحة الجديدة، ومنع إشعاعها، إلا مع بدء المعركة.

5. التركيز الشديد على حماية المعابر، بحيث تتوافر حماية لكل معبر، بقدرة صد (' قدرة الصد: هي قدرة وسائل الدفاع الجوي على منع طائرات القتال المعادية، من الوصول إلى منطقة عملها، وتنفيذ مهامها، وقدرة صد واحدة تعني منع طائرة واحدة من تنفيذ مهمتها.') لا تقل عن 12 هدفاً، في وقت واحد، طوال العملية.

6. انتقال وحدات الصواريخ، في المرحلة الأولى، إلى مواقع متقدمة غرب القناة، تحقق وقاية القوات شرق القناة، حتى عمق 15كم، على الارتفاعات المنخفضة.

7. انتقال 60 % من وحدات الصواريخ بالجبهة، إلى مواقع شرق القناة خلف الأنساق الثانية للجيوش الميدانية، عند دفعها لتنفيذ المرحلة النهائية.

8. الاحتفاظ باحتياطي قوي من عناصر الصواريخ المضادة للطائرات، حوالي 15%، يمكن له تدعيم الدفاع بالصواريخ في الجبهة، في خلال ست ساعات، بالإضافة إلى احتياطي بعيد، يشترك في القتال في خلال 24-48 ساعة.

9. إنشاء حقل راداري مستتر، في الاتجاهات، التي يحتمل فيها تقلص الحقل الأصلي.

10. توفير جميع عناصر الصمود، لنظام الدفاع الجوي بالجبهة، مع السيطرة الكاملة على الإشعاع، لمنع العدو من استخدام أسلحة الخمد المتيسرة لديه.

11. تحقيق تنظيم تعاون وثيق، مع القوات الجوية، بتوفير الدفاع عن المطارات المتقدمة، عند احتلالها، والسيطرة على أعمال قتال المقاتلات، من مراكز مشتركة، وذلك بالإضافة إلى مجموعة كبيرة أخرى من الإجراءات، لا يتسع المجال لسردها.

ثالثاً: الأزيز والهدير بعد الصمت

في تمام الساعة الثانية وخمس دقائق، من بعد ظهر السادس من أكتوبر 1973، عبرت طائرات مصر وسورية خطوط المواجهة، على جبهة قناة السويس، وجبهة الجولان، فعلى الجبهة المصرية انطلقت مائتان وخمسون طائرة مصرية، إلى عمق سيناء؛ لتنفيذ الضربة الجوية المركزة، وكانت تطير على ارتفاع منخفض جداً، يعزف أزيزها الجبار لحن القوة والعزة والفخار لمصر وللأمة العربية، وتبث في المقاتلين على الخطوط الأمامية روحاً وثابة من الأمل والثقة بالنفس.

فها هي طائراتهم تتقدم صفوفهم، بكل الجرأة والجسارة، لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، متجهة إلى أهدافها، وكان عليها أن تحطم ثلاثة مطارات، وقاعدة جوية، وعشرة مواقع صواريخ هوك، وثلاثة مواقع قيادة وسيطرة وإعاقة إلكترونية، بالإضافة إلى محطات الرادار، ومواقع المدفعية، ومناطق الشؤون الإدارية، وحصون العدو شرقي بور فؤاد.

ومتزامناً مع الضربة الجوية، هدرت نيران أكثر من ألفي مدفع، على طول الجبهة، تصب حممها على خط بارليف، وأهداف العدو في سيناء، وكان القصف شديداً بحيث سقط على المواقع الإسرائيلية، في الدقيقة الأولى، نحو 10 آلاف و500 دانة مدفعية، بمعدل 175 دانة في الثانية الواحدة.

واستمر الطوفان، وفي حوالي الساعة السابعة وخمسين دقيقة، كان هناك نحو 80 ألف مقاتل مصري، على الضفة الشرقية للقناة، على مواجهة 170 كم.

رابعاً: حائط الصواريخ وتوفير الحماية لقوات العبور (اُنظر شكل حائط الصواريخ لحماية العبور) و(شكل حائط الصواريخ)

مرت الثواني والدقائق مفعمة بالجلال والروعة، ورفرفت أعلام مصر فوق سيناء الحبيبة، وتهاوت حصون خط بارليف، واحداً بعد الآخر، وهدير المقاتلين المصريين: الله أكبر، الله أكبر، يعلو فوق كل الأصوات.

وبقدر ما كان المشهد صاخباً والمعركة محتدمة، على الضفة الشرقية للقناة، كان هناك صمت وسكون مثير، يخيمان على مواقع الدفاع الجوي، كان الجميع، على كل المستويات، وفي المواقع، في حالة تحفز غريب، فقد اتسعت حدقات العيون، وتركزت الأبصار على شاشات الرادار، وأحكم القادة وعمال اللاسلكي وضع السماعات، وأرهفت الآذان. وكان الانتظار والترقب والقلق خشية أن يتمكن الطيران الإسرائيلي من معاقلهم، في بداية اللقاء، ويحرز المبادأة.

وفي الثانية وأربعين دقيقة، انتقل صخب المعركة وضجيجها، إلى مواقع الدفاع الجوي، وتمزق الصمت. وارتطمت طائرات العدو بحائط الصواريخ، وانطلقت الصواريخ المضادة للطائرات تزأر، وهي تشق طريقها المحسوب في السماء، وخرجت الطلقات متتابعة من مواسير المدافع، وكأنها سياط متصلة الحلقات من الحديد والنار، وتهاوت الطائرات ذات النجمة السداسية الزرقاء، واحدة بعد الأخرى.

وهكذا تحقق الهدف المنشود، منذ الدقائق الأولى للمعركة، وتحطمت أسطورة التفوق الجوي الإسرائيلي.

وأثبت الدفاع الجوي أنه السلاح الأول في معركة العبور العظيم، وأن البطل الأول في هذه الملحمة التاريخية، هو المقاتل المصري، الذي طوع الصاروخ، والمدفع، والأجهزة الدقيقة لإرادته، وكانت حصيلة جهود الأبطال، هي تحييد سلاح الجو الإسرائيلي، خلال معركة العبور.

وتتابعت أيام القتال بأحداثها ومعاركها المختلفة، عبر مراحل نستعرضها كما يلي:

1. المرحلة الأولى: الفترة من 6-13 أكتوبر 1973

وهي تمثل الأيام الأولى للعملية الهجومية، التي تم فيها اقتحام قناة السويس، وإنشاء رؤوس الكباري على الضفة الشرقية للقناة وتعزيزها.

أ. أعمال قتال اليوم الأول (6 أكتوبر 1973)

(1) قام السلاح الجوي الإسرائيلي، الساعة التاسعة صباح يوم السادس من أكتوبر، بطلعة استطلاع جوي بالتصوير بقوة طائرتي فانتوم، وبعمق 20-30 كم شرق القناة، وبارتفاع 15 كم، وذلك بالإضافة إلى طلعتي استطلاع إلكتروني، قبالة الساحل الشمالي من بورسعيد، إلى مرسى مطروح، وبعمق 100 كم إلى الشمال. ويعتقد أن هذا الاستطلاع الساحلي تم بطائرات أمريكية، أقلعت من حاملة طائرات بغرب البحر الأبيض المتوسط.

(2) قام العدو، بأول رد فعل لعبور قواتنا، بضربة جوية، ابتداء من الساعة الثانية وأربعين دقيقة ظهراً، بمهاجمة القوات القائمة بالعبور، واقتربت الطائرات، على ارتفاعات منخفضة بقوة 190 طائرة.

(3) استخدم العدو، الإعاقة الإلكترونية، ولكنها لم تكن مؤثرة، نتيجة لقيام طائراتنا بتدمير مركز الإعاقة الأرضية في سيناء "أم مرجم ـ أم خشيب"، واعتمد العدو على مصادر الإعاقة من المستودعات المحمولة بطائرة الهجمة، التي لم يكن لها نفس التأثير.

(4) ركز العدو هجماته الجوية على المعابر، والقوات القائمة بالعبور مما، عرض طائراته لوسائل الدفاع الجوي، التي تمكنت من تنفيذ مهامها، في توفير حماية جوية كاملة للقوات البرية، وتمكنت من تدمير 15 طائرة إسرائيلية، وإصابة 16 طائرة أخرى.

(5) وهكذا استمرت المعارك، خلال الساعات التالية، العدو يدفع بطائراته هنا وهناك، على طول الجبهة، يبحث عن القوات، التي نجحت في اقتحام القناة، ويحاول ضربها وإعاقتها عن التقدم على الضفة الشرقية للقناة، ويسعى جاهداً لتدمير جسورها ومعابرها، ولكنه يفشل في جميع محاولاته، وتنكسر الهجمات، وتتساقط طائراته.

(6) بعد توقف الهجمات الجوية المعادية، في حوالي الساعة الخامسة مساء 6 أكتوبر، تم تحليل لنتائج أعمال القتال، الذي أوضح، بما لا يدع مجالاً للشك، أن إحراز المفاجأة واتساع القتال على مواجهة واسعة، سبب ارتباكاً شديداً للسلاح الجوي الإسرائيلي، فالطلعات الجوية مرتجلة وغير مخططة جيداً، ومجهود العدو الجوي مبعثر، ولا يتصف بالحسم والتركيز، كما أن مستوى الطيارين أقل كثيراً، مما كان عليه أثناء حرب الاستنزاف.

ولا شك أن العدو اضطر تحت وطأة المفاجأ إلى استغلال ما لديه من الطيارين، في القواعد والمطارات، ولم يسعفه الوقت، بعد، بتجميع طياريه الأكفاء ذوي الخبرة. وخلال اليوم الأول للقتال، وحتى الساعة السادسة صباح يوم 7 أكتوبر، بلغت خسائر العدو حوالي 30 طائرة، وخسر الدفاع الجوي المصري عدداً من الضباط والجنود، سقطوا شهداء في ساحة القتال، ولم يحدث أي خسائر في المعدات.

(7) نتيجة للضربات الموجعة، التي أحدثها الدفاع الجوي المصري، أصدر قائد الطيران الإسرائيلي أوامره، بعدم الاقتراب من القناة إلى مسافة لا تقل عن 15 كم، وهذا يعني هزيمة كاملة ومحققة للقوات الجوية الإسرائيلية.

(8) استمرت الجهود، خلال الساعات المتبقية، لاستكمال خطة الدفاع الجوي، عن الكباري والمعابر على القناة، ومتابعة انتقال العناصر المقرر احتلالها، بمواقعها على الضفة الشرقية؛ لإحكام حماية الكباري والمعابر، ومن جميع الاتجاهات، كذلك تنفيذ انتقالات قواعد الصواريخ لتطوير الوقاية شرق القناة، ومتابعة تنفيذ خطط الخداع والتمويه، واستعادة موقف الذخائر والصواريخ، استعداداً لصد الهجمة الجوية المنتظرة، صباح اليوم التالي للقتال.

(9) خلاصة تحليل نتائج قتال اليوم الأول، كما سجلها قائد الدفاع الجوي "إن الانتصارات، التي حققها الدفاع الجوي المصري، في الساعات الأولى من المعركة، لا تستمد قوتها من أعداد الطائرات الإسرائيلية، التي تم إسقاطها، فهذه الأعداد، بالرغم من ضخامتها، لا تؤثر بشكل حاسم على قوة الطيران الإسرائيلي، وإنما تستمد هذه الانتصارات قيمتها البالغة، من المغزى الذي يكمن وراءها، لما لها من تأثير معنوي خطير، على كلا الجانبين المتحاربين.

فهي، بالنسبة إلى القوات المسلحة المصرية، دليل أكيد على أن ما حدث في يونيه 1967، لم يتكرر، فلم تبق سماء مصر مجالاً حراً للطيران الإسرائيلي، يعربد فيه كما يريد، وبذلك تسنح الفرصة للجنود المشاة المصريين والدبابات المصرية، ربما لأول مرة، من مواجهة الجنود والدبابات الإسرائيلية، وهي محرومة من مساندة قواتها الجوية.  

أما بالنسبة إلينا، نحن رجال الدفاع الجوي، فتعني هذه الانتصارات مزيداً من الثقة بالنفس، كنا في حاجة إليها في الساعات الأولى للمعركة. أما بالنسبة إلى الجانب الإسرائيلي، فهي تعني اهتزاز ثقة المقاتل على الأرض، والطيار في الجو، وكل الشعب في داخل إسرائيل نفسها".

ب. أبرز أعمال قتال قوات الدفاع الجوي حتى 9 أكتوبر 1973

(1) في الصباح الباكر يوم 7 أكتوبر 1973، حاول العدو تنفيذ ضربة جوية، ضد القواعد والمطارات المصرية؛ ليكرر ما فعله في حرب يونيه 1967، وقام بالاقتراب على ارتفاعات منخفضة جداً، لمهاجمة عدد من القواعد الجوية الرئيسية في الدلتا والوجه القبلي والبحر الأحمر.

(2) لم تتمكن أجهزة رادار الإنذار من اكتشاف أهداف الهجمة بسبب انخفاضها، واقترابها من اتجاهات مستورة بالجبال والهيئات الطبيعية.

(3) نجحت شبكة المراقبة الجوية بالنظر، في إنذار عناصر الصواريخ والمدفعية والقوات الجوية في الوقت المناسب.

(4) تصدت عناصر الدفاع الجوي المتكاملة، من المقاتلات، والصواريخ بأنواعها، والمدفعية بأعيرتها المختلفة، ولم تتمكن الطائرات الإسرائيلية من تحقيق هدفها، واستمر توفير الحماية لتجميع القوات في الجبهة والعمق.

(5) وكانت نصيحة أمريكا أن تحاول إسرائيل، بكل جهد، تحطيم رؤوس الكباري المصرية، خلال الساعات الأولى، من نهار السابع من أكتوبر، وأن تقوم بتوجيه ضربة قوية ضد حائط الصواريخ، مع تجنب القتال المباشر. وهذا ما حاولت إسرائيل تنفيذه يوم 7 أكتوبر، بعد أن استمعت إلى النصيحة الأمريكية، التي هي، في حقيقة الأمر، خطة أمريكية.

(6) شهد هذا اليوم معارك جوية عنيفة، اشتركت فيها أعداد كبيرة من الطائرات المصرية والإسرائيلية، واستمرت وقتاً طويلاً، لا يتوقعه الكثيرون في المعارك الجوية. ولم يقتصر عمل القوات الجوية على حماية القوات البرية ومعاونة قوات الدفاع الجوي، بل استمرت كذلك في توجيه هجماتها الجوية ضد مواقع العدو في سيناء.

(7) وفي نهاية هذا اليوم، كانت القوات الجوية والدفاع الجوي، قد أسقطت للعدو 57 طائرة، خلال يومي 6، 7 أكتوبر، منها 27 طائرة في اليوم الأول، كما خسرت القوات الجوية 21 طائرة مقاتلة، منها 15 طائرة في اليوم الأول.

(8) استحدث العدو أسلوباً جديداً، في مهاجمة كتائب الصواريخ، وذلك بقصفها بالمدفعية ذاتية الحركة من شرق القناة، مع مهاجمتها بالطائرات في الوقت نفسه.

(9) ركز السلاح الجوي الإسرائيلي، يوم 8 أكتوبر، هجومه على بورسعيد، ودارت معارك شرسة، مع قوات الدفاع الجوي، ووصل عدد الطائرات المهاجمة إلى أكثر من 50 طائرة، وكان سبب هذا التركيز يرجع إلى اعتقاد الإسرائيليين، بأنه يتمركز، في بورسعيد، نوع من الصواريخ الإستراتيجية أرض/ أرض، يمكنها إصابة مدن إسرائيل الرئيسية، باعتبارها أقرب النقاط المصرية إلى مدن إسرائيل.

(10) واستمر الصراع، في سماء بورسعيد، بين القصف الجوي العنيف، وإصرار عناصر الدفاع الجوي بالمدينة، على التصدي للطائرات الإسرائيلية، وتكبيدها خسائر كبيرة.

(11) بدا، واضحاً، منذ الساعات الأولى من صباح 7 أكتوبر1973، أن القيادة الإسرائيلية تضع كل آمالها في قواتها الجوية، لاستعادة الموقف المتدهور لقواتها على الجبهة المصرية، وإيقاف الانهيار، الذي دهم حصون خط بارليف، في ساعات قليلة، وبعد فشل محاولات توجيه ضربات جوية إلى القواعد الجوية والمطارات في العمق، ركز السلاح الجوي الإسرائيلي، على قصف المعابر على القناة، ووسائل الدفاع الجوي عنها، ومهاجمة مواقع الرادار، لإحداث ثغرات في الحقل الراداري.

(12) وشهدت منطقة قناة السويس أعنف وأشرس الهجمات الجوية، في تاريخها الحافل، بالحلقات المتصلة من الصراع، بين القوات الجوية الإسرائيلية، وقوات الدفاع الجوي المصرية.

(13) وقد كانت قوات الدفاع الجوي تعلم أن أمامها، تحديات كبيرة، يتوقف على أدائها فيها، مصير المعركة كلها؛ لذلك حظيت خطط الدفاع الجوي عن الكباري والمعابر، بأكبر قدر من العناية والاهتمام، وحشدت لها كل الإمكانيات، التي تضمن لها النجاح المنشود.

(14) وعلى الرغم من أن التخطيط العسكري، ليس مضمون التنفيذ في الميدان، فإن النتائج الميدانية، لخطط الدفاع الجوي عن القوات، فاقت كل التوقعات، وساهمت بالقدر الأكبر في زيادة خسائر القوات الجوية الإسرائيلية، وقد كان هذا هدفاً أعم، كان على قوات الدفاع الجوي كلها، تحقيقه لهزيمة التفوق الجوي الإسرائيلي المزعوم، وتحطيم الأسطورة.

(15) تم تنفيذ الانتقالات المخططة، لكتائب الصواريخ، لتمثل مواقعها، على مسافة من 1-3 كم غرب القناة لتحقيق الوقاية لقوات نسق أول الجيوش الميدانية، في مواقعها المتقدمة شرق القناة.

(16) استمرت قوات الدفاع الجوي، في توفير الوقاية الكاملة، للقوات شرق القناة وغربها، وكذا للقواعد، والمطارات، والأهداف الحيوية، في عمق الدولة، وذلك بالتعاون مع مقاتلات القوات الجوية. ومع نهاية يوم 9 أكتوبر 1973، كانت القوات المسلحة قد أتمت تنفيذ مهمتها المباشرة، تمهيداً، واستعداداً للمهام التالية.

2. المرحلة الثانية: الوقفة التعبوية (10-13 أكتوبر)

بعد أن أتمت الأنساق الأولى للجيوش الميدانية، تحقيق المهام المباشرة، المخصصة لها شرق القناة، توقفت القوات، لمدة 4 أيام "10 - 13 أكتوبر"، حيث تحولت لتعزيز الخط المستولى عليه، وتأمين رؤوس كباري الجيوش، وتعزيز المعابر على قناة السويس.

واستمر السلاح الجوي الإسرائيلي، في أعمال القصف المتتالي للقوات والمعابر، بأعداد كبيرة من الطائرات، وبصفة شبه مستمرة، محاولاً إيقاع أكبر خسائر بها؛ لتثبيتها، توطئة للقضاء عليها، كما قام بعدة محاولات؛ لمهاجمة بعض القواعد الجوية والمطارات؛ بهدف إحداث خسائر بالقوات الجوية المصرية.

إجمالي الطلعات الجوية، خلال الوقفة التعبوية، نحو 1050 طلعة طائرة، أمكن إسقاط 41 طائرة منها، بوسائل الدفاع الجوي والمقاتلات. وقد أثارت هذه الوقفة التعبوية كثيراً من الجدل والنقاش، وحدث بها الكثير من الأمور، التي يعتقد أنها قد أثرت على مجريات الأمور، في اتجاهات شتى، أبرزها الآتي:

أ. لم تكن هذه الوقفة فترة سكون، بالنسبة إلى القوات المسلحة المصرية، ولكنها كانت فترة نشاط كبير، يهدف إلى صد هجمات العدو المضادة المتوقعة، من أفضل الأوضاع الممكنة، وقد تكبد العدو خسائر كبيرة، بلغت نحو 500 دبابة، فضلاً عن خسائر الأفراد، وتم استكمال الاستيلاء على كل حصون العدو وقلاع خط بارليف.

ب. استمرت قوات الدفاع الجوي في صمودها، ونجحت في توفير الحماية المستمرة للقوات المصرية، وقد شكلت بحق المظلة النيرانية والدرع الواقية من الهجمات الجوية الإسرائيلية، ضد قواتنا وأهدافنا، والتي بلغت، حتى نهاية يوم 13 أكتوبر 1973، نحو 2700 طلعة/ طائرة ضد الجبهة المصرية فقط، ركز منها 70% ضد القوات البرية، و7% ضد القواعد الجوية والمطارات، ونحو 20% ضد تجميع الدفاع الجوي المستقل في بورسعيد.

ج. بدأت الإمدادات الأمريكية تتدفق على إسرائيل، من طائرات إلى دبابات، وأجهزة إلكترونية، وذخائر بأنواعها.

د. دفع الوضع المتردي للقوات الإسرائيلية، على جبهة القناة، قيادتها العسكرية إلى التفكير في تنفيذ فكرة العبور إلى الضفة الغربية للقناة، وبدأ العمل في تجهيز ثلاث مجموعات قتال لتحقيق هذه الخطة.

هـ. صدرت الأوامر بتطوير الهجوم شرقاً؛ لتخفيف الضغط على الجبهة السورية، وتم عبور قوات النسق الثاني، من غرب القناة إلى الضفة الشرقية.

و. في 13 أكتوبر، تم رصد طلعة استطلاع، بطائرتين، يعتقد أنهما من النوع SR-71 الأمريكية تطيران، على ارتفاع أكبر من 20 كم، بسرعة أكبر من ثلاثة أضعاف سرعة الصوت "3 ماخ" وقامتا بالاستكشاف، من بورسعيد شمالاً، حتى جنوب الصعيد، وليس ثمة شك أن ما حصلتا عليه من معلومات، قد أرسل إلى هيئة الأركان الإسرائيلية في حينه، ومكنت هذه المعلومات، إسرائيل من تحديد مواقع الدفاع الجوي، وأوضاع القوات، واكتشاف تحضيرات القوات المصرية، لتطوير الهجوم، وكذلك الفواصل بين التشكيلات.

3. المرحلة الثالثة: تطوير الهجوم والثغرة ومحنة حائط الصواريخ

بدأت هذه المرحلة، يوم 14 أكتوبر 1973، بهجوم القوات المصرية، وواجهت القوات المصرية مقاومة شديدة من القوات الإسرائيلية، وسارت العمليات على النحو التالي:

أ. عدم نجاح القوات المصرية، في التقدم إلى المضايق، وتعرضها لهجوم إسرائيلي مضاد قوي، في قطاع الجيش الثاني.

ب. نجحت القوات الإسرائيلية، في دفع مفرزة مدرعة، في اتجاه الجانب الأيمن للجيش الثاني، نجحت في عبور القناة، يوم 16 أكتوبر، وكانت بداية الثغرة.

ج. بدأت الدبابات الإسرائيلية، أول أعمالها القتالية غرب القناة، بمهاجمة كتائب الصواريخ، وكانت تهاجم كتيبة الصواريخ، بمجموعات من 7 - 10 دبابات تطلق نيرانها، من مسافة كم واحد، وفي بعض الروايات بدبابة واحدة، تدمر الهوائيات وتنتقل بسرعة إلى موقع آخر.

د. وهكذا نجح الإسرائيليون، ربما بقذيفة دبابة واحدة، من أن تسكت كتيبة صواريخ، وذلك بتدمير مجموعة الهوائيات، وهو ما عجز عن تحقيقه سلاح الجو الإسرائيلي، بما لديه من إمكانيات منذ بدء القتال.

هـ. بدأت قوات الدفاع الجوي المصري، سلسلة من إجراءات الإخلاء للكتائب المصابة وإعادة تمركز للكتائب الصالحة، لإبعادها عن مرمى أسلحة العدو البرية، وكان، على قوات الدفاع الجوي، أن تعدل من أوضاع القوات، وتستعيد موقف وحداتها، وألا تسمح للعدو، مهما كانت الظروف، أن ينجح، في إحداث ثغرة في شبكة الدفاع الجوي بالجبهة، وهذا ما عبر عنه قائد الدفاع الجوي بقوله "لن نسمح للعدو أن يشق حائط الصواريخ، أو يحدث شرخاً فيه، ولكننا سنقبل أن يتقوس هذا الحائط قليلاً، ليحتوي الجيب الإسرائيلي داخله".

خامساً: أعمال قتال القوات الجوية الإسرائيلية في حرب 1973

1. دخل السلاح الجوي الإسرائيلي حرب 1973، وهو يمتلك من الإمكانيات، ما يؤهله ليكون من أكفأ القوى الجوية في العالم، بعد القوى العظمى.

2. ركز السلاح الجوي الإسرائيلي، في الأيام الأولى للقتال، على توجيه ضرباته إلى المعابر والقوات القائمة للعبور، مما أعطى فرصة ذهبية لقوات الدفاع الجوي لإحداث خسائر جسيمة بطائراته.

3. حاول شن ضربة جوية مركزة، على القواعد الجوية والمطارات في العمق، ولكنه فشل في تحقيق هدفه، وقامت قوات الدفاع الجوي، بالتعاون مع المقاتلات، في صد هذه الهجمات.

4. ركز السلاح الجوي الإسرائيلي الهجوم على قطاع بور سعيد، وتصدت له وسائل الدفاع الجوي، وأسقطت له العديد من الطائرات.

5. فشل السلاح الجوي الإسرائيلي في تحقيق المفاجأة، في هجماته عند اقترابه على ارتفاعات منخفضة ومنخفضة جداً، بسبب يقظة شبكات المراقبة الجوية بالنظر، ونجاحها في توفير الإنذار لوسائل الدفاع الجوي، وسد ثغرات الحقل الراداري، على الارتفاعات المنخفضة، والمنخفضة جداً.

6. لم تكن أعمال الجانب الإسرائيلي الإلكترونية، مؤثرة على أعمال قتال الدفاع الجوي المصري، بسبب الأساليب والأجهزة المتطورة، التي استخدمت لمجابهة أعمال الإعاقة بأنواعها.

7. لم تحقق الأسلحة المضادة للرادار، مثل الصواريخ شرايك والمافريك أهدافها، بسبب الإجراءات والاحتياطات المضادة، التي اتخذتها قوات الدفاع الجوي المصري للتقليل من تأثيرها.

8. خاض السلاح الجوي الإسرائيلي معارك جوية رهيبة، مع المقاتلات المصرية، وبأعداد كبيرة من الطائرات، وكانت هناك ندية قوية من الجانب المصري، بسبب التدريب الجيد، وتطور عمليات التوجيه لمقاتلاتنا، وكذا تنفيذ خطة تنظيم التعاون مع وسائل الدفاع الجوي، في المنطقة الواحدة، بدقة بالغة.

9. لم تنجح طائرات الجانب الإسرائيلي، في النيل من حائط الصواريخ، إلا بعد تدخل الدبابات، التي دخلت في الثغرة، وأحدثت خسائر في حائط الصواريخ.

10. أخفق السلاح الجوي الإسرائيلي، طوال أيام القتال، في تدمير طائرة مصرية واحدة، وهي جاثمة على الأرض.

سادساً: الأعمال الإلكترونية خلال حرب أكتوبر 1973

درجت تسمية حرب أكتوبر 1973، بأنها الحرب الإلكترونية الأولى في العالم، ولكن الكثير من الخبراء، وكذا واقع الأحداث، يرى أن حرب الاستنزاف كانت بحق هي الحرب الإلكترونية الأولى في العالم. والأعمال الإلكترونية على الجانبين في حرب 1973، ما هي إلا صورة، لما دار في حرب الاستنزاف.

قد استخدم الجانب الإسرائيلي، في هذه الحرب، أحدث ما أنتجته الترسانة الأمريكية، من معدات وفنون الإعاقة الإلكترونية، بكل صورها وأشكالها، وتشهد النتائج، التي أحرزتها قوات الدفاع الجوي المصري، في حرب أكتوبر 1973، بأن هذه الإعاقة لم يكن لها التأثير ولا الفاعلية المرجوة منها، وبذلك أمكن لقوات الدفاع الجوي المصري تحقيق المبدأ القائل "إن أي جهاز رادار يمكن إعاقته، وكذلك كل إعاقة يمكن مقاومتها".

يرجع الفضل، في نجاح قوات الدفاع الجوي المصرية في مقاومة أعمال الإعاقة الإلكترونية، إلى حرب الاستنزاف، حيث أخرج العدو في هذه الحرب، كل ما في جعبته، مما مكن قوات الدفاع الجوي المصري، من استيعاب هذه الوسائل الإلكترونية، وتناولها بالدراسة، والتحليل، واتخاذ الإجراءات المضادة لها، ومن أهمها:

 1. إدخال التعديلات الفنية على أجهزة الرادار.

2. اتخاذ أساليب مبتكرة للتمويه، والخداع الإلكتروني.

3. التدريب الطويل والمستمر، تحت ظروف أعمال الإعاقة الإلكترونية المحتملة.

4. أدى القصف المستمر لمراكز الإعاقة الأرضية الإسرائيلية، في أم مرجم، وأم خشيب في سيناء، إلى تقليل ملحوظ في شدة الإعاقة الرادارية، ضد قوات الدفاع الجوي.

سابعاً: الدروس المستفادة لحرب أكتوبر 1973 في مجال الدفاع الجوي

1. أثبتت نتائج المعارك، التي خاضها رجال الدفاع الجوي المصري ضد القوات الجوية الإسرائيلية، بطلان نظرية التفوق الإسرائيلي، التي تقوم على أن التفوق النوعي لإسرائيل، كفيل بهزيمة الكم المتخلف العربي. فلقد أثبت رجال الدفاع الجوي المصري، أن التفوق العلمي والتكنولوجي، والمقدرة على استيعاب الأسلحة الحديثة، وبصفة خاصة الأسلحة الإلكترونية، ليس حكراً على شعب من الشعوب.

2. الدفاع الجوي يمكنه تحييد القوات الجوية، كانت تلك الحقيقة الجديدة، التي أثبتها الدفاع الجوي المصري، في حرب أكتوبر 1973، فقد تمكن الدفاع الجوي المصري، في هذه الحرب، من حرمان السلاح الجوي الإسرائيلي، من التفوق الجوي.

    ويقول الجنرال أندريه بوفر، في ندوته، التي عقدها بأكاديمية ناصر العسكرية، في 15 نوفمبر 1973: "لقد أدى توفير الصواريخ المضادة للطائرات لتقديم الوقاية الفعالة للقوات البرية، حتى في غياب الحماية بواسطة الطائرات، إلى خلق موقف جديد تماماً، لم يسبق ممارسته في الحروب السابقة، وأعني به ذلك التوازن بين القوات الجوية لدى الطرفين، والذي خلق موقفاً، يختلف، تماماً، عما لمسناه في الحرب العالمية الثانية، أو في الجولات المصرية الإسرائيلية السابقة، عندما كان أحد الخصوم ينجح في إحراز التفوق أو السيطرة الجوية على سماء المسرح، خلال المرحلة الافتتاحية أو المرحلة الأولى للحرب".

3. وفرت قوات الدفاع الجوي المصري أفضل الظروف للقوات البرية لإجراء تحضيراتها للمعركة وتجهيزاتها في أمان، وذلك بتصديها المستمر لطائرات الاستطلاع المعادية، ومنعها من تنفيذ أعمال الاستطلاع الجوي.

4. أثبتت حرب أكتوبر أن الأسلوب الأمثل في القيادة، هو وحدة القيادة والسيطرة على القوات لضمان استخدام كل الإمكانيات المتوافرة، بناءً على فكرة شاملة لقيادة واحدة، يُجمَّع عندها الموقف بجميع أبعاده، ويتقرر بواسطتها اتجاهات ومهام التشكيلات والوحدات المرؤوسة، علاوة على ما يتيحه ذلك من توفير إمكانيات، اكبر، فيما يختص بالنواحي المختلفة؛ لتأمين أعمال قتال عناصر الدفاع الجوي.

5. غيرت حرب أكتوبر 1973 مفهوم التوازن، بين عناصر الدفاع الجوي، فقد كانت معظم أنظمة الدفاع الجوي، في العالم، تعتبر المقاتلات هي العنصر الرئيسي، في الدفاع الجوي، ويقتصر دور الصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات، على أنها عناصر مساعدة لتوفير الدفاع الجوي المباشر، عن بعض الأهداف الحيوية. وانعكس الحال بعد حرب 1973.

وعلى ضوء المفهوم الجديد، حاول بعض الباحثين العسكريين، إيجاد نسب محددة تحقق التوازن بين العناصر المختلفة، وخلص بعضهم إلى أنه ينبغي عند التخطيط للدفاع الجوي، عن هدف حيوي، أن يخصص للمقاتلات تدمير 40% من الطائرات المعادية، وتقوم الصواريخ الموجهة المضادة للطائرات، بتدمير 40%، ويخصص 20% للمدفعية المضادة للطائرات.

وعلى رغم توازن هذه النسب، فإنها يجب ألا تؤخذ على أنها قاعدة ثابتة، لأن النسب قد تختلف من اتجاه إلى آخر، حسب طبيعة الهدف الحيوي، وشكله، وحجمه، ومكانه، وطبيعة الهجمات المتوقعة ضده، كما تختلف النسب عند التخطيط للدفاع الجوي عن القوات البرية، طبقاً لاتجاه المجهود الرئيسي، وطبيعة مسرح العمليات، وقرب أو بعد المطارات، التي تعمل منها المقاتلات.

وفي جميع الأحوال، يجب أن يتم التقدير لكل حالة في إطار من التقويم الشامل، لإمكانيات جميع القوات الجوية المعادية، وتكتيكاتها، وأساليب قتالها.

6. برز، خلال هذه الحرب، أن التقدم التكنولوجي في الأسلحة، أدى إلى وجود نوعية من المعدات، تحتاج إلى كوادر فنية على درجة عالية من التخصص؛ للعمل عليها، وهذا الوضع أثبت، بما لا يدع مجالاً للشك، أن قوة الجيوش لا تقاس بما تمتلك من أسلحة ومعدات متطورة، وإنما تعتمد، في المقام الأول، على العنصر البشري، الذي يقوم على تشغيل هذه المعدات المعقدة، ومدى قدرته على استيعابها، والعمل على تشغيلها وصيانتها.

وقد برز هذا عند الإعداد لبناء القوة الرابعة، وفطنت القيادة، مبكراً، إلى ضرورة توافر الضباط والجنود ذوي الكفاءة العلمية المناسبة. وما تم بعد ذلك، من حشد مئات من المهندسين والفنيين في مجال الإلكترونيات، للعمل على تشغيل وصيانة وإصلاح المعدات الإلكترونية المعقدة، كان له أكبر الأثر، في الحفاظ على الحالة الفنية، طوال المعركة.

7. أثبتت حرب أكتوبر 1973 أنه، بتطوير أساليب الاستخدام الفني والتكتيكي للمعدات، يمكن زيادة قدراتها القتالية، بما يمكن من مجابهة أسلحة أكثر تطوراً، لدى الجانب الآخر، ويغني عن شراء أسلحة جديدة متطورة، إلا في الحالات الخاصة.

8. يمثل التكامل لمنظومة الدفاع الجوي أهمية قصوى لنجاحها، فقد أثبتت المواجهات أهمية كل العناصر، بما فيها المدفعية والصواريخ قصيرة المدى، في التصدي للطائرات المغيرة، وإجبارها إما على الفرار، أو الارتفاع حتى تدخل مرمى الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى.

9. أهمية إعطاء أولوية لتدمير محطات ومراكز الإعاقة الإلكترونية المعادية، قبل بدء القتال والاستمرار في إسكاتها، طوال أيام المعركة؛ لتخفيف الضغط الإلكتروني، على أجهزة ورادارات الدفاع الجوي، كذلك يجب إعطاء أولوية، للتصدي لطائرات الإعاقة، وتدميرها فور اكتشافها.

10. أهمية الاهتمام بشبكات المراقبة الجوية بالنظر، لما تمثله من أهمية حيوية في سد ثغرات الحقل الراداري، على الارتفاعات المنخفضة، أو في ظروف استخدام العدو لأعمال الإعاقة الإلكترونية.

11. ضرورة الاهتمام، بخطط الدفاع الأرضي عن وحدات الدفاع الجوي، خاصة المنعزلة منها، والعمل على توفير عناصر مضادة للدبابات فيها، وكذا احتياطات خفيفة الحركة(' احتياطي خفيف الحركة: قوة `فصيلة/ سرية` من أفراد مدربين تدريباً جيداً على قتال المتسللين أو أفراد العدو، الذين يعملون خلف الخطوط، ومزودين بأسلحة مضادة للدبابات، ووسيلة تحرك وأجهزة اتصال لاسلكية، وتتم السيطرة عليهم من مركز عمليات الوحدة/ الوحدة الفرعية.')؛ لنجدتها عند تعرضها لهجمات برية.

12. ثبت عدم ملاءمة أنظمة الصواريخ المقطورة، للعمل في الدفاع الجوي عن الأنساق الأولى للقوات البرية، بسبب افتقادها لخفة الحركة والمرونة.