إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / دور شارل ديجول Charle's de Gaulle في الحرب العالمية الثانية









دور

خامساً: دوره في الحرب عام 1942

كان اليابانيون قد أنزلوا قواتهم في منطقة الملايو الإنجليزية، وتابعوا الزحف نحو جزر الهند وإندونيسيا والفلبين وهونج كونج, ومع مطلع يناير 1942، تمكنت القوات اليابانية من فرض الحصار على عدد هائل من الجنود البريطانيين، في سنغافورة، وأجبرتهم على الاستسلام، (أُنظر شكل أقصى التوسع الياباني 1942)، واستمر الزحف الياباني، نحو جميع الجزر التابعة لحكومة ديجول، وأرسل ديجول الإمدادات إلى نائبه هناك، ومع هذه الإمدادات الغواصة "سيركوف"، وهي أكبر غواصة في العالم آنذاك، ولكنها غرقت عقب اصطدامها بسفينة شحن ضخمة، في ليلة 19 فبراير 1942، ومات قائدها وبحارتها المائة والثلاثون عند مدخل قناة بنما.

عقب ذلك، أخذت الولايات المتحدة الأمريكية تدعم علاقتها بحكومة ديجول، وتعاملها باحترام شديد، واعترفت الولايات المتحدة الأمريكية، في أول مارس 1942، في بيان رسمي، بأن: "جزر الباسيفيك الفرنسية تقع تحت الإشراف الفعلي المباشر للجنة الوطنية الفرنسية، وإن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل معها، وستواصل التعامل معها، على هذا الأساس"، وأتبعت ذلك في 4 أبريل 1942، ببيان رسمي مماثل في شأن أفريقيا الاستوائية، وعينت قنصلاً عاماً للولايات المتحدة الأمريكية، في برازفيل وسائر المناطق التابعة لحكومة ديجول.

وفي 7 مارس 1942، طلبت الحكومة الأمريكية، من ديجول، إذناً بالسماح لها بإنشاء قواعد لها في بعض جزر الباسيفيك الفرنسية، ووصلت القوات الأمريكية إليها بالفعل في 9 مارس 1942، بقيادة الجنرال باتشي، قائد القوات البرية الأمريكية في الباسيفيك، وذلك أثناء اشتعال المعارك بين القوات الأمريكية والقوات اليابانية. وحين طلبت الحكومة الأمريكية، من حكومة ديجول، السماح لطائراتها القاذفة بالنزول في ميناء "بون نوار"، طلبت حكومة ديجول، مقابل ذلك، تزويدها بثمان طائرات من نوع لوكهيد، استخدمتها في إنشاء جسر جوي بين دمشق وبرازفيل.

التعاون مع الاتحاد السوفيتي

انتهز ديجول فرصة الهجوم، الذي شنه هتلر على روسيا، (أُنظر خريطة الهجوم الألماني على الاتحاد السوفيتي)، والتحول الهائل من جانب الحكومة الروسية إلى ضرورة التعاون مع الحلفاء، وبعد أن كانت إذاعة موسكو تهاجم "الإمبرياليين الإنجليز" و "المرتزقة الديجوليين"، راحت تكيل المديح والثناء لتشرشل وديجول، وسارع ديجول إلى الحوار مع الروس، فأرسل وفداً فرنسياً، في 24 يونيه 1942، إلى مايسكي، سفير روسيا في لندن، يبلغه باسم ديجول: "أن الشعب الفرنسي مع الروس ضد ألمانيا، ومن ثم فإننا نتمنى تقوية العلاقات العسكرية مع موسكو".

ونتج، عن ذلك، مبادرة روسية إلى قطع علاقاتها مع حكومة فيشي، وأصدر مايسكي في 26 سبتمبر 1942 بياناً باسم حكومته: "إن روسيا تعترف بالجنرال ديجول رئيساً لجميع الفرنسيين الأحرار، وإنها على استعداد للاتصال بمجلس الدفاع عن الإمبراطورية الفرنسية؛ للتفاهم في جميع المسائل المتعلقة بالتعاون. وإنها مستعدة لتقديم المساعدة الكاملة للفرنسيين الأحرار؛ لإعادة استقلال فرنسا وعظمتها بشكل كامل ومطلق".

وسارع ديجول إلى إرسال الجنرال بيتي إلى موسكو بصفته ضابط اتصال مع القيادة العسكرية الروسية، ورحب به المسؤولون الروس ترحيباً كبيراً، وعقدوا معه اجتماعات مكثفة، وزار مواقع القتال، كما قابل جوزيف ستالين نفسه. وفي هذه الأثناء كانت القوات الألمانية قد توغلت، خلال أربعة أشهر، في الأراضي الروسية، وأصبحت على مشارف موسكو، ووقع مئات الآلاف من الروس أسرى، ولكن الجيش الروسي صمد صموداً شديداً، وجعل الألمان يتراجعون، وساعده في ذلك جليد الشتاء القارس. ورأى ديجول أنه لابد من مشاركة الروس في القتال، فأمر كاترو بإرسال إحدى الفرقتين الخفيفتين إلى إيران والقوقاز، وجميع الطائرات الفرنسية من فوج نورماندي، وأبلت هذه القوات بلاءً حسناً إلى جوار الروس.

في الأول من أبريل 1942، أذاع ديجول بياناً، يعلن فيه إطلاق اسم فرنسا المحاربة على حركة فرنسا الحرة، ويخبر الحلفاء بذلك.

كانت المعلومات الكاملة عن جميع التطورات داخل فرنسا تصل إلى ديجول، أولاً بأول، بكل دقة، اعتباراً من صيف عام 1941، وكانت شعبية ديجول تتزايد داخل فرنسا، وتشتعل حركة المقاومة والهجمات على الجنود الألمان، الذين أخذوا ينتقمون بكل وحشية وعنف، ويقتلون الأسرى بالمئات، ومع ذلك ازدادت المقاومة، وكان رجال ديجول يمدونهم بالسلاح سراً، وفي الخامس والعشرين من أكتوبر 1941، أقدم الألمان على ذبح خمسين أسيراً فرنسياً في بوردو، وخمسين آخرين في نانت، وأذاع ديجول بياناً، عبر الإذاعة البريطانية، قال فيه:

"يتصور العدو أن قتل مواطنينا سبيل إلى إرهاب الشعب الفرنسي كله، ولكنه واهم، ولينتظر، ولسوف يرى أن الشعب الفرنسي قادر على توجيه الضربة القاضية".

ثم طلب ديجول من جميع الفرنسيين، في كل مكان، الوقوف لمدة خمس دقائق، في الساعة الرابعة بعد ظهر يوم الجمعة 31 أكتوبر 1941، حداداً على الشهداء، وإظهاراً لروح التربص للانتقام من العدو في كل مكان.

وطلب ديجول من الفرنسيين الانضمام إلى منظمات المقاومة، التي شكلها خارج فرنسا، وهي:

1. منظمة الكفاح "كومبا فرنسي" برئاسة النقيب فرناي.

2. منظمة التحرير "ليبراسيون" برئاسة عمانوئيل داستيه.

3. منظمة الإرهاب الفرنسي Fran-Terro بقيادة جان بيير ليفي.

4. الاتحاد العام للعمال.

5. الاتحاد الفرنسي للعمال المسيحيين.

6. فئات الحزب الاشتراكي.

7. فئات الحزب الديموقراطي الشعبي.

8. فئات الحزب الجمهوري.

وكلها كانت تعمل على بث روح النضال؛ للقضاء على حكومة فيشي.

أما داخل فرنسا، فقد تأسست منظمات سرية تابعة لديجول هي:

1. المنظمة العسكرية والمدنية بقيادة العقيد توني.

2. منظمة رجال الحرية برئاسة ريبوش.

3. منظمة رجال المقاومة بقيادة ليكونت بونيه.

4. منظمة تحرير الشمال بإشراف كافييس.

5. صوت الشمال برئاسة هوكي.

هذا إلى جانب المنظمات الشيوعية، التي بدأت تحركها الفعلي، وحملت السلاح عقب غزو هتلر لروسيا، وألفت فيما بينها مجموعة تسمى الجبهة الوطنية، وهيئة أخرى تسمى هيئة المناضلين الفرنسيين. وقد طلبت هاتان المجموعتان المساعدة من ديجول، رغم معارضتهما له ومهاجمتهما إياه. وصار الهتاف الدائم المتعارف عليه بين كل أتباع ديجول: "تحيا فرنسا".

ولم يأت شهر مارس 1942، إلاّ وكانت جميع هذه المنظمات قد اتحدت فيما بينها. وفي 23 يونيه 1942، أذاع ديجول بياناً قال فيه: "إن الحرية والكرامة، والحياة الآمنة، التي عزمنا على توفيرها لفرنسا، عن طريق سحق العدو، إنما تعني أن نعمل على نحو، يستطيع معه كل رجل وكل امرأة في ديارنا أن يحققا تلك الأهداف، بتغيير النظام السيئ المرفوض، وإدانة ذلك العهد الأخلاقي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، الذي تهاوى في قاع الهزيمة بعد الاستسلام الآثم". وأُذيع البيان من راديو لندن، وبيروت، وبرازفيل.

وأعقب ديجول ذلك بزيارة للأسطول الفرنسي، الذي صار يشكل قوة هائلة، يعتمد عليها البريطانيون في الحرب، ويقدمون شكرهم لقائد فرنسا الحرة، ديجول، ويزودون هذا الأسطول باستمرار بالجديد من السفن الحربية الإنجليزية، والغواصات، والمدمرات، وزوارق الطوربيد، مما جعله أسطولاً ضخماً، انتشرت قطعه في غرنيوك، وداتموث، وكاوز، وبورتسموث، ووصل عدد بحارتها إلى 3600 فرد. كذلك راح ديجول يتفقد أسراب الطائرات الفرنسية، التي تشكلت من أواخر عام 1941.

في 4 فبراير 1942، أصدر ديجول أمره إلى ليكليرك، ببدء التحرك من تشاد، وشنَّ غارات سريعة خاطفة تهاجم وتنسحب. وبالفعل تمكن ليكليرك في مارس عام 1942، من دخول مدينة فزان الليبية، بعدة دوريات معززة بالطائرات المقاتلة، وحطم عدداً كبيراً من مواقع الألمان، وأوقع عدداً كبيراً منهم أسرى، وعاد إلى تشاد بكميات ضخمة من الغنائم.

بعد أن انتهى ديجول من الإشراف على التجهيز النهائي للفرقتين الفرنسيتين الخفيفتين، كتب إلى تشرشل في 7 أكتوبر 1942، برغبته في الاشتراك مع قوات الحلفاء في معارك ليبيا. وكتب كذلك إلى الجنرال أوكنيلك، وأظهر كل استعداد لوضع جميع القوات الفرنسية العاملة بقيادة لارمينا، تحت إمرة القيادة البريطانية، كما قابل المستر مارجيسون وزير الحربية البريطاني. وظل وقتاً طويلاً دون أن يتلقى جواباً من أي منهما، ثم في 27 نوفمبر 1942، تلقى خطاباً من رئيس الأركان البريطاني، يبلغه باعتذار بريطانيا عن رفضها اشتراك القوات الفرنسية الحرة في معركة ليبيا. ولم ييأس ديجول، بل قابل المندوب السوفيتي، وطلب منه إبلاغ حكومته برغبته في إشراك قوات فرنسا الحرة في معارك الجبهة الشرقية. ولدى علم تشرشل بذلك، سارع بإرسال رسالة إلى ديجول، في 7 ديسمبر 1942، يخبره بموافقة إنجلترا (على اشتراك الفرقة الأولى في القتال)، وأرسل ديجول إلى الجنرال كاترو في القاهرة، لإعداد الترتيبات اللازمة لنقل الفرقة الخفيفة الأولى إلى ليبيا.

وفي 29 ديسمبر 1942، كتب ديجول إلى كاترو يأمره بتجهيز الفرقة الثانية، وإرسالها في 15 مارس 1943، إلى القوقاز لمساعدة الروس في حربهم.