إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / دور شارل ديجول Charle's de Gaulle في الحرب العالمية الثانية









دور

سادساً: دوره في الحرب عام 1943

لدى علم القيادة البريطانية بذلك، حاولت وضع العراقيل، بل وأقنعت ديجول في آخر فبراير 1943، بعودة الفرقة الثانية، وكانت قد وصلت إلى سورية، فغيرت وجهتها ووصلت إلى ليبيا في أواخر مارس 1943. ومن ثم تمركزت الفرقة الأولى في منطقة بئر حكيم، وظلت الثانية تنتظر إشارة التحرك. إضافة إلى أفراد المظلات الفرنسيين، الذين أتموا تدريباتهم في الإسماعيلية، والكتيبة المدرعة بقيادة ريمي، ليصل عدد المقاتلين الفرنسيين إلى اثني عشر ألف مقاتل.

معركة بئر حكيم

في يوم 27 أبريل 1943، بدأت القوات الألمانية والإيطالية، بقيادة رومل، هجومها الضخم على منطقة بئر حكيم، فتصدت لها القوات الفرنسية وهزمتها، ودمرت أربعين دبابة إيطالية. ثم في يومي 28 و29 أبريل 1943، تمكنت القوات الفرنسية من تدمير خمس عشرة دبابة، واستولت على مائتين أخريين.

وفي 30 أبريل 1943، اضطر رومل إلى الانسحاب. وفي 2 يونيه 1943، اندفعت الفرقة الفرنسية، بقيادة بروش، إلى مركز روتوندا سينيالي، على بعد خمسين ميلاً غربي بئر حكيم، واستولت عليه. ونقلت إذاعات العالم أنباء الانتصار الفرنسي. وفي يوم 3 يونيه عاود رومل هجومه، وسحق لواءً بريطانياً، وعبر حقل الألغام من غزالة إلى بئر حكيم، واحتدم القتال مع الفرنسيين، وشدد رومل الخناق عليهم، وراحت بطاريات مدافعه الثقيلة تصب قذائفها على القوات الفرنسية، بينما أخذت الطائرات الألمانية الستوكا واليونكرز في أسراب، كل سرب منها مائة طائرة، تقصف مواقع الفرنسيين خمس مرات كل يوم.

وساء موقف الفرنسيين في بئر حكيم، وتأخر وصول الإمدادات إليهم، ووجه إليهم رومل في 3 يونيه 1943، إنذاراً بخط يده، يحثهم على الاستسلام وإلقاء السلاح، ولكن الفرنسيين رفضوا. وفي 7 يونيه 1943، اشتد حصار الألمان والإيطاليين لبئر حكيم، وشددوا وطأة هجومهم في يومي 8 و 9 يونيه 1943، والفرنسيون يقاومون ببسالة، وإذاعات العالم تشيد بذلك، وخرجت عناوين الصحف العالمية، في 10 يونيه 1943 كالتالي: "دفاع الفرنسيين البطولي"، "هزيمة الألمان في بئر حكيم".

وأرسل ديجول إلى قائد القوات الفرنسية في بئر حكيم، الجنرال كونيج، قائلاً: "أيها الجنرال كونيج، أعلم، وقل لرجالك إن عيون فرنسا كلها معلقة بكم، وإنها تعتبركم فخرها وأملها الوحيد".

وفي صباح 11 يونيه 1943، تمكن كونيج، مع فريق كبير من رجاله، (أربعة آلاف فرد)، من الإفلات من الحصار، والوصول إلى منطقة الجوبي، بعيداً عن متناول العدو، بعد أن ترك في الميدان نحو 1200 فرداً، من الضباط والجنود بين قتيل وجريح وأسير، ومن بين القتلى ثلاثة من كبار الضباط، منهم العقيد بروش.

وفي 12 يونيه 1943، أعلنت القيادة الألمانية أن قواتها تمكنت من اقتحام بئر حكيم، وأذاع راديو برلين البيان التالي:

"بما أن الأسرى الفرنسيين ليسوا من جيش نظامي، فإن حكم الإعدام سيطبق عليهم".

وبعد ساعة واحدة أعلن ديجول عبر إذاعة لندن، وبلغات دولية مختلفة، الإنذار التالي:

"إذا كانت القيادة الألمانية قد تنكرت لمبادئ الشرف، وتريد أن تنفذ حكم الإعدام في الأسرى الفرنسيين، الذين يدافعون عن وطنهم، فإن الجنرال ديجول يعلن آسفاً أنه سيرد بالمثل، وينفذ حكم الإعدام في الأسرى الألمان".

وتراجعت القيادة الألمانية، وأعلنت في مساء اليوم أنها ستعامل الجنود الديجوليين معاملة أسرى الحرب كغيرهم.

وفي ذلك اليوم 12 يونيه 1943، كان سرب طائرات الألزاس الفرنسي يشارك مقاتلات الحلفاء في هجومها من "سيدي براني"، وسرب اللورين يشارك المقاتلات البريطانية في الهجوم على طرق مواصلات الألمان. وتمكن رجال المظلات الفرنسيون، في ليلة 12 يونيه 1943، من تدمير اثنتي عشرة طائرة من طائرات الألمان والإيطاليين، في المطارات الليبية، وإحراق إحدى وعشرين قاذفة ألمانية، وتحطيم خمس عشرة شاحنة في جزيرة كريت، وحرق مستودع وقود في مطار كنديا.

وفي اليوم نفسه 12 يونيه 1943، أرسل الجنرال أوكنلك بياناً رسمياً يقول فيه:

"على عصبة الأمم أن تبدي تقديرها وإعجابها، وتقر بفضل القوات الفرنسية وقائدها العظيم".

ثم في 18 يونيه 1943، احتشد عشرات الألوف من الفرنسيين، مدنيين وعسكريين، في قاعة ألبرت بلندن وخارجها؛ للاحتفال بالذكرى الثانية لميلاد فرنسا الحرة، ودخل ديجول القاعة،وتصدر أعضاء اللجنة الوطنية وخلفهم لافتة كبيرة مثلثة، تمثل علم فرنسا، يتوسطها صليب اللورين، وعُزفت موسيقى المرسيلياز الشهيرة. ووقف ديجول يخطب في الحاضرين، ويعلن شكره وتقديره، وتقدير فرنسا، للجنود الأبطال والشهداء الأحرار، وقال: "إن بئر حكيم التي شهدت الدماء تسيل من جباه جنودنا، وأرسلت شعاع الأمل في استعادة مجد سليب، جعلت العالم يقف اليوم مقراً بمجد فرنسا.

مع بداية عام 1943، برز على المسرح الدولي، سياسياً وعسكرياً، عدد من المتغيرات كان لها أثرها على مسار الأحداث في العالم؛ فقد بدأ ميزان القوى يميل إلى صالح الولايات المتحدة الأمريكية، بصورة أكبر من ذي قبل؛ وذلك بسبب الثروات الهائلة والطاقة الإنتاجية العملاقة، عسكرياً واقتصادياً، وأصبح واضحاً أن قيادة الحلفاء ستكون في يد الولايات المتحدة الأمريكية. والأمر الآخر هو بروز الاتحاد السوفيتي بقيادة جوزيف ستالين، بعد معركة ستالنجراد الشهيرة، قوة عسكرية عالمية لا يُستهان بها. والأمر الثالث، انتهاء سلطة حكومة فيشي الفرنسية على مستعمراتها، خاصة في شمال أفريقيا؛ عقب إعلان هتلر احتلال فرنسا كلها في 11 نوفمبر 1942، بعد نزول القوات الأمريكية والبريطانية في المغرب العربي.

وكانت توجد في شمال أفريقيا قوات فرنسية هائلة مزودة بأسلحة حديثة، وتضم قيادات عسكرية لها خبرتها الطويلة. وكانت المشكلة من يقود هذه القوات من الفرنسيين، التي يصل عدد أفرادها إلى نحو 230 ألف جندي؟، وأخذ ديجول يخطط لضم هذه القوات إلى قواته، واستمالة الجنرال جيرو، القائد البارز لهذه القوات، والذي حظي بدعم أمريكي وبريطاني كبير، بل تعهد له الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بمساعدته في تجهيز جيشه، بحيث يكون تحت تصرفه، خلال ستة أشهر، اثنتا عشرة فرقة، في شمال أفريقيا، تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بالمؤن والأسلحة المطلوبة. وكان ديجول قد أرسل برقية إلى جيرو في الجزائر، يقترح عليه عقد لقاء بينهما في الجزائر، أو تشاد بهدف توحيد الجهود، (أُنظر ملحق برقية إلى الجنرال جيرو، في عاصمة الجزائر لندن في 25 ديسمبر 1942) ، وظل يتابع مراسلته، وفي النهاية، نجح الرئيس الأمريكي في تدبير لقاء يجمع بين ديجول وجيرو، في يناير 1943، في حضور الرئيس الأمريكي، ورئيس الوزراء البريطاني. والتقط المصورون الصور التذكارية، وديجول يصافح جيرو. وأخذت الصحف الأمريكية والإنجليزية، في الأسابيع التالية، تمتدح جيرو، وتنادي بأن تكون الوحدة الفرنسية تحت قيادته، ، وتغمز ديجول، بل تصرح بأقوال منها: إنه "طَموح فاشل"، و"ديكتاتور المستقبل"، و"بطانته ثلة من الفاشلين والإرهابيين"، وفي الوقت نفسه تصف جيرو بأنه ليس له مطمع سياسي، بل هو ديموقراطي معتدل، يجب على الشعب الفرنسي الثقة به.

اعتمد ديجول أسلوب المناورة ليحتوي هذه المتغيرات، وليتمكن من ترويض جيرو، وسحب البساط من تحت قدميه، وتفويت الفرصة على الأمريكيين والإنجليز في إحلال جيرو محل ديجول في قيادة القوات الفرنسية. وبدأ ديجول فنقل مركز قيادته إلى الجزائر، في يونيه 1943، واتفق مع الجنرال جيرو على إنشاء اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني، من سبعة أعضاء، تحت رئاسة كل من ديجول وجيرو، ثم تمكن ديجول من ضم سبعة آخرين إلى أعضاء هذه اللجنة، ومعظمهم من مؤيديه.

ووقع خلاف كبير حول أسلوب العمل العسكري، وانتهى بالاتفاق، بتوصية من تشرشل وروزفلت، في يوليه 1943، على أن يكون ديجول هو الرئيس الوحيد،وأن يكون جيرو هو القائد العام للقوات العسكرية. وأخيراً استتب الأمر لديجول في نوفمبر 1943، حين تمكن من التخلص من جيرو، وأبعده من اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني، وخلت قائمة أعضاء اللجنة من اسمه، (أُنظر ملحق الأمر الصادر بتاريخ 17 سبتمبر 1943 لائحة أعضاء الجمعية الاستشارية من نوفمبر 1943 إلى أغسطس 1944)، على الرغم من دعم الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت له، وميل القيادات الأمريكية والإنجليزية إليه، ورغبتهم في إقصاء ديجول، وتولي جيرو القيادة الفرنسية.

في 14 نوفمبر 1943، أصدر ديجول أمره إلى الجنرال لوكلير أن يستعد لتحريك القوات الفرنسية إلى فزَّان في ليبيا، ويحتلها، ثم ينسق مع قوات الحلفاء، إمّا أن يتحرك إلى طرابلس الغرب، أو إلى موقع آخر، وذلك حين تصل قوات الحلفاء إلى خليج سرت.

وفي 28 نوفمبر 1943، أصدر ديجول أمره إلى لوكلير: "تستطيع أن تتحرك، بدءاً من 2 ديسمبر 1943، وفق ما تراه، مع التنسيق مع الجنرال ألكسندر، قائد القوات  البريطانية في الشرق، بحيث تتلقى دعماً جوياً فاعلاً".