إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / دور شارل ديجول Charle's de Gaulle في الحرب العالمية الثانية









دور

سابعاً: دوره في الحرب عام 1944

بدأ هجوم قوات لوكلير تساندها القوات البريطانية، ودارت المعارك الحامية على مدى أسبوعين، واستولت على مواقع الألمان والإيطاليين في "صبحة"، في 12 يناير 1944، ثم في "مرزوق"، في 13 يناير 1944، وأسرت نحو ألف فرد، بينهم أربعون ضابطاً، واستولت على عشرين مدفعاً ألمانياً ثقيلاً، وعدد من المصفحات ومدافع الهاون، والمدافع الرشاشة، والبنادق الآلية، وأصبح الطريق إلى طرابلس الغرب مفتوحاً. وأذاع ديجول أخبار هذا الانتصار، في 13 يناير 1944، وقال فيه إن فرنسا قد ثأرت لكبريائها الجريح.

في أواخر يناير 1944، وافق ديجول على اقتراح رينيه بليفن، المفوض الوطني للمستعمرات الفرنسية في أفريقيا، بعقد المؤتمر الأفريقي في برازفيل، وحضر المؤتمر جميع حكام المستعمرات؛ بهدف إقامة مجمع فرنسي مشترك. وقوبل ديجول في برازفيل بحماسة وهتاف كبيرين، وافتتح المؤتمر في 30 يناير 1944.

قبل ذلك، وفي غضون يناير، اجتمع ديجول وتشرشل، وطلب ديجول زيادة المعدات العسكرية للقوات الفرنسية، وفرْض سيطرته على أي أراضٍ فرنسية تحررها قوات الحلفاء.

وجهت لجنة التحرير مذكرة، في سبتمبر 1943، إلى واشنطن ولندن، توضح فيها مقترحاتها أثناء المعركة المقبلة لتحرير فرنسا، وصور التعاون بين الإدارة الفرنسية والقوات الحليفة، وأن يكون إلى جانب الجنرال أيزنهاور جنرال فرنسي، وأن يذهب أحد أعضاء اللجنة إلى فرنسا، ويكون مفوضاً في اتخاذ الترتيبات اللازمة.

في 3 يونيه 1944، أصدر ديجول أمره بأن تصبح لجنة التحرير الوطني هي الحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية في المنفى، وفي 4 يونيه 1944، اجتمع ديجول وتشرشل والجنرال دوايت أيزنهاور، القائد الأعلى لقوات الحلفاء، في بورتسموث، واستعرضوا خطة الحرب، والاستعدادات اللازمة، ثم أخرج أيزنهاور وثيقة، عبارة عن منشور، سوف يذيعه أيزنهاور على شعوب أوربا الغربية، وفيه خطاب إلى الفرنسيين ورد فيه: "أنهم بعد تحرير فرنسا يختارون بأنفسهم ممثليهم وحكومتهم". وحاول ديجول الاعتراض، ولكن دون جدوى. وأُذيع المنشور في صباح يوم 5 يونيه 1944. وفي الساعة السادسة من مساء يوم 6 يونيه 1944، أذاع ديجول بياناً إلى الفرنسيين جاء فيه: "لقد بدأت المعركة الكبرى، إنها طبعاً معركة فرنسا، والواجب المقدس على كل فرنسي أنَّى كان، وأياًّ كان، أن يقاتل العدو بكل وسيلة ممكنة. وعلى جميع الفرنسيين طاعة الأوامر الصادرة عن الحكومة الفرنسية، وممثليها الرسميين".

وفي ذلك اليوم 6 يونيه 1944، بدأ إنزال قوات الحلفاء في نورماندي، (أُنظر خريطة الإبرار في نورماندي). وفي الفترة بين 8 و20 يونيه 1944، توالت اعترافات كثيرة بالحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية من تشيكوسلوفاكيا، وبولندا، وبلجيكا، ولوكسمبرج، ويوغسلافيا، والنرويج.

في 13 يونيه 1944، سافر ديجول ليشرف على المعارك قرب الساحل الفرنسي في نورماندي. وفي صباح 14 يونيه، رست به البارجة "لا كومباتانت"، بقيادة النقيب باتو، عند الكورسول، بالقرب من بورتسموث، وسط فيلق كندي. ثم ذهب إلى مقر القيادة العامة، وقابل الجنرال مونتجمري، قائد قوات الحلفاء هناك، الذي شرح له خطة هجوم القوات الأمريكية من جهة الغرب لتستولي على شربورج، وهجوم القوات الأمريكية من جهة الشرق، لتستولي على مدينة كان Caen، (أُنظر خريطة من نورماندي إلى نهر الراين).

أخذ ديجول يتفقد المواقع؛ ليؤكد أن كل نقطة يتم تحريرها لابد أن تصير خاضعة لحكومته. ودخل إلى مدينة نورماندي، واستقبله عمدتها دوديمان، وأعضاء المجلس البلدي، وساروا جميعاً على الأقدام، من شارع إلى شارع، وسط ذهول الأهالي، الذي تحول إلى هتاف وحماسة شديدة، وأحاطت الجماهير به تصافحه وتحييه. ثم دخل إلى مبنى المحافظة، وألقى خطبة فيهم، وبشرهم بنصر فرنسا القريب.

في يوم 15 يونيه 1944، عاد إلى بورتسموث، ومُنح صليب الحرب للبارجة "لا كومباتانت"، وهي البارجة التي غرقت، بعد ذلك، في الحرب مع الألمان. ثم وصل إلى الجزائر في 17 يونيه 1944، وهناك جاءته أخبار انتصارات الحلفاء المتتالية في إيطاليا، ودخولهم العاصمة روما. وسافر ديجول إلى إيطاليا في 27 يونيه 1944، وقابل نواب بونومي، رئيس الحكومة الجديد هناك، ثم في 30 يونيه1944، ذهب إلى الفاتيكان، والتقى البابا بيوس الثاني عشر، واتفقا على إقامة العلاقات وتوطيدها في المستقبل.

في 6 يوليه 1944، سافر ديجول إلى واشنطن، تلبية لدعوة الرئيس الأمريكي، فرانكلين روزفلت، الذي استقبله في البيت الأبيض، ودارت المباحثات ثلاثة أيام متتالية، أقام ديجول في بلير هاوس، واستقبل، في مقر السفارة الفرنسية، معاوني الرئيس الأمريكي، ومن بينهم وزيرا الحربية والبحرية، كما استقبل في بلير هاوس كثيرا من الشخصيات، على رأسها هنري والاس، نائب الرئيس الأمريكي.

أثناء المباحثات مع الرئيس الأمريكي، عرض الرئيس الأمريكي فكرة إنشاء مجلس دولي من أربع دول هي: الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفييتي، والصين، وبريطانيا، ليتولى تسوية مشاكل العالم، ويتشكل إلى جواره برلمان يضم مندوبين من دول العالم. وطلب منه ديجول أن تكون فرنسا ضمن الدول الكبرى، ووعده روزفلت ببحث الأمر. ثم زار ديجول نيويورك، ثم زار كندا، ونزل ضيفاً على الحاكم العام، الكونت داتلون، وزوجته، الأميرة أليس، عمة الملك جورج السادس. ثم عاد في 13 يوليه 1944، إلى الجزائر.

كانت القوات الفرنسية التابعة لديجول، والتي شاركت في الحرب عام 1944 مع دول الحلفاء كالتالي: جيش ميدان عدته 230 ألف فرد، وقوات يبلغ تعدادها 150 ألف فرد، وأسطول حمولته 320 ألف طن، يقوده 50 ألف بحار، ويضاف إليه سفن شحن ونقل، حمولتها مليون ومائتا ألف طن، وسلاح جو مكوّن من 500 طائرة يقوم على خدمتها 30 ألف فرد. إضافة إلى أفراد المقاومة داخل فرنسا، والذين تكاثر عددهم، وبدؤوا حرب عصابات ضد الألمان، في كمائن يندفعون منها ويشتبكون مع الألمان، أو ينزعون قضبان السكك الحديدية، ويستولون على القاطرات، أو يهاجمون دوريات الألمان، أو يشعلون النيران في مستودعات الوقود، ومخازن الذخيرة. ثم تشكل الجيش السري من بداية عام 1943 من نحو 40 ألف رجل، وصل عددهم، بعد عام، إلى 100 ألف، ثم في أثناء حرب التحرير، إلى 200 ألف. وكانوا يتلقون العتاد والمال والدعم من حكومة ديجول. وأخذت طائرات الحلفاء تلقي عليهم بالمظلات البنادق، والرشاشات، والقذائف، والمسدسات، والهاون، وكانت هذه الأسلحة ـ رغم الاحتياطات الزائدة ـ يصل نصفها إلى أيدي الألمان. وحرص ديجول على إنشاء "لجنة عمل" تتبعه وتشرف على متابعة أعمال المقاومة، وربط أفرادها بالقيادة الفرنسية، ووضع في كل منطقة إدارية مندوباً عسكرياً، يحافظ على الصلة بالمجموعات المسلحة في منطقته، وربطها بالمركز الرئيسي، عن طريق الوسائل اللاسلكية. وفي مارس 1944، أمر ديجول بتنظيم أفراد القوات الفرنسية في الداخل، في وحدات عسكرية، حسب النظم المتبعة في الجيوش.

شارك الفرنسيون إلى جانب باقي قوات الحلفاء في الحروب والمعارك البرية والبحرية والجوية، وأخذ أعداؤهم يتقهقرون أمامهم، وتتحرر فرنسا قطعة قطعة، وتمكن رجال المقاومة في الداخل من تعطيل السكك الحديدية في معظم بقاع فرنسا، مما أدى إلى تعطيل 1800 قطار، وأكثر من ستة آلاف عربة، وتخريب جميع خطوط البرق والهاتف، واشتعلت المعارك في أواخر يونيه، وطوال يوليه 1944. ودخلت قوات الحلفاء مدينة ليون، خلال ذلك، وزحفت في 15 أغسطس 1944، إلى ساحل بروفانس، وجرينوبل، وكارنول، ولوك، وموي، ثم في 16 أغسطس 1944، دخلت رايول وكافاليير وسان تروبيز وسان ماكسيم، وحاصرت طولون في 18 أغسطس 1944، وزحفت إلى مرسيليا، وأصبح الطريق إلى باريس مفتوحا، وكانت التظاهرات مشتعلة فيها، منذ أول يوليه 1944، ورفع المتظاهرون في 14 يوليه 1944 العلم المثلث الألوان، وأنشدوا "المارسيلياز" وهتفوا: "يحيا ديجول". وفي 10 أغسطس 1944، رفع المسجونون الأعلام في نوافذ السجون، وهاجموا السجانين، وهم ينشدون الأناشيد الوطنية، كما أضرب عمال السكك الحديدية. وفي 15 و 18 أغسطس1944، أضربت الشرطة وعمال البريد. واستعد ديجول لنقل وحدة عسكرية فرنسية كبيرة إلى باريس، وأن ينتقل بنفسه إليها.

غادر ديجول الجزائر في 18 أغسطس 1944، إلى الدار البيضاء في المغرب، ومكث فيها بقية اليوم، ثم غادرها يوم 19 أغسطس 1944، إلى جبل طارق، ثم على متن طائرة أمريكية وصل إلى موبرتوي في صباح يوم الأحد 20 أغسطس 1944، وتحرك إلى كوتانس وأفرانش وفوجير وشربورج ورين، وفي كل منها خرجت الجماهير تحييه، حاملة الأعلام، وتنشد المارسيلياز. ثم في 23 أغسطس 1944، سار في الطريق إلى لافرته، ثم برنار، ونوجان، وشارتر، وقوبل بالتظاهرات والهتافات: "عاش ديجول"، وأقام في قصر "رامبويه"، وهناك سمع راديو لندن يذيع في مساء اليوم نفسه، أن قوات المقاومة الفرنسية قد تمكنت من تحرير باريس. وفي اليوم التالي 24 أغسطس1944، أرسل الملك جورج السادس برقية إلى ديجول يهنئه فيها.

ديجول يعود إلى باريس

دخل ديجول يوم 25 أغسطس 1944، باريس بسيارته، ودخل إلى وزارة الحربية الساعة الخامسة مساء. ومن هناك، تحرك إلى دار المحافظة. ثم سار مشيا على قدميه، وسط زحام الجماهير، التي احتشدت لتحيته، وهي تهتف له، وخطب فيهم يدعو الأمة الفرنسية كلها لأداء واجب القتال، والوحدة الوطنية. وفي اليوم التالي، السبت 26 أغسطس، سار على قدميه في شارع الشانزلزيه، بين مئات الألوف من الفرنسيين، وهم يحيونه بالهتافات، ويرد التحية بيديه، حتى وصل إلى ساحة الكونكورد، وأخذ يتأمل اللوفر، وتمثالي جان دارك وهنري الرابع، وقصر سان لويس، وكنيسة نوتردام الشهيرة.

بدأ ديجول إنشاء حكومة فرنسية جديدة، تتولى مهام الدولة، وتواصل الحرب ضد الألمان، وتحرير بقية الأراضي الفرنسية، لتصبح فرنسا من الدول الأوربية البارزة، بل من الدول العظمى في العالم. وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في 24 أكتوبر 1944 الاعتراف رسميا بحكومة فرنسا المؤقتة، برئاسة شارل ديجول، وتلا ذلك اعتراف بريطانيا وبقية دول العالم. وفي 13 نوفمبر 1945، انتخب البرلمان الفرنسي شارل ديجول رئيسا للوزراء.