إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / إعداد الدولة للدفاع (الأُسُس والمفاهيم)





التنسيق بين الوزارات
التعبئة والحشد والانتشار




إعداد الدولة للدفاع

مقدمة

الحرب ظاهرة اجتماعية، وهي أحد الأنشطة التي مارسها الإنسان منذ بدء الخليقة، وسيلتها استخدام العنف والإكراه، وهدفها، حماية المصالح وفرض الإرادة عند تعارض المطالب.

ويُعَرّفْ المفكر العسكري الألماني، كارل فون كلاوزفيتز، الحرب، على أنها "عمل عنيف نقصد منه إجبار خصومنا، على الخضوع لإرادتنا". أما الموسوعة العسكرية، فقد فسرت الحرب على أنها "شكل من أشكال العلاقات الدولية. يستخدم فيها العنف المسلح، بالإضافة إلى أدوات أخرى، من أدوات السياسة. وبمعنى أوسع وأشمل، هي استخدام القوة بين جماعتين من البشر، تخضعان لنظامين متعارضين، لهما مصالح متعارضة".

ويُعد تعارض المصالح، والدفاع عن المكاسب والحقوق، من أسباب الحروب الرئيسية، كما أن السعي نحو حياة أفضل، أو الحصول على سلام مستقر، أسباب أخرى للحرب.

    هذه الأسباب في مجملها، توضح لِم كانت الحرب ظاهرة اجتماعية، ولِم عُدت نشاطاً إنسانياً قديماً ومستديماً. ولأن هذه هي طبيعة الحرب، فإن توقع حدوثها أمر بديهيّ، والإعداد لها تبصر وروية، وحرص لا بد منه، لكسبها، وتحقيق القصد منها.

    كانت الحرب قديما، صراعاً محدوداً وفقاً، لإمكانيات الأسلحة والمعدات المستخدمة فيها، وقدرات الرجال الذين يخوضونها. لذلك كانت ويلاتها ونتائجها المدمرة ـ وهي صفات ملازمة لأحداثها ـ محدودة، أيضاً، في منطقة القتال ذاتها، وفي صفوف الجنود والقادة المشاركين فيها، على الرغم من أن النتائج العامة لها ستنسحب على مساحات أوسع، وتصيب قوماً لم يشاركوا في الحرب، وكانوا في منأى عن ميدانها وقت حدوثها.

    تطورت أدوات الحرب، وشملت الأسلحة التي طال مداها، واتسع مجالها، وزادت شدة فتكها. كما شملت المعٌدّةَ فصارت أكثر سرعة، وأقدر على الحركة في أرجاء الأرض وأعماق البحار وطبقات الفضاء، ونتج عن هذا التطور، أن أصبح القرن العشرون أكثر القرون دموية، فقد خاضت البشرية فيه أكثر من 130 حرباً، قُتل خلالها أكثر من 120 مليون شخص، ويتعدى المدنيون أعداد العسكريين من القتلى أو المشوهين، وهي أرقام وحقائق، فاقت نتائج حروب كل القرون السابقة.

أدى التطور المستمر في مجالات التسليح وأساليب القتال، إلى أن تشمل ساحة الحرب مساحة الدول المتحاربة كلها، كما قد تؤثر الحروب على جيران غير مشاركين فيها، تأثيراً مباشراً أحياناً، وغير مباشر، غالباً. كما تعرض المدنيون للقتل والإصابة، مثلما يتعرض لهما العسكريون المحترفون. ودخلت المناطق الخلفية والمدن دائرة التدمير، شأنها شأن خطوط القتال، والدفاعات المحصنة، ولم يعد هناك فرق، فكل مساحة يشملها تأثير الحرب، وأينما وجد الفرد طاله الضرر.

    إنّ اتساع إطار التدمير، وشموله، يتطلب ـ بالمقابل ـ اتساع إطار الإعداد، وشموله، ولم يعد ذلك قاصراً على المقاتلين وما يتعلق بهم، بل أصبح يشمل كذلك كل فئات الشعب، وكافة مناطق الدولة ومنشآتها، فلكلٍ دور في الحرب وعليه الاستعداد له، والتدرب لمواجهة أخطارها وآثارها. وأصبح الإعداد عملة ذات وجهين متلازمين، وقاية، ودفاع، وهما ركنا الإعداد.

    تتطلب إدارة الصراعات المسلحة ـ الحروب ـ أموالاً طائلة. فالأسلحة والعتاد الحربي، أثمانها باهظة، كما أن مواد الإعاشة والطاقة والذخائر، يصعب الحصول عليها وقت الأزمات والحروب، ويستلزم ذلك سياسة حكيمة، ودبلوماسية مرنة.

    ويُستثمر في الاستعداد للحروب، جزء غير يسير من دخل الدولة ومواردها، كان الاقتصاديون يعدونه، سابقاً، استثماراً حبيساً، مقيداً رهن الاستخدام، مُستهلَكاً أو مُدمّراً خلاله. ويصبح بذلك المفهوم استثماراً بلا عائد. والحقيقة أن الاستثمار في إعداد الدولة للحرب لم يعد كذلك. بل أصبح استثماراً مخططاً، ذا فوائد متعددة. فهو يخدم الأنشطة المدنية في الدولة، ويستفيد منه العسكريون، ويسرع بتنفيذ مشروعات، ما كان لها أن تنفذ قبل عدة سنوات قادمة، ترتفع فيها تكلفة الإنشاء وأجور العاملين، بل إن بعضاً من هذه المشروعات، التي يتطلب الإعداد إنجازها أولاً، ذات عائد مادي، يتيح عمالة أكثر، وتقدم تقني أفضل، وربح أسرع. لذلك، أصبح المنظور الاقتصادي، أكثر تفهماً لدور وأهمية الإعداد للحرب، بانعكاساته الإيجابية على كل جوانب الدولة، ومردود عائداته على اقتصادها، ولو كان ذلك غير مباشر.