إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / إعداد الدولة للدفاع (الأُسُس والمفاهيم)





التنسيق بين الوزارات
التعبئة والحشد والانتشار




إعداد الدولة للدفاع

المبحث الأول

المفاهيم والأسس

   الإعداد ـ لغة ـ هو التأهب والتهيؤ، يقال ما أٌعد لأمر يحدث، مثل التأهب لهذا الأمر، بالإعداد له. ويقال أَعْدَدَتُ للأمر عِدَّتَهُ، بمعنى تهيأت لمواجهة هذا الأمر بما يناسبه. فالتفسير البسيط لإعداد الدولة للدفاع، يكون بالتهيؤ والتأهب لكل طوائف الدولة لمواجهة الخطر دفاعاً عن كيانها. والتهيؤ يكون باتخاذ إجراءات مسبقة تناسب احتمالات وقوع أخطار معينة، والتأهب هو الاستعداد لتنفيذ الإجراءات عند وقوع الخطر، ويشمل ذلك كل قطاعات الدولة وطوائفها، حيث إن الخطر إذا مس عضواً تداعت له كل الأعضاء. فالخطر إذا أصاب جزءاً من الدولة بسوء، تأثر الكل من جراء ذلك. لذلك، فإن الاستعداد لدرء الخطر، يجب أن يشمل كل طوائف الشعب، كل في مجاله.

وليس من الفطنة أو التعقل، أن ينتظر الإنسان وقوع ضرر هو يعلمه، ويقصر استعداده على اتخاذ الإجراءات المناسبة، لدفع الخطر عندما يقع. وإنما يكون حسن التدبر بالعمل على ألاّ يقع الضرر أصلاً، وذلك بالاستعداد والتهيؤ لرصد الدلائل على قرب وقوعه، ثم العمل على إزالة مسبباته، أو تلافي أضراره وإضعاف تأثيرها، إذا كان منعه أو تجنبه غير ممكن.

    ويكون إعداد الدولة للدفاع ـ من المفهوم المبسط السابق ـ باتخاذ تدبيرين: أولهما مجموعة إجراءات لاتقاء الأضرار عند وقوع الخطر، وثانيهما السعيّ لعدم تصاعد الأحداث إلى حد الخطر (الحرب). وباتخاذ هذين التدبيرين، تتكون خطة الدولة للإعداد للدفاع ضد الحرب، باعتبارها أكثر الأخطار تدميراً لكيان الدولة ومستقبلها.

    ولا يُعد مصطلح "إعداد الدولة للدفاع" مصطلحاً فنياً أو لغوياً ذا حدود ثابتة، كما أنه من البساطة بحيث تجاوزه كثير من الخبراء. كما أن المؤلفات والأبحاث الأجنبية لم تضع له تعريفاً محدداً، وإنما ورد في فقرة مدمجه مع مقدمة الموضوع. وقد فعل ذلك أيضاَ كثير من الكتاب العرب.

جاء في تعريف مصطلح: "إعداد الدولة للدفاع" ـ والذي يعد محاولة من بعض الكتاب لوضع تفسير شامل له – أنه "عملية واسعة المدى تشمل كل ما يمنح الدولة القدرة على ردع العدوان في أية لحظة، وتحقيق النصر في أقل وقت ممكن؛ والصمود للحرب طويلة الأمد؛ والتقليل من الخسائر التي تسببها ضربات العدو والمحافظة على مستوى عال من الروح المعنوية، وعلى إرادة القتال والصمود لدى الشعب".

وعلى نحو أكثر بساطة، عُرَّفَ المصطلح على أنه "جميع التدابير والإجراءات والجهود، التي تتخذها الدولة زمن السلم، في سبيل تحقيق خاتمة مظفرة للصراع المسلح".

والدولة كيان سياسي له مقومات ثلاث: أرض، وشعب، وسلطة. وتُعرف الدولة بأنها: هي الكيان السياسي، والإطار التنظيمي، والقوة الاجتماعية المنظمة، والتي لها وحدها السيادة داخل المجتمع، وعلى أي فرد من أفراده، وتعلو إرادتها على كل الإرادات، وتمتلك وحدها سلطة إصدار القوانين، وسلطة تنفيذها، ولها وحدها من دون سائر التنظيمات الأخرى حق الطاعة. وهي شخصية قانونية موحدة.

أولاً: مفهوم إعداد الدولة للدفاع

يعنى إعداد الدولة لمواجهة الخصم (العدو)، وذلك من خلال تطوير واستخدام كافة القدرات والإمكانيات المتيسرة للدولة، في كافة جوانبها السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والبشرية (وهي ما تعرف بقوى الدولة الشاملة)، لتحقيق الأهداف والغايات الوطنية[1] والأمن الوطني للدولة، وسلامة أراضيها.

ويعبر هذا المفهوم عن الاتساع اللانهائي، لإعداد الدولة للدفاع. فمن أجل تحقيق النصر في الحرب، والدفاع عن كيان الدولة، يتم الإعداد لذلك في كل مكان ومجال، وفي كل وقت وزمن، وفي كل أوجه النشاط الإنساني. ويعني ذلك استمرار الإعداد المتواصل، وهو ما يعني، ضمناً، ضرورة التطوير لِما سبق إعداده، كلما تغيرت المعطيات، أو استجدت المؤثرات، وهو أمر لا بد منه، لأن التغيير والتجديد من قوانين الكون الأزلية، التي يجب مراعاتها دائماً عند التخطيط.

إن مفهوم إعداد الدولة للدفاع، يشير إلى ضخامة الجهد المبذول، وهو ما يتطلب مشاركة أجهزة ومؤسسات عديدة في الدولة فيه، واشتراك القيادات، بكل مستوياتها، ومشاركة الشعب بمختلف طوائفه، وإنفاق المال والجهد، واستخدام كل الإمكانات المتاحة، والطاقات الممكنة، الفعالة والكامنة[2] في كافة أبعاد قوى الدولة المادية والمعنوية.

وحتى تكون خطط إعداد الدولة للدفاع صالحة لفترات طويلة، إذ ليس من المعقول تغييرها في فترات زمنية متلاحقة، لتكلفتها العالية، وضخامة الجهد المبذول فيها، فإنها تُبنى على أساس المرونة الكاملة، التي يمكنها، عند التنبؤ المبكر بسير الأحداث، أن تواجه الحدث ومتغيراته، وتعدّل من إجراءاتها وأسبقياتها للتغلب عليه، وقد يمكنها أحياناً تجنبه من البداية.

    وتختبر خطط الإعداد، لمعرفة مدى كفاءتها، وشمولها لكل متطلبات مواجهة الصراع، من خلال تمثيل تجارب تحاكي الصراع الحقيقي وأحداثه. ويوضح ذلك ما يحتاجه الإعداد من تطوير أو تعديل أو تغيير، ليكون أكثر ملاءمة ونجاحاً في احتواء المواقف، التي تفرزها المواجهة مع الصراع المسلح والتغلب عليها، وقد يتم ذلك أحياناً، خلال المواجهة الفعلية ذاتها.

    وقد يجرى التعديل والتغيير والتطوير ـ أحياناً ـ أثناء المواجهة الفعلية، خلال الصراع، وهي أصعب المواقف التي تواجه خطة الإعداد. ويتوقف النجاح في إدارة الصراع، عندئذ، على درجة مرونة الخطة. ينطبق ذلك على كل المستويات، التي تتم المواجهة في إطارها، محلية كانت، أو إقليمية، أو دولية[3].

ثانياً: أهمية الإعداد المسبق

إن الإعداد المسبق للأحداث، يهيئ الفرصة للتأهب لها، وحشد الطاقات والإمكانيات للسيطرة على مجرياتها، والاستفادة من نتائجها الفائدة القصوى. بينما التراخي أو عدم التبصر، يؤديان إلى المفاجأة بالأحداث، وتتوالى الخسائر، لتفقد الدولة ما كان في متناول قدراتها، والتي لم تتح لها المفاجأة، استخدامها بشكل جيد، فتكون الهزيمة وسوء العاقبة.

    يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ[ (سورة الأنفال: الآية 60). في هذه الآية الكريمة، حَثُ صريح، وأمر بالاستعداد لملاقاة العدو، فالحرب أمر خطير جلل، تتوقف عليه مصائر الأمم، لذلك هي جديرة بالتحضير والتجهيز والإعداد لها، في مختلف النواحي. لأن الدخول في الحرب من دون تجهيز وإعداد، يسبب الفشل الذي قد يصعب بعد ذلك تخطى نتائجه المدمرة. وتستعد الدول في وقت السلم للحرب، حيث تبنى سياستها وإستراتيجيتها وتعبئ جميع مواردها لتحوز النصر في الحرب، التي أصبحت في العصر الحديث شاملة يشترك فيها الجيش والشعب، وهي بذلك أولى بالإعداد الشامل لضمان النصر.

ثالثاً: الإعداد للجهاد فريضة إسلامية

أكدت آيات القرآن الكريم، أن الجهاد في سبيل الله هو أمر من الموّلى عز وجل، لعباده المؤمنين، وأن الإعداد له فريضة على المسلمين. فقد ورد في القرآن الكريم، قوله تعالى ]وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ[ (سورة الحج: الآية 78). وفي ذلك تشريع وأمر من الله سبحانه وتعالى بالجهاد، الذي خص به المؤمنين وهداهم إليه، في سبيل إعلاء كلمته وابتغاء مرضاته، وحتى يتم النصر على الأعداء والشهوات. فالجهاد هو ملاقاة العدو، والتصدي للعدائيات، للتغلب عليها، والإعداد له هو السبيل إلى ذلك.

وقد أوضح الله أشكال الجهاد وعدّد أوجه الإعداد له، في آيات أخرى من الكتاب الكريم فقال:  ]انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ[ (سورة التوبة: الآية 41). والنفور هو الخروج لملاقاة العدو، "وخفافاً وثقالاً" تعني التجهيز الخفيف (للمقاتلين المترجلين)، أو التجهيز الثقيل (للفرسان والمعدات الحربية). وتحث الآية على تلبية نداء الجهاد، كل قدر استطاعته، باذلين المال والنفس لإعلاء كلمة الله، وفي ذلك العز والخير، إذا كان المؤمنون أهل علم ومعرفة معاً. فالتجهز هو الإعداد المسبق، سواء كان بالتسلح أو التدرب أو الاتفاق، على أوجه الإعداد.

         قال رسول الله r ]جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ[ (سنن أبو داود: 2143، مسند أحمد: 13146). وأوضح أن الجهاد المعنوي (ألسنتكم)، مثل المادي (الأموال والأنفس)، مما يدخل في سبل الإعداد أيضاً، وللإعداد المعنوي مجالات شتى كما هي متعددة في الإعداد المادي أيضاً.

رابعاً: أهداف إعداد الدولة للدفاع

يهدف إعداد الدولة للدفاع، إلى زيادة قدراتها وإمكاناتها عسكرياً واقتصادياً ومعنوياً، واستخدام طاقاتها ومواردها الاستخدام الأمثل. لذلك، فإن الأهداف التي تسعى الدولة إلى تحقيقها، أثناء الإعداد للدفاع هي:

1. القدرة على صدّ العدوان المفاجئ للعدو، والتحول من أوضاع السلم إلى الحرب، وإدارة العمليات الحربية، وتوجيه ضربة انتقامية رادعة، لانتزاع المبادأة والمحافظة عليها، طوال فترة الصراع المسلح.

2. تحقيق النصر في أسرع وقت وأقصره، وبأقل خسائر ممكنة.

3. القدرة على إدارة حرب طويلة الأمد (إذ ألزم الأمر)، وذلك بتوفير كافة متطلبات القدرة العسكرية والاقتصادية والمعنوية.

4. تحمل الضربات المركزة والقوية[4] للعدو، مع التعرض لأقلّ خسائر.

5. المحافظة على الروح المعنوية للشعب مرتفعة.

ويعني ذلك، ضرورة عودة المواطنين إلى حالة الأمان، بعد درأ الخطر، في أقرب وقت، من دون أن يكون لذلك تأثير ضار عليهم، مع الاستعداد للاستمرار في الدفاع عن الوطن، إذا دعت الحاجة.

خامساً: عناصر إعداد الدولة للدفاع

يؤدى التوصل إلى نظريات، أو اكتشافات علمية جديدة، في المجالات المختلفة، إلى التطور المستمر، وظهور معدات وأسلحة حديثة. وكل ذلك يؤدي إلى تغير في مفهوم استخدام القوات في الحرب، وتغير في تنظيم القوات والعقائد القتالية المستخدمة. وتتطور ـ تبعاً لذلك ـ الإستراتيجية العسكرية نفسها، مما يدعو إلى مزيد من التطور في المعدات والتجهيزات العسكرية، والعقائد القتالية، وأساليب القتال، في عملية مستمرة ودائمة.

ويعتمد تطور العتاد والمعدات، على إمكانات الدولة المادية، وقدرتها الاقتصادية. ويتطلب ذلك الاستمرار في إعداد الاقتصاد الوطني، لدعم التطور والأبحاث والاختراعات، وتوفير الكوادر الفنية وتدريبها. ومن الطبيعي أن يتوقف مستوى التقدم العلمي والتكنولوجي للدولة، على ارتفاع المستوى الثقافي والاجتماعي للشعب، ويظهر أهمية تناسق العمل الاقتصادي مع العمل الثقافي والعلمي.

    أزال المدى الكبير لوسائل التدمير العصرية، وقوتها الهائلة، الحدود الفاصلة بين الجبهات وخطوط القتال وبين مقدمة القوات ومؤخرتها وعمق الدولة، وأدى ذلك إلى ضَعْفْ العامل الخاص باتساع مساحة الدولة، أو ابتعادها عن جبهة القتال[5]، وأصبحت كل أراضى الدولة مسرحاً للعمليات (القتال).

وتساعد العلاقات الدولية القوية، على تدبير احتياجات الدولة من الخارج في وقت الأزمات، وأثناء الحرب، وهو ما يؤكد أهمية تمتع الدولة بسياسة خارجية جيدة، تتيح لها مساندة فعالة من حلفائها في المحافل الدولية والإقليمية، وتعاون مثمر من دول الجوار الجغرافي، التي يكون استثمار العلاقات معها وقت الحرب مهماً، لحل مشكلات استيراد الاحتياجات من الخارج، سواء كانت احتياجات إعاشة، أو احتياجات عسكرية. فقد تمكنت العراق خلال حرب الخليج الأولى، من التفوق على إيران في أعداد وأنواع القطع الرئيسية من الأسلحة، مثل الطائرات والدبابات والمدفعية والصواريخ، على الرغم من سيطرة إيران على مدخل الخليج العربي، بسبب علاقات العراق القوية مع الدول المجاورة، واستثارتها للروابط والمصالح المشتركة مع تلك الدول، بينما فشلت العراق في ذلك خلال حرب الخليج الثانية، مما أثر على قدراتها لإدارة الحرب. واستمرت تعاني من الحصار الاقتصادي والعسكري المضروب حولها، لفترة طويلة بعد الحرب، بعد أن فقدت علاقاتها مع جيرانها، من الدول العربية وغير العربية.

    يدور القتال بين الدول على شريحة من الأرض، وما جاورها من سواحل وبحار، وما علاها من أجواء، سواء كان ذلك بالقرب من الدولة، أو على أراضيها، أو بعيداً عنها، طبقاً لقدرة الدولة على إدارة الصراع المسلح على أبعاد مختلفة. ويتطلب ذلك إعداداً جيداً للأرض. حتى يمكن استخدام مواردها وطرقها لصالح الدولة وقواتها المسلحة. ويشمل إعداد الأرض كذلك، ما يمكن من استغلال الساحل أو الفضاء، الاستغلال الأمثل.

    يتضح من ذلك أن، إعداد الدولة للدفاع يشتمل على العناصر الرئيسية التالية:

1. إدارة السياسة الخارجية بما يتلاءم مع أهداف الدولة من الصراع المنتظر.

2. إعداد القوات المسلحة المحترفة.

3. إعداد مسرح العمليات المحتمل، لإدارة الصراع داخله.

4. إعداد الاقتصاد الوطني الكفء.

5. إعداد أجهزة الدولة.

6. إعداد الشعب.

سادساً: مراحل إعداد الدولة للدفاع

يلزم ـ للإعداد للدفاع ـ إتباع أسلوب علمي وعصري، لاستغلال إمكانيات الدولة، وتنمية قدراتها، لمواجهة التحديات، والدخول في صراعات ناجحة، تحقق أهدافها القومية.

يتضمن إعداد الدولة للدفاع أربع مراحل رئيسية، هي:

1. التخطيط

أول مراحل الإعداد وأهمها، وهو الأساس الذي تُبنى عليه الأعمال والإجراءات المكونة لخطة الإعداد (المرحلة التالية للتخطيط). يتطلب التخطيط تحديداً واضحاً للأهداف، والغايات الوطنية، والسياسات المطلوب تحقيقها. كما يتطلب توفير كمّ من المعلومات والبيانات والحقائق، التي يستفاد منها كقاعدة، تُعين المخططين في تحديد الأعمال الضرورية، وأسبقياتها لتحقيق أهداف الدولة.

كما تدرس الأجهزة المسؤولة تحديد البدائل المختلفة، التي تحقق الأهداف، واختيار أنسبها وأكثرها قابلية للتنفيذ، أي أكثرها مرونة. ويجب أن يتمشى التخطيط ومراحله، مع أهداف الدولة وسياساتها المرحلية. فعلى القيادة السياسية العليا للدولة، تحديد "الأهداف السياسية والأهداف السياسية المرحلية، والأهداف السياسية العسكرية" التي يُبنى عليها التخطيط المركزي، لخطة شاملة لإعداد الدولة للدفاع.

وتحدد الخطة المركزية الشاملة، لإعداد الدولة للدفاع، مجموعة القواعد والقيود، التي تحكم استخدام الوسائل المتاحة لتحقيق الأهداف، متضمنة، كذلك، الخطط المرحلية المحققة للأهداف المرحلية، وبرنامج التنفيذ، الذي يتضمن تحقيق أهداف وسيطة، واستخدام أمثل للإمكانيات المتاحة، والجهود المبذولة المتكاملة.

ويجري تطوير البرامج المنفذة وتعديلها، خلال التطبيق الفعلي أو التجريبي، للحصول على أفضل النتائج المرجوة، التي تحقق الأهداف من الخطط الموضوعة.

وتُعد مقترحات ومطالب وزارة الدفاع، والقيادة العامة للقوات المسلحة، بالدولة، أساس وضع الخطة الشاملة للإعداد، التي تُقدَم من قبل مسؤولي العمليات في القيادة العامة للقوات المسلحة، إلى رئاسة الوزراء، بواسطة الوزير المختص (وزير الدفاع)، مُحَدِّدة بشكل دقيق الهدف الإستراتيجي الرئيسي، والمرحلي، من إعداد القوات المسلحة، والشعب، للدفاع، والمطالب الخاصة بكل مرحلة.

مسؤولية التخطيط لإعداد الدولة للدفاع

التخطيط عمل تنظيمي، يتضمن مجموعة من الإجراءات، والقرارات، للوصول لأهداف محددة، عبر مراحل خاصة، خلال فترة (أو فترات) زمنية محددة، مستخدماً الموارد المتاحة (مادية كانت أو بشرية أو معنوية) حالياً أو مستقبلاً، بالأسلوب الأمثل. وهو بذلك يرمي إلى اختيار أفضل البدائل، لتحقيق الأهداف، مُرتباً الأعمال التنفيذية، في أولوياته، على ضوء الإمكانات، المتاحة في كل مرحلة، أو فترة زمنية. على ذلك، فإن التخطيط يتدخل عن قصد، للتأثير في حركة، ومسار، الأعمال، ليحدث تغييراً اصطناعياً، يهدف منه، إلى زيادة السرعة، وتوجيه المسار، لتحقيق هدف محدد، في وقت محدد.

تتعدد الجهات القائمة بالتخطيط، كل في اختصاصها. فتتولى وزارة الدفاع، إعداد التخطيط الإستراتيجي، لاستخدام القوات، وتشترك معها أجهزة النقل والمواصلات، والأشغال العامة، والري، في التخطيط، لاستخدام الأراضي، في، مسرح العمليات. وقد تشارك أيضاً الهيئات المسؤولة عن التعمير وبناء المدن. كما تخطط رئاسة مجلس الوزراء (أو وزارة التخطيط) لإعداد أجهزة الدولة المختلفة. وتُعد وزارة الإعلام، وما يتبعها من هيئات، خطط لتعبئة الشعب معنوياً. وتشارك الوزارات الاقتصادية المختلفة (الصناعة، والزراعة، والتجارة، والمالية والاقتصاد، والنقل والمواصلات) في التخطيط، للتحول إلى اقتصاديات الحرب.

وتؤثر نتائج تنفيذ المخططات التخصصية في الخطة المركزية الشاملة. لذلك يجب أن يُنَسّق مضمون الخطط التخصصية من حيث الهدف المرحلي، والمدى الزمني، واستخدامها للإمكانيات المتاحة (حالياً ومستقبلاً)، بما يضمن عدم حدوث تعارض، أو قصور، في تحقيق الغاية من التخطيط.

ويُعهد لجهة واحدة، (هي جهة التنسيق للخطة المركزية للإعداد)، مسؤولية الإشراف، والمتابعة، والرقابة، على التخطيط التفصيلي، وتنسيق الاتصالات الرئيسية، للاتجاهات المختلفة. ويجري كل ذلك في إطار مرحلي موحد، مع مراعاة الظروف السائدة، ومدى الاحتياج لتطابق أزمنة المراحل، في الخطط التفصيلية، حتى تضمن، على نحوٍ دقيق ومتقن، ما يجنبها اللجوء إلى كثرة التعديلات، والتغييرات، لمواجهة الخلل في الأداء مستقبلاً.

2. التنظيم والتنسيق

تتضمن الخطة المركزية الشاملة، لإعداد الدولة للدفاع، العديد من الأعمال والإجراءات، التي يتطلب تنفيذها اشتراك عدة جهات معاً. وحتى لا تتعارض الخطة، في مراحلها المختلفة، مع الأعمال الرئيسية الأخرى، التي تقوم بها تلك الجهات (الوزارات والمؤسسات)، أو تتأخر أسبقيات أي منهم، فإنه من الضروري القيام بعدة أعمال تنظيمية وتنسيقية، هي:

أ. تنسيق الجهود بين السلطات والأجهزة، والمؤسسات المدنية والعسكرية بالدولة المشتركة، في عمل (إجراء) واحد.

ب. تحديد أوجه النشاط المختلفة، بالهيئات والأجهزة والمؤسسات وحصرها، حتى يمكن التعرف على حجم الإمكانات المتاحة، ويساعد ذلك على سهولة العمل ويسر في الأداء.

ج. تقدير حجم الأعمال اللازمة، وتحديد الأجهزة المنفذة لها ـ طبقاً للإمكانات المتاحة لكل جهاز ـ وتقدير حجم التسهيلات ونطاق المرونة المسموح به عند تغيير الإجراءات، ووضع أسلوب للتنفيذ على ضوء ذلك، بما يحقق أفضل النتائج في أقل الأوقات. (وإن تطلب ذلك تغيير أو تعديل الهياكل التنظيمية للأجهزة نفسها، لتتلاءم مع متطلبات التنفيذ).

د. تنظيم وتكامل القوى العاملة لأجهزة الدولة المدنية والعسكرية، واختيار أفضل القيادات، وتنمية قدراتها ومهاراتها، لتنفيذ الأعمال، وتحقيق الأهداف المخططة، مع تحقيق مبدأ التوازن، بين السلطة الممنوحة والمسؤولية المحددة، لكل جهاز وهيئة في الدولة، تجاه تنفيذ خطة إعداد الدولة للدفاع.

هـ. التوسع في استخدام الأجهزة والمعدات الحديثة، وأساليب العمل العلمية، لضمان تنفيذ الخطط المرحلية، بما يحقق أفضل النتائج، طبقاً لأهداف الخطة المركزية.

3. التوجيه والمتابعة

تبدأ مرحلة التوجيه والمتابعة بالتوازي مع المراحل السابقة، ولكنها تستمر بعدهما أثناء التنفيذ الفعلي لمِا تم تخطيطه. ويساعد التوجيه الجهات المنفذة، على سرعة فهم التعليمات والقرارات، واستيعاب الهدف من الخطط المرحلية العامة والمتخصصة، حتى يكون التنفيذ، مطابقاً للقصد من التخطيط. ويتم التوجيه من خلال الاتصالات الرئيسية إما، إلى المنفذين، أو إلى المخططين، مما يعاون على تحقيق الهدف من التوجيه، كما تتم كذلك من خلال الاتصالات العرضية (الجانبية) بغرض التنسيق مع الآخرين، وتقليل الجهد وعدم التعارض معهم.

كما يشمل التوجيه، كذلك المتابعة، فهي تبدأ من أول خطة أو تعليمات تصدر، وتستمر ما استمر التنفيذ والتعديل والتطوير. وتعتبر المتابعة خطة مكملة للخطة المركزية الشاملة، وهي تراقب تنفيذها في الوقت المحدد وبالأسلوب المطلوب. وكل خطة تخصصية أو مرحلية، لا بد لها من خطة متابعة، حتى يصبح مكتملاً.

ولا يعتمد في التوجيه والمتابعة، على تلقي النتائج والبلاغات عن سير العمل فقط، بل يجب أن تكون الخطة أكثر إيجابية، باحتوائها على توقيتات لمراجعة الإنجازات، وتطابقها زمنياً وإجرائياً مع التخطيط. كما يجب أن تحتوي على إجراءات مفاجئة، للوقوف على حسن انتظام العمل، واكتشاف المعوقات في الوقت المناسب، وهو ما يجب أن يتوافق، كذلك، مع خطة التنسيق.

وتستمر المتابعة كذلك، في مرحلة التنفيذ لاكتشاف المعوقات، وإخطار الجهات المعنية لإزالتها، أو لتنسيق التعاون بين الجهات المختلفة المشتركة في عمل واحد (في توقيت واحد أو بالتتالي)، لضمان عدم إهدار الوقت أو الإمكانات. كما تنبئ المتابعة، كذلك، عما يمكن أن يحدث من تناقضات معوقة، يجب تجنبها وتعديلها.

4. التنفيذ

آخر مراحل الإعداد، وفيه يجري تنفيذ كل ما تم الاتفاق عليه وتخطيطه، طبقاً للخطة الزمنية المعدة للتنفيذ. لذلك، فهذه المرحلة تشارك فيها كل الأجهزة العاملة من البداية. ويكون الهدف تحقيق أفضل النتائج، أثناء تنفيذ الخطط الموضوعة، والمصدق عليها، أو تعديلها وتنسيقها، في ضوء الظروف المحيطة والإمكانيات، وأي عوامل أخرى أُخذت في الاعتبار، عند التخطيط.

والتنفيذ مسؤولية كل الأجهزة، التي شاركت في المراحل السابقة، كما أنه مسؤولية المنفذين أنفسهم. لذلك يجب تحديد المسؤوليات والمهام بدقة ووضوح، عند بدء التنفيذ.



[1] وتسمى أحياناً "الغايات القومية".

[2] الطاقة الفعالة: هي كل ما يستخدم لدعم الجهد العسكري، مباشرة. والطاقة الكامنة، هي كل ما يمكن استخدامه في وقت لاحق لدعم الجهد العسكري، كالقوات الاحتياطية التي يتم استدعاؤها بعد إعلان الحرب، أو الإمكانات الاقتصادية التي يمكن تسخيرها، على مراحل متتالية.

[3] يعني بكلمة محلية ما يمس الدولة فقط، بينما تدل كلمة الإقليمية على ما يجري في إقليم متميز جغرافياً أو سياسياً يضم عدة دول ( دول الخليج العربي مثلاً)، ويشمل مفهوم الدولية ما يهتم به الأطراف من خارج المنطقة.

[4] أدت الضربات الجوية المركزة، على المناطق الصناعية، شمال إيطاليا، في الحرب العالمية الثانية إلى خروجها من الحرب مبكراً، كما أدت الضربة المركزة الذرية على اليابان، في الحرب نفسها، إلى استسلامها دون قيد أو شرط.

[5] تعتمد نظرية الأمن الإسرائيلي على إبعاد خطوط المواجهة مع الدول العربية المجاورة لها عن الحدود الإسرائيلية، وهو ما يدفعها إلى العدوان واحتلال الأراضي المجاورة دائماً.