إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / إعداد الدولة للدفاع (الأُسُس والمفاهيم)





التنسيق بين الوزارات
التعبئة والحشد والانتشار




إعداد الدولة للدفاع

المبحث الرابع

إعداد القوات المسلحة للدفاع

القوات المسلحة هي الأساس في عملية الإعداد للدفاع، فتلك مهمتها الرئيسية. تضطلع بأعبائها وزارة الدفاع أثناء السلم، وتعاونها الوزارات الأخرى بتلبية مطالبها للإعداد، حتى يكون الإعداد سليماً وقوياً.

ويتأثر إعداد القوات المسلحة للدفاع، بعدة عوامل أهمها:

1. الهدف السياسي ـ الإستراتيجي للدولة.

2. قوة وإمكانات الخصم (المحتمل ـ المنتظر)، وأهدافه وتحالفاته، وعلاقاته الدولية والإقليمية المؤثرة، وأسلوبه لإدارة الصراع، وقدراته الاقتصادية.

3. الأوضاع الاقتصادية للدولة، وإمكانيات تطويرها، وقدراتها على تحمل أضرار الحرب.

4. قوى الدولة البشرية، وخصائصها.

5. مدى تماسك النسيج الاجتماعي لطوائف الشعب المختلفة، والاتجاهات الفكرية والعقائدية في المجتمع.

6. قدرات الصناعة الوطنية، ومدى مرونة تحولها إلى صناعات حربية.

7. مدى التقدم التقني للدولة، واستخدامها لمبتكرات العصر، ومدى توافر الكوادر الفنية العالية المستوى بها.

8. طبيعة الصراع المسلح المتوقع، وأنواع الأسلحة المنتظر استخدامها فيه.

9. كفاءة القوات المسلحة القتالية وقدرتها، وإمكاناتها.

10. حدود مسرح العمليات المنتظر وطبيعته، وما يوفره من مزايا، أو يثيره من عوائق للطرفين.

11. العقيدة العسكرية، وأسلوب القيادة والسيطرة.

ويزيد من فاعلية العوامل المؤثرة، على إعداد القوات المسلحة للدفاع، وشدة تأثيرها، أنها عوامل متشابكة يؤثر بعضها في بعض، مما يعظّم نتائج التأثير أو يحد منها. فقد تكون قوة الخصم، ضرورة لرفع حجم القوات المسلحة للدولة، إلاّ أنّ القوى البشرية للدولة لا تفي بذلك، بينما تستطيع الدولة الحصول على أسلحة متقدمة، نظراً لقوة اقتصادها، بما يعوض نقص القوى البشرية نسبياً.

من جهة أخرى، فإن ضعف القدرات الصناعية الوطنية، وتأخرها تقنياً، يزيد من العبء على الاقتصاد الوطني، الذي يتحمل أعباءً إضافية لاستيراد أنواعٍ متقدمة من الأسلحة. إلاّ أن زيادة تعداد القوى البشرية، وخصائصها الجيدة (صحياً وتعليمياً وثقافياً) تمكن من زيادة حجم القوات المسلحة، مع تسليحها بعتاد منخفض التقنية نسبياً، للاستفادة من زيادة العنصر البشري لإحداث التأثير المطلوب.

يشتمل إعداد القوات المسلحة للدفاع، على عدة إجراءات تنفذها القيادة العسكرية في الدولة (وزارة الدفاع والهيئات التابعة لها) أهمها:

1. التخطيط الإستراتيجي، لاستخدام القوات المسلحة في الحرب.

2. تحديد حجم القوات المسلحة في السلم والحرب، وأسلوب بنائها.

3. نظام التعبئة، عند توقع الحرب.

4. الانتشار (الفتح) الإستراتيجي للقوات المسلحة، وبناء التجميعات الإستراتيجية والعملياتية في مسرح العمليات، وعلى الاتجاهات الإستراتيجية المختلفة.

5. التدريب القتالي، وإعداد القوات المسلحة، لكل ما هو ضروري للحرب.

6. التأمين الشامل للقوات المسلحة.

7. تنظيم وإدارة الاستخبارات الإستراتيجية.

8. إعداد مسرح العمليات وتجهيزه (وهو إجراء يشارك فيه العديد من الوزارات والهيئات الحكومية وغير الحكومية، ويعتبر عنصراً قائماً بذاته لأهميته البالغة).

ونوضح كل أجزاء منها فيما يلي:

أولاً: التخطيط الإستراتيجي لاستخدام القوات المسلحة

يهدف التخطيط الإستراتيجي، لاستخدام القوات المسلحة الوطنية في الحرب، إلى إعداد قوات الدولة لتكون قادرة على تحقيق مهامها الدفاعية الإستراتيجية بنجاح. ويُعد التخطيط بمثابة العمود الفقري، في خطة إعداد القوات المسلحة للحرب، التي يتعين أن تَستخدم القوات المسلحة الوطنية الاستخدام الأنسب، عند نشوب القتال، وتأمينها التأمين الشامل.

وتتولى مهمة إعداد التخطيط الإستراتيجي، لاستخدام القوات المسلحة الوطنية في الحرب، أجهزة القيادة العامة للقوات المسلحة، ورئاسة الأركان العامة بوزارة الدفاع، ويصبح هذا التخطيط ملزماً لكافة الأطراف المعنية، وعليهم تنفيذه، بعد مصادقة القيادة السياسية للدولة عليه (رئيس الدولة أحياناً باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة).

يشمل التخطيط الإستراتيجي، لاستخدام القوات المسلحة، عدة خطط؛ بعضها عام (لصالح القوات المسلحة)، وبعضها خاص (لصالح قوة معينة[1]، أو جزئية معينة في الإعداد تقوم بها إدارة محددة):

1. الفكرة الإستراتيجية، العامة والقرار الإستراتيجي لاستخدام القوات المسلحة في الحرب[2].

2. خطط لاستخدام الإستراتيجية الخاصة بالأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، وهى تشمل خطط استخدام القوى البرية، والبحرية، والجوية، والدفاع الجوى[3].

3. خطط التعبئة للقوات، والانتشار الإستراتيجي[4]، وبناء التجميعات الإستراتيجية والعملياتية[5].

4. خطة الاستطلاع (الاستخبارات) الإستراتيجية، والاستخبارات المضادة، قبل بدء الصراع، وعند بدئه.

5. خطة التأمين الشامل للقوات.

6. خطة تنظيم القيادة والسيطرة الإستراتيجية والعملياتية.

7. خطة الخداع الإستراتيجية.

8. خطة الدفاع المدني[6].

يراعى عند التخطيط الإستراتيجي، لاستخدام القوات المسلحة، وضع هدف إستراتيجي يجب الوصول إليه بكفاءة واقتدار. كما يجب مراعاة الإمكانيات المتاحة، والقدرات الفعلية ـ حالياً ومستقبلاً ـ للقوات المسلحة، وتلك التي للدولة (لأنها ستخصصها لتلبية مطالب القوات المسلحة). ويجري مراجعة الخطط دورياً، وكلما طرأت متغيرات رئيسية لأسس بنائها، وعند تطور الأحداث القريبة والمؤثرة على الدولة. وبناء على تلك المراجعة، يجري تحديث تلك الخطط لتتلاءم مع التطورات، وتؤمن مواجهتها بكفاءة واقتدار.

ثانياً: تحديد حجم القوات المسلحة في السلم والحرب، وأسلوب بنائها

تحاول الدول دائماً ـ ومهما ارتفعت قدراتها الاقتصادية[7] ـ تخفيض تكلفة قواتها المسلحة. ولا ينبغي تحقيق ذلك، على حساب جودة التسليح، أو خفض ساعات التدريب، أو اقتصارها على المعلومات النظرية. فمثل هذه النظرة الضيقة، تخل بأسس إعداد القوات المسلحة للدفاع عن الوطن. لذلك، تلجأ الدول إلى خفض حجم القوات، إلى حد يمكنها من ممارسة مهامها الروتينية بكفاءة، كما تكون قادرة ـ بهذا الحد الأدنى ـ من التصدي للمفاجآت، على أن تكون هناك وسيلة سريعة ودقيقة لزيادة هذا الحجم (نظام تعبئة)، إلى الحد، الذي يتطلبه حجم المخاطر والتهديدات والعدائيات المتوقعة.

لكل دولة أسبابها وظروفها وإمكانياتها، التي تحدد من خلالها حجم قواتها المناسب، في وقت السلم، ووقت الحرب. إلا أنه يجب مراعاة الآتي، عند تقدير هذا الحجم:

·   حجم التهديدات وطبيعتها.

·   أن يلبى الحجم مطالب الحرب الحديثة.

·   أن يساير الحجم اتجاهات التطوير (في المعدات وفى أسلوب القتال).

·   حجم الخسائر الكبيرة والمنتظرة في الحروب الحديثة (في الأرواح والمعدات).

·   أن يؤمن الحجم إمكانية الاستمرار في القتال.

1. حجم القوات المسلحة العاملة في وقت السلم

يتوقف هذا الحجم، على القدر المطلوب لصد أي هجمات مفاجئة، ثم البدء في القيام بأعمال نشطة وحاسمة (وإن كانت محدودة)، لحين تعبئة قوات أخرى من احتياطي القوات المسلحة. وطبقاً لحجم الدولة، وقوة التهديدات المنتظرة، فإن بعض الدول تفضل أن يكون حجم قواتها في السلم، قادراً على إدارة عمليات تعرضيه (هجومية) من دون انتظار لتعبئة وحشد قوات (خاصة إذا كانت الدولة من الدول ذات الأعباء أو الطموح الدولي والإقليمي). وقد ترى الدولة زيادة حجم القوات في تخصص محدد مثل الدفاع الجوي مثلاً (ليكون قادراً على التصدي لهجمات العدو الجوية، التي تصاحب الهجوم البري وتمهد له في البداية) أو القوات الجوية (لتكون قادرة على رد الضربة، أو إجهاضها بضربة وقائية) إضافة إلى القوات القريبة من حدود الدولة؛ ويختلف حجمها من اتجاه لأخر، ومن وقت لأخر، حسب تطور العلاقات مع دول الجوار الجغرافي.

2. حجم القوات في وقت الأزمات والحرب

يُحدد حجم القوات المسلحة المطلوب، للقيام بعمليات قتالية ناجحة، في ضوء الهدف السياسي العسكري للدولة، والمهام الإستراتيجية المطلوب تحقيقها من الحرب، وعلى تقديرات حجم وقدرات الخصم، ونسبة التفوق المطلوبة عليه (والتي تتدخل فيها أيضاً قدرات الأسلحة، وشكل التنظيم، منسوباً لأسلحة وتنظيمات العدو) ومدة الحرب المتوقعة، وحجم التحالفات الممكن الاستعانة بها أو التعاون معها، وحجم الخسائر المتوقعة في الأسلحة والتخصصات المختلفة، ودرجة تأثيرها على أداء القوات.

تحقق النسبة 1 : 5 المعادلة، بين السلم والحرب في حجم القوات، التي قد تزيد أو تقل، طبقاً لموقفي الدولة السياسي والعسكري، وعناصرها الجغرافية[8]. ومن المتعارف عليه، أن يكون حجم القوات المسلحة، بالنسبة لتعداد الدولة، في حدود 2.4%، وهى نسبة ترتفع في بعض الدول، ذات الإستراتيجيات الهجومية أو الميول العدوانية، لتصل إلى أكثر من 20% من تعداد السكان[9]، وهو أمر يؤثر على الأنشطة الأخرى في الدولة، بسبب ارتفاع معدل العاملين بالقوات المسلحة، عن المعدل الطبيعي. وتحتفظ بعض الدول بحجم قواتها العاملة وقت السلم، بما يعادل الحجم المطلوب وقت الحرب لاعتبارات سياسية أو أمنية. وقد تتصل هذه الاعتبارات ـ أحياناً ـ بالمشاكل الخارجية للدولة. فضلاً عن أنها، غالباً، تتعلق بمشاكلها الداخلية.

3. الأنساق الإستراتيجية

حتى لا تحتفظ الدولة، بحجم قوات مسلحة عاملة كبير، مما يرهق ميزانيتها ويثقل اقتصادها (وقد يتعدى ذلك إلى إرباك الأنشطة الأخرى، التي قد لا تجد العدد الكافي من العمالة المدربة) فإنها تقسّم قواتها وقت السلم إلى نسقين:

أ. النسق الأول الإستراتيجي

يتكون من التشكيلات ذات نسب الاستكمال العالية، والمدربة تدريباً جيداً، وكفاءتها القتالية مرتفعـة، علاوة على استعدادها الدائم لخوض القتال مباشرة، من دون فتح أو انتشار إستراتيجي. (أو قد تحتاج إلى وقت قصير لإعادة تمركزها، بما يتلاءم مع دخولها في أعمال القتال)، وهى تسمى قوات الصدمة الأولى، وتتكون من كافة قوات الأفرع الرئيسية العاملة، وقوات حرس الحدود، وخفر السواحل الموجودة بالقرب من حدود الدولة، بشكل شبه دائم.

ب. النسق الثاني الإستراتيجي

يتكون من القوات التي تتم تعبئتها وانتشارها (الانتشار (الفتح) الإستراتيجي)، في مدة طويلة نسبياً، وتكون ـ عادة ـ قوات احتياطية، تستدعى للتدريب على فترات زمنية (طبقاً لخطط التدريب الموضوعة). وقد يبقى منها في القوات العاملة نواه ذات نسبة منخفضة (قد لا تتعدى 20% من قوة الوحدة)، أو قد لا يوجد منها في القوات العاملة سوى بعض الضباط العاملين في قطاع التعليم العسكري، أو التفتيش، أو غيره من المجالات غير المطلوبة بكثافة، عالية في وقت الحرب[10].

عقب حرب يونيه 1967، نشطت القيادة العامة للقوات المسلحة، في سورية ومصر، لإعادة تنظيم قواتهما. وكانت المرحلة الأولى تستهدف تأمين الحد الكافي للدفاع، على الخطوط القتالية، التي توقفت عليها القوات (خطوط وقف إطلاق النار). والاحتفاظ باحتياطي كاف من القوات، من مختلف الأنواع المساندة في القطاعات العملياتية المختلفة، بالجبهة القتالية.

كان من الضروري في تلك المرحلة، قبول ما يمكن الحصول عليه من أسلحة، كيفما كانت درجة فاعليتها، أو تقنيتها. كما كان الأساس فيها، الاعتماد على التشكيلات الموجودة من القوات المختلفة، واستكمال عناصرها للحد، الذي يمكّنها من أداء مهامها الدفاعية بنجاح.

وباستيفاء مطالب تلك المرحلة، كان لا بد من الانتقال للهدف الأسمى، ألا وهو تحرير الأرض المحتلة في عمليات 1967، لذلك، بدأت القيادات العسكرية في دراسة متطلبات المرحلة الثانية، التي كانت تختلف في حجم قواتها المطلوبة، ونوعياتها، وتسليحها، عن المرحلة السابقة، فطبيعة الهجوم، مختلفة عن الدفاع. فالهجوم يحتاج إلى تفوق على قوات العدو، في الأفراد والمعدات والأسلحة، بما لا يقل عن ثلاثة أضعاف على أقل تقدير. ويعني ذلك أن تتضخم القوات المسلحة ستة أضعاف (فحجم القوات الكافي للدفاع، يكون عادة من ثلث إلى نصف، حجم قوات العدو).

وفي المهام الدفاعية، تُعد وحدات المشاة أكثر مناسبة، وتدعم بعناصر مدرعة لتنفيذ الهجمات المضادة، بغرض تدمير العدو المخترق للدفاعات. ويساند قوات المشاة عادة حجم كبير من عناصر الهندسة العسكرية لإنشاء التحصينات وبث الألغام. أما في المهام الهجومية، فإن القوات المدرعة والآلية تُعد القوات الرئيسية، لذلك النوع من الأعمال القتالية، . وتكون المساندة النيرانية من المدفعية ذات المدى الطويل والفاعلية الكبيرة، والقوات الجوية (خاصة الطائرات العمودية الهجومية، ذات التسليح المتنوع والمتطور) من أكثر الأسلحة المطلوبة.

لذلك، لا بدّ أن يسبق الانتقال إلى مرحلة الإعداد للهجوم، الحصول على الأسلحة الهجومية المناسبة، وإنشاء الحجم الكافي من القوات، ذات النوعية القادرة على الحركة السريعة والمناورة الكافية، والعناصر المتخصصة المختلفة اللازمة للإسناد.

يستدعي ذلك التطور الكبير في حجم القوات المسلحة[11]، تدابير مماثلة في أهميتها للنواحي المالية، وهو ما قد يمس حياة المواطنين نسبياً[12]، ولأنها تتأثر بالتعديلات في مدد الخدمة التطوعية والإلزامية[13].

ثالثاً: نظام التعبئة

تتحول الدولة كلها ـ في نظام التعبئة الشاملة ـ من حالة السلم، إلى حالة الحرب. وتكون التعبئة، عادة، على نحو سرىّ، وقد تأخذ أحياناً الطابع العلني، عند حدوث مفاجأة، ببدء أعمال القتال من الخصم، أو عند التعبئة الشاملة (حيث تؤدى تعبئة الأجهزة والموارد المدنية إلى العلنية). وقد تكون التعبئة جزئية لقطاع واحد، أو جزء من التشكيلات، أو وحدة عسكرية بعينها. وتكون التعبئة الجزئية عادة سرية، حيث يمكن كتمانها لفترة زمنية محددة. وقد يُعلن عنها، لأغراض سياسية أو خداعية.

خطة التعبئة

تُعد خطة التعبئة بكافة تفاصيلها، ضمن التخطيط الإستراتيجي لاستخدام القوات المسلحة. وهي جزء من خطة التعبئة العامة للدولة، وتحقق كل منهما أهداف الخطة الأعلى. وتشمل خطة تعبئة القوات المسلحة، التي تُعد أهم ما تعده القيادة العامة من خطط في وقت السلم، استكمال القوات للنسبة، التي تجعلها جاهزة للقتال (يشمل الاستكمال الأفراد والمعدات والأسلحة)، كما يشمل أيضاً تكوين وحدات وتشكيلات جديدة، قد يتطلبها الموقف. وفى القطاع المدني، تحدد خطة التعبئة الأجزاء، التي تتم تعبئتها الجزئية، لصالح المجهود الحربي للدولة، (التعبئة الجزئية)، والتي عادة تشمل المنشآت (كالمستشفيات وبعض المصانع والورش الفنية) ووحدات النقل (بأنواعها).

وترجع أهمية الدقة في خطة التعبئة الإستراتيجية، في توفيرها الموارد المالية لصالح قطاعات أخرى، مما يخفف من تكلفة القوات المسلحة وقت السلم. وفي الوقت ذاته تحقق السرعة في الوصول بالقوات إلى الحجم المطلوب، لبدء أعمال قتال رئيسية.

وتتطلب خطة التعبئة فتح مراكز لتجميع الأفراد في مناطق تواجدهم الرئيسية، ووجود مستودعات للأسلحة والمعدات قريبة منها (بخلاف مستودعات التخزين الإستراتيجية) ووسائل نقل وطرق جيدة، حتى يمكن سرعة وصول العناصر المعبأة بكامل تجهيزاتها (سواء أفراد أو وحدات صغرى) إلى مناطق الحاجة إليهم في التوقيت المطلوب.

تستكمل دقة وفاعلية خطط التعبئة، بنظم إنذار واستدعاء ذات كفاءة عالية، يمكن تعديلها وتحسينها طبقاً للخبرات، التي تكتسب بالتجارب المتتالية في كافة الاحتمالات. وتعطى الأجهزة الإلكترونية الحديثة، أعلى درجات الفاعلية، في دقة وكفاءة النظام كله.

مع تصاعد التوتر بين إسرائيل والدولة العربية المحيطة، في يونيه 1967، بدأت إسرائيل في تنفيذ خطة التعبئة العامة، اعتباراً من 4 يونيه، بعد أن شكلت وزارة حرب في أول يونيه. ونتج عن التعبئة زيادة حجم القوات المسلحة البرية، من ثلاثة ألوية مشاة ولواء دروع (حجم قواتها العاملة وقت السلم في ذلك الوقت)، إلى 25 لواء مشاة، ومشاة آلية، ومظلي، وسبعة ألوية دروع. وتمكنت إسرائيل من تعبئة ربع مليون مقاتل (بنسبة 10% من إجمالي تعداد الشعب الإسرائيلي في ذلك الوقت)، وتعدت نسبة نجاح التعبئة 95%، من المستهدفين.

كذلك، استدعت القيادة المصرية، القوات الاحتياطية، بهدف رفع حجم القوات المسلحة (من خلال خطة التعبئة العامة) 125 ألف فرد مقاتل احتياطي. إلا أنه لم يستجيب (لأسباب مختلفة) أكثر من 82 ألف مقاتل احتياطي (لا تتعدى نسبة المستدعين الذين لبوا النداء ووصلوا إلى وحداتهم 0.3% من تعداد الشعب المصري حينذاك) بنسبة نجاح للتعبئة لم تتعدَ 65% من المستهدفين.

كان من الواضح وجود قصورٍ في خطة التعبئة المصرية. فقد مرت سنوات عديدة على آخر تجربة عملية أجريت لاختبار الخطة العامة، ولم يتسن إجراء تجارب على الخطط الفرعية، سوى اختبار واحد، بهدف قياس نسبة الاستجابة عند الاستدعاء لدى أفراد وحدة احتياطية، وجرى ذلك عام 1965، أي منذ عامين. إضافة إلى ذلك، فإنه لم يجر أي تدريب ذي قيمة فعلية للقوات الاحتياطية، بل لم يكن هناك تخطيط لتدريب تلك القوات دورياً، كما هو مفترض، لإكسابها كفاءة قتالية مناسبة.

ويتضح من ذلك (كأحد الأسباب الرئيسية)، أن خطة التعبئة الإسرائيلية، كانت أكثر كفاءة ودقة. وقد جرى التدرب عليها مراراً، لذلك كانت نسبة نجاح التعبئة عالية، مع أن حجمها يفوق المعدلات العالمية (2.4% من حجم الشعب). وقد استطاعت إسرائيل في حرب أكتوبر 1973، زيادة نسبة التعبئة لتصل إلى 20% من حجم الشعب، وهي نسبة عالية للغاية[14]. ولم تكن مصر تحتاج عام 1973 إلى تعبئة شاملة عالية النسبة، كتلك التي قامت بها إسرائيل، حيث كانت مصر تحتفظ بقوات عاملة، منذ أن بدأت في إعداد قواتها للدفاع، بحجم كامل، كانت تزيده تدريجياً.

رابعاً: الانتشار (الفتح) الإستراتيجي للقوات المسلحة:

بناء على فكرة الاستخدام الإستراتيجي للقوات، يتم إعداد خطة بناء التجميعات الإستراتيجية في مسرح العمليات الحربية (حشد القوات على الاتجاهات الإستراتيجية)، وتحدد الإجراءات التخطيطية والتنفيذية، للوصول بحجم القوات إلى الحجم المطلوب لبدء أعمال القتال الرئيسية (خطة التعبئة الشاملة أو الجزئية).

وعندما تصل القوات إلى حجم الحرب، تبدأ مرحلة الانتشار (الفتح) الإستراتيجي على ثلاث مراحل. أولها مرحلة الحشد الإستراتيجي، بنقل القوات وإعادة توزيعها على مسارح العمليات (أو الاتجاهات الإستراتيجية)، ثم مرحلة تجميع التشكيل الرئيسي للقوات (التجميعات الإستراتيجية المشتركة)، من كافة أنواع القوات، طبقاً للحاجة إليها في كل مسرح (أو اتجاه)، ثم مرحلة توزيع التجميعات المشتركة، التي تكونت على الاتجاهات التي تحددت لها. وتتم هذه المراحل، طبقاً لتخطيط زمني ينسق وصول القوات على الاتجاه المناسب، في الوقت المناسب.

تبدأ عملية الانتشار (الفتح) الإستراتيجي، دون انتظار للانتهاء من المرحلة السابقة لها (تنفيذ خطة التعبئة). ويجري دفع التشكيلات والوحدات حال الانتهاء من تعبئتها، حسب الأسبقيات المحددة للعمليات، لتأخذ أوضاعها على الاتجاه المعين لها، ولا تعتبر خطة الانتشار الإستراتيجي قد نفذت بنجاح، إلاّ بعد التأكد من تنفيذ الإجراءات التالية:

1. وصول التشكيلات والوحدات (من مختلف الأنواع)، إلى مواقعها في مسرح العمليات، ودخولها تحت القيادة العملياتية المخصصة للاتجاه المحدد (قيادة الجيش الميداني أو المنطقة العسكرية، أو الفيلق، طبقاً لتنظيمات القوات المسلحة في الدولة).

2. تمركز الوحدات الجوية في المطارات الأمامية، والوحدات البحرية في قواعدها، أو مناطق عملها، في أعالي البحار.

3. احتلال قوات الدفاع الجوى لمواقعها المحددة في الخطة.

4. اتخاذ العناصر الإدارية لأوضاعها، وممارستها لأنشطتها من تلك الأوضاع.

5. فتح مراكز القيادة والسيطرة واستعدادها لبدء إدارة أعمال القتال.

6. وصول الأوامر بالمهام القتالية إلى التشكيلات والوحدات، واتخاذها إجراءات الإعداد للمعركة، وتبليغها عن استعدادها لبدء القتال (اُنظر شكل الحشد والتعبئة والانتشار).

تُعد عملية الانتشار الإستراتيجي، من المراحل المهمة في إعداد القوات المسلحة للدفاع. وهي تتميز بحشد قوات كبيرة الحجم، وتحركات ضخمة، مما يستلزم التخطيط الدقيق لها، وإجراء تجارب على نماذج رياضية باستخدام الحاسب الآلي، وأخرى ميدانية، للتأكد من واقعيتها، وقابليتها للتنفيذ بشكل جيد. كما تتخذ إجراءات خاصة للوقاية ضد تدخل العدو في أعمال الانتشار (الفتح) الإستراتيجي، عندما يحاول القيام بأعمال مضادة (ضربة إحباط) باستخدام الصواريخ أرض/ أرض، والقوات الجوية، والبحرية، والتدخل الإلكتروني على شبكات السيطرة على القوات القائمة بالانتشار (التحركات)، أو على رادارات القوات المدافعة.


 



[1] قد تكون تلك الخطة لإعداد وتجهيز جزء من القوات المسلحة للعمل خارج أرض الوطن، في مهام خاصة، مثل المشاركة في قوات حفظ السلام الدولية، والتي أصبحت منتشرة في معظم القارات، أو مساندة ودعم القوات المسلحة لدولة حليفة.

[2] تسمى "وثيقة خطة الاستخدام الإستراتيجي للقوات المسلحة".

[3] قد تدمج خطة استخدام قوة الدفاع الجوى مع القوة الجوية طبقاً للتنظيم الإستراتيجي في بعض الدول، الذي يدمج القوتين في فرع رئيسي واحد (القوات الجوية والدفاع الجوى).

[4] تسمى أيضاً " خطة الفتح الإستراتيجي".

[5] تسمى أحياناً حشد وتوزيع القوات على الاتجاهات الإستراتيجية، والمحاور العملياتية.

[6] يلحقها بعض المتخصصين بإعداد الشعب للدفاع.

[7] لا يمكن أن تغطى ميزانية عام واحد في الدولة، كل مطالب القوات المسلحة، من تسليح وإنشاءات وإعاشة وتجهيز لمسارح العمليات المنتظرة، فضلاً عن إنشاء تشكيلات جديدة ومصروفات تدريب القوات الموجودة فعلاً. لذلك، توضع ـ عادة ـ خطة متدرجة لحقبة زمنية لا تقل عن خمس سنوات، لتغطيه أي تطوير قد يطرأ.

[8] في معدلات الحرب العالمية الثانية، وصلت النسبة في فرنسا إلى خمسة أضعاف السلم، بينما ارتفعت في الولايات المتحدة الأمريكية (التي كانت تقاتل في عدة جبهات في وقت واحد) إلى 29 ضعف، عن قواتها وقت السلم.

[9] كما في ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وإسرائيل منذ نشأتها.

[10] تحتفظ إسرائيل بنسبة من قواتها عاملة، وتقسم قواتها الاحتياطية إلى ثلاث مستويات، حيث تزيد نسبة القوة العاملة بصفة دائمة في المستوى الأول عمّا يليها من مستويات. وتجري التعبئة تباعاً لتلك المستويات طبقاً لحاجة الأعمال القتالية المنتظرة.

[11] رفعت القوات السورية حجم قواتها اعتباراً من عام 68، أي بعد أن انتهت من المرحلة الأولى " الدفاعية " إلى ربع مليون مقاتل، تدريجياً، خلال خمس سنوات (حتى عام 1973)، للوصول إلى الحجم المناسب للمرحلة الثانية (الهجومية).

[12] خفضت الدولة المصرية المرتبات، لِتوفر موارد إضافية للإعداد للحرب، وليشارك كل المواطنين فيها، كما خفضت من دعمها للخدمات بنسب متفاوتة.

[13] احتفظت الدولتان (مصر وسورية) بالأفراد الذين انتهت مدة خدمتهم بالقوات المسلحة عقب حرب 1967 وإلى ما بعد حرب 1973. كما عدلت سورية مدة الخدمة الإلزامية (خدمة العَلَمْ) إلى سنتين ونصف بدلاً عن سنتين، وألغت مصر إعفاء خريجي الجامعات من التجنيد الإجباري، لرفع مستوى القوات المسلحة بدخول المجندين من ذوي المؤهلات الجامعية (العليا) في صفوفها.

[14] على الرغم من نجاح إسرائيل في خطة تعبئتها العامة (الشاملة) في حرب أكتوبر 1973، حيث تعتمد عليها بشكل أساسي لرفع حجم قواتها المسلحة، إلا أن المفاجأة المصرية السورية، في بدء الحرب، واختيار يوم عيد ديني لدى إسرائيل (يوم كيبور) أفقد الإسرائيليين الساعات الأربعة والعشرين الأولى للتعبئة.

[15] في بعض الدول تقسم حالات التأهب إلى خمسة حالات تأخذ أرقاماً بدلاً من التسمية، وتكون الحالة رقم (5) هي أدناها، والحالة رقم (1) هي أعلاها.

[16] تعتمد أجهزة الاستخبارات العسكرية على مكاتب الملحقين العسكريين بسفاراتها بالخارج، وكذلك العملاء الذين تتمكن من تجنيدهم، وعلى معدات الحرب الإلكترونية ذات التقنية العالية (طبقاً لإمكانات الدولة الاقتصادية)، والاستطلاع الجوي والبحري، والأقمار الصناعية المخصصة للتجسس.

[17] في حرب الخليج الثانية، اختلف الهدف من الحرب بين أعضاء التحالف الدولي مما أثر في سعة مسرح العمليات لتلك الحرب من وجهة نظر كل دولة مشاركة فيها، فبالنسبة إلى الدول العربية كان هدفها الاقتصار على تحرير الكويت، بما يعنى أن أقصى حد لمسرح الحرب هو الحدود الشمالية للكويت، بينما كان هدف القوات الغربية هو تدمير الأسلحة الرئيسية العراقية. لذا، كانت حدود مسرح العمليات بالنسبة إليهم تمتد حتى البصرة. كما وضعوا في اعتبارهم استخدام الحدود التركية مع العراق لإجباره على الاحتفاظ بجزء من قواته مرابطة على تلك الحدود، بعض الدول الإسلامية (باكستان والسنغال والصومال) كانت أهدافهم الدفاع عن الأراضي المقدسة في المملكة العربية السعودية لذا لم تتعد قواتهم حدود المملكة العربية السعودية.

[18] تعتنق إسرائيل العقيدة الغربية للحرب الخاطفة القصيرة المدى، لذا فإنها تحدد مسرح عملياتها في حدود قدرة قواتها على تحقيق الهدف في زمن قصير، ولكن قدرات قواتها الجوية والمدرعة تمكنها من استثمار أعمالها القتالية في عدة جبهات في ذلك الوقت القصير، وهو ما يمكنها من تحديد مسرح عمليات متسع، يشمل العديد من دول الجوار العربية، وغير المجاورة كذلك، مثلماً فعلت في حرب 1967، وفي عملية بابل لتدمير المفاعل النووي العراقي بالطائرات.

[19] تعتمد العقيدة البرجوية على قتال قوات الخصم في العمق (الاحتياطيات) في نفس وقت قتال أنساقه الأولى (القوات الأمامية). لذا، فإن القوات التي تعمل في إطار هذه العقيدة، يحدد لها مسرح عمليات عميق، ليشمل أماكن وجود احتياطيات العدو.

[20] القانون رقم 4/1968 المنظم لأسلوب الدفاع عن الدولة، ويحدد مسؤوليات واختصاصات القيادات السياسية والعسكرية، والمجالس التخصصية المختلفة.

[21] تم إنشاء 30 مطاراً، مجهزاً بحوالي 500 دشمة طائرة، و 300 ملجأ أسمنتي، لقواعد الصواريخ المضادة للطائرات، ورصف أكثر من 4000 كيلومتر من الطرق، وأعمال حفر وتشوين رمال، بلغت أكثر من 12.5 مليون متر مكعب من الرمال، وأكثر من مليون و750 ألف متر مكعب أعمال خرسانية للمواقع المختلفة، والسواتر الترابية على الضفة الغربية للقناة.

[22] قد تستخدم أيضاً كمعسكرات للأسرى، أو تجميع الشاردين من مناطق القتال القريبة، أو لإيواء اللاجئين من الدول المجاورة. وقد يقام لهم معسكرات خاصة لذلك، على غرار ما قامت به المملكة العربية السعودية في حرب الخليج الثانية.

[23] استخدمت مصر أثناء الإعداد لحرب أكتوبر 1973، عربات السكة الحديد المجهزة (الصهاريج)، كمستودعات متنقلة بعيداً عن القصف الجوي.

[24] تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية، مراكز قيادة سياسية طائرة وفي قطارات سكه حديد، تتحرك بصفة مستديمة، وقت الأزمات.

[25] استدعى القتال في حرب الخليج الثانية، سرعة استعادة كفاءة المنشآت والمرافق بالكويت المحررة، وكذلك المناطق الحدودية مع العراق، خاصة آبار البترول، التي أشعلها العراقيون، حيث تستنفذ موارد حيوية كويتية، وتشكل خطراً حقيقياً على البيئة، في الدول المجاورة.

[26] دفعت مصر مجموعة عمل، خلف طلائع القوات، التي دخلت بور سعيد، بعد انسحاب القوات الإنجليزية والفرنسية منها عام 1957، لاستعادة كفاءه المنشآت والمرافق المهمة.