إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / إعداد الدولة للدفاع (الأُسُس والمفاهيم)





التنسيق بين الوزارات
التعبئة والحشد والانتشار




إعداد الدولة للدفاع

خامساً: التدريب القتالي، وإعداد القوات المسلحة لكل ما هو ضروري للحرب

يُعَدّ التدريب على القتال من أهم واجبات القوات المسلحة، في وقت السلم، وهو أساس الإعداد للحرب. وينفذ التدريب القتالي، بناء على خطط التدريب القتالي السنوية، التي تصدرها الأجهزة المختصة في القوات المسلحة، وتعتمد على التوجيه التدريبي لوزير الدفاع، حيث يحدد المهام التدريبية (مستمدة من الهدف السياسي العسكري، وهدف الخطة المرحلية لإعداد القوات المسلحة للدفاع)، والسياسة التدريبية لتحقيق هذه المهام، وطرق وأساليب التدريب، التي تتبع لكل فئة من المتدرِبين.

تهدف خطة التدريب القتالي إلى رفع الكفاءة القتالية للقوات المسلحة (أو المحافظة على المستوى الذي وصلت إليه سابقاً) والاستعداد القتالي الدائم لكافة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة والوحدات التابعة لها وأجهزة القيادة العامة، والوحدات والتشكيلات المقاتلة، والتجميعات العملياتية.

وتُبنى الخطة على أساس مهام العمليات، وطبيعة الصراع المنتظرين، وأساليب العدو المحتمل في إدارة الصراع، وتنظيم قواته وتسليحها، وطبيعة مسرح العمليات المنتظر. ويجب أن تحقق الخطة التدريب الواقعي والضروري، وغرس روح المبادأة والجرأة لدى القيادات، وتدريبها على القيادة بالأسلوب الصحيح، والسيطرة في الظروف الصعبة والمواقف الحرجة.

والهدف والأساس الذي ترمي إليه خطة التدريب، هو إعداد الفرد المقاتل ذي الكفاءة القتالية والبدنية العالية، الذي يحسن استخدام الأسلحة والمعدات بمهارة، مع ارتفاع مستوى وعيه الديني والثقافي، والقدرة على التصرف الجيد والبارع. ويتم إشراك الأفراد في تدريبات مشتركة للوحدات، للوصول إلى أعلى مستويات التدريب، عملياتياً وإستراتيجياً (للجيوش والاتجاهات الإستراتيجية)، بمشاركة كافة أنواع القوات (برية وبحرية وجوية ودفاع جوي) في الصور الحقيقية للحرب الحديثة والمنتظرة، من هجوم ودفاع، وتحرك وتقدم وارتداد، مع الوضع في الاعتبار أثناء التدريب، احتمالات تدخل العدو بالأسلحة غير التقليدية (النووية والكيماوية والبيولوجية)، أو تحت ضغط التفوق الجوي للعدو، واستخدامه المكثف لمعدات الحرب الإلكترونية.

عقب عدوان 1967، أعادت الدول العربية المتضررة من العدوان، تنظيم قواتها المسلحة، وزادت حجمها، ضمن خطة شاملة للوصول إلى الحجم المناسب، للدخول في حرب جديدة مع إسرائيل لتحرير أراضيها. وتزامن، مع إعادة التنظيم والتوسع في الحجم، تدريب تلك القوات للوصول بكفاءتها القتالية إلى المستوى، الذي يؤهلها لخوض العمليات الحربية.

وكانت البداية في رفع المستوى الثقافي للجنود، بزيادة الاعتماد على الأفراد من حمله الشهادات المختلفة، ورفع مستوى ضباط الصف، باعتبارهم العمود الفقري للقوات المسلحة، وزيادة تأهيل الضباط داخلياً وخارجياً. كما وفرّت قيادات تلك القوات مطالب التدريب القتالي، من معدات وأجهزة، وإجراء تدريبات فنية وقتالية، متدرجة في المستوى والتعقيد، لتصل بالأفراد والقيادات والقوات لأرفع مستويات الأداء. وكان لابد أن يصاحب، التوسع في حجم القوات، توسع مماثل في قدرات الاستيعاب، للمعاهد والكليات العسكرية التي سيجرى بها التعليم الأساسي، المقدّم للضباط وضباط الصف والجنود. كما أجريت اختبارات ومسابقات، لخلق روح التنافس في الإجادة بين القوات في كافة تخصصاتها.

ومع مرور الوقت، والاقتراب من التوقيت الحاسم، أخذ تدريب القوات شكلاً أكثر واقعية وفائدة. فتركّز على حل مسائل خطط العمليات الحقيقية، واتخذ شكل المناورات الضخمة، في أوضاع ومهام مشابهة، وعلى أرض أكثر تشابهاً لمناطق القتال المنتظرة.

وفي جمهورية مصر العربية، ولظروف وطبيعة القتال المقبل (اقتحام قناة السويس وخط بارليف الحصين على شاطئها الشرقي)، اتخذ التدريب شكلاً حقيقياً، بالعبور والقتال في الشرق، بقوات محدودة تدرجت من مجموعة صغيرة من الأفراد، حتى مستوى قوة كاملة (كتيبة مشاة)، بأسلحتها. ومن عدة ساعات، إلى يوم كامل (24 ساعة)، للتدرب على ردود فعل الخصم، إزاء وجود القوات داخل دفاعاته، وتدريب القيادات على المواقف الصعبة، التي ستتعرض لها، عند بدء الحرب، لتحرير الأرض. وقد عرفت تلك الفترة باسم، "حرب الاستنزاف" حيث كان من مهامها أيضاً (بخلاف تدريب القوات عمليا)، استنزاف قدرات العدو البشرية والاقتصادية، يجعله يحتفظ بحجم كبير من قواته في وضع تأهب دائم.

سادساً: تنظيم الجاهزية للقتال

هي أحد المهام الإستراتيجية لإعداد القوات المسلحة، وأكثرها أهمية، فالقوات المسلحة، يجب أن تكون دائماً مستعدة لتنفيذ خططها، للدفاع عن الوطن بكفاءة عالية. ويستوجب ذلك أن تظل القوات المسلحة في حالة تأهب كامل ودائم، وهو أمر مرهق للقوات، ومهلك للمعدات، ويستنزف الأموال، مما لا تطيقه ميزانية الدولة. لذا، تُنظم حالة التأهب القتالي للقوات، في مراحل متتالية على النحو الآتي[15]:

1. حالة تأهب قتالي دائم (يومية)، تنفذ خلالها القوات مهامها التدريبية، في أي موقع. وتكون في الوقت نفسه، جاهزة لتلبية المطالب القتالية، عند إنذارها بالتحول إلى العمليات الحقيقة (خلال فترة زمنية قياسية محددة). وتوضع نسبة من القوة في حالة تأهب أعلى، لمواجهة المواقف الطارئة.

2. حالة تأهب قتالي عالية (زائدة)، تتحول القوات إليها، عبر مجموعة إجراءات محددة، تنفذها القوات خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً، بهدف تقليل الزمن للوصول إلى الحالة القصوى. ويتم التحول إلى هذه الحالة، من الحالة اليومية الدائمة، عند حدوث أو توقع توتر.

3. حالة تأهب قتالي كاملة، تتحول إليها القوات عند زيادة حالة التوتر، وتوقع الدخول في أعمال قتالية قريبة، ويتم تنفيذ مجموعة أخرى من الإجراءات للاستعداد، وتقليل الزمن القياسي.

4. حالة تأهب قتالي قصوى، هي الحالة التي تُتخذ عند التأكد من وقوع حرب، أو حدوث اشتباكات مع الخصم. ويتم فيها اتخاذ الأوضاع القتالية، استعداداً لتنفيذ الخطط الموضوعة، التي سبق التدرب عليها. وهذه المرحلة هي أعلى حالة تأهب قتالي للقوات.

وتُعد درجة جاهزية القوات المسلحة للقتال، في المستوى، الذي يؤهلها للدخول في الحرب، إذا كانت قد حققت مستوى تدريبي عالٍ، وعلى درجة عالية من الصلاحية للأسلحة والمعدات القتالية، وعلى مستوى جيد من التنظيم للتأمين الإداري والفني، مع نظام قيادة وسيطرة ذي كفاءة عالية، وإعداد مسبق وتام لمناطق العمليات.

وتحدد خطة تنظيم حالات التأهب القتالي، ونسبة القوات الجاهزة للتحرك فوراً، لتنفيذ أعمال قتالية مباشرة، طبقاً للخطط القتالية الموضوعة، ونسبة القوات في حالات التأهب الأقل، وحجم ونوعية القوات المناوبة ليلاً ونهاراً. كما تحدد وسائل الإنذار، وكلماتها الرمزية، مما يمكّن القوات من التعرف على حالة التأهب القتالي المطلوبة، والعدائيات المنتظرة، والإجراءات المطلوب اتخاذها بسهولة. ويمكن من خلال خطوات العمل المنظمة، رفع حالات التأهب تدريجياً، أو مباشرة، لأقصى حالة. كما يمكن رفع حالات التأهب القتالي لكافة القوات، أو جزء منها، حسب طبيعة الأعمال المطلوب تدخلها فيها وحجمها. ويوضح ذلك أهمية صحة المعلومة، وتوقيت وصولها، حتى تكون هناك فرصة مناسبة، لرفع حالة التأهب للقوات.

سابعاً: التأمين الشامل، للقوات المسلحة

تتطلب الحرب الحديثة، إمداد القوات باحتياجاتها المختلفة، قبل وأثناء وبعد القتال. وتُستهلك في الحروب العصرية، كميات ضخمة من هذه الاحتياجات. كما يزداد الأمر صعوبة وتعقيداً، بزيادة عدد الأصناف المطلوبة. ويشمل التأمين الشامل كافة احتياجات القوات المسلحة الإدارية للإعاشة، والفنية للمعدات والأسلحة، وهى بذلك تشمل العديد من الأصناف المتنوعة.

وتُقدر العناصر المختصة بالنواحي الإدارية، والأجهزة المختصة بالنواحي الفنية، حاجة القوات المسلحة من الاحتياجات المختلفة، والسعيّ لتدبيرها من السوق المحلى أو الخارجي، وتخزينها على أنساق مختلفة، طبقاً للمستويات، في شكل احتياطي يكفى لإدارة أعمال القتال طوال الفترة المحددة للخطة. ويتوقف سلامة ودقة التقدير، على دقة الخطط الأخرى. ويتأثر تحديد المطالب من الاحتياجات بعدة عوامل، أهمها:

1. حجم التجمعات الإستراتيجية والعملياتية، المشاركة في الصراع.

2. طبيعة المهام المكلفة بها التجميعات (هجوم، دفاع، تقدم).

3. طبيعة الصراع المنتظر وشدّته.

4. المدة المتوقعة لاستمرار القتال.

5. قوة العدو وفاعلية أسلحته.

6. طبيعة مسرح العمليات.

وتتعاون مع أجهزة وزارة الدفاع، العديد من أجهزة الدولة، التي تُصّنع وتنتج تلك الاحتياجات، أو تستوردها، وتوزع على الأنساق الإدارية للاحتفاظ بها في مستودعاتها لحين طلبها. ولا بد أن تحدد كميات التخزين في الأنساق الإدارية أيضاً، بدقة. ويتم تحديد حجم كل نسق، بناء على دراسة جيدة، وتقدير سليم للتطورات المتوقعة للقتال، حتى تتمكن القوات المسلحة من تنفيذ مهامها بنجاح. ويُعد الاحتفاظ باحتياطي على مختلف المستويات، من أهم أسس التخطيط لتأمين القوات.

وتشكل مستودعات التكديس في الأنساق الإدارية، احتياطي الاحتياجات الإدارية والفنية، على النحو التالي:

1. احتياطي الطوارئ، ويُحتفظ به في التشكيلات والقيادة العامة للاستهلاك، أثناء العمليات.

2. احتياطي إستراتيجي، وهو جزء من مخزون الدولة، ويوضع تحت تصرف القوات المسلحة، لمواجهة الزيادة في الاستهلاك، أو أي مطالب أخرى.

3. احتياطي الدولة، وهو المخصص لمواجهة مطالب الشعب والقوات المسلحة، في حالات زيادة الاستهلاك بشكل كبير، أو تدمير أجزاء من الأنساق الإدارية ومستودعاتها، أو توقف مصادر الإنتاج لأسباب مختلفة.

وتحتفظ وحدات الإنتاج المدنية عادة في مستودعاتها، بجزء احتياطي خام، أو نصف مصنع، أو تام التصنيع، تستخدمه في المواقف الطارئة، الخاصة بها، وهو ما يمكن الاستفادة منه أيضاً.

وتواجه الدول غير الصناعية، مشاكل عديدة في الاستيراد من الخارج، في وقت الحرب، تصل إلى حد امتناع الدول عن التصدير إليها، أو صعوبة النقل، وتدمير العدو لوسائل المواصلات. لذا، تحاول الدول في وقت السلم، إقامة مصانعها الوطنية، التي تُغطى اكتفاءها الذاتي، وقد تزيد مستوى مخزونها الاحتياطي، أو تضطر إلى اتخاذ سياسات أكثر تفاهماً، مع دول الجوار الجغرافي، والدول المُصّنعة، مما يمثل ضغطاً على قرارها السياسي، والعسكري، أحياناً. وتشكل تلك السياسات، عبءً إضافياً على الاقتصاد الوطني.

ثامناً: تنظيم وإدارة الاستخبارات الإستراتيجية

تهتم خطة تنظيم وإدارة الاستخبارات الإستراتيجية، بتوفير المعلومات اللازمة لكافة المستويات التخطيطية، بالقوات المسلحة، والدولة، حتى يمكن وضع الخطط التفصيلية على أساس سليم. وتؤدي الاستخبارات عملها، في وقت السلم ووقت الحرب، للوقوف على المتغيرات، وتحديث التقديرات، وتعديل الخطط. كما تعمل على جمع المعلومات العسكرية والمدنية (اقتصادية – اجتماعية- سياسية) عن العدو، بهدف التوصل إلى نواياه وخططه السياسية والعسكرية، وكافة الدقائق المتعلقة بمجهوده الحربي ومدى استعداده للقتال.

وعلى مصادر المعلومات بالدولة، تقع مسؤولية الحصول على المعلومات المطلوبة، لإعداد القوات المسلحة، وتجهيزها. ويكون للجهاز الدبلوماسي، بكافة تخصصاته، دور بارز في تجميع المعلومات من الخارج. كما تضطلع الأجهزة العسكرية، بمهمة الاستطلاع العسكري، متتبعة كافة الأنشطة للعدو (ولا تقتصر على الجانب العسكري)، باعتمادها على مندوبيها، وعملائها بالخارج، والوسائل الفنية الحديثة، للتنصت، والتجسس[16]. لذلك يجب أن تُنسّق جهود الاستخبارات بالدولة، ويفضل أن يشرف على كل أعمال الاستخبارات، في كافة المجالات، وعلى كل المستويات، جهاز واحد.

فبجانب خطة تنظيم وإدارة الاستخبارات الإستراتيجية لتوفير المعلومات، تُعد أجهزة الاستخبارات خطة أخرى للاستخبارات المضادة، وهي تُعني بحرمان العدو من الحصول على معلومات عن قواتها. لذلك، فهي خطة مضادة للخطة الأولى في إجراءاتها، وإن كانت موجهة للهدف نفسه (العدو)، ويتعاون فيها كذلك كافة أجهزة الاستخبارات، ويكون لها شقان أمنيان، داخلي وخارجي، لتأمين المصادر التي يمكن أن يستقي العدو منها معلومات عن الدولة.

ففي عام 1967، دفعت القيادة المصرية بجيشها إلى سيناء، في أكبر حشد تشهده شبه جزيرة سيناء. واتخذت القوات المصرية أوضاعها، طبقاً لخطط العمليات الموضوعة من قبل. وكان لا بد من إمداد القيادات المختلفة ـ طبقاً لخطة تنظيم وإدارة الاستخبارات الإستراتيجية ـ بالمعلومات المتوافرة عن العدو أولاً بأول، خاصة أن الخطة الإستراتيجية الموضوعة أُدخل عليها العديد من التعديلات، بحيث لم يبق في موقعه الأصلي، أو مازال مكلفاً بمهامه الأصلية، سوى عدد محدود جداً من العناصر، التي تكون غالباً غير مقاتلة، وهو ما يؤكد شدة حاجة القيادات الميدانية للمعلومات.

كانت المعلومات المتوفرة لدى القيادة العليا ـ من مصادر مختلفة ـ توضح نقطتين أساسيتين، ارتكزت عليهما التوجيهات الصادرة للقوات يوم 2 يونيه 1967 (3 أيام قبل بدء القتال). الأولى كان مصدرها سفير مصر في بلغاريا (أحد مصادر جمع المعلومات، عن طريق الأجهزة الدبلوماسية)، استقاها من دبلوماسي يهودي في بولندا. وكانت تفيد بأن إسرائيل ستفتعل أزمة سياسية، بمحاولة إمرار سفينة ليبيرية في خليج العقبة، متجهة إلى الميناء الإسرائيلي عليه (إيلات)، لتبرر هجومها، الذي سيبدأ في يوم المحاولة نفسها، والذي تحدد له يوم 2 يونيه (يوم عرض المعلومات على القيادة الميدانية في صورة توجيهات عمليات نائب القائد الأعلى). الثانية كانت معلومات من جهاز الاستخبارات العسكرية، في تحليله لنشاط للعدو الذي تم رصده أمام القوات المصرية المتمركزة على حدود مصر الشرقية، وهي تفيد أن التحركات والنشاط البادي للقوات الإسرائيلية على طول المواجهة معها، يؤكد أن هناك نية للحرب، خاصة مع تشكيل وزارة إسرائيلية جديدة، بها عديد من الوزراء المعروفين بتطرفهم (وزارة حرب). وكان تحليل تلك المعلومات بواسطة أجهزة الاستخبارات، يؤكد أن الهجوم الرئيسي للقوات الإسرائيلية، سيكون على المحور الجنوبي (الكنتلا ـ التمد ـ ممر متلا ـ الشط)، ثم الاتجاه شمالاً لعزل القوات المصرية داخل سيناء وتدميرها.

استناداً إلى هاتين المعلومتين، تغيرت الخطة الأصلية تماماً (وكان قد سبق تعديلها مراراً)، وبدأت القوات المصرية في إعادة تمركزها على عجل، في إطار خطة جديدة تقضي بالتركيز على المحور الجنوبي في كثافة القوات، لصد الهجوم الإسرائيلي المتوقع (الذي كانت المعلومة الأولى قد حددت له يوم 2 يونيه له، وهو اليوم نفسه لصدور التوجيهات بالخطة الجديدة).

اليوم التالي (3 يونيه)، توفرت معلومات جديدة، كان مصدرها هذه المرة استطلاع جوي لطائرات مصرية على المحور الجنوبي، بغرض تأكيد المعلومات السابقة، بأن العدو على المحور الجنوبي لا يتعدى لواء مشاة آلي، وعدد قليل من الدبابات، وهو حجم لا يمكنه القيام بأعمال هجومية رئيسية، تصل في عمقها حتى الضفة الشرقية لقناة السويس، كما ذكر في توجيهات العمليات لليوم السابق. ولم يُستفاد من هذه المعلومات في حينها، لسبب ما.

يوم 4 يونيه، أي قبل بدء الهجوم الفعلي بيوم واحد، وهو ما يعني أن الحشود الإسرائيلية لا بد أن تكون في أماكن بدء الهجوم، تجمعت المعلومات لدى القيادة العليا، وصدرت في ملخص الاستخبارات اليومي، توضح 6 مناطق لتمركز القوات الإسرائيلية أمام القوات المصرية، وتحدد أن الحجم الأكبر لتلك القوات، هو على المحور الأوسط (العوجة ـ الإسماعيلية شرق)، وأن احتياطي الجبهة للعدو، في منطقة بير سبع (يمكنه فيها العمل على المحور الشمالي رفح ـ القنطرة شرق) أو الأوسط، ولا يمكنه أن يعمل على المحور الجنوبي. إلاّ أن ملخص الاستخبارات العسكرية لليوم نفسه، أكد أن ما يقوم به العدو من حشد على المحور الأوسط، هو لأغراض الحرب النفسية، بسبب رصد بعض الأبواق على عربات في هذا المحور. وعلى ذلك بقيت القوات في مناطق التمركز الجديدة، تستعد في إطار الخطة الجديدة، التي لم تصل تفاصيلها لمعظم الوحدات الصغرى، ليُفاجأ الجميع بهجوم رئيسي على المحور الأوسط، صباح اليوم التالي 5 يونيه 1967.

ويؤكد ذلك على أهمية، أن تكون خطة تنظيم وإدارة الاستخبارات الإستراتيجية، واقعية، ومتعددة المصادر، وموقوتة (أي تصل معلوماتها للقيادات في التوقيت المناسب للاستفادة منها) ويتم تحليلها بأسلوب علمي، للتوصل إلى استنتاجات مفيدة وواقعية، يمكن، على أساسها، أن تعمل القيادات الصغرى في بناء خططها.

وعلى الجانب الآخر، فإن إسرائيل كان متوافراً لديها معلومات ـ من مصادرها المختلفة ـ عن الحشود المصرية على حدودها معها، وكانت تحشد قواتها في المقابل تدريجياً، بناء على تلك المعلومات، وتمركزها في إطار خطتها الإستراتيجية. وفرضت قيوداً صارمة على استخدام الاتصالات، خاصة اللاسلكية، حتى لا تتمكن أجهزة وعناصر الاستطلاع المصرية من التنصت عليها. وكما خططت إسرائيل ونفذت خطتها للاستخبارات المضادة، التي نجحت في أن تُخفي عن المصريين نواياها الحقيقية في القتال، واتجاهات العمل الرئيسية، حتى آخر وقت ممكن، فإنها نجحت أيضاً في تنفيذ خطتها للاستخبارات الإستراتيجية، حيث حصلت على قدر ضخم من المعلومات عن القوات المصرية، التي كانت تذاع تحركاتها أول بأول في أجهزة الإعلام المصرية نفسها. وقد وضح من سير الأحداث في تلك الحرب، توافر معلومات دقيقة لدى القادة الإسرائيليين عن القوات المصرية والسورية، مكنتهم من التخطيط الجيد للحرب، وإدارتها بنجاح.

تاسعاً: إعداد أراضي الدولة كمسرح للعمليات الحربية

يتطلب إعداد الدولة للدفاع، وكذلك القوات المسلحة، إعداداً مسبقاً للأرض المحددة مسرحاً للعمليات، في خطة الإعداد المركزية. وتكون طبيعة هذه الخطة وهدفها، حسن استخدام طبيعة الأرض لصالح أعمال الدفاع، وتجنب وقوع الأهداف الحيوية والكثافة السكانية، في نطاق أسلحة العدو المنتظر وتحت طائلة التدمير.

وأكثر العناصر استفادة من إعداد الأرض، وأكثرها طلباً وإلحاحاً لذلك، هي القوات المسلحة. ومع أن مسؤولية التنظيم والتخطيط لإعداد أراضي الدولة للدفاع، يقع على القوات المسلحة، إلا أن هناك العديد من الجهات، أجهزة ومؤسسات حكومية ووطنية، تشارك فيها لتلبية ما تطلبه القوات المسلحة منها، من جهة، وخدمة مطالبها الخاصة في الاتجاه نفسه، من جهة أخرى. وهي في ذلك تستشير وتنسق، مع القوات المسلحة (الجهة المسؤولة عن التخطيط والتنسيق والمتابعة في هذا الشأن في وزارة الدفاع).

ويعني إعداد أراضي الدولة للدفاع، التخطيط السليم لاختيار الأماكن المناسبة لإقامة المدن والمنشآت الحيوية، بما يحقق توزيعاً سليماً للقوى البشرية، والمنشآت الصناعية، والمهمة، لتوفير وقاية نسبية لها، ويسّهل الأعمال الخاصة بالدفاع، قبل، وأثناء الحرب، خاصة التحركات العسكرية، وأعمال القتال.

ويهدف تجهيز مسرح العمليات، من وجهة نظر عسكرية خالصة، إلى سرعة انتشار القوات (الفتح الإستراتيجي)، وتوفير وقاية نسبية لها، ضد أسلحة الدمار الشامل، وإتاحة أفضل الظروف لاستخدامها لجميع أسلحتها ومعداتها، وإعاقة أعمال العدو. وقد حتّم التطور الكبير في قوة التدمير والمدىّ لوسائل الصراع المسّلح (الأسلحة بمختلف أنواعها)، أن تصبح كل أراضى الدولة (مهما كبرت) مسرحاً للعمليات. ويخدم تجهيزها أمن ووقاية الشعب، وموارد الدولة المختلفة، كما يخدم قواتها المسلحة وأعمالها القتالية.

عاشراً: تحديد مسرح العمليات المنتظر

تحدد القيادة العسكرية ـ السياسية العليا للدولة (والدول المتحالفة معها إن وجدت) حدود مسرح العمليات المنتظر، آخذه في الاعتبار العوامل المؤثرة، على أبعاد هذا التحديد، وهي:

1. الموقف السياسي ـ العسكري، الذي يؤثر على تصنيف دول الجوار كصديق أو كعدو.

2. أهداف الحرب، وتحدد مدى العمق الذي على العمليات أن تشمله لتحقيق الهدف، وكذلك المواجهة اللازمة لأعمال مناورة القوات[17].

3. الظروف الطبيعية (الجغرافية) للأرض والطقس، التي تؤثر على استخدام القوات.

4. العامل الاقتصادي، وتأثيره يكون واضحاً على إمكان تمويل حرب متسعة الأرجاء، أو محدودة، أو حرب ذات مدى زمني طويل، أم قصير، مما يؤثر على اتساع، وعمق مسرح العمليات[18].

5. الوسائل والطرق التي ستُنفذ بها المهام القتالية (العقائد القتالية، وقدرات الأسلحة والمعدات لدى القوات) وهي ذات تأثير على أبعاد مسرح العمليات[19].

تُشكل حدود مسرح العمليات، بِنْيةًّ متكاملة، سياسياً واقتصادياً وجغرافياً وإدارياً. ذلك، أن هذه الحدود لا بد أن تمر، بخطوط فصل جغرافية، وحدود دولية. كما يدخل في حدود المسرح، أجزاء من أراضى الدولة المعادية، طبقاً للأهداف الموضوعة. وأما إذا تعددت مسارح العمليات، فلا بد أن تتداخل حدودها (من وجهة نظر التعاون).

ويشترط أن يُؤمن مسرح العمليات إمكانية انتشار القوات، بكافة تشكيلاتها، لوقايتها من الضربات الجوية، والصاروخية، وأسلحة الدمار الشامل. كما يجب أن يُؤمن الحد الأدنى من مطالب التحركات، والمناورة، من حيث وجود شبكات الطرق، والموانئ الجوية، والبحرية، وكذلك وجود أهداف إستراتيجية، وعملياتية مهمة. لذا، فالمسرح يشتمل على عدة أنواع من حيث طبيعتها (برية وبحرية وقارية)، كما يقسّم من حيث أهميته، إلى مسارح رئيسية، وأخرى ثانوية.

حادي عشر: إعداد مسرح العمليات، للأعمال القتالية

إنّ تطور الأسلحة، ومعدات القتال، بسرعة كبيرة، في العصر الحديث، انعكس على الحرب في تزايد معدلات القتال، والوصول لأعماق بعيدة في أرض العدو، مع زيادة في درجة التدمير، التي فاقت أي تصور قديم. هذا الأمر، جعل كل أراضى الدول المشاركة في القتال، وما يحيط بها، عرضة للوقوع تحت تأثير أعمال القتال، بشكل أو آخر. يعنى ذلك اتساع مسارح العمليات، وضرورة تجهيزها كلها، مما يزيد العبء على كاهل الاقتصاد، بجانب كثرة التعقيدات للتنسيق بين الجهات المشاركة في الإعداد، التي زاد عددها، وكثرت مهامها. ولم يعد لحدود الدول الطبيعية الأهمية القديمة نفسها، ولم تعد المسافة، بين القوات المرابطة على الجبهة، وتلك القابعة في الخطوط الخلفية، أو في عمق الدولة تعني شيئاً في الحرب.

ويتضمن إعداد مسرح العمليات للأعمال القتالية، كل الأعمال التي تؤمّن تعبئة القوات، وحشدها وانتشارها وتحركها ومناورتها، والمعاونة في أعمال المجهود الحربي، وتأمين احتياجات الشعب خلال الصراع. وتتباين درجة التجهيز من اتجاه لآخر، ومن محور لآخر طبقاً لتصور القيادة السياسية العسكرية لأسلوب إدارتها للقتال، وتطوراته المنتظرة. وتكون وجهة النظر العسكرية، هي أساس الإعداد بما يخدم أعمال القتال.

إن معظم أعمال التجهيز، والإعداد، لمسرح العمليات، هندسية الطابع. ومهمتها تجهيز مناطق الحشد، وخطوط المواقع الدفاعية، وإقامة العوائق الهندسية المختلفة، والطرق، ومحاور المناورة العمودية، والموازية لخط الجبهة، ومتطلبات التكديس الإداري، ومناطق العناصر الفنية، وشبكات الإنذار، والمطارات، والقواعد البحرية، وغرف ومراكز العمليات المحصّنة، ومرابض الرميّ للمدفعية، والدفاع الجوى، والصواريخ. وهو حجم كبير من الأعمال، التي لا يمكن إتمامها دفعة واحدة، أو في توقيت واحد. ويستلزم ذلك، وضع خطة متكاملة، تحدد الأعمال، وأسبقياتها، ومسؤوليات التنفيذ. وتستمر الأعمال بعد ذلك، لتطوير ما تم إنشاؤه، طبقاً لتطور المعدات، وتطور الموقف، وتغير مطالب القوات المسلحة من الإعداد.

ويزيد من عبء تجهيز المسرح، ضرورة العمل المتوازي في إعداد هيكلي للأرض، طبقاً لخطة الخداع الإستراتيجي، التي تهدف إلى تضليل استخبارات العدو واستطلاعه، عن نوايا القوات الحقيقية.

فخلال إعداد مصر وسورية لمسارح العمليات، استعداداً للحرب مع إسرائيل عقب حرب 1967، كانت أهم مشاكلهما، ضخامة الأعمال الهندسية المطلوبة، في كافة المجالات. فقد كان عليهما أن ينظّما الخطوط الدفاعية الجديدة، ثم يُعِدَا قواتهما للقتال المقبل، ويقيما الإنشاءات اللازمة للأعمال الهجومية، التي يُعِدان لها، مع تجهيز الدولة للمشاركة، واحتمال الأضرار المتوقعة.

فعلى الجبهة السورية بدأت الأعمال من أولها، بدءاً من إعداد الخندق الفردي للجندي، مروراً بالملاجئ، والمراصد، ومرابض الأسلحة، والعوائق باختلافها، وإقامة خطوط المواصلات، ومناطق انتشار القوات، ومراكز القيادة، وانتهاءً بإنشاء النظم المتكاملة اللازمة للدفاع الجوي، والقوات الجوية، وغرف العمليات المشتركة. ثم التحول ـ منذ مطلع عام 1972، بعد تبلور الخطط الهجـومية ـ إلى ما يخدم تنفيذ العمليات المقبلة، من تجهيز قواعد الانطلاق للهجوم، وتبادلياتها، وخططها الخداعية. لذا، أنشئ جهاز خاص، تابع لشعبة العمليات في القيادة العامة للقوات المسلحة السورية (فرع إعداد مسرح العمليات)، لدراسة الخطط المقدمة، والتأكد من ملاءمتها لمطالب القوات المسلحة. وأنيط بهذا الجهاز التنسيق مع الأجهزة المختصة، في الوزارات المختلفة.

وعلى الجبهة المصرية، وُضعت خطة لإعادة تنظيم، وبناء القوات المسلحة، نصت على ضرورة إعداد الدولة، والشعب، ومسرح العمليات للحرب، وصدر قانون خاص بذلك[20]. وقدم وزير الدفاع الخطط والمشروعات اللازمة للأعمال الوقائية، والدفاعية. كما وضع برنامجاً زمنياً لتنفيذها، وكُونت لجنة خاصة، من ضباط القوات المسلحة المشهود لهم بالكفاءة العالية في التنظيم والإدارة والمتابعة، للإشراف على تلك المشروعات ومتابعتها، في كافة الوزارات، المنوط بها التنفيذ. وتحولت الدولة إلى ميزانية الحرب، كما تحول اقتصاد الدولة إلى اقتصاد الحرب كذلك.

شملت خطة إعداد الدولة للحرب في مصر، موضوعات كثيرة متشعبة. وشمل ذلك إنشاء خطوط مواصلات واتصالات، وطرق جديدة، وتأمين الكباري والجسور (خاصة على نهر النيل لوقاية دلتا النيل، ذات الكثافة السكانية العالية من الغرق فيما لو دمرت المنشآت المائية)، وإنشاء الموانئ البحرية، وتدبير السلع الاستهلاكية للشعب والقوات المسلحة، وانتشار التجمعات السكانية القريبة من خطوط القتال، وتأمين المرافق الحيوية. كما شملت الخطة، أيضاً، الأعمال الخاصة بالقوات المسلحة، التي شارك فيها العديد من الشركات المدنية، بجانب إدارة المهندسين العسكريين. فأقاموا الإنشاءات الوقائية والدفاعية، الخاصة بالقوات والمعدات والقيادات[21]. كما ابتُكرت كثير من المعدات المبسطة والمعقدة، للتغلب على عقبات طبيعة المانع المائي (قناة السويس)، والساتـر الترابي المرتفـع شرقها (20 متر)، وخط بارليف الحصين، وفي باطنه (22) موقعاً حصيناً، تضم 35 نقطة قوية للأسلحة.

ثاني عشر: نواحي الإعداد الأخرى

يحتاج إعداد الدولة للدفاع، إلى إعداد نواحٍ أخرى من أهداف ومتطلبات (منشآت)، لدعم المجهود الحربي للدولة، مثل إعداد مراكز الإصلاح والصيانة الفنية (للتخصصات المختلفة)، وتعبئتها لصالح المجهود الحربي لرفع قدرات الإصلاح، وهو ما يتطلب تدريبها على القيام بأعمال إضافية، والانتقال والانتشار، والقيام بإجراءات الإخفاء والوقاية. علاوة على استمرارها في تلبية مطالب القطاع المدني. ويطبّق الأسلوب نفسه مع المستشفيات المدنية (الحكومية والخاصة)، التي يمكن تعبئتها بالكامل لصالح المجهود الحربي، أو تعبئة جزء من طاقتها البشرية وأدواتها، لدعم المستشفيات العسكرية. وكذلك قطاع الإسكان، الذي عليه إعداد المباني العامة (مثل المدارس والملاجئ) لإيواء المهجرين والمتضررين من الحرب، الذين أصيبت مساكنهم بأضرار شديدة، أو هؤلاء المقيمين في دائرة القتال، طبقاً لخطة تهجير وإعادة إسكان مؤقت، في مناطق أكثر أمناً، مع توفير سبل المعيشة، ومتطلبات استمرار الحياة اليومية، في تلك الأماكن[22].

وتدخل المستودعات المركزية (الإستراتيجية) للدولة، ضمن خطة الإعداد للنواحي الأخرى. ففيها يجري تكديس كافة متطلبات الشعب والدولة والقوات المسلحة، طوال فترة المعركة المقدرّة في مستودعات متفرقة، تنتشر في أرجاء الدولة، وقاية لها من التدمير بضربة مركزه. على أن تتضمن الخطة، وسائل نقل تلك الاحتياطيات إلى كافة المناطق، ومسؤوليات ذلك[23].

وتُعد السيطرة من العوامل الأساسية لنجاح القيادة في إدارة معركتها. وهي لا تعنى نظم القيادة والسيطرة للقوات المسلحة فقط (والتي هي أمر بديهي)، بل يجب أن يكون هناك إعداد مماثل للسيطرة على كافة أنحاء الدولة، ومختلف فئاتها، ومرافقها، "لتحقيق سيطرة متزنة مستمرة وحازمة يعتمد عليها" أثناء القتال. ويشمل ذلك إنشاء مقر للقيادة السياسية والعسكرية، ومقار أخرى احتياطية وتبادلية منتخبه بدقة، ومجهزة بعناية، للوقاية، وسهولة الاتصال. وقد يكون بعضها متحركاً[24].

وقاية الشعب أحد مهام الدفاع المدني، التي تدخل ضمن خطة تجهيز الأراضي. لذا، تُعد مخابئ آمنة في كافة المناطق الأهلة بالسكان، ويجهز أطقم طبية وفرق إنقاذ في كل منطقة. كما تجهز المنشآت الحيوية هندسياً، لمواجهة آثار التدمير.

يُعد التنبؤ بتطور الأعمال القتالية، من أصعب الأمور. ولكن لا بد من التفكير مسبقاً في مطالب إعداد الأراضي، التي يحتلها العدو (بعد تحريرها)، أو الأراضي في داخل حدود الدولة المعادية نفسها، التي قد يستدعى تطور أعمال القتال اقتحامها[25]. فتوضع خطط مسّبقة لاستعادة الكفاءة للمنشآت، والموارد المهمة، والحيوية بها، للاستفادة منها في أسرع وقت، لصالح المجهود الحربي للدولة. وقد يتطلب ذلك ـ أحياناً ـ تجهيز وحدات عمل خاصة، من كافة التخصصات، تُدفع خلف القوات الأمامية لتنفيذ تلك المهمة الحيوية[26].

تدخل جميع الأعمال الخاصة بوقاية الشعب (إعداد الملاجئ الآمنة من الغارات الجوية، والقصف الجوي وضربات الصواريخ)، ومراكز الإسعاف، ومناطق تمركز فرق الإنقاذ، والتجهيز الهندسي للمباني والمنشآت الحيوية، ضمن إعداد أراضي الدولة للدفاع.


 



[1] قد تكون تلك الخطة لإعداد وتجهيز جزء من القوات المسلحة للعمل خارج أرض الوطن، في مهام خاصة، مثل المشاركة في قوات حفظ السلام الدولية، والتي أصبحت منتشرة في معظم القارات، أو مساندة ودعم القوات المسلحة لدولة حليفة.

[2] تسمى "وثيقة خطة الاستخدام الإستراتيجي للقوات المسلحة".

[3] قد تدمج خطة استخدام قوة الدفاع الجوى مع القوة الجوية طبقاً للتنظيم الإستراتيجي في بعض الدول، الذي يدمج القوتين في فرع رئيسي واحد (القوات الجوية والدفاع الجوى).

[4] تسمى أيضاً " خطة الفتح الإستراتيجي".

[5] تسمى أحياناً حشد وتوزيع القوات على الاتجاهات الإستراتيجية، والمحاور العملياتية.

[6] يلحقها بعض المتخصصين بإعداد الشعب للدفاع.

[7] لا يمكن أن تغطى ميزانية عام واحد في الدولة، كل مطالب القوات المسلحة، من تسليح وإنشاءات وإعاشة وتجهيز لمسارح العمليات المنتظرة، فضلاً عن إنشاء تشكيلات جديدة ومصروفات تدريب القوات الموجودة فعلاً. لذلك، توضع ـ عادة ـ خطة متدرجة لحقبة زمنية لا تقل عن خمس سنوات، لتغطيه أي تطوير قد يطرأ.

[8] في معدلات الحرب العالمية الثانية، وصلت النسبة في فرنسا إلى خمسة أضعاف السلم، بينما ارتفعت في الولايات المتحدة الأمريكية (التي كانت تقاتل في عدة جبهات في وقت واحد) إلى 29 ضعف، عن قواتها وقت السلم.

[9] كما في ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وإسرائيل منذ نشأتها.

[10] تحتفظ إسرائيل بنسبة من قواتها عاملة، وتقسم قواتها الاحتياطية إلى ثلاث مستويات، حيث تزيد نسبة القوة العاملة بصفة دائمة في المستوى الأول عمّا يليها من مستويات. وتجري التعبئة تباعاً لتلك المستويات طبقاً لحاجة الأعمال القتالية المنتظرة.

[11] رفعت القوات السورية حجم قواتها اعتباراً من عام 68، أي بعد أن انتهت من المرحلة الأولى " الدفاعية " إلى ربع مليون مقاتل، تدريجياً، خلال خمس سنوات (حتى عام 1973)، للوصول إلى الحجم المناسب للمرحلة الثانية (الهجومية).

[12] خفضت الدولة المصرية المرتبات، لِتوفر موارد إضافية للإعداد للحرب، وليشارك كل المواطنين فيها، كما خفضت من دعمها للخدمات بنسب متفاوتة.

[13] احتفظت الدولتان (مصر وسورية) بالأفراد الذين انتهت مدة خدمتهم بالقوات المسلحة عقب حرب 1967 وإلى ما بعد حرب 1973. كما عدلت سورية مدة الخدمة الإلزامية (خدمة العَلَمْ) إلى سنتين ونصف بدلاً عن سنتين، وألغت مصر إعفاء خريجي الجامعات من التجنيد الإجباري، لرفع مستوى القوات المسلحة بدخول المجندين من ذوي المؤهلات الجامعية (العليا) في صفوفها.

[14] على الرغم من نجاح إسرائيل في خطة تعبئتها العامة (الشاملة) في حرب أكتوبر 1973، حيث تعتمد عليها بشكل أساسي لرفع حجم قواتها المسلحة، إلا أن المفاجأة المصرية السورية، في بدء الحرب، واختيار يوم عيد ديني لدى إسرائيل (يوم كيبور) أفقد الإسرائيليين الساعات الأربعة والعشرين الأولى للتعبئة.

[15] في بعض الدول تقسم حالات التأهب إلى خمسة حالات تأخذ أرقاماً بدلاً من التسمية، وتكون الحالة رقم (5) هي أدناها، والحالة رقم (1) هي أعلاها.

[16] تعتمد أجهزة الاستخبارات العسكرية على مكاتب الملحقين العسكريين بسفاراتها بالخارج، وكذلك العملاء الذين تتمكن من تجنيدهم، وعلى معدات الحرب الإلكترونية ذات التقنية العالية (طبقاً لإمكانات الدولة الاقتصادية)، والاستطلاع الجوي والبحري، والأقمار الصناعية المخصصة للتجسس.

[17] في حرب الخليج الثانية، اختلف الهدف من الحرب بين أعضاء التحالف الدولي مما أثر في سعة مسرح العمليات لتلك الحرب من وجهة نظر كل دولة مشاركة فيها، فبالنسبة إلى الدول العربية كان هدفها الاقتصار على تحرير الكويت، بما يعنى أن أقصى حد لمسرح الحرب هو الحدود الشمالية للكويت، بينما كان هدف القوات الغربية هو تدمير الأسلحة الرئيسية العراقية. لذا، كانت حدود مسرح العمليات بالنسبة إليهم تمتد حتى البصرة. كما وضعوا في اعتبارهم استخدام الحدود التركية مع العراق لإجباره على الاحتفاظ بجزء من قواته مرابطة على تلك الحدود، بعض الدول الإسلامية (باكستان والسنغال والصومال) كانت أهدافهم الدفاع عن الأراضي المقدسة في المملكة العربية السعودية لذا لم تتعد قواتهم حدود المملكة العربية السعودية.

[18] تعتنق إسرائيل العقيدة الغربية للحرب الخاطفة القصيرة المدى، لذا فإنها تحدد مسرح عملياتها في حدود قدرة قواتها على تحقيق الهدف في زمن قصير، ولكن قدرات قواتها الجوية والمدرعة تمكنها من استثمار أعمالها القتالية في عدة جبهات في ذلك الوقت القصير، وهو ما يمكنها من تحديد مسرح عمليات متسع، يشمل العديد من دول الجوار العربية، وغير المجاورة كذلك، مثلماً فعلت في حرب 1967، وفي عملية بابل لتدمير المفاعل النووي العراقي بالطائرات.

[19] تعتمد العقيدة البرجوية على قتال قوات الخصم في العمق (الاحتياطيات) في نفس وقت قتال أنساقه الأولى (القوات الأمامية). لذا، فإن القوات التي تعمل في إطار هذه العقيدة، يحدد لها مسرح عمليات عميق، ليشمل أماكن وجود احتياطيات العدو.

[20] القانون رقم 4/1968 المنظم لأسلوب الدفاع عن الدولة، ويحدد مسؤوليات واختصاصات القيادات السياسية والعسكرية، والمجالس التخصصية المختلفة.

[21] تم إنشاء 30 مطاراً، مجهزاً بحوالي 500 دشمة طائرة، و 300 ملجأ أسمنتي، لقواعد الصواريخ المضادة للطائرات، ورصف أكثر من 4000 كيلومتر من الطرق، وأعمال حفر وتشوين رمال، بلغت أكثر من 12.5 مليون متر مكعب من الرمال، وأكثر من مليون و750 ألف متر مكعب أعمال خرسانية للمواقع المختلفة، والسواتر الترابية على الضفة الغربية للقناة.

[22] قد تستخدم أيضاً كمعسكرات للأسرى، أو تجميع الشاردين من مناطق القتال القريبة، أو لإيواء اللاجئين من الدول المجاورة. وقد يقام لهم معسكرات خاصة لذلك، على غرار ما قامت به المملكة العربية السعودية في حرب الخليج الثانية.

[23] استخدمت مصر أثناء الإعداد لحرب أكتوبر 1973، عربات السكة الحديد المجهزة (الصهاريج)، كمستودعات متنقلة بعيداً عن القصف الجوي.

[24] تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية، مراكز قيادة سياسية طائرة وفي قطارات سكه حديد، تتحرك بصفة مستديمة، وقت الأزمات.

[25] استدعى القتال في حرب الخليج الثانية، سرعة استعادة كفاءة المنشآت والمرافق بالكويت المحررة، وكذلك المناطق الحدودية مع العراق، خاصة آبار البترول، التي أشعلها العراقيون، حيث تستنفذ موارد حيوية كويتية، وتشكل خطراً حقيقياً على البيئة، في الدول المجاورة.

[26] دفعت مصر مجموعة عمل، خلف طلائع القوات، التي دخلت بور سعيد، بعد انسحاب القوات الإنجليزية والفرنسية منها عام 1957، لاستعادة كفاءه المنشآت والمرافق المهمة.