إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / الإستراتيجية والاقتراب غير المباشر





مناورة الحيثيون بقواتهم
مبادئ/ قواعد الإستراتيجية
ميدان القتال وتمركز الجانبين
أسلوب الموقعة/ المعركة
معركة اليرموك
معركة باتل إكس
معركة بدر الكبرى
معركة جوكيمالا
معركة حطين
الهجوم الخاطف لقوات الحيثيون
المجال القومي للإستراتيجية
الإستراتيجية عبر العصور
المسير إلى أرض فينيقيا
الاقتحام المصري لخط بارليف
التسلل الإسرائيلي
العملية (ضربة صهيون)
العملية العين (حوريب)
بناء السياسات والإستراتيجيات العسكرية
يوم أرماث ويوم أغواث
يوم أعماس ويوم القادسية
عملية عاصفة الصحراء
عملية قادش المعدلة
عناصر القدرة الإستراتيجية للدولة
فكرة العملية الهجومية




الإستراتيجية والاقتراب غير المباشر

مقدمة

إن ظاهرة الصراع، هي إحدى حقائق العلاقات الدولية، منذ العصور البدائية، وعلى رغم عدم وجود صياغة علمية للعلوم الإنسانية والطبيعية، خلال تلك العصور، مقارنة بمفهوم العلوم المعاصرة الحديثة، فإن الصراع في حينه، كانت تحكمه مبادئ فطرية جاءت استجابة للغرائز الطبيعية للإنسان ودوافعه الأولية. وتطورت خصائص العلاقات الدولية، وتعقدت وتشابكت المصالح القومية للدول، وتباينت ردود الفعل في مواجهة الأحداث الدولية، وأصبحت الدراسات العلمية، والفكر الفلسفي، هي التطور الطبيعي في تاريخ البشرية، لوضع الأسس النظرية والحقائق العلمية، وخضوعهم للتخطيط العلمي المدروس لمواجهة المستقبل.

    وخلال القرن السادس عشر، ظهرت بعض الأفكار الحديثة، وصيغت المناهج العلمية للتفكير، وكان من أبرزها ما هو متعلق بسير الحرب، وتطوير الفكر الإستراتيجي. واتجه التفكير إلى تحسين كفاءة القوة العسكرية بصفتها أداة للدولة، ووضح الترابط بين العوامل العسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والمعنوية، إلى الحد الذي تلاشت معه الحدود الفاصلة بينهم، وأصبح الفن الإستراتيجي Strategic Art أكثر اتساعاً وشمولاً، وأخذت الإستراتيجية مظهراً قومياً شاملاً، لتدور حول فن استخدام القوى القومية للدولة، لتحقيق الغاية القومية لها.

    لقد أصبح التخطيط لبناء السياسات والإستراتيجيات هو المنهج العلمي لتحقيق الغاية القومية للدولة، والذي يتدرج في وضع الأهداف والسياسات التخصصية، والتي تعبر عن السياسة العامة للدولة، وينتقل التخطيط إلى وضع الأهداف والإستراتيجيات التخصصية، وتشمل في إطارها "الإستراتيجية العسكرية" Military Strategy، والتي تنبع أساساً من السياسة العسكرية للدولة، ويتم التخطيط لها في ترابط تام مع المبادئ العامة، واتجاهات التطور للعلم العسكري، وفن الحرب. وتُعد الإستراتيجية العسكرية أداة للسياسة لتحقيق الأهداف السياسية العسكرية للحرب، باستخدام وسائل الصراع المسلح، كما تتحكم الأهداف والسياسات العسكرية، في تحديد طبيعة الإستراتيجية العسكرية سواء أن كانت هجومية أو دفاعية أو للردع، وتحدد أيضاً الأساليب الإستراتيجية لإدارة الصراع، والتي ترتبط بالنظريات ومبادئ الحرب، مثل الحرب الخاطفة، والاقتراب غير المباشر Indirect Approach، ومعارك العمق أو معارك الأنساق الثانية، والمعركة البرية الجوية.

    إن الباحث في التاريخ العسكري لجيوش العالم عبر التاريخ، يجد أن مفهوم الاقتراب غير المباشر، لم يكن وليداً للفكر أو الإستراتيجية المعاصرة، كما يتبادر للبعض، بل إن كثيراً من القادة العسكريين القدامى طبقوا أسس هذه النظرية ـ اعتماداً على ذكائهم الفطري ـ وحققوا انتصارات رائعة في حروبهم، ومع تطور الفكر العسكري وتكنولوجيا وسائل الحرب، تطورت أساليب تطبيق النظرية، وبعد أن كانت تشمل البعد العسكري فقط، أضحى لها مفهوم قومي شامل لاستخدام قوى الدولة في مجالها السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والاجتماعي والمعنوي.

    بنهاية الحرب العالمية الأولى، قام المفكر العسكري البريطاني "ليدل هارت" بدراسة وتحليل أكثر من ثلاثين حرباً عبر التاريخ، وصاغ إستراتيجية الاقتراب غير المباشر، وأسس لها المبادئ والأسس النظرية، وسبل النجاح في تطبيقها، إلا أن الفكر العسكري البريطاني لم يأخذ بها، وطبقتها الآلة العسكرية الألمانية في الحرب العالمية الثانية، وحققت نجاحاً هائلاً.

    يتلخص جوهر الإستراتيجية، في أن النصر يتحقق من خلال تحقيق الانهيار النفسي للخصم، وليس بالتدمير المادي لقدراته. ويتم ذلك عن طريق المناورة بالقوات والنيران وبالوسائل والأساليب الأخرى، واستخدام محاور تقدم غير متوقعة، وحشد الإمكانيات وتوجيه الضربات الرئيسة، ضد أضعف نقاط الخصم، لسرعة الوصول إلى العمق والمؤخرة مع إنهاكه من الداخل، بدلاً من تدميره كاملاً، وعلى أن يتم تفتيت الخصم، وتدميره على أجزاء ومراحل متتالية، من خلال تحقيق الانهيار النفسي له، ويجب استغلال الأجناب المفتوحة والمعرضة، أو المدافع عنها بقوات محدودة، كطرق اقتراب غير متوقعة من الخصم، مع العمل على قطع خطوط مواصلاته، ومحاور إمداده في العمق، وإجباره على العمل في مواجهة واسعة، عن طريق الأعمال الهجومية الخداعية أو التثبيتية على طول المواجهة، بهدف إرباكه أو إفقاده السيطرة على قواته وتفتيت احتياطاته أو تثبيتها. وعموماً تركز هذه الإستراتيجية على أن أفضل الأعمال القتالية، هو تحطيم مقاومة الخصم دون قتال.

    إن التاريخ تجربة عملية، لاختبار صحة المسائل العسكرية أو فشلها، والتاريخ هو تجربة شاملة وحصيلة عدة تجارب في الحرب، أكدت نجاح وتفوق إستراتيجية الاقتراب غير المباشر، وانتصارات غير متوقعة، لكل القادة العسكريين العظماء الذين طبقوها، في شكلها المادي والمعنوي.

وعلى سبيل المثال وليس الحصر، في عصر الثورة الزراعية، أو ما أطلق عليه عصر الموجة الأولى The 1st Wave. الفترة من العصور القديمة وحتى القرن السابع عشر، العصر الذي بدأ باستخدام السيف والرمح والسهم، وانتهى باستخدام البندقية والبارود في الحرب، ويحمل التاريخ العديد من المعارك خلال هذا العصر، والتي اعتمد نجاحها على تطبيق هذه الإستراتيجية، حيث برزت في الحروب الإسلامية، ومعارك الفتح الإسلامي، وفي الفتوحات الكبرى للحروب الإغريقية والرومانية والبيزنطية، وتُعد حروب القرون الوسطى، الفترة من القرن الحادي عشر حتى السادس عشر، قليلة التأثر بها، خاصة في دول الغرب، ولكن في جانب آخر من العالم، قدمت الدولة الإسلامية في حروبها مع الصليبيين مثالاً للإستراتيجية العليا للاقتراب غير المباشر، وقدمت شعوب الشرق من المغول والتتار، مثالاً آخر حققت به إنجازات رائعة ـ على رغم أهدافها التدميرية وإستراتيجية الرعب التي كانت تسبقها.

    وظهر عصر جديد، يحمل فكراً عسكرياً حديثاً، وتكنولوجيا مختلفة، وهو عصر البندقية والمدفع والآلات البخارية، والتي تطورت إلى تكنولوجيا الدبابة والطائرة والصاروخ وأسلحة التدمير الشامـل، وأطلـق عليـه عصر الثـورة الصناعيـة، أو عصر الموجة الثانية The 2nd Wave، والذي بدأ مع مطلع القرن الثامن عشر، وكانت حروبه ذات طابع خاص، وفكر إستراتيجي متطور، ترك أثره لأجيال بعدها في مجال إستراتيجية الاقتراب غير المباشر. وكانت الحرب العالمية الأولى في مطلع القرن العشرين، قد حملت العديد من صور الاقتراب غير المباشر، وتبلورت تلك الإستراتيجية، وتبناها "هتلر" وآلته العسكرية، في الحرب العالمية الثانية، التي أفرزت مفاهيم وأبعاداً جديدة للإستراتيجية من الناحية المادية والمعنوية، وعلى الصعيدين العسكري والمدني، وتأتي بعد ذلك، الجولات العربية الإسرائيلية في تطبيقاتها المختلفة لإستراتيجية الاقتراب غير المباشر.

    وعندما تحولت طبيعة الصراع، لتأخذ أشكالاً جديدة، من صور الحرب، بدأ عصر المعلومات والتكنولوجيا Info & Tech age، والذي بدأ العالم الدخول فيه، اعتباراً من العقد الأخير للقرن العشرين، وتحديداً منذ حرب الخليج عام 1991م ـ عاصفة الصحراء ـ حيث استخدم فيها كل ما وصل إليه العلم والتكنولوجيا، واتفق المحللون على توصيفه بعصر الموجة الثالثة The 3rd Wave. وأخذت إستراتيجية الاقتراب غير المباشر أشكالاً جديدة في الصراع، وبرزت الحرب الجوية في البلقان كأحد الأساليب الحديثة للإستراتيجية، ولم يتوقف تطبيقها عند حد المجال العسكري، بل امتد إلى المجال الاقتصادي، والدبلوماسي والسياسي الخارجي، والمجال الاجتماعي، والمجال المعنوي، وتطورت أساليب الإستراتيجية مع تطور الفكر العسكري وتكنولوجيا التسليح في حروب المستقبل، لتأخذ أبعاداً جديدة وأشكالاً حديثة لإستراتيجية الاقتراب غير المباشر في القرن الواحد والعشرين.