إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / الإستراتيجية والاقتراب غير المباشر





مناورة الحيثيون بقواتهم
مبادئ/ قواعد الإستراتيجية
ميدان القتال وتمركز الجانبين
أسلوب الموقعة/ المعركة
معركة اليرموك
معركة باتل إكس
معركة بدر الكبرى
معركة جوكيمالا
معركة حطين
الهجوم الخاطف لقوات الحيثيون
المجال القومي للإستراتيجية
الإستراتيجية عبر العصور
المسير إلى أرض فينيقيا
الاقتحام المصري لخط بارليف
التسلل الإسرائيلي
العملية (ضربة صهيون)
العملية العين (حوريب)
بناء السياسات والإستراتيجيات العسكرية
يوم أرماث ويوم أغواث
يوم أعماس ويوم القادسية
عملية عاصفة الصحراء
عملية قادش المعدلة
عناصر القدرة الإستراتيجية للدولة
فكرة العملية الهجومية




الإستراتيجية والاقتراب غير المباشر

المبحث الأول

مدخل للإستراتيجية

إن الحرب، شكل من أشكال العلاقات الدولية، باستخدام العنف المسلح، وهي قديمة قدم الوجود الإنساني على الأرض، فمنذ الجيل الأول لبنى آدم، قتل قابيل هابيل[1]، وكانت تلك العلاقة، بمثابة شرارة أضرمت نيران الحرب في تاريخ البشرية، فما يكاد يخبو لهيبها في مكان أو زمان، حتى يتوهج في مكان آخر وزمان لاحق. ومع استمرار ظاهرة الحرب، وتعاظم تأثيرها على تطور الحياة البشرية، ومصائر الدول والشعوب، كان من الطبيعي أن تكون الحرب، موضع دراسة الكثير من المفكرين المدنيين والعسكريين.

لقد دار الصراع في المجتمعات البدائية القديمة، من أجل البقاء واستمرار الحياة، وكانت حياة الإنسان الأول، أشد ما تكون حاجة إلى "الأمن والدفاع" عن مصالحه وموارده المحدودة، واتضحت ظاهرة "إغراء القوة"، في استغلال القوة من أجل أمنه وحماية وجوده، فإذا ما اشتدت هذه القوة، ونمت وزادت عن متطلبات الأمن والحماية، سعت إلى العدوان على الآخرين، وحَكم القتال في المجتمعات البدائية،مبادئ فطرية لفن الحرب وإدارة الصراع، استجابة لغرائز الإنسان ودوافعه الأولية.

    وفي العصور القديمة للإمبراطوريات العظمى، المصرية والصينية، والبابلية، والحيثية والآشورية، والفارسية، والإغريقية، والرومانية، والبيزنطية، والتي امتدت لأكثر من ثلاثين قرناً، كان التحضير وإدارة الحرب يجريان تبعاً لموهبة القائد الفطرية، وحسن إدراكه وفطنته، وكانت "الإستراتيجية" حينئذ لها مفهوم شخصي، فأحياناً تعني حشد القوات الكبرى، أو تعنى الهجوم، كما حددها المفكر الصيني العظيم صن تزو (512ق م)، أو تنظيم القوات المسلحة أو توجيه القوات على خطوط التقدم المنتخبة، للحصول على أحسن ميزة قبل المعركة.

ثم جاءت عصور الظلام في أوروبا، والتي عرفت بالعصر الوسيط، وامتدت حتى القرن السادس عشر، وفيها هبط فن الحرب، والفكر العسكري، وكانت الاعتبارات الإستراتيجية محدودة، وكثيراً ما كانت تلك الاعتبارات، تدخل في نطاق التقاليد الإقطاعية والخلافات الدينية، وأدت التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى ظهور مفهوم القوات المؤقتة، والتي كانت محدودة الحجم والإمكانيات، والإعداد ومستوى التدريب، ولا يتوافر لها إمكانية تنفيذ المهام الإستراتيجية، أو الحروب الكبرى، وكانت الموقعة، إذا حدثت، تتجزأ إلى عدد من الاشتباكات الفردية، يشترك فيها القادة الفرسان بصفة مقاتلين مثل الجنود العاديين، وكانت نتائج المعارك، تتقرر إما تحت وطأة التفوق العددي، أو نتيجة للمنازلة الفردية بين الفرسان بصفة فردية ولم تكن الموقعة، عادة، تستغرق أكثر من ساعات محدودة. ومع ظهور النظام النقدي، لعبت الاعتبارات الاقتصادية والمالية، الدور الأكبر في فن الحرب، وبرزت الجيوش الصغيرة المدربة، وانتشرت القوات المرتزقة، التي لم يكن هدفها النصر في الحرب، أو الفداء من أجل الواجب، مما أدى إلى الطبيعة غير الحاسمة في المعارك، مع استمرار أسباب الصراع لفترات طويلة. استخدمت البنادق في حروب القرن الخامس عشر، وأدت إلى زيادة الخسائر البشرية، بدرجة لم تكن معهودة من قبل، فلجأت الجيوش إلى الاعتماد على التحصينات والقلاع والخنادق، وأصبح معها الوضع الدفاعي هو السائد في فن الحرب، دون تطور في الفكر الإستراتيجي، أو تنظيمات الجيوش، وأساليب القتال. إن الحروب الصليبية، تُعد مثلاً جيداً لانعدام الوجود الإستراتيجي لهذه الفترة، فبالرغم من أن معظم القارة الأوروبية، أعطت التأييد للحملات الموجهة إلى الأراضي المقدسة، إلا أن قوة أوروبا، لم تظهر في الجيوش التي حاربت باسمها، إذ أن المعارك لم تحسمها القوة الحقيقية للدول المشتركة، بقدر ما كانت تحسمها الانتصارات العفوية في ميدان المعركة، وفي تلك الفترة كانت الحرب بعيدة عن العوامل الاقتصادية والسياسية، والاجتماعية.

وفي ذلك العصر، الذي لم تظهر فيه شمس فن الحرب والفكر الإستراتيجي في أوروبا، أشرقت شمس المدرسة العسكرية الإسلامية، والتي تجلت في الحروب الإسلامية، ومعارك الفتح الإسلامي، وصنعت من البدو عباقرة في السياسة والإستراتيجية، وارتكزت على إستراتيجية شاملة، بفضل تطبيق نظرية الجهاد، وأديرت بواسطة نظام أركان عامة، بفضل نظام الشورى، كما توافرت للجيوش الإسلامية التنظيمات الكبرى، ونظمت أعمالها القتالية، في سبع مراحل إستراتيجية، على مدى حوالي عشر سنوات.

    وبدأ عصر النهضة الأوروبية، بنهضة فكرية، كان للمسلمين الفضل الأول فيها، وقد أفرزت النهضة الفكرية، مفاهيم أساسية عامة، تحقق إمكانية الوصول إلى القوانين الحاكمة لشتى ظواهر الحياة الاجتماعية والنشاط البشري، ويمكن بهذه القوانين،السيطرة على الحوادث، وكان ميكافيلي، هو أول من طبق هذه المفاهيم بعمق على ظاهرة الحرب، وقام بفصل إدارة الحرب عن العوامل الدينية والاجتماعية التقليدية،وربط الحرب بالعوامل الدستورية والاقتصادية والسياسية، واستحدث عقيدة شمولية القتال للدولة بأجمعها، وأصر على مبدأ استمرار الحرب، إلى حين الوصول إلى حل سياسي يتوافق مع أهداف الدولة، ووضع إطاراً للمبادئ الرئيسة للإستراتيجية السياسية، وسعى إلى تأسيس علاقة قائمة بين السلطة العسكرية، وبين التنظيم السياسي، وأكد في نظريته ضرورة التخطيط والإعداد للحرب على مستوى الدولة.

وخلال القرنين التاليين، لعصر "ميكافيلي"، كانت التطورات الرئيسة في وسائل الحرب، والزيادة التدريجية في حجم الجيوش، وظهور نظرية الإشراف المدني على القوات المسلحة. بعد أن كانت الحرب تُعد فناً يعتمد على موهبة القائد، صارت بعد "ميكافيلي" علماً وفناً، وباستخدام منهج البحث العلمي التحليلي الذي أوجده "ميكافيلي"، توصل المفكرون العسكريون إلى وجود ظواهر وإجراءات عسكرية، أدى استخدامها المتكرر في المعارك والحروب القديمة، إلى تحقيق انتصارات عظيمة. ومهدت كل تلك الإصلاحات، إلى مرحلة الازدهار لتطور الإستراتيجية وهي الفترة من عام (1740ـ1815م)، والتي بدأت بحروب " فريدريك الثاني" ملك بروسيا عام (1740ـ1760م)، واستمرت مرحلة الازدهار هذه حتى هزيمة "نابليون بونابرت" في ووترلو، وشهدت الفترة بعدها، سمات جديدة للحرب، مثل حرب الحركة، وإستراتيجية الحسم.

في القرن التاسع عشر، كان العصر النابليوني، وكانت الحروب ال نابليونية التي استغرقت ربع قرن (1796ـ1815م)، والتي كشفت عن فن حرب جديد، ومفهوم حديث للإستراتيجية، وتطبيقات للإستراتيجية في مجال الحسم والمناورة، وعمل القوات بتنظيم الفرق التي لها القدرة على العمل مستقلة، وزادت قدرة القوات على المناورة، نتيجة لتطوير وتحسين حالة الطرق ووسائل النقل، ولقد تمكن نابليون من تقسيم إدارة الحرب إلى مرحلتين، تشمل الأولى منهما، المناورة قبل الاشتباك، والمرحلة الثانية تشمل المعركة القتالية نفسها، وفي المرحلة الأولى، يتم إجراء سلسلة من التحركات للقوات تشمل أعمال المناورة على أجناب الخصم ومحاصرته، أو قطع خطوط مواصلاته، مستغلاً خفة الحركة، وأخيراً وبعد إجبار الخصم على التوقف في ظروف غير مناسبة له، يقوم نابليون بتنفيذ المرحلة الثانية، وهي اقتحام مواقع الخصم بتشكيلات الاقتحام. وعلى رغم أن نابليون لم يسجل أي مراجع أو كتب عن حروبه، لأنه لم يجد الوقت الكافي لكتابتها، فقد تم تسجيل وتحليل الحروب النابليونية، الإستراتيجية والتكتيكية، بواسطة اثنين من عظماء الفكر العسكري من أبناء ذلك العصر هما جوميني وكلاوزفيتز.

ألف جوميني عام (1838م) كتاب موجز فن الحرب، وكانت نظرياته، هي السائدة في أوروبا لمدة مائة عام، وركز على المظاهر الميكانيكية للإستراتيجية، والنواحي العملية المتعلقة بالحرب، وبلور مبادئ أساسية للإستراتيجية تشمل الآتي:

1. توجيه الضربات بالجزء الأكبر من القوات ضد النقاط الحاسمة في مسرح الحرب، أي ضد النقاط التي بتدميرها تتحقق هزيمة العدو، وتعنى أيضاً بتحقيق التفوق في النقطة الحاسمة.

2. توجيه أعمال القتال، والمناورة بالقوات، بما يحقق تركيز الجهود، والعمل بمجهود مجمع، ودخول المعركة سريعاً، وفي المكان والوقت الصحيح، وفي إطار مجهود منسق.

3. تحديد خطوط العمليات، والعمل بخط عمليات واحد، وتُعد الخطوط الداخلية أفضل من الخطوط الخارجية، مع مراعاة العوامل الجغرافية، وطبيعة منطقة العمليات.

4. أهمية المبادأة الإستراتيجية، والمفاجأة، والمناورة، والحشد، وخفة الحركة، والأمن، والتعاون، والشؤون الإدارية، والمطاردة.

أما كلاوزفيتز ، فقد كان له عدة بحوث ودراسات مختلفة عن فن الحرب، من أهمها مذكراته التي لم يكملها، لوفاته، ونشرت في كتابه باسم "الحرب"، وكان من أبرز أفكاره، "نظرية الحرب المطلقة"، وتحديد العلاقة بين السياسة والحرب، والإستراتيجية والتكتيك، والهجوم والدفاع، وطبيعة الحرب، وتنظيم الحرب، وخطة الحرب. وقد لخص المؤرخ الفرنسي أريك موريز مجمل أفكار كلاوزفيتز في الآتي:

1. أن هدف كل خطة هو تدمير القوات المعادية.

2. أن المواقع الدفاعية القوية، لا تشكل شيئاً، فالاتجاهات هي التي يعتد بها، والدفاع ليس إلا وسيلة لانتظار فرصة أفضل.

3. لا يمكن إجراء القتال، بصورة فعالة، إلا بعمل عام، تحشد فيه كل القوى (عمل الكتلة).

أما الجنرال أندريه بوفر فقد لخص مذهب كلاوزفيتز ، في اتباع ثلاث قواعد رئيسة تشمل:

1. تجمع القوى.

2. عمل القوى ضد القوى.

3. أن الحل الحاسم لتحقيق غاية الحرب، تدمير قوات العدو، يتركز في البحث عن المعركة الرئيسة، وتدمير الخصم في الاتجاهات الحيوية، قدر الإمكان، وبأسلوب المعركة الدفاعية الهجومية.

عرف كلاوزفيتز الإستراتيجية Strategy في كتابه عن "الحرب" بأنهــا: "فن استخـدام المعارك بصفتها وسيلة للوصول إلى هدف الحرب. أي أن الإستراتيجيـة تضع مخطط الحرب، وتحدد التطور المتوقع لمختلف المعارك، التي تتألف منهـا الحرب، كما تحدد الاشتباكات في كل معركة".

    أما مولتكه فقد عرفها بأنها "إجراء الملاءمة العملية للوسائل الموضوعة تحت تصرف القائد إلى الهدف المطلوب".

على رغم أن أفكار كلاوزفيتز ومولتكه عن الإستراتيجية، قد أثرت الفكر العسكري، بدرجة كبيرة، خلال القرن التاسع عشر، فإن فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى (1914ـ1918م)، شهدت تدهوراً في التفكير الإستراتيجي، الذي أدى إلى نشوب حرب كبرى ذات عمليات هجومية انتحارية تتسم بالثبات، وعدم الحسم، وخالية من أي تخطيط أو توجيه إستراتيجي، ولا هدف لها، ولا يوجد من يعرف متى أو كيف يوقفها؟.

كان من أسباب تدهور الفكر العسكري، خلال الفترة من العقد الأخير للقرن التاسع عشر، وحتى الحرب العالمية الأولى، الآتي:

1. العسكرية المتطرفة للدولة البروسية، بظهور عسكرية طبقية ذات مظهر إقطاعي، وضعت الإمبراطور فوق جميع الاعتبارات السياسية والعسكرية، كما تمتعت الصفوة العسكرية، مجلس الحرب، بقوة أكبر من الحكومة المدنية، مما أدى إلى انعزال الإستراتيجية العسكرية، عن الدولة واقتصادها، ومصالحها القومية.

2. التفكير المفكك، وجمود العقائد والنظريات القتالية، حيث تبنت فرنسا إستراتيجية الهجوم المباشر بالمواجهة، والإستراتيجية الهجومية البحتة، مع رفض أهمية المناورة الإستراتيجية، والاعتماد على الفرد في الميدان، وعدم الاعتماد على الأسلحة مثل حل مشكلات مواجهة زيادة مسافات الأسلحة المعادية، وزيادة معدلات النيران، بالبراعة في استخدام الأرض، واستخدام تشكيلات أكثر انفتاحاً، والاتصاف بالروح الهجومية، من دون النظر في بحث تطوير نوع السلاح الفرنسي أو تطوير استخدامه.

3. عدم وضوح الفكر الإستراتيجي، بسبب الشمول المفاجئ، الذي انتاب الحرب، مثل الاتجاه الفجائي نحو الميكنة الواسعة للحرب، وزيادة حجم الجيوش، والتعبئة العامة للشعب وجميع موارد الدولة للمجهود الحربي، وذلك دون النظر لإمكانيات وقدرات الدولة، خاصة القدرات الصناعية والتكنولوجية الحديثة. وأيضاً وضح القصور في التنبؤ بالحرب طويلة الأمد، أو توافر إمكانية خوض هذا النوع من الحرب.

4. عدم كفاءة القيادة السياسية والعسكرية، في تقويم وقيادة المظهر الجديد للحرب، حيث فشل الزعماء المدنيون، في القيام بدورهم الإستراتيجي في أثناء الحرب، كما أن هيئات القيادة لم تكن على المستوى الحرفي المطلوب.

تميز العقد الثاني والثالث من القرن العشرين، بتباين حاد في التفكير الإستراتيجي، بين الدول الديمقراطية والدول الدكتاتورية، فبينما كان جمود الفكر العسكري، والعقلية الدفاعية في الدول الديمقراطية، كان على النقيض في الدول الدكتاتورية، حيث كانت تعمل بنظرية إستراتيجية حيوية وإيجابية مع تصميم على خلق قوات مسلحة قوية. على أن التطور الجوهري الحقيقي في مجال الإستراتيجية وفن الحرب، كان بفضل فوللر وليدل هارت، اللذين استخدما المنهج التحليلي في دراسة الحرب العالمية الأولى والتطور في التسليح ومعدات القتال، واستخدما المنهج التركيبي في إبداع النظريات وأساليب القتال، والحرب الميكانيكية. وذهب ليدل هارت إلى أبعد من ذلك، وبلور نظرية الإستراتيجية والاقتراب غير المباشر عام 1930م، والتي استلهم أصولها من حروب جنكيز خان، إلا أن الفكر العسكري البريطاني المحافظ، وسياسة العزلة الأمريكية، والخلافات السياسية الفرنسية الداخلية، وديكتاتورية الحكم الستاليني، حالت دون الاستفادة من هذه النظريات، في الوقت المناسب، بينما تلقفها الألمان، وعالجوها نظرياً وعملياً وخاضوا بها معارك الحرب العالمية الثانية.

كانت الحرب العالمية الثانية، بمثابة مجال اختبار وتطوير للإستراتيجية وفن الحرب، والتي تبنتها مختلف الدول على أسس نظرية وتاريخية، والتي لم تكن قد اختبرت صحتها بعد، كما كانت معياراً لتقويم النظريات العسكرية، التي ظهرت بين الحربين العالميتين. وأثبت سير ونتائج العمليات الحربية صحة وسلامة مكونات الإستراتيجية وبعض النظريات العسكرية.

    لقد أسس ليدل هارت النظرية الإستراتيجية، ووضع أسساً للعمل الإستراتيجي. حيث انتقد مفهوم الإستراتيجية عند كلاوزفيتز ، بأنها تتدخل في حقل السياسة أو في أعلى مستوى لقيادة الحرب، وهذه أمور تتعلق بمسؤولية الدولة، كما أن هذا المفهوم، يحدد معنى الإستراتيجية، فيما يتعلق باستخدام المعارك فقط، واعتبار أن مفهوم مولتكه عن الإستراتيجية هو الأوضح والأفضل، وعرف ليدل هارت الإستراتيجية بأنها: "فن توزيع واستخدام مختلف الوسائط العسكرية لتحقق هدف السياسة".

حيث إن الإستراتيجية، لا تعتمد على حركات الجيوش فحسب، ولكنها تعتمد أيضاً على نتائج هذه الحركات. وعندما يؤدى استخدام وسائل الحرب إلى معركة حقيقية، فإن الاستعدادات التي تتخذ لإعداد مثل هذا العمل وتنفيذه، تشكل ما يسمى التكتيك، ويمكن الفصل بين الإستراتيجية والتكتيك نظرياً، بينما يتعذر ذلك عملياً في ميدان الحرب، لتشابكهما وتأثير كل واحد منهما على الآخر.

   خلال النصف الثاني من القرن العشرين، تطورت مفاهيم الحرب، واتسع نطاقها، إلى ما هو أعمق من ميدان المعركة، من ناحية التأثير والإعداد، وتشابكت العوامل العسكرية، مع العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بدرجة يصعب عندها فصل تلك العوامل عن بعضها، عند تخطيط وإدارة الحرب. وفي ظل تشابك المصالح القومية للدول، وظهور فكرة الأمن الجماعي، اهتز الحد الفاصل بين حالات الحرب والسلام، ولجأت الدول إلى تبني مناهج للعمل تحقق ترابطاً قوياً بين النواحي السياسية والعسكرية، والنواحي الأخرى بالدولة. وأصبح الفن الإستراتيجي Strategic art أكثر اتساعاً وشمولاً، ليشمل المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، وظهرت مستويات عمل جديدة للإستراتيجية، وتحدد لها مصطلحات خاصة، مثل الإستراتيجية الشاملة/ القومية/ العليا، أو السياسة القومية للدولة، والسياسات التخصصية، والإستراتيجيات التخصصية التي تشمل الإستراتيجية العسكرية.

مع ظهور التكتلات العالمية في الشرق والغرب، ودخول العالم في عصر الذرة والفضاء الخارجي، ظهرت أساليب إستراتيجية جديدة مثل إستراتيجية الحصر والاحتواء، إستراتيجية الردع، إستراتيجية الردع الشامل والانتقام الجسيم، إستراتيجية الرد المرن، إستراتيجية الردع والدفاع الوقائي، وإستراتيجية الحرب الشاملة في الصين، وإستراتيجية القضمات، إلخ.

أولاً: الإستراتيجية

ظهرت كلمة إستراتيجية، في بدايتها بصفتها مصطلح عسكري، والأصل فيها الكلمة الإغريقية Strategius، ومعناها بالعربية "قائد"، وتطور استخدامها، لتعني قيادة القوات أو فن الجنرالات، وكان لكل عصر مفهومه للإستراتيجية، حيث كانت تعني التركيز على الجانب العسكري فقـط، وبتطور المفهوم، أصبحت تعنى الجانب الشمولي لها. ويقصد بالإستراتيجية عموماً: "بحث المسائل المتعلقة بتحقيق الأهداف".

1. الصفة الإستراتيجية

أ.  قد تطلق على الموقع الجغرافي والجيوبولوتيكي والديموجرافي بكل صفاته وطبيعته، وموارده، واتساعه، وما يشمله من أرض، وسكان، وفضاء خارجي. وقد يكون الموقع، مجرد عنصر من عناصر المواصفات الإستراتيجية لمجتمع ما، إذا أضيف إليه ما يملكه الموقع من فاعلية، وتأثير على حركة الحياة الإقليمية والدولية.

ب. وقد تطلق على طبيعة الموارد بالموقع: الزراعية أو الصناعية أو الطبيعية، إلخ، وما تعكسه على سياسة الدولة/ المنطقة وأمنها.

ج. وقد تطلق على بعض الشخصيات، المتميزة، بقوة التأثير الإنساني على المجتمعات، مثل الزعماء والقادة العسكريين.

د. وقد تنعكس بشكل خاص، على قدرة وكفاءة النقل والمواصلات، وما يحققه من أهمية، أو ما يملكه ويشرف عليه الموقع الجغرافي من ممرات ومضايق، برية/ بحرية.

هـ. وقد تزداد الأهمية الإستراتيجية للموقع أو للموارد، إذا توافرت معها قدرة العنصر البشري في استثمار وتنمية الموارد، وتأمين الموقع، وقد تكون سمة التفوق البشري في الكثافة، مثل الصين، أو في التكنولوجيا مثل اليابان، أو في القدرة العسكرية، أو الاقتصادية.

و. قد تتفاوت أولويات التقويم الإستراتيجي، للموارد والإمكانيات، من مكان إلى آخر، أو من عصر إلى آخر. مثل القمح، قد يعد سلعة إستراتيجية لدولة ما، ولا يعد إستراتيجياً في دولة أخرى، أو الدبابة والطائرة كانت تُعد سلاحاً إستراتيجياً في القرن العشرين، واختلف الوضع في نهاية القرن، ليكون السلاح الإستراتيجي هو القنبلة الذرية والصواريخ، ويختلف الأمر أيضاً، في نفس الأمر، من دولة إلى أخرى.

ز. وقد تطلق على مستوى الأداء في العلاقات، مثل الإستراتيجية في فن الحرب الذي يعد أحد أفرع العلم العسكري، الذي ينقسم إلى ثلاث مستويات رئيسة، الإستراتيجية، الفن التعبوي، فن القتال أو التكتيك.

2. عناصر القدرة الإستراتيجية (اُنظر شكل عناصر القدرة الإستراتيجية للدولة)

أ. وتعنى العناصـر التي تشارك في تحديد قدرة الدولة، وتمثل قاعدة عمل لها، وتتحدد في الآتي:

(1) العنصر الإستراتيجي، والجيوبولتيكي.

(2) العنصر السياسي، داخلياً، وإقليمياً، ودولياً.

(3) العنصر الاقتصادي.

(4) العنصر العسكري.

(5) العنصر الاجتماعي.

(6) العنصر المعنوي.

ب. وتعني أيضاً القوة القومية للدولة:

(1) ويقصد بها القدرة على التأثير في سلوك الدول الأخرى بالكيفية التي تخدم أغراض الدولة المتملكة لها.

(2) وتشمل مكوناتها نفس العناصر السابقة.

ثانياً: الإستراتيجية القومية (الشاملة/ العليا)

إن الإستراتيجية القومية، هي أساس توجيه موارد الدولة، لتحقيق الأهداف المطلوبة، وتشمل التخطيط والاستخدام، والتنسيق والتطوير، لجميع موارد وإمكانيات الدولة في مرحلة السلم والحرب، وعلى ذلك فإذا تساوت دولتان في الموارد والإمكانيات، فإن الدولة ذات الإستراتيجية الأفضل والأنسب، تكون أكثر قوة وكفاءة من الدولة الأخرى، وفي هذا السياق، فإن القوة القومية للدولة، هي مزيج من الموارد والإمكانيات والإستراتيجية القومية.

1. مفهوم الإستراتيجية القومية

أ. وجهة نظر ليدل هارت

"توجيه وتنسيق كل إمكانيات البلاد، أو أعضاء الحلف بغية الحصول على الهدف السياسي للحرب".

ب. وجهة نظر أندريه بوفر

وضع بوفر الإستراتيجية القومية، على رأس الإستراتيجيات الأخرى، وأخضعها للسياسة القومية للدولة، علاوة على ربط الإستراتيجية القومية بالحرب الشاملة، مما جعلها أقرب إلى المجال القومي، وعرفها بأنها: "الفن المنطقي لاستخدام القوى لتحقيق الإرادات"

ج. وجهات نظر حديثة

(1) هي تلك: "العملية التي يتم فيها الصهر الكامل لكل مصادر القوة في الجسد السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة، لتحقيق المصلحة القومية المتاحة، تحت جميع الظروف، لإنتاج أقصى سيطرة ممكنة على العدو عن طريق التهديدات، بهدف تحقيق مصالح الأمن القومي للدولة".

(2) وفي تعريف آخر: "مجموعة الأفكار المعبرة عن وجهة نظر الدولة الرسمية، والمتعلقة بالمسائل والقواعد الأساسية للصراع المسلح، والمتضمنة لطبيعة الحرب، من وجهة نظرها، وطرق إدارتها، والأسس الجوهرية لإعداد الدولة والقوات المسلحة لمواجهتها، فهي منظومة الأساليب والوسائل العلمية القائمة على الاستخدام الأمثل للقوى والمصادر القومية المختلفة لتحقيق أهداف الأمن القومي".

د. الأبعاد الرئيسة في مفهوم الإستراتيجية القومية هي:

(1) مجموعة الخطط والمبادئ التي تحدد الأهداف القومية للدولة، والتي تصاغ على هدى ومبادئ الأمن القومي واعتباراته.

(2) ضرورة توافر القيادة القادرة على إدارة هذه الخطط.

(3) أن هـذه المبادئ ليست مطلقة، وإنما تتحدد على أساس قوة الدولة المتاحة وقدراتها القومية.

(4) أن تلك المبادئ والخطط تتشكل على هدى طبيعة النظام الدولي المعاصر.

2. علاقة الإستراتيجية القومية بالأمن القومي

أ.  تعددت مفاهيم الأمن القومي، ومنها أنه يهدف إلى تأمين الدولة من الداخل، ودفع التهديدات الخارجية، بما يكفل لشعبها حياة مستقرة، توفر له استغلال أقصى طاقة ممكنة للنهوض والتقدم والازدهار، وعلى رغم اختلاف المفاهيم، فإن هناك اتفاقاً جماعياً، على أن التقدم التكنولوجي، الذي يسود العالم المعاصر، قد غير كثيراً من المفاهيم السائدة في الماضي ولم يبق الأمن القومي يستند على القوة العسكرية وحدها، باعتبارها العامل الوحيد لحماية وتحقيق الأمن القومي، بل تعداها إلى مجالات أخرى متعددة، تشمل القوى القومية للدولة.

ب. في تعريف بسيط للأمن القومي، هو: "جميع الإجراءات التي توفر الاستقرار داخلياً، وحماية المصالح خارجياً، مع استمرار التنمية الشاملة، التي تهدف إلى تحقيق الأمن والرفاهية والرضاء للشعب".

ج. ومن ذلك نجد أن الإستراتيجية القومية، تجسد مفهوم الأمن القومي، كما أن الإستراتيجية القومية، بما تتضمنه من خطط ومبادئ، تعكس مكونات الأمن القومي.

3. علاقة الإستراتيجية القومية بالغاية القومية

أ.  أن الغاية القومية، تعنى بالأهداف التي تبذل الدولة أقصى طاقتها لتحقيقها، وهناك مفاهيم متعددة للغاية القومية، وأشملها هو: "هي مفهوم شامل للعناصر التي تشكل الاحتياجات الضرورية للدولة، متضمنة الحماية الذاتية للدولة، حماية كيان الدولة، واستقلالها، وسلامة أراضيها، وأمنها العسكري، ورفاهيتها الاقتصادية".

ب. ومن ذلك نجد أن الإستراتيجية القومية، تبنى أساساً، لتحقيق الغاية القومية، وقد يطلق عليها الغاية القومية العليا، وتقع مسؤولية تحديدها على القيادة السياسية.

4. علاقة الإستراتيجية القومية بالأهداف القومية

أ.  إن الأهداف القومية، تعنى بالأهداف التي تحقق حماية السيادة الإقليمية، ودعم الأمن القومي للدولة، وتنمية قدراتها، وزيادة ثرائها، والدفاع عن أراضيها، وحماية ثقافتها، وتحقيق السلام. وتأخذ أشكالاً متعددة، فمنها ما يخص الدولة، ومنها ما يتعدى حدود الدولة. ومنها ما يخص الدولة بشكل مباشر، مثل الاستقلال السياسي، أو ما يخص الأفراد بالدولة، مثل الرفاهية. وتبرز الأهمية هنا في تحديد أولويات الأهداف.

وهناك تعاريف متعددة، منها الآتي: "هو وضع معين، يرتبط بوجود رغبة مؤكدة لتحقيقه، عن طريق تخصيص قدر ضروري من الجهد والإمكانيات، التي يستلزمها الانتقال بهذا الوضع من مرحلة التصور النظري، إلى مرحلة التنفيذ، أو التحقق المادي".

ب. تتحدد الأهداف القومية، بواسطة القيادة السياسية، وتتصف بالمرحلية في تخطيطها وتنفيذها، وتنبع أساساً من الغاية القومية العليا، وترسم الإستراتيجية القومية للدولة.

ثالثاً: سياسة الدولة

    إن مفهوم سياسة الدولة، يشمل سلوكها في الداخل والخارج، لتحقيق الأهداف السياسية التخصصية، وهي محصلة حركة القوى الإستراتيجية في إطار الإستراتيجية القومية، وصولاً إلى الهدف القومي المحدد، وهي إثبات الوجود والهيبة والتفاعل مع الأحداث والمجتمع الدولي. كما تُعد مرنة وقابلة للتعديل والتطوير، ارتباطاً بالمتغيرات الإقليمية والدولية. وهي عبارة عن "مجموعة من الأفكار والمبادئ، التي في إطارها تتحدد الإستراتيجيات التخصصية".

    إن سياسة الدولة، عبارة عن مجموعة من السياسات التخصصية، مثل السياسة العسكرية، والسياسة الخارجية، والسياسة الدبلوماسية، إلخ. ويحدد لكل منها هدف سياسي، تسعى لتحقيقه سلماً وحرباً، ومجال نشاطها، هو المستوى السياسي التخصصي، فمثلاً السياسة العسكرية تدخل في مسؤولية القيادة السياسية العسكرية.

    وأهم ما يميز السياسة العسكرية، في ما تتضمنه من إجراءات لإعداد الدولة والقوات المسلحة للحرب:

1. الإعداد السياسي.

2. إعداد الاقتصاد القومي في مجالاته المختلفة: الصناعة، والنقل، والبترول، والزراعة، وأجهزة الدولة، إلخ.

3. إعداد القوات المسلحة للحرب (التخطيط الإستراتيجي، تحديد حجم وبناء القوات المسلحة، ومراجعة وتطوير نظام التعبئة، وتجهيز مسرح العمليات، والقيادة والسيطرة).

وتشمل السياسة العسكرية في إطارها، لتحديد طبيعة الحرب المقبلة وطرق إدارتها، النظريات أو العقائد العسكرية التي تتبناها القوات المسلحة وأفرعها الرئيسة، مثل الاقتراب غير المباشر، والعمليات العميقة، والمعركة البرية الجوية، إلخ، والتي على أساسها تبرز خطط التسليح وإعداد القوات المسلحة واستخدامها.

رابعاً: الإستراتيجية العسكرية

لقد أكد التاريخ العسكري، أن الإستراتيجية العسكرية، ديناميكية بطبيعتها؛ ارتباطاً بتطور المجالات الاقتصادية والسياسية، والعلوم، والتكنولوجيا، وتستفيد من أحدث ما وصلت إليه العلوم الطبيعية والإنسانية، عند إعداد واستخدام القوات المسلحة في الحرب. وقد تتغير طبيعة الحرب مع المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وتغيرت نظرية الإستراتيجية العسكرية، بتطور الأفكار الإستراتيجية عبر الزمان، حتى تبلورت على أساس خبرة الحروب السابقة. كما أن لكل دولة إستراتيجية عسكرية خاصة بها، تنبع وترتبط بسياستها وأهدافها وغاياتها القومية. وعندمـا دخـل العالـم القـرن الواحـد والعشرين، ساد فكر حديث، يغلب عليه ثـورة المعلومـات والتكنولوجيا، والتي تؤثر بدورها على تغير جذري في الفكر الإستراتيجي العسكري.

   يبنى جوهر الإستراتيجية العسكرية على وضوح الرؤيا الإستراتيجية في التقويم الإستراتيجي للمتغيرات الداخلية والخارجية، لبناء الفكر الإستراتيجي المعاصر، الذي عليه أن يتحرك بخطوات محسوبة بدقة، وبسرعة لمواجهة التحديات والمخاطر، التي قد تصل إلى حد التهديدات المباشرة للأهداف والمصالح القومية. إن الفكر الإستراتيجي يتعامل مع أمور وعوامل غير مؤكدة، وقائمة على نظرية الاحتمالات، ولهذا يعد الفن الإستراتيجي، هو فن المغامرة المحسوبة.

   اختلفت الآراء حول مفهوم وتعريف الإستراتيجية العسكرية، حيث عرفت بالآتي:

1. كلاوزفيتز: "فن استخدام المعارك بصفتها وسيلة للوصول إلى هدف الحرب".

2. مولتكه: "إجراء الملاءمة العملية للوسائل الموضوعة تحت تصرف القائد إلى الهدف المطلوب".

3. فيلد مارشال مونتجمري: "هي فن إدارة الحرب".

4. ليدل هارت: "هي فن توزيع واستخدام مختلف الوسائط العسكرية لتحقيق هدف السياسة"

5. تعريف معاصر: "علم وفن، تخطيط أفضل استخدام للقوات المسلحة للدولة، لتحقيق الأهداف والمصالح الإستراتيجية، إما بالردع أو بالاستخدام الفعلي للقوة المتاحة".

إن الإستراتيجية العسكرية أصبحت علماً له أصوله، وفنوناً لها أصالتها، ولهذا فإن العلم والفن، يؤديان إلى تخطيط علمي يظهر فيه المخطط الإستراتيجي العسكري، ومهارته وذكاؤه، كما أن التخطيط العلمي يؤدى إلى أفضل استخدام للقوات المسلحة، في عصر يسوده تكنولوجيا سريعة التطور، ولها شأن في توفير أفضل استخدام، للموارد والإمكانيات المتوافرة بالدولة.

1. الهدف الإستراتيجي العسكري

ينبع أساساً من الهدف السياسي العسكري، ويتم تحديده بواسطة القيادة العسكرية، ويتحقق بتنفيذ عدة عمليات إستراتيجية، في مسارح عمليات مختلفة.

2. طبيعة الإستراتيجية العسكرية

أ. تتحدد طبيعة الإستراتيجية العسكرية، ارتباطاً بالسياسة العسكرية للدولة، وقدرة وإمكانيات القوات المسلحة، مع الوضع في الاعتبار القدرات القومية الشاملة للدولة، والظروف الإقليمية والدولية المؤثرة.

ب. وتستخدم القوة العسكرية، أداة من أدوات الدولة، وذلك بالاستخدام الفعلي لها لتأمين المصالح الحيوية، وتحقيق الأهداف القومية، وقد يتم التهديد باستخدامها، لردع أو إجبار الدول الأخرى للرضوخ والتسليم بأهداف هذه السياسة.

ج. استخدامات القوة العسكرية

(1) القوة أداة هجومية

(أ) وهو مظهر شائع من مظاهر استخدام القوة العسكرية في العلاقات، أثبتت خبرة الحروب أن الطبيعة الهجومية، تحقق أهدافاً حاسمة، وتنطوي على انتهاك السيادة الإقليمية لدولة من الدول، أو الاعتداء على استقلالها السياسي، أو تغير واقع إقليمي بالقوة، أو فرض علاقات قوى جديدة، أو تحقيق نتائج اقتصادية.

(ب) ويحقق الهجوم مزايا كبيرة للدولة وقواتها المسلحة، على رغم عدم شرعيتها في بعض الظروف.

(2) القوة كأداة دفاعية

(أ) تلجأ الدول إلى هذه الحالة، إما دفاعاً عن نفسها، أو دفعاً للتهديد المؤثر على مصالحها، ويعد دعم القدرة الدفاعية للدولة، دعماً لمقدرتها على الردع، لإحباط أي هجوم معادٍ.

(ب) ويعد التخطيط الدفاعي، عملية معقدة، ومتكاملة، وتشمل في إطارها أعمالاً هجومية.

(ج) في إطار الإستراتيجية الدفاعية للدولة، قد تستخدم القوة العسكرية في نطاق حرب دفاعية، تتطور إلى حرب محدودة أو غير محدودة.

(3) القوة أداة للردع

(أ) احتل هذا الاستخدام، أسبقية متقدمة، بظهور الأسلحة النووية وتكنولوجيا التسليح، وأسلحة الفضاء، ووسائل حروب المستقبل، كوسيلة للردع، لتجنب مغامرة الدخول في حرب مهلكة.

(ب) وتفضيل تبني طبيعة الردع على الدفاع يتطلب الآتي:

·   توفير إمكانيات كافية من القوة، لمواجهة التهديد.

·   توافر القدرة والتصميم، على استخدام القوة للردع ـ المصداقية.

·   أن تكون الدولة الأخرى ملمة، وعلى علم بقدرة قوة الردع والمصداقية في استخدامها.

·   التعامل مع الدولة الأخرى، بافتراض تصرفها بطريقة عقلانية من التميز والتقدير السليم.

خامساً: بناء السياسات والإستراتيجيات العسكرية (اُنظر شكل بناء السياسات والإستراتيجيات العسكرية)

1. مستوى القيادة السياسية في الدولة

أ. تحديد الغاية القومية للدولة، والتي تسعى الدولة إلى تحقيقها.

ب. تحديد الهدف/الأهداف القومية، والذي يتبع الغاية القومية.

ج. رسم الإستراتيجية القوميـة، وذلك لتحقيق الهدف القومي، وفي إطار الغاية القومية للدولة.

2. مستوى القيادة السياسية العسكرية

أ. تحديد الهدف السياسي العسكري، الذي ينبع أساساً من الهدف/ الأهداف القومية.

ب. رسم السياسة العسكرية للدولة لتحقيق الهدف السياسي العسكري.

3. مستوى القيادة العسكرية

أ. الإعداد للصراع المسلح وإدارته، لرسم الإستراتيجية العسكرية.

ب. تحديد الأهداف والمهام الإستراتيجية للقوة العسكرية بالدولة، بناءً على الهدف السياسي والعسكري، والسياسة العسكرية للدولة.

ج. إعداد التخطيط الإستراتيجي لاستخدام القوة العسكرية بكامل أفرعها.



[1] ذكرت حادثة القتل، في سورة المائدة. وفى العهد القديم: الإصحاح الرابع من سفر التكوين.