إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / اتفاقيات التعاون العسكري، بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية




مفاعل ديمونة
الطائرة الإسرائيلية تسوفيت
الصاروخ الإسرائيلي حيتس

المعونة الاقتصادية الأمريكية لإسرائيل
المبيعات العسكرية الأمريكية لإسرائيل
النظام نيوتيلس الإسرائيلي




الدفاع الجوي عن الأهداف الحيوية

المبحث الرابع

انعكاس اتفاقيات التعاون العسكري الإسرائيلي ـ الأمريكي

على منطقة الشرق الأوسط

كما كان التعاون الإستراتيجي الإسرائيلي ـ الأمريكي، قد تطور على مراحل، فإن انعكاساته أيضاً صاحبت تلك المراحل، وكانت تلك الانعكاسات تتصاعد، وتهبط، نتيجة للعديد من العوامل، منها:

1. التطورات السياسية في المنطقة، والتي تباينت ما بين وجود الاستعمار في المنطقة في حقبة الخمسينيات وما قبلها، أو المرحلة الثورية في حقبه الخمسينيات والستينيات، أو مرحلة الانكسار التي عاشها العرب أعقاب هزيمة يونيه 1967، أو مرحلة الحرب الباردة، التي انعكست آثارها بشدة على المنطقة، وخصوصاً محاولات التغلغل السوفيتي في المنطقة، وأخيراً مرحلة السلام، والتي بدأتها مصر منذ عام 1977، وشملت المنطقة بالكامل، منذ مؤتمر مدريد في نهاية أكتوبر 1991.

2. الصراعات العسكرية، حيث شهدت المنطقة خمسة حروب، كان طرفها الثاني باستمرار هي إسرائيل علاوة على حربي الخليج الأولى والثانية. وقد لعبت الولايات المتحدة الأمريكية، والغرب أدوارا رئيسية في تلك الحروب، وقُدم خلالها دعم هائل لإسرائيل، على حساب الدول العربية.

3. أعمال المقاومة من أجل التحرير، والتي اعتبرتها الولايات المتحدة الأمريكية، أحد صنوف الإرهاب دون تقدير الدوافع، التي من أجلها تمت إجراءات المقاومة، وقد دعمت إسرائيل بفاعلية، وكان أهمها قرار إمداد إسرائيل بالتكنولوجيا الليزرية المتقدمة THELL عام 1996 لتصنيع الصاروخ "NeuTilas " لتأمين الشمال الإسرائيلي، من صواريخ الكاتيوشا التي يطلقها "حزب الله"، رداً على الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين في جنوب لبنان.

4. مدى توافق السياسة الأمريكية مع مصالح واتجاهات السلام في المنطقة، وقد سار هذا التوافق على وتيرة واحدة، وهو دعم إسرائيل، مهما كانت الظروف، ففي وقت الأزمة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم إسرائيل على اعتبار تأمينها من التهديدات الموجهة إليها، والعكس صحيح عند توقيع اتفاقيات السلام، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تمنح إسرائيل مساعدات، وهبات، أكثر انطلاقاً من عونها في إعادة انتشار قواتها، أو زيادة قدراتها للرد على التهديدات من أوضاعها الجديدة، وبالتالي، فإنه في كل الأحوال، فإن إسرائيل تضع قائمة مطالب تصر على تحقيقها ويعاونها في ذلك، جماعات الضغط اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.

ومن هنا، فإن الانعكاسات، كانت دائماً لصالح إسرائيل، سواء على المستوى السياسي، أو الاقتصادي، أو العسكري، أما المحصلة النهائية، فإن انعكاس الاتفاقيات، أدي إلى أن تكون إسرائيل في مقدمة الاهتمام السياسي، والعسكري للإدارة الأمريكية. كما أدى إلى أن تأخذ إسرائيل شكل الدولة الإرهابية في المنطقة، حيث احتشدت لديها إمكانيات تفوق ضخمة، وخصوصاً في المجال العسكري، بحيث أصبحت مصدر تهديد لدول المنطقة بالكامل، وأصبحت مصدر إزعاج للإدارة الأمريكية نفسها، نتيجة استخدام تلك القوة، أو التلويح بها في أعمال ضد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.

أي، إن انعكاسات التعاون الإستراتيجي الأمريكي ـ الإسرائيلي، يتجه إلى انعكاسات سلبية، ربما تكون آثارها قد ظهرت في حرب تحرير الكويت، وفى مسيرة السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني، بعد أن كانت انعكاسات هذا التعاون إيجابية، أثناء الحرب الباردة كحليف لأمريكا، لإيقاف المد الشيوعي في منطقة الشرق الأوسط، كذلك للتدخل في الأزمات الحادة، مثل حرب لبنان، وتدمير المفاعل النووي العراقي عام 1981.

أما حصيلة الانعكاسات الشاملة على المنطقة، فقد أفقدت الولايات المتحدة الأمريكية مصداقيتها كدولة عظمى، وأدت إلى أن تصبح إسرائيل قوة غير مأمونة العواقب في المنطقة، وبالتالي فقد تأثر الأمن الوطني العربي بصورة شاملة نتيجة التعاون الإستراتيجي الأمريكي ـ الإسرائيلي.

أولاً: انعكاس التعاون العسكري على تطبيق نظرية الأمن الإسرائيلية

يمثل الارتباط العسكري بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، أحد أهم الأسس لصيانة أمن إسرائيل، وضمان بقائها، وقد أصبح هذا الارتباط يشكل نمطاً فريداً في العلاقات الثنائية بين الدولتين، لا يوجد مثيله على مستوى العالم، وقد بُني هذا الارتباط على أساس تشابه قيم، وغايات، ومصالح الدولتين، وبرغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "نتانياهو"، قد ذكر في خطابه أمام الكونجرس الأمريكي في 10 يوليه 1996: "بأن إسرائيل قد بلغت سن الرشد، ونضجت بما فيه الكفاية، لكي تبدأ مرحلة الاعتماد على الذات"، وكان يقصد وقتها أن إسرائيل ستسعى إلى تعظيم قدراتها العسكرية، وأنها لن تتخلى عن الخيار النووي لتحقيق الردع السياسي والعسكري. برغم ذلك، فإن جميع رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية منذ نشأة إسرائيل، وحتى الآن، لا تخلو برامجهم من عبارة " ضمان بقاء إسرائيل والحفاظ على أمنها وسلامتها".

ومن هنا، فإن إسرائيل تدرك، أن الولايات المتحدة الأمريكية مرتبطة أدبياً، وإستراتيجياً، بضمان أمنها وتفوقها، إلا أن طبيعة التشكك الإسرائيلية، تحاول باستمرار انتزاع ما يؤكد استمرارية المظلة الأمريكية لتأمينها، ويشتد هذا التشكك مع المتغيرات الحادة التي يشهدها العالم، منذ بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين وحتى الآن، حيث أثرت حدة المتغيرات، بدءاً من تفكك الاتحاد السوفيتي السابق، وحرب الخليج الثانية، وعملية السلام التي بدأت من مؤتمر مدريد، ومرت بتوقيع اتفاقية السلام مع الأردن عام 1994، وقبلها اتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين عام 1993، ثم أحداث عام 1996 على الحدود اللبنانية، ثم انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000.

وبالرغم من أن إسرائيل تبدو وكأنها تعيش في أوج قوتها ـ كما توحي هي بذلك للآخرين ـ إلا أنها تحمل في جسدها ضعفاً خطيراً من الناحية الإستراتيجية، يتمثل في الكتلة الحيوية بجميع أركانها "المساحة ـ العمق ـ شكل الدولة ـ الحدود ـ القوة البشرية ـ تناقضات البناء الاجتماعي- مستوى الاعتماد على الذات ـ أمن الدولة في المحيط الإقليمي ـ العدائيات المحيطة".

يتضح من هذا، أن المشكلة الإستراتيجية التي تبحث إسرائيل عن حلول لها، منذ إنشائها وحتى الآن، وهي إيجاد العلاقة بين ضعف الدولة إستراتيجيا، وإمكانية العيش بين خصوم، وهذا هو ما انعكس على صياغة نظرية الأمن، والعقيدة العسكرية الإسرائيلية التي صاغها ديفيد بن جوريون، عقب إعلان الدولة في 14 مايو 1948، وشملت خمسة مبادئ رئيسية هي:

1. تشجيع يهود العالم للهجرة إلى إسرائيل، وتسهيل ذلك لهم، وفتح دولة إسرائيل لاستقبالهم، باعتبارها هي أرض الميعاد، التي يجب أن يتجمع يهود العالم بها.

2. تأييد الدعم السياسي لإسرائيل، وتشجيع اعتراف أكبر عدد من دول العالم بها، وخصوصاً الدول المؤثرة في العالم، واستخدام نفوذ القوى الكبرى، في حث دول العالم على الاعتراف بها.

3. الحفاظ على كيان الدولة ووجودها، سياسياً، واقتصادياً، وعلمياً، وفي هذا المجال، فإن ابن جوريون صمم على أن تقام الدولة على أسس علمية، وتكون التكنولوجيا الحديثة هي أساس البحث العلمي.

4. ضمان الدعم من إحدى الدول الكبرى، والحفاظ على روابط وثيقة بها، وفي هذا المجال، فقد تعددت القوى التي ارتبطت بها إسرائيل، بدءاً من بريطانيا، ثم فرنسا، ثم الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب حرب العدوان الثلاثي على مصر. ويهدف هذا الارتباط تأمين إسرائيل، وضمان إمدادها بالأسلحة الحديثة، والمساعدات الاقتصادية، والتكنولوجية، وضمان الدعم السياسي سواء في المحافل الدولية، أو في المحيط الإقليمي.

5. تقوية الشعور الديني، والثقافي والروابط التاريخية بين إسرائيل ويهود العالم ويأتي ذلك من منطلق، أن الشعور الديني، هو الذي يمكن أن يوحد شتات المجتمع الإسرائيلي الذي هاجر إلى إسرائيل من الكثير من الدول، ولكل عاداته وقيمه، والشيء الوحيد الذي يمكن أن يجمع بينهم هو العامل الديني، والذي من خلاله يمكن بزوغ ثقافة إسرائيلية تسيطر على المجتمع. أما تأثير الدين على يهود العالم، فهو من أجل دعم إسرائيل نفسها سواء بالمال، أو بالنفوذ، أو الضغط على قيادات الدول من أجل نصرة إسرائيل، وهو ما حدث فعلاً مع يهود أمريكا، وكذلك يهود فرنسا، وغيرهم الذين لم يدخروا وسعاً في دعم إسرائيل بكل الإمكانيات المتيسرة على حساب العرب. (اُنظر جدول إستراتيجية إسرائيل وآليات تحقيقها).

وقد أفرزت العقيدة العسكرية بدورها، عقائد وأساليب القتال، ونظريات الأمن، التي حرصت القيادة الإسرائيلية على تطبيقها باستمرار، وتنحصر في الآتي:

1. نظرية كل الشعب جيش، انطلاقاً من أن ديموجرافية إسرائيل لا تسمح بتكوين جيش نظامي، يستمر في الخدمة لأوقات طويلة، لكي يواجه الصراع العربي ـ الإسرائيلي.

2. الاهتمام بخفة الحركة، والاعتماد على سلاح الطيران بشكل كامل في إيقاف العدو المهاجم، وتأمين التعبئة داخل إسرائيل، ثم التحول لتوجيه ضربات مركزة بالتعاون مع جيش الدفاع الإسرائيلي، وفي ذلك فقد خصصت وزارة الدفاع الإسرائيلية نسبة 52% من الإنفاق العسكري، لصالح القوات الجوية في ميزانياتها المتعاقبة، وتعتمد أيضاً على المدرعات، التي تشكل عامل الصدمة في المعركة، ويمكنها تحقيق نصر سريع.

3. نقل الحرب إلى أرض الخصم، لأن العمق الإسرائيلي قليل، وسيتأثر بأي ضربات من الجيوش المعادية.

ولكي تحقق إسرائيل نظريتها للأمن بكفاءة، فإن الحليف المضمون، لا بد أن تكون لديه الآلة العسكرية المتقدمة سواء في الطيران أو المدرعات، التي يمكن أن يمد بها إسرائيل. لذلك فإن طائرات السوبر مستير الفرنسية Super Mystere ، كانت هي سلاح الجو الرئيسي لإسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. ثم كانت طائرات الميراج الفرنسية Mirage أيضاً، هي السلاح الرئيسي في حرب يونيه 1967، وبعدها كانت الطائرات الأمريكية، هي التي تشكل سلاح الجو الإسرائيلي، وحتى الآن.

وفي العديد من المراحل الزمنية، كانت نظرية الأمن الإسرائيلي، تتلاقى مع المصالح الأمريكية في المنطقة إذ إنه بنهاية الخمسينيات، وحلول الستينيات من القرن العشرين، فإن الولايات المتحدة الأمريكية، كانت هي الطرف الدولي الأقدر على الحركة في منطقة الشرق الأوسط، وكانت الأهداف الإستراتيجية الأمريكية منذ نهاية الخمسينيات تتحدد في:

1. إخراج الاتحاد السوفيتي من المنطقة، قبل أن يتمكن من تثبيت مكانته، ونفوذه فيها.

2. تعزيز المصالح الأمريكية الاقتصادية والعسكرية بكل الوسائل، وفى مقدمتها دعم مراكز الولاء التقليدي للغرب، على الأرض العربية.

3. حصار المراكز الثورية الجديدة، في العالم العربي وإسقاطها.

في الوقت نفسه، فإن الولايات المتحدة الأمريكية، أدركت ـ كإفراز لنتائج حرب العدوان الثلاثي عام 1956 ـ أن إسرائيل تستطيع أن تقوم بدور رئيسي للحفاظ على المصالح الأمريكية والغربية، في منطقة الشرق الأوسط، وقد زاد هذا الدور في أعقاب فشل كل من حلف بغداد، ثم الحلف المركزي بالقيام بأي دور.

وفي عام 1963، وعقب اغتيال الرئيس "جون كيندي" في نوفمبر 1963، وتولي الرئيس ليندون جونسون المسؤولية، فإن الولايات المتحدة الأمريكية، ضغطت على ألمانيا الاتحادية لتسليم صفقة أسلحة لإسرائيل بدون ثمن، وكانت هي بداية استعداد إسرائيل لحرب عام 1967.

وربما يظهر مدى الدعم الأمريكي لإسرائيل، والحفاظ على أمنها وبقائها، من خلال جولتين في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، قدمت الولايات المتحدة الأمريكية فيهما دعماً مطلقاً لإسرائيل سواء عسكرياً، أو سياسياً، أو أدبياً.

·       الدعم الأول

كان قبل، وأثناء، وبعد حرب يونيه 1967، فقد كان التدخل السياسي الأمريكي سافراً، من أجل تهيئة الظروف المناسبة لتحقيق إسرائيل نصراً حاسماً، جاء ذلك بالتدخل الدبلوماسي للولايات المتحدة الأمريكية، لإيقاف نية مصر في توجيه أعمال تعرضية ضد إسرائيل اعتباراً من 28 مايو، ووصل هذا التدخل إلى استخدام الرئيس جونسون للخط الساخن بينه وبين موسكو في الثالثة صباحاً ليبلغ أليكسي كوسيجين Kosygin   Alexei رئيس الوزراء السوفيتي، أن الولايات المتحدة الأمريكية لديها معلومات بأن القوات المصرية، ترتب هجوماً على المواقع الإسرائيلية، وأن موعد هذا الهجوم وشيك، وأنه إذا حدث ذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر نفسها في حل من تعهداتها التي أعطتها للاتحاد السوفيتي بممارسة ضبط النفس، وأنه (أي الرئيس جونسون)، لم يشأ أن يضيع وقتاً في ساعات خطيرة يمكن أن تؤثر تأثيراً فادحاً على الموقف، ولهذا استخدم الخط الساخن !!.

في الوقت نفسه، فإن الدعم ترجم عسكرياً أيضاً، سواء من خلال الإدارة الأمريكية، أو من خلال وكالة الاستخبارات المركزية، التي قامت بدورها، بتسليم إسرائيل كميات هائلة من الطائرات، والأسلحة الحديثة لاستخدامها في العدوان.

وبمجرد كسب إسرائيل لتلك الحرب، فإن الدعم الأمريكي، تدفق بصورة لا مثيل لها على إسرائيل سواء عسكرياً، أو اقتصادياً، أو سياسياً، حيث زودت الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل بطائرات الفانتوم التي اشتركت في مرحلة ما في حرب الاستنزاف. وتدفقت رؤوس الأموال الأمريكية على إسرائيل لتنعش اقتصادها، ثم تبنت الولايات المتحدة الأمريكية وجهة نظر إسرائيل في الحدود الآمنة، وقامت هي بدور المفاوض الضاغط، من أجل حصول إسرائيل على كل شروطها في تحقق الأمن على حساب العرب جميعاً.

·   الدعم الثاني

كان خلال الجولة العربية ـ الإسرائيلية الرابعة في أكتوبر 1973، وكان أهم مظاهر الدعم، هو التحرك السياسي الأمريكي لمحاولة إيقاف الهجوم العربي، والتأثير على المجتمع الدولي بعدم اتخاذ قرار، أو عرض وجهة نظره في الحرب، إلا بعد أن تتأكد من نتيجة الهجوم المضاد التي تشنه إسرائيل يوم 8 أكتوبر، في أعقاب استكمال التعبئة الإسرائيلية بدعم وتنسيق أمريكي كامل، ولما فشل هذا الهجوم في تحقيق أهداف إسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية أيضاً، فقد سارعت أمريكا بتلبية مطالب إسرائيل من الدعم العسكري، في محاولة لإحداث توازن على المستوى الإستراتيجي، من خلال الجسر الجوي الأمريكي ـ الإسرائيلي، حيث نُقل ثمانية وعشرين ألف طناً من الأسلحة والمعدات الحربية، قيمتها حوالي مليارين ومائتي مليون دولاراً، وبلغت تكاليف النقل بمفردها ثمانية وثمانين ونصف مليون دولاراً.

ثم أعقب ذلك جسراً بحرياً لنقل 33.210 طناً من الأسلحة والمعدات بدءاً من الثاني من نوفمبر 1973، إلا أن حرب أكتوبر شكلت فاصلاً زمنياً في الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، عبَّر عنها هنري كيسنجر Henry Kissinger في 9 أكتوبر 1973، بقوله: "إن العرب قد حققوا نصراً إستراتيجياً في الشرق الأوسط، بدون النظر إلى النتيجة النهائية للحرب، وأن العجلة لن تعود إلى الوراء"، وكان هذا يعني، أن إستراتيجية جديدة لأمريكا، لا بد أن تنشأ، لتراعي في المقام الأول المصالح الأمريكية، حيث إن التوازن الذي أدت إليه نتيجة الحرب، ألغى فكرة التحالف الإسرائيلي ـ الأمريكي المطلق، أو أن تكون إسرائيل، هي الراعي الوحيد للمصالح الأمريكية في المنطقة.

وإذا كان زلزال أكتوبر، هو بداية المتغيرات، فإن زلازل أخرى تعاقبت على إسرائيل أدت إلى متغيرات هامة، كان أولها زيارة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات إلى القدس في 19 نوفمبر 1977.

ثم كان الفشل في تحقيق الهدف الإسرائيلي، من عملية سلام الجليل ضد لبنان 5 يونيه 1982، والتي سبقها "حرب الليطاني"  15 مارس 1978، وكلاهما كان يهدف إلى التخلص نهائياً من المقاومة الفلسطينية لتنفرد إسرائيل بفلسطين، ولا تجد من يطالب بحق تاريخي، وقد وجدت إسرائيل ضوءاً أخضر أمريكياً، ودعماً سياسياً، وعسكرياً، من أجل القيام بتلك العمليات، حيث إن الولايات المتحدة الأمريكية، كانت تقدر في حساباتها باستمرار المقاومة الفلسطينية، والتي ستتعاظم في وقت ما مع استمرار عملية السلام، وكانت توقعاتها سليمة، حيث اشتعلت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في 9 ديسمبر 1987، أي بعد خمس سنوات فقط من خروج قيادات المقاومة الفلسطينية من لبنان.

وقد واجهت إسرائيل تلك الانتفاضة بردع إجرامي، لأنها أثرت عليها من الداخل[1]، ولم تنجح إسرائيل من خفض حدّتها إلا من خلال الانسحاب من مناطق محدده في الكثافة السكانية الفلسطينية، كذلك فعاليات مؤتمر مدريد للسلام في نهاية أكتوبر 1991، والذي أدى إلى اتفاقية أوسلو عام 1993.

وإلى جانب ذلك، كان هناك العديد من المتغيرات على المستوى الإقليمي والعالمي، التي أكدت قوة التعاون الإستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، برغم أن تلك المتغيرات أثرت سلباً أو إيجابياً على ذلك التعاون الإستراتيجي، وقد نجحت إسرائيل في اقتناص الإيجابيات، والتغلب على السلبيات. (اُنظر جدول الاختلال العسكري بين العرب وإسرائيل).

1. انعكاس التعاون العسكري على تطبيق نظرية الأمن الإسرائيلية

من خلال المتغيرات الرئيسية على مستوى العالم، ومن خلال مسار التعاون الإستراتيجي الإسرائيلي-الأمريكي، فإن إسرائيل تطبَّق حالياً نظرية حديثة للأمن تقترب بشكل كبير من العقيدة القتالية التي تطبقها أمريكا، وتعتمد على العديد من الأسس التي تتناسب مع إمكانيات إسرائيل، وما تسمح به الولايات المتحدة الأمريكية لدعمها على المدى الطويل والمتوسط. وفي هذا المجال فإن الولايات المتحدة الأمريكية ـ طبقاً لمطالب إسرائيل ـ تضمن الآتي:

أ. التفوق النوعي المطلق، وتوفير التكنولوجيا الحديثة للقوة العسكرية الإسرائيلية، بما يحقق الأمن والأمان لإسرائيل لمجابهة التحديات، في المنطقة المحيطة.

ب. مد مظلة الحماية الأمريكية حول إسرائيل بغير حدود، وهذا تفسره مقولة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون لإسحاق رابين رئيس وزراء إسرائيل في 15 مارس 1993: "إن المبدأ الأمريكي هو تقديم الدعم لإسرائيل للحفاظ على تفوقها النوعي العسكري المطلق".

ج. تحجيم القوى المناوئة لإسرائيل، وفرض رقابة أو حظر عليها، سواء كانت تلك القوى عربية مثل العراق، أو ليبيا، أو سورية، أو غير عربية مثل إيران.

د. التدخل سياسياً ـ عسكرياً ـ اقتصادياً، لصالح إسرائيل في حالة اشتعال الأزمات، أو إدانة إسرائيل في المحافل الدولية. ويعتبر التدخل الأمريكي باستخدام حق النقض في مجلس الأمن لصالح إسرائيل، عبئاً على المسيرة السياسية في المنطقة طوال العقود الماضية.

2. تطور نظرية الأمن الإسرائيلية

فسر "إيجال آلون" Yigal Allon رئيس الأركان الإسرائيلي، في أوائل الخمسينيات، نظرية الأمن الإسرائيلية: "إنها محصلة الاتصالات لدولة ما مع بيئتها القريبة والبعيدة، التي تعكس قوتها، واستعدادها، ووسيلتها، وقدرتها التنفيذية في الدفاع عن مصالحها الحيوية، وتحقيق غاياتها وأهدافها القومية".

يعتمد جوهر نظرية الأمن على الآتي:

أ. قوة عسكرية حديثة متفوقة نوعياً.

ب. جيش عامل صغير، وجيش احتياطي كبير، يدعمه نظام تعبئة متطور ودقيق.

ج. الارتباط الإستراتيجي بالولايات المتحدة الأمريكية، ارتباطاً وثيقاً.

د. تطبيق نظريات الحرب الحديثة في حروبها المستقبلية، والاستعداد لذلك من الآن.

هـ. اعتبار أن المستوطنات على الحدود الإسرائيلية، هي خط الدفاع الأخير عن دولة إسرائيل، والتي يكون عندها استخدام وسائل الردع النووية.

وتلك المبادئ، تنفذ من خلال تطبيقات عسكرية وإستراتيجية، بالتنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، سواء من خلال الخبرة، أو الإمداد بالسلاح، أو الإمداد بالتكنولوجيا، أو التنسيق السياسي والاقتصادي، ويمكن حصر، تلك التطبيقات في الآتي:

أ. التركيز على مبدأ الحدود الآمنة، من خلال إجراءات دفاعية إسرائيلية، وضمانات دولية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية لعدم المساس بتلك الحدود، أو حدوث أي اختراقات معادية لها حتى لا تتعرض إسرائيل " للكشف الإستراتيجي " نتيجة قلة المساحة.

ب. ضمان التفوق النوعي المطلق، عوضاً عن التفوق الكمي السائد، في دول المواجهة لإسرائيل.

ج. استحداث نظريات إستراتيجية، تنفذها إسرائيل من خلال هذا التفوق، منها:

(1) العنف، وإرهاب الدولة لردع الفلسطينيين كجار مباشر، أو ردع أي قوى مناوئة أخرى.

(2) تكثيف الاستيطان، كجدار يحمي التجمعات السكانية، والأهداف الرئيسية داخل إسرائيل، مع تفريغ السكان الأصليين من الفلسطينيين، باستخدام كل الوسائل بما فيه الإرهاب.

(3) تنفيذ إستراتيجية الردع الوقائي، بأساليب حديثة، وباستخدام عناصر محدودة، لتحقيق أهداف كبيرة، وفي الوقت نفسه تكون القوات الإسرائيلية جاهزة لتوجيه ضربات ردع ضد أي تهديدات رئيسية.

(4) الردع الانتقامي، وهو مبدأ تنفذه إسرائيل منذ نشأتها، وهو يتلخص في أنه، ما دامت إسرائيل كدولة، أو أحد أهدافها الحيوية، أو أفراد منها، قد تعرضوا لإجراء عسكري عربي، فلا بد، أن تقوم إسرائيل بالردع الانتقامي ضد أهداف مؤلمة لمنع الجانب العربي من تكرار مثل هذا العمل.

(5) تجميع كل الإستراتيجيات السابقة في إستراتيجية واحدة، وهي الردع الانتقامي والوقائي، مع تكثيف الاستيطان والضم، وهذه الإستراتيجية طبقتها إسرائيل ضد الانتفاضة الفلسطينية "انتفاضة الأقصى"، بهدف إلحاق أكبر ضرر بالفلسطينيين، دون مراعاة حقوق الإنسان، أو مراعاة مبادئ المسيرة السلمية، التي تلتزم بها الأطراف.

د. التلويح بالردع النووي: حيث بنيت السياسة النووية الإسرائيلية على أسس تساومية مخططة، وبشكل يعبر عن حقيقة القدرة النووية الجاهزة للاستخدام، وتتلخص السياسة النووية الإسرائيلية الرسمية، أو شبه الرسمية، في عبارة محددة تتكرر باستمرار، وهي: " أن إسرائيل لن تكون الدولة الأولى التي تدخل السلاح النووي إلى المنطقة، ولكنها لن تكون الدولة الثانية التي تفعل ذلك"  ومن هذا المفهوم، فإن إسرائيل تتعمد فرض ضبابية على "الخيار النووي"، بمعنى أن إسرائيل لن تستخدم قدرتها على التهديد النووي استخداماً مباشراً أو علنياً، كذلك، فإنها تفترض أن الخيار النووي يشكل المخرج الوحيد، بمعنى أن هذا الاستخدام لن يكون إلا في حالة التهديد المباشر لدولة إسرائيل، ووجود أخطار على وجودها.

وهناك حسابات رياضية، تقدر أن لدى إسرائيل رؤوس نووية تتراوح ما بين 50-200 رأساً نووياً متعددة الأعيرة، على اعتبار أن طاقة المفاعلات النووية الإسرائيلية، قادرة على إنتاج 50 كيلو/ طن بلوتنيوم مخصب سنوياً. (اُنظر صورة مفاعل ديمونة) و(جدول مقارنة العناصر الرئيسية لنظرية الأمن الإسرائيلي القديمة والحديثة)

وفي نطاق التطبيقات السابقة، فإن الإستراتيجيات الحديثة لإسرائيل تنحصر في الآتي:

أ. نظرية الإستراتيجيات المتنافسة

حيث توجد لجنة خاصة في إسرائيل تسمى لجنة الإستراتيجيات المتنافسة، والتي تخطط لخلق ظروف في المنطقة تجبر العرب للعمل " كرد فعل" لمواجهتها، وبالتالي تمتلك إسرائيل زمام المبادأة باستمرار، وتضمن عدم المفاجأة.

ب. نظرية الأسباب المبررة للحرب

حيث تسعى إسرائيل لشن الحرب، عند توفير الظروف الملائمة لها، ومن ثم نجد تغير مفهوم (لماذا.. ومتى ؟) تشن إسرائيل الحرب.

ج. نظرية اليأس

حيث تتسارع عجله التفوق الإسرائيلي، في عدة اتجاهات، بما يبعث اليأس في القيادات العسكرية للخصوم، بما يمنعها من المبادرة بعمل عسكري.

وتدعيماً لتلك الإستراتيجية، فإن التعاون الإستراتيجي الإسرائيلي ـ الأمريكي وطبقاً لاتفاقيات التعاون الإستراتيجي، قد خلق ظروفا مواتية، حققتها لها الولايات المتحدة الأمريكية، وأدت إلى سهولة، ويسر تطوير نظرية الأمن. ومن تلك التسهيلات التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل:

أ. فتح مخزون ترسانة الأسلحة الأمريكية لإسرائيل، بما يضمن التفوق على جميع الدول العربية، التي تنخرط معها في علاقات تصارعية مجتمعة، وإحداث فجوة تسليحية متعاظمة بينهما.

ب. ضمان استمرار الدعم المادي والمعنوي، من الحليف الأعظم، بالمعدلات التي تضمن الحفاظ على المستويات المعيشية داخل إسرائيل، وبما يضمن صيانة أمنها، ضد أي أخطار، أو تهديدات على مختلف صورها وأشكالها.

ج. التوسع في مجالات التكنولوجيا، والتقدم العلمي، وعلوم الفضاء، بما يضمن التفوق النوعي، وبما يضمن قناعة الآخرين، بأن إسرائيل قد أصبحت قوة إقليمية عظمى، تمتلك آليات الردع السياسي، والعسكري، والمعنوي.

د. ومن خلال تلك الاتفاقيات الإستراتيجية أيضاً ـ فقد أصبح لدي إسرائيل القدرة على تنمية صناعاتها الحربية، من خلال حجم التكنولوجيا المنقولة إليها، أو مشروعات التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية، بما يحقق لإسرائيل الاكتفاء الذاتي.

هـ. وعلاوة على ذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية، تضمن فتح المخزون الإستراتيجي البشري من يهود الاتحاد السوفيتي السابق، بعد إطلاق الهجرة المكثفة، بما يحقق التفوق الديموجرافي على عرب فلسطين، كذلك ضمان تدفق المساعدات المادية لاستيعاب هؤلاء المهاجرين، حتى يندمجوا في المجتمع الإسرائيلي بسرعة.


 



[1] يذكر، جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي السابق في مذكراته: `أن دينيس روس، كان يعتقد عام 1989، أن الانتفاضة الفلسطينية، قد خلقت ديناميكية جديدة معتدلة، يتعين دراستها بحذر شديد، ومع احتدام الانتفاضة تصاعدت حدة القمع في شكل الاعتقال والإبعاد، وطالب حزب العمل في إسرائيل التوصل إلى حل وسط مع الفلسطينيين، وهدد بفض الائتلاف الحاكم ما لم يخفف شامير من أحلامه بإقامة ` إسرائيل كبري` مأهولة بعشرات المستوطنات الجديدة، علاوة علي ذلك أبلغت القوات المسلحة الإسرائيلية، وإسحاق رابين وزير الدفاع، وشامير، بعدم توفر حل عسكري، فوقف الانتفاضة لا يحققه إلا حل سياسي. ثم يستطرد عن دور أمريكا في إيقاف تلك الانتفاضة، والتي كانت تري عقد مؤتمر سلام، اعترضت عليه إسرائيل، أن ` موشيه أيرنز وزير الخارجية الإسرائيلي في هذا الوقت التقي معه في واشنطن في 13 مارس 1989 للإعداد لزيارة شامير لواشنطن، وأراد بيكر أن يرسل رسالة إلى رئيس الوزراء من خلاله فكتب: `إن الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لأن تكون شريكاً لإسرائيل في صنع السلام.. لكن لا يمكنكم أن تتركونا مكشوفين، لا يمكنكم أن تتركونا عراة !! `.