إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / الحرب البرية الجوية





مستويات الحرب
بناء النظرية العسكرية
بناء الدفاع المتحرك
أسلوب قتال نطاق الأمن
نطاق عمل القوات
معركة الكترا
المناورة الأمامية
المناورة الجانبية
الهجوم الخاطف المرحلة الأولى والثانية
الهجوم الخاطف المرحلة الثالثة والرابعة
الهيكل العام
الجزر الدفاعية الثابتة
الفكرة التطبيقية لنظرية الحرب
اختراق الدبابات لدفاعات العدو
عملية عاصفة الصحراء




المبحث الرابع

المبحث الرابع

الحرب البرية الجوية

بعد أن واجهت الولايات المتحدة، وقوات حلف شمال الأطلسي، خلال الثمانينات، عدة تحديات، كان منها التفوق العددي والتقني لقوات حلف وارسو، والتطور العقائدي السوفييتي لاستخدام هذه القوات، خاصة أسلوب مجموعات المناورة؛ دفعت هذه التحديات بكثير من المفكرين العسكريين، في أعقاب عمليات الشرق الأوسط، حرب أكتوبر 73. وبعد إجراء دراسات مستفيضة عنها، إلى البحث عن تعديلات في العقيدة العسكرية الأمريكية وحلفائها. وظهرت مفاهيم العملية العميقة عام 1981م، حيث أخذت شكلها، في قانون القتال الأمريكي، الذي صدر عام 1982م، الذي يبحث في المعركة البرية الجوية، ثم جاء تعديله في عام 1983م لاستحداث المستوى التعبوي، وتحديد دور الفيلق ومهامه في العملية الحربية. وركز قانون خدمة الميدان الأمريكي على التنسيق الدقيق، بين الأعمال الجوية والأعمال البرية، والضربات الجوية في العمق، لمنع النسق الأول، والثاني، وباقي الأنساق، من الوصول إلى أرض المعركة، وبصورة خاصة استخدام التقنيات الحديثة لإصابة الأهداف، التي كانت قبل ذلك من اختصاص الأسلحة النووية، وبالقيام بذلك، قلّت فرصة حدوث مواجهة نووية. كما يحث قانون الخدمة الضباط والجنود على انتزاع المبادأة، والاستمرار في الهجوم التكتيكي، أو التعبوي، حتى في حالة الدفاع الإستراتيجي، حتى إذا نجح عدو قوي في الاختراق، مع أهمية توجيه الهجمات والضربات المضادة، ضد نقاط ضعف العدو، بدلاً من الهجوم المضاد، بالمواجهة ضد النقط الرئيسة للاختراق، أي ضد العدو، الذي نجح في الاختراق.

منذ بداية ظهور نظرية "المعركة البرية الجوية"، لأول مرة، فإن العقيدة تم تحديثها وتدقيقها وتغير تسميتها. وفي حين هدفت "المعركة البرية الجوية" إلى إرباك الأنساق الخلفية للعدو، جاء مسمى جديد، هو "العمليات البرية الجوية"، التي تحض على العمل المبكر لمنع الأنساق الخلفية من اتخاذ أوضاعها على الخط الأول. وبعد اختبارها في حرب الخليج عام 1991، "عاصفة الصحراء"، أصبحت عقيدة رسمية في أغسطس 1991م. حيث ركزت على القدرة في إظهار القوة، على مسافات بعيدة وبسرعة عالية، والحاجة إلى العمليات المشتركة، على مستوى الأفرع الرئيسة للقوات الأمريكية، أو مع قوات الحلفاء، ونادت بمبدأ رؤية أكبر للمبادأة، واعتماد أكبر على نوعية الفرد المقاتل، وبوضع عامل الوقت، في مركز اهتمامها، ونادت بشن هجمات منسقة ومتزامنة ومسيطر على تنفيذها، في الوقت الحقيقي، وكان على القادة السيطرة على معدلات القتال.

أدت التغيرات المتسارعة بشدة، في الموقف العالمي، إلى إعادة صياغة العقيدة، التي كانت تستغرق عادة من 30-40 عاماً، فأصبح ضرورياً أن تتم في عام أو عامين. وهكذا، في يونيه 1993م، ظهرت آخر مراجعة لكتاب "خدمة الميدان الأمريكي"، الذي أبرز الخبرة الحديثة عن الطرق والأشكال الجديدة للعمليات العسكرية، ويركز الشكل الحديث على تعدد الجوانب، وقدره القوة العسكرية على التحول من نوع إلى آخر، أي أنه يتحول، من الدائرة الأوروبية، إلى الدائرة العالمية، ومن فكرة الفتح الأمامي، إلى فكرة تمركز القوات الأمريكية، في مناطق، تسمح لها بالتوجه سريعاً لأي مكان في العالم، أي بالقرب من مناطق الصدام المحتمل. إنها تتحول، من التركيز على نشوب حرب عالمية مع السوفييت، إلى مفهوم الصدامات الإقليمية، وتركز على مفهوم العمليات العسكرية، التي تشمل مواجهة الكوارث، والأزمات، والاضطرابات المدنية، ومكافحة الإرهاب وحفظ السلام. وتعدى مفهوم المعركة البرية الجوية، ليصل إلى حدود الحرب البرية الجوية بمفهومها الشامل.

أولاً: وجهة النظر الأمريكية في أسباب التحول والتطور، إلى عقيدة الحرب البرية الجوية

1. التهديد العسكري، الذي كانت تشكله قوات حلف وارسو في المسرح الأوروبي، طبيعته وأبعاده.

2. طبيعة مسرح العمليات الأوروبي، حيث يقل العمق الإستراتيجي، وتتعدد وتتنوع الأهداف الحيوية.

3. التطور التقني القائم والمنتظر، في نظم التسليح الأمريكية.

4. خبرات الحروب الحديثة والمعاصرة، التي أوجبت تعديل العقائد القتالية الأمريكية، وتخليصها من النمطية، ومصاعب إحراز المبادأة والعجز عن الضرب بكفاءة في العمق، وخبرة أعمال القتال في عمق العدو.

5. استخدام قدرات التشكيلات والوحدات الأمريكية الحديثة وإمكاناتها، مثل فرسان الجو، والقوات المحمولة جواً، وقوات العمليات الخاصة، التي يمكن أن تؤدي دوراً رئيساً في أعمال القتال ضد النقط الحاسمة للعدو Decisive Points، والهليكوبتر المسلحة بالمقذوفات الموجهة... الخ.

ثانياً: مبادئ الإستراتيجية العسكرية الأمريكية

1. حرية العمل الكبيرة للقائد العسكري

أ. تحدد القيادة السياسية، الإستراتيجية العليا، للقائد الهدف، وتقدم له أقصى ما يمكن من الدعم، ثم تترك له حرية العمل كاملة، لبلوغ الهدف، وذلك بصرف النظر عن الوسائل، التي يستخدمها، حتى لو كانت مرفوضة، فالمهم هو بلوغ الهدف، وللقائد اختيار كل ما يراه ضرورياً لتنفيذ المهمة.

ب. أما حرية عمل القائد الميداني، فهي غير مطلقة تماماً، وإنما مرتبطة بحرية عمل القيادة العليا، السياسية، والسياسة العسكرية.

2. الحرص على تحقيق التفوق بالقوى

أ. فالقوات الأمريكية، لا تخوض حربها إلا، وهي تمتلك التفوق الكمي والنوعي، وعندما تقرر خوض الحرب، تسعى لتوفير جميع سبل النجاح، ودعم قواتها بكل ما هو ضروري، من الإمكانات والوسائل؛ لإحراز التفوق.

ب. وعندما يصعب توفير التفوق بالقوى منفردة، فإنها تسعى إلى توفيره، من خلال التحالفات الدولية والتعاون الإستراتيجي، وفي هذه الظروف، تتمسك الولايات المتحدة بالقيادة الأمريكية، لأي تحالف عسكري.

3. دمج العلم والتقنية بالعمل العسكري

أ. توفر الإستراتيجية العسكرية الأمريكية، فرص توظيف كل ما وصل إليه العلم والتقنية؛ لخدمة العمل العسكري، وهو ما يتميز به المجتمع الأمريكي من قدرات وإمكانات منها:

(1) إفساح المجال الرحب، أمام الإبداع والابتكار والتطور.

(2) توجيه العلوم والفنون، نحو مجال التطبيق العملي.

(3) توافر الإمكانات المادية لحشد الموارد والتمويل.

(4) إمكانات صناعية هائلة للإنتاج والتكيف.

(5) توافر القدرة على التحول بسرعة، من الإنتاج السلمي إلى الإنتاج الحربي.

ب. ولذلك، نجد أن الحروب الأمريكية، هي العامل الأول في التطور العلمي والتقني، حيث إن التطور يأتي خلال الحرب أو من الحرب، من خلال الدروس المستفادة، والخبرة المكتسبة، للإعداد لحرب تالية.

4. القدرة الحركية العالية واستخدامها هجومياً

أ. تعتمد القوات الأمريكية على تطبيق حرب الحركة، وتعنى باستمرار بتطوير وسائط الحركة، البرية/ الجوية/ البحرية/ الفضاء الخارجي، وزيادة القدرة الحركية للقوات، وكان كل تطوير في أحد الاتجاهات، يدفع إلى المزيد من التطوير في الاتجاهات الأخرى.

ب. وهكذا امتلكت الولايات المتحدة، القدرة الفائقة على الفتح الإستراتيجي، في أي منطقة من المسرح العالمي، إضافة إلى القدرة العالية على المناورة والحركة، في إدارة أعمال القتال، ومن ثم أصبح عامل السرعة والحسم، عاملاً مميزاً في فن الحرب الأمريكي.

5. دمج كل عوامل الحرب في الصراع المسلح

أ. دمجت الإستراتيجية العسكرية الأمريكية، جميع مكونات عناصر قوى الدولة الشاملة، اقتصادية وسياسية ودبلوماسية واجتماعية ومعنوية، لخدمة العامل العسكري في الحرب، وهو ما نادى به لودندورف، في نظريته عن الحرب الشاملة، في النصف الأول من القرن العشرين.

ب. كما أدخلت العوامل الشاملة، في إطار العمل العسكري؛ لتحقيق هدف سياسي عسكري، مثل استخدام الحصار والعزل لهدم البناء الاقتصادي للخصم، والحرب النفسية للتأثير المعنوي، والحرب الإعلامية والحرب الثقافية... الخ.

6. الإستراتيجية التشتيتية، وعزل مسارح العمليات

لتطبيق ذلك، تلجأ إلى مفهوم الاقتراب غير المباشر، والعمل على أكثر من جبهة، في آن واحد؛ لتشتيت الخصم، وتثبيت قواته، وليست الإستراتيجية، التي حملت مفهوم الحربين ونصف الحرب، أو الحرب ونصف الحرب، إلا تعبيراً عن هذه الإستراتيجية.

7. الحرص على تطبيق مبادئ الحرب

تحرص القيادة الأمريكية، السياسية والعسكرية، على تطبيق مبادئ الحرب، بشكل دقيق، وفي طليعة هذه المبادئ:

أ. الهدف Objective

يشمل تحديد هدف لكل عمل عسكري، على جميع المستويات، ويتم الربط بين الأهداف في جميع مستويات الحرب.

ب. العمل الهجومي Offensive

يعني أن امتلاك المبادأة، والاحتفاظ بها، واستغلالها، هو أساس العمل الهجومي، لتحقيق الهدف من الحرب.

ج. الحشد Mass

حشد جميع عناصر القوة القتالية، قوات ونيران، في المكان والزمان الحاسمين، لتوجيه ضربة قوية، تحقق صدمة للخصم، لتحطيمه وليس إضعافه.

د. الاقتصاد في القوى Economy of Force

يعنى استخدام كل القوة القتالية المتوافرة، بأكبر قدر من الفاعلية، وتخصيص الحد الأدنى الضروري من القوة للجهود الثانوية، ويشمل ذلك أيضاً التوزيع المناسب للقوات لتنفيذ المهمة، وتحقيق هدف الحرب.

    هـ. المناورة Maneuver

تعني حركة القوات؛ لكسب مزايا عن العدو، وتفرض وضعاً جديداً، أو مشكلات جديدة على العدو، ويتطلب نجاحها التفوق على العدو، في التخطيط، والتنفيذ، ومجالات الفكر العسكري، ونقل المجهود الرئيس وتحويله لاستثمار النجاح.

و. وحدة القيادة Unity of Command

تعني تبعية القوات إلى قيادة واحدة، لها صلاحيات مطلقة في توجيه القوات، نحو هدف مشترك واحد، وهذا يتطلب تنسيق الجهود، وتعاوناً مشترك بين القوات.

ز. الأمن Security

ويشمل جميع الإجراءات، التي تتخذ لحماية القوات وتأمينها، مع عدم السماح للعدو بإحراز ميزة غير متوقعة.

ح. المفاجأة Surprise

وتعني مفاجأة العدو، في المكان والزمان، أو بالطريقة، التي لم يستعد لها، وتتحقق إستراتيجياً، وتعبوياً، وتكتيكياً وفنياً.

ط. البساطة Simplicity

وتعني عدم تعقيد التخطيط والتنفيذ، ووضوح التعليمات والأوامر، وقد تحقق البساطة المفاجأة في أمور، لا يتوقعها العدو.

ثالثاً: مستويات الحرب في الإستراتيجية الأمريكية

تشمل ثلاثة مستويات أساسية هي المستوى الإستراتيجي، والمستوى التعبوي، والمستـوى التكتيكي.

 1. المستوى الإستراتيجي

يخطط له على المستوى السياسي، والسياسي العسكري، ويدخل فيه القيادات المشتركة، أو الموحدة أو التحالف، لإعداد الخطط الإستراتيجية، وتدبير الموارد، لدخول حرب طويلة، عدة أشهر، ومسرح عملياتها يشمل الدولة، أو قد يكون مشتركاً، وينظم عملها قانون خدمة الميدان الأمريكي.

2. المستوى التعبوي

أ. ويشمل المستوى العملياتي/ التعبوي، ويتداخل دوره مع المستوى الإستراتيجي والتكتيكي، ويختص بالتخطيط الإستراتيجي للمسرح، وإعداد خطط الموقعات، وتنظيم الإمداد ودعم القوات. وتستخدم في هذا المستوى مجموعة جيوش أو جيش واحد أو فيلق، وهو أقل مستوى، وتعمل القوات على مستوى المسرح، مثل مسرح العمليات الأوروبي أو مسرح عمليات الشرق الأوسط، ومدة الحرب محدودة بعدة أسابيع، وينظم عملها قانون خدمة الميدان الأمريكي FM. 100-3. ومن ذلك نجد أن هناك اختلافاً في المفهوم الأمريكي عن المفهوم الشرقي، حيث يختص المستوى التعبوي في المفهوم الأمريكي، بتحضير العمليات الحربية وإدارتها على مستوى المسرح. أما في المفهوم الشرقي فالجيش الميداني والجبهة، يمثلان المستـوى التعبوي.

ب. من ذلك، نجد أن الحرب البرية الجوية، تنفذ على المستوى التعبوي بالنسبة للقوات الأمريكية، إلا أنها تحمل أيضاً نشاطات المستوى الإستراتيجي، خاصة في ظروف مشاركة قوات مشتركة، أو تحالف دولي. ولذلك فإن الحرب البرية الجوية تشمل المستوى الإستراتيجي والتعبوي، وقد تنفذ على المستوى التكتيكي في شكل معركة برية جوية.

3. المستوى التكتيكي

يشمل مستوى الفرقة واللواء والكتيبة، ويختص بتخطيط أعمال قتال المعركة وإدارتها، لعدة أيام، في منطقة محددة، وينظم عملها قانون خدمة الميدان الأمريكي. (اُنظر شكل مستويات الحرب) 

رابعاًً: جوهر نظرية الفن التعبوي للجيش الأمريكي

هي نظرية، تعتمد على العمل السريع، المرتبط بالعنف والمرونة، بما يحقق انتزاع المبادأة وضرب العمق، مع ضرورة توافر خفة الحركة، وسرعة رد فعل القيادات، وتزامن الضربات النيرانية مع المناورة بالقوات، في الوقت والمكان المناسبين، وتنسيق جهود القوات البرية والجوية معاً، لتحقيق الهدف من العملية، طبقاً لفكرة قرار القائد الأكبر، وذلك باستخدام القوات التقليدية فقط، أو باستغلال نتائج الضربات النووية والكيماوية.

متطلبات تنفيذ نظرية الفن التعبوي

1. مركزية التخطيط، ولا مركزية في التنفيذ، حتى أقل مستوى.

2. تحقيق الاكتفاء الذاتي للقوات، من مستوى الجيش والفيلق، حتى مستوى الفرقة.

3. تحقيق تكامل الوحدة والتشكيل بصفة عنصر أسلحة مشتركة.

4. إلمام القادة لمستويين أعلى، بفكرة القرار كاملة؛ تحسباً من تدمير هذه القيادات، أو فقد الاتصال أثناء إدارة العملية.

5. سرعة رد فعل القادة والقيادات، مما يوجب إجراء الآتي:

أ. تقليل حجم القيادات.

ب. تقليل عدد المساعدين، ما أمكن.

ج. يجب أن يكون مفهوم القادة وهيئات القيادة أثناء العمل هو، ما المطلوب تنفيذه؟ وليس كيف ينفذ المطلوب؟

د. توحيد أسلوب عمل القيادات ونظامه، مع إجراء تعديلات في أضيق الحدود، طبقاً لمتطلبات العمل.

خامساًً: مفهوم نظرية الحرب البرية الجوية Air Land Battle

تعد الحرب البرية الجوية، حرباً متسعة ومتكاملة، تستخدم فيها كل القوات البرية والجوية المتيسرة، بتعاون وثيق، وفي كل مسرح العمليات، فهي متسعة؛ لأنها تدار على الحد الأمامي للعدو، ويمتد مجالها حتى أقصى مدى مؤثر، لجميع وسائل إنتاج النيران. وهى متكاملة لأنه تستخدم خلالها جميع أنواع الأسلحة التقليدية، بمختلف أنواعها، في شكل متكامل، على كل مسرح العمليات، إما منفردة، أو في تكامل مع الأسلحة النووية والكيماوية، وتركز على تعطيل قوات الأنساق الثانية للعدو أو إرباكها أو تدميرها، قبل دفعها لمعاونة الأنساق الأولى، أي أنه يلزم منذ بدء الحرب، إعطاء أهمية متساوية لقتال الأنساق الثانية، تماثل أهمية قتال الأنساق الأولى.

تشمل الحرب البرية الجوية، على استغلال التقنيات المتقدمة، والعمليات الخاصة؛ لتحقيق المفاجأة والمبادأة وسرعة حسم أعمال القتال، بشن الضربات، بالقوات والنيران، ضد الأهداف الحيوية للعدو، بما يحقق أقصى تأثير مادي، ومعنوي على العدو، حتى أقصى عمق المسرح، مع تجنب إدارة أعمال قتال رئيسة ضد القوات الأمامية للعدو، وهذا ما يمنع أو يحرم القوات المعادية، من الاستيلاء على أراض جديدة، أو استخدام الأسلحة النووية على مستوى المسرح، ويحقق الاستيلاء على أهداف/ مناطق، ذات أهمية حيوية، تردع القوات المعادية عن بدء القتال، أو الاستمرار فيه.

من ذلك، فإن الحرب البرية الجوية، تدير أعمال القتال على المستوى الإستراتيجي والتعبوي والتكتيكي، في توقيت متزامن، أو مرحلة زمنية واحدة، (اُنظر شكل نطاق عمل القوات) وتقوم القوات الجوية، علاوة على المعاونة المباشرة للقوات البرية، بتنفيذ مهام الحماية الجوية، والاستطلاع، ومهام القذف الجوي الإستراتيجي، ضد الأهداف الحيوية، واحتياطات العدو في العمق، في مناطق تمركزها، وقبل دفعها للاشتباك.

تهدف الحرب البرية الجوية، في مجملها، إلى منع العدو من الدفع الكلي للقوات، وذلك بالاعتماد على العمل السريع؛ لانتزاع المبادأة وحرب العمق، مع تزامن الضربات النيرانية، مع أعمال قتال القوات، في الوقت والمكان المناسبين، وتنسيق جهود القوات البرية والجوية؛ لتحقيق الهدف من العملية. (اُنظر شكل الفكرة التطبيقية لنظرية الحرب)

سادساً: العلاقة بين عقيدة الحرب البرية الجوية، وعقيدة قتال الأنساق الثانية

عندما شرعت قيادة قوات حلف شمال الأطلسي، في تطوير أساليب الاستخدام، بدأت في وضع تصور لوضع قوات الأنساق الثانية السوفييتية، وذلك من خلال متابعة أعمال الفتح لقوات حلف وارسو، وحتى دفعها للاشتباك، حيث تهدف إلى استغلال نقاط الضعف، في مراحل دفع أنساقه الثانية للاشتباك. ومثل عقيدة الحرب البرية الجوية، تسعى عقيدة قتال الأنساق الثانية لربط المعركة العميقة، بأعمال قتال القوات، التي على اتصال، إلا أن الوسائل تختلف. وهناك أوجه تشابه واختلاف بين العقيدتين، رغم أن جورهما واحد يشمل الهجوم العميق أو العملية العميقة.

1. أوجه التشابه

أ. تهدف العقيدتان إلى إحداث أكبر خسائر، في الأنساق الثانية للعدو، أو تأخيرها وحرمانها من العمل، في الوقت والمكان المناسبين، وإزعاج القيادات وإرباكها، والتأثير على قراراتها، وأسلوب السيطرة على عناصر تشكيل العملية.

ب. تركز العقيدتان على أهمية انتزاع المبادأة، والمحافظة عليها.

ج. تؤكد العقيدتان على ضرورة تطوير وسائل إنتاج النيران للقوات البرية والجوية، ووسائل القيادة والسيطرة، ونظم المخابرات والاستطلاع، ووسائل الحرب الإلكترونية

د. تشترك العقيدتان في أهمية دور العامل المعنوي، وانعكاسه على الآثار المادية على القوات المعادية.

هـ. تهتم العقيدتان بدور القوات الجوية الحيوي، في ضرب الأنساق الثانية للعدو في العمق، مع ضرورة تنسيق القذف الجوى والصاروخي، على نحو أوثق، حتى يمكن التأثير على المعركة البرية.

2. أوجه الاختلاف

أ. تشمل قوى تنفيذ الحرب البرية الجوية ووسائلها، جميع عناصر القوة القتالية ابتداء من القوات البرية، ثم القوات الجوية، حتى تنتهي بالوسائل النووية. أما عقيدة قتال الأنساق الثانية فتعتمد على وسائل إنتاج النيران التقليدية، وأهمها القوات الجوية والصواريخ أرض/ أرض. وفي تعبير آخر، فإن عقيدة الحرب البرية الجوية تعتمد على المناورة، بينما تعتمد عقيدة قتال الأنساق الثانية على قوة النيران.

ب. تشمل الحرب البرية الجوية ثلاثة أبعاد رئيسية، هي البعد العميق، والبعد القريب، والبعد الخلفي، أما عقيدة قتال الأنساق الثانية فتهتم أساساً بعمق الخصم.

ج. تركز الولايات المتحدة على تحقيق مطالب الحرب البرية الجوية، في ضرورة تطوير الوحدات والتشكيلات، من حيث التنظيم والتسليح، خاصة في مجال وسائل جمع المعلومات وزيادة خفة حركة القوات. أما قيادة حلف الأطلسي فتركز أولوياتها على تطوير وسائل إنتاج النيران، لتشمل قوة ردع تقليدية، لها القدرة على ردع القوات المعادية، مع إدارة عملية دفاعية تقليدية بقوات الحلفاء طبقاً للعقائد المستخدمة.

د. ترى قيادة حلف شمال الأطلسي، أن عقيدة الحرب البرية الجوية، عقيدة هجومية، تعد تغيراً جذرياً في إستراتيجية قوات الحلفاء. بينما ترى الولايات المتحدة أن قتال الأنساق الثانية، عقيدة دفاعية نشطة، تهدف إلى إيقاف الخصم وحرمانه، من استغلال تفوق أنساقه الثانية.

هـ. ترى قوات حلف شمال الأطلسي، أن هناك مصاعب خاصة، في تنفيذ الحرب البرية الجوية تتركز في الآتي:

(1) توفير سيادة جوية، أو على الأقل سيطرة جوية، لصالح نطاق عمل التشكيل.

(2) توفير تفوق في القوات والوسائل، من حيث الكمية والنوعية.

(3) حل مشكلات السيطرة على القوات الجوية المعاونة.

(4) احتياج القوات إلى فترة إنذار كافية؛ لإعادة التجميع وحشد القوات في المسرح.

(5) عدم وجود تجهيزات هندسية في منطقة وسط أوروبا.

(6) أهمية إعداد قوات حلف شمال الأطلسي للقتال التقليدي، وتحت ظروف استخدام قوات حلف وارسو للأسلحة النووية.