إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / العمليات النفسية (الحرب النفسية)





مخطط تنظيم فريق العمليات
مقترح لتنظيم مركز عمليات نفسية
مقترح لشبكة مراكز العمليات النفسية
التخطيط للعمليات النفسية
التعامل النفسي المعاصر
التعامل النفسي الصهيوني
الحرب النفسية في العمليات العسكرية
تنظيم إدارة التخطيط للعمليات النفسية
تنظيم سرية عمليات نفسية
تنظيم كتيبة عمليات نفسية
تطور الدعاية الصهيونية
سلم ماسلو للحاجات
منشور طريقة الانضمام
بطاقة مرور أمن
بطاقة دعوة
شعار القوات المشتركة
كاريكاتير نفسي 1
كاريكاتير نفسي 2
قصف الفرقة 16 مشاة

مناطق الإسقاط بالبالون
مناطق الإسقاط بالطائرة س 130
مواقع القوات العراقية



القسم الثاني

المبحث الخامس

مفهوم العمليات النفسية في الإسلام

عندما أشرقت أنوار الهداية الربانية بظهور الدعوة المحمدية في أم القرى، وبدأ الرسول r جهاده العظيم من أجل تبليغ الرسالة السماوية الخالدة، واجه صنوفاً عديدة من ألوان العمليات النفسية، نظراً لما جاء به من مبادئ ترمي إلى تحرير البشرية من الانحلال الاجتماعي والتأخر الحضاري، الأمر الذي جعل الدعوة تلاقي في أول عهدها صنوفاً وأشكالاً من الخصام والتصادم. وواجه المسلمون بقيادة الرسول  ألواناً عديدة من العمليات النفسية، في مكة المكرمة والمدينة المنورة، منها حرب الاستهزاء والسخرية، وحرب الوقيعة وإثارة الانقسام، وحرب الجدل العلمي، وحرب النفاق والدسيسة. وانتصر الرسول r في جميع الميادين وكان ذلك بفضل إيمان المسلمين العميق ووعيهم العظيم وتمسكهم بتعاليم دينهم وجهادهم في سبيل نصرته، مما مكنهم من دحض العمليات النفسية التي شنت عليهم.

أولاً: الإسلام والعمليات النفسية

لا يختلف المفهوم الإسلامي للعمليات النفسية عن مفهومها المعاصر الذي أشرنا إليه في الفصل الأول، حيث يحفل سجل الفتوحات الإسلامية. في صدر الإسلام بممارسات تؤكد على فهم المسلمين لأساليب ممارسة هذه الحرب وإدارتها بما يحقق انتصار المسلمين على أعدائهم. وقد استمد المسلمون مبادئ عملياتهم النفسية ـ سواء في مفهومها الهجومي أو الوقائي ـ من قول الحق تبارك وتعالى: ]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ[ (سورة الأنفال: الآية 60)، ومن قول الرسول r، ]الْحَرْبُ خَدْعَةٌ[ مؤكداً هذا القول بممارسته العملية r حيث كان r إذا أراد غزوة ورّى بغيرها تضليلاً للعدو وقد مارس قادة الإسلام الأوائل أساليب العمليات النفسية في معاركهم مع أعدائهم، فهذا خالد بن الوليد t ـ  يمارس أساليب العمليات النفسية الوقائية في معركة اليرموك حيث يخاطب جنوده بقوله: "هلموا فإن هؤلاء تهيؤا، وهذا يوم له ما بعده، إن رددناهم اليوم لم نزل نردهم" ، شاحذاً بذلك هممهم ورافعاً لروحهم المعنوية لقتال عدوهم ودحره. وقد حبا الله تبارك وتعالى نبينا r أثراً نفسياً سيئاً على عدوه، ففي الحديث الصحيح أن النبي r قال: أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، الحديث، مما يفهم منه أن للعمليات النفسية منزلتها البالغة الأهمية في الإسلام. وسوف نعالج فيما يلي أساليب العمليات النفسية التي مورست ضد المسلمين والعمليات النفسية المضادّة التي مارسها المسلمون على أعدائهم.

ثانياً: العمليات النفسية في الفترة المكية

اتخذت العمليات النفسية التي شنتها قريش عدة خطوط واتجاهات منها ما اتجه إلى شخصية الداعية الأول r ومنها ما اتجه إلى الكتاب الكريم، ومنها ما اتجه إلى المؤمنين إتباع النبي r. ولقد واجه الرسول r والمسلمون ألواناً عديدة من العمليات النفسية، التي كانت لوناً من ألوان الحروب التي شنتها قريش على النبي r، فقد أثارت قريش حملات متتالية من الإشاعات والتشكيك، ولجأت إلى سلاح السخرية والاستهزاء، وإلى حرب الدعاية المضادة، لتواجه دعوة الحق؛ وكانت هذه العمليات النفسية تتخذ شكلاً عنيفاً واسعاً كلما ازداد الإسلام قوة، وكلما نمت الجماعة الإسلامية وازداد عددها وارتباطها. وقد كانت هذه العمليات النفسية المشبوهة المعلنة على الداعية ومن آمن معه تستهدف تصدع النفوس وتحطيمها لإبطال فعاليتها ومنعها من أن تكون عامل قوة، ومنعها من أن تكون إيجابية مصابرة متمسكة بالحق مدافعة عنه، حماية له مبشرة به في مثابرة ومجاهدة، وتستهدف زحزحة هذه النفوس المؤمنة عن الإيمان والحق والخير، وانحياز أهل الحق للباطل، وإطفاء نور الإسلام، وصد الناس عن سبيل الله والإيمان به ومنعهم من رؤية الحق والوصول إليه. وفيما يلي نذكر بعض وسائل هذه الحرب:

1. حرب السخرية والاستهزاء

من صورها أن الرسول r دعا بني هاشم أولاً فقال لهم: قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني ربي لأدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر؛ فأصم القوم آذانهم وتأهبوا لمغادرة المكان، وهب علي بن أبي طالب t وكان لا يزال غلاماً فقال: أنا يا رسول الله عونك، أنا حرب على من حاربت، فانطلق بنو هاشم في الضحك، وإثارة السخرية استهزاء بعبارة علي، وجعل بعضهم ينقل نظره بين أبي طالب وابنه، ووجّه أبو لهب الحديث إلى أبي طالب في سخرية: "أسمعت ما قال ابن أخيك؟ إنه يأمرك أن تسمع لابنك وتطيع"، ثم انصرفوا مستهزئين. ثم جمع النبي r وجوه قريش وخطبهم على الصفا، وحتى لا يتأثر القوم مما سمعوا، ثار أبو لهب ليبطل مفعول حديثه r فصاح ساخراً: تباً لك من ثائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ وكانت تشارك أبا لهب في سخريته زوجته أم جميل وهي أخت أبي سفيان فنزلت الآيات ترد الرمية إلى نحره: ]تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ[ (سورة المسد) وقد علق المستشرق (واشنجتون أرفج) على حرب السخرية والاستهزاء التي أعلنها القرشيون الوثنيون على الرسول r فقال: "كانت أعظم صعوبة واجهها r هي استهزاء معارضيه، رغم أنهم قد عرفوه منذ طفولته منذ أن كان غلاماً يجوب شوارع مكة"، واستمر (واشنجتون) في تعليقه إلى أن قال: "ادعى بعضهم كذباً أنه مجنون، وزعم البعض أنه قد تقمصه شيطان، واتهمه البعض بالسحر"، وواصل (واشنجتون) إلى أن قال: "ولكنه تحمل الأذى صابراً غير مبال، وماذا يضيره من السخرية؟ إنها دخان في الهواء، لم يكن يهتم بمعرفة من هم مصدر هذا الإيذاء، بل اهتم بأمر الذين يأمل في اعتناقهم الإسلام". إن قريشاً كانت تتفنن في إيذائه r بمختلف الأوصاف منها: اليتيم، ابن أبي كبيشة، والأبتر وغيرها من السخريات اللاذعة. وإن العرب يجيدون فن السخرية، إذا جهلوا. ولذا نهاهم القرآن عن السخرية في قوله تعالى للمجتمع المدني: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ[ (سورة الحجرات: الآية 11). بل إن سورة كاملة نزلت تعالج هذا الموضوع هي سورة الهمزة: ]وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ[، وهي صورة مكية تهدد هؤلاء العتاة البذيئين. ونزل أيضاً القرآن ليطيب خاطر الرسول r فقال تعالى: ]فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ[ (سورة الأنعام: الآية 5)، ]وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ[ (سورة الأنعام: الآية 10)، ]قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ[ (سورة الأنعام: الآية 33).

2. حرب الوقيعة

ما إن فرغ الكفار من حرب السخرية والاستهزاء حتى بدأوا حرباً أخرى ذات طابع جديد وهي حرب الوقيعة بين أبي طالب والنبي r وهي حرب لها خطورتها، فقد كان أبو طالب بمثابة الدرع الذي يصد عن الرسول الكريم سهام العداء والإيذاء التي يصوبها المشركون. بالرغم من عدم اعتناق ابي طالب للإسلام إلا أن حمايته لابن أخيه ساعدت بطريق غير مباشرة في انتشار الإسلام، مما أثار حفيظة القرشيين وقرروا الوقيعة بين الرسول r وعمه، فأوفدوا وفداً إلى أبي طالب بأن ابن أخيه قد سفَّه أحلامهم وسب آلهتهم، وعاب دينهم، وضلل آباءهم وطلبوا من أبي طالب أن يكف ابن أخيه عنهم أو يخلي بينه وبينهم، فردهم أبو طالب رداً جميلاً. بعد ذلك استمرت الدعوة من قوة إلى قوة، لكن هذا الأمر قد ضايق القرشيين مما دفعهم بإيفاد وفد جديد إلى أبي طالب واستخدموا معه الحزم لعله يرعوي عن دعم ابن أخيه الذي سفَّه أحلامهم، وبعد أن قالوا ما أرادوا انصرفوا من مجلس أبي طالب غاضبين. فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب نفساً بالتخلي عن ـ ترك وتسليم ـ رسول الله r وخذلانه. وبعث أبو طالب يستدعي الرسول r إليه، حتى إذا قدم عليه، قال له: يا بن أخي، إن قومك قد جاءوني، فقالوا لي كذا وكذا، فأبق عليَّ وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق. فظن الرسول r أن عمه خاذله ومسلِّمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه. فقال الرسول r: والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه ثم تهيأ الرسول r للانصراف، فناداه أبو طالب وقال له: اذهب يا ابن أخي، فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبداً!. وهكذا أخفقت قريش للمرة الثانية، لكنها حاولت حيلة أخرى، إذ ساومت أبا طالب على قتل الرسول r وتعويضه عنه بفتى من فتيان قريش.. وبالطبع رفض أبو طالب هذا العرض رفضاً مطلقاً. وبعدها أدركت قريش أنها أخفقت إخفاقاً تاماً في الوقيعة بين الرسول r وعمه، وأنهم لن يستطيعوا إلحاق الأذى به، فانصرفوا إلى إيذاء المسلمين وخاصة الموالي والرقيق والضعفاء.

3. حرب الإغراء والترغيب

ظن سفهاء قريش أن الدعوة سحابة صيف لا تلبث أن تنقشع، فاتبعوا من وسائل الهزء ما ظنوا أنه يخلصهم من الرسالة وصاحبها، وأخطأوا الظن إذ توهموا أنه طالب شهرة أو مال أو جاه فرأوا أن يتحولوا إلى سلاح الإغراء والترغيب. وبعثوا بوفدهم إلى الرسول r وعلى رأسه عتبة بن ربيعة، وقال له المقولة المشهورة: "يا ابن أخي، إنك منا حيث علوت شرفاً ونسباً..."، إلى أن قال: "... إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد مُلكاً ملَّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع أن ترده عن نفسك طلبنا لك الطب... إلخ"، فقال له رسول الله r "أفرغت يا أبا الوليد"، قال: نعم، قال: فاسمع مني. ثم تلا عليه صدْراً من سورة فُصلت، حتى أوقفه ذلك، فقال له النبي r قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك. وعاد عتبة إلى قومه بغير الوجه الذي أتى به حتى قال القرشيون: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فقالوا ما وراءك يا أبا الوليد؟ فقال: "ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط .. إلخ". ولم يجد سلاح الإغراء مع الرسول r فتيلاً، فلجأت قريش إلى سلاح جديد.

4. حرب التعجيز وطلب المعجزات

استمر القرشيون في عملياتهم النفسية، يبتدعون كل يوم لوناً جديداً، بهدف الحد من سعة انتشار الإسلام، ومن هذه المبتدعات: مطالبة الرسول r بمعجزات حسية ملموسة بقصد الإحراج فطالبوه أن يطلب من ربه زحزحة الجبال التي تحيط بمكة، وطالبوه أن يفجِّر عيون الماء ليحل مشكلة الماء، وأن يحول القفار إلى جنات من نخيل وأعناب، وطلبوا كتاباً ينزل من السماء يلمسونه بأيديهم ويرونه بأعينهم، وطلبوا أن يبعث آباءهم من موتهم حتى يصدقوا بالبعث، ثم طلبوا مَلَكاً ينزل مع الرسول يشهد له ويؤيده... إلخ. وكان جواب الرسول r ما يرويه ابن هشام ما بهذا بعثت إليكم، وقد أبلغتكم ما أُرسلت به إليكم فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله تعالى حتى يحكم بيني وبينكم. وقد سجلت آيات عديدة مواقف معاجزة النبي r وتشددهم واشتراط معجزات وخوارق وآيات ومنها: ]وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلاَلَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولاً[ (سورة الإسراء: الآيات 90-93)، ]وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلاَ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً[ (سورة الفرقان: الآيات 7-9). وقد أنزل الله سبحانه وتعالى قرآناً يخفف كثيراً من وطأة وثقل معاناة النبي r من هذه المغالطات، ولولا هذا العلاج الذي يمسح عن النفس ما تجد، لكان هذا السلاح خطيراً مؤثراً، ولكنه المنهج القرآني والعلاج الرباني، والنفس العظيمة، نفس النبي r فقال الله تعالى: ]قُلْ لاَ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ[ (سورة الأنعام: الآية 50)، ]قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ[ (سورة الأنعام: الآيتان 57، 58)، وغيرها من الآيات القرآنية.

5. حرب الإشاعات والافتراءات

مضت قريش في عملياتها النفسية، مستميتة في دفاعها عن أوثانها وجاهليتها، فلجأت فيما لجأت إلى حرب الإشاعات والافتراءات، لقد لجأت إلى سلاح الدعاية منذ الساعة الأولى، بكل ما ينطوي عليه هذا السلاح من مجادلة وحجج ومهاترة وترويج إشاعات، وتوهين لحجة الخصم، واستعلاء بالدليل عليه.. الدعاية على العقيدة وعلى صاحب العقيدة واتهامه فيها، واتهامها لذاتها. والدعاية التي لا تقف عند حدود مكة. وقد أصبحت مهمة قريش في هذه المرحلة من العمليات النفسية، وضع حجاب كثيف بين الرسول r والحجاج القادمين إلى مكة، وملاحقة هؤلاء الحجاج بوابل من الدعايات، والإشاعات والافتراءات، تزيد هذا الحجاب كثافة، وحتى يعود هؤلاء الحجاج من حيث أتوا، دون أن يعتنقوا الإسلام. وكان أن أشاعت قريش عن النبي r جملة مفتريات وسجل كل ذلك القرآن الكريم وردَّ عليه أبلغ رد، من ذلك قولهم أن الرسول تقوّل القرآن، ذكره القرآن ورده عليهم: ]يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لاَ يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ[ (سورة الطور: الآيتان 33، 34)، ]أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[ (سورة يونس: الآية 38)، ]أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُم مسلِمُونَ [ (سورة هود: الآيتان 13، 14).

6. حروب قرشية أخرى

فضلاً عن الحروب سالفة الذكر شنت قريش حروباً بالغة الضراوة على الرسول r منها:

أ . حرب الإيذاء والإرهاب

ومن هذه الحرب اللون السلبي الذي اعتمد على الأقوال والدعاية، ومنها الإيجابي الذي اعتمد على العنف والإرهاب، "والهدف الرئيسي منها هو بث الرعب في نفوس المسلمين، فقد تخير المشركون نفراً من المسلمين، الفقراء والضعفاء، والموالي وألحقوا بهم ألواناً من الاضطهاد والإيذاء، وأحاطوهم بجو من الإرهاب، حتى يثيروا مخاوف سائر المسلمين، ويوضحوا لهم مصير كل من يعتنق الإسلام، وحتى يحولوا دون من لم يؤمن بعد وبين الدخول فيه، وقد كان علاج النبي r لهذا اللون من العمليات النفسية واقعياً، فقد أذن لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة فراراً بدينهم، وبقي الرسول r مع نفر من أصحابه الذين كانت لهم منعة في مكة.

ب. حرب المقاطعة

اتفقت قريش على مقاطعة بني هاشم وبني عبدالمطلب، فلا يتعاملون معهم ببيع ولا شراء ولا زواج ولا مجالسة، حتى يدفعوا إليهم رسول الله  ليقتلوه، وكتبوا بذلك صحيفة علقوها في جوف الكعبة.. واستمرت قريش في مقاطعتها الشاملة هذه ثلاث سنين، حتى استيقظت بعض معاني النخوة في نفوس بعض القرشيين، واتفقوا على نقض الصحيفة، وانتهت المقاطعة، وقد خرج المسلمون منها أصلب عوداً وأعظم تجربة، وقد كسبوا عطف كثير من الناس وتأييدهم وإعجابهم. ثم جاءت حرب الافتراء على القرآن الكريم وعلى المؤمنين ورد عليهم القرآن أبلغ رد أفحمهم عن الإتيان بالمزيد.

ثالثاً: العمليات النفسية في الفترة المدنية

لم يجد الرسول r بُداً في بادئ الأمر من ترك مسقط رأسه (مكة المكرمة) والتوجه إلى بلاد جديدة تحتضنه وتحتضن الدعوة التي كلفه الله بها ـ إلى المدينة المنورة ـ في أواخر العهد المكي صعّدت قريش من مقاومتها وطورت من أساليبها إلى حد التآمر على قتل النبي r وتوزيع دمه على القبائل، كما خططوا لذلك في دار ندوتهم، وقد وصف القرآن مؤامرتهم بقوله: ]وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[ (سورة الأنفال: الآية 30). لقد كان حصاد هذه الحملات المحمومة المسعورة على المسلمين في الفترة المكية نصراً للمؤمنين وهزيمة للكافرين. وكانت الهجرة فتحاً كما أيقنت قريش بعد قليل. وأخفقت العمليات النفسية التي أعلنتها قريش إخفاقاً تاماً، فهذه الحروب لا تؤثر في النفوس الضعيفة، المزعزعة الإيمان. ولقد كان للمسلمين الأولين من إيمانهم القوي ما جعل أفئدتهم وعقولهم في منأى عن التأثر بهذه الحملات المغرضة المضللة. وأدركت قريش أنها أخفقت ولقيت هزيمة ساحقة في ميادين العمليات النفسية، فلجأت إلى أسلحة أخرى. ويمكننا أن نجمل مظاهر العمليات النفسية ضد الإسلام وأهله في المرحلة المدنية في النقاط التالية:

1. استمرار عمليات المشركين النفسية من مكة على المسلمين حيث قام كفار قريش بعد هجرة الرسول r وصحبه بمصادرة ديار المهاجرين وأموالهم وأراضيهم وعذبوا من بقي من المسلمين في مكة وحالوا بينهم وبين زيارة أزواجهم وأهليهم لهم. كما عمدت قريش إلى استغلال مكانتها الدنيوية وزعامتها الدينية بوصفها ساكنة الحرم ومجاورة البيت في التحريض ضد الرسول r والمسلمين في المدينة مستغلة موسم الحج في ذلك.

2. أن الجبهة المضادة للرسول r والتي كانت تقوم بعملياتها النفسية ضده قد تعضدت بفرقتين أخريين في المدينة وهما اليهود والمنافقين.

3. أن القوة الإسلامية المتنامية في المدينة المنورة كانت مدركة تماماً لما يدور حولها، متفهمة للأساليب التي يتبعها اليهود والمنافقين في المدينة، وكان الرسول r يواجه هذه الحرب بحرب مضادة تتناسب في أساليبها مع المواقف والمناسبات التي يمارس فيها اليهود والمنافقون حربهم على الإسلام.

رابعاً: اليهود والعمليات النفسية في الفترة المدنية

ما أن وصل النبي r إلى المدينة حتى بدأ اليهود عملياتهم النفسية ضد الإسلام وأهله، طفقوا يكيدون للإسلام، ويتربصون به وبالمرسل به الدوائر بغياً وحسداً. وبرغم لين النبي r وتسامحه وبرغم معاهدته معهم، فقد ظل اليهود ـ ما أمكنهم ـ يقاومون الدعوة الإسلامية ويثيرون المتاعب في وجه حامل لوائها r بما يبثون من أراجيف، وينشرون من أكاذيب، تستهدف تشكيك الناس في صدق دعوته، والنفور منها، ويعضدون كل من يريد به شراً، أو يبيت له ولأصحابه مكروهاً، بل ويتآمرون ضد الإسلام بغية الإطاحة بحكمه والقضاء على رسوله r، غير مبالين بعهد أعطوه، ولا مقيمين وزناً لميثاق أبرموه، لأن هذه العهود والمواثيق عند هؤلاء اليهود، لا قيمة لها ولا اعتبار إلا عندما يكون التمسك والالتزام بها يحقق لهم مصلحة خاصة فحسب.

وسائل العمليات النفسية اليهودية في المدينة

اتخذت عمليات اليهود النفسية ضد المسلمين في المدينة عدة وسائل وأساليب منها:

أ. حرب الجدل

من المعروف عن اليهود أنهم أهل الجدل، فقد أتعبوا أنبياءهم بالتوائهم ومجادلتهم، وقصصهم مع موسى u ـ  أشهر من أن يشار إليها. وقد بدأت حرب الجدل بين النبي  وبين اليهود مبكرة، ونستطيع أن نقول منذ حلوله المدينة، وزاد من أوارها إسلام بعض أحبار اليهود ومحاجتهم قومهم، وممن يذكر في هذا الصدد (عبدالله بن سلام) فقد روى ابن هشام القصة الطريفة لإسلام ابن سلام فقال: إنه طلب من الرسول r أن يكتم إسلامه حتى يسأل اليهود عن قدر ومنزلة ابن سلام فيهم، فأجابوه سيدنا وابن سيدنا وحبرنا وعالمنا، فخرج إليهم ابن سلام فقال لهم: يا معشر يهود، اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله. فغيروا رأيهم بابن سلام واتهموه بالكذب، فقال ابن سلام للرسول r: ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قوم بهت وأهل غدر وكذب وفجور. وهنالك آيات قرآنية كثيرة تشير إلى جدال اليهود مع الرسول r وبدأ هذا الجدال أحبارهم فرد الله قائلاً للرسول: ]وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ[ (سورة المائدة: الآية 49)، وقوله تعالى: ]لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ[ (سورة آل عمران: الآية 181)، وقال الله تعالى: ]يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَءَاتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا[ (سورة النساء: الآية 153).

ب. بث الشكوك في الإسلام

ومن وسائل العمليات النفسية بث الشكوك في الإسلام فقد عمد اليهود إلى إضعاف الإيمان في نفوس المسلمين وزعزعة ثقتهم بالإسلام، وذلك بإثارة الشكوك في قلوبهم وتلقينهم أن ما في الإسلام إنما هو تحريف لبعض ما جاء في التوراة وأن في القرآن تناقضاً وغير ذلك من شبهات. وذكر القرآن محاولات اليهود في صد المسلمين عن الإسلام في قوله تعالى: ]وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ[ (سورة آل عمران: الآية 69). وقد أغاظ اليهود تحويل القبلة من القدس إلى مكة، ورأى اليهود في هذا التغيير دلالة على تحول خطير ضدهم فجاء نفر منهم رفاعة بن قيس، وقردم بن عمرو، وكعب بن الأشرف، إلى النبي r يقولون له: يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه، ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك. وفيهم نزل قول الحق تبارك وتعالى: ]سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[ (سورة البقرة: الآية 142).

ج. الحصار الاقتصادي

ومن وسائل العمليات النفسية على المسلمين: الحصار الاقتصادي.. فقد "قام بعض اليهود بمؤامرة تهدف إلى إبعاد المسلمين عن دينهم وذلك بمقاطعتهم اقتصادياً وامتناعهم عن دفع ما يجب عليهم دفعه من ديون وبيوع وأمانات لمن اعتنق الإسلام، مدعين أن ما كان لهم من حق إنما كان لهم قبل الإسلام، وأن دخولهم في هذا الدين أبطل حقهم فيه. وإلى ذلك يشير القرآن: ]وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأَمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ[ (سورة آل عمران: الآية 75).

د. إثارة الأحقاد والفتن (حرب الوقيعة)

غاظ اليهود ما صنع الإسلام من وحدة المسلمين، وما كونه من قوة نشأت عن الاجتماع عن الحق والدين، وموالاة للصف المؤمن وقيادته النبوية الحكيمة، كل ذلك جعلهم يعلمون حيلتهم ودهاءهم لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه من قبل من فرقة وقطيعة حتى يتسنى لهم الهيمنة عليه وسرقة مقدراته. وقد بذل اليهود قصارى جهدهم للتفريق بين أوس وخزرج المدينة بعد أن دخلوا في الإسلام زرافات ووحدانا. وفي هذا نزل قول الله عز وجل: ]قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ ءَامَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ ءَايَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[ (سورة آل عمران: الآيات 99 – 101).

خامساً: وسائل العمليات النفسية عند المسلمين

ليتسنى للمسلمين الانتصار على أعدائهم الظاهرين، اليهود والكفار، وأعدائهم الأخفياء، المنافقين، اتبعوا مجموعة من الوسائل في العمليات النفسية التي عززها العمل العسكري ومن هذه الوسائل ما يلي:

1. الصدق في القول والتصميم على تحقيق الهدف

كان صدق القادة المسلمين في إنذارهم لخصومهم بالمصير الذي سينتهي إليه أمرهم إذا حاربوا المسلمين وتنفيذهم لوعيدهم بدقة، من الأسباب التي أحبطت إرادة القتال لدى خصوم المسلمين وذلك لمجرد وصولهم نذير أو وعيد. وكان التصميم على تحقيق الهدف من الأسباب التي وضعت المسلمين في موقف الذي لا يغلب. وفي هذا المقام نذكر وصية أبي بكر الصديق لعكرمة حينما وجهه إلى عمان، ومهما قلت أني فاعل فافعله ولا تجعل قولك لغواً، واُنظر ما تقول ومتى تقول....

2. الشجاعة في الحرب

كانت إرادة المسلمين للقتال وعدم انحرافهم عن هدفهم واندفاعهم إلى الموت دونما تردد لتحقيق هذا الهدف، أسباباً رئيسية لإحباط إرادة القتال لدى الخصم. وقد وصف القرآن الكريم مظهر المسلمين مع رسولهم r وشدتهم على أعدائهم بقوله: ]مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ[ (سورة الفتح: الآية 29).

3. إبادة قادة العدو منذ اللحظات الأولى للقتال

فقد كان لذلك انعكاسات نفسية سيئة في مسيرة المعركة التي يقتل فيها القائد وفي مسيرة العمليات التالية بحيث أصبح القادة يعرفون أن مصيرهم الحتمي هو القتل عند اصطدامهم بالمسلمين وكان خوف القادة ينعكس بدوره على المقاتلين.

4. اعتماد الأنصار

استخدام الطابور الخامس لتحطيم إرادة القتال لدى العدو، وكان هؤلاء الأنصار من العرب المستعربة أو من الخصوم أنفسهم.

5. الظهور أمام الخصم بالمظهر الذي يدخل الرهبة في نفسه

لا ريب أن طبيعة العربي وحياته الخشنة في الصحراء قد ساعدت على الظهور بهذا المظهر. وتروي كتب السيرة عن أن الرسول r أثنى على تبختر أبي دجانة في أرض المعركة باعتبارها موضع إظهار القوة والشجاعة وعدم المبالاة بالعدو.

6. الإفادة من التناقضات والخصومات في صفوف العدو

فقد استغل صلاح الدين الخصومات بين طوائف عدوه فجعلها في خطته لجلب النصر، في ذكاء وفهم، كما حدث في حرب دمياط، فقد أخذ يتصل بجماعة من عسكر كل طائفة على مرأى من الآخر، فزادت الخصومة بين الملك (امري) والبيزنطيين، وظن بعضهم الظنون ببعض، فسهل عقد الصلح وقبلت فيه شروط صلاح الدين.

7. المطاردة الحاسمة في القتال ومطاردة أعداء الإسلام حيثما ذهبوا

كانت المعارك الإسلامية التي تنتهي بانتصار المسلمين لا تترك الفرصة لهروب الأعداء الكبيرة حتى لا يشكلوا جيوب مقاومة جديدة، حيث كانت الفرسان تطوق ميدان المعركة وتبيد مجموعات العدو. وهذا الأسلوب ضروري لتحطيم توازن القوى الذي لم يكن أبداً لصالح المسلمين في جميع معاركهم.

8. الجهاد باللسان

وفي عدة أحاديث منها: ]قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ اهْجُ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ مَعَكَ[ (صحيح البخاري: 3814). وكان عبدالله بن رواحة يلقي شعراً في هجاء الأعداء في المسجد واستنكر ذلك منه عمر بن الخطاب t ـ  فقال النبي r خل عنه ياعمر فوالذي نفسي بيده لكلامه أشد عليهم من وقع النبل. وهكذا يقرر الرسول r ما يلي: إن الجهاد باللسان واجب وجوب الجهاد بالأموال والأنفس، كما أنه يكون أسرع وأشد تأثيراً في الأعداء من القتال بالسلاح.

9. التخويف والضغط النفسي.

10. التفريق بين العدو وحلفائه.

11. تحييد القوى الأخرى وحرمان العدو من محالفتها

اتبع الرسول r بعد الهجرة سياسة تقوم على عقد الاتفاقات أو المعاهدات مع مختلف القبائل، تكفل حرية الدعوة وحسن الجوار والمعاملة، وكانت النتيجة المباشرة لتلك المعاهدات حرمان قريش من قوى كان يمكنها ان تتحالف معها وتشد أزرها في صراعها مع المسلمين، وما أقسى على نفس المحارب أن يتلفت حوله باحثاً عن حليف يتقوى به فلا يجد.

12. تجريد العدو من إرادته القتالية

وأبرز الأمثلة التطبيقية على استخدام العامل النفسي في تجريد العدو من إرادته القتالية ما حدث في فتح مكة، فلقد أدى التخطيط الفذ الذي وضعه الرسول  والذي استخدم فيه عامل المفاجأة وإظهار القوة والتقدم نحو مكة في أربعة أرتال لإرباك قريش، وتشتيت قواها وعقلها، مما أدى إلى إحداث خلل في توازنها النفسي (كما يقول الإستراتيجيون) وإلى زعزعة ثقتها في إمكان المقاومة أو النصر على المسلمين ومن ثم تجريدها تماماً من إرادة القتال، وقد تمثل هذا في قول أبي سفيان: "هذا محمد جاءكم فيما لا قبل لكم به"، وبذلك فتح المسلمون مكة بلا قتال يذكر.

13. حرمان العدو من المرافق الحيوية

مما يذكر في هذا الجانب أن الحباب بن المنذر سأل الرسول r وهم في غزوة بدر إن كان اختياراً منه أو فرضاً عليه من الله، فأجاب بأنه اختياره، فنصح الحباب بنقل الجيش إلى ما بعد عين بدر حتى يحرم الكفار من الاستفادة من مياهها في الشرب بينما يستفيد منها المسلمون.

14. المباغتة

التطور الدائم من طبيعة الحرب، والمباغتة دستورها وقانونها، ولعل إجماع القادة العسكريين والاستراتيجيين في العالم كله على وضع المباغتة في المرتبة الأولى من مبادئ الحرب هو أفضل شاهد على أهميته وعلى دوره الحاسم في إحراز النصر. والمباغتة هي إحداث موقف لا يكون العدو مستعداً له، والكتمان من أهم الوسائل التي تؤدي للمباغتة، والسرعة في التنقل لإنزال ضربة لا يتوقعها العدو في زمان لا يتوقعه أو في مكان لا يتوقعه، واستخدام الأراضي الصعبة، وعبور الأراضي الصعبة، واستخدام أسلحة جديدة غير متوقعة أو أساليب تعبوية جديدة غير متوقعة، كلها وسائل تؤدي للمباغتة أيضاً. وما يعنينا في مبدأ المباغتة هو التأثير النفسي لها على الأعداء، وقد اشتهر القائد المسلم خالد بن الوليد بتنفيذ المباغتة بكثير من صورها التي كانت تحدث في العدو المفاجأة والتأثير النفسي الشديد.

15. الإعداد الدائم المتطور

إن الإسلام لم يشأ أن يدخل المسلمون معركة دون الإعداد لها مادياً ومعنوياً، فقد اهتم بإعداد المقاتلين ليكونوا على درجة من الكفاءة في القتال فعلمهم ودربهم على أصول القتال ومواجهة العدو، واهتم بدنياً وعقلياً، وغرس فيهم روح المقاتل الصادق المؤمن، حتى أصبحوا مضرب الأمثال بين جند العالم. ثم اهتم الإسلام بإعداد السلاح اللازم للمعركة والقيام على خدمته، ليكون صالحاً للاستخدام. ولقد استفاد المسلمون من أسلحة أعدائهم فأدخلوها في تشكيلاتهم وحاربوا بها كالمنجنيق، والدبابة، والنار اليونانية التي أخذوها عن الرومان، والسفن الحربية التي كان لها تاريخ مشرق في تاريخ البحرية عامة.