إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / العمليات النفسية (الحرب النفسية)





مخطط تنظيم فريق العمليات
مقترح لتنظيم مركز عمليات نفسية
مقترح لشبكة مراكز العمليات النفسية
التخطيط للعمليات النفسية
التعامل النفسي المعاصر
التعامل النفسي الصهيوني
الحرب النفسية في العمليات العسكرية
تنظيم إدارة التخطيط للعمليات النفسية
تنظيم سرية عمليات نفسية
تنظيم كتيبة عمليات نفسية
تطور الدعاية الصهيونية
سلم ماسلو للحاجات
منشور طريقة الانضمام
بطاقة مرور أمن
بطاقة دعوة
شعار القوات المشتركة
كاريكاتير نفسي 1
كاريكاتير نفسي 2
قصف الفرقة 16 مشاة

مناطق الإسقاط بالبالون
مناطق الإسقاط بالطائرة س 130
مواقع القوات العراقية



المبحث الحادي عشر

المبحث الثاني عشر

التخطيط للعمليات النفسية الحديثة

التخطيط، بصفة عامة، هو تنظيم العمل المستقبلي بأسلوب علمي سليم، يتحدد فيه الهدف ومراحل الوصول إليه، والآليات التي تستخدم من أجل تحقيقه، والمدى الزمني لكل مرحلة. ويراعي التخطيط القدرات الحقيقية التي يمكن استخدامها، والإجراءات المضادة، التي يجب وضع الحسابات لمواجهتها.

والتخطيط في المجال العسكري، وطبقاً للإستراتيجيات الحديثة، يضع العمليات النفسية على مستوى استخدام أفرغ القوات المسلحة الأخرى نفسها؛ بل إن توقيت عمل واتخاذ إجراءات العمليات النفسية، عادة، يسبق العمليات الحربية نفسها، ثم يصاحبها، ويستمر بعد انتهائها.

وفي هذا السياق، فإن توجيه العمليات النفسية لا يقتصر فقط على القوات المسلحة للخصم، بل يمتد إلى المجالات الأخرى التي تشكل القدرة الشاملة للدولة، بما فيها المجال الاجتماعي (الشعب)، والسياسي (الحكومة ونظام الدولة)، والاقتصادي، وبما يحقق تقليص قدرة الدولة الخصم، والإسراع في فرض السيطرة عليها.

وإلى جانب التخطيط للعمليات النفسية، لابد من توجيهه، أيضاً، لرفع الروح المعنوية للقوات والشعب، وتوجيهه لبناء حوار يتصدي للعمليات النفسية، التي يشنها العدو ضد الدولة أو القوات المسلحة.

أولاً: العوامل المؤثرة على تخطيط العمليات النفسية الحديثة

يخضع التخطيط للعمليات النفسية إلى العديد من العوامل، التي تبدأ بالهدف المطلوب تحقيقه، والمدى الزمني المطلوب، وقدرة الدولة على شن العمليات النفسية، إلى جانب عدد من العوامل الأخرى، أهمها:

1. المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية المؤثرة على السياسة العامة للدولة، ومن ثم على السياسة المحددة للعمليات النفسية.

2. مصالح وأهداف الدول محل الاهتمام، وكذلك الدول العظمي والكبرى، وتأثير ذلك على السياسات التخصصية وخاصة النفسية.

3. تحديد الدول الصديقة والحليفة ومجالات التعاون معها.

4. اتجاهات تحييد الدول المعادية، وتحويل الدول الصديقة إلى حليفه.

5. دراسـة العدائيات وقدرة وإمكانيات الحملات النفسية المعادية وتأثيرها.

6. الخبرات السابقة من شن العمليات النفسية، وكان أهمها طبقاً للترتيب الزمني:

أ. الكتاب الذي أرسله هولاكو (قائد التتار) إلى السلطان قطز في مصر عام 1260 يطالبه التسليم، ويستعرض قوة جيش التتار ووحشيته، ويطالبه بأن ينأي بنفسه وبمصر عن هذه الشرور. ويعد ما ورد في هذا الكتاب مثالاً للردع النفسي وأسلوب التخويف، الذي تتبعه العمليات النفسية.(أُنظر ملحق الإنذار الموجه من هولاكو قائد التتار إلى السلطان قطز حاكم مصرعـام1260)

ب. المنشور الذي أرسله نابليون بونابرت، قائد الحملة الفرنسية، إلى الشعب المصري، يشرح فيه أهداف الحملة الفرنسية، ويطالبهم بعدم التعرض للحملة التي تأتي لصالحهم. ويعد هذا المنشور نموذجاً لتحقيق أهداف الاستعمار القديم.(أُنظر ملحق منشور الحملة الفرنسية الموجه إلى شعب مصر)

ج. كان أودلف هتلر أول من استخدم العمليات النفسية بأسلوب علمي، كأحد الأسلحة الرئيسية في الحرب، وذلك بعد استيلاء النازي على السلطة في ألمانيا. فقد أنشأ وزارة الدعاية التي ترأسها "جوبلز"، وكان فحوى خطة تنظيم النازي للدعاية هو:

(1) أن تتركز السيطرة على أنشطة الدعاية، وسوف تتساوى مهمة الدعاية من حيث الأهمية مع أي مهمة حكومية أخرى، ويجب أن تتاح للقائمين على شؤون الدعاية فرصة الحصول على كل المعلومات وكل الخطط الخاصة بالهيئات الأخرى، وسوف تستغل هيئة الدعاية كل الفرص المتاحة لتنفيذ مهامها".

(2) أن يشغل وظائف الدعاية – ذات المسؤولية – أكثر الناس إخلاصاً للحركة، وأكفأهم من الناحية الفنية.

(3) أن تُحتكر السيطرة على كل أجهزة الإعلام الجماهيرية، ويشمل ذلك الفن والموسيقي والمسرح والمعمار والكتب والتجارة السياحة والأسواق والمدارس والمعارض، وغيرها.

ومن خلال تلك السيطرة على كل نواحي الإعلام، أصبح "جوزيف جوبلز" صاحب النفوذ الأول في هيئات الدعاية الألمانية. وكان مسؤولاً فقط أمام هتلر. ويعد نموذج هذه المدرسة، هو الذي يطبق في الأنظمة العالمية لإدارة الحرب النفسية حتى وقتنا هذا، على الرغم من أن الدول الكبرى في مواجهة "جوبلز" أنشأت تنظيمات للحرب النفسية، سواء في الاتحاد السوفييتي (السابق) أو الولايات المتحدة الأمريكية؛ ولكنها كانت تستفيد من تنظيمات الدعاية الألمانية.

وفي هذا المجال، فإن ستالين، زعيم الإتحاد السوفييتي إبان الحرب العالمية الثانية، عرّف الزعامة السياسية بأنها :"القدرة على إقناع الجماهير بصواب سياسة الحرب"، بمعني أن ستالين استخدم علم النفس في تحديد هوية الزعامة السياسية، وهو الشئ نفسه الذي فعله لينين، حيث قال "للدعاية أهمية قصوى للانتصار النهائي في الحرب".

د. تنظيم الولايات المتحدة الأمريكية للعمليات النفسية في حربي الخليج الثانية والثالثة، وكانت تعتمد على الآتي:

(1) تدمير الروح المعنوية للقوات العراقية من خلال الحصار والعزل، وتكثيف تكبيدها للخسائر مع توجيه رسائل نفسية متنوعة للحض على التسليم أو الهرب.

(2) إيجاد فجوة في الثقة ما بين القيادات السياسية والقيادات العسكرية، بهدف إثارة الشكوك واتخاذ القيادة السياسية إجراءات ضد القيادات العسكرية تحقق إضعاف القوات المسلحة.

(3) إثارة الشكوك ما بين نسيج الأمة، وتشجيع الأقليات على التمرد وقلب نظام الحكم.

هـ. أساليب الحرب النفسية التي استخدمتها إسرائيل في عدوانها على لبنان عام 2006، وغزه عام 2008 – 2009، وكانت تهدف إلى تمزيق أواصر نسيج الأمة، سواء في لبنان أو فلسطين، وإفقاد الشعوب ثقتها في قياداتها، والتوسع في عمليات التخويف والقهر لإثبات قدرة إسرائيل على الردع.

ثانياً: مستويات التخطيط للعمليات النفسية

لتنظيم التخطيط على المستويات المختلفة، لابد من إنشاء أفرع تخطيط للعمليات النفسية في الهيئات والقيادات طبقاً للآتي[1]:

1. الهيئة العليا للتخطيط للعمليات النفسية

وهي أعلى سلطة في هذا المجال، وتنشأ على مستوى جهاز الأمن القومي، الذي يتبع رئيس الجمهورية أو الملك أو أمير البلاد. وتكون مسؤوليتها وضع الإطار العام للعمليات النفسية في وقتي السلم والحرب، وتحديد الأسلوب والمدى الزمني والأجهزة المشاركة لتنفيذ هذا التخطيط، والإشراف عليه ومتابعته.

2. إدارة العمليات النفسية في القوات المسلحة

وهي تتبع وزارة الدفاع، ويشرف عليها القائد العام مباشرة، وهي إما أن تكون منفصلة، أو أحد أفرع إدارة الاستخبارات العسكرية. وهي مسؤولة عن التخطيط وتنفيذ العمليات النفسية في جميع الأوقات، خاصة في أوقات الصراع، وبما يحقق خفض الروح المعنوية لقوات العدو والتعجيل بهزيمتها.

3. إدارة تخطيط وتنفيذ العمليات النفسية بوزارة الإعلام

وهي تتبع وزير الإعلام مباشرة، وتنسق لدمج برامج العمليات النفسية، في البرامج العامة في وسائل الإعلام، وبما لا يشير إلى أنها عمليات نفسية، حتى يكون بثها بأسلوب بسيط يتقبله المتلقي ويتأثر به.

4. أفرع إدارات التخطيط في الوزارات والهيئات المختلفة

مثل وزارات المالية والخارجية والداخلية .. إلخ، والتي لها أهداف في تنظيم العمل النفسي، وتعمل على التنسيق الدائم مع الهيئة العليا للتخطيط للعمليات النفسية، كل في مجاله.

5. يوجد بكل جهاز طبقاً لمسؤوليته وحجمه، العناصر الآتية:

أ. فرع / قسم استخبارات لمتابعة الموقف، والتنسيق مع أجهزة المخابرات في مجال العمل النفسي.

ب. فرع/ قسم تخطيط العمليات النفسية الإيجابية الموجهة ضد العدو.

ج. فرع / قسم تخطيط العمليات النفسية المضادة (بمعني التصدي للعمليات النفسية الموجهة من العدو).

د. فرع/ قسم قياسات وتجميع توجهات الرأي العام: ومسؤوليتها قياس تأثير العمليات النفسية على الجمهور المخاطب، ووضع المقترحات من أجل تعديل بناء الخطة لزيادة حجم هذا التأثير. (أُنظر شكل تنظيم إدارة التخطيط للعمليات النفسية)

ثالثاً: مشتملات التخطيط للعمليات النفسية في الحروب الحديثة

1. التخطيط لتحقيق الأهداف السياسية للعمليات النفسية

انطلاقاً من أن الحرب هي مرحلة سياسية تدار بالمدافع، فإن هذا التخطيط يرتبط ارتباطاً وثيقاً لتحقيق الأهداف السياسية للدولة، وطبقاً للمدى الزمني المخطط لتحقيق هذه الأهداف خلاله.

ويعد تصنيف دول العالم، من وجهة نظر المصالح الأمريكية في الوقت الحالي، إلى: "دول شر"، و"دول مناوئه"، و"دول مارقه" و"دول صديقة"، و"دول حليفه"- إلى غير ذلك، عاملاً رئيسياً في تنظيم استخدام العمليات النفسية من دولة كبرى ضد الدول متوسطة القوى، لتحقيق أهداف سياسية. كما كان إعلان الرئيس بوش في أعقاب أحداث 11 سبتمبر2001 وفي مجال شن الحرب على الإرهاب :"أنه من ليس معنا فهو مع الإرهاب" هو قمة استخدام العمليات النفسية لأهداف سياسية، تريد الولايات المتحدة تحقيقها.

وفي السياق نفسه، فإن استغلال الوسائل الإعلامية الأمريكية لنظريات العالمين هنتجتون وفوكوياما، بخصوص صدام الحضارات، ونهاية العالم، في أعقاب أحداث سبتمبر، وإشاراتها الواضحة إلى أن الإسلام يحض على الإرهاب، تعد من قبيل تسخير نظريات علمية من أجل شن حرب نفسية شرسة، على عقيدة ومجتمع يدين بإحدى الديانات السماوية الرئيسية، واستغلال مهاجمة العقيدة، لشن حرب ضارية على العرب خاصة، والمسلمين عامة. وهو ما حدث فعلاً ضد أفغانستان والعراق.

وفي المقابل، يمكن القول، إن بعض الأصوليين والمتطرفين دينياً، استخدموا أسلوب الغرب نفسه في العمليات النفسية، ومارسوا من خلاله قواعد عملياتهم الإرهابية، وأسلوب الإعلان عنها، ونشرها على العالم وإلمام الجميع بها، حتى ترسخ رسالة الإرهابيين السياسية، ويعلم بها الجميع. ومن هنا اختار الإرهابيون أهدافهم، بما يمكن نشرها، سواء من منظور المكان، أو مدى الشعور بالصدمة من عنف الحدث، وهو ما فعله أسامة بن لادن في أحداث 11 سبتمبر، وما فعله أبو مصعب الزرقاوي في العراق، وغيرهم.

كما أن محاولات الرئيس أوباما فض الاشتباك مع العالم الإسلامي، في مسألة الحرب على الإرهاب، وإقراره أن الولايات المتحدة تحارب تنظيم القاعدة ولا تحارب العقيدة الإسلامية السمحة، تُعد من مجالات العمل النفسي لصالح تحقيق أمن الولايات المتحدة الأمريكية.

2. التخطيط لتحقيق الأهداف السياسية/ العسكرية للعمليات النفسية

يكون التخطيط في هذا المجال، على مستوى جهاز الأمن القومي في الدولة وبواسطة الهيئة العليا للتخطيط للعمليات النفسية. وهذا التخطيط يمتزج، عادة، بخلط العمل النفسي في نطاق أعمال عسكرية مباشرة ضد العدو، يكون من شأنها فرض الإرادة عليه. ويمكن تحديد التخطيط للأهداف المراد تحقيقها – بصفة عامة – على النحو الآتي:

أ. ردع أي دولة معادية يحتمل أن تندمج مع دولة معادية أخرى، أو مع حلف معاد.

ب. ردع أي معتد محتمل أو فعلي، عن ارتكاب أعمال عدوانية جديدة.

ج. إضعاف أو تحطيم الوحدة بين الدول الأعضاء، في أي تحالف سياسي عسكري.

د. تشجيع الانهيار والتفكك في دولة العدو.

هـ. المساعدة في إعادة التوجيه السياسي للمناطق، التي حررت حديثاً.

و. دعم روح المقاومة، بين الشعوب المقهورة.

ز. إضعاف نظام الرقابة والسيطرة الاجتماعية والسياسية، في دولة العدو.

ح. دعم مركز الفئة المناهضة، في الدولة الهدف.

ط. تنظيم مراحل ربط العمل العسكري مع العمل النفسي، في مراحل التخطيط للحرب.

3. التخطيط لتحقيق الأهداف العسكرية

على الرغم من أن هذا النوع من التخطيط يقع كاهله على إدارة العمليات النفسية في وزارة الدفاع، إلا أنه يجب إجراء تنسيق متكامل مع الهيئة العليا للتخطيط للعمليات النفسية، والتي بدورها تعمل على التخطيط المتكامل مع العديد من الإدارات الأخرى، خاصة في المجال الإعلامي والسياسي والاقتصادي والثقافي، حتى تكون العمليات النفسية شاملة وتنال في تأثيراتها جميع قوى الدولة الشاملة، كما أنها تراقب الأعمال المضادة للعدو وتتصدى لتأثيراتها.

ويكون تنظيم خطط العمل النفسي ضد القوات المعادية، على المستوى الإستراتيجي والتعبوي (العملياتي) والتكتيكي، طبقاً للأساليب التالية:

أ. على المستوى الإستراتيجي

يتم التخطيط للعديد من الإجراءات التي تشل قدرات العدو وإمكانياته في السيطرة على القوات، أو شن حرب نفسية مضادة، وذلك من خلال:

(1) إجراءات عسكرية تخدم العمليات النفسية

(أ) تدمير آليات الإعلام على مستوى الدولة، مثل الإذاعة والتليفزيون، وكبريات الصحف وغير ذلك.

(ب) تدمير عقد الاتصالات، لعدم تمكين القيادات من تحقيق الاتصالات بالحلفاء، أو توجيه رسائل خارجية من خلالها.

(ج) تدمير عقد المواصلات والسيطرة عليها والتدخل في حركة المجموعات الإدارية وتحركات القوات، وبما يفرض عزل تام على ميدان المعركة وقيادة الدولة.

(د) التركيز على اكتشاف مراكز القيادة الرئيسية وتدميرها، والتشويش على الاتصالات اللاسلكية بهدف التركيز على الفصل ما بين القيادة العامة والقوات.

(2) إجراءات على المستوى النفسي

(أ) تكثيف الرسائل – بمختلف الوسائل – لإحداث فجوة ثقة ما بين القيادة السياسية، من جانب، والقيادات العسكرية والشعب، من جانب آخر.

(ب) اختلاق مواقف، وبث تقارير خداعية لخفض الروح المعنوية للشعب والقوات المسلحة للعدو.

(ج) تعظيم الإعلان عن القدرة العسكرية بهدف إزعاج وتخويف الطرف الآخر.

(د) بث برامج توضح مستقبل ما بعد المعركة، حين توضع الدولة الخصم تحت النفوذ.

(هـ) إحداث فجوة ثقة في مجال التحالفات، التي تتبع دولة الخصم.

ب. على المستويين التعبوي والتكتيكي

إلى جانب الوسائل السابقة، تستخدم الوسائل الميدانية والطائرات والمنشورات والإذاعة في العمليات النفسية، توجه إلى القوات في الميدان رأساً. وهي تشمل العديد من الإجراءات، منها:

(1) أسلوب الوعد والوعيد: بمعنى توجيه ضربات نيرانية شديدة للعدو، يتخللها إلقاء منشورات، أو توجيه إذاعات ميدانيه، تحض على تحقيق أمن لأي قوات تستسلم.

(2) تشديد أسلوب الحصار، وترك محور مفتوح يؤدي إلى الانسحاب أو الهروب: حتى يمكن إخلاء الموقع بعد هروب المقاتلين، ثم الاستيلاء عليه من دون قتال.

(3) تعميق الشك بين القيادات في مستوياتها المختلفة: خاصة بين القيادات التعبوية والقيادة الإستراتيجية، وبما يؤدي إلى فقدان الثقة، وكذلك اتخاذ إجراءات تنظيمية، تؤدي، بدورها، إلى خلخلة التنظيم القيادي، ما يؤدي بدوره إلى تقليص قدرة القوات على العمل العسكري. وربما كان الأسلوب الذي اتخذته القوات الأمريكية في الإعلان عن اتصالات، ومنح رشاوي لبعض القادة العراقيين، قبل أن تبدأ حرب الخليج الثالثة، دفع الرئيس صدام حسين، إلى إحالة العشرات من هذه القيادات إلى التقاعد قبل الحرب مباشرة. وقد أدى ذلك إلى زيادة التأثير على تقليص كفاءة القوات العراقية وقدراتها.

(4) التركيز على تدمير الأرتال الإدارية ومخازن التموين ومصادر المياه: على أن تبدأ بعدها أو خلالها حملة نفسية لدعوة الجنود للاستسلام، وإلقاء منشورات تمنح حاملها الأمن والحصول على الغذاء والمياه بقدر كافٍ، مع نشر صور لأنواع الأغذية التي سوف تقدم لمن يسلم نفسه، على أن تحتوي على أنواع مبهرة تغري الفرد على الاستسلام، وترك موقعه من أجل الحصول عليها. على أن تستمر الحملة بإلقاء منشورات أخرى، وإذاعة بيانات بأسماء الذين استسلموا، وإرسال رسائل بأصواتهم، يدعون زملاءهم للتسليم. إلى غير ذلك من المجالات، التي تتطلب تزويد التشكيلات الميدانية بعناصر عمليات نفسية تستخدم الإذاعات الموجهة، والمنشورات التي تطلق بواسطة المدفعية، والمنشورات التي تلقي بواسطة الطائرات، وعناصر الطابور الخامس وغيرها. (أُنظر شكل مستويات وأساليب التخطيط للعمليات النفسية)

رابعاً: الأنماط النفسية المستخدمة في التخطيط للعمليات النفسية

هي أنسب الأشكال التي تستخدم بواسطة مخططي العمليات النفسية، بعد دراسة العوامل المؤثرة على الهدف المخاطب، وهو الرأي العام، سواء كان رأياً عاماً محلياً أو إقليمياً أو دولياً. وطرق وسائل العمليات النفسية المقترح استخدامها في الحملة، هي:

1. الشائعات

تعد حملات الشائعات من أهم وأخطر طرق العمليات النفسية استخداماً وتأثيراً على الفرد/ المجتمع (الأهداف المخاطبة)، لكونها تعمل على إشباع وإرضاء جميع الاتجاهات والآراء، ومن ثم يكون لها التأثير الفعال والمدمر على عواطفها واتجاهاتها.

2. الديموجوجية

وهي استخدام تصريحات أو معلومات تبدو وكأنها تؤيد وتخدم مصالح الدولة (الجماعة) المخططة، وإظهارها على أنها تمثل الرأي العام المحلي والإقليمي.

3. عمليات التخريب النفسي

تعد السلاح الرئيسي في الأساليب النفسية المعادية، الذي يستهدف أساساً التأثير على اتجاهات وسلوكيات الأهداف، لخلق اتجاه عام لدعمها ودفعها للقيام بالاضطرابات ونشر الذعر والفوضى أو سلبية الأداء. وتشمل:

أ. أساليب الضغط النفسي: حيث تستغل حملات التخريب النفسي لتوجيه الصدمات المفاجأة، واللعب بالعواطف والانفعالات، والآراء الزائفة. وتستند في ذلك على فلسفة اللاعقلانية، التي تعتمد على أن سلوك الأفراد تحكمه دوافع غير واقعية، مثل الغرائز الوراثية والعواطف والانفعالات والمؤثرات الخارجية؛ أي أنها تسعى إلى إلغاء إمكانية التفكير المنطقي لدى الأفراد. وتستغل في هذه الأساليب شائعات الخوف والكراهية على نطاق واسع.

ب. أساليب التخويف/ الردع:  وتشمل كافة المجالات (الاقتصادية – السياسية – العسكرية)، وتهدف إلى إجبار الدولة/ المجموعات المستهدفة إلى إتباع سلوك معين، يخدم هدف أو أهداف الدولة المخططة.

ج. أسلوب التقارب (الصداقة – الحب): ويستخدم هذا الأسلوب لمحاولة تحقيق التقارب مع كافة الجماعات وأفراد القوات المسلحة في الدول المستهدفة، بما يحقق لها إمكانية تحديد هؤلاء الأفراد (الأهداف) وضمان استمرارهم في استقبال الحملات النفسية، ومن ثم تغيير سلوكياتهم بما يحقق هدف المخطط.

د. أسلوب التشكيك وعدم الثقة:  ويهدف هذا الأسلوب إلى بث الشك وعدم الثقة، لدى الأفراد والجماعات داخل الدولة الهدف، في قدرة وكفاءة القيادة السياسية والعسكرية في تحقيق الأهداف والغايات القومية للدولة؛ كذلك بث عدم الثقة لدى الضباط والجنود في أسلحتهم ومعداتهم العسكرية، وهنا يبرز دور كل من الشائعات ووسائل السخرية والفكاهة.. كوسائل رئيسية في تنفيذ هذا الأسلوب.

هـ. أسلوب التهكم والاستهزاء: ويهدف إلى النيل من بعض الفئات أو الشخصيات (سياسية – اقتصادية- عسكرية)، لتحطيم كبريائهم وتحفيزهم، وهنا تجدر الإشارة إلى أهمية وصعوبة انتقاء الكلمات والألفاظ من الناحية الأدبية والأخلاقية، حتى لا يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية.

و. عمليات غسل المخ (الإقناع الإجباري): وتستخدم لتوجيه السلوك الإنساني ضد رغبة الفرد وإرادته وعقله، حيث تولد لدى الفرد خضوعاً لا إرادياً يجعله تحت سيطرة نظام لاعقلاني، ويُستخدم هذا الأسلوب عادة ضد أسرى الحرب.

ز. اغتيال الشخصية: وهو أحد أركان العمل النفسي، ويستخدم ضد شخصيات أو أفراد مستهدفة، إما لتوجيهها لتنفيذ على إجرامي إرهابي، أو لشل قدرتها على اتخاذ القرار، أو لتغيير صفاتها المعنوية والمادية، وتحويلها من خصائص إيجابية إلى خصائص سلبية. ويكون اغتيال الشخصية عبر عدد من الإجراءات السابق ذكرها، وأهمها:

(1) عمليات التخريب النفسي: والتي تستهدف التأثير على اتجاهات وسلوكيات الفرد أو الجماعة في مجتمع ما أو دولة، وبما يؤدي إلى نشر الذعر والفوضى والسلبية في الأداء.

(2) عمليات التخويف والردع: وتشمل كافة المجالات التي تهدد الإنسان وتجبره على اتخاذ المواقف السلبية، بدلاً من التعرض للإيذاء.

(3) عمليات الضغط النفسي: من خلال توجيه صدمات نفسية إلى المتلقي، واللعب بعواطفه، وتزويده بآراء زائفة تستند على فلسفة لاعقلانية ودوافع غير واقعية.

(4) عمليات غسل المخ: وتستخدم معظم المجالات السابقة في تفعيلها، وتهدف في النهاية إلى إلغاء إمكانية التفكير المنطقي لدى الفرد.

(5)    تشويه السمعة: من خلال إلصاق اتهامات مهينه ومخلة بالشرف بالفرد، تتعارض مع مركزه الاجتماعي والثقافي.

(6) ومما سبق، فإن عملية اغتيال الشخصية لابد أن تتحقق من خلال مجالين:

(أ) أن يكون الفرد تحت السيطرة الكاملة للأجهزة القائمة بعملية اغتيال الشخصية، مثل الأسر أو السجن أو الاعتقال، أو التجنيد.. إلخ.

(ب) أن يكون "الشعب أو الجماعة" تحت السيطرة، أيضاً، مثل الاحتلال أو الوصاية أو الاستعمار.. إلخ.

ويُستخدم في تنفيذ تلك الأساليب جميع الوسائل المتاحة، وفي مقدمتها:

1. الإعلام بوسائله المختلفة.

2. وسائل الاتصال الجماهيري، من شخصيات بارزه.

3. الطابور الخامس، وفي مقدمته تجنيد أفراد من الشعب والقوات المسلحة للخصم ذاته.

4. المنشورات التي تصل إلى المتلقي بمختلف الوسائل، سواء الطيران أو المدفعية أو العملاء ... إلخ.

ويذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية وزّعت أكثر من 40 مليون منشورٍ في كل من حربي الخليج الثانية والثالثة. وقد تنوعت تصميمات وأهداف تلك المنشورات، طبقاً لمراحل الحرب، ومطالب قوات التحالف.

خامساً: تنظيم التخطيط للعمليات النفسية المضادة

ينبغي الأخذ في الحسبان دائماً، أن الطرف الآخر المستهدف من العمليات النفسية لديه قدرات لشن العمليات النفسية المضادة على المستويات المختلفة، بهدف إفشال الخطط، وتحقيق أهدافه السياسية والعسكرية وكسب الحرب.

وعلي ذلك، فإن على مخططي العمليات النفسية أن يتأكد يقينهم بأنهم ليسوا أحراراً في تنفيذ خططهم؛ ولكن عليهم أن يواجهوا أعمال العدو المضادة، شأنهم شأن القيادات العسكرية التي تخطط للعمليات بالكامل.

إن التخطيط للعمليات النفسية المضادة، قد يُكلف به أطقم تخطيط العمليات النفسية الشاملة نفسها، وقد يكلف به فريق آخر تكون مهمته المتابعة واتخاذ الإجراءات، التي تحمي الدولة وقواتها المسلحة من العمليات النفسية المضادة، في الوقت نفسه. فقد يكون عمل الفريقين من مركز عمليات نفسية واحدة، وقد ينفصلان طبقاً لرؤية القيادة.

1. العوامل المؤثرة على تخطيط العمليات النفسية المضادة

فضلاً عن العوامل السابق ذكرها، كعوامل مؤثرة على تخطيط العمليات النفسية؛ فإن التخطيط للعمليات المضادة يزيد عنها في الآتي:

أ. التعرف على قدرة العدو في شن العمليات النفسية المضادة، من خلال تجميع المعلومات الدقيقة والمستمرة عن الآتي:

(1) القدرة التكنولوجية، ومستوى التقدم الذي وصل إليه الطرف الآخر، والذي يمكّنه من إدارة عمليات نفسية ناجحة.

(2) السوابق التاريخية التي استخدم فيها الطرف الآخر عمليات نفسية، ومستوى هذا الاستخدام، وهل جرى تطويره أم لا؟

(3) مدى ارتباط الخصم بأحلاف أو قوى كبرى، يمكن أن تعاونه في شن عمليات نفسية.

(4) الحصول على معلومات عن وسائل العدو في شن العمليات النفسية، طبقاً لعقيدته العسكرية.

(5) دراسة شخصيات القادة لدى الخصم وتحليلها، واستنباط أساليب إداراتهم للعمليات الحربية، بصفة عامة، والعمليات النفسية، بصفة خاصة.

(6) تتبع إجراءات الخصم في مراحل الصراع المختلفة، لاستنباط أساليبه والتصرف حيالها.

(7) بذل الجهد للتعرف على مراكز ثقل العدو، الذي يعتمد عليها في إدارته للعمليات العسكرية والنفسية، ووضعها كأسبقية أولي للقصف والتخلص منها، لإضعاف قدرته في استمرار الصمود وإدارة الحرب.

(8) اتخاذ الإجراءات لتحقيق عوامل المفاجأة والمبادأة في العمليات النفسية، والمحافظة على مبدأ المبادأة طوال مراحل العمليات.

ب. جهود أجهزة الاستخبارات وتحليل المعلومات

تتابع أجهزة الاستخبارات والقادة على جميع المستويات الأخبار وتحللها، وتتابع تصرفات الجنود، ومدي تأثير الدعاية المضادة عليهم، وإجراء قياسات دورية، وبناء خطط لرفع الروح المعنوية، وتفنيد الدعايات المضادة، والاستمرار في إجراءات الحشد المعنوي للقوات.

ج. جهود الأجهزة الطبية والنفسية

تتولى عزل وعلاج الأفراد المصابين بحالات نفسية من تأثيرات الحرب، أو الدعاية المضادة. ويعد العزل من أهم الإجراءات التي يجب أن يحرص القادة على تنفيذها، في جميع الأوقات.

د. جهود الأجهزة القيادية والإدارية

توفير أكبر قدر من احتياجات الجنود الإدارية، مع ثبات قدرة الجنود للاستعداد للمعركة، وقد ثبت من خبرات الحرب العالمية الثانية، أن نجاح الدفاع الألماني ضد حرب الحلفاء النفسية اعتمد على عاملَين مهمَين:

الأول: جودة الأغذية، وتأمين التموين والمواصلات والإمداد بالأسلحة والذخائر في جميع الأوقات، على أساس أنه لا يمكن توجيه حرب نفسية ضد جندي يحصل على غذاء متكامل نظيف، وتُلبى احتياجاته في كل وقت.

الثاني: تعظيم دور الخدمات المعنوية لمقاومة الحرب النفسية، من خلال تنظيم متدرج ومتناسق وتتوافر له كل الإمكانيات، خاصة بتعيين قيادات لها قدرة عالية على إدارة أعمال القوات.

هـ. جهود الشؤون المعنوية في القوات المسلحة

تلعب دوراً رئيسياً في الحرب النفسية المضادة، ولدى الجيوش الحديثة. كما تؤدي دوراً رئيسياً في بناء المقاتل، وتأكيد الولاء والانتماء، وتحصينه ضد العمليات النفسية المضادة، ثم يأتي بعد ذلك الحشد المعنوي لإقناعه بعدالة القضية، التي يحارب من أجلها، وأن وجوده في القوات المسلحة هو بمثابة شرف عظيم له ولمستقبله في الحياة، إلى جانب دفع عجلة العمل النفسي لدى المقاتل في الأوقات المختلفة، من خلال وسائل الترفيه، والتنمية الفكرية، ووسائل التثقيف والتوعية السياسية والاجتماعية.

فضلاً عن أكثر المهام الرئيسية للشؤون المعنوية أهمية في إدارة الصراع، هي استمرار التوعية والحشد المعنوي وتأكيد الولاء والانتماء، وتأكيد الإيمان وهو ما يحقق ثبات للجنود في المعارك، ويقوي عزيمتهم في التصدي لأعمال العدو المضادة.

2. أساليب العمليات النفسية المستخدمة في تخطيط العمليات النفسية المضادة

تدرس أجهزة العمليات النفسية على كافة مستوياتها في الدولة، والحملات النفسية المعادية وتحللها، لتحديد أهدافها ونتائجها ومدى تأثيرها على الأفراد والجماعات، ثم تخطط في ضوء هذه الدراسة لشن الحملات النفسية المضادة، متتبعة أحد الأساليب التالية:

أ. أسلوب التكييف / التشريط

ويعد من أقوي الأساليب المضادة تأثيراً، وأصعبها تخطيطاً وتنفيذاً، حيث يتطلب وقتاً طويلاً وإمكانيات كبيرة، للاعتماد أساساً على نشر التعليم والثقافة والوعي والتعريف بأساليب الحملات النفسية المعادية بين جميع أفراد المجتمع، على كافة المستويات العلمية والثقافية من خلال المراحل الأولي للتعليم.

ب. السبق/ الإحباط

من خلال القيام الإعلان والتحليل المسبق، لأحد الموضوعات التي تستغلها الأجهزة المعادية أو المعارضة، كموضوع لحملاتها المعادية.

ج. التفنيد المباشر وغير المباشر

ويكون التفنيد المباشر من خلال الدراسة والتحليل والرد المباشر على الحملات المعادية أولاً بأول، مع استخدام نقاط الضعف في الحملة المعادية، ومراعاة أن يكون هذا الأسلوب كاملاً ومؤثراً وموقوتاً حتى لا يؤدى إلى نتائج عكسية.

أما التفنيد غير المباشر، فيكون من خلال عرض الموضوعات المناسبة، بهدف تكذيب الحملات المعادية بطريقة التخمين والتصحيح، لإظهار وجه الحقيقة بطريقة غير مباشرة.

د. الأسلوب التحويلي

ويعني جذب انتباه المخاطب لتحويله إلى موضوعات فرعية بعيداً عن الموضوع الأصلي للحملة النفسية المعادية، وذلك باستحداث موضوعات جديدة، أو تركيز الجهود على موضوعات أخرى تبث تأثيرها وأهميتها للهدف المخاطب.

على أن يتاح الحجم أو القدر المناسب من اللامركزية خلال الإدارة، لتحقيق السرعة والتزامن مع تطورات الأحداث.

هـ. توافر الكوادر الفنية المؤهلة

في المجالات (الاجتماعية – الإعلامية – النفسية)، كما يجب إعداد الكوادر، التي تخدم إعداد الوسائل بالمستوى المطلوب.

و. المصداقية والقبول

علي الرغم من أن الصدق يعد من المبادئ الرئيسية للعمليات النفسية - حيث تمثل الحقائق الأساس القوي والذي يترك أثره في الهدف المخاطب- إلا أن الصدق وحده لا يصنع دائماً الحملات الناجحة؛ لأن الحقائق لا يشترط أن تقابل دائماً بالتصديق، ومن هنا يظل استخدام الحقائق أمراً نسبياً يخضع لاعتبارات عديدة، كظروف العمليات النفسية والهدف المخاطب وتطورات الموقف الراهن.

ز. المرونة والاستمرار

وذلك من خلال قدرة المخطط على تغيير اتجاهات الحملة النفسية، طبقاً لما يرد إليه من معلومات تحدد مدى نجاح حملته. كما تعني استمرار العمل النفسي قبل وأثناء وبعد المعركة، مع استغلال كافة الوسائل والأساليب المتوافرة.

سادساً: نماذج من الخبرات في تطبيق العمليات النفسية في الحروب الحديثة

على الرغم من كون العمليات النفسية قديمة وطبقت في العديد من الحروب، إلا أن الفضل يعود للولايات المتحدة الأمريكية في التطوير الجذري للعمليات النفسية وتطبيقاتها، بدءاً من حرب الخليج الثانية، ثم التطوير فيما بعد، والذي استفادت منه معظم دول العالم وطبقته في صراعاتها، أو وضعت أسسه في صميم العقيدة العسكرية لها. ومن أهم الخبرات المكتسبة من تطبيقات العمليات النفسية:

1. تنظيم مراكز العمليات النفسية على مستوى الدولة

أ. ويعد من أهم الخبرات المكتسبة، ذلك أن تنظيم هذه المراكز أدى إلى زيادة الاهتمام بالعمليات النفسية إيجاباً وسلباً، وبناء الكوادر القادرة على إدارة العمل، وتفهم واجباتها، سواء في السلم أو الصراعات أو الأزمات. ويكون تنظيم المراكز على عدة مستويات، طبقاً لقدرات الدولة واهتماماتها، على أن تكون القيادة لمركز العمليات الخاصة بالقوات المسلحة في أوقات الصراع. أما في أوقات السلم، فتكون القيادة لوحدة العمليات النفسية التابعة لمركز دعم القرار على مستوى رئاسة الدولة.(أُنظر شكل مقترح لشبكة مراكز العمليات النفسية)

ب. وفي هذا السياق، فإن مركز العمليات النفسية على أي مستوى لابد أن تتوافر له الإمكانيات والقدرات الكاملة، حتى يكون قادراً على تحقيق المهام، ومن ثَم، فإن مركز العمليات النفسية يتقارب تشكيله مع مراكز إدارة العمليات الحربية، ويضم أقسام تخطيط، وعمليات نفسية إيجابية وسلبية، وأقسام تنسيق واستطلاعات رأي وقياسات، إلى جانب الأقسام الفنية والإدارية. (أُنظر شكل مقترح لتنظيم مركز عمليات نفسية).

2. وضع أسس لأهداف العمليات النفسية في صميم العقيدة العسكرية للدولة

تحدد أهم هذه الأسس في الآتي:

أ. الاعتماد على العمليات النفسية في إدارة الصراعات، على مستوى الاعتماد نفسه على جهود الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة.

ب. أن تدار العمليات النفسية في مراحل الصراع المختلفة، ولا تتوقف أبداً، حتى بعد الوصول إلى مرحلة السلام، حيث تستغل هذه المرحلة في دعم قدرات الدولة نفسياً والتأثير على الطرف الآخر، حتى يستمر تأثير نتائج المعارك عالقاً في الأذهان.

ج. وضع حدود لمدى تأثير العمليات النفسية على العدو في المراحل الأولي للصراع، وقبل دفع القوات الرئيسية لتولي مهامها. وقد تحددت نسبة التأثير على العدو، بنسبة 100% قتل للروح المعنوية، على أن تتحقق بواسطة الأعمال القتالية بتوازٍ كاملٍ مع عمليات نفسية مدروسة.

د. تمزيق النسيج الداخلي للمجتمع في الدولة، والعمل على بث الذعر والإحباط فيه، من خلال عمليات حربية/ نفسية مدروسة، تنبع من جعل أراضي الدولة بالكامل مسرحاً للعمليات، وأهدافها الحيوية بالكامل أهدافاً عسكرية يجرى تدميرها، لتقليص قدرة الدولة على الاستمرار في الصمود.

هـ. تدمير الثقة على مستوى القيادات المختلفة من خلال بث أخبار أو اختلاق مواقف تؤدي إلى ذلك (وقد كان إعلان اتصال قيادات عراقية بالإستخبارات الأمريكية دون ذكر أسمائها سبباً في إحالة عشرات القادة إلى التقاعد، قبل شن غزو العراق عام 2003، وبما أدى إلى خلخلة في قدرات القيادات على تنفيذ مهامها.

و. بث الطابور الخامس، داخل القيادات السياسية، بهدف تضليل هذه القيادات. وقد طُبق هذا الأسلوب في الحروب الحديثة، وأثمرت عن نتائج خطيرة.

3. تطبيقات إسرائيل للعمليات النفسية في عدوانها الأخير على لبنان (2006)، وغزة (2008 – 2009)

استفادت إسرائيل من تطبيقات الولايات المتحدة الأمريكية للعمليات النفسية في حروب التسعينيات، والحرب على الإرهاب، بل وزادت عليها الكثير كالآتي:

أ. استخدمت إسرائيل أقصي درجات العنف في حروبها، دون التمييز بين أهداف حيوية، ومدنيين عزل في مساكن بسيطة. وهي في هذا المجال تطبيق مبدأ هولاكو في عهد التتار، بعدم الإبقاء على الأخضر أو اليابس، وقتل كل من يقف في طريقه من دون رحمة.

ب. لم تتوانَ إسرائيل في تدمير الدروع البشرية من المدنين العزل، الذين حاول قادة حزب الله، وحماس، استخدامهم في التخفي من القصف الإسرائيلي، وبما أدى إلى خسائر بشعة، سواء في لبنان أو غزة.

ج. حرصت إسرائيل على تكوين رأي عام عالمي قبل أي عدوان، بإدعاء تهديد أمن مواطنيها من جراء القصف العشوائي للصواريخ (ضعيفة التأثير)، أو تهديد حدودها الشمالية مع لبنان. وهي تعمل باستمرار على تضخيم الأعمال المضادة لها، لكي تجد مبرراً للقيام بعدوانها غير الإنساني.

د. تسمح إسرائيل لقادة حزب الله وحماس بالتفاخر بأن نيرانهم أصابت العمق الإسرائيلي، وتبني على تلك التصريحات قصصاً ضخمة تطالب فيها بالحماية من تلك النيران، وهي عادة تجد أذناً صاغية من العالم الغربي المؤيد لها، والذي يتهم حماس وحزب الله بالإرهاب.

هـ. تحرص إسرائيل – خاصة بعد العدوان على لبنان عام 2006 – أن تكون قواتها – خاصة القوات الجوية – جاهزة للرد الفوري وبقسوة على أي إجراءات تقوم بها فصائل المقاومة الفلسطينية، بهدف الردع المباشر، وتنفيذ سياسة الإحباط في القدرة على المقاومة.

و. ألغت إسرائيل مفهوم – اليوم السابع – أو الأعياد الدينية في التوقف عن العدوان، بل حولت تلك الأيام إلى وسائل لتحقيق المفاجأة على الطرف الآخر، وذلك على نمط ما حدث في العدوان على غزة يوم 27 ديسمبر 2008، وهو يوم سبت.

4. استخدام السّبل غير الإنسانية في الحروب الحديثة، كإحدى آليات العمليات النفسية

على الرغم من التقدم التكنولوجي الذي يسود العالم، ونشاط منظمات حقوق الإنسان ومعاهدات جنيف، ونصوص القانون الدولي، التي تنص على احترام حقوق الإنسان، إلا أن القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي، وإسرائيل، وإيران، وصربيا، وغيرها... ارتكبوا جرائم بشعة في حق المدنيين وأسري الحرب في الحروب الحديثة ذلك أن الشعب العراقي والشعب الأفغاني والشعب الفلسطيني، وشعوب دول يوغوسلافيا السابقة ارتكبت في حقهم جرائم حرب بشعة، أدت إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين العزل ولم تُحاسب الدول التي ارتكبت تلك المذابح حتى الآن.

وتعد المعتقلات الأمريكية التي انتشرت في العديد من الدول لحجز المتهمين من تنظيم القاعدة في سجن جوانتانامو، وحجز العراقيين في سجن أبو غريب، إلى جانب العديد من السجون التي لم يعلن عن مكانها، وكذلك المعتقلات والسجون التي تحوي آلاف الفلسطينيين في إسرائيل، تعد كلها من وسائل العمليات النفسية التي تخالف القانون الإنساني، وتتمسك بها تلك الدول من أجل تخويف الشعوب.

وسوف تؤدي تلك الأساليب إلى أن تنتشر، خاصة في الدول الأقل تقدماً أو الدول التي تعاني من عدم الاستقرار داخل حدودها، وبما يؤدي إلى ارتكاب جرائم حرب، ينبغي إعلانها كلها أمام محكمة جرائم الحرب الدولية.



[1] هذا التنظيم مبني على أساس قراءات تنظيم العمليات النفسية خلال الحرب العالمية الثانية، وخلال حربي الخليج الثانية والثالثة- وهو يمثل تنظيماً مقترحاً وليس ثابتاً