إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / العمليات النفسية (الحرب النفسية)





مخطط تنظيم فريق العمليات
مقترح لتنظيم مركز عمليات نفسية
مقترح لشبكة مراكز العمليات النفسية
التخطيط للعمليات النفسية
التعامل النفسي المعاصر
التعامل النفسي الصهيوني
الحرب النفسية في العمليات العسكرية
تنظيم إدارة التخطيط للعمليات النفسية
تنظيم سرية عمليات نفسية
تنظيم كتيبة عمليات نفسية
تطور الدعاية الصهيونية
سلم ماسلو للحاجات
منشور طريقة الانضمام
بطاقة مرور أمن
بطاقة دعوة
شعار القوات المشتركة
كاريكاتير نفسي 1
كاريكاتير نفسي 2
قصف الفرقة 16 مشاة

مناطق الإسقاط بالبالون
مناطق الإسقاط بالطائرة س 130
مواقع القوات العراقية



المبحث الحادي عشر

المبحث الثالث عشر

وظائف الإعلام في خدمة العمليات النفسية

يقوم المجتمع الإنساني على الاتصال البشري؛ فالاتصال أو الإعلام، هو حجر الزاوية لقيام هذا المجتمع، الذي يقدم للمجتمع خدمة جليلة تؤدي إلى توافقه وتجانسه ووحدته وتكتله؛ علماً بأن الإعلام الذي يتزايد تداوله، هو الذي يُحدث التغيير في المجتمع، ويهيئ المناخ لوحدة الأمة؛ فيجعل كل إقليم يلم بشؤون الأقاليم الأخرى.

إن الإعلام الحديث أصبح ذا تأثير هائل على الشعوب، لما يتميز به من خصائص، أهمها:

1. أنه إعلام عابر للحدود، وبذلك يعمل على تلاشي أو انهيار الحدود السياسية والجغرافية بين الدول والمجتمعات، ومن ثَم أصبح الإعلام جزءاً من المؤثرات الوطنية.

2. يتميز بتعدده وتنوعه، وبما يشبع رغبة الجماهير. ومن خلال هذا التنوع يمكن بث رسائل العمليات النفسية بسهولة.

3. أصبح الإعلام عاملاً أساسياً في نشر الأفكار العصرية، ونقل المعلومات الحديثة. كما أصبح عاملاً رئيسياً في بناء شخصية المتلقي، وتوجيهه إلى وجهة محددة.

أولاً: أثر وظائف الإعلام في إدارة العمليات النفسية

يعد الإعلام والعمليات النفسية وجهان لعملة واحدة، يرتبطان برباط مشترك وكل منهما يكمل الآخر؛ فالإعلام يمثل أحد الأدوات الرئيسية في توصيل رسائل العمليات النفسية إلى المتلقي في أي مكان وعلى أي مستوى. كما أن العمليات النفسية هي الوسيلة التي تتحدد من خلالها أهداف الرسائل الإعلامية، وتوجيه الجماهير إلى تحقيق هدف محدد، في توقيت محدد، يخدم مصالح الدولة صاحبة الرسالة.

وفي هذا السياق، فإن الإعلام في معظم مراحل السلام، يمكن أن يبث مواده خالية من رسائل العمليات النفسية، بهدف تحقيق المصداقية، وبناء الثقة بينه وبين المتلقي؛ ومن ثَم يمكن استغلال هذه الثقة عند بث رسائل العمليات النفسية، والتي سوف تلاقي تقبلاً من المتلقي.

وبوجه عام، فلا بد أن تكون للإعلام خططه وآلياته، التي يخصص مساحة منها لآليات العمليات النفسية؛ كذلك ينبغي أن تكون للعمليات النفسية أهدافها ووسائلها، التي تصاغ بأسلوب علمي سليم لا يجعل المتلقي يتشكك فيها، بأي حال من الأحوال.

ويؤثر الإعلام الحديث ويتأثر بأربعة عوامل تمس ثقافة البشر، وتنعكس على مدى توجه الإعلام وآلياته ووسائله وخططه تجاه المتلقي، والتي يمكن من خلالها بث مضمون العمليات النفسية. وتتمثل هذه العوامل في الآتي:

1. ثورة المعلومات والإلكترونيات والهندسة الوراثية، التي أدت إلى إحداث تغيرات حادة في حياة البشر، والتركيبة الاجتماعية في الدول المختلفة، التي جعلت الأفراد حريصين على الارتباط بالإعلام بوسائله المختلفة.

2. التغير في تركيبة القوى الدولية، وظهور القطب الواحد، الذي يمتلك قدرات إعلامية ضخمة يمكنه التأثير بها على سائر أركان العالم، ويحاول من خلالها "أمركة" الثقافة العالمية، ويستخدمها في بث رسائل خطيرة، خاصة إلى دول العالم الثالث للتحول إلى العلمانية، وتغيير القيمة الموروثة، بذريعة أن القيم الدينية الإسلامية انحرفت عن مسارها لدى بعضهم، وتسببت في ظهور السلفية التي تحولت إلى الإرهاب. ونشر أساليب العلمانية من خلال وسائل الإعلام؛ هي في حد ذاتها إحدى وسائل العمليات النفسية الخطيرة.

3. التغير الحاد في الاهتمامات العالمية؛ ففي مرحلة الحرب الباردة، كانت تطغي قضايا سباق التسلح والصراعات الإقليمية والتنافس بين القوي الكبرى، إلا أن تلك الاهتمامات تحولت في العقدين الأخيرين إلى تطبيقات العلوم، والمشاكل الاقتصادية، وحقوق الإنسان، والتطبيق الديمقراطي، وهيمنة القوة على المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية على مستوى العالم. وقد أدير هذا التحول- خاصة من الدول الكبرى- بأساليب وآليات نفسية عديدة، وتحول معها الإعلام جذرياً ليواكب تلك الاهتمامات.

4. أصبحت العمليات النفسية جزءاً لا يتجزأ في الصراعات الحديثة على كل المستويات والأهداف، وذلك من خلال شن أحد الأطراف حملة نفسية على الطرف الأخر، أو تبادل الطرفين لهذه الحملة، وبما أدى إلى تغير حاد في النمط الإعلامي، تختلط فيه المواد الإعلامية بالعمليات النفسية، وتُشن من خلاله عمليات الدعاية التي تؤثر على الخصم، إلى جانب الحملات المضادة، التي تهدف إلى إحباط الحملة النفسية التي يشنها الخصم.

للوقوف على مدى ارتباط الإعلام بأهداف العمليات النفسية، من خلال حساب التكاليف الاقتصادية، ثمة دراسة بحثية إسرائيلية باستخدام نماذج توازن القوي، ونماذج الاندماج، لبحث توجه إسرائيل في إدارة الصراع والعلاقة بين الإنفاق العسكري، بالمقارنة مع الإنفاق على تطوير البنية الأساسية لوسائل الاتصال والإعلام، خلال الفترة من عام 1975 وحتى 1988، وهي الفترة ما بين انتهاء حرب أكتوبر وتحقيق فض الاشتباك الثاني، إلى أن صدر قرار التحكيم الخاص بطابا، والتي تعد هي مرحلة التوجه إلى السلام. وقد انتهت الدراسة إلى النتائج الآتية، التي توضح العلاقة الثلاثية بين الإعلام والعمليات النفسية، والإنفاق العسكري:

1. أن تصاعد الأنفاق العسكري مع قلة الإنفاق على وسائل الاتصال، يعبر عن الاتجاه لاستخدام القوة، وخلافه هو الصحيح؛ بمعنى أن انخفاض الإنفاق العسكري تدريجياً وزيادته على وسائل الاتصال، يعبر عن الاتجاه السلمي، (وربما تتعارض هذه الرؤية عند تطبيق ذلك على حربي الخليج الثانية والثالثة، حيث توازن الإنفاق العسكري مع الإنفاق على وسائل الاتصال؛ ولكن ذلك لا يحدث إلا مع دولة عظمى لديها قدرات غير محدودة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية).

2. أن مراحل تصاعد الصراع تعكس آثارها على ارتفاع معدلات مطالب وسائل الإعلام والعمليات النفسية، من أجل التأثير على الجماهير المتلقية.

3. أن التطور التكنولوجي لعب دوراً مهماً في اختيار المتلقي لوسائل الإعلام التي يرتبط بها، حيث زاد الإقبال على التليفزيون، ثم الراديو، مع ثبات معدلات توزيع الصحف، وهو ما يعد مؤشراً لاختيار وسائل الاتصال لبث رسائل العمليات النفسية. (والملاحظ أن هذه الدراسة لم تتعرض لوسائل الاتصال الأحدث، مثل الانترنت والصحف الإلكترونية، وغيرها؛ نظراً لعدم انتشارها في الحقبة الزمنية الخاصة بالبحث. ولكن يجب مراعاة هذا التطور في خطط العمليات النفسية المستقبلية).

ثانياً: أثر الأفكار المستحدثة على الإعلام والعمليات النفسية

تُعد الأفكار المستحدثة هي جوهر الاتصال، الذي يستهدف تطوير فكر أفراد المجتمع وتكوين الاتجاهات الإيجابية، نحو برامج التنمية، للوصول إلى سلوكيات على مستوى المجتمع. والتعريف الموضوعي للفكرة المستحدثة هو أنها:" أية أفكار أو سلوك أو شئ جديد، يختلف كيفاً ونوعاً، عن الأفكار أو السلوك أو الأشياء الموجودة فعلاً".

ومن هذا المنطلق "فالفكرة المستحدثة، هي فكرة أو ممارسة أو موضوع يدركه الفرد بوصفه جديداً". كما أن تبني هذه الفكرة هو أحد مظاهر أسلوب الحياة المتغير، وهو متغير سلوكي أكثر منه متغير اتجاهي أو إدراكي. كما أن تبني الأفكار المستحدثة هو الاختيار الحقيقي لمعرفة ما إذا كان الفرد يقبل أسلوباً للحياة أكثر تعقيداً ومتقدماً تكنولوجياً وسريع التغيير، أو لا يقبله.  وهو ما يصبح وسيلة فعاله لبث رسائل العمليات النفسية.

وانتشار الأفكار المستحدثة، يعني: "انتقال الأفكار والتكنولوجيا والممارسات الجديدة من مصادر ابتكارها إلى الناس". فالانتشار مرتبط بالتجديدات والابتكارات، إلى جانب أن الانتشار: "هو عملية ينتقل من خلالها التجديد أو ينتشر فيها بين المستخدمين أو بين الناس"، ويتمثل أساس عملية الانتشار في التفاعل الإنساني، الذي يترتب عليه انتقال فكرة جديدة من شخص إلى آخر.

وهناك أربعة عناصر أساسية ترتبط بموضوع انتشار وتبني الأفكار المستحدثة، وهي:

1. التجديد أو الابتكار أو تطبيق التكنولوجيا الجديدة (بمعني الفكرة المستحدثة نفسها).

2. قنوات الاتصال.

3. التركيب الاجتماعي للبيئة أو النسق الاجتماعي.

4. الفترة الزمنية الضرورية للانتقال، أو ما يطلق عليه "عنصر الزمن".

وعلى الرغم من تصاعد تأثير الأفكار المستحدثة، إلا أن بعض قادة الرأي يشيرون إلى أننا نعيش حالياً مرحلة ما بعد الحداثة، وهي مرحلة متقدمة تأثرت بالعلوم التكنولوجية والانفتاح الذي يسود العالم، نتيجة العولمة وثورة المعلومات والاتصالات. وقد يلغى عصر ما بعد الحداثة الكثير من النظريات الاجتماعية والثقافية والإعلامية السائدة، ويبدلها أفكاراً جديدة تحتاج إلى وقت لاستيعابها وتقنينها، ومن ثَم فإن الأفكار السائدة في العمليات النفسية ستحتاج، أيضاً، إلى تطوير وتغيرات حادة.

ثالثاً: أنماط الاتصال التي تحقق الأهداف المخططة للإعلام، والعمليات النفسية في نقل الأفكار المستحدثة

تتنوع أنماط الاتصال، والوسائل التي تحققها، طبقاً لاختلاف وظيفتها والهدف منها وتأثيرها على الجمهور المخاطب. فهناك وسيلة الاتصال المقروءة والمطبوعة مثل الصحافة، والوسائل التي تعتمد على الصوت والحس والتي تمثلها الإذاعة، وكذلك الوسيلة الأكثر انتشاراً والتي تعتمد على الصوت والصورة مثل التليفزيون. كما توجد وسائل الاتصال الإلكترونية الأخرى وأهمها الإنترنت.

وعلى الرغم من تعدد وسائل الاتصال، إلا أن الاتصال الشخصي بأركانه المختلفة يبقي عاملاً مؤثراً في أنماط الاتصال، والتي تتحدد في:

1. قنوات الاتصال: وهي التي يمكن أن تنتشر المواد الإعلامية والعمليات النفسية من خلالها بالسرعات المطلوبة. ويعمل الاتصال – باستمرار – على إحداث التفاعل الإنساني، الذي تنتقل الأفكار الجديدة بمقتضاه من شخص لآخر. وقد أسفرت البحوث التي أجريت عن الاتصال عن عدة وظائف أساسية لوسائل الإعلام في عملية انتشار الأفكار المستحدثة، أهمها:

أ. وظيفة التحّفيز: "Motivation": وهي تعتمد على البرامج المصممة لإثارة الاهتمام والتنبيه، والحث بصفة عامة على تبني الأفكار المستحدثة.

ب. وظيفة التقييم: "Evaluation": والتي تعتمد على البرامج المصممة لتقديم المعلومات للمهتمين بموضوع معين، ويبحثون عن مواد إضافية لكي تسهم في تقييم ما يبحثون عنه.

ج. وظيفة الإخبار"Information": وتعتمد على الرسائل القصيرة، التي يقصد بها تقديم الفقرات الإخبارية البسيطة.

د. وظيفة التعزيز "Reinforcement": ويعتمد على الدّعم أو الاهتمام بموضوع للمحافظة على قيمة أو موضوع محدد.

هـ. الوظيفة المهنية "Professionals": وتعتمد على البرامج المتخصصة التي تتعلق بالموضوعات المهنية المختلفة.

2. الاتصال الشخصي كوسيلة رئيسية للاتصال ولنشر الأفكار المستحدثة: ويكون من خلال العديد من قنوات الاتصال أو التأثير الشخصي أو المواجهة، وبما يؤدي إلى تفاعل مستمر ومباشر بين القائم بالاتصال والمجموعات المستهدفة، ويتم من خلالها تبادل المعلومات والآراء، والاتجاهات بين طرفي الاتصال، مع بث رسائل عمليات نفسية مخططة، بما يؤدي في النهاية إلى التأثير على المستقبل لتحقيق هدف ما.

ويتميز الاتصال الشخصي بتوافر درجة عالية من المرونة، التي يتاح بمقتضاها للمرسل تغيير الأسلوب أو اتجاه المناقشة، خاصة حينما يواجه مقاومة من جانب الجمهور المستهدف، إلى جانب أن الاتصال الشخصي يتميز، أيضاً، بأن رجع الصدى فيه عاجل وفوري ومباشر ومحسوس، بحيث يساعد هذا التأثير المرتد على تحقيق التناغم والتوافق، بين المرسل والمستقبل، خلال الموقف الاتصالي.

ويشمل الاتصال الشخصي العديد من الوسائل والأساليب، وهي:

أ. الاتصال الذاتي: من أجل إقناع شخص بأفكار محدده تحمل مضمون عمليات نفسية، ويكون توجيه هذا النمط من الاتصال إلى القادة المسؤولين في الدولة المخاطبة.

ب. الاتصال الجمعي: من خلال نشر الأفكار في مجموعات من الجماهير عن طريق اللقاءات والخطابة وإلقاء المحاضرات، وهو ما يتطلب الاتصال بجماعات المعارضة، أو العملاء، لتنفيذ مثل هذا الاتصال.

ج. الاتصال الجماهيري: ويكون من خلال الأفراد أو وسائل الإعلام المختلفة للتأثير على الجماهير، وإدخال مضمون معين لقضية محددة من خلال عمليات نفسية مدروسة جيداً.

3. الاستعانة بقادة الرأي: وهم يعدون ركيزة أساسية في نقل المعلومات للجمهور عن طريق الاتصال الشخصي، لما يتميزون به من تأثير على المتلقي وثقة بهم، وربما يكون تأثيرهم – خاصة في وقت الأزمات- أكبر من تأثير قادة رسميين، بوصف أن "قيادة الرأي هي الدرجة التي يكون عندها الفرد قادراً على التأثير بصورة غير رسمية، في اتجاهات الأفراد أو في سلوكهم الظاهر بطريقة مطلوبة ومتكررة.

ويمكن     الاستفادة بقادة الرأي، أيضاً، في نشر الأفكار المستحدثة، من خلال الاستعانة بهم في مختلف أوجه أنشطة الاتصال الشخصي، ومن خلال الآتي:

أ. تمهيد الطريق وتهيئة عقول الأفراد المستهدفين لتقبل الأفكار الجديدة، ورسائل العمليات النفسية التي تنتشر عن طريق وسائل الإعلام، وغيرها من وسائل الاتصال الجماهيرية.

ب. القيام بدور المنشطين والمشجعين في تقبل الجماهير للأفكار، بحكم مكانتهم في المجتمع، وثقة أعضاء الجماعة في آرائهم.

ج. تقديم الاستشارات المختلفة، بهدف حل المشكلات الطارئة.

وهذا السياق، فإن الأفكار المستحدثة تعتمد في مجالاتها المختلفة، على علوم الاتصال الحديثة، التي يتحقق من خلالها وحدة الفكر، وتحديد المفاهيم في الخطاب الإعلامي والنفسي. وهناك العديد من وسائل الاتصال التي تستخدم في هذا المجال، وأهمها:

1. الاتصال اللفظي :"Verbal Communication"

وهو الاتصال الذي يعتمد على وسائل تتكون أساساً من كلمات مكتوبة أو غير مكتوبة، في توصيل الفكرة أو المعني، مثل النشرات والتقارير والخطابات والمحادثات التليفزيونية والمؤتمرات، والأحاديث التليفزيونية والإذاعية.

2. الاتصال غير اللفظي" Non verbal Communication"

وهو الاتصال الذي يعتمد أساساً على الصور والرسوم التوضيحية والبيانية، والخرائط (ويستخدم في المنشورات والدعاية النفسية على وجه الخصوص).

3. الاتصال عن بعد "Telecommunication"

أي الاتصال عبر مسافات شاسعة، عن طريق الأقمار الصناعية وشبكات الميكروويف والألياف الضوئية، وربما كانت الفضائيات المنتشرة حالياً، هي النموذج العملي للاتصال عن بعد، وهي التي ساعدت على انتشار العولمة الإعلامية والثقافية، وأدت إلى تحقيق التوجه الجديد لأهداف "الإعلام النفسي"، وهو تفتيت الجمهور "Demassification"، من خلال إتاحة بث عدد هائل من الرسائل الاتصالية، تهدف كل منها إلى استقطاب فئة بعينها، طبقاً لمستواهم الثقافي وتوجهاتهم الاجتماعية، ومدي ولائهم للنظام.

4. الاتصال عن طريق شبكة المعلومات الدولية "الانترنت"

وتعد أحدث وأهم مجالات الاتصال ونشر المعلومات على مستوى العالم، وهي التي حلت محل العديد من وسائل الاتصال مثل الفيديوتكس، والتليتيكست وغيرها. وتتميز بإمكانياتها الضخمة في الحصول على المعلومات، والاتصال الفوري، وبث الرسائل، التي يمكن إطلاع أعداد كبيرة عليها في وقت واحد. وتكمن خطورة أو أهمية الانترنت، أن مستخدميها يتمتعون بدرجة عاليه من الوعي والثقافة، بما يسِّهل سرعة إيصال الرسائل إليهم، واستيعابها في زمن قصير.

يتطلب التطبيق العملي للأفكار المستحدثة، قياسات دائمة لتأثيراته على المتلقي، وهي وظيفة رئيسية للعمليات النفسية، لكي يتأكد من خلالها مدى نجاح الإعلام والعمليات النفسية في تحقيق الأهداف المخططة، وإجراء أي تعديلات في الخطط الإعلامية والنفسية، من أجل تأكيد التأثير أو تصويب السلبيات، أو التصدي للعمليات النفسية المضادة، التي استهدفت  الخطة الإعلامية/ النفسية.

رابعاً: نماذج من الأفكار المستحدثة في العمليات النفسية

لعبت "الدعاية" الصهيونية، دوراً رئيسياً في منظومة الإعلام والعمليات النفسية، وقاتلت بشراسة في ميادين شتي لتمارس دوراً ديماجوجيا لتعبئة رأي عام، وتبرير احتلال الأرض، وغزو فلسطين والأراضي العربية. وكانت التجربة الصهيونية في دعايتها السياسية والأدبية، هي الأولي من نوعها في التاريخ الحديث، حيث يستخدم فن الدعاية بجميع أشكالها ومستوياتها للقيام بأكبر وأوسع عملية تضليل وتزوير، تؤدي إلى نتائج غاية في الخطورة على النظام العربي، ومستقبل منطقة الشرق الأوسط.

وهذا يشير إلى أن المشروع الصهيوني، هو مشروع هيمنة على العالم برمته. وتتجلي هذه الهيمنة في سيطرة الصهيونية ونفوذها على وسائل الإعلام الدولية، بل وتمكنت من إيصال مفهوم لبعض مصطلحات إعلامية تناولتها وسائل الإعلام العربية نفسها. وهذا ما يعكس في النهاية ضعف القدرات العربية وتخلفها على المستوى العالمي، وبما يعد من قبيل العمليات النفسية التي يشنها العدو ونعاونه نحن في ذلك. ومن أمثلة هذه المصطلحات:

1. دول الجنوب: والتي يقصد بها الدول الأقل تقدماً عن مثيلاتها من دول الشمال، وقد صنفت جميع الدول العربية على أنها "جنوبية".

2. دول العالم الثالث، أو الدول النامية: والمعني الذي يضع حدا فاصلاً بين الدول المتقدمة، والدول الأقل تقدماً، ومنها الدول العربية؛ علماً بأن مصطلح العالم الثالث كان يستخدم للإشارة إلى دول عدم الانحياز إبان الحرب الباردة.

3. استغلال ما تردده وسائل الإعلام العربية من عبارات "الكيان الصهيوني"، أو العدو الإسرائيلي، للإيحاء بأن دولة إسرائيل توجد بين بحر من دول معادية، وأنها تطلب دعم أمنها من القوي الكبرى، وبذلك تتمكن من التغطية على جرائمها، خاصة في حق الفلسطينيين.

خامساً: الإعلام النفسي وأثره على المجتمعات في مستوياتها المختلفة

الإعلام النفسي هو الإعلام الذي يحمل رسائل نفسية تصيغها الجهات المسؤولة عن العمليات النفسية، من خلال قوالب إعلامية تتناسب مع ثقافة الهدف المخاطب ومطالبه، بهدف التأثير فيه وتحقيق مهام العمليات النفسية، باستخدام وسائل الإعلام المتاحة. وهو أحد إفرازات التسويق الاجتماعي Social Marketing، الذي ظهر في عام 1971 ليصف استخدام مبادئ التسويق وأساليبه من أجل تقديم قضية اجتماعية أو فكرة أو سلوك. ويهتم التسويق الاجتماعي – لدى بعض الناس – بتغيير ردود فعل الأفراد تجاه فكرة معينة، أو هدف، أو سلوك محدد، لصالح المجموع والمجتمع. وقد عرّفه آخرون بأنه يحتوي على عناصر رئيسية لترويج وتبني الأفكار والسلوكيات  المنشودة اجتماعياً، حيث يستخدم مبادئ ومهارات لتوفير وترويج أفكار أو سلوكيات مفيدة للمجتمع. كما حدد آخرون أهدافه بترويج الأفكار ذات الطابع الاجتماعي، حيث يقدم التسويق الاجتماعي معلومة جديدة، أو يصلح معلومة خاطئة رسخت في الأذهان.

أن أبرز أدوار الإعلام والعمليات النفسية على المستوى الدولي، هو نقل الثقافات والأفكار والأخبار، طبقاً لمنهج معين ولتحقيق أهداف محددة وبصورة لم تكن محققه في السابق، إلى جانب تمكين عناصر الفكر في الإدلاء بآرائها بحرية كاملة نحو القضايا الرئيسية في العالم؛ ومن ثَم، فإن مستقبل العالم أصبح مفتوحاً، ويمكن للشخص العادي أن يستشفه، وأن يحدد مكانه ومكان دولته ومدي تأثيرها في مجالها الحيوي، على المستوى الإقليمي والعالمي.

كما فتح الإعلام مجالات واسعة للاقتصاد والعلوم بشتى مجالاتها، للانتشار والتوسع من خلال الإعلام المتخصص، والذي أصبحت مجالاته تعمل على ربط أبناء المهنة الواحدة في شتي أنحاء العالم.

وعلى ذلك، فإن العمليات النفسية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الإعلام، ومن أجل التأثير لتحقيق أهداف محددة.

والإعلام بصورته الحديثة، التي تختلط بالعمليات النفسية، هو الذي نقل إلينا العديد من الأفكار التي تتعلق بثقافتنا وهويتنا ورؤية الغرب لها، وهو ما أثار جدلاً شديداً في أعقاب أحداث 11 سبتمبر2001 في الولايات المتحدة، حيث حاول صمويل هنتجتون تأكيد نظريته في صراع الحضارات، وعودة المنافسة التقليدية بين الدول القومية، أو أفول الدولة القومية بسبب وقوعها بين قوى متنافرة، مثل القبلية والكونية وغيرها. وأشار إلى أن المصدر الرئيسي للصراع في هذا الكون لن يكون أيديولوجيا أو اقتصادياً بالأساس، ولكن سيكون ثقافياً؛ فالصدام بين الحضارات سيهيمن على السياسة الكونية، وستكون القضايا الخلافية بين الحضارات منطلقاً للصراعات المستقبلية.

ولم ينسَ هنتجتون في مجال عرضه للمشكلة أن يشن حرباً نفسية على المسلمين أنفسهم، ويعطي إحصائيات توضح أن معظم الصراعات تقع بين المسلمين أنفسهم. وفي هذا المجال، أيضاً، حذر هنتجتون مما قد يحمله المستقبل؛ فالصدام يقع بين الحضارات لخمسة أسباب تلعب فيها العمليات النفسية دوراً أساسياً، هي:

1. تعميق الاختلاف بين الحضارات، والتي يلعب فيها الإعلام النفسي والثقافة، بمستوياتها المختلفة، دوراً رئيسياً.

2. أن أطراف العالم أصبحت أكثر تقارباً من ذي قبل نتيجة تطور وسائل الاتصال والإعلام، مع اتساع التبادل بين الشعوب، ما يؤكد الوعي بالاختلاف بين الحضارات وبما يشعل حروباً نفسية.

3. سيطرة سلطة الدولة على العولمة، الأمر الذي يعني تزايد أهمية الدين والقيم الثقافية في تفعيل دور الشعوب، بما يمثل العمليات النفسية الإيجابية.

4. زيادة سيطرة دول الغرب وضغوطها، وبما يؤدي إلى رفض الآخر، وتأجج الصدام، إلى جانب قدرتها على شن الحرب النفسية.

5. أن الشعوب لا تتغير بسهولة، لذلك، فإن مسألة الهوية ستظل شاغلاً رئيسياً يؤكد الخلافات بين عناصر المجتمع الدولي.

ومن خلال طرح هنتجتون لما قد يحمله المستقبل، فهو يتفق أو يختلف مع آراء العديد من المفكرين العالميين، وفي مقدمتهم فوكوياما صاحب نظرية "نهاية التاريخ"، وانتصار الرأسمالية في نهاية الصراع، وجوزيف ناي صاحب نظرية صعود الأمم وسقوطها، وبول كيندي صاحب أطروحة "أفول الولايات المتحدة الأمريكية".

إلى جانب ذلك، يمكن القول، إن الإعلام بصورته الحديثة، هو الذي أدى إلى صعود الولايات المتحدة الأمريكية لتحتل مكانتها على قمة النظام العالمي، من خلال استعراض القوة المفرطة والتي شاهدها العالم أجمع من خلال النقل التليفزيوني المباشر، لأحداث حربي الخليج الثانية والثالثة، وأحداث 11 سبتمبر، والحرب في أفغانستان، وكلها بمثابة حرب نفسية شرسة ليس على العراق فقط، بل على كل دولة مناوئة للولايات المتحدة الأمريكية.

وقد حققت الولايات المتحدة الأمريكية من خلالها نظريات "الحرب الإستباقية"، وعسكرة السياسة الأمريكية، كما استعرضت الإمكانيات غير المحدودة التي تمتلكها ويفتقر إليها العالم، ومن ثَم القدرة على تحقيق التفوق على كل  قوى العالم، وفرض إراداتها وهيمنتها على مراكز الثقل الإستراتيجية، وأهمها منطقة الشرق الأوسط.

وكان هذا النوع من الإعلام يمثل نموذجاً فذاً لدمج العمليات النفسية في قالب واحد مع الإعلام الموجه، والذي أدى إلى هزيمة الخصم قبل أن تبدأ العمليات البرية نفسها، ومهد مسرح الصراع لكي تحقق الولايات المتحدة نصراً عظيماً في كلا الحربين. واستخدم الإعلام الأمريكي نظرية "الردع الإعلامي والنفسي" من خلال استعراض القوة، الذي تنقله وسائل الإعلام، ويحقق التأثير النفسي الذي خطط بأسلوب علمي، ويُبَث من خلال برامج مختلفة لإيصال رسالة معينة تهدف الولايات المتحدة من ورائها إلى نشر أحداث ذات تأثير معين، في الرأي العام الإقليمي أو العالمي.

وعلى سبيل المثال، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعمدت، قبل شن عملية "عاصفة الصحراء"- خلال حرب الخليج الثانية -  وخلال الإعداد للعملية، بث صور لأسلحة متقدمة، وتدريبات لقوات كبيرة، ومواصفات لأسلحة يمكنها تدمير أهدافها من مسافات بعيدة ومن أول قذيفة تطلق ضد أي هدف، إلى جانب تكثيف تصريحات للسياسيين والعسكريين عن مدى إمكانية تحقيق النصر. وما فعلته في حرب الخليج الثانية، تكرار على نطاق أوسع إبان الاستعداد لشن حرب الخليج الثالثة. وكان للإعلام في كلتا الحالتين الدور الرئيسي في إيصال الرسائل المختلفة.

ومما سبق يمكن القول إن دور وتأثير العمليات النفسية الموجهة من خلال الإعلام على المستوى الدولي، أفرز العديد من العوامل والمبادئ، أهمها:

1. تقليل المسافات ما بين الأحداث المهمة، بما أدى إلى انعكاس تأثير أي حدث في مكان ما على باقي دول العالم، طبقاً للبعد المكاني، والارتباط السياسي، والعلاقات الاقتصادية؛ ولذلك حول الإعلام الكوني الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة، بل إلى غرفة اجتماعات مغلقة يتناقل فيها الأطراف الأخبار في وقت وقوعها نفسه، وتؤثر فيهم، ويؤثرون عليها.

2. بناء رأي عام عالمي تجاه القضايا التي تهم العالم، وفي مقدمتها قضايا الأمن والسلام، والاقتصاد، وحول الرأي العام الوطني أو الإقليمي إلى جزء لا يتجزأ من الرأي العام العالمي، ومن ثَم أحكم التواصل بين شعوب العالم، وعمق الإحساس بالمسؤولية تجاه القضايا المختلفة.

3. غيرَّ من مفهوم مبادئ الحرب، خاصة في مجالات المفاجأة والمبادأة والحشد، حيث أصبحت كل الشواهد مباحة في مجال تطور الصراع وتصاعد الأزمة وتحليل التوقعات، وبما أدى بدوره إلى توجه القوى الكبرى في الانخراط نحو امتلاك القوة، لكي يُحقق من خلالها التفوق والانتصار.

4. غيرَّ من مفهوم تطبيقات الإستراتيجيات الحديثة، التي أضحت تعتمد على توصيل رسائل الحرب النفسية إلى شعوب الدول "الضد"، حيث أصبحت هذه الإستراتيجيات تعتمد على ثلاث مراحل رئيسية لتحقيق أهدافها:

أ.  الأول: ردع الخصم، وإنذاره بتنفيذ إرادة القوة الأخرى، والانصياع للنظام العالمي.

ب. الثاني: في حالة عدم الالتزام تُشن ضربة عسكرية لتدمير البنية الأساسية، وتدمير النظام نفسه، واحتلال الدولة.

ج. الثالث: تصعيد نظام بديل يتعاون مع قوات الاحتلال، لتحقيق أهدافها في السيطرة على الدولة.

5. إلى جانب ذلك، فإن الإعلام على المستوى الدولي، أدى – بطريق مباشر أو غير مباشر- إلى نقل رسائل الإرهابيين النفسية إلى أنحاء العالم. وبذلك ساعد على انتشار الإرهاب في المناطق المختلفة، وقد نقلت رسائل الإرهابيين من خلال الآتي:

أ. نقل مباشر من خلال استخدام شبكة الإنترنت، وهناك آلاف المواقع على الانترنت تحض على الإرهاب، أو تنقل رسائل محددة، أو تشرح أسلوب تصنيع القنابل والعبوات المتفجرة، وأساليب استخدامها، وغير ذلك.

ب. نقل رسائل بواسطة شبكات تليفزيونية ذات تأثير، على نمط ما تنقله بعض الفضائيات لرسائل يرسلها قادة تنظيم القاعدة، وترى الشبكة الفضائية أنها حصلت على السبق في نقلها.

ج. النقل عن طريق جميع وسائل الإعلام من خلال عمليات إرهابية مؤثرة، يصاحبها تصريحات أو بيانات أو رسائل تذيعها وسائل الإعلام، ومن ثَم تنقل أهداف الإرهاب وتنشرها على العالم أجمع. ومن خلال هذا النقل، يجد الإرهابيون ذاتهم ويحققون أهدافهم المخططة.

العلاقة بين نظريتَي الاستعمار الإلكتروني والنظام العالمي

ثمة علاقة ورابط جوهري بين نظرتي الاستعمار الإلكتروني والنظام العالمي؛ فنظرية الاستعمار الإلكتروني "Electronic Colonialism"، تؤكد أن وسائل الإعلام تنقل عدداً متنوعاً من القيم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي بعض الأحيان تنقل قيماً سياسية ودينية. وتذهب نظرية النظام العالمي إلى أبعد من ذلك، وتتوسع في أطروحاتها عن نظرية الاستعمار الإلكتروني، عندما تقسم دول العالم إلى ثلاث فئات هي: الدول المركزية، والدول شبه الهامشية، والدول الهامشية.

وتهتم بعض الدول المركزية بآثار الاستعمار الإلكتروني، بل إن بعض الدول المركزية مثل فرنسا وبريطانيا وكندا وإستراليا، في قلق مستمر من "أمركة" صناعاتها الثقافية. أما الدول الهامشية وشبه الهامشية فلديها العديد من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية، حتى تخفف أكثر من آثار الاستعمار الإلكتروني.

والاستعمار الإلكتروني بوسائله الحديثة يستخدم كل أساليب العمليات النفسية للتأثير على الهدف المخاطب، وبما يزيد من آثار هذا الاستعمار بصورته الحديثة.

سادساً: دور الإعلام والعمليات النفسية في إدارة الصراع

تتحدد المحصلة النهائية للصراع في ضوء عناصر القوة المتوافرة، لدى طرفي الصراع بالمعني الواسع لهذا المفهوم. ويمكن القول إن عناصر القوة لأي طرف منهم تتضمن القوي العسكرية والاقتصادية والسياسية والمعنوية والبشرية والتكنولوجية، إلى جانب القدرة على توجيه العمليات النفسية. ويمكن استخدام المناهج المتطورة كالرياضيات والحاسبات الإلكترونية في تحديد عناصر تلك القوي.

إلا أن هذا التحديد يظل غير دقيق، نظراً لوجود عناصر قوى من الصعب قياسها، كالقوة المعنوية وغير ذلك من المسائل التي تؤدي إلى التنبؤ بأبعاد الصراع. ويؤخذ في الاعتبار توافر المعلومات التي على أساسها تتخذ القرارات وخصائص القادة المتخذين لهذه القرارات، ومدي الاستفادة منها. وهنا يأتي دور العمليات النفسية، التي توجه أساساً إلى الروح المعنوية للشعب والقوات المسلحة المضادة.

ويبني القرار عادة في عملية إدارة الصراع، على عناصر ملموسة وعناصر أخرى غير ملموسة. ومن العوامل غير الملموسة الخصائص النفسية لصانع القرار والحالة النفسية لقوى الصراع. وتعد قرارات إدارة الصراع في أغلب الأحيان قرارات مصيرية، فقد يترتب على فشلها تحقيق دمار شامل وهلاك آلاف الأرواح.

وهذا ما يوضح الأهمية القصوى لعملية صناعة القرار، وفي الوقت نفسه تقتضي معالجة وإدارة الصراع، الاعتماد على العقلانية واستبعاد العواطف والانفعالات والشعارات، التي تتسم بقصر النظر؛ فمعالجة الصراع لاتتسم بالتمني وليست حلماً يحلم به صانع القرار بإحراز الانتصار النهائي وانتهاء الأمر؛ ولكنها عملية متعددة وشاقة ونابعة من عناصر القوى، التي يتسم بها طرفي الصراع.

وهنا تبرز أهمية رسالة الإعلام الممزوجة بالعمليات النفسية، والتي تنقلها الفضائيات بصورة خاصة، ذلك أن التقنية الإعلامية أسهمت – وما تزال – في تقصير زمن الحروب، حيث تؤثر الآلة الإعلامية الحديثة، والخبرة المهنية في التعامل مع الحدث، في توجيه الرأي العام.

وأصبحت القدرات الإعلامية والسياسات الإعلامية (النفسية) قادرة على إسقاط الحكومات والأنظمة التي لا تتجاوب مع الرأي العام، نتيجة المعرفة الوقتية للأحداث بصورها المختلفة، وهو ما لم يكن متوافراً في الحروب الماضية في القرن العشرين، حيث سقط عشرات الملايين من القتلى، وأمكن للحكومات إخفاء الأمر وعدم الإعلان عن الحقائق في وقتها.

وللإعلام النفسي دور مهم في إدارة الصراع، حيث يستطيع أن يستخدم آلية الدعاية والحرب النفسية في ردع الجانب الآخر. ويستطيع أن ينقل إلى المستوى العالمي عناصر القوة التي يتمتع بها طرف ضد طرف آخر في إدارة الصراع، ويصيغها في منطق إعلامي ملائم، بحيث يتردد هذا المنطق في الوسائل الإعلامية المختلفة.

ومع الأخذ في الحسبان خصائص المستقبل للرسالة الإعلامية، فبداهة كلما كان لطرف إمكانيات وعناصر قوة، فإن ذلك يساعد الإعلام على تأدية دوره بنجاح؛ فدور الإعلام يركز على الدور الدعائي والعمل النفسي، كما حدث في حرب الخليج الثالثة. وبالضرورة يجب أن يتوافر لوسائل الإعلام الآليات والقدرة على الإقناع؛ لأن الردع في هذا الإطار لن يتحقق إلا إذا اقتنع به الطرف الآخر.

ويبرز في هذا المجال دور الإعلام العسكري على المستويات المختلفة، للتوعية بمصادر التهديد والتوعية بالدعاية النفسية المعادية، والتي لابد أن تتأسس على نهج علمي سليم، وباستخدام كافة الإمكانيات؛ ذلك أن إدارة الصراع، وبمقدار ما يتحقق من توجيه حملات نفسية ضد الخصم، معظمها يأتي عن طريق الإعلام، إلاَّ أن الخصم له أيضاً آلياته في مجال الصراع نفسه لتوجيه رسائل مضادة، قد تصيب بأضرار ويجب الوقاية منها عن طريق اتخاذ العديد من الإجراءات المضادة، ومن أهمها:

1. إقامة حزام إعلامي أمني حول المواطن من أجل التصدي للفكر السياسي الدعائي المعادي، الذي يحاول اختراق الأمن النفسي، والتأثير على معنويات الشعب والقوات المسلحة، وذلك من خلال بث الدعاية النفسية غير المباشرة، التي توجه في الخفاء أو العلن، ويكون من أهدافها:

أ. تضليل المواطنين بدعاوي ظاهرها السماحة والبراءة والدعوة إلى القيم النبيلة؛ ولكنها في الواقع تضم في باطنها سموم الخداع والتضليل من أجل تفتيت وحدة الأمة.

ب. تنفيذ عمليات الدعاية (عامة ومتخصصة) التي تشنها وسائل الإعلام المعادية، بهدف النيل من الروح المعنوية للشعب وقواته المسلحة، وإضعاف مقاومته، وذلك من خلال نشر وإذاعة الدعايات المليئة بالأكاذيب وإطلاق الشائعات.

ج. محاولة الحصول على المعلومات بالسعي نحو استدراج بعض العناصر الوطنية، من خلال إشراكها في برامج  تُبث عبر التليفزيون أو الإذاعة، والحصول منها على معلومات من خلال استخدام وسائل الإثارة، أو تشجيع المتحدث على الإدلاء بمعلومات سرية.

2. المتابعة المستمرة لوسائل الإعلام المعادية الموجهة ضد الدولة، لتحليل وعرض ما جاء بها على الرأي العام الوطني، وتعريفه بالحقائق، ونقد المعلومات التي يبثها العدو بصورة علمية.

3. إذاعة حقائق الموقف، من خلال وسائل الإعلام الوطنية، بحيث يثق الشعب في صدقيتها، ويرتبط بها، وينبذ القنوات الأخرى التي يستشعر أنها موجهة للتأثير عليه سلباً.

4. العمل على تنمية الوعي الأمني لدى المواطنين لمواجهة طرق العملاء وأساليبهم، مع عدم الخوض كثيراً في نشر الأنشطة العسكرية، أو التبرع بالإدلاء بمعلومات سرية تكون لدى المسؤولين من مواقع الوظائف التي يزاولونها.

5. تنفيذ خطة خداع إستراتيجي متكاملة على مستوى الدولة، وباشتراك الوزارات والهيئات المعنية، وبما يحقق تأثيراً وإرباكاً لخطط العدو في الإعلام النفسي.

6. إجراء قياسات دورية لكافة المستويات لتبيان مدى التأثير النفسي لحملات العدو المعنوية، ومدى ارتباط الشعب بوسائل إعلامه، وما الصورة التي رسخت في وجدان المتلقين (مدنيين وعسكريين)، والعمل على تطوير الخطط الإعلامية النفسية (السالبة والموجبة)، وبما يحقق تلاحم الجماهير والنظام والقوات المسلحة.

ولاشك أن ثورة الاتصالات والمعلومات، التي أصبحت تخترق الجدران وتبحث عن الحقائق وتنقل الأحداث بوقائعها المجردة، وتصل آثارها إلى ملايين المواطنين، وخاصة الأجيال الجديدة، ستحدث تغييرات هائلة في خلق وعي جديد. ويظل الصراع الحقيقي هو صراع الأفكار والقيم الإنسانية العادلة، والفائز فيه – عبر وسائل الإعلام الحديثة – هو الفائز في عدة ميادين أخرى؛ فنوع الوعي، ونوع الفكر الذي يسود أمة من الأمم بأبعاد إيجابية وشاملة، هو الذي يصنع التحول الأساسي نحو النهضة.

وتُحدث الحروب، عادة، تغييرات كبيرة في المجتمعات التي تمر بها؛ وبقدر ما فيها من آلام، بقدر ما تكون حافزاً للأحياء من أجل الاستعداد لدورة جديدة من التحدي والعمل البناء. وتبقى القدرات الإعلامية من أهم القوي المؤهلة لتقصير مدة الحرب، والتقليل من آثارها المدمرة، كما تبقى كذلك قادرة على ملاحقة المسؤولين عن قرار الحرب، وما أدى إليه من كوارث.