إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / العمليات النفسية (الحرب النفسية)





مخطط تنظيم فريق العمليات
مقترح لتنظيم مركز عمليات نفسية
مقترح لشبكة مراكز العمليات النفسية
التخطيط للعمليات النفسية
التعامل النفسي المعاصر
التعامل النفسي الصهيوني
الحرب النفسية في العمليات العسكرية
تنظيم إدارة التخطيط للعمليات النفسية
تنظيم سرية عمليات نفسية
تنظيم كتيبة عمليات نفسية
تطور الدعاية الصهيونية
سلم ماسلو للحاجات
منشور طريقة الانضمام
بطاقة مرور أمن
بطاقة دعوة
شعار القوات المشتركة
كاريكاتير نفسي 1
كاريكاتير نفسي 2
قصف الفرقة 16 مشاة

مناطق الإسقاط بالبالون
مناطق الإسقاط بالطائرة س 130
مواقع القوات العراقية



المبحث الحادي عشر

المبحث الرابع عشر

مستويات الإعلام النفسي ووظائفه

تتعدد مستويات الإعلام النفسي ووظائفه كأحد الفروع الرئيسية لوسائل الاتصال والعمليات النفسية، وبما يتطلب اتساع رؤية التخطيط لإنجاح المهام المكلف بها هذا الإعلام، ووضعه في نطاق التخطيط للعمليات أو الإستراتيجيات المختلفة على مستوى الدولة، سواء في المجال الدولي أو الداخلي أو الاقتصادي أو غيرها.

أولاً: دور الإعلام النفسي على المستوى السياسي

يعد الإعلام، بفلسفته الواسعة وبوسائله الحديثة، أقوى أدوات الاتصال العصرية؛ بل إن الإعلام في هذا العصر وفي ظل ثورة الاتصالات والمعلومات، حمل معه ثورة جديدة، أدت إلى إحداث تطور ضخم في تكنولوجيا الاتصال. وقد تعددت مجالات الإعلام وتنوعت، وارتبطت ـ في الوقت نفسه ـ بعلوم السياسة والاجتماع وعلم النفس والاقتصاد والجغرافيا وغيرها.

وأصبح الإعلام النفسي وسيلة من أدوات السياسة الخارجية للدولة، تؤثر وتتأثر بالوسائل الأخر. وعندما تنشب الأزمات، فإن أهمية السياسة الخارجية للدولة تبرز في المقدمة، ويزداد الاهتمام بالوسائل المختلفة للسياسة الخارجية ومنها وسائل الإعلام. ومن هنا تتفاعل إمكانيات الدولة العسكرية والاقتصادية والسياسية والخصائص السيكولوجية للرأي العام، مع الوسيلة الدعائية، فتؤثر وتتأثر بها.

والإعلام النفسي هو إحدى الركائز الإعلامية في مجال السياسة الخارجية للدولة، حيث توجه رسائل معينة في المجال السياسي لتحقيق أهداف محددة، أو إجبار الخصم على الانصياع لتنفيذ توجه معين وفق إرادة الدولة. والأمثلة عديدة في هذا المجال، مثالها الضغوط التي حدثت على ليبيا في قضية لوكيربي، ثم تنازلها عن برنامجها النووي عام2003؛ أو الضغوط الهائلة التي تحاصر النظام السوري، من أجل توجيهه لتنفيذ إرادة الولايات المتحدة الأمريكية.

وكذلك قضية الملف النووي الإيراني، التي تديرها الولايات المتحدة بمشاركة من الإتحاد الأوربي، والأمم المتحدة، والعديد من القوي الأخرى، تمثل نموذجاً لتطبيق العمل النفسي الإعلامي وأسلوب المزج بين الإعلام والعمليات النفسية، كوحدة تعامل واحدة في مخاطبة خصم عنيد.

وفي هذا السياق، فإن الجانب السياسي للعمليات الإرهابية وجد مكاناً مهماً لدى وسائل الإعلام الفضائية الخاصة، حيث يتمكن من تسريب آرائه وأفكاره عبر شرائط أو بيانات، وهو ما يهدف إليه الإرهابيون، وما يؤثر بالسلب على الروح المعنوية للجماهير، ويربك خطط الحكومات المختلفة، ويشغل جزءاً من تفكيرها في الرد على رموز الإرهاب.

ثانياً: وظائف الإعلام "النفسي"، على المستوى الدولي

1. الاتصال بالجماعات المؤثرة

يتولي الإعلام النفسي، الاتصال بالجماعات المؤثرة في النظم السياسية المختلفة، كالأحزاب وجماعات الضغط والجماعات المصلحية، وأعضاء المجالس التشريعية، ومختلف المؤسسات المؤثرة في صناعة القرار السياسي. ويؤخذ في الحسبان طبيعة النظم السياسة السائدة، وطرق اتخاذ القرار ومدى ديموقراطيته، وكيفية التأثير عليه.

ويعد الاتصال بالجماعات المؤثرة ذا أهمية خاصة، نظراً لسيطرتها على عمليات صناعة القرارات، إضافة إلى أن أعضاء هذه الجماعات يعدون النخبة التي تؤثر على الجماهير. وهكذا يتحقق الاتصال بالجماهير من خلال النخبة، ويستلزم ذلك المعرفة التامة بالجوانب الاجتماعية والثقافية والحضارية للدول، إلى جانب الإعداد المسبق للرسائل النفسية المراد إيصالها.

2. وظائف تمثيلية على مستوى المنظمات الدولية

يؤدي الإعلام النفسي على المستوى الدولي، وظائف تمثيلية، بل ويُعد وظيفة من وظائف المنظمات الدولية. وتختلف هذه الوظيفة باختلاف طبيعة المنظمات وأنشطتها ووظائفها. وعلى سبيل المثال، فإن الأمم المتحدة اهتمت بمشاكل الاتصال الدولي وتنمية الانتشار الحر للإعلام، وتحقيق التعاون السلمي بين الدول. وأسهمت الأمم المتحدة بعدد من المبادرات في هذا المجال، فعقدت عدة مؤتمرات، وأصدرت العديد من الدراسات والتقارير، ونشرت العديد من الوثائق الدولية.

كما بحثت الأمم المتحدة في المشاكل الأساسية للاتصال الدولي، ومنها ما يتعلق بحرية الإعلام "Freedom of Information"، بل إن الجمعية العامة وافقت على العديد من الاتفاقيات الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية، ومنها حرية التعبير. كما سعت الأمم المتحدة نحو تحقيق التعاون الدولي في مجال الإعلام، وأنشأت مكاتب إعلامية لها في العديد من الدول الأعضاء. وقد استغلت القوى الكبرى تلك المؤتمرات في تنظيم سبل إعلامها النفسي، للتأثير على مناطق المصالح الخاصة بها.

ثالثاً: دور الإعلام النفسي على المستوى الدولي، في المجال الاقتصادي

إذا كانت للعولمة مظاهرها الاقتصادية المتمثلة في إزالة العوائق الاقتصادية، ونشر التكنولوجيا، وتحرير الأسواق، وزيادة أنشطة الشركات متعددة الجنسيات، وما يصاحب ذلك من تحديات؛ فإن للعولمة، أيضاً، مظاهرها الإعلامية المتمثلة في ثورة الاتصالات والمعلومات، والقدرة على نقل الأخبار والأحداث لحظة وقوعها في أي بلد من العالم، وفضلاً عن تحقيق العولمة الاقتصادية، التي تتطلب خطاباً إعلامياً نفسياً يتمشي مع تلك العولمة.

ومن أجل دعم التنمية الاقتصادية في ظل العولمة، استُخدم الإعلام النفسي، وكذا إمكانيات ثورة الاتصالات، في التوعية بأهمية التصدير بالجودة المناسبة، وما سيحققه ذلك من عوائد اقتصادية لدوله وإبراز تجارب الدول التي نجحت في تحقيق معدلات نمو عالية عن طريق زيادة صادراتها؛ إضافة إلى نشر الوعي بين الجماهير حول أهمية زيادة الاستثمار ودور الخصخصة، والتوعية بضرورة توافر المناخ المناسب لجذب الاستثمارات من طريق إقامة المشروعات المشتركة، وكذلك أهمية المحافظة على البيئة الأساسية من أجل جذب هذه الاستثمارات، مع أهمية التوعية بالمحافظة على البيئة والربط بين مفاهيم الاستقرار والسلام والتنمية الاقتصادية. ومن خلال هذا الإعلام النفسي يمكن بث الرسائل النفسية التي تدعم قدرات الدولة، وتقلل من قدرات الخصوم، ومن ثَم تربك سياساتها الاقتصادية.

رابعاً: الإعلام النفسي في المجال الاجتماعي

إذا كانت التنمية الاجتماعية، تعني تغيير الخصائص أو الأوضاع الاجتماعية إلى الأفضل، بجانب إشباع المطالب والحاجات الاجتماعية (صحية - وتعليمية - وتنمية بشرية)، فإن الإعلام النفسي الذي يستغل ثورة المعلومات في عصر العولمة، أصبح يشكل سلاحاً ذا حدَين في عصر العولمة؛ سلاح له إيجابياته وأيضاً سلبياته، على الناحية الاجتماعية. وقد تجمعت الدعاية الدولية من خلال الفضائيات والانترنت في إثارة الشعور بالانبهار تجاه الغرب، والإعجاب بما يمتلك. وفي دول العالم الثالث، فمن المؤكد أن الشباب هو الفئة المستهدفة بالدرجة الأولي من هذا التيار.

أما على المستوى الدولي، فقد أمكن توجيه الإمكانات الهائلة لثورة الاتصالات والمعلومات من أجل تحقيق التطور الاجتماعي في عصر العولمة، والتي من خلالها يمكن بث رسائل نفسية لتحقيق أهداف محددة، ترتقي بالمواطن وتؤكد ولاءه وانتمائه لوطنه، الذي يعد أحد أهداف العمليات النفسية، وهو ما نرجو تطبيقه على مجتمعاتنا، وذلك من خلال:

1. إتاحة مساحات زمنية كافية لبث البرامج التعليمية بصورة شيقة، ونقصد هنا التعليم بمعناه الشامل؛ فهناك البرامج والموضوعات الصحفية المعروضة في العالم باسم (How to do)، والتي توضح كيف تتعلم أشياء ومهارات مهمة في حياتنا، مثل الحرف الفنية وغيرها.

2. الاهتمام بالإعلام العالمي على مستوى البرامج المتخصصة كافة، بما يعمل على إشاعة طرق التفكير العلمي بين طبقات المجتمع.

3. الاهتمام بخدمات فئات المجتمع المختلفة، وعمل برامج المرأة والطفولة والشباب، بوصفها المراحل العمرية المهمة في حياة المجتمع، في حاضره ومستقبله.

4. العمل على دعم الوحدة الوطنية والقومية، بوصف أن الاستقرار والسلام الاجتماعي يدعمان عملية التنمية الاجتماعية وتطورها.

5. إزكاء روح التعاون والجد بين أفراد المجتمع وبث الروح الجماعية، من خلال البرامج والتحقيقات والأخبار التي تعكس إيجابية هذه التصرفات.

6. توجيه البرامج الإعلامية نحو إظهار خطورة الجريمة المنظمة، خاصة ما يتعلق منها بجانب المخدرات، وكذلك القصور الإداري ومظاهره الاجتماعية، كالتسيب والبيروقراطية والسلبية والفساد والاختلاس والرشوة وغيرها.

7. الاهتمام بالتغطية الإعلامية للأحداث الرياضية، والدعوة إلى نشر الروح الرياضية، وتشجيع الشباب على الانخراط في أنواع الرياضة المختلفة معا، وهو ما يؤدي إلى تطلع الشباب نحو الانتماء والبعد عن الانحراف والتطرف.

خامساً: الإعلام النفسي في المجال الثقافي

اختلف الباحثون حول التأثير الإعلامي للعولمة على الناحية الثقافية؛ فمنهم من يرى جوانب إيجابية فيه بوصفه فرصة للتحول من الولاء لثقافة ضيقة ومتعصبة، إلى ثقافة عالمية واحده يتساوي فيها الناس والأمم جميعاً، والاتجاه نحو الانفتاح على مختلف الأفكار من دون أي تعصب، والتحرر من كل صور اللاعقلانية الناتجة عن التحيز لأمة، أو دين، أو أيديولوجية بعينها، وتبني عقلانية العلم وحياد الثقافة. ويذهب فريق آخر من الباحثين إلى أن عولمة الثقافة لا تُلغي الخصوصية، بل تؤكدها، لأن الثقافة هي وسيلة التعبير الأصيلة عن الخصوصية التاريخية للشعوب؛ ومن ثَم فلابد من وجود ثقافات متعددة ومتنوعة تعمل كل منها بصورة تلقائية، أو بتدخل إرادي من أهلها للمحافظة على كيانها ومقوماتها الخصوصية.

وقد دلت الإحصاءات العالمية التي أجريت على مستوى منظمة اليونسكو، أن الوظيفة الجديدة للإعلام والمتمثلة في الهيمنة الثقافية، تحقق للدول المتقدمة انتشار فكرها وثقافتها بأسلوب مهذب ومحبب إلى النفوس؛ ومن ثم فلم تعد هناك حاجة لاستخدام القوة العسكرية؛ بل يكفي إتباع طرق أكثر عقلانية وفاعلية من خلال (القوة الناعمة)، وذلك لتوظيف المادة الثقافية لنقل الأفكار والأنماط الاستهلاكية والسلوكية السائدة في الغرب، إلى بلدان العالم الثالث عن طريق إعادة تشكيل أحاسيسهم وأذواقهم ومفاهيمهم الجمالية، بحيث تتماشي مع مقتضيات السياسات العالمية. وهنا يبرز دور الإعلام النفسي الذي يحمل من الرسائل ما يحقق أهداف الدولة تجاه شعوبها، وأهداف الدولة ضد الخصوم، أو في مناطق المصالح الحيوية.

ويمكن القول إن الإعلام النفسي في ظل العولمة، استطاع أن يوجه إمكاناته الهائلة نحو نشر وتأكيد الجوانب المختلفة للشخصية الثقافية الوطنية. فقد نجحت في الوصول إلى قطاعات عريضة من الشعوب، خاصة في الدول النامية، بل اتجهت العديد من الدول إلى إجراءات حمائية من خلال إنتاج البرامج والمواد الإعلامية، التي تحصن المجتمع ضد أفكار التطرف والقيم الضارة؛ برامج تحض على السلوكيات المعتدلة التي تبرز حقيقة وأهمية تعدد الفكر في حياتنا، إضافة إلى الاتجاه نحو تفعيل دور الثقافة الجماهيرية، من خلال استخدام وسائل الإعلام الحديثة.

وكذلك الاهتمام باللغات الأجنبية وضرورة تعليمها للمواطنين، بوصفها وسيلة مهمة للتعرف على الثقافات العالمية. وفي الوقت نفسه، فمن المهم تعريف المواطنين بإستراتيجية الدولة وظروفها الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وشرح أضرار الدعاية الإعلامية المضادة التي تصدرها بعض الشائعات في إطار من الدعاية النفسية، لأن التنمية الثقافية تمثل في أحد جوانبها الاهتمام بالجوانب الوجدانية من حياة المواطنين، ورفع درجة وعيهم السياسي.

سادساً" دور الإعلام النفسي على المستوى الإقليمي

إذا كان هناك استقراراً في مفهوم العولمة الإعلامية، فإن دور الإعلام الإقليمي يصبح جزءاً لا يتجزأ من الإعلام على المستوى الكوني، ويحتل مكانه طبقاً لقدرته على تحقيق الذات والتأثير، سواء في مجاله الإقليمي أو الدولي. لذلك فإن الإعلام النفسي في هذا المجال يجب أن يكون منظماً ومنسقاً لتحقيق أهدافه ويتصف بمصداقية عالية، يؤثر في مجاله الإقليمي، وإلاّ تحولت الجماهير عنه إلى إعلام ذي مصداقية أعلى. ويعني ذلك أن الإعلام النفسي على المستوى الإقليمي يدخل في مجال منافسة شرسة مع الإعلام الدولي، الذي قد تتوافر له إمكانيات أكبر.

المهام الرئيسية للإعلام النفسي على المستوى الإقليمي

مع التأكيد على أن الإعلام الإقليمي لابد أن يندرج في مساره وأهدافه مع الإعلام على المستوى العالمي، ويحتل مكانه على خريطة العالم الإعلامية، إلا أن للإعلام الإقليمي قضايا رئيسية ترتبط بمشاكل المجتمع ومتطلباته، لابد أن تأخذ مكانها على الخريطة الإعلامية. وتتصف عادة هذه القضايا بالمحلية أو الإقليمية، لأن رسائلها تستهدف واقعاً تحاول النظم أو إرادة الشعوب تغييره. وعلى ذلك، فإن الإعلام النفسي على المستوى الإقليمي يحقق مهمتين في آن واحد؛ المهمة الأولي تساير مهام الإعلام على المستوى الدولي، والأخرى تستهدف واقع المجتمع نفسه.

وعلي هذا فإن الخطة الإعلامية النفسية لابد أن تتضمن هدفين إستراتيجيين من أجل بناء الثقة، وتأكيد الولاء والانتماء، والارتقاء بالحالة النفسية للشعب. كما تهتم بتحقيق التنمية الشاملة للمجتمع. والمعالجة الموضوعية للقضايا المجتمعية والقومية، تتمثل في هدفَين:

1. الهدف الأول: من أجل حشد الطاقات لتحقيق أهداف الخطة الإعلامية: من خلال التوعية المستمرة لمتطلبات التنمية ودور المواطنين حيالها، والإعلام المستمر عن جهود الدولة في هذا المجال، وحث الشعب على المشاركة فيها، إلى جانب التركيز على عرض الحقائق المتعلقة بالواقع التنموي، وفتح الحوارات المستمرة بين المسؤولين والجمهور المخاطب.

2. الهدف الثاني: من خلال المعالجة الموضوعية للقضايا المجتمعية والقومية، بما يحفز كل الطاقات للمساهمة في إيجاد الحلول الكفيلة بحل هذه القضايا، وذلك من خلال خلق الفرص الكافية لعرض الآراء ووجهات النظر، والتوعية المستمرة بحجم وخطورة القضايا والمشاكل التي تواجه المجتمع، ودور كل مواطن في التصدي لها، وإبراز وتشجيع الدور المهم الذي تقوم به الجمعيات الأهلية والنقابات بمختلف أنواعها، لمواجهة هذه المشاكل.

وتتعدد التوجهات والمهام الرئيسية للإعلام النفسي على المستوىين الإقليمي والمحلي كالآتي:

أ. التوجه نحو التغيير الاجتماعي: وهي تختص بالعديد من القضايا الاجتماعية، وتستهدف، إما التغيير المعرفي "Cognitive Change"، أو التغيير في الفعل "Change in Action" أو التغيير السلوكي "Behavioral Change"، أو التغيير في القيم "Change in values". وتعتمد هذه الحملات على الاستخدام المكثف لوسائل الاتصال الجماهيرية. وهناك مدرستان لتحديد أسباب نجاحها:

(1) المدرسة الأولي: تندرج تحت رؤية لازرزفيلد "Lazarsfeld"، ومرتون "Merton"، وتعتمد في أسباب نجاحها على الآتي:

(أ) الاحتكار "Monopolization": بمعني أن تحتكر الحملة الإعلامية في الجانب النفسي منها جميع وسائل الاتصال الجماهيرية، بحيث لايبث من خلال هذه الوسائل أو بعضها ما يتناقض مع أهداف الحملة.

(ب) السير في القناة نفسها "Canalization": بمعني اعتماد الحملة على قاعدة معلومات تتفق مع ميول الجماهير المستهدفة واتجاهاتها.

(ج) التكامل "Supplementation": بمعنى أن تتكامل رسائل الحملة التي تبث من خلال وسائل الاتصال، مع الاتصال الشخصي بالجماهير ومناقشتهم.

(2) المدرسة الثانية: تندرج تحت رؤية ويب" Wiebe"، وحدد من خلالها خمسة عوامل لنجاح الحملة الإعلامية في المجال النفسي، وهي:

(أ) القوة "Force": وتعني قوة وكثافة الحافز لدى الفرد نحو تحقيق الهدف نتيجة لميوله السابقة، وقبل استقبال أية رسائل جديدة.

(ب) التوجيه "Direction": بمعني إعطاء معلومات عن كيف وأين يمكن للجمهور المستهدف أن يستجيب لأهداف الحملة.

(ج) آليات العمل "Mechanism": بمعني ترجمة الحافز لدى الفرد إلى عمل حقيقي.

(د) الملائمة والانسجام "Adequacy and compatibility".

(هـ) المسافة "Distance": بمعني تقدير الفرد للجهد والتكاليف المطلوبين لتغيير الاتجاه أو السلوك، وعلاقة ذلك بالجزاء المتوقع.

وقد طبقت العديد من حملات التغيير الاجتماعي على مستوى العالم، مثل حملة بيع السندات الأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية، وحملة تغيير مرور السيارات في السويد في النصف الثاني من القرن العشرين؛ كذلك طبقت في مصر حملة استخدام حزام الأمان في السيارات، وحملة مكافحة مرض الجفاف، إلى جانب حملة تنظيم الأسرة، والحملات في مواجهة الإرهاب.

3. الهدف الثالث: من أجل حشد الرأي العام تجاه قضايا الوطن/ المنطقة: يعد حشد الرأي العام من أهم وظائف الإعلام النفسي على المستوى الإقليمي، وذلك من خلال تنمية الوعي السياسي ودعم الانتماء للوطن، وإعلام المواطن بكافة الأحداث على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، وانعكاسات هذه الأحداث على أمن الوطن والمواطن، إلى جانب تغطية الاحتفالات القومية والمناسبات الدينية. وتكمن أهمية الرأي العام في مدى اقتناع الشعوب بعدالة قضيتها، وثقتها في قيادتها، إذ من خلال تلك الثقة تلتف الشعوب حول قيادتها من أجل مجابهة الأخطار، ويشعر كل مواطن بالولاء والانتماء للوطن في وقت الشدة.

سابعاً: الإعلام النفسي في مواجهة الإرهاب

أصبح الإرهاب أحد صور الحروب الحديثة، التي يمكن أن تشنها أعداد قليلة من الأفراد أو الجماعات أو تنظيم معين ضد دولة أو عدة دول، وينتج عنها خسائر ضخمة، قد تتجاوز حجم الخسائر الناجمة عن حروب شرسة بين دول قد تطول مدتها الزمنية إلى أسابيع أو سنوات.

وعلي سبيل المثال، فإن حجم الخسائر التي تكبدتها الولايات المتحدة أثر أحداث 11 سبتمبر 2001، تزيد بنسبة الثلث عن الخسائر التي تكبدتها القوات الأمريكية في معركة "بيرل هاربر" الشهيرة.

إن الإرهاب "Terrorism"، بمعناه العام، هو اللجوء إلى العنف بقصد إخافة الجمهور عامة في منطقة أو دولة أو أكثر، وإجبار الهيئات أو السلطات أو الأحزاب أو الأشخاص ذوي الشأن في تأييد أو تنفيذ المطالب أو تحقيق الأغراض، التي من أجلها شُنت أعمال الإرهاب. ومن هنا فإن الجريمة الإرهابية– لكي تحدث أثراً نفسياً وإعلامياً تشعر به الجماهير، لابد أن يتحقق لها شرطان أساسيان:

الأول: أن تقع بصورة بشعة لإحداث أكبر تأثير على الجمهور، وينتج عنها ردود فعل عنيفة في المجتمع/ المجتمعات الموجه لها الإرهاب (وهو الشق النفسي في الجريمة الإرهابية).

الثاني: أن ينتشر مضمون الجريمة الإرهابية في أوسع نطاق ممكن، حتى تصل الرسالة في أن الإرهابيين جادون في تنفيذ تهديداتهم، ولابد من تحقيق مطالبهم (وهو ما يمثل الشق الإعلامي في توجهات الإرهابيين).

إن وسائل الإرهاب والإرهابيين تطورت كثيراً عن ذي قبل، وبما يحقق إتساع حجم الخسائر، ورجع الصدي الذي تحدثه الجريمة الإرهابية وفي الوقت نفسه أصبح للإرهاب تنظيماته المنتشرة عبر العالم؛ فمثلاً تنظيم القاعدة أصبحت له أقسامه: مثل تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، أو الشمال الإفريقي، أو شبه الجزيرة، وهكذا.

كذلك أصبح للإرهاب إستراتيجياته التي ينفذ من خلالها جرائمه. وعلى سبيل المثال فإن تنظيم القاعدة حدد إستراتيجيته في تدمير المصالح الأمريكية في المنطقة العربية، والتصدي للتعاون بين الولايات المتحدة والدول العربية، واستهداف الأنظمة العربية التي تتعاون مع إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي السياق نفسه، أصبح للإرهاب إعلامه المتنوع؛ فهو يحرصَ على امتلاك وسائل ذاتية، كما يحرصَ على استغلال الإعلام الوطني لمختلف الدول من خلال معرفته بمحاولات السبق للشبكات الإخبارية في الحصول على الخبر، أو بشاعة الحدث الإرهابي، والذي يجرى نقل آثاره على الهواء مباشرة؛ بمعني أن الإعلام أصبح وسيلة مكفولة للإرهاب لبث رسائله النفسية في أي وقت يشاء.

ونشير هنا إلى أن الغرب، حتى الآن، وعلى الرغم من جهود الرئيس أوباما في تحسين العلاقة الأمريكية مع الدول الإسلامية، يحاول لصق جرائم الإرهاب بمعتقدات الدين الإسلامي، وأن معظم الإرهابيين من المسلمين، والحقيقة تحالف ذلك، لأن الإرهاب أصبح ظاهرة دولية تشارك فيها عصابات تعتنق كل الأديان أو بلا دين أصلاً.

علماً بأن الإرهاب لايقتصر على جرائم الأفراد، ذلك أن إرهاب الدولة يتخطي في أساليبه وجرائمه تلك الجرائم، وعلينا أن نحلل الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في حق الفلسطينيين، والجرائم التي ارتكبتها قوات حلف شمال الأطلسي في حق الأفغان والعراقيين، كذلك التنظيمات الإرهابية المنتشرة في الغرب من جنسيات أوروبية أو أمريكية.

وعلي ذلك، فإن الإعلام النفسي تتعدد مهامه في التصدي لعدة ظواهر في آن واحد، وهي الإرهاب بمفهومه العام إلى جانب الإعلام النفسي الغربي، الذي يركز على اتهام الإسلام بالإرهاب، مع التصدي لإرهاب الدولة بكل أنماطه وسلوكه، خاصة الذي يوجه لدول عربية.

1. أهداف الإرهابيين الإعلامية والنفسية

أ. الإعلان عن قضيتهم وأهدافهم (يتسم هذا الإعلان عادة بالخداع، وتلوينه بصورة تؤثر نفسياً على الجمهور المتلقي).

ب. تشويه صورة المؤسسة التي يعمل ضدها الإرهاب (وذلك من خلال نشر أكاذيب في صورة حقائق دعتهم إلى ارتكاب جريمتهم، وهو ما يمثل قمة الحرب النفسية).

ج. إشاعة الخوف في قلوب الجماهير (من خلال الإعلان عن تكرار مثل هذه الأعمال الإرهابية، فيما لو إستمرت المؤسسة/ السلطة في البقاء أو تنفيذ إجراءاتها المضادة للإرهابيين).

2. وسائل الإعلام التي يبث الإرهابيين رسائلهم من خلالها، تنقسم إلى قسمين رئيسيين:

أ. الأول: استخدام شبكات خاصة بهم، من خلال التوسع في استخدام الانترنت أو محطات البث الإذاعي باستخدام أجهزة لاسلكي عالية القدرة، أو عن طريق الصحافة الإلكترونية، أو بث رسائل عبر الهاتف المحمول.

ب. الثاني: استخدام القنوات الرسمية والفضائية في نشر رسائلهم من خلال الجرائم التي يرتكبونها، وتتسارع وسائل الإعلام على تغطيتها إعلامياً. ويستفيد الإرهابيون من تلك التغطية في التأثير النفسي على الجمهور المتلقي، إلى جانب الرسائل الدورية التي يرسلها قادة الإرهاب إلى بعض القنوات الفضائية، وهي تبثها بوصفها سبقاً إعلامياً، مثل رسائل قادة تنظيم القاعدة.

ومن خلال التعرف على أسباب ووسائل الإرهاب، يمكن استنباط دور الإعلام والعمليات النفسية والتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة.. ويأتي في مقدمة هذا الدور الإجراءات الآتية:

1. تصدي الإعلام النفسي للأسباب التي قد تؤدي إلى نشوء ظاهرة الإرهاب، أو البيئة التي يمكن من خلالها توجه الشباب إلى الاندماج في منظمة إرهابية، أو إمكانية تجنيده لهذا الغرض.

والبيئة، عموماً، ترتبط بالمؤثرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ومن ثم فإن الإعلام لا بد أن يكون له الدور الأساسي في تثقيف وطرح آراء الجماهير، والإعلان عن المناطق التي تحتاج إلى تنمية اقتصادية، والتعرض لمشاكل المجتمع، من البطالة والفقر وانتشار الأوبئة أو تلوث البيئة وخلافه. وهذه هي العناصر التي يمكن أن يستغلها قادة الإرهاب في تجنيد الشباب المحيط في تلك المناطق، إلى جانب أن العمليات النفسية يكون لها دور رئيسي في إجراء استطلاعات الرأي، وتجميع الأفكار الناشئة في تلك البيئة، ووضع الخطط للتصدي لها، سواء من خلال الإعلام، أو من خلال أجهزة الدولة.

2. تنظيم خطة إعلامية نفسية مكثفة للتصدي لظاهرة الإرهاب، تشارك فيها نخبة من المثقفين والسياسيين وعلماء الدين، وتعتمد على أسلوب المناقشة والتلاحم مع الجماهير وتشمل الآتي:

أ. التوعية الدينية والتصدي للأفكار الأصولية التي يعتمد عليها الإرهابيون، ويفسرون الإسلام بمفهومهم الضيق، أو بما يتلاءم مع توجهاتهم الإرهابية، إلى جانب شرح أصول الدين، والتعبير عن سماحته، ومناقشة الإرهابيين المقبوض عليهم أو مناقشة الشباب المتطرف، وكشف أهدافه وتوجيهه إلى اعتناق الدين الصحيح، والعودة إلى الطريق القويم بعيداً عن التطرف.

ب. التوعية السياسية للجماهير من أجل التعاون والتنسيق مع الجهات الأمنية، ومؤسسات الدولة، وبما يحقق التصدي لظاهرة الإرهاب.

ج. التوعية الاجتماعية للأسر، والتي تهدف إلى اكتشاف ميول أو توجه أبنائهم إلى المشاركة في المنظمات التي تعتنق أفكاراً هدامة، والأسلوب الصحيح لإقناعهم وإبعادهم عن هذا الطريق.

د. التعمد إلى تشويه صورة الإرهابيين وأهدافهم، وبما يؤدي إلى فجوة عميقة بين الشعب وهؤلاء الإرهابيين، ويساعد على وقوف الجماهير في وجه الإرهاب.

3. الامتناع عن مساعدة الإرهابيين في نشر رسائلهم من خلال الإعلام القومي، أو الإعلان عن أهدافهم من خلال البيانات التي يصدرونها بعد الحادث الإرهابي؛ بل يوجه الإعلام إلى إبراز الحدث كجريمة منظمة اقترفها مجرمون وسافكو دماء.

ثامناً: نماذج من الحملات الناجحة في الإعلام النفسي للتصدي للإرهاب

يمكن استنباط الدروس المستفادة من حملتين في هذا المجال, أحدهما في مصر والآخر في المملكة العربية السعودية:

1. في مصر: أديرت حملة إعلامية نفسية في أعقاب حادث الأقصر عام 1997, والذي راح ضحيته عشرات من السياح الأجانب. وشاركت في الحملة كل مؤسسات الدولة السياسية والأمنية والدينية والاجتماعية. وقد نجحت هذه الحملة تماما في تقليص حجم جرائم الإرهاب وعودة الشباب المنضم لجماعات إرهابية إلى رشدهم, بل وتوبة أعداد كبيرة من الإرهابيين، وذلك من خلال الآتي:

أ. حملة إعلامية نفسية ضخمة تكشف أهداف الإرهاب, وتصور الإرهابيين بأعداء للمجتمع وتوجه النصائح للشعب بالأساليب الصحيحة للإبلاغ عن المشتبه فيهم, وأساليب مقاومة الإرهاب والتصدي للإرهابيين عند المواجهة.

ب. حملة توعية دينية وثقافية لشرح صحيح الدين, ومكانة مرتكب الجرائم الإرهابية في الدين الحنيف، واستعراض لكل مظاهر سماحة الدين والبعد عن التشدد.

ج. الاتصال المباشر بأسر المشتبه في انضمامهم لمنظمات إرهابية، وحل مشاكلهم، وتشجعيهم على نصيحة أبنائهم بالبعد عن تلك المنظمات.

د. اقتحام أوكار الإرهابيين أو الأفراد الذين لديهم استعداد في الانضمام لمنظمات إرهابية وتعريفهم بصحيح الدين، وبوضعه في المجتمع، ونظرة المجتمع إليه، إلى جانب حل مشاكلهم، وتشجعيهم على الاندماج في المجتمع. وقد شملت تلك الحملة، السجون ، وأماكن حجز الأفراد المنتظرين لعرضهم على القضاء، إلى جانب المساجد التي يتجمع فيها الشباب المقبل على الانضمام، وغير ذلك.

هـ. تنظيم خطط اقتصادية واجتماعيه لاحتواء المناطق الفقيرة التي تعد مجالاً لبناء الشباب المحبط الذي قد ينضم إلى منظمات إرهابية، ومنها إزالة أو تطوير العشوائيات وإمدادها باحتياجاتها من الماء والكهرباء، وغير ذلك.

و. الضرب بشدة تجاه أي محاولات لبناء تنظيمات إرهابية، أو القيام بأي أعمال إرهابية.

2. في المملكة العربية السعودية: عندما تصاعدت أحداث الإرهاب الموجهة من الخارج، جاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عام 2007، بالعفو عن الأفراد المنضمين لتنظيمات إرهابية، محدداً مهلة زمنية قبل القيام بحملة ضد تلك التنظيمات. وقد نجحت هذه الحملة تماماً.

ومن كل ما سبق، فإن مهام الإعلام النفسي تجاه العمليات الإرهابية أو التنظيمات الإرهابية، قد تعادل المهام في إدارة الصراع العسكري، بل تزيد عنها، ذلك أن الصراع العسكري محدد بهدف ومدى زمني، بينما الإرهاب ليس له وطن أو زمن محدد.