إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / القيادة Leadership





نموذج تاننباوم وشميدت المعدل
نموذج ليكرت
الشبكة الإدارية لبليك وموتون
أنماط القيادة في الشبكة
الشبكة الإدارية لريدن
أنماط القيادة في شبكة ريدن
نموذج برنارد باس
مقارنة الإنتاجية




الاستعداد القتالي وطائرة الكرملين

المبحث الثالث

الأنماط القيادية

لما كانت القيادة تقوم في جوهرها على التأثير، الذي يمارسه القائد في مرؤوسيه ـ على نحو ما بينا في تعريف القيادة ـ فإن اختلاف وسائل التأثير، التي  يستخدمها القائد لتوجيه مرؤوسيه، تعكس تبايناً في أساليب القيادة وأنماطها.

1. ويمكن تقسيم أنواع القيادات، من وجهات نظر متعددة:

أ. فمن وجهة نظر الدوافع تقسم القيادات إلى: قيادات إيجابية Positive، وقيادات سلبية Negative:

(1) فالقائد الإيجابي: يدفع مجموعته إلى العمل، وزيادة كفاءتهم عن طريق إثارة حوافزهم الذاتية، واقتناعهم بالهدف، وكسب تعاونهم.

(2) والقائد السلبي: يدفع أفراد مجموعته إلى العمل، باستعمال العنف والشّدة، واستخدام الحوافز القائمة على الخوف والتهديد.

فالقائد الإيجابي ـ إذن ـ يحقق أهداف التنظيم، وفي الوقت ذاته يحقق الرضاء للعاملين، بينما القائد السّلبي، قد يفشل أو ينجح، في تحقيق الأهداف، ولكنه ينجح دائماً في نشر الاستياء، والقلق بين معاونيه.

ب. ومن وجهة نظر مصدر السلطة تقسم القيادات إلى "قيادات رسمية"، و"قيادات غير رسمية":

(1) فالقيادة الرسمية Formal Leadership: هي القيادة التي  تستمد سلطاتها من التنظيم الرسمي، حيث تكون سلطة القائد نابعة من مركزه الرسمي.

(2) أما القيادة غير الرسمية Informal Leadership: فيقصد بها ذلك النوع من القيادة، الذي يظهر أصلاً بواسطة الأشخاص، الذين ينتمون إلى جماعات التنظيم الاجتماعي غير الرسمي، حيث تكون سلطة القائد فيها نابعة من سمات أو خصائص شخصية، أو فنية معينة، تجعل من آرائه واقتراحاته قوة إلزامية لدى تابعيه، وتكون سلطته غير رسمية، لأن قوة شخصية القائد، هنا، لا تدعمها السلطة الرسمية.

ج. ومن وجهة نظر مركزية السلطة، يمكن تقسيم القيادات إلى:

(1) قيادات مركزية: تعتمد على تركيز السلطة في يدها، والمركزية في اتخاذ القرارات.

(2) وقيادات لامركزية: تعتمد على تفويض السلطة للمرؤوسين، لاتخاذ الكثير من القرارات، مع الحفاظ بالرقابة على الموضوعات، المهمة والضرورية.

2. وعلى الرغم من تعدد التقسيمات، لأساليب القيادة وأنماطها[1]، وبعد استعراض نظريات القيادة المختلفة، التي وضح منها عناصر فعالية القيادة ونجاحها، التي تعتمد على سلوك القائد، ومدى استطاعته على الربط والتكامل، بين مصالح الأفراد، ومصالح المنظمة في تحقيق الأهداف المرسومة، وبناء على ما تقدم، فإن الدراسات تقسم القيادات إلى ثلاثة أنماط "نماذج" هي:

أ. القيادة الأوتوقراطية، أو "التحكمية" Autocratic Leadership

هي القيادة التي  تتركز حول القائد.

ب. القيادة الديموقراطية، أو "المشاركة" Democratic Leadership

وهي القيادة التي  تتركز حول الجماعة.

ج. القيادة الحرة، أو "الفوضوية" Laissez - Faire Leadership

وهي القيادة التي  تتركز حول الفرد.

أولاً: "القيادة الأوتوقراطية"[2] و"القيادة الديموقراطية"[3]

تصدى كثير من الباحثين لدراسة أنماط القيادة، وإن كان معظم هذه الدراسات مشتقاً من افتراضات متصلة بالسلوك الإنساني لنظريتى (X)، و(Y). أو المدخل "التكنيكي" للعمل (حركة الإدارة العلمية) التي بدأها تايلور Taylor[4]، والمدخل السلوكي، المتصل بالعلاقات والدوافع الإنسانية، التي بدأها مايو Mayo[5].

إن معظم الذين بحثوا في أنماط القيادة، اتفقت آراؤهم، على وجود نوعين أساسيين من القادة: قادة تركز على طريقة العمل، أكثر من تركيزها على العلاقات الإنسانية. وقادة تركز على العلاقات الإنسانية، أكثر من تركيزها على طريقة العمل. ومعنى ذلك أن القائد يستطيع أن يؤثر في تابعيه بإحدى طريقتين:

1. يستطيع القائد أن يخبر تابعيه، بما يجب عمله، وكيف يقومون به. 

2. يستطيع القائد أن يقتسم مسؤوليته القيادية مع تابعيه، بأن يشركهم في عملية تخطيط العمل، وتنفيذه، ومتابعته.

فالقائد الأول:  هو القائد التقليدي ذو النمط الديكتاتوري Authoritarian Style، الذي يركّز على العمل. ويهتم بتنظيم الأفراد والأدوات، والآلات، في علاقات إنتاجية مادية، تحقق أعلى معدل من الإنتاج، بصرف النظر عن مدى رضاء العاملين، أو إشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية. وفي إطار هذا المفهوم، فإن القوى البشرية، ينظر إليها كسلعة تتحكم فيها الإدارة، عن طريق الأوامر والتعليمات، ووسائل الإلزام الضرورية.

والقائد الثاني:  هو القائد ذو النمط الديموقراطي Democratic style، الذي يركز على العلاقات الإنسانية. وهو ينكر فكرة معاملة البشر على أساس مادي تنظيمي بحت، ويعترف بحاجات الفرد الاجتماعية والنفسية، والأحاسيس والمشاعر، التي تنمو داخل الجماعة، وبأثر القيم والأنماط الحضارية على سلوك أفرادها. وهذا الاتجاه يركّز على مدخل العلاقات الإنسانية في الإدارة، ويؤمن بأنه من خلال هذا المدخل، يمكن تحقيق إنتاجية أوفر، بدرجة أعلى من الرضا والتقبل.

إن الاختلاف في نمط سلوك كل منهما، مستمد من نظرة كل منهما إلى مصدر قوته، أو سلطته. فسلوك القائد ذي النمط الديكتاتوري، مستمد من الافتراض بأن سلطته، مستمدة من منصبه الرسمي، وأن الإنسان بطبيعته كسول، ولا يمكن الاعتماد عليه (نظرية X)، بينما سلوك القائد ذي النمط الديموقراطي، مستمد من الافتراض، بأن سلطته مستمدة من المجموعة التي  يقودها، وأن الإنسان محب للعمل، وسيوجه نفسه ذاتياً، إذا تم تحفيزه بشكل ملائم (نظرية Y). وطبيعي أن هناك عدة أنماط بين هذا وذاك.

1. القيادة الأوتوقراطية Autocratic Leadership

أ. يعتبر هذا النمط تطبيقاً لمفهوم نظرية (X)، التي تقوم على مجموعة من الفروض، توضح فيما يلي:

(1) الفرد لديه احتياجات يمكن الوفاء بها عن طريق الدخل، ولا داعي لمشاركته في اتخاذ القرارات.

(2) الإنسان العادي كسول بطبعه، ويكره عمله ويعتبره عبء ثقيل، ويحاول تجنبه بقدر المستطاع.

(3) التلويح بالعقاب يدفع الفرد إلى الأداء.

(4) الفرد العادي يفضل أن يقاد، ويتجنب المسؤولية، ويتميز بقدر محدود من الطموح، ويتطلع إلى مزيد من الضمانات، ومن ثم لا يمكن تحفيزه، من خلال مضمون العمل ذاته.

(5) دفع الفرد لرفع مستوى الأداء، يجب أن يأتي من القائد، طالما أنه لا يرغب في العمل.

(6) يجب أن يرغم الفرد على العمل، ويراقب بشدة.

(7) يتميز هذا الأسلوب بالسرعة في اتخاذ القرارات.

(8) يعتبر أسلوب سهل بالنسبة للمديرين، فلا حاجة بهم إلى تحليل نفسية ومقدرة مرؤوسيهم، أو قدراتهم.

ب. وتعتمد القيادة الأتوقراطية طبقاً لهذا المفهوم، على الحوافز السلبية، مثل التهديد والعقاب في تحريك المرؤوسين نحو العمل. وعموماً يتميز القائد بالخصائص التالية:

(1) يستمد قوته من السلطة الرسمية الممنوحة له، بحكم مركزه في التنظيم الإداري.

(2) يتخذ القرارات وحدة، ويصدر أوامره لمرؤوسيه ويطلب منهم تنفيذها دون مناقشة أو مراجعة.

(3) يحدد السياسات والأهداف، من دون استشارة معاونيه.

(4) يوجه معاونيه بالطريقة، التي  يجب أن يعملوا بها، طبقاً لمفهومه ورؤيته لأسلوب الأداء.

(5) يعزو المنجزات لنفسه حينما تظهر نتائج إيجابية لقراراته، بغض النظر عن الأشخاص المنفذين، وإذا تمخض عن هذه القرارات نتائج سلبية، فإن اللوم يقع على مرؤوسيه، الذين قد يوصفون بالإهمال والتهاون.

(6) لا يقدم المعلومات لمرؤوسيه، عن خططه المستقبلية.

(7) ينعزل عن الجماعة معظم الوقت، ولا يهتم بالجوانب الإنسانية للعاملين.

(8) يركز اهتمامه على الإنتاج بالدرجة الأولى، ويتمسك بحرفية اللوائح والقوانين وأنظمة العمل.

(9) يكافئ أو يعاقب مرؤوسيه طبقاً لمبادئه، ويركز بصفة رئيسية على الحوافز السلبية. 

ج. وعلى الرغم من أن هذا النمط قد يكون مفيداً، في بعض الأعمال الروتينية، أو لتحقيق أهداف قصيرة المدى، أو عندما تكون ثقافة المرؤوسين محدودة، أو أنهم يفضلون هذا النوع من القيادة لعدم قدرتهم الشخصية على تصريف الأمور بأنفسهم، ومن ثم يكون اعتمادهم على تلقي الأوامر من الآخرين، إلاّ أنه يترتب عليه عدة نتائج سلبية، مثل سلبية المرؤوسين، واعتمادهم على القائد بدرجة كبيرة، وقصر بصيرتهم وافتقارهم لملكة الإبداع والابتكار والتطوير، والتنافس بين المرؤوسين لمصلحة القائد، وانخفاض الروح المعنوية بصفة عامة. كما أن هذا النمط لا يساعد في تنمية المهارات الإدارية للعاملين، مما لا يتكون معه الصف الثاني، لطبقة الإدارة الحالية. وقد يسبب حزازات وعداوات وانقسامات داخل الإدارة، أو المنظمة ككل.

د. ويتفرع من هذا النمط، نموذجان للقادة، أحدهما يمثل القيادة المستبدة أو التحكمية، والآخر القيادة الخيرة أو الأبوية:

(1) القائد المستبد الجائر

(أ) ينظر هذا القائد لمرؤوسيه، على أنهم كسالى وغير ناجحين في العمل، ولا يرغبون في تحمل المسؤولية، وتحفيزهم يستلزم قبضة شديدة عليهم.

(ب) يصدر هذا القائد أوامره، ويتوقع تنفيذها من دون أي سؤال، وبالطريقة التي  يحددها. ويرتكز على السلطة في تعامله مع مرؤوسيه، ولا يسمح بتفويضها، ولا يترك لهم حرية التصرف أثناء العمل، ويعتمد على أسلوب التهديد والعقاب، لحثهم على العمل.

(ج) يحقق القائد، طبقاً لهذا النموذج، نتائج طيبة في المدى القصير، وفي الأعمال الروتينية. ولكن هذا النمط قد يعجز عن تحقيق نتائج إيجابية، في حالة المواقع التي  تستخدم عدداً كبيراً من الأخصائيين، مثل أقسام البحوث والتخطيط والمعلومات. كما أنه لا يتلاءم مع الأهداف الطويلة المدى، لما يحققه من نتائج سلبية، مثل القلق والخوف وعدم الاستقرار للعاملين، والتبعية المطلقة، وقصور مهارتهم الإدارية، لعدم ممارستهم الحرية في التصرف أثناء التنفيذ، كما ترتبط به حالة من الروح المعنوية المنخفضة.

(2) القائد المستبد الخير

(أ) يدير هذا القائد الجماعة بمفهوم رب الأسرة، الذي يعتمد أعضاؤها عليه كلية، وعادة ما يركز السلطة في يده، ولا يسمح بمشاركة المرؤوسين في اتخاذ القرارات، أو استشارتهم قبل إصدارها. ولكن بطريقة ما، يحاول إخبارهم وإقناعهم بقبول الأوامر الصادرة.

(ب) يعتمد القائد المستبد الخير، على أسلوب المساومة الضمنية مع مرؤوسيه، بمعنى إذا تم تنفيذ الأوامر الصادرة بالطريقة المحددة، يمكن إثابتهم على ذلك، وإذا لم ينفذوها تعرضوا للمسائلة والعقاب. ولعل هذا الأسلوب مثل ما يتبعه الأب مع أبنائه، لحثهم على إنجاز الأهداف، التي يرجو تحقيقها، أو التزامهم بالسلوك، الذي يرغب أن يتسموا به.

(ج) ويستخدم القائد أساليبه الخاصة، في التعرف على النشاط المضاد لقراراته، وأوامره، من بعض مرؤوسيه، ويعمل على استيعابهم، أو تقليل حدة مقاومتهم إلى أقل حد ممكن.

(د) ويعد هذا النموذج امتداداً طبيعياً للنموذج السابق، ولكنه أقل اعتماداً على أسلوب التهديد والعقاب المباشر، وهناك درجة من الثقة المحدودة، بين القائد ومرؤوسيه، وعادة ما يحقق نتائج أفضل من القائد المستبد الجائر، خصوصاً على المدى الطويل.

2. القيادة الديموقراطية Democratic Leadership

أ. على عكس القيادة التحكمية، يأتي في الجانب الآخر القيادة الديمقراطية، وبمقتضى هذا النموذج القيادي، فإن المدير يعطي أهمية كبيرة لمرؤوسيه، ويعتمد في قيادته على الإقناع والتأثير الشخصي، لا على الترهيب والتهديد، ويؤسس هذا النمط على مفهوم نظرية (Y)، وتتمثل فروضها الرئيسية فيما يلي:

(1) ينظر الفرد للعمل كشيء طبيعي، مثل اللعب والراحة، وهو لا يكره العمل بطبيعته.

(2) ارتباط الفرد بأهداف العمل، ووجود الرقابة والإشراف الذاتي، يؤدي إلى فاعلية أدائه.

(3) يعمل الفرد العادي تحت الظروف المناسبة، ولا يتقبل المسؤولية فقط، بل يسعى إلى تحملها.

(4) يستخدم الفرد العادي جزءاً محدوداً من طاقته الذهنية، كما أن ملكة التخيل والابتكار، موزعة على عدد كبير من الأفراد، وليس عدداً محدوداً منهم.

(5) تعد الحاجات النفسية، أكثر الحاجات أهمية للفرد، كما أنها أقل إشباعاً، ولذلك تزداد فرص التحفيز الإيجابية عن طريق العمل.

(6) يمكن إشباع الحاجات النفسية، عن طريق خلق ارتباط بين الفرد وعمله، بمنحه مزيداً من حرية التصرف. 

ب. وطبقاً لهذا المفهوم، ترتكز القيادة الديموقراطية على فكرة الحوافز الإيجابية، وتتميز بالآتي:

(1) يُعد القائد الأهداف والسياسات، بعد مشاركة الجماعة.

(2) يصدر القائد أوامره، بناء على مشورة مرؤوسيه.

(3) يشارك الجماعة في العمل، كعضو فيها.

(4) يوضح للجماعة خطط العمل المستقبلية.

(5) يشجع المرؤوسين على الاشتراك، في اتخاذ القرارات.

(6) يكون واضحاً بالنسبة للثواب والعقاب، ويعتمد على الحوافز الإيجابية بصفة رئيسية، لتحريك المرؤوسين نحو الهدف المشترك.

(7) مهمته تنسيقية وتنظيمية، أكثر منها توجيهية أو رقابية.

(8) يشجع مرؤوسيه على الابتكار والتطوير، ويعمل على تنمية مهاراتهم الإدارية وتحسين مستوى أدائهم.

(9) يهتم بالعامل الإنساني، ويركز على مشكلات الجماعة ومصالحها، ويعمل على إشباع حاجاتها.

ج. إن القيادة الديموقراطية تلجأ إلى الأساليب، التي  تحقق تعاون المرؤوسين، وكسب ودهم وتعاونهم. فهي ـ مثلاً ـ تعمل على تحقيق الفهم المتبادل، بينها وبين من يعملون معها، وتشرك المرؤوسين في المناقشات، التي  تستهدف اتخاذ قرار معين، وبذلك يستشعر المرؤوسون أن القرار قرارهم. وفي ضوء هذه الحقيقة، يكونون أكثر إيماناً بأهداف القرار، وأكثر حماساً في العمل من أجل تنفيذه. كما وأن القائد الديموقراطي، يكون أكثر شعوراً باحتياجات الذين يعملون معه. ومن أجل ذلك تكون هذه الاحتياجات، موضع اعتباره في تصريف الأمور.

وعلى الرغم من أن هذا النمط يساعد في تشجيع المرؤوسين على المبادرة والابتكار، وتنمية مهاراتهم، ورفع روحهم المعنوية، إلا أنه قد يفشل في بعض المواقع التنظيمية، التي  ترتبط بأهداف قصيرة ومحددة.

د. ويتفرع من هذا النمط نموذجان للقيادة، يتدرجان من ناحية درجة الالتزام بالفروض السابقة، وهما القيادة الديموقراطية الاستشارية، والقيادة المشاركة.

(1) القائد التشاوري

(أ) يعرض هذا القائد المشكلة التي  تحتاج إلى قرار على مرؤوسيه، ويتم ذلك من خلال عرض الجوانب المختلفة المتعلقة بها، والعوامل المؤثرة والمحددة لها، ثم يترك لمرؤوسيه حرية المناقشة، وتقديم مقترحاتهم المرتبطة بالحلول المناسبة، وبعد هذه المرحلة، يدرس هذه المقترحات، ويتخذ القرار المناسب في ضوئها.

(ب) وينظر القائد التشاوري لمرؤوسيه، نظرة كلها ثقة واحترام لقدراتهم الشخصية، ويشجعهم على البحث والدراسة وتقديم المقترحات. وهو، عادة، يركز على مفهوم العلاقات الإنسانية، ويعمل على تدعيم العلاقة الطيبة معهم.

(ج) ويساعد هذا النموذج، في تحقيق نتائج طيبة في الأجل الطويل، وينمي قدرات المرؤوسين القيادية، ويسهم في رفع روحهم المعنوية، وتنمية روح التعاون والتضامن بين أعضاء المجموعة. ولكنه قد يفشل في حالة الثقافة المحدودة للعاملين، أو الأعمال، التي  تتطلب إشرافاً دقيقاً، لأجل سرعة التنفيذ، أو في حالة الأهداف القصيرة، التي لا وقت للمناقشة لإنجازها.

(2) القائد المشارك

يسمح هذا القائد، لمرؤوسيه بالاشتراك المباشر في اتخاذ القرارات، وتحديد أسلوب أدائها، للعمل المطلوب إنجازه وطريقة الأداء. إن دور القائد في هذه الحالة، يقتصر على تعريف مرؤوسيه بالمشكلة وعناصرها، ثم يترك لهم حرية المناقشة، ويتم أخذ القرار بناء على رأي الأغلبية.

وقد تناولت عديدٌ من الدراسات التطبيقية، هذه النماذج الأربعة، لتحديد درجة وجودها في الواقع الفعلي، وتحديد أفضلها، من وجهة نظر المديرين ورجال الأعمال. وقد أجريت دراسة على الشركات العالمية في بريطانيا، تبين منها أن القائد التشاوري، يمثل القائد المفضل بصفة عامة لديهم.

ثانياً: القيادة الحرة[6]

1. يرجع استخدام أسلوب القيادة الحرة Laissez - Faire Leadeship، إلى الفترة التي ساد فيها المنهج الحر Free  rein approach[7]، أسلوباً لتوجيه جهود الأفراد ونشاطاتهم، إلاّ أن استخدام هذا الأسلوب، لم يصل إلى الحد، الذي يجعل منه منهجاً ثابتاً.

وتعني القيادة الحرة، أن يترك القائد للمرؤوسين حرية تصريف الأمور. أو بمعنى أوضح، يكون للمرؤوسين الحق في أداء الأعمال، وفقاً للأسلوب الذي يرونه أفضل، من وجهة نظرهم.

2. ويتفق معظم كتاب الإدارة، على أن أسلوب القيادة الحرة، يشترك مع الأسلوبين الآخرين للقيادة ـ الأوتوقراطي والديموقراطي ـ في أنه يستهدف توجيه مجهودات الأفراد العاملين في ظله، من خلال التأثير في سلوكهم. ولكن مع الاختلاف بين هذا الأسلوب والأسلوبين الآخرين، في درجة هذا التأثير ووسائله. كما يتفقون على أن كل أسلـوب، من الأساليب القيادية الثلاثة، يركز اهتمامه على عنصر معين؛ ففي حين تركز القيادة الأوتوقراطية اهتمامها على العمل، وتركز القيادة الديموقراطية اهتماماً أكبر علـى المرؤوسين، فإن القيادة الحرة، تركز اهتمامها على الفرد في أداء العمل Individual centered free – rein.

إلاّ أن هناك من يرى أن هذا النوع، نموذج مفرط للقيادة الديمقراطية. فالقائد أو المدير هنا، يحيل أي مشكلة أو موضوع، أو مشروع إلى مرؤوسيه لدراسته، ويدع لهم اتخاذ القرارات اللازمة المناسبة للموقف. وفي هذا النمط يفقد المدير كل مقومات القيادة الفعّالة نظراً لتخليه عن المسؤولية في اتخاذ القرارات.

3. وإذا كان القائد، الذي يتبع أسلوب القيادة الحرة، يقوم بنشاط لأداء المهام القيادية المنوطة به، إلاّ أن نوع النشاط الذي يمارسه، وطريقة أدائه ـ لا حجمه ـ هي التي  تميز نشاطاته عن النشاطات، التي  يمارسها القائدان الأوتواقرطي والديموقراطي.

ومن أهم الخصائص المميزة لأسلوب القيادة الحرة، التي كشفت عنها الدراسات التطبيقية الآتي:

أ. اتجاه القائد إلى إعطاء أكبر قدر من الحرية لمرؤوسيه، لممارسة نشاطاتهم، وإصدار القرارات، وإتباع الإجراءات، التي  يرونها ملائمة لإنجاز العمل.

ب. إعطاء الحرية للمرؤوسين، لتحديد أهدافهم في نطاق الأهداف العامة للتنظيم، والوسائل لتحقيقها.

ج. تفويض السلطة لمرؤوسيه، على أوسع نطاق، وميله إلى إسناد الواجبات إليهم، بطريقة عامة وغير محددة.

د. يرى القائد أن دوره هو تسهيل أعمال المرؤوسين، وذلك بإمدادهم بالمعلومات، والعمل كمركز ارتباط مع المحيط الخارجي للمنظمة.

هـ. إتباع القائد سياسة الباب المفتوح، في اتصال المرؤوسين به، ولا يعني هذا استعداده للاستماع إلى مشاكلهم وتفهمها وعلاجها، وإنما إعطاء التوجيهات والتعليمات العامة بشأنها، تاركاً لمرؤوسيه حرية التصرف حيالها، على ضوء تجربتهم في العمل. 

4. إن دور القيادة في هذا النمط، دور سلبي، يصل إلى أدنى درجة من الاهتمام، في أنشطة التنظيم الذي تقوده، في حين يبلغ دور المرؤوس أقصى درجة من الحرية، في مباشرته لعمله. ولذلك تبدو المجموعة العاملة، في ظل هذه القيادة، وكأنها تتجاهل وجود القائد تقريباً، بالطريقة نفسها التي تتجاهل فيها القيادة الأوتوقراطية، المجموعة العاملة في ظلها.

5. وقد يظن بعض الناس أن لهذا الأسلوب أثرا طيباً في نفوس المرؤوسين، حيث تكون لهم حرية العمل، غير أن الدراسات العملية أثبتت غير ذلك. فقد أجرى "ليفن، وليبيت، وهوايت Levin & Lippit & White، بإجراء دراسة تجريبية، توضح أثر المناخ الاجتماعي على السلوك العدوانيPatterns of Aggressive Behavior in Experimentally Created Social Climates.

وكشفت الدراسة عن عظم النزعة العدوانية، في التنظيمات التي  تأخذ بالأسلوب الفوضوي. وسبب ذلك، أن الأفراد يشعرون بأنهم محرومون، مما يطمحون إليه من الشعور بالأمن.

والانتقادات الموجهة لأسلوب القيادة الحرة، تدور في مجملها حول ضعف إشراف القائد وتوجيهه، مما يترتب عليه نتائج سيئة، تنعكس على العمل. وقد أثبت التطبيق العملي لهذا الأسلوب، أن عدم ضبط نشاطات العاملين في ظله، وإطلاق العنان لهم في أداء العمل، وفي إصدار القرارات، يؤدي إلى الفوضى، وإلى إصدار قرارات خاطئة، في أغلب الأحيان.

6. وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة لأسلوب القيادة الحرة، فقد ثبت، أيضاً، أن مثل هذا الأسلوب له وجود في الواقع العملي. وأنه يترتب عليه نتائج مرضية، إذا ما توفرت بعض العوامل والشروط، التي  تساعد على نجاحه، ومن أهم هذه العوامل ما يلي:

أ. عندما يجعل القائد الدافع لمرؤوسيه على أداء العمل، منحهم الحرية في ممارسة هذا العمل، من خلال ثقته بقدرتهم على أدائه، فيستجيبون لهذه الثقة، ببذل أقصى جهدهم لإثبات حُسن ثقة قائدهم بهم.

ب. عندما يكون العاملون في ظل القيادة الحرة، على مستوى عال من الثقافة. ذلك أن تفويض القائد سلطاته، على نطاق واسع، وإصداره التعليمات العامة، يحتاج إلى كفاءات عالية، تكون قادرة على استيعاب الواجبات المفوضة، وفهم القصد من التعليمات.

ج. عندما يُحسن القائد، ويُحسن مرؤوسوه استخدام التفويض، فاستخدام التفويض على نطاق واسع يتطلب من القائد، أن يُحسن اختيار من يفوضهم السلطة من مرؤوسيه.

د. عندما تكون الظروف أو المواقف ملائمة لتطبيقه. فمثل هذا الأسلوب القيادي، يمكن أن يكون صالحاً لبعض أوجه النشاط، كالمؤسسات العلمية، ومراكز البحث العلمي؛ حيث يكون العاملون غالباً من العلماء، الذين يُفترض أن تُترك لهم حرية البحث، وإجراء التجارب.

ثالثاً: نمط المدير الضابط، ونمط المدير المدني

1. الأشخاص الذين ينخرطون في الحياة العسكرية، ويعيشون مناخها، ويكتسبون سماتها، ويتشبعون بمبادئها، ويقتنعون بما تغرسه في وجدانهم وعقولهم من انضباط وجدية، والتزام، ونظام، وإصرار، وعزيمة لا تعرف المستحيل، بحيث ينعكس ذلك على أسلوبهم وسلوكهم في تأدية مهام عملهم، مثل هؤلاء العسكريون يصعب عليهم التخلص من هذه المبادئ والسمات، حتى لو ابتعدوا عن الخدمة العسكرية.

2. إن المدير ذا الخلفية العسكرية، يحمل معه إلى الوظيفة المدنية، المفاهيم الأساسية في النظام والأسلوب العسكري، التي  يمكن تلخيصها فيما يلي:

أ. إطاعة الأوامر. فلا يجوز المساومة حولها، أو تحويرها، أو تجاهلها.

ب. تحقيق الهدف ضرورة حتمية، ويجب تعبئة كل الطاقات والإمكانيات المتاحة لتحقيقه.

ج. عملية التنسيق حيوية للغاية، فمن دونها يمكن خسارة المعركة.

د. يجب تنفيذ الواجبات طبقاً للأوامر المستديمة. ولا يفضل الانحراف عن الإجراءات المرسومة، إلاّ إذا دعت الضرورة القصوى لذلك، ووفقاً لتصديق أو موافقة.

هـ. إن الانضباط Discipline، هو المحرك، الذي يجعل عملية الإدارة تتم بسهولة.

إن الشخص الذي تم تدريبه عسكرياً، لا يمكن أن يتهاون في تطبيق أي مبدأ من هذه المبادئ.

3. وعلى ذلك، فإن اتجاهات المدير العسكري، الذي يتولى منصباً رئاسياً، في وظيفة مدنية، تعكس طبيعته العسكرية وتدريبه وخبراته. وتكون وجهات نظرة ـ كما حددها أرنست ديل Dale ـ كالآتي:

أ.  المركز: ينظر إلى الرؤساء باحترام في كل الأوقات.

ب. التعليمات: عقب إصدار الأوامر، فلا يجوز إعادتها للرئيس الذي أصدرها، لتوضيحها أو تفسيرها. إن مسؤولية الأجهزة المعاونة، هي توضيح هذه الأوامر وتفسيرها وبرمجتها، إلى أعمال تنفذ.

ج. التعديلات: إن تعديل أمر قد صدر، ينظر إليه على أنه أمر جديد.

د. الميزانية: تُعد الميزانية المالية مرشداً فقط، أكثر منها تحديداً نهائياً للإنفاق. فالنجاح في العسكرية، أكثر أهمية من الالتزام ببنود الميزانية.

 4. أما المدير المدني فإن اتجاهاته ووجهات نظره، تكون كالآتي:

أ. المركز: يشعر بأهمية اللقب الذي يشغله، ولكنه في الوقت نفسه يريد أن يكون محبوباً وواحداً من "الشلة".

ب. التعليمات: يضع إطاراً محدداً للعمل، ويكون مستعداً لأن يشترك فعلياً في تحريك البرنامج لكي يبدأ.

ج. التغيير في التعليمات: تتم التغييرات غالباً بشكل غير رسمي، ولا يعتمد في ذلك على عمل مذكرات، وأوامر مكتوبة، ويحاول غالباً إتباع قنوات اتصال مختصرة، عن تلك الطرق المرسومة.

د. الميزانية: يلتزم ببنود التكاليف، أو بالمبالغ المحددة في الميزانية.

5. إن نمط القائد الإداري ذي الخلفية العسكرية يُفضّل دور الإدارة العليا، الإدارة التي  ترسم الخطوط العريضة، وتهتم بالكليات، عن دور الإدارة التنفيذية، التي  تهتم بالتفاصيل. فهو يعتقد أنه ناجح، بقدر السلطة التي استطاع أن يفوضها. أما القائد الإداري المدني، إذا كان يهتم بالكليات، فهو أحياناً، أو كثيراً، ما يدخل في التفاصيل.

إن القائد الإداري ذا الخلفية العسكرية، يتضايق كثيراً إذا حدث خلل أو إشكال في الإجراءات. ونظراً لأنه فوض السلطة، فإنه، غالباً ما يكون أكثر اعتماده على الأجهزة المعاونة، في حل هذه المشكلات.

إن اعتماد القائد الإداري، ذي الخلفية العسكرية، على الأجهزة المعاونة، أكبر من اعتماد المدير المدني، ولذلك فإن اختلاف نمط القائد الإداري، من مدني إلى عسكري يتطلب إعادة النظر في تنظيم الأجهزة المعاونة، ووظائفها، وحجمها، فالقائد الإداري ذو الخلفية العسكرية، يعتمد على الأجهزة المعاونة من أجل:

أ. توضيح خطوط السلطة والمسؤولية.

ب. التنسيق بين اهتمامات التنفيذيين، والاستشاريين، وباقي الأجهزة المعاونة.

ج. عمل التقارير والمذكرات اللازمة، للموضوعات المهمة.

د. الاستخدام الواسع للاجتماعات واللجان، في حل المشكلات، وإقرار أسلوب العمل وخطواته.

هـ. الحصول على البيانات والتفاصيل، التي قد يحتاج إليها في أي وقت.

و. حل المشكلات الطارئة، التي من الواجب التصدي لها، لتحقيق الهدف.

6. إن الاختلاف بين القائد الإداري ذي الخلفية العسكرية، والقائد الإداري المدني، هو اختلاف في الأسلوب، ولكنه، كما يقول أنتونى جاي Antony Jay: "ليس اختلافاً في القدرات. فمدير المبيعات الذي يخطط لحملة بيعية (تسويقية)، يحتاج إلى القدرات نفسها التي يجب توافرها في تخطيط معركة.

ويرى "أنتونى جاي" أن الاختلاف بين القتال والتسويق، مسألة شكلية، ولكنها تتطلب القدرات نفسها، في تخطيط الحملة وتنفيذها.

 



[1] الأسلوب Technique، والنمط Pattern، إن النمط يعبر عن سلوك متكرر، فهو سلوك مميز لشخص، أما المعنى السمعي لكلمة "أسلوب"، فيوحي بأنه يتغير من وقت لآخر. وإن كان كثير من الكتاب يستخدم النمط بمعنى أسلوب.

[2] إن الأصل اليوناني لكلمة "أوتوقراطى" Autocratic هو الكلمة اليونانية Autokractes، ومعناها حكم الفرد الواحد. وتعنى كلمة "أوتوقراطية" Autocracy أصلاً، خضوع الفرد وحقوقه وممتلكاته لمصلحة الدولة.

[3] أصل كلمة الديموقراطية Democracy، مؤلفه من كلمتين يونانيتين (ديموس) أى الشعب، و(كراتوس) أى السلطة. ومؤداها أن الشعب يتولى حكم نفسه بنفسه، وأنه مصدر السلطات.

[4] فرديريك تايلور (1856-1916) Frederic winslow Taylor: وهو كما يطلق عليه أب الإدارة الحديثة، أو أب الإدارة العلمية. ظهر كتابه `الإدارة العلمية`، الذي جمع فيه خلاصة أفكاره، سنة 1911.

[5] يعتبر التون مايو Elton Mayo عام 1880-1916 من أكبر أنصار المدرسة السلوكية في الإدارة.

[6] هناك تسميات كثيرة أطلقت على أسلوب القيادة الحرة، أهمها: (أ) تسميتها `بالقيادة الفوضوية` لكونها ترك الفرد في ظلها يفعل ما يشاء، على أساس سياسة رفع الأيدي، حيث تبدو القيادة وكأنها غير موجودة، لتتولى توجيه العاملين، فتكون النتيجة عدم وجود ضابط للعمل، ويؤدي ذلك إلى الفوضى في التنظيم. (ب) ويسميها البعض `القيادة المنطلقة` على أساس أن المجموعة العاملة في ظل هذه القيادة، تكون متحررة من سلطة القائد.. (ج) وهناك تسميات أخرى لهذا الأسلوب القيادي، مثل: القيادة غير الموجهة، أو سياسة إطلاق العنان، أو دعه يعمل.

[7] إن المذهب الحر هو ـ أصلاً ـ مذهب اقتصادي. وتقوم فكرة الحرية عند كتاب هذا المذهب، على أساس أن الأفراد أحرار في العمل، تبعاً لما تمليه عليهم مصالحهم الذاتية، كما أن لهم حرية مزاولة المهن التي يختارونها، والانتقال حيث يشاءون، واجتناء الثروة والتصرف في ممتلكاتهم كما يرون، وليس للدولة أن تعرقل نشاطهم أو تساعدهم. وقد جرت عدة شعارات للتعبير عن المذهب الحر، مثل: دعه يعمل  Laissez - Faire، ودعوا السوق وشأنه، ودعه يمر Laissez - Passer.