إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / الخداع





الخداع الإستراتيجي الشامل
التخطيط للخداع الإستراتيجي العسكري
التخطيط للخداع التعبوي
تسلسل عملية الخداع
الاحتمالات المتوقعة
دور ومكان الخداع الإلكتروني
وسائل الخداع الإلكتروني الحديثة
استخدام المقلدات
مدى تأثير التأخير الزمني للاشتعال
التخطيط للخداع الإستراتيجي الشامل
الخداع الإستراتيجي العسكري




الفصل الثالث

المبحث الثالث

التطبيق التاريخي للخداع الإستراتيجي والتعبوي

إن النصر الحاسم في المعارك والعمليات الحربية، خلال القرن العشرين، كان حليف القادة، الذين استوعبوا أسس الخداع ومبادئه وتكتيكاته وطرقه، وطبقوها بدقة وبراعة ومهارة، تتلاءم مع طبيعة مسرح العمليات والإمكانيات المتيسرة، مع الوضع، في الاعتبار طبيعة الخصم وتقاليده ومعتقداته ومستوى تفكيره، ولذا فإن الخداع سيظل العامل الحاسم في تحقيق المفاجأة، وانتزاع المبادأة وإحراز النصر خلال الحروب القادمة.

يهدف الخداع، بشكل عام، إلى إيجاد الظروف المناسبة لإنجاح قرار القائد على كل المستويات، وذلك بالتحليل العميق للموقف السياسي العسكري على المستوى الدولي والإقليمي، وبحث وتحديد الاتجاهات المناسبة لتوجيه العدو نحو مفهوم خاطئ، وتعميق هذا المفهوم، من خلال أعمال دقيقة ومنسقة، تؤدى إلى اتخاذ مجموعة من التقديرات والقرارات الخاطئة، التي يمكن استغلالها بواسطة الطرف المخادع، في تحقيق المفاجأة الإستراتيجية والتعبوية لإحراز النصر.

نتيجة للتطور الهائل في وسائل الصراع المسلح، والتقدم العلمي الكبير في وسائل جمع وتحليل المعلومات، تتضح أهمية الإعداد المسبق لخطط الخداع مع دراسة وتحديد العوامل المؤثرة على تنظيم وتخطيط الخداع الإستراتيجي / التعبوي.

الخداع في حد ذاته لا يعد هدفاً، بل وسيلة، تقود إلى تحقيق مبدأ المفاجأة، الذي بدوره يؤدي إلى تحقيق مبدأ المبادأة، التي تعطي هذا الجانب القدرة على فرض إرادته على مسرح العمليات، وعلى العدو داخل هذا المسرح.

أولاً: الخداع الإستراتيجي التعبوي في العمليات الحربية في أثناء الحرب العالمية الثانية

1. العملية " بارباروسا"، الخداع الألماني وتحقيق المفاجأة الإستراتيجية والتعبوية ضد الاتحاد السوفيتي

أ. الهدف من العملية

أراد أودلف هتلر، من جراء تنفيذ هذه العملية، تحقيق مجال حيوي لألمانيا، عن طريق تدمير مركز الشيوعية في العالم، لاعتقاده بأن الاتحاد السوفيتي ربما قد يستغل بعض الأحداث لمهاجمة ألمانيا في المستقبل القريب، إضافة إلى اعتقاده بأن تغيير ميزان القوى في القارة لصالح ألمانيا، يتوقف على مهاجمة الاتحاد السوفيتي في أسرع وقت ممكن.

ب. الهدف من الخداع

تعرضنا، في القسم الثالث من هذا البحث، إلى نظريات الخداع، وأشرنا إلى النوع الأول منه وهو نظرية الغموض الكامل (الإيهام)، والذي يهدف إلى إرباك الخصم وتوزيع موارده لمواجهة كل الاحتمالات الممكنة، والنوع الثاني وهو ما أطلقنا عليه " التضليل "، الذي يقوم أساساً على التركيز على بناء البديل الخطأ، والذي يؤدي إلى إجبار الخصم على تركيز موارد عملياته على احتمال وحيد، مما يمكن القائم بالخداع من فرض سيادته على جميع البدائل الأخرى.

وتعتبر العملية " بارباروسا"، مثالاً تطبيقياً على النوع الثاني، وهو نظرية التضليل، والتي تمكن فيها الجانب الألماني من تحقيق المفاجأة الإستراتيجية والتعبوية ضد الاتحاد السوفيتي في 22 يونيه 1941.

ج. أسباب قيام الألمان بالهجوم الإستراتيجي ضد الاتحاد السوفيتي في 22 يونيه 1941

(1) أسباب سياسية: تحطيم مركز الشيوعية العالمي، والعمل على تحقيق النظرية الاشتراكية الدولية، من خلال التوسع في الشرق، وكذا المحافظة على هامش الرايخ الألماني .

(2) أسباب عسكرية: تعاظم القوة العسكرية السوفيتية بصورة متصاعدة، خاصة بعد انتهاء الحرب الروسية الفنلندية، وكذا منع أو حرمان الاتحاد السوفيتي من القيام بأي أعمال مستقبلية ضد ألمانيا.

وقد واكب العملية "بارباروسا" خدعتان أساسيتان، شكلتا أحداثا بدأت قبل اتخاذ هتلر لقراره بالهجوم على الاتحاد السوفيتي وهما:

"اتفاقية عدم الاعتداء بين ألمانيا وروسيا الموقعة في أغسطس 1939م، والأخرى هي حرب ألمانيا مع إنجلترا، والأحداث المتعلقة بالغرب، حيث عمل وجود تلك الأحداث، في الفترة من نوفمبر 1940م إلى يونيه 1941م، على بقاء التصور الإستراتيجي الروسي حيال ألمانيا هادئا ومطمئناً.

د. أعمال الخداع التي اتبعتها القيادة الألمانية في حربها ضد الاتحاد السوفيتي

(1) أصدر هتلر توجيهاً إلى القيادة العليا للجيش الألماني، في 16 يوليو 1940م، بالتخطيط لعملية إستراتيجية بحرية ضد الجزر البريطانية.

(2) قيام هتلر بمناقشة مشكلة مناطق النفوذ مع مولوتوف وزير خارجية الاتحاد السوفيتي، والتي كانت نقطة خلاف أساسية بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي، للإعلان عن التعاون الفعال والصداقة القوية بين البلدين.

(3) قيام القوات الألمانية بعمليات هجومية رئيسة في البلقان، في أبريل 41 (قبل عملية باربار وسا بشهرين تقريباً)، وضد جزيرة كريت في مايو 1941 (قبل عملية بارباروسا بشهر تقريباً)، حيث تحقق من خلالها إقناع المخابرات السوفيتية والبريطانية، بأن العمليات الرئيسة الألمانية موجهة أساساً ضد بريطانيا وتأكد ذلك عند قيام بريطانيا بحشد ستين ألف جندي إلى اليونان.

(4) قيام القوات الألمانية بتنفيذ عدة عمليات أخرى في حوض البحر المتوسط، بنقل الفيلق الألماني (خليجي) من النرويج إلى صقلية، حيث قام بعدة عمليات ناجحة ضد ميناء فاليتا في جزيرة مالطة، وعمليات جبال ألبانيا في بداية عام 1941م، مما أقنع المخابرات السوفيتية بعدم قدرة القوات الألمانية على القيام بعمليات هجومية ضد الاتحاد السوفيتي.

(5) اتخاذ هتلر قراره لتنفيذ عملية (زهرة الشمس)، في بداية يناير 1941م، التي تهدف إلى تعزيز القوات البرية الإيطالية، التي سادها الاضطراب في شمال أفريقيا في أبريل 1941م. (قبل عملية بارباروسا بشهرين تقريباً)، وقد نتج عنها تحويل الأنظار والانتباه عن الحشود الألمانية في بولونيا.

(6) رفض ستالين قبول فكرة إمكانية الهجوم الألماني في 1941م، تمسكاً باتفاقية عدم الاعتداء بين روسيا وألمانيا، والموقعة في عام 1939م، وهي الاتفاقية، التي استخدمها الألمان خدعة ثابتة، بعد أن اتخذ هتلر قراره بضرب الاتحاد السوفيتي.

(7) في منتصف نوفمبر 1940م، استخدم هتلر، بوعي شديد، الحرب والاتفاقية أسلوبين مضللين لتحقيق المفاجأة، في بداية عملية "بارباروسا".

(8) على رغم تقارير أجهزة المخابرات الروسية والبريطانية، رفض ستالين ومساعدوه فكرة احتمال الهجوم الألماني في عام 1941م، واعتقدوا أن التقديرات الألمانية ربما تكون من الأساليب المعروفة لاستفزاز الروس والممكن تفاديها حتى عام 1942م، وكان رفضه لفكرة قيام الألمان بهجوم شامل على روسيا يعتمد، أساساً، على أن الألمان لا يزالون في مواجهة حرب بحرية واسعة مع إنجلترا، ورأوا في تحذيرات إنجلترا أنها من التعزيزات الألمانية في بولندا، بأنها محاولات لإفساد العلاقات الروسية الألمانية.

(9) ولإخفاء تحركات تشكيلات القوات الألمانية في اتجاه الجبهة الروسية، اضطر الألمان إلى ابتكار خدعة، تعتمد على تفسير مناسب لهذه التحركات، فطلبت قيادة التشكيلات الألمانية حماية الحدود، وأعلنت أن سبب وجود هذه التشكيلات هو مواجهة غزو إنجليزي محتمل.

(10) طلبت الحكومة الألمانية من وزير الإعلام آنذاك كتابة مقال، في صحيفة الحزب الاشتراكي، بأن الحرب مع إنجلترا على وشك الوقوع، وتم نشر هذا المقال في 20 يونيه 1940م وزيادة في الخداع أمرت الحكومة بمصادرة هذه الطبعات.

2. عملية سيدي براني (ديسمبر 1940م)

أ. الظروف السائدة في مسرح العمليات

(1) في سبتمبر 1940م هاجمت القوات الإيطالية القوات البريطانية على الحدود المصرية، حيث نجحت في الاستيلاء على هضبة السلوم، وواصلت تقدمها شرقاً، حتى توقفت في منطقة سيدي براني، وبدأت في إنشاء الخطوط الدفاعية، التي تمتد من المقتلة على ساحل البحر شمالاً وحتى صفوفا في أعلى الهضبة جنوباً.

(2) بتوقف الإيطاليين في منطقة سيدي براني، شرعت القيادة البريطانية في التخطيط لتوجيه ضربة مضادة، بهدف تدمير القوات الإيطالية، داخل الحدود المصرية، واستعادة الأوضاع على الحدود الدولية المصرية وتأمينها.

ب. أساليب الخداع التي اتبعت في العملية

(1) لخداع القيادة الإيطالية، عن نية القوات البريطانية في القيام بالضربة المضادة، كان من الضروري التخطيط لإخفاء تحرك القوة الرئيسة القائمة بالهجوم. ولطول المسافة بين منطقة تمركز هذه القوة في مرسى مطروح، ومناطق تجميعها الأمامية، كان من الضروري إجراء سير اقتراب طويل، يتم خلال ليلتين متتاليتين، يتم فيهما التحرك لهذه القوة ليلاً، على أن تتوقف نهاراً، مع اتخاذ إجراءات الإخفاء والتمويه اللازمة، ولضمان السرية الكاملة، كان من الضروري عدم تحرك التشكيلات لاتخاذ أوضاع الهجوم إلا في آخر وقت ممكن.

(2) لخداع الإيطاليين عن اتجاه الضربة الرئيسة، خططت القيادة البريطانية للقيام بهجوم ثانوي خادع على المحور الساحلي، بهدف جذب انتباه الإيطاليين في هذا الاتجاه، بعيداً عن اتجاه الضربة الرئيسة، مع تثبيت القوات الإيطالية المدافعة بالمواجهة، وبتمام تحقيق ذلك، تبدأ القوة الرئيسة في تنفيذ هجومها من الجنوب.

(3) صدرت التعليمات بإجراء مشروعين تدريبين بجنود، على أن ينفذ أولهما ليلة 25/26 أكتوبر، بينما ينفذ الآخر خلال النصف الأول من ديسمبر، وتم تنفيذ المشروع الأول في توقيته، أما المشروع الثاني، فلم يكن سوى التقدم الفعلي للهجوم.

(4) لنجاح خطة الخداع استلزم المحافظة على السرية باتخاذ الإجراءات الآتية:

(أ) حتى الخامس من نوفمبر، لم يخطر أي ضابط خلاف قادة الفرق بنية الهجوم، وفى نفس اليوم، عقد مؤتمر أطلع خلاله قائد القوات الجوية وقادة اللواءات على خطة العمليات المقبلة.

(ب) لم تصدر أوامر عمليات مكتوبة، بعد السادس من ديسمبر 1940م، عندما أطلع عليها صغار الضباط، قبل الهجوم بأربع وعشرين ساعة فقط.

ج. نتائج العملية

أدت إجراءات الخداع السابقة، التي طبقتها القوات البريطانية المهاجمة، إلى مفاجأة القوات الإيطالية، حيث كانت القوات الإيطالية تستعد لاستئناف الهجوم مرة أخرى، ولم تكن تتوقع قيام البريطانيين بشن ضربة مضادة، مما تسبب عنه سرعة انهيار الدفاعات الإيطالية وانسحابها غرباً.

3. عملية الغزالة (مايو 1942م)

أ. الظروف السائدة في مسرح العمليات

(1) بانسحاب القوات البريطانية من خط العقيلة الدفاعي، وإخلاء بنغازي، استقرت قواتها الرئيسة في مواقع دفاعية قوية على خط الغزالة – بير حكيم، حيث شرعت في استكمال التجهيز الهندسي للخط، انتظاراً للهجوم الألماني المنتظر.

(2) في يوم 6 نوفمبر وصلت قوات المحور أمام خط الغزالة، حيث توقفت العمليات لمدة أربعة أشهر تقريباً، استعداداً لاستئناف الهجوم وتطهير برقة من البريطانيين، بعد إعادة تنظيم القوات ووصول الإمدادات الجديدة.

ب. أساليب الخداع التي اتبعت في العملية

(1) مرحلة التخطيط

(أ) اعتمد روميل على خطة خداع لإيهام القيادة البريطانية بأن هجومه الرئيس سيوجه إلى القطاع الشمالي والأوسط من خط الغزالة، بينما كان، في الحقيقة، سيوجه ضد القطاع الجنوبي، وذلك لجذبهم بتجميع قواتهم المدرعة خلف هذه القطاعات؛ لعلمه بأن فكرة الهجوم بالمواجهة على خط الغزالة لن تبدو خيالية للقيادة البريطانية لعلمها بموقفه الإداري السيئ، الذي لا يتناسب معه إتباع أسلوب الالتفاف بعيد المدى حول الخط الدفاعي جنوب بير حكيم، وإن لم يقم البريطانيون بحشد مدرعاتهم في هذه القطاعات، كان روميل يأمل في احتفاظهم بجزء منها في هذه القطاعات، مما يضعف القوات البريطانية المدرعة التي ستواجه قواته الرئيسة في الجنوب، مما يمكن من تدميرها على أجزاء.

(ب) لتحقيق ذلك وضع روميل خطة خداعية، تنفذ كالآتي:

·  القيام بهجوم تظاهري (خداعي) على القطاع الشمالي للخط الدفاعي مع إجراء تحركات مستمرة بالدبابات والعربات، بأعداد كبيرة مع إثارة سحب الغبار خلف قوة الهجوم الخداعي، مع تكرار هذه العملية طوال الفترة التحضيرية.

·  في نفس الوقت، تتخذ قوة الضربة الرئيسة أوضاعها في المناطق المحددة لها في الجنوب، على أن يتحرك جزء من هذه القوات نحو القطاع الشمالي، وخطط لمشاهدتها واستطلاعها بواسطة الاستطلاع البريطاني، على أن تعود بسرعة مرة أخرى إلى مناطق تجميعها الأصلية في الجنوب، بعد أن تكون قد شاركت في تضليل الجانب البريطاني؛ استعداداً لشن الهجوم الرئيس.

·  لاستكمال عملية الخداع عن اتجاه الضربة الرئيسة، تقرر القيام بعملية إبرار بحري على الساحل بين طبرق والغزالة، في توقيت مناسب لتطوير أعمال قتال الهجوم الرئيس، مما يوحي للقيادة البريطانية بأهمية هذا الاتجاه، وأن الغرض من عملية الإبرار البحري، هو قطع خطوط مواصلات القطاع الشمالي ومعاونة أعمال قتال القوات القائمة بالهجوم من الغرض، بينما كان الغرض الحقيقي منه هو التعاون مع قوة الضربة الرئيسة، بعد التفافها واتجاهها شمالاً، لاستكمال حلقة الحصار حول القطاع الشمالي من الشمال والجنوب لاستكمال تدميرها.

·  القيام بالهجوم الرئيس في الجنوب، بالالتفاف حول بير حكيم، ثم شمالاً لتدمير القوات المدرعة البريطانية، على أن يتم هذا التحرك ليلاً لاتخاذ أوضاع بدء الهجوم.

·  دفع فرقة حقيقة في اتجاه (العدم) شرقاً، مع دعمها بالمحركات المحدثة للغبار؛ لاستكمال خداع البريطانيين عن اتجاه الهجوم الرئيس ولتشتيت قواتهم.

(2) مرحلة التنفيذ

(أ) في أثناء سير العمليات وفي أثناء المرحلة الحاسمة من العملية، اتبع روميل أسلوباً جديداً في الخداع لتضليل القيادة البريطانية، حيث خطط لإرسال إشارة زائفة من فرقته الخفيفة حول" العدم " تطلب فيه النجدة، وذلك لاستدراج المدرعات البريطانية إلى منطقة قتل مدبرة يتم فيها تدميرها، وهذا ما تحقق إذ أرسلت القيادة البريطانية قوة مدرعة هناك كبيرة إلى منطقة " العدم "، هناك وجدت نفسها محاطة بفيلق أفريقيا من كل جانب، وتم تدمير معظم الدبابات البريطانية.

(ب) ولقد نجح البريطانيون في تخليص إحدى فرقهم المشاة، التي تم حصارها في القطاع الشمالي من الخط الدفاعي، عن طريق خداع القوات المحاصرة لها عن الاتجاه، الذي ستسلكه في انسحابها، فبدلاً من محاولة فك الحصار من اتجاه الشرق اقتحمت الفرقة طريقها عنوة من خلال مواقع الإيطاليين، التي تحاصرها من اتجاه الغرب وواصلت انسحابها جنوباً ثم التحول إلى الشرق، حيث نجحت في الوصول إلى الحدود المصرية بخسائر قليلة، نسبياً، محدثة بانسحابها هذا ارتباكاً كبيراً في الخطوط الخلفية لمواصلات المحور.

ج. نتائج العملية

كان لأساليب الخداع، التي اتبعها روميل، خلال تخطيط العملية، أكبر الأثر في تضليل القوات البريطانية عن اتجاه الهجوم الرئيس المقبل، بينما كان أسلوبه في الخداع في أثناء سير العملية سبباً رئيساً في تدمير معظم دبابات خصمه، مما أثر على سير العملية، وعجل بنهايتها لصالحة، حيث فقد خصمه الجنرال " ريتش" السيطرة على الموقف تماماً؛ نظراً للخسائر الجسيمة، مما اضطره إلى تقرير الانسحاب من خط الغزالة.

4. معركة علم حلفا (أغسطس 1942م)

أ. الظروف السائدة في مسرح العمليات

(1) بوصول القوات البريطانية إلى منطقة العلمين، وتسلم الجنرال مونتجمري لقيادة الجيش الثامن البريطاني، شرع في وضع سياسة دفاعية جديدة تهدف إلى التمسك بخط العلمين، ونبذ أي فكرة للانسحاب منه، مع الاستعداد للتحول إلى الهجوم المضاد العام لتدمير قوات المحور.

(2) كان وصول قوات المحور إلى خط العلمين والثبات فيه، معناه، من وجهة نظر قوات المحور، التحول إلى العمليات الدفاعية، والتي تتفوق فيها القوات البريطانية، لذا فقد شرع روميل في التخطيط لسرعة مهاجمة الخط، قبل وصول الإمدادات الجديدة للجانب البريطاني للوصول إلى الأرض المفتوحة شرقاً، وهذا ما سيؤدى إلى قلب ميزان القوى في منطقة العلمين بل في شمال أفريقيا كلها.

ب. أساليب الخداع التي اتبعت في العملية

(1) مرحلة التخطيط

(أ) بنى روميل العملية الهجومية في علم حلفا على أساس تثبيت القطاع الشمالي بإجراء هجوم خادع بعناصر من المشاة، على أن تكون الضربة الرئيسة من القطاع الجنوبي بأعمال الالتفاف بقواته المدرعة والميكانيكية، والتقدم في اتجاه الشرق لمهاجمة القاعدة الإدارية للجيش الثامن البريطاني في منطقة الحمام.

(ب) فطن مونتجمري، بتقديره للموقف، إلى أن روميل سيكرر نفس أساليب القتال السابقة في عمليات الغزالة، لذلك قرر التعامل مع قوات المحور المدرعة بالدبابات من مواقعها الثابتة المجهزة، بالتعاون مع المدفعية، وعدم خروجها إلى الأرض المفتوحة، حتى ولو سنحت الفرصة لمطاردتها، وبذلك يمكنه تغلب على خطة روميل الخداعية.

(2) مرحلة التنفيذ

(أ) لما فشل روميل في تحقيق هدفه بتدمير القوات المدرعة البريطانية، حاول جاهداً استدراجها خارج مواقعها، بالتظاهر بالانسحاب أمامها لجذبها إلى مناطق قتل (ستائر مضادة للدبابات)، وهذا ما لم يتم من جانب القوات المدرعة البريطانية.

(ب) استخدمت القيادة البريطانية طريقة الخداع بالخرائط، ساعدها في ذلك عدم وجود خرائط للمنطقة شرق العلمين ضمن خرائط السير البريطانية، التي استولى عليها روميل في عملياته السابقة، فقامت بطبع خريطة لهذه المنطقة، بحيث تكون بها معلومات مضللة وغير حقيقية عن طبيعة الأرض في هذه المنطقة، خاصة المنطقة جنوب علم حلفا، حتى تلائم الخطة البريطانية الدفاعية الموضوعة للعملية، حيث تمتاز هذه المنطقة برمال ناعمة، يصعب السير فيها، ولكنها رسمت لتبدو كأنها أرض صلبة، تسمح بسير جميع أنواع الحملات (جنزير ـ عجل)، وتركت الخريطة عمداً في عربة مدرعة منسوفة داخل حقول الألغام القريبة من قوات المحور، بعد معالجتها لتبدو كأنها خريطة مستعملة، ليسهل لروميل التقدم خلال هذا الاتجاه نحو الحمام شرقاً، لمهاجمة تبة علم حلفا.

(ج) ولقد تمكنت قوات الحلفاء من خداع القيادة الألمانية، مما نتج عنه تورط القوات المدرعة الألمانية في منطقة الرمال الناعمة جنوب علم حلفا في المراحل الأولى من العملية، مما مكن القوات الجوية البريطانية من مهاجمتها وتكبيدها خسائر فادحة.

(د) ونتيجة "لأعمال الخداع، التي تمت بنجاح من جانب الحلفاء، فشل روميل في تحقيق هدفه من العملية، وقرر الانسحاب غرباً إلى مواقعه الأصلية، مع الاحتفاظ ببعض المواقع، التي استولى عليها في القطاع الجنوبي من الخط، واستكمالاً لأعمال الخداع الناجحة من جانب الحلفاء، قرر مونتجمري عدم مهاجمة هذه النقاط، وطرد القوات الألمانية منها، على رغم قدرته على تنفيذ ذلك، حيث كان هدف مونتجمري من ذلك، إغراء روميل على استمرار الاحتفاظ بها، مما يشتت جهود قواته ويحرمه من استخدامها في حشد، وهذا يساعد مونتجمري، في النهاية، على تحقيق أهدافه، عندما يبدأ هجومه المضاد العام على القطاع الشمالي.

ج. نتائج العملية

كان لعدم انسياق مونتجمري لخطة روميل، التي بناها على خداع قوات الحلفاء عن اتجاه الهجوم الرئيس، واستدراج قواتهم المدرعة في مناطق قتل، أكبر الأثر في نجاح أعمال قتال الحلفاء، علاوة على نجاحهم في خداع روميل، مما كان له الفضل في إحداث خسائر كبيرة في المدرعات الألمانية، وإفشال روميل في تحقيق أهدافه من هذه العملية.

5. معركة العلمين (أكتوبر 1942م)

أ. هدف خطة الخداع: تضليل قيادة المحور عن الاتجاه الرئيس للهجوم وتوقيت بدء الهجوم

ب. شملت إجراءات خطة الخداع، الآتي:

(1) إظهار مناطق حشد قوات الهجوم الرئيس، لتبدو بنفس المظهر، الذي ستكون عليه عند بدء الهجوم.

(2) اتخاذ إجراءات تضليل قيادة المحور، بحيث وُضعت أعداد كبيرة من العربات والأسلحة الفائضة والهيكلية، في مناطق حشد القوات القائمة بالهجوم الرئيس، بحيث يبدو للاستطلاع الجوى الألماني، أن هناك حشداً مدرعاً خلف الجبهة، بينما تم، في الحقيقة، سحب القوات لمسافة 50 ميلاً للخلف لإعادة التنظيم، ورفع كفاءتها وتدريبها ودفعها إلى المنطقة الابتدائية للهجوم ليلاً مع سحب عدد مماثل من العربات والدبابات الهيكلية إلى مناطق خلفية في الليلة.

(3) استخدمت عربات هيكلية لإخفاء مدافع الميدان تحتها، كما تم تمويه الدبابات، لتبدو في شكل عربات، وبذلك أصبح من الصعب تقدير مدى الحشد في المدفعية والدبابات في القطاع الشمالي للجبهة.

(4) تم إنشاء المواقع والتجهيزات اللازمة، لاستيعاب قوة الهجوم المضاد العام في مناطق الحشد، قبل بدء الهجوم بشهر كامل، مع اتخاذ كل الإجراءات لإظهارها، بما يوحي بأنها محتلة، حتى يتم احتلالها الفعلي قبل الهجوم بفترة محددة لخداع قيادة المحور.

(5) ولخداع قيادة المحور عن اتجاه الضربة الرئيسة في القطاع الشمالي، استمرت إحدى الفرق المدرعة طوال الأسابيع السابقة للهجوم، في إجراءات التدريبات الواسعة النطاق بالقطاع الجنوبي.

(6) تم إجراء جميع التحركات لقوة الضربة الرئيسة ليلاً؛ لاتخاذ أوضاعها في المنطقة الابتدائية للهجوم، كما تم تنفيذ جميع إجراءات التجهيزات الهندسية الإضافية اللازمة مع إخفائها قبل أول ضوء.

(7) تم إخفاء المستودعات الإدارية الكبيرة ببراعة، وتم تكديس الأشياء، على شكل عربات حتى لا يفطن المحور لحقيقتها.

(8) تم إنشاء عدة طرق ومستودعات هيكلية ضخمة في القطاع الجنوبي من الجبهة، بما يوحي لقيادة المحور، بأن الضربة الرئيسة للهجوم، ستتم في هذا القطاع.

(9) ولاستكمال أعمال الخداع في القطاع الجنوبي، بدأت القيادة البريطانية في إنشاء خط أنابيب مياه هيكلي، في هذا القطاع بمعدل عمل يوحي، بأنه لن يتم قبل الأسبوع الأول من شهر نوفمبر، أي بعد الهجوم بأسبوعين وذلك لخداع المحور عن توقيت بدء الهجوم

(10) إطلاق معلومات كاذبة من قيادة إحدى الوحدات المدرعة، ليلة الهجوم، توحي لقيادة المحور في حالة التقاطها، بأن القوات المدرعة البريطانية تتحرك إلى القطاع الجنوبي للجبهة.

(11) وكانت أهم الملامح الرئيسة لخطة الخداع، تلك الإجراءات، التي اتخذت لإيهام المحور، بأنه سيتم عملية إبرار بحري كبيرة، خلف دفاعاته في العلمين، فقد تم شحن السفن بالجنود والدبابات من الإسكندرية نهاراً، على مرأى من الجميع ليراها المحور عمداً، ثم أقلعت هذه القافلة من الإسكندرية، بعد ظهر اليوم الأول من الهجوم في اتجاه الغرب، وتم إعادة معظمها ليلاً إلى الإسكندرية، في حين كلف الباقي منها القيام بإبرار تظاهري مخادع على الشاطئ خلف دفاعات المحور في العلمين مع قيام الأسطول البريطاني بمعاونة هذا الإبرار بالنيران، وقد حدد موعد هذا الإبرار بحيث يبدأ بعد بدء الهجوم الرئيس بثلاث ساعات، بهدف إجبار قيادة المحور على الاستمرار في الاحتفاظ باحتياطي في هذه المنطقة والمكلفة بحراسة الساحل؛ لمواجهة هذا الإبرار.

ج. الظروف السائدة في مسرح العمليات

(1) قوات المحور

(أ) فشلت في معركة علم حلفا واختراق خط العلمين إلى الأرض المفتوحة شرقاً.

(ب) فقدت المبادأة، خاصة أن سباق الإمداد كان في صالح الحلفاء، وبدأ روميل في تنظيم دفاعاته وتقويتها وتجهيزها هندسياً؛ انتظاراً للهجوم البريطاني المقبل.

(2) الحلفاء

(أ) نجحت قوات الحلفاء في معركة علم حلفا، بفضل نجاح مونتجمري في سياسته الدفاعية، وخطة الخداع كما خطط لها، وكان من نتائجها رفع الروح المعنوية لقوات الجيش الثامن البريطاني.

(ب) انتزع مونتجمري المبادأة، وشرع في استئناف استعداداته لهجومه المضاد العام.

د. نتائج العملية

نجحت خطة الخداع السابقة نجاحاً باهراً ومن مظاهر هذا النجاح:

(1) عند بدء الهجوم، كان روميل متغيباً عن ميدان المعركة؛ لاطمئنانه بأنه لازال هناك بعض الوقت قبل موعد الهجوم البريطاني المنتظر.

(2) لم تفطن قيادة المحور إلى الاتجاه، الذي ستوجه إليه الضربة الرئيسة للهجوم البريطاني ولذا اضطرت إلى تقسيم قواتها المدرعة إلى قسمين أحدهما بالقطاع الشمالي والآخر بالقطاع الجنوبي لمجابهة احتمالات الهجوم الرئيس من أي اتجاه.

ثانياً: الخداع الإستراتيجي التعبوي خلال الجولات العربية الإسرائيلية

أعمال الخداع الإسرائيلي في الجولات العربية الإسرائيلية

1. العدوان الثلاثي على مصر عام 1956

أ. أهداف العدوان

(1) تدمير القوات المسلحة المصرية شرق القناة.

(2) تدمير قواعد الفدائيين الفلسطينيين في غزة وشبه جزيرة سيناء.

ب. هدف خطة الخداع: إظهار إسرائيل، وكأنها منفردة، بهدف استدراج القوات المسلحة المصرية إلى شرك منصوب بإحكام في سيناء، وبالتالي يسهل قطع خطوط مواصلاتها من الخلف بقيام القوات البريطانية والفرنسية بعمليات إنزال إستراتيجي، في منطقة القناة، بصورة مفاجئة لحصار القوات المصرية في سيناء واستكمال تدميرها في أقل وقت ممكن، وفرض الإرادة على مصر والعرب لتحقيق أهداف العدوان الثلاثي.

ج. إجراءات الخداع السياسي

(1) إظهار رغبة كل من بريطانيا وفرنسا في إيجاد حل لمشكلة تأميم قناة السويس، دون استخدام القوة.

(2) اشتراك دبلوماسيين بريطانيين وفرنسيين في مؤتمر لندن، الذي عقد في 6 أغسطس 1956م، مع ممثلي 20 دولة، للوصول إلى حل سلمى للأزمة.

(3) وصول رئيس وزراء إستراليا للقاهرة يوم 5 سبتمبر لمحاولة التوصل إلى اتفاق سلمى بشأن أزمة تأميم قناة السويس؛ لإيهام العالم بأن ليس هناك أية نوايا عدوانية ضد مصر.

(4) إعلان تصريحات بريطانية وفرنسية للسعي للتفاوض مع مصر في مؤتمر يعقد في جنيف في 29 أكتوبر 1956م على الرغم من تقديمها شكوى ضد مصر في مجلس الأمن.

(5) تصريح رئيس وزراء بريطانيا (أنتوني إيدن) بعدم التدخل عسكرياً في مصر.

(6) صدور تحذيرات بريطانية لإسرائيل، بعدم القيام بهجوم ضد الأردن بناء على الادعاء الإسرائيلي عن قيام الأردن بخرق اتفاقية الهدنة، والسماح لقوات عراقية بالدخول في أراضيه.

(7) تصريح إسرائيل بأن إسقاط المظليين في صدر الحيطان عملية محدودة، ضد الفدائيين في رأس النقب، رد فعل على الاعتداءات المصرية المتكررة ضد إسرائيل.

د. إجراءات الخداع العسكري

(1) أعمال الخداع البريطاني ـ الفرنسي

(أ) حشد التجميع الرئيس للقوات البريطانية والفرنسية في جزيرة مالطة، والتجميع الأقل في قبرص؛ لإيهام الجانب المصري بأن اتجاه الضربة الرئيسة ستكون في اتجاه الإسكندرية، وليس بور سعيد، وعند تنفيذ الهجوم تتقدم سفن الإبرار، تحت علم الاتحاد السوفيتي، على أنها سفن صديقة، وتتقدم الدبابات براً وعليها العلم السوفيتي، لدخول المدينة دون قتال، مع إطلاق شائعات عن وصول دعم سوفيتي إلى بورسعيد عن طريق البحر والبر.

(ب) إلغاء بريطانيا لتحرك فرقة 10 م في ليبيا، وتسربت معلومات إلى مصر للخداع والإيحاء بعدم قيامها بأي عمل تعرضي ضد مصر.

(ج) حشد الطائرات البريطانية والفرنسية في إسرائيل، تحت ستار تنفيذ أعمال التدريب المشترك.

(2) أعمال الخداع الإسرائيلي

(أ) تعبئة القوات الإسرائيلية، تحت ستار أن الأردن قام بخرق اتفاقية الهدنة، وصدور إذن للقوات الإسرائيلية بالاستعداد لشن الهجوم على الأردن.

(ب) قيام إسرائيل بعمليات إغارة ضد الأردن، خلال الفترة من 12 سبتمبر إلى 10 أكتوبر؛ لجذب الانتباه نحو الأردن.

(ج) تحرك القادة إلى عواصم العدوان للتنسيق بالزي المدني.

(د) إجراء الفتح الإستراتيجي/ التعبوي للقوات الإسرائيلية في مناطق بعيدة عن الجبهة المصرية (على الحدود الأردنية)، خلال ليلتين، وتحركت في الليلة الثالثة إلى مناطق الحشد الحقيقية على الجبهة المصرية في سرية تامة، مع اختيار منطقة حشد اللواء 202 مظلات على الحدود الأردنية، لإخفاء نية الهجوم على مصر.

(هـ) التخطيط للهجوم الإسرائيلي بقوات محدودة لا تشترك فيها المدرعات، لجذب الانتباه إلى أنها غارة برية، كما تم تأجيل قصف المطارات والأهداف الحيوية المصرية لمدة 50 ساعة، بعد ساعة الهجوم تعزيزاً لهذا الخداع.

(و) فرض السرية الكاملة على خطة العمليات، وعدم صدور الأوامر لقادة الكتائب إلا قبل الهجوم ب 24 ساعة.

(3) نتائج أعمال الخداع

(أ) لم تتمكن القيادة المصرية، رغم التقديرات الصحيحة للنوايا العدوانية، من اكتشاف وتحديد توقيت بدء قيام العدو بعملياته، وذلك لعدم تمكن المخابرات المصرية من متابعة الفتح الإستراتيجي / التعبوي الإسرائيلي، وحشد القوات البريطانية والفرنسية في قبرص ومالطة وليبيا.

(ب) عدم وجود تنسيق مع الأجهزة الأردنية في تبادل المعلومات والإنذار.

(ج) فوجئت القيادة المصرية بالعدوان الإسرائيلي، وأعمال إسقاط قوة المظلات الإسرائيلية في منطقة صدر الحيطان، ساعة 1700 يوم 29 أكتوبر 1956م.

2. العدوان الإسرائيلي عام 1967م

أ. أهداف العدوان الإسرائيلي

(1) تدمير الجيش المصري المتمركز في سيناء.

(2) الاستيلاء على شبه جزيرة سيناء، حتى الضفة الشرقية لقناة السويس.

(3) احتلال مدخل خليج العقبة، وتأمين الملاحة الإسرائيلية عبر الخليج.

ب. هدف الخداع: إحراز المفاجأة حتى تتمكن إسرائيل من قلب ميزان التفوق العربي لصالحها.

ج. إجراءات الخداع السياسي

(1) إيهام العالم والقيادة المصرية بأن إسرائيل دولة مغلوبة على أمرها، وأن العرب، خاصة مصر تنوي تدميرها، وأن هجوماً مصرياً وشيكاً سوف يتم ضدها.

(2) استغلال إسرائيل إعلان مصر إغلاق مضيق تيران، في وجه الملاحة الإسرائيلية؛ لإعلان التعبئة العامة لمواجهة الحشود المصرية.

(3) طلب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتحاد السوفيتي التوسط لدى مصر؛ لمنعها من القيام بأي عمل عسكري ضد إسرائيل، في نفس الوقت، الذي كانت رئاسة الأركان الإسرائيلية تدقق وتراجع خطتها العدوانية ضد الدول العربية.

(4) توجيه الدعوة إلى نائب رئيس الجمهورية زكريا محي الدين، للقاء مع وزير الخارجية الأمريكي في واشنطن، في التوقيت المحدد نفسه للعدوان الإسرائيلي (الخامس من يونيه 1967م).

(5) طلب السفير السوفيتي، في منتصف ليلة 3 يونيه 1967م، مقابلة الرئيس جمال عبد الناصر، وطلب ضبط النفس، وعدم البدء بشن الحرب، إذ إن إسرائيل لن تكون البادئة، ولكن ذلك لم يحدث، إذ بدأت إسرائيل الحرب.

د. إجراءات الخداع العسكري

(1) إيهام القيادة المصرية بأن الضربة الرئيسة للقوات الإسرائيلية ستكون في الاتجاه المركزي، كما حدث في حرب 1956م، وقامت بعدة أعمال تظاهرية في منطقة الكنتلة بتنفيذ أعمال التجهيز الهندسي، واستخدام الدبابات الهيكلية، بينما كان الاتجاه الحقيقي هو المحور الساحلي.

(2) نفذت الوحدات المتمركزة في جبهة الهجوم، صمتاً لاسلكياً، وأعمال إخفاء وتمويه جيدة، وترحيل السكان المحليين العرب من المناطق، التي تشرف على مناطق حشد وتمركز القوات.

(3) الحد من النشاط الجوي الإسرائيلي في فترة التحضير للعملية المقبلة، بما يعطي استنتاجات خاطئةفي حقيقة حجم القوات الإسرائيلية ونواياها.

(4) جذب أجهزة الإنذار الجوي المصري للتعود على أنماط متكررة من النشاط الجوي الإسرائيلي تخدم خطة الخداع للضربة الجوية الإسرائيلية.

(5) إخفاء تعديل مدى طائرات الميراج، بإضافة خزانات وقود إضافية، تزيد مسافاتها التكتيكية بمقدار الثلث، بما يمكنها من الوصول إلى أبعد المطارات والقواعد الجوية المصرية من خط الجبهة.

(6) تحقيقاً للخداع، تم منح بعض الوحدات المتمركزة بالقرب من الشواطئ، إجازة للترفيه والاستجمام، يوم 3 يونيه 1967 تحت الزعم بتخفيف التعبئة.

هـ. نتائج أعمال الخداع

(1) نجحت إسرائيل في تنفيذ خطة الخداع بدقة كبيرة، أدت إلى تحقيق المفاجأة على الدول العربية، مما مكنها من إحراز نصر عسكري.

(2) لم تتمكن القيادة المصرية من متابعة نشاطات الخداع الإسرائيلية، على الرغم من أنها نجحت في تقدير الوقت المنتظر لقيام العدو بالعملية الهجومية الشاملة، وكان نجاحها يرجع إلى دراستها لأعمال الخداع السابقة، التي قام بها العدو الإسرائيلي في الجولة العربية الثانية (أكتوبر 1956م).

3. تخطيط وتنفيذ الخداع في حرب أكتوبر 1973م

كانت الأوضاع العسكرية، على الجبهة المصرية، تحوي العديد من المصاعب والمشكلات، سواء في الإعداد للمعركة أو في أثناء إدارة العمليات. وكان على القوات المصرية اقتحام قناة السويس ومواجهة عدو، يستند على خط منيع محصن على الضفة الشرقية للقناة، وكان مبدأ المفاجأة هو المبدأ الأول مثار الاهتمام في أثناء التخطيط والإعداد، فالمفاجأة تعد من أهم مبادئ الحرب، فهي التي تفتح الطريق لتحقيق المبادأة.

الهدف من الخداع الإستراتيجي

(1) تضليل العدو عن نية الهجوم، وتوقيته، وحجم القوات المشتركة، واتجاه الضربة الرئيسة.

(2) وضعت فكرة عامة للخداع الإستراتيجي، لينفذ بواسطة مصر وسورية، والذي اشتركت فيه المستويات الثلاثة الأساسية وهم السياسية، والإعلامية، والعسكرية.

ولتضليل العدو عن نية الهجوم تم ما يلي:

(أ) تضخيم سلبيات الوضع العربي؛ لإيهام إسرائيل بأن الدول العربية منقسمة على نفسها، بما لا يستقيم معه اجتماع كلمتهم على خوض الحرب، وإظهار الجهود السياسية والدبلوماسية بأنها تسعى وراء الوصول إلى الحل السلمي.

(ب) الحرص على استمرار قنوات الاتصالات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وحثها على وضع قضية الشرق الأوسط في أسبقية ملائمة، لإيجاد حل عادل لها.

(ج) استمرار اللقاءات والزيارات السياسية، سعياً للحل السلمي، حتى أنه يوم السادس من أكتوبر كان وزير خارجية مصر ومستشار الأمن القومي موجودين في الولايات المتحدة لبحث حل سلمي للموقف.

(د) وعلى المستوى الإعلامي، قامت أجهزة الإعلام بالتوقف عن التهديد بالحرب، مع تسريب بعض المعلومات عن ضرورة التقدم في الحل السلمي العادل، وتضخيم بعض السلبيات في الوضع العربي والانقسامات؛ لإظهار انصراف الدول العربية إلى حل مشكلاتها، بدلاً من الإعداد لتحرير أراضيها.

ولتضليل العدو وخداعه، عن قيام جبهتي سورية ومصر معاً في أي عملية مقبلة، كانت الخطة: إبراز أن الاتحاد الثلاثي القائم بين مصر وسورية وليبيا، يمر بأزمة حادة، قد تطيح به. كما أن التعاون مع سورية متعثر.

ولتضليل العدو عن موعد وتوقيت الهجوم:

(أ) قامت الأجهزة الدبلوماسية بالآتي:

·  الإعلان عن عقد مجلس الدفاع المشترك، في توقيت متأخر عن موعد الهجوم الفعلي.

·  تسريب بعض المعلومات عبر إحدى السفارات، عن زيارة مرتقبة لرئيس الجمهورية لدول عدم الانحياز، خلال شهري نوفمبر وديسمبر.

(ب) على الصعيد العسكري:

· برز في وسائل الإعلام تسريح دفعات مجندين، مع توفير فرص العمل لهؤلاء المسرحين.

· الإعلان عن زيادة مدة الإجازات السنوية للضباط والجنود، وفتح المصايف الجديدة لهم.

· إجراء مشروع تدريبي، يشترك فيه جميع أفرع القوات المسلحة، وتحت ستاره، تنفذ اللمسات الأخيرة للاستعداد للعملية الهجومية، بحيث يتحول المشروع إلى العمليات الحقيقية المخططة. وصدرت التعليمات بإجراء المشروع خلال المدة من أول أكتوبر 1973، حتى السابع منه، ولم تصدر أي قيود على هذا المشروع، حتى يبدو للجميع أنه مشروع تدريبي مألوف.

وقد سبق القيام بتدريب واسع في النصف الأول من عام 1973، اضطرت فيه إسرائيل تفادياً للمفاجأة أن تعلن التعبئة الجزئية، وتضع قواتها في درجة استعداد عالية، وهذا ما كلفها الملايين من الدولارات. وبالتالي فعند وصول معلومات إليها عن المشروع التدريبي في أكتوبر 1973، عدّته تدريباً عادياً مثل ما سبق، وتحقق المفاجأة بتحوله إلى عمليات حقيقية.

· في صباح يوم 3 أكتوبر 1973، وهو اليوم الذي يبدأ فيه دخول عناصر الكباري إلى الجبهة، نشرت الصحف المصرية ثلاثة أخبار مهمة، وهي:

ـ فتح باب العمرة خلال شهر رمضان لأفراد القوات المسلحة.

ـ قرار وزير الحربية، بتسريح أفراد الاحتياط المستدعين لمناورة الخريف، التي سبق الإعلان عنها بعد انتهائها مباشرة.

ـ نبأ زيارة وزير دفاع رومانيا إلى القاهرة، يوم 8 أكتوبر 1973، واستقبال وزير الحربية له.

ـ وفي نفس الوقت، قامت القيادة السورية بتخطيط وتنفيذ خطة خداع مماثلة، فحين قام سكرتير الأمم المتحدة كورت فالدهايم بزيارة الشرق الأوسط في أواخر شهر أغسطس، أعلنت سورية أنها مستعدة لاستقباله والتباحث معه في قرار 242 لمجلس الأمن، القرار الذي عارضته سوريا بكل قوة؛ لما فيه من اعتراف غير مباشر بحق وجود إسرائيل.

(ج) الموعد النهائي للهجوم وتوقيته

تم اختياره بعناية كاملة، وعلى أسس علمية سليمة؛ لتحديد أنسب توقيت للهجوم، يلائم جميع أعمال الأسلحة المشتركة في العملية بصرف النظر عن ملاءمته مع التوقيتات المعهودة المتبعة دائماً، وقد بدأت دراسة أنسب التوقيتات في سرية تامة، بدءاً من 30/1/1973م، واستمرت تسعة شهور، إلى أن تبلورت، وقد تم تنسيقها مع القيادة السورية، وإقرارها يوم 3/10/1973 أي قبل الهجوم بـ 72 ساعة فقط.

(د) أعمال الخداع، التي اتبعت بالنسبة لموعد الهجوم

· تم الإعلان في كل من مصر وسورية عن مناورات الشتاء قبل توقيت الهجوم الفعلي بوقت قصير.

· تم تحريك القوات المصرية على الجبهة عدة مرات، وعندما بدأ حشد القوات في أواخر سبتمبر، تذكرت إسرائيل ما حدث في مايو، من مناورات، وما توقعت القيام بأية عملية حربية رئيسة.


 



[1] طائرة قاذفة مقاتلة، يطلق عليها الشبح أو الطائرة الخفية، وتتميز بأن لها القدرة على امتصاص وتشتيت جزء كبير من الإشعاع الموجود في الحماية الرادارية، الموجهة إليها من الرادار المعادي، فيحول دون انعكاس موجاتها إلى الرادار المعادي. وبالتالي يعجز عن تمييزها.