إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / الخداع





الخداع الإستراتيجي الشامل
التخطيط للخداع الإستراتيجي العسكري
التخطيط للخداع التعبوي
تسلسل عملية الخداع
الاحتمالات المتوقعة
دور ومكان الخداع الإلكتروني
وسائل الخداع الإلكتروني الحديثة
استخدام المقلدات
مدى تأثير التأخير الزمني للاشتعال
التخطيط للخداع الإستراتيجي الشامل
الخداع الإستراتيجي العسكري




الفصل الثالث

ثالثاً: الخداع الإستراتيجي التعبوي في حرب الخليج الثانية

1. عملية غزو العراق للكويت واحتلالها (1 أغسطس 1990م)

أ. دور الخداع في عملية غزو العراق للكويت واحتلالها في 12 أغسطس 1990م

(1) الولايات المتحدة الأمريكية

(أ) منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران، شعرت أمريكا بوجود تهديد لمصادر البترول في منطقة الخليج، وأصبح هدفها السياسي العسكري في منطقة الشرق الأوسط عامة، ومنطقة الخليج العربي بصفة خاصة، هو " الوجود السياسي والعسكري المباشر في المنطقة؛ لحماية مصالحها الحيوية بها، مع زيادة تعاونها مع إسرائيل ". ولتحقيق هذا الهدف كان عليها العمل على إضعاف أقوى قوتين إقليميتين في المنطقة، وهما إيران والعراق. ولهذا شجعت بطريقة غير مباشرة العراق على مهاجمة إيران، وسمحت للحرب بينهما أن تستمر ثماني سنوات، تمكنت العراق بمعاونة مصرية عربية من تحقيق انتصار على إيران، ولكن أنهكت كلاً من الدولتين، عسكرياً واقتصادياً.

(ب) وانتهزت الولايات المتحدة هذا الموقف، لتشجيع العراق أو إعطائها الأمان، لتنفيذ ما تفكر فيه من غزو الكويت واحتلال آبار بترولها، لتحسين موقفها الاقتصادي المتردي. وهنا قامت الولايات المتحدة بأكبر عملية خداع سياسية عسكرية، بإيهام العراق بأنها لن تتدخل في أي صراع ينشب، وتضليل القيادة العراقية عن رد الفعل الأمريكي وأسلوب مواجهتها للغزو العراقي.

(ج) تمت مقابلة بين الرئيس صدام حسين، وبين سفيرة الولايات المتحدة في العراق في ذلك الوقت " أبريل جلاسبي "في 25 يوليه 1990م، حيث أعطت انطباعاً للرئيس صدام حسين بنية أمريكا عدم التدخل في أي خلاف، أو صراع سياسي، أو عسكري بين العراق والكويت، إذ قالت "ليس لدينا مواقف محددة في شأن الخلافات العربية كمشكلة الحدود العراقية الكويتية".

وكان هدف الولايات المتحدة الأمريكية، بالطبع، هو قيام العراق بغزو الكويت، وتهديد دول الخليج العربية، وهى الدولة القوية، فلن تجد هذه الدول بداً من الاستعانة بمساعدات خارجية، والموقف العربي، في مثل هذه الصراعات العربية، يتصف رد فعله بالبطء والتردد والانقسام، وتصبح الولايات المتحدة هي الجانب القوي المستعد لتقديم المعونة، وتصبح هذه البوابة، التي يدخل منها الوجود العسكري الأمريكي المباشر في منطقة الخليج.

(2) الجانب العراقي

أدت الحرب العراقية الإيرانية إلى خروج العراق منها أقوى عسكرياً، ولكنها أضعف اقتصادياً، ومثقلة بالديون الخارجية، وهنا نبتت، في ذهن الرئيس صدام حسين، فكرة غزو الكويت واحتلالها، وبذلك يصبح مسيطراً على أكثر من نصف بترول الشر ق الأوسط، ويحقق بذلك مطامحه بأن تصبح العراق قوة إقليمية عسكرياً واقتصادياً، وبالتالي يزيد وزنها عالمياً، وخاصة بالنسبة لدول الغرب والولايات المتحدة؛ ولهذا فكرت العراق في القيام بعملية هجومية خاطفة لاحتلال الكويت وضمها، وجعلها إحدى محافظات العراق التسع عشرة، والتمسك بها والدفاع عنها مع استعدادها لتطوير العمليات والاستيلاء على مناطق أخرى ذات الأهمية الإستراتيجية في المنطقة طبقاً للظروف.

ب. التخطيط العراقي لتحقيق الخداع السياسي والإستراتيجي لاحتلال الكويت

الخطوط العامة لخطة الخداع السياسي والإستراتيجي للعملية

(أ) كان الهدف العراقي هو إخفاء النوايا الحقيقية للقيادة العراقية، باستخدام القوة العسكرية لحل مشاكلها مع دولة الكويت، مع العمل على زيادة الغموض على أهدافها السياسية والاقتصادية في المنطقة، ومحاولة إقناع الرأي العام العربي بأن قوة العراق هي لحماية العرب.

(ب) بناء على هذا الهدف، تم التخطيط لأعمال خداع، تقود لإبعاد نظر دول العالم عامة والدول العربية خاصة، عن النوايا العراقية.

ج. أعمال الخداع خلال المرحلة الأولى (قبل تنفيذ العملية الهجومية)

(1) تبنى العراق فكرة إنشاء مجلس التعاون العربي، الذي أنشئ في فبراير 1989 من الدول العربية، التي تحيط بالإطار الخارجي لدول مجلس التعاون الخليجي (اليمن ـ الأردن ـ مصر بجانب العراق)، بهدف تحييد هذه الدول، خاصة مصر، عند بدء الأزمة ونشوب الصراع المسلح.

(2) عقد معاهدة صداقة وعدم اعتداء مع المملكة العربية السعودية في نفس العام؛ لإظهار النوايا الحسنة وإخفاء أي نوايا عدوانية نحوها أو نحو منطقة الخليج.

(3) وعود بحل الأزمة سياسياً، أكدها الرئيس صدام حسين للرئيس مبارك في أثناء زيارته للعراق، عقب نشوب الأزمة، وأنه ليس هناك نية لاستخدام القوات المسلحة، وأن الحشود العراقية قرب الحدود الكويتية هي لمجرد إجراء مناورات عسكرية.

(4) عاد الرئيس العراقي فأكد للملك فهد بن عبدالعزيز، عدم وجود نوايا لاستخدام القوات المسلحة في الأزمة العراقية الكويتية، ثم عاد وأكد ذلك لوزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، عند زياراته للعراق، بخصوص هذا الموضوع.

(5) تقليد الرئيس صدام حسين أمير دولة الكويت وسام الرافدين، وهو أعلى وسام عراقي، في شهر سبتمبر 1989م، فضلاً عن امتداح الرئيس العراقي للمواقف المساندة للعراق، من قبل أمير وشعب الكويت، في أثناء حربه مع إيران.

(6) محاولة إقناع المجتمع الدولي والعربي، بأن القيادة العراقية تحاول استنفاد جميع الوسائل السلمية لحل الأزمة مع الكويت، وكان اجتماع جدة في 31/7 فرصة لتأكيد هذا الإيحاء.

(7) ولزيادة فرض الغموض على الموقف العراقي، قامت العراق بالآتي:

(أ) التقدم بشروط صعبة لإجراء التسوية السلمية، كتعويض العراق عن خسائرها في حقول الرميلة للبترول، وتغيير رسم الحدود، وإسقاط الديون، وطلب منح مالية، وتأجير جزيرتين كويتيتين، وغير ذلك من الشروط الصعبة.

(ب) وكسباً للوقت وإمعاناً في إخفاء نية الهجوم المسلح، اتفقت العراق مع الكويت على استمرار المحادثات بينهما في بغداد.

(8) تضليل الرأي العام العربي بنوايا العراق الحقيقية، وذلك من خلال التصريحات العراقية بتهديد إسرائيل، والتصدي لها إذا قامت بأي اعتداء على دول عربية، أو بالتهديد باستخدام أسلحتها النووية، واستعداد العراق لردعها، واستخدام وسائل الإعلام في تعظيم القدرات العسكرية العراقية.

(9) محاولة كسب الرأي العام وتضليله عن الأهداف العراقية الحقيقية، من خلال كسب واستقطاب رجال الإعلام والأدب العربي والأجنبي، والفوز بتأييدهم، أو حيادهم على الأقل، للعمل، الذي ينوي العراق القيام به، علاوة على قيام وسائل الإعلام العراقية بتضليل الشعب العراقي، وكسب تأييده، بإثارة عواطفه وأمانيه.

د. الخطوط العامة لخطة الخداع العسكرية، قبل تنفيذ العملية الهجومية العراقية

إعداد مسرح العمليات بأسلوب لا يكشف نوايا العراق الحقيقية

(أ) إخفاء مراكز القيادة والسيطرة الإستراتيجية والتعبوية، وتحصينها.

(ب) تجهيز القواعد الجوية والمطارات بدشم ومخابئ للطائرات تحت سطح الأرض.

(ج) إقامة العديد من المواقع الهيكلية لإطلاق الصواريخ أرض/ أرض، مع إخفاء المواقع الحقيقية، في مخابئ تحت الأرض.

(د) إنشاء معامل تكرير بترول تحت الأرض، كافية للإمداد بالمواد البترولية اللازمة للعمليات.

(هـ) التوسع في إنشاء الطرق والكباري وتطويرها ضمن خطة التنمية.

(و) الحصول على تكنولوجيا تسليح وخداع متطورة، من المصادر الأجنبية، مثل تغيير البصمة الحرارية لبعض الأهداف العسكرية الصغيرة (الدبابات وقطع المدفعية ومنصات إطلاق الصواريخ) وتحت ستار دعم القوات المسلحة العراقية في مواجهة إيران.

(ز) التجهيز الإشاري لمسرح العمليات، باستخدام المواصلات الخطية، خاصة خطوط الألياف الزجاجية.

(ح) تسويغ التحركات العسكرية لحشد القوات المسلحة العراقية، بأنها لأغراض المناورات التدريبية، ووسيلة للضغط على القيادة الكويتية، مع عدم الإعلان عن التعبئة العامة، إلا بعد الغزو العراقي للكويت.

هـ. العوامل التي ساعدت على نجاح الخداع السياسي والإستراتيجي العراقي، على المستوى الكويتي والعربي

على الرغم من الحشود والتحركات العسكرية العراقية في اتجاه الجنوب، حيث بدأت قوات الحرس الجمهوري العراقية تتحرك من معسكراتها حول بغداد في 17 يوليه، وفي غضون أسبوعين، كانت هذه القوات قد تحركت مئات الأميال، واتخذت أوضاعها الهجومية على الحدود. كل هذا كان مكتشفاً ومعروفاً، ولكن عدم توقع قيام العراق بعمل عسكري ضد الكويت كان بسبب:

(1) أن المفاوضات العربية مستمرة، وتأكيد العراق عدم نيته للهجوم لزعماء العرب.

(2) أنه لا توجد في التاريخ المعاصر سابقة عن غزو دولة عربية لدولة عربية شقيقة، وهذا زاد من استبعاد احتمالات العمل العسكري.

و. أهم عمليات الخداع التعبوي

إخفاء يوم الهجوم ووقته، وهو أول أغسطس، ساعة 2359

(أ) يوافق هذا اليوم موعد مناسبة دينية (يوم عاشوراء)، ويعقبه يوم عطلة رسمية.

(ب) وجود معظم الشعب وأفراد الجيش الكويتي خارج البلاد.

(ج) انعقاد مؤتمر وزراء الخارجية للدول الإسلامية.

(د) كانت المفاوضات العراقية الكويتية مستمرة.

(هـ) اختيار التوقيت بعد منتصف الليل، باستغلال ضوء القمر في التحركات، ولعلم العراقيين بضعف القوات الكويتية في أعمال القتال الليلي.

(و) استخدام وسائل الإخفاء والتمويه المتطورة، وعلى نطاق واسع.

(ز) دفع العديد من العملاء والجواسيس داخل الأراضي الكويتية للحصول على أحدث وأدق المعلومات، التي تعاونهم على تحقيق المفاجأة والمباغتة. علاوة على الاستعانة بشركات فرنسية تعمل في عمليات التصوير بالأقمار الصناعية، في الحصول على المعلومات المعينة التي تهم القيادة العسكرية العراقية.

2. عملية درع الصحراء

هي مرحلة الدفاع عن السعودية، وبدأت من 7 أغسطس، ببدء وصول القوات الأمريكية وباقي قوات التحالف إلى أراضى المملكة العربية السعودية، والتي استمرت حتى الأسبوع الأول من شهر أكتوبر، وفيه اكتمل حشد القوات الكافية، لصد أي هجوم عراقي على الأراضي السعودية. 

الهدف من الخداع

من وجهة نظر الولايات المتحدة والمملكة السعودية، هو صرف نظر القيادة العراقية عن التفكير في مهاجمة المنطقة الشرقية للسعودية الغنية بالنفط، وذلك كسباً للوقت، حتى يمكن لأمريكا ولقوات التحالف، حشد القوات والوسائل الكافية، لصد أي هجوم عراقي متوقع.

وتعتبر هذه المرحلة من المراحل غير المهمة في تاريخ حرب الخليج الثانية، لأنه لم تظهر نوايا عدوانية عراقية بالهجوم، على الرغم من حشد أكثر من 11 فرقة برية، كافية لتحقيق هذا الهدف في تلك الفترة، ومع ذلك، فقد تمت بعض المحاولات الخداعية على المستوى السياسي والإعلامي لدول التحالف أهمها:

(1) العمل على كشف خطة الخداع السياسي والإعلامي العراقي للمجتمع الدولي، وذلك بتوزيع الأدوار على دول التحالف، كل في مجال نفوذه.

(2) استمرار الولايات المتحدة في طرح المبادرات، لاحتواء الأزمة، وإيجاد حل سلمي مناسب للأزمة، على الرغم من الرفض المستمر للقيادة العراقية، مما أوجد حالة من الشك في جدية الولايات المتحدة، والتحالف الدولي، في استخدام الخيار العسكري.

(3) تعظيم قدرات العراق العسكرية واعتبارها القوة الرابعة في العالم، وذلك لإقناعها بان الولايات المتحدة متخوفة من استخدام الخيار العسكري.

(4) الإعلان المستمر من أن حشد قوات التحالف يهدف إلى الدفاع عن الأراضي السعودية، وليس للهجوم.

(5) ساعدت جلسات الاستماع في الكونجرس الأمريكي، وظهور آراء كثيرة ضد أي عمل عسكري، في إقناع صدام حسين تماماً، بأن الولايات المتحدة لن تقدم على عمل عسكري ضد العراق، وأن كل ما يحدث مجرد ردع نفسي، وأن عقدة حرب فيتنام ستظل مهيمنة على عقول المسؤولين الأمريكيين، الذين سيسعون إلى حلول توفيقية، لدرجة أن العديد من المعلقين العرب بدأوا في الاقتناع بأن الحرب بعيدة الاحتمال.

(6) من وجهة نظر الخداع العسكري، فقد حاولت قوات التحالف أن تبرز أن دفاعها مركز على الحدود الكويتية السعودية فقط، وليس على طول الحدود العراقية السعودية وهذا الإيحاء كانت له أهميته في خطة الخداع الإستراتيجي والتعبوي، في مرحلة الهجوم، لطرد القوات العراقية من الكويت، ولهذا لم تبدأ قوات التحالف في إعدادا مسرح العمليات في هذا الاتجاه، إلا بعد بدء الحملة الجوية ضد العراق، والحصول على السيطرة الجوية.

3. عملية عاصفة الصحراء

دور الخداع في عملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت وتدمير آلة الحرب العراقية:

أعمال الخداع لقوات التحالف

كان الهدف من الأعمال الخداعية هو توفير أنسب الظروف لاستخدام الخيار العسكري، لتدمير آلة الحرب العراقية، وتحرير الكويت، مع كسب تأييد الرأي العام، وقلة الخسائر.

(1) الخداع السياسي: (إخفاء النية باستخدام الخيار العسكري)

(أ) الاستمرار في إقناع القيادة السياسية والعسكرية العراقية بأن الولايات المتحدة زعيمة التحالف، وباقي الدول، غير راغبين في الاستخدام العسكري لحل المشكل، وأن حشد قوات التحالف في المملكة السعودية يهدف فقط إلى الدفاع عنها ضد هجوم عراقي بجيشه القوى، الذي يُعد رابع قوة عسكرية في العالم.

(ب) الاستمرار في تقديم وطرح المبادرات، لاحتواء الأزمة، وإيجاد حل سلمى مناسب للأزمة، وقد روعي في اختيار وصياغة هذه القرارات المتتالية للأمم المتحدة وأسلوب اتخاذها، ألا تقبل من القيادة العراقية، مما يُعد استدراجاً للقيادة العراقية، إلى فرض استخدام الخيار العسكري على قوات التحالف، وبموافقة الرأي العام العالمي، وبمبادرة مجلس الأمن.

(ج) عقب صدور قرار مجلس الأمن، بجواز استخدام الوسائل اللازمة لتحرير الكويت، إذا لم تنسحب العراق قبل 15 يناير 1991م، أعلن الرئيس الأمريكي مبادرة بدعوة وزير الخارجية العراقي، للتفاوض معه في واشنطن، بحضور سفراء دول الخليج، كما طلب من الرئيس العراقي دعوة وزير الخارجية الأمريكي للتفاوض معه، وذلك ما بين 15 ديسمبر و15 يناير وذلك بهدف:

·  إشعار العراق أن الولايات المتحدة مازالت متخوفة من استخدام الخيار العسكري.

·  إبراز الولايات المتحدة ودول التحالف أنهم يرغبون، بشدة، تجنب الحرب، وأن حل هذا الموضوع في يد العراق، وبذلك يكسب الرأي العام الأمريكي والعالمي.

·  وفي نفس الوقت، تؤدي هذه التصرفات إلى خداع وتضليل القيادة العسكرية العراقية عن قدراتها الحقيقية، مقارنة بقوات التحالف، وشعورها بالتفوق.

(2) الخداع الإستراتيجي

(أ) إخفاء بناء التجمعات الرئيسة لهجوم قوات التحالف واتجاه الضربة الرئيسة، وذلك:

·  لم يجر حشد كلا الفيلقين السابع والثامن عشر في المناطق الابتدائية للهجوم – وهى على مسافة من 150-300 ميل في أقصى الغرب، إلا قبل بدء العمليات البرية بأيام قليلة وبعد بدء الحملة الجوية، وتحقيق السيادة الجوية على مسرح العمليات بأكمله، وذلك لإخفاء أي تجمعات أو أوضاع لقوات التحالف، تكشف نية الهجوم أو اتجاه الضربة الرئيسة للحملة البرية.

·  القيام بعمليات ونشاطات بحرية هدفها إقناع القيادة العراقية، بأن اتجاه الهجوم الرئيس لقوات التحالف، سيكون من اتجاه المنطقة الشرقية والشمالية (اتجاه الحدود السعودية الكويتية) يصاحبها عمليات إبرار بحري ضخمة.

ـ قصف مدفعي من الطرادات الأمريكية للدفاعات العراقية في كل من الكويت والبصرة، بدءاً من 22 يناير، أي خلال تنفيذ الحملة الجوية، ثم ضربة نيرانية أخرى في 3، 4 فبراير على مراكز القيادة والمستودعات وبطاريات المدفعية، مع تسريب معلومات، تؤكد أن هذا تمهيد لعملية إبرار بحري على الساحل الكويتي.

ـ تم الاستيلاء على جزيرتي فاروة وأم المراد، مع التركيز على قصف جزيرة فيلكة جواً وعزل الكويت عن العراق. مع إبراز عدة مؤشرات تؤكد تزامن الإعداد للمسرح البحري وعملية الإبرار البحري، مع العمليات البرية خاصة في اتجاه المنطقة الشرقية والشمالية.

ـ تحرك 31 سفينة حاملة لقوات مشاة الأسطول، بدءاً من 5 فبراير، إلى مناطق تجمع أمامية في الخليج لتنفيذ عملية إبرار بحري (22 ألف جندي)، مع إعادة تمركز مجموعات قتال الإبرار البحري في مناطق شمال الخليج العربي، ثم بدأت في تركيز القذف الجوى والبحري على الساحل، لمدة 4 أيام بدءاً من 7 فبراير.

ـ دعم القوات البحرية للتحالف بسفن مستشفيات، تأكيداً لنية الإبرار البحري، ووقوع خسائر.

ـ لزيادة الغموض، تم استخدام الإعاقة اللاسلكية، بما يوحي بنية القيام بعمليات إنزال بحري كبيرة.

(ب) أعمال الخداع لإخفاء اتجاه الضربة الرئيسة لقوات التحالف: فضلاً عما سبق من نشاطات خداعية للقوات البحرية، كانت كلها توحي أن اتجاه الضربة الرئيسة للقوات البرية، سيكون من اتجاه الشرق الموازي للساحل بوصفه أقصر اتجاه يؤدي إلى قلب الكويت لاستعادتها، تم:

·  تطعيم القوات السعودية والكويتية المتمركزة في هذا الاتجاه بفرقتين من مشاة الأسطول، لزيادة حجم القوات، وتأكيد خطة الخداع.

·  لزيادة التضليل عن اتجاه الضربة الرئيسة، تم التخطيط لتنفيذ العملية الهجومية، من خلال ضربة رئيسية، وأربع ضربات معاونة، علاوة على الاتجاه البحري بالقيام بعملية إبرار بحري لتشتيت جهوده ضد الاتجاه الرئيس.

·  تحددت توقيتات مختلفة لبدء الهجوم (ساعة س) حيث تبدأ القوات في المنطقة الشرقية، وكذلك قوات الفيلق 18 في الغرب ساعة 400 يوم 24، بينما قوات الجهد الرئيسي (الفيلق 17) بعد ظهور بوادر النجاح، وحدد له يوم ي + 1 (يوم 25).

·  بدء العمليات الحربية لقوات التحالف، بحملة جوية منفصلة، استمرت 38 يوماً، بحيث توحي للعراق بأن قوات التحالف، قد تقتصر عليها في تحقيق أهدافها، والضغط على العراق للانسحاب، والذي يؤكد فهم العراق لذلك، هو أنها استمرت متمسكة بمواقعها على الرغم من خسائرها، ولكنها بمجرد بدء الهجوم أصدرت القيادة العراقية أمرها لقواتها بالانسحاب بعد مرور ما يقرب من يومي قتال.

·  تمت كل عمليات التخطيط في سرية تامة، وبدون أي نشاط يؤدى إلى كشف الخطط، وعلى سبيل المثال " تمت إقالة الفريق أول/ "مايكل دوجان" رئيس أركان القوات الجوية، عندما لمح في أثناء عودته من زيارة السعودية لأحد المراسلين "أن الحملة الجوية ستكون لشل القيادة العراقية في بغداد".

(3) الخداع التعبوي خلال الحملة الجوية لقوات التحالف

كان الهدف الأول من الخداع التعبوي هو إخفاء توقيتها واتجاهها وأهدافها:

(أ) تنفيذ إعاقة لاسلكية ورادارية مكثفة، لفترات زمنية محدودة، مع تكرارها أكثر من مرة، قبل بدء الضربة، لتعويده على ذلك، فيتم تضليله عن توقيت بدء الضربة الجوية. كما أفادت هذه العملية في إرغام القوات العراقية، على تشغيل جميع وسائلها الرادارية واللاسلكية، فأمكن تحديد أماكن عملها ونظامها.

(ب) تنفيذ أعمال الإعاقة اللاسلكية والرادارية من اتجاهات مختلفة من الشمال والغرب والجنوب.

(ج) اختيار توقيت الضربة الجوية، في موعد غير شائع للاستخدام (ساعة 0300/ 17 يناير) فضلاً عن اختيار ليلة مظلمة لحرمان نقط المراقبة بالنظر العراقية من تحديد اتجاهات الاقتراب.

(د) استخدام أسلوب وتكتيكات جديدة، للتعاون بين القوات الجوية وقوات الحرب الإلكترونية، لتضليل مراكز الإنذار العراقية عن أهداف الهجمات الجوية، وذلك بأنه لم يبدأ الإعاقة اللاسلكية والرادارية ضد الأهداف العراقية إلا مع وصول طائرات الموجة الأولى إلى أهدافها المحددة، بعكس الأساليب المضادة.

(هـ) بدء الضربة الجوية باستخدام الطائرات ف 117[1] في الموجات الأولى، لتدمير مراكز الإنذار والتوجيه، مع استخدام الصواريخ الذكية توما هوك، التي يصعب اكتشافها رادارياً، في نفس التوقيت، لتدمير مراكز قيادة الدفاع الجوى والقواعد الجوية الإستراتيجية والتعبوية.

(و) تم دفع عدد من الطائرات العمودية " أباتشي " الهجومية، بمهمة تدمير جهازي رادار عراقيين، داخل العراق، قبل بدء اكتشافهما لباقي الطائرات المخصصة لتوجيه الضربة الأولى، واستمرت الطائرات العمودية مع طائرات ف 117 الشبح، في فتح الثغرات في نظام مراقبة وإنذار الدفاع الجوي العراقي.

(ز) كان لأسبقية ضرب الأهداف سبب آخر للمفاجأة، ذلك أنه كان من ضمن أهداف الضربة الأولى عدة أهداف مدنية (أهداف سياسية لمقر صدام حسين، ووزارة الخارجية، والمخابرات العامة، ومحطات توليد القوى) وذلك لإرباك القيادة السياسية والقيادة والعسكرية.

(ح) تحقيق المفاجأة في أساليب استخدام القوات الجوية، خاصة التوسع في استخدامها نظريات الحرب الجوبرية، مما سبب الارتباك الشديد للقوات العراقية المدافعة.

(4) الخداع التعبوي خلال الحملة البرية لقوات التحالف

(أ) تضمنت خطة الخداع تنفيذ خطة تحركات خداعية، تنتهي مع بداية الهجوم، هدفها إخفاء مواقع تمركز القوات وأوضاعها الابتدائية للعملية، فضلاً عما سبق ذكره من تأخير اتخاذ الفيلق 7 والفيلق 18 أوضاعها الابتدائية في قاعدة الهجوم، إلا بعد تحقيق قوات التحالف للسيطرة الجوية.

(ب) تم فتح عدد كبير من الثغرات في الموانع الهندسية للمواقع العراقية، للتضليل وإخفاء اتجاهات الاختراق للقوات المهاجمة.

(ج) القيام بعمليات إبرار جوي وإسقاط خداعي في عمق الأراضي الكويتية، سواء من اتجاه البحر أو الاتجاه البري، بهدف تضليل القيادة العراقية عن اتجاه الضربة الرئيسة، وتشتيت جهود الاحتياطات العراقية.

(د) التوسع في أعمال تجهيز مسرح العمليات في المنطقة الشرقية والشمالية، طوال عملية الفتح الإستراتيجي، مع تدعيم هذا الاتجاه بقوات من مشاه البحرية الأمريكية، وبناء التكديسات الإدارية، وفتح عناصر التأمين الفني والطبي؛ للإيحاء بأن اتجاه الضربة الرئيسة سيكون في نطاق المنطقة الشرقية والشمالية (الحدود الكويتية – السعودية)، مع تأجيل تجهيز مسرح العمليات الغربي إلى آخر وقت ممكن.

(هـ) إن اختيار الضربة الرئيسة من خلال الحدود العراقية – السعودية، وجعل اتجاه الهجوم يكون من الغرب للشرق، حقق مفاجأة كبيرة للقوات العراقية، التي كانت تتوقع الهجوم من اتجاه الجنوب في اتجاه الشمال، ولهذا تمكنت قوات التحالف من سرعة الاختراق، ومفاجأة قوات الحرس الجمهوري العراقية عصب القوات وقوتها الضاربة، بل هاجمتها من الغرب، وبينما كانت مواقعها مجهزة لمواجهة هجوم من الجنوب.

(و) ساعد في تحقيق المفاجأة، وسهولة تضليل القوات العراقية، التفوق الكبير للإمكانات الإلكترونية في الاستطلاع، والإعاقة والتضليل، والسيادة الجوية لقوات التحالف، وهذا ما حرم القيادة العراقية من أية معلومات.

(ز) كما ساعد في عملية تجسيم وتضخيم قوة التحالف، وإضعاف الروح المعنوية للقوات العراقية، ورغبتها في القتال، الحرب النفسية المكثفة، التي صاحبت الحملة الجوية العنيفة.

(ح) زيادة الغموض للقيادة العراقية وزيادة الارتباك بالنسبة لاستخدام احتياطاتها، أو إعادة تمركزها، وذلك بتنشيط الجبهة التركية، وذلك لزيادة الضغط للقيادة العراقية وإرهاقها.

(ط) تضليل القيادة العراقية عن نتائج الضربات الصاروخية، التي وجهتها ضد السعودية، لتشكيك القيادة العراقية في نتائج هذه الضربات وفاعليتها.

(5) الخداع خلال المعركة الدفاعية للقوات العراقية

لم يكن هناك أية مظاهر لعمليات خداع إستراتيجي أو تعبوي للقوات العراقية في أثناء معركتها الدفاعية ضد قوات التحالف، وذلك لما أحدثته الضربات الجوية والبرية المؤثرة لقوات التحالف مما أفقد القيادة العراقية أية إمكانات للمبادأة أو السيطرة على سير الأعمال في مسرح العمليات، خلال الحملتين الجوية والبرية.

ولكن كانت هناك بعض محاولات الخداع والتضليل التكتيكية الناجحة، خاصة في مجال الصواريخ أرض/ أرض العراقية أهمها:

(أ) لتضليل التحالف عن قدرات العراق الصاروخية ومواقع انتشارها

·  إنشاء مواقع هيكلية لمواقع الإطلاق، مصنوعة من الألياف الزجاجية والألمونيوم والخشب المضغوط، في حين أن معظم مواقع الإطلاق كانت إما في مخابئ تحت الأرض أو كان يتم إطلاقها من مواقع متحركة.

·  استخدام تكتيكات خداعية في تنفيذ الضربات الصاروخية، حيث كانت تقوم في بعض الفترات بتخفيض كثافة الضربات الصاروخية، للإيحاء بنتائج غير حقيقية للقصف الجوي، ثم تقوم فجأة بمناورة بضرباتها الصاروخية، بما يضمن لها درجة أكبر من الفاعلية والتأثير النفسي.

·  إجراء تطوير كبير في سرعة فتح وقفل منصات الصواريخ المتحركة، حيث قلل وقت الفتح والقفل إلى أقل وقت ممكن (7 دقائق للقفل)، مما جعل من الصعوبة على وسائل تدمير قوات التحالف من متابعتها والاشتباك معها، على الرغم من تحديد أماكن الإطلاق.

(ب) لاستنزاف الضربات الجوية والصاروخية وزيادة الغموض عن حجم الخسائر

·  استغلال نتائج التدمير للأهداف الحيوية والمنشآت والأسلحة، وتوزيعها على المواقع الحقيقية لإظهارها مدمرة.

·  نشر مواقع الصواريخ سكود (ب) في المواقع المدمرة.

·  التوسع في إنشاء المواقع الهيكلية، وتزويدها بعبوات مجهزة للتفجير من بعد، يتم إشعالها فور القذف الجوي لها، وشمل ذلك مواقع الصواريخ أرض/ أرض، والمطارات والقواعد، ومواقع المدفعية، ومراكز القيادة، ولهذا جاءت نتائج القصف الجوي لقوات التحالف مبالغاً فيها.

(ج) استخدام وسائل الإخفاء والتمويه المتطورة

·  تمكنت القيادة العراقية، بواسطة مجموعة من الخبراء من الدول الصديقة، من وضع عناصر خطة إخفاء وتمويه وخداع فنية، لتعويض الفارق في التفوق التكنولوجي لوسائل القتال، وتقليل قدرة الخصم على تدمير الأهداف وذلك:

ـ تغيير البصمة الحرارية للأهداف العسكرية الصغيرة مثل (الدبابات وقطع المدفعية ومنصات إطلاق  الصواريخ)، وذلك بتغيير الخواص النوعية لهذه الأهداف طبقاً لاختلاف درجة الحرارة للهواء ليلاً ونهاراً.

ـ إخفاء منصات إطلاق الصواريخ سكود (ب)، والطائرات العمودية في المزارع الكثيفة في جنوب العراق، لإخفائها عن وسائل الاستطلاع الضوئي والحراري.

ـ استغلال سحب الدخان الكثيف الناتجة من إشعال الحرائق في آبار البترول؛ لإضعاف وسائل الاستطلاع المختلفة البصرية والإلكترونية.

إن منظومة الحرب الإلكترونية، سواء في أعمال الاستطلاع والحصول على المعلومات أو في أعمال الخداع والتضليل والإعتام، وحرمان العدو من وسائل استطلاعه أو وسائل سيطرته، ستلعب الدور الرئيس في عمليات الخداع في أية حرب مقبلة، لا سيما الخداع على المستوى الإستراتيجي (إخفاء النية). ولكن لن تتوقف العقول، في الوقت نفسه، عن تحقيق الخداع بالوسائل المبتكرة.

سيظل الخداع هو أهم الوسائل والطرق، التي تقود إلى المفاجأة، التي تسهل كثيراً في سرعة تحقيق الأهداف، وتقليل الخسائر، وكان هذا واضحاً في بنجاح قوات التحالف في خداع القوات العراقية عن اتجاه الضربة الرئيسة من الغرب، وتم حصار هذه القوات وتدمير معظمها (43 فرقة) في مدة أربعة أيام (100 ساعة).

إن خطة الخداع، لكي يتسنى لها النجاح، يجب أن تبنى على قواعد، أهمها أن توضع الخطة على أعلى مستوى قيادي في الدولة، ليمكن تنسيق الجانب السياسي مع الجانب العسكري، مع مراعاة ربطها بالواقع، وتناسق إجراءات تنفيذها، مع إحاطتها بسياج قوي من السرية والتكتم عن قواتنا، قبل العدو.

رابعاً: أعمال الخداع خلال حرب الخليج الثالثة (غزو العراق)

كان الهدف الإستراتيجي العسكري هو تدمير مراكز الثقل للقوات العراقية، والاستيلاء على آبار البترول؛ ثم يلي ذلك الاستيلاء على العاصمة السياسية بغداد، والقضاء على النظام السياسي.

من أجل ذلك خططت القيادة الأمريكية وأدارت الخداع الإستراتيجي بكل أبعاده، بالتنسيق مع أعمال القوات الخاصة، والقدرات التدميرية المتعاظمة لأنظمة التسليح، لإحداث التدمير المادي والمعنوي في القيادات والقوات العراقية، لتحقيق سرعة انهيارها. وقد نُفذ ذلك من الجانبين كليهما.

1. أعمال الخداع للجانب العراقي

أ. ظهور العراق بمظهر الدولة القوية القادرة على مجابهة القدرات العسكرية لقوات التحالف.

ب. استخدام العراق سياسة الغموض، من ناحية امتلاك القدرات غير التقليدية، ليوحي بأنه يمتلك هذه الأسلحة، ما زاد من إصرار قوات التحالف على الحرب.

ج. التوسع في أعمال الإخفاء والخداع، واستخدام الكمائن، والانتقالات والتغيير المستمر لشكل وحجم التجمعات الرئيسية لوسائل الدفاع الجوي، وذلك لمواجهة التطور في وسائل وإمكانات الاستطلاع الجوي الفضائي، والتكنولوجيا الحديثة في توجيه الذخائر جو/ أرض، للقوات الأمريكية.

د. إعادة انتشار وسائل الدفاع الجوي بمعدلات عالية بعد تنفيذ الضربة الجوية، لحرمان قوات التحالف من تحديد شكل وحجم التجميع لوسائل الدفاع الجوي.

هـ. التوسع في تنفيذ المناورات لعناصر الدفاع الجوي، وتنفيذ الانتقالات العشوائية لأجهزة الرادار خلال الضربة الجوية، لحرمان قوات التحالف من تحديد مواقعها.

و. استخدام المواقع الهيكلية، والتي ساعدت على الربط الخاطئ لإحداثيات الأهداف المطلوب التعامل معها.

ز. الإضاءة الليلية المستمرة وبكثافة عالية، للتأثير على أجهزة الرؤية الليلية المزود بها الصواريخ الموجهة والطائرات المقاتلة والقاذفة، حيث ساعد ذلك على عدم تمييز الأهداف بدقة، ومن ثم حدوث الأخطاء في إصابة الأهداف.

ح. استخدام المرايا العاكسة بكثافة حول المدن، لتشتيت أنظمة التوجيه لأسلحة الهجوم الجوي الحديثة للعدو.

ط. تنفيذ القيادة العراقية أعمال الخداع عن نتائج الهجمات الجوية لقوات التحالف، ما أدى إلى انعكاس ذلك على أعمال القتال التالية ضد القوات العراقية.

ي. ظهر تأثير أجهزة الإعاقة والشوشرة الحديثة للقوات العراقية، على أجهزة توجيه الأسلحة الذكية الأمريكية في المراحل الأولى للعملية، حيث اكتشفت المخابرات الأمريكية أن العراق حصل على هذه الأجهزة من أحد المعارض الروسية عام 2002، ما كان له أكبر الأثر في خداع القوات الجوية الأمريكية عن إصابة أهدافها بدقة.

ك. نظراً للتفوق التكنولوجي لوسائل القتال لقوات التحالف، اعتمد العراق على التوسع في استخدام وسائل الخداع والإخفاء والتمويه، لتقليل نسبة الخسائر، وحرمان قوات التحالف من الحصول على معلومات عن قواته، كما يلي:

(1) لمقاومة وسائل الاستطلاع الحراري المجهزة بأقمار التجسس، استخدم العراق الدخان الكثيف لإخفاء بعض قواته خلال التحركات. وقد نجح في إخفاء وحماية العديد من المنشآت العسكرية، على الرغم من شدة القصف الجوي المتواصل من قوات التحالف.

(2) أنشأت القوات العراقية العديد من المواقع والأهداف الهيكلية، والتي تشبه تماماً الأهداف الحقيقية المطلوب حمايتها. وأُقيمت هذه الأهداف الهيكلية على مسافات مختلفة من الهدف الحقيقي، مع الحرص على إظهار تلك الأهداف الهيكلية أقرب ما تكون إلى الحقيقية.

2. أعمال الخداع لقوات التحالف الدولية

أ. أجرت القوات الأمريكية مشروعات هيكلية كإجراء خداعي، تمهيداً لغزو العراق.

ب. استخدام قوات التحالف للشعارات المختلفة، التي ركزت على أن قوات التحالف قادمة لتحرير العراق وإقامة الديموقراطية.

ج. إنشاء محطات إرسال موجهة للشعب والجيش العراقي باللغة العربية، لخداعهما عن نية الهجوم الأمريكي.

د. التعتيم الإعلامي عن أعمال القتال، وعدم السماح لوسائل الإعلام ببث أي معلومات إلا تلك التي تريد قوات التحالف الإعلان عنها. وقد كان ذلك سبباً في غموض الموقف على الجبهة، وعدم قدرة القيادات العراقية إجراء تقدير سليم للموقف.

هـ. استخدام الجواسيس والعملاء على نطاق واسع، وكذلك الحرب النفسية والحرب المعلوماتية، ما ساعد في خداع القوات العراقية بضرورة ترك المواقع والانسحاب.

ز. في مجال الإعاقة الإلكترونية:

(1) استخدمت قوات التحالف وسائل الخداع الإلكتروني لتحقيق المفاجأة في عمليات الغزو على العراق، وذلك بعمل خطة خداع إستراتيجية تشترك فيها كل الأسلحة المقاتلة والمعاونة على كافة المستويات، والتي من مشتملاتها الرئيسية الخداع الإلكتروني.

(2) تنفيذ قوات التحالف خطة إعاقة لاسلكية خداعية، تعتمد على تقليد أسلوب تنفيذ القوات العراقية في الاتصال اللاسلكي، وكذا تمثيل للنشاط الإلكتروني الصديق، إضافة إلى التضليل، بتسريب معلومات غير حقيقية عن قوات التحالف.

(3) تنفيذ قوات التحالف الإعاقة الرادارية السلبية الخداعية، وذلك باستخدام العواكس الركنية، والرقائق المعدنية، والستائر المعدنية.

(4) الإعاقة الإلكترونية للنظم الإلكترونية للقوات العراقية، وذلك بتوجيه حزمة من الأشعة الكهرومغناطسية المتعمدة إلى أجهزة الاستقبال العراقية، بهدف تعميتها أو خداعها لشل أو إرباك عملها.

خامساً: أعمال الخداع خلال حرب فوكلاند

1. لأغراض الخداع السياسي والإستراتيجي، أعلن وزير الدفاع البريطاني في مؤتمر عُقد يوم 20 مايو، أن القوات البريطانية لا تخطط لغزو واسع النطاق لجزر فوكلاند، ولكنها تتطلع إلى شن سلسلة مستمرة من الإغارات، بأسلوب "اضرب واهرب".

2. نجاح خطة الخداع البريطانية في إخفاء نوايا القوات البريطانية في استعادة جزيرة فوكلاند بالوسائل العسكرية، وذلك بالسعي بالطرق الدبلوماسية (أُنظر قرار مجلس الأمن الرقم 502) للضغط على الحكومة الأرجنتينية للانسحاب من الجزيرة، مع الاستعداد لتصعيد الموقف واستعادة الجزر بالقوة.

3. تحقق الخداع السياسي والعسكري، وذلك بعدم إعلان التخطيط البريطاني، ولكنه بنى التخطيط أساساً على تصاعد تدريجي من الضغط العسكري، أملاً في الوصول إلى حل سياسي على مائدة المفاوضات، دون الاندفاع إلى بدء العمل العسكري.

4. أعلنت القوات البريطانية عن تحركات للغواصات النووية البريطانية في اتجاه جزيرة فوكلاند، كإجراء خداعي، في محاولة منها لردع الجانب الأرجنتيني؛ علماً بأن القوة التقليدية تكفي لتحقيق الهدف.

5. استيلاء القوات البريطانية على جزيرة جورجيا الجنوبية، لتشتيت جهود الجانب الأرجنتيني وخداعهم عن اتجاهات اقتراب القوات البحرية البريطانية إلى جزر فوكلاند. وفي الوقت نفسه استخدامها كقاعدة بحرية متقدمة.

6. ولخداع القوات الأرجنتينية عن اتجاه الهجوم الرئيسي، أبحرت المجموعة البرمائية البريطانية في اتجاه الجنوب، حيث قصفت الأهداف على الساحل أثناء مرورها بصفة مستمرة، لمدة 48 ساعة، على ميناء هوارد ـ جوس جرين، وميناء ستانلي، وميناء لوسي، وخليج فوكس، وميناء نامار، لأغراض الخداع عن اتجاه الهجوم الرئيسي.

7. الاعتماد على المفاجأة التكتيكية باختيار مكان غير متوقع للإبرار، مع القيام بأعمال الخداع لجذب الانتباه إلى احتمالات الإبرار في أماكن أخرى.

8. استخدمت القوات البريطانية الرقائق المعدنية بتوسع ونجاح، حيث حققت درجة عالية من الخداع في حرب فوكلاند في أعمال الإعاقة، خاصة في مواجهة الهجوم الجوي الكثيف. وقد أدى النجاح الفعلي للرقائق المعدنية إلى انحراف الصواريخ بعيداً عن حاملة الطائرات هرمز.

سادساً: الخداع الإستراتيجي في حرب البلقان

1. من أعمال الخداع السياسي، تصريح عدد من قادة دول أوروبا عن حياد دولهم، ومعارضة بعضهم قيام حلف الناتو بأعمال عسكرية ضد الصرب.

2. بدأت المرحلة التمهيدية بتنفيذ خطة خداع إستراتيجي شامل، اشتركت فيه القيادات السياسية والعسكرية، بهدف تشتيت جهود القوات الصربية وتضليلها عن أهداف الحملة الجوية.

3. بُنيت خطة خداع قوات حلف شمال الأطلسي على نظرية الاشتباك الآمن عن بعد، والتي تعمل على تحقيق أهدافها وتنفيذ هجماتها من مسافات آمنة، تضمن بها عدم تعرضها لوسائل الدفاع الجوي المعادية، مع عدم إدخال القوات البرية إلى ميدان القتال، كإجراء خداعي غير تقليدي لأسلوب الهجوم ضد القوات الصديقة.

4. شن القوات الجوية لحلف الناتو طلعات جوية للتدريب والاستطلاع، لخلق إحساس بالتعود لدى القوات الصربية على الأعمال الروتينية للقوات الجوية يومياً، وصاحب ذلك تنفيذ عملية تعمية متكررة للرادارات الصربية.

5. تحريك حلف شمال الأطلسي 24 ألف جندي إلى مقدونيا، والتي تقع جنوب الإقليم مباشرة، ما أدى إلى دفع صربيا بحوالي ثلث جيشها إلى كوسوفا، لمواجهة احتمالات الغزو من اتجاه مقدونيا.

6. بدأت الحرب باستغلال الظلام لخداع القوات الصربية، بتوجيه ضربات جوية وصاروخية، استهدفت وسائل الدفاع الجوي الصربي ومراكز القيادة والسيطرة.

7. استخدام القوات الصربية أجهزة التشويش وأجسام خداعية، ضد صواريخ قوات حلف شمال الأطلسي.

سابعاً: الخداع في الحرب الإسرائيلية على لبنان (عام 2006)

عقب انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني، عام 2000، تمسك حزب الله بالاحتفاظ بقواته مادامت هناك أراضٍ لبنانية محتلة. ووضع حزب الله هدفاً معلناً لقواته المسلحة، هو مقاومة العدوان الإسرائيلي واحتلال إسرائيل للأراضي اللبنانية.

خلال شهر يوليه 2006، احتجز حزب الله جنديين إسرائيليين، كخطوة يهدف منها حزب الله إلى استعادة المعتقلين لدى إسرائيل، متوقعاً أن تدخل إسرائيل في مفاوضات يعقبها عملية تبادل أسرى. واستطاع حزب الله تنفيذ الخداع على المستوى الإستراتيجي والميداني.

1. على المستوى الإستراتيجي

أ. وضح جلياً من خلال الحرب أن عناصر حزب الله تتمتع بمستوى عالٍ جداً من التدريب، واستطاع حزب الله تحقيق ذلك في غياب رقابة العدو، الذي خُدع تماماً من مستوى الأفراد، والروح المعنوية التي ظهروا بها، وتمسكهم بالمهمة وإصرارهم على تحقيق النتائج المرجوة للقتال. كما كان هناك دور بارز للعقيدة القتالية للفرد، من مقاتلي حزب الله.

ب. فرض حزب الله تعتيماً شاملاً على أسلحته التي حقق فيها تطوراً نوعياً، في إطار من الكتمان. وبذلك حقق خداع العدو، بعد أن تظاهر بالهدوء النسبي عقب الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان. كما يُذكر أن الحزب تلقى من (10 – 15 ألف) صاروخ من سورية وإيران، وقد استخدم أساليب خداعية متنوعة لتصله هذه الأسلحة، سواء من طريق اتفاق مع جيرانه، أو من خلال استقبال أصناف عسكرية على أنها مواد مدنية أو غذائية، وبذلك استطاع أن يثير تساؤلات عن مدى قدرات الكشف والمراقبة والاستخبارات الهائلة التي تمتلكها إسرائيل، وحلفاؤها، والتي لم تستطع أن تكشف أو ترصد تلك التحركات، وعمليات الإمداد بهذه الصواريخ.

ج. استكمالاً لمنظومة الخداع، استخدم مقاتلو حزب الله الطائرات الموجهة من دون طيار، من نوع  "مرصاد – 1" في أغراض جديدة، بعد أن طوروا أسلوب استخدامها دون دراية من العدو، واستخدامها، سواء في جمع المعلومات من شمال إسرائيل، أو في قصف بارجة حربية، في 16 يوليه 2006، قبالة السواحل الإسرائيلية.

د. استخدم مقاتلو حزب الله أساليب غير تقليدية لم تعتادها إسرائيل خلال الحروب، كإجراء خداعي، وهي التشكيلات غير النظامية، حيث تتحدد مهام لجماعات معينة، وتتجمع تلك المهام لتحقيق الهدف من القتال، وعدم الظهور أمام العدو في تشكيلات منتظمة، ما جعل العدو في مواقف في غير صالحه، بحثاً عن العدو التقليدي لتهاجمه أو تدمره، فلم يجد أمامه سوى مجموعات من المقاتلين المسلحين بالتسليح المناسب، والمتصفين بالمهارة العالية وخفة الحركة، يهاجمونه من على الأجناب، ومن اتجاهات غير متوقعة، ويحققون أهدافهم ثم يختفون بسرعة بأسلحتهم، بعيداً عن رقابة العدو ونيرانه.

هـ. استطاع حزب الله أن يخدع العدو الإسرائيلي بشأن كم المخزون الإستراتيجي، والذي حقق الإمداد المستمر لقواته طوال فترة الحرب، التي تجاوزت الشهر، والذي ربما دفع إسرائيل للتفكير في أن حزب الله يُعد مقاتليه لحرب طويلة.

2. على المستوى الميداني

أ. استطاع حزب الله أن يخدع العدو الإسرائيلي باستخدام تكتيك غير تقليدي، جعله خصماً شرساً في مواجهة الجيش الإسرائيلي. فقد استطاع تجهيز مسرح العمليات بما يخدم خطة العمليات وأسلوب تنفيذ هذه الخطة، حيث أقام حزب الله شبكة من الأنفاق والخنادق للتحركات التكتيكية لمقاتلي حزب الله، كما استخدمت لتعطيل القوات الإسرائيلية أثناء التقدم، كما أُقيمت خنادق وأنفاق مماثلة في العمق لأغراض الإمداد.

ب. الخداع عن أماكن قواذف الصواريخ التي لم تثبت في مكان واحد، حتى لا يمكن رصدها.

ج. استخدم مقاتلو حزب الله الأنفاق لكي يختفوا سريعاً بعد إطلاق الصواريخ المضادة للدبابات المحمولة على الكتف. كما استخدم الأسلوب نفسه بظهور المقاتلين في وسط المدينة وقيامهم بإعداد منصات الصواريخ للإطلاق وتنفيذ عملية الإطلاق، ثم الاختفاء بين المدنيين، كأسلوب من أساليب الخداع.

د. لكي تكتمل عملية الخداع، تم التنسيق مع الجبهة الداخلية لتحقيق التأمين الإداري لمقاتلي حزب الله، من خلال تأمين السكن والنقل، وتخزين الأسلحة والمعدات، بطريقة لم تمكن الجيش الإسرائيلي من فصل الجبهة المدنية عن المقاتلين، ومن ثم سعى الإسرائيليون بوحشية إلى تدمير كل شيء، دون أن يكونوا متأكدين من أي شيء بالتحديد.

هـ. استطاع حزب الله أن يطور أسلوب قتاله من تفجيرات وأعمال اختطاف وما شابه ذلك، إلى العمل على مواجهة الجيوش النظامية.

و. استطاع مقاتلو حزب الله الصمود لفترة تتعدى الثلاثين يوماً، وهي فترة لم تكن إسرائيل نفسها تعتقد أن تطول بها الحرب إلى ذلك الأمد.

ز. درس حزب الله الأسلوب الإسرائيلي، وتيقن من اعتماد الجيش الإسرائيلي، بشكل كبير، على القوات الجوية ودورها الحاسم في إحداث خسائر جسيمة بالخصم، فقام بأعمال الإخفاء والخداع وتجهيز المسرح، التي مكنته من الحفاظ على قواته، على الرغم من تدمير البنية الأساسية للبنان. كما واجه الدبابات بأساليب غير تقليدية، وحرمها من استخدام إمكاناتها أمام مقاتلي حزب الله.

ح. جهّز حزب الله المواقع الهيكلية، واستطاع أن يجذب إليها نيران العدو. 

ط. وضح، أيضاً، من أساليب الخداع خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان، أن حزب الله استطاع أن يُطلق صواريخه دون أن يتمكن الجانب الإسرائيلي من رصدها بدقة، أو التعامل معها.


 



[1] طائرة قاذفة مقاتلة، يطلق عليها الشبح أو الطائرة الخفية، وتتميز بأن لها القدرة على امتصاص وتشتيت جزء كبير من الإشعاع الموجود في الحماية الرادارية، الموجهة إليها من الرادار المعادي، فيحول دون انعكاس موجاتها إلى الرادار المعادي. وبالتالي يعجز عن تمييزها.