إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / القوى الشاملة للدولة وحساباتها









المراجع والمصادر

مقدمة

يُعد موضوع تحديد القوة الشاملة للدولة وتقييمها من الموضوعات المهمة التي اهتم بها الفكر الإستراتيجي منذ زمن بعيد، نظراً لارتباطها الوثيق بالأمن القومي للدولة من حيث حماية قدرة الدولة على البقاء، والاستمرارية، والمحافظة على قيم المجتمع، الذي لن يتأتى إلا من خلال استخدام الدولة لكل عناصر قوتها الشاملة.

   وترتيباً على ذلك، ستشهد المرحلة القادمة من مراحل تطور النظام الدولي الراهن تعدد أقطاب هذا النظام، في ظل نشوء التكتلات العملاقة وارتقائها، ذلك أنه لن يتسنى أن ينتظم النسق الدولي في ظل هيمنة قوة وحيدة، وأصبح من الضروري التحديد الدقيق لعناصر القوى الشاملة،لأنها تُعد العامل الرئيسي الذي يتم من خلاله عمل التقديرات الإستراتيجية فيما يتعلق بالعلاقات الدولية والإقليمية.

   إن قوة الدولة كأحد متغيرات التوازن الإقليمي أو الدولي هي محصلة تفاعل عناصرها المادية وغير المادية، وباعتبار أن الدولة جزء من مجتمع دولي، فإن التعرف على قوتها لا يكون بمعزل عن المجتمع الدولي، فالقوة مسألة نسبية وليست مطلقة. أي أنها تفهم في إطار المقارنة بين دولة ما وقوة دولة أو مجموعة من الدول. كذلك  لا يمكن التعرف على قوة هذه الدولة أو تلك دون النظر، أيضاً، على الهدف المأمول من استخدام هذه القوة. أي أن قياس قوة دولة ما في حد ذاتها لا يصح دون المقارنة بالأهداف التي تسعى إلى تحقيقها.

   وقد تناول هذا الموضوع العديد من المفكرين والباحثين في مجالات العلاقات الدولية والتي سيتم تناولها في الفصل الثاني من هذا البحث، مع إجراء دراسة مقارنة بين الأساليب المختلفة لتقييم قوى الدولة الشاملة للخروج بأنسب أسلوب للحساب.

   وبناءً على ما تقدم، ونظراً للتغيرات الإقليمية والدولية بعد حرب الخليج الثانية (خاصة في منطقة الشرق الأوسط) كان من الأهمية قياس القوة الشاملة لأي دولة لتحقيق  الأمن القومي لها.

ويتجه العالم المعاصر في ظل ما يسمى بالنظام الجديد إلى حالة من الاعتماد المتبادل لم يسبق لها مثيل، الأمر الذي أدى إلى تعقيد العلاقات الدولية وتشابكها، حتى أن مفهوم الدولة ومدى فرض السيادة الذاتية على إقليمها بدأ يتعرض لبعض المفاهيم الجديدة التي يروج لها النظام الجديد.

   إن مفهوم القوة يعنى القدرة على الفعل والاستطاعة والطاقة، وهي ضد الضعف وتعني، أيضاً، التأثير والنفوذ والسلطة، وفي مفهومها الحديث تعني القدرات الشاملة للدولة أو تعبئة طاقاتها ومواردها وتحريكها من خلال الإرادة والقرار السياسي لتحقيق أهدافها الأساسية.

   إن القوة الكامنة هي مجموع القدرات المادية أما القوة الحقيقة ( المدركة) فتعني القوة الفعلية الشاملة للدولة التي يشعر بها المجتمع الإقليمي والدولي ويتفاعل معها سلباً وإيجاباً. وهي محصلة القوة الكامنة مع العنصر المعنوي المتمثل في الإرادة القومية والأهداف الإستراتيجية والقدرة الدبلوماسية.

إن الارتباط وثيق ومتشابك بين عناصر القوة الشاملة للدولة، وتتداخل فيما بينها، وهذا ما يجعل القوة القومية ذات طبيعة ديناميكية مرنة، وقابلة لإضافة عناصر جديدة طبقاً للمتغيرات الإقليمية والدولية.

   تمثل الكتلة الحيوية مستوى التفاعل بين السكان والأرض، والتي توفر للدولة قدراً معيناً من الهيبة والنفوذ على المستويين الإقليمي والدولي، بما تتضمنه من موقع وتضاريس ومناخ، وموارد غذائية ومواد أولية، كما تمثل القوة البشرية العامل الفعال لنمو الدولية ومدى تطورها أو تخلفها.

   وتعد القدرة الاقتصادية العمود الفقري لقدرات الدولة الأخرى، وتعكس مدى تطورها، ويعد الناتج القومي المقياس العام للقدرة الاقتصادية للدولة بجانب بعض الدلالات الأخرى التي تعطى الدولة أهمية خاصة (العلاقة بين الإنتاج واستهلاك الطاقة - إنتاج المعادن الرئيسية - الإنتاج الغذائي - التجارة الخارجية... الخ).

   وتعد القدرة العسكرية عاملاً رئيسياً وتبرز أهميتها بالمدى الذي يمكن أن تساند به القدرات السياسية والاقتصادية، ويعد مبدأ التوازن والردع، هو ضمان السلام الدائم من خلال توازن القوى للقدرات العسكرية، والقدرة العسكرية لا تقاس فقط بنوع وكمية ما تملكه الدولة من أسلحة ومعدات، بل بقدرتها على إنتاجه بالكيف والكم.

   وتمثل القدرة الدبلوماسية المحور الرئيسي لقيام التعاون بينها وبين الآخرين في كل من البيئة الإقليمية والدولية، ويتوقف نجاحها على مدى كفاءة هياكلها التنظيمية، وبقدر قدرة الدولة على رسم سياستها الخارجية تكون قوة الدولة بالإيجاب أو السلب.

   وتنظم القدرة السياسية الداخلية العلاقة بين البشر على الأرض بواسطة نظام سياسي يملك السلطة، بهدف الوصول إلى أقصى عائد من الإمكانات والموارد المتاحة، ويحدد كفاءة الهيكل السياسي للدولة وكيفية وأسلوب اتخاذ القرارات وقنواته ومستوياته من خلال العناصر التالية (أسلوب اتخاذ القرار، ومدى دور جماعات الضغط، مدى فاعلية الأجهزة الحكومية وقدرتها على مواجهة المشكلات ومدى التبادل السلمي للسلطة والحرية الفردية وحقوق الإنسان، ومشاركة الجماهير في القرار السياسي).

   ويعد التفوق التكنولوجي جزءاً مهماً من الإستراتيجية العسكرية والاقتصادية،إذ تسهم في تطور نظم جديدة للأسلحة التقليدية وغير التقليدية، كما تؤدى إلى العديد من المميزات الاقتصادية للدول التي تستخدمها مثل: الجودة، والسعر الأقل بما يمكنها من التنافس الاقتصادي القوى والفعال، في ظل الثورة الهائلة في مجال الهندسة الإلكترونية والحاسبات الإلكترونية، وأبحاث الفضاء، وما أدت إليه من ثورة في الاتصالات، التي يعيشها العالم اليوم.

   وتعد القدرة المعنوية العامل الحاسم في كيفية استخدام كل عناصر القوة الشاملة للدولة حيث أن وضوح وكفاءة استخدام هذه القدرة تلقي بظلالها الإيجابية والسلبية على استخدام باقي قدرات الدولة.

   إن أهم المؤثرات والمصاعب التي تواجه عملية قياس قوة الدولة تتمثل في وجود بعض العناصر التي تحتاج إلى إجراءات استقصائية واسعة ودقيقة لتحويلها من تقديرات وصفية إلى تقديرات كمية، إضافة إلى نقص بعض المعلومات وعدم دقتها.