إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / القوى الشاملة للدولة وحساباتها









المراجع والمصادر

أولاً: مفهوم القوة الشاملة للدولة

1. تطور المفهوم في الفكر السياسي

أ. قام العديد من الكتاب والمفكرين بدءاً من القرن العشرين، بتناول مفهوم القوة الشاملة للدولة في مجال العلوم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، باعتبارها عاملاً حاسماً في تحديد مكانة الدولة أو الأمة، بالمقارنة بمثيلاتها من الدول أو الأمم الأخرى.

ب. وبالإشارة إلى الأصول التاريخية في الفكر الإغريقي الأثيني من الناحية السياسية، كان ينظر إلى قوة الدولة على أنها علاقة بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، وبشكل أكثر تحديداً، كانوا يربطون بين نوعية القائمين على الحكم وانتماءاتهم الطبقية من ناحية، وبين علاقات الدولة الخارجية وقوتها في البحار من ناحية أخرى.

ج. واهتم أفلاطون بالموقع الجغرافي للدولة من ناحية الظروف الخاصة بالمناخ والتربة، ويرى أن قوة الدولة تتمثل في الجماعة التي تقوم بزراعة الأرض الوعرة، وهذا النوع هو الذي ينجب أشد السكان بأساً وقوة وأكثرهم اعتدالاً.

د. أما أرسطو، فيرى أن قوة الدولة تتمثل في القيام بوظيفتها في تحقيق حياة رغدة للجماعة، من خلال تحقيق الاكتفاء الذاتي، إضافة إلى رفع المظالم واستتباب الأمن داخل الدولة.

هـ. إذا انتقلنا إلى "مكيافيللي" (1469 -1527)، ومع بداية الفكر السياسي الحديث،نجده يحدد قوة الدولة استناداً إلى العوامل العسكرية، باعتبارها العامل الرئيسي والحاسم في تقدير قوة الدولة، بالإضافة إلى العنصر الجغرافي والمساندة الداخلية والشعبية للحاكم وقدرته على إدارة أمور البلاد.

و. ويرى "إليكس توكفيل" (1805 -1859م)، أن توافر الديمقراطية داخل الدولة يعمل على زيادة نفوذها في علاقاتها الخارجية، إذ أنها تساهم في زيادة موارد الدولة الداخلية وتنميتها، ونشر الثروة بين أكبر عدد من المواطنين، ورفع الروح المعنوية، وهذا يعطي مزايا للدولة، ونفوذاً كبيراً في علاقاتها مع الدول الأخرى. ومن ثم تُعد النظم الديمقراطية أكثر قوة من النظم غير الديمقراطية.

ز. واهتم العديد من الكتاب والمفكرين خلال النصف الأول من القرن العشرين بموضوع القوة ومكانة الدولة، وصدرت مؤلفات: جورج كاتلين في 1927، جولدهامر، وشيلز في 1939، وتشارلز ميريام في 1934، ثم هارولد لاسويل في 1936، ومورتون كابلان في 1940، وهانز مورجانثو في 1948.

ح. وخلال النصف الثاني من القرن العشرين، قام العديد من الكتاب والمفكرين بوضع المفاهيم الإستراتيجية الأكثر دقة لها،  أمثال كارل فريدريك، روجر هيسلمان، دافيد بالدوين، راي ستانلي هوفمان، لويد جنس، كلاوس كنور، توماس هويز، فريدريك شومان، إلى أن ظهرت محاولة كلاين لقياس قوة الدولة باستخدام الأسلوب الكمي.

ط. ومن استعراض المفاهيم السابقة لقياس قوة الدولة تبرز ثلاثة اتجاهات هي:

(1) اتجاه يربط الدولة بالقدرة العسكرية

ومن روادها مكيافيللي.

(2) اتجاه يربط بين قوة الدولة وموقعها الجغرافي

وذلك من خلال التركيز على عامل أو أكثر، كعنصر الإقليم، أو البحر، أو الجو، أو الموقع عامة، ومن روادها : أفلاطون، وماكيندر، وسبيكمان، وماهان.

(3) اتجاه يربط بين قوة الدولة بشكل النظام السياسي

ومن روادها : أرسطو، واليكس توكفيل.

2. تصنيف التعاريف المختلفة لمفهوم القوة

أ. تعددت التعريفات لمفهوم القوة حتى وصلت إلى ما يزيد على 150 تعريفاً، وقد تتداخل فيما بينها، وقد تتشابه، وقد تتعارض. ويمكن استعراض بعض التعاريف الآتية:

(1) في المفهوم اللغوي

تعنى الطاقة على العمل.

(2) في علم الاجتماع

تعنى القدرة على إحداث أمر معين، أو تأثير فردي أو جماعي،عن طريق ما، على سلوك الآخرين والتحكم فيهم، والتدخل في حريتهم، وإجبارهم على العمل بطريقة معينة.

ب. ويميز البعض بين القوة السياسية، والقوة الاجتماعية، والقوة الاقتصادية، والقوة العسكرية، ويمكن تصنيف التعريفات المطروحة للقوة إلى نوعين:

(1) تناول مفهوم القوة فيما يتعلق بظواهر الحياة الاجتماعية والسياسية.

(2) تناول مفهوم قوة الدولة تحديداً.

ج. القوة كمفهوم اجتماعي عام

(1) تعريف هارولد لا سويل، ومورتون كابلان

وتعني المشاركة في صنع القرار.

(2) جولد هامر وشيلز

يعرفها بأنها مقدرة الشخص على التأثير في سلوك الآخرين في الاتجاه الذي يريده.

(3) بلاو

ويعرفها بأنها مقدرة فرد أو جماعة على فرض رغبتها على الآخرين عن طريق الترهيب على الرغم من مقاومتهم.

(4) مورجانثو

ويعرف جوهر مفهوم القوة على أنها سعى الإنسان للسيطرة على أفكار الآخرين وأفعالهم، وأن هذه الظاهرة لصيقة بكل تنظيم اجتماعي، وأنها علاقة نفسية بين عقلين، ومن ثم، يميزها عن القوة العسكرية التي تتسم بالعنف، إذ أنها علاقة مادية بين جسمين.

د. مفهوم قوة الدولة

(1) هناك العديد من المفكرين الذين تناولوا هذا المفهوم، ومن أبرزهم:

(أ) مودلسكي والذي يعرف القوة بأنها "قابلية الدولة في استخدام الوسائل المتوافرة لديها من أجل الحصول على سلوك ترغب أن تتبعه الدول الأخرى".

(ب) ويرى فيريس أن مفهوم القوة يشير إلى " القدرة والتأثير على الآخرين وقت الحرب والسلم ".

(ج) وترى ماجريت بال  أن المقصود بالقوة سواء كانت اقتصادية أو سياسية... الخ هي "القدرة على تحقيق الأهداف سواء كانت بوسائل سياسية أو اقتصادية أو نفسية أو أي وسيلة أخرى.

(د) أما "نيكولاس سبيكمان" فيرى أن قوة الدولة هي المقدرة على كسب الحرب.

(2) ونستخلص من ذلك أن مفهوم القوة لا تخرج عن كونهاعلاقة نفوذ من طرف، في مواجهة طرف آخر في لحظة ما، أو عبر فترة زمنية ممتدة، لتجبره على اتخاذ قرار أو موقف ليس من اختياره.

3. التمييز بين مفهوم قوة الدولة والمفاهيم المرتبطة به

أ. يتداخل مفهوم قوة الدولة مع عدة مفاهيم أخرى منها النفوذ، السلطة، الإقناع، الإجبار، والإكراه، أو التسلط، الإلزام، إذ تستخدم هذه المفاهيم كمترادفات أو كعناصر لتحليل القوة.

ب. وقد تستخدم القوة أحياناً بمعنى السلطة السياسية التي تستمد نفوذها من أوضاع قانونية من خلال من يمتلكون السلطة السياسية، ويتضح من ذلك خلط بين مفهوم القوة ومفهوم السلطة، فالقوة مفهوم أشمل وأوسع من السلطة، فإذا كانت السلطة لها أساس قانوني، فإن القوة قد تكون غير ذلك، وقد لا تكون.

ج. يرى "ويكلنسون" أنه من الأفضل استخدام مصطلح القدرات الشاملة بدلاً من مصطلح القوة الشاملة؛ لأن المصطلح الأول، وهو القدرة أكثر ملاءمة؛ لأنه يرتبط بالتركيز على الأشكال المادية نسبياً مع القابلية للتغيير والقياس.

د. ويميز آخرون بين قوة الدولة والقوة السياسية، فليس كل القوة السياسية هي قوة الدولة، ولكن كل قوة سياسية هي من قوة الدولة الكامنة.

4. القوة الشاملة للدولة

أ. مفهوم الدولة

(1) يمكن تعريف الدولة بأنها "إقليم منظم تنظيماً سياسياً بطريقة عملية بواسطة شعب متوطن أو مستقر، وله حكومة ذات سلطة تنفيذية.

(2) ولكي يكون للدولة كيان لابد أن تتوافر لها عوامل رئيسية لقيامها، وهي :

(أ) مساحة الأرض تفرض عليها السيادة، ومعترف بها من المجتمع الدولي.

(ب) وجود شعب يعيش على الأرض التي تسيطر عليها الدولة معيشة دائمة، وتوجد بين هذا الشعب روابط قوية تجعل منه وحدة سياسية متماسكة.

(ج) سلطة سياسية من خلال تنظيم سياسي، بواسطته تستطيع الدولة ممارسة وظيفتها داخل حدودها السياسية وخارجها.

(3) والدول تختلف فيما بينها من حيث تملكها لكل أو بعض الإمكانات، وكلما توافرت هذه الإمكانات بالصورة المثلى زادت قوة وأهمية هذه الدولة بالمقارنة بغيرها من الدول التي لا تتوافر لها مثل هذه الإمكانات.

ب. ومن خلال استعراض المفاهيم الإستراتيجية لقوة الدولة، نجد أن جميع المفكرين كان لكل منهم وجهة نظره، التي تختلف عن وجهة نظر الآخرين في المضمون ومدى شمولية معناها. إلا أن الإطار العام لمنهجهم جميعاً كان في شمول معناها؛ إذ لم يقتصر ذلك على القوة العسكرية فقط بل تعداها إلى التأثير والنفوذ، والتحكم، وعلى مهارة استخدام القوة العسكرية من خلال الإرادة الوطنية والعزيمة.

ج. وقد أثبتت التطورات العالمية أن القوة العسكرية هي منظور ضيق للقوة، ومثال ذلك سقوط الاتحاد السوفييتي السابق، وتضاؤل نفوذه الإقليمي في أوروبا وآسيا، والعالمي كذلك على الرغم من أنه مازال يشكل إحدى القوى العسكرية العالمية.

د. وبالإضافة إلى ذلك نجد أن اليابان والتي تشكل إحدى القوى الاقتصادية العالمية في النظام العالمي الجديد، إلا أنها تفتقر إلى القوة العسكرية بالإضافة إلى الإرادة السياسية، ومن ثم فإن محصلة نفوذها وقدرتها على التأثير في الأحداث لا تتمشى مع قدرتها الاقتصادية الضخمة.

هـ. ومن ثم فإن القوة في مفهومها الحديث تعنى القوة القومية المدركة، أو القدرات الشاملة للدولة National /Total Perceived Power، أو مجموعة دول بينها روابط، وأن لها مفهوماً أشمل من تلك القوة العسكرية أو الاقتصادية.

و. إن القدرات الشاملة للدولة تتضمن إلى جانب القدرات المادية قدرات أخرى معنوية، والتي تتمثل في العزيمة الكامنة في الشعوب وإرادتها الوطنية، وعلى الرغم من صعوبة تقييم هذه القدرات المعنوية، إلا أنها تُعد العنصر المؤثر والفعال إذا تساوت القدرات المادية بين قوتين.

ز. ومن هنا نجد أن هناك ما يسمى بالقوة الحقيقية والقوة الكامنة، فالقوة الكامنة هي مجموع القدرات المادية للدولة (اقتصادية - عسكرية... إلخ). أما القوة الحقيقية (المدركة) فهي القوة الفعلية الشاملة للدولة، وهي محصلة التفاعل بين القوة الكامنة (المادية) للدولة مع العنصر المعنوي، والمتمثل في الإرادة والعزيمة الوطنية، وهذه القوة الحقيقية هي التي يشعر بها المجتمع الإقليمي والدولي ويتفاعل معها سلباً وإيجاباً.

ح. والقوة ليست ذات طبيعة مطلقة بل هي نسبية. وإن تحديد قوة الدولة لا يتم إلا بالمقارنة بقوة الدول الأخرى، وكذلك بالنسبة للهدف الذي تسعى إلى تحقيقه.

ط. ونظراً للتطور التقني الهائل في جميع المجالات والعلوم وما تبعه من ثورة علمية هائلة في مجال الاتصالات والمعلومات، فإن التعبير العلمي لقدرات الدولة أصبح من منظور أكثر شمولاً عن القوة الكامنة والقوة المدركة (المادية والمعنوية). ومن ثم ينظر للقوة في هذا السياق على أنها تستخدم لخدمة الغاية القومية، وأهدافها الأساسية المتمثلة في المحافظة على البقاء، وتحقيق الأهداف، وحماية الأمن القومي.

ى. ومن هنا يجب أن نفرق بين القوة والقدرة

(1) فالقدرة هي مجموع الطاقات والموارد التي تمتلكها الدولة، والتي تجعلها تتحرك في المسرح السياسي بهدف تحقيق المصالح القومية لها، وبعبارة أخرى فإن القدرة هي الموارد الخام التي لم تستخدم أو تستغل بعد.

(2) أما القوة فتعنى تعبئة هذه الطاقات وتحريكها من خلال الإرادة والقرار السياسي، وتبدأ التعبئة من استخدام الأداة الدبلوماسية،فالأداة العسكرية… الخ وبمعنى آخر يمكن أن يكون لدى الدولة قدرة ما، ولكن لا تستطيع أن تحولها إلى قوة لفشل القيادة السياسية أو التنظيم السياسي فيها على التعبئة والتحريك.

ك. مما سبق يتضح أن القوة الشاملة بهذا المفهوم الواسع عبارة عن محصلة لكل المقومات المادية والمعنوية، وما يوفره التطور التقني للدولة، والتي يتم توظيفها في إطار الإستراتيجية الشاملة لتحقيق أهدافها المختلفة، أو يمكن تعريفها بأنها قدرة الدولة على استخدام كل مواردها المدركة (المحسوسة) وغير المحسوسة والمنظورة (المعنوية) بطريقة تؤثر على سلوك الدول الأخرى.