إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / القوى الشاملة للدولة وحساباتها









المراجع والمصادر

ثالثاً: العناصر المشتركة بين جميع وجهات النظر المختلفة

1. الكتلة الحيوية/ الكتلة الحرجة

وتشمل السكان والأرض،وهي قدرة التفاعل ومستواه بين السكان والأرض، والتي تخلق للدولة قدراً معيناً من الهيبة والنفوذ على المستويين الإقليمي والعالمي، ولكل منهما عناصره الفرعية.

أ. العامل الأول: الأرض

ويشمل الموقع، والحجم، والشكل، والمناخ، وسطح الأرض، ومجالها الحيوي، وهذه العوامل تكسب الدولة ميزات معينة إذا توافرت فيها، وقد تسبب لها الكثير من المشكلات إذا كانت هناك ثغرات في هذه العوامل الطبيعة أو نقاط ضعف تجعلها تؤثر في كيان الدولة.

(1) الموقع Location

ويُعد الموقع الجغرافي من المعالم المهمة المؤثرة في نشاط الدول، وعلى اتجاهات سكانها وسلوكها السياسي، ويقصد بموقع الدولة تحديد مكانها بالنسبة لخطوط الطول ودوائر العرض وهو ما يعرف بالموقع الفلكي، وموقعها بالنسبة لليابس والماء، وبالنسبة للدول المجاورة.

(2) المناخ Climate

ويلعب المناخ دوراً مهماً في تحديد قيمة الدولة وأهميتها السياسية، والمناخ يحدد نوع النشاط البشرى في الدولة، ويشمل المناخ المناطق الاستوائية، والمناطق شديدة البرودة، والمناطق الجافة.

(3) سطح الأرض Relief

يلعب سطح الأرض للدولة دوراً كبيراً في تقدير قيمة الدولة، وفي النواحي الإنتاجية، نظراً لاختلاف تضاريس الدولة من سهول ووديان، وجبال ومناطق جبلية، وكذا في النواحي العسكرية والسياسية.

(4) المساحة Space

لاشك أن المساحة التي تشغلها الدولة لها أثر كبير في القيمة السياسية والاقتصادية للدولة، وليست العبرة بكبر المساحة كما سنتعرض لها فيما بعد.

(5) شكل الدولة

إن الشكل المثالي للدولة أن تكون متماسكة متصلة الأجزاء، وأن تكون حدودها منتظمة بقدر المستطاع. وأقرب الأشكال للمثالية هو الشكل الدائري أو المربع، والأشكال القريبة منها، وهناك أشكال كثيرة للدول منها الشكل المنتظم (المندمج)، والشكل المستطيل، والشكل المجزأ، والشكل المنخرق.

ب. العامل الثاني: السكان

تُعد العوامل البشرية من أهم العوامل المؤثرة في الدولة، فهي العامل الفعال في نمو الدول أو تخلفها، ويشمل العامل البشرى حجم السكان، والجنس، واللغة، والتركيب القومي (الأثنوغرافي)، والنشاط الاقتصادي.

2. القدرة الاقتصادية

ويقصد بها قدرة الدولة على استغلال إمكاناتها الاقتصادية، ممثلة في كل ما تملكه من موارد، أو ما يمكنها الحصول عليه لتنفيذ إستراتيجيتها، ويأتي في مقدمة ذلك الموارد الغذائية والمعدنية، والقوى المحركة، وما يمكن أن تقوم به الدولة من صناعات بما يشكل العمود الفقري للدولة، والذي يعكس مدى تطورها على باقي قدرات الدولة.

إن توافر الموارد الغذائية للدولة يعد عاملاً أساسياً؛ لأنه يحافظ على سيادتها، وعلى حرية اتخاذها للقرارات المهمة، ونقص الغذاء يُعد من عوامل ضعف الدول.

كما أن توافر الموارد المعدنية في الدولة يُعد من عوامل قوتها، لأن التقدم الصناعي للدولة مرهون بمدى توافر المواد الخام اللازمة لها.

وقد جاءت التطورات والتحولات في النظام العالمي منذ انقضاء مرحلة الحرب الباردة لتعطى مؤشرات ذات دلالات على تزايد ثقل وزن القدرة الاقتصادية وتأثيرها في حسابات القوى الشاملة للدولة ارتباطاً بالحقائق الآتية:

أ. انتهاء الصراع الأيدولوجي، وتراجع فرص الصراعات الدولية، كنتيجة مباشرة لانهيار المعسكر الشرقي بأفكاره وعقائده، وحلفه العسكري (وارسو) مع غياب أحد طرفي المعادلة في نظام القطبية الثنائية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وتدهور الأوضاع الداخلية والاقتصادية في روسيا الاتحادية، الوريث الشرعي للقوة العسكرية السوفيتية.

ب. ومع ما تقدم برز انتشار النموذج الغربي (الديمقراطي/ الرأسمالي) وتوجه القوى الدولية لإحلال السياسات التصارعية القائمة على توازنات القوة العسكرية.. بسياسات جديدة تقوم على توازن المصالح (التنافس الاقتصادي) وما يشير إليه بجلاء تلك المتغيرات التي طرأت على النظام الاقتصادي العالمي، والتي يمكن إيجاز أهمها فيما يلي:

(1) الاتجاه العام للتعظيم من دور وأهمية التجمعات الاقتصادية الإقليمية (الاتحاد الأوروبي/ الأبيك/ الآسيان).

(2) العمل على توحيد السوق العالمي، وتحرير التجارة العالمية وفقاً لنظريات التنافس (المعايير والمقاييس التي تفرضها التجمعات الإقليمية)، وذلك من خلال توقيع اتفاقية التجارة العالمية (الجات).

(3) تزايد ثقل تأثير الشركات الدولية (متعددة الجنسيات)، والثورة في التقدم التكنولوجي، والتي انتقلت بالعالم من عنصر تحتل فيه المواد الأولية الإستراتيجية مثل (البترول والحديد والمنجنيز) موقعاً متقدماً في القدرة الاقتصادية إلى عصر تتراجع فيه هذه الموارد أمام التقدم التكنولوجي، الذي قدم البدائل، وشكل عنصراً حاكماً في تطوير العناصر الرئيسية للقدرة الاقتصادية (الزراعية/ الصناعية/ التعدينية).

3. القدرة العسكرية

أ. تُعد القوة العسكرية أحد العوامل المحورية المؤثرة في قوة الدولة، إذ تُعد الركيزة الأولى والضمان الرئيسي لتحقيق أمنها القومي وصيانته، كما تؤثر بشكل مباشر على تحديد مسرح الحرب لها.

ب. وتنقسم القوة العسكرية من وجهة نظر القوة الشاملة إلى قوة تقليدية، وأخرى نووية، ويقصد بالقوة التقليدية إجمالي القوى البشرية، والأسلحة والمعدات والذخائر التي يمكن تعبئتها لإدارة صراع مسلح (قوة عاملة - احتياط - تخزين - تعبئة)، وكذلك تلك التي يمكن توافرها والحصول عليها أثناء فترة إدارة الصراع.

ج. وعند تقدير القوة العسكرية التقليدية يستوجب الأخذ في الاعتبار نوعية هذه القوات من حيث الكفاءة القتالية، ومدى قدرة وسائل إدارة الصراع المتاحة وفعاليتها من حيث الكم أو النوع، ومدى مناسبتها مع المستويات الثقافية والتقنية للقوة البشرية المستخدمة لها، وكفاءة قاعدة الصناعات الحربية في تلبية مطالب القوات المسلحة باحتياجاتها الرئيسية، بما يضمن قدرتها على الاستمرار في إدارة الصراع.

د. ويقصد بالقوة النووية إجمالي الذخائر النووية، ووسائل نقلها وإطلاقها، وتُعد الدولة التي تمتلك القوة النووية أقوى من تلك التي بمقدورها امتلاك هذه القوة.

هـ. وفي جميع الأحوال، يجب أن تضع في الاعتبار عند تقدير القوة العسكرية التقليدية والنووية مدى عمق العمل الإستراتيجي للقوة العسكرية، والذي يُعد أحد المعايير الرئيسية لتقدير القوة العسكرية، ويقصد بمدى عمق العمل الإستراتيجي للقوة العسكرية، أنه أقصى مسافة يمكن أن تصل إليها القوة العسكرية لإدارة العمليات الحربية خارج أراضيها لحماية مصالحها القومية.

و. وعموماً، وفي ظل النظام العالمي الجديد فإن التهديدات على أمن الدول قد تحولت من تهديدات عسكرية أساساً إلى تهديدات اقتصادية وأيكولوجية، ومن ناحية أخرى فإن أهمية القوة التقليدية قد انخفضت إلى حد كبير بتغير طبيعة القضايا في السياسة الدولية؛ إذ ظهرت قضايا جديدة تشمل التغيرات الأيكولوجية (مثل الأمطار الحمضية، وارتفاع معدل الحرارة في الكرة الأرضية، وانتشار الأوبئة والإرهاب)؛ وكلها قضايا لا تكفي أدوات القوة التقليدية للتعامل معها.

ز. ومن ثم فإن استخدام القوة العسكرية أصبح مكلفا للقوى الكبرى أكثر مما كان عليه الوضع في القرون السابقة للأسباب الآتية:

(1) نمو الوعي القومي والتعبئة الاجتماعية في الدول الفقيرة والضعيفة، الأمر الذي جعل التدخل العسكري فيها أكثر صعوبة.

(2) انتشار التكنولوجيا الحديثة في الدول النامية، الأمر الذي زاد من قدرتها على استخدام الأسلحة الحديثة والمتطورة، مما جعل التدخل في هذه الدول أكثر تكلفة عما كان عليه الحال، وأصبح لكثير من هذه الدول قدرات تسليحية هائلة، وعلى سبيل المثال أصبح هناك 20 دولة لديها القدرة على صنع الأسلحة الكيميائية بالإضافة إلى توافر القدرات النووية لعدد متزايد من الدول مثل الهند وباكستان وإسرائيل وجنوب أفريقيا.

ح. غير أن هذا لا يعنى أن القوة العسكرة مستبعدة نهائياً في تقييم قوة الدولة ومكانتها في النظام الدولي، فإذا كان استخدام القوة العسكرية قد أصبح أمراً مستبعداً بين القوى الكبرى، إذ تزداد أهمية القوة الاقتصادية في العلاقات بينها، إلا أنه من غير المستبعد استخدام القوة العسكرية من جانب الدول الكبرى تجاه دول العالم الثالث مثلما حدث في جرينادا وليبيا والعراق.

4. القدرة الدبلوماسية (السياسة الخارجية)

أ. تُعد السياسة الخارجية لأي دولة المحور الرئيسي لقيام التعاون بينها وبين الآخرين. ويقصد بالقوة السياسية للدولة، مدى ثقلها وتأثيرها إقليميا ودولياً..

ب. ويتوقف نجاح السياسة الخارجية لأي دولة على مدى كفاءة الهياكل التنظيمية لها من خلال امتلاكها للمقومات الأساسية التي تصبغها خصائصها القومية مثل المعطيات الجغرافية، والتاريخية، وكذا المعطيات الديموغرافية، والاقتصادية والهوية الثقافية والحضارية لقوتها البشرية، وتُعد تلك المقومات في ظل النظام العالمي الجديد الضمان الوحيد لحصول هذه الدولة على المصداقية، ومساندة الشرعية الدولية لها خلال إدارتها لعلاقاتها الدولية.

ج. ويمكن تعريف السياسة الخارجية لدولة ما بأنها : " المنهج الذي تسير بمقتضاه الدولة في علاقاتها في الشئون السياسية والتجارية والاقتصادية والمالية مع الدول الأخرى". كما يعرفها آخرون بأنها: "تنظيم نشاط الدولة في علاقاتها مع غيرها من الدول".

د. والدبلوماسية أداة تحقيق السياسة الخارجية السلمية، بينما الحرب أداة تحقيقها بالقوة العسكرية، وكلاهما وسيلة من وسائل السياسة الخارجية.

هـ. وبقدر قوة الدولة تكون القدرة على رسم سياستها الخارجية، ولهذا فإن الدول الصغرى تكون أكثر تواضعاً في تحديد أبعاد سياستها الخارجية عن الدول الكبرى.

و. وتهدف السياسة الخارجية لأي دولة إلى تحقيق غرضين أساسيين، هما:

(1) حماية الأمن القومي للدولة وبقائها.

(2) تعزيز رفاهية الأمة.

ز. ويمكن بلورة خطوات رسم السياسة الخارجية في الآتي:

(1) تحديد الأهداف والمصالح الحيوية التي تسعى إليها الدولة حيث أن تحقيق الأمن والسلام لشعبها يقع على رأس قائمة هذه الأهداف.

(2) الموائمة بين قائمة الأهداف المحددة والقوة الشاملة للدولة؛ لإنجاز هذه الأهداف وتحقيقها.

ح. إن نجاح الدولة في إرساء قواعد راسخة لسياسة خارجية ثابتة، وعلاقات خارجية متوازنة، يكسب الدولة رصيداً متزايداً من المصداقية الدولية يعزز من باقي قدراتها الشاملة سواء كانت اقتصادية أو عسكرية أو سياسية.

ط. ومن الصعب تقييم القوة السياسية لدولة ما، أي قياس مدى تأثيرها بالفعل على دولة أخرى، ومدى تأثرها برد الفعل المتوقع من الدولة الأخرى، بمعنى آخر هل يمكن التنبؤ بدقة، وعلى وجه اليقين، بالسلوك المستقبلي المتوقع من دولة ما في مواجهة فعل دولة أقوى منها سياسياً؟

والحقيقة أن الرد على هذا التساؤل يأتي بالنفي، إذ تشير الدلائل إلى أن جميع دول منطقة الشرق الأوسط أو معظمها، لم تستطع التنبؤ على وجه اليقين بالاجتياح العراقي للكويت، أو على الأقل لم تستطع أن تحول دون وقوع هذا الحدث.

ي. وفي ظل متغيرات النظام العالمي الجديد تشير الدلائل إلى تدهور سلطة الدولة القومية، وكذلك تفتيت سلطة الدولة على مواردها، وإضعاف قدراتها في مواجهة قدرات الأفراد، بالإضافة إلى ضعف قدرة الدولة إزاء المعارضة السياسية، وبالتالي لم تعد الدولة طليقة في تعاملها مع المعارضة السياسية سواء كانت سلمية أو عنيفة داخلياً أو خارجياً.

5. القدرة السياسية (السياسة الداخلية)

أ. تنظم العلاقة بين الشعب على الأرض التي يسكنونها داخل حدود الدولة بواسطة النظام السياسي، الذي يملك السلطة، بهدف الوصول إلى أقصى عائد من الإمكانات والموارد المتاحة.

ب. ويحدد الهيكل السياسي للدولة كيفية اتخاذ القرار وأسلوبه وقنواته ومستوياته.

ج. وتهدف السياسة الداخلية إلى تقييم إمكانات النظام السياسي من خلال تقييم بعض العناصر، وأهمها:

(1) أسلوب اتخاذ القرار ومدى دور جماعات الضغط.

(2) التماسك السياسي ووحدة الشعب.

(3) مدى فاعلية الأجهزة الحكومية والمؤسسات الدستورية، وقدرتها على مواجهة المشكلات.

(4) مدى الاستمرارية والاستقرار والتبادل السلمي للسلطة.

(5) الحرية الفردية وحقوق الإنسان، ومشاركة الجماهير في القرار السياسي.

(6) التنظيمات الحزبية وتعددها وأسلوب أدائها ومدى ولائها للدولة.

6. القدرة المعنوية

أ. تعد القدرة المعنوية العامل الحاسم في كيفية استخدام كل عناصر القوة الشاملة للدولة حيث أن وضوح كفاءة هذه القدرة واستخدامها لها آثار سلبية / إيجابية على استخدام باقي قدرات الدولة.

ب. القدرة المعنوية، هي: حالة نفسية، وعقلية غير محسوسة، تضاعف أو تخفض من حجم باقي قدرات الدولة وقيمتها طبقاً لمدى ما آلت إليه هذه القدرة، التي تتأثر بالقيم والاتجاهات والمعتقدات السائدة في المجتمع، ومدى انعكاسها على أنماط السلوك فيه، كما أنها تختلف باختلاف البيئة وتبعاً للظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ج. ويلعب البعد العقائدي والديني دوراً عميقاً في تنمية الإرادة القومية، فكلما تأسست الدولة على أركان دين واحد، استطاع هذا الدين التأليف بين الأفكار والمصالح لشعب الدولة، بعكس الدول متعددة الأديان، كما حدث من تناحر وصراع في لبنان.

د. وبالتالي فإن توافر الروح المعنوية العالية للشعب تمكنه من استغلال موارده الاقتصادية كافة وتلعب دوراً مهماً في تفهمه لدوره الوطني والقومي.

7. القوة التقنية (التكنولوجيا)

أ. لقد شهد العالم في العقدين الأخيرين تطورات تقنية متسارعة في شتى المجالات، شملت أنواعاً عديدة في مجالات هندسة الإلكترونيات، والحاسبات الإلكترونية، وأبحاث الفضاء، وما أدت إليه من ثورة في الاتصالات التي يعيشها العالم اليوم.

ب. إن مفهوم التقنية هو استعمال المعرفة العلمية في مختلف المجالات، وقد أضفت تلك التقنية أبعاداً جديدة أسهمت في تطوير نظم جديدة للأسلحة التقليدية وغير التقليدية، وتعد نقله كبيرة بكل المقاييس العلمية والإنسانية في شتى المجالات.

ج. ويؤدى استخدام التقنية الحديثة إلى العديد من المميزات للدول التي تستخدمها، مثل الجودة والسعر الأقل، مع المحافظة على صحة الإنسان وعدم تلوث البيئة.

د. إن إتباع أساليب إنتاج عالية ومعدلاتها توفر سرعة في التلبية في الوقت والمكان المناسبين، وذلك من خلال استنباط بدائل وأساليب صناعية حديثة، تضيف إلى تلك الدول المتقدمة ميزات عديدة مما يؤدى في النهاية إلى خروج الدول المتخلفة تقنياً من ميدان التنافس الاقتصادي، ليس في الأسواق الخارجية فقط، ولكن داخل أسواقها الداخلية ذاتها بعد فتحها على مصراعيها في ظل (اتفاقية الجات الأخيرة) منظمة التجارة الدولية.

هـ. إن التفوق التقني يعد جزءاً هاماً من كل من الإستراتيجية العسكرية والإستراتيجية الاقتصادية لجميع الدول المتقدمة.

و. وتجدر الإشارة إلى مكانة الصناعة التقنية المتطورة في الاقتصاد الأمريكي، لقد ظل القطاع الصناعي الأمريكي محتفظاً بنصيبه في الدخل القومي الأمريكي بنسبة 20%، والآن تحتل الصناعات التقنية المتطورة مركز الصدارة في هذا القطاع. وعلى الرغم من هذا فإن نسبة اختراق الواردات من الصناعات التقنية المتطورة للسوق الأمريكي زادت من 18% إلى 35% في الثمانينات، تدخل بعض هذه الواردات في عملية تصنيع السلاح في أمريكا، أي أن المنتجات الصناعية المتطورة قد خسرت أهميتها بين الصادرات الأمريكية منذ أوائل الثمانينات حتى عام 1987، وقد كان هذا التدهور واضحاً في تضاؤل نصيب أمريكا من الصادرات العالمية من المنتجات المتطورة، إذ هبط من 28% عام 1971 إلى 22% في عام 1987 وارتفع نصيب اليابان من 7% إلى 17% في الفترة نفسها. وقد بدأت الولايات المتحدة منذ عام 1987 في محاولة جاهدة للحاق باليابان وأوروبا الغربية، وهذا يعنى أن قدرة أمريكا على الإنتاج لا ترادف قدرتها على التسويق والاختراق للأسواق الخارجية، إذ أن الأولى أعلى بكثير من الثانية، وعلى العكس اليابان التي تقود عملية الإنتاج في مجال الصناعات التقنية المتطورة، وكذلك في مجال التصدير والتسويق.

ز. إن نقل التكنولوجيا واستعمالها لم يعد أمراً متاحاً بعد أن قيدته الدول المتقدمة من خلال الاتفاقيات، وقنوات محددة أصبحت تشكل عقبات هيكلية وتمويلية في سبيل الحصول عليها.

ح. للتقنية ركائز وبيئة خاصة يجب توافرها لعل أبرزها:

(1) القاعدة والبيئة الأساسية العلمية على مستوى الدولة.

(2) العنصر البشرى المؤهل لتحمل هذه المسئولية في مختلف فروع المعرفة.

(3) الإمكانات المادية ومدى توفرها ودعمها لتلك القدرة.

(4) ضرورة تحديد أهداف واضحة للتقدم العلمي والتقني يمكن العمل لتحقيقها من خلال إستراتيجية علمية واضحة المعالم.

(5) البناء التنظيمي للهياكل العلمية والتكنولوجية للدولة من خلال تكامل مراكز البحث العلمي المتخصصة في شتى المجالات.

8. القدرة الإعلامية والمعلومات

أ. لقد برز دور القوة الإعلامية والمعلومات بعد ثورة الاتصالات التي يعيشها العالم في الوقت الحاضر، بعد أن تخطت الحواجز والقيود والحدود لتوجه إلى الشعوب مباشرة دون وسيط.

ب. إن القدرة الإعلامية والمعلومات ما هي إلا وسائل تهدف إلى التأثير المعنوي والثقافي في الأطراف الأخرى من خلال الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، الذي يعمل في إطار إستراتيجية إعلامية متكاملة، وفي تنسيق مع باقي عناصر قوة الدولة الشاملة..

ج. إن ثورة الاتصالات ليست مقصورة على الترفيه فقط،بل هي ثورة معلومات وإعلام ودعاية نفسية وثقافية، تعتمد على السرعة والاستمرارية في نقل المعلومات والآراء والثقافات من شعوب تملك القدرة على شعوب متلقية، بما يؤثر تأثيراً مباشراً على الأمن القومي لهذه الدول.

د. إننا نعيش اليوم عصر ثورة المعلومات،التي تشكل غزارتها وحسن تحليلها حتمية التحرك السريع والسليم في كل مراكز اتخاذ القرار السياسية والإستراتيجية.

هـ. كما أن هناك بعداً آخر يطلق عليه (حرب المعلومات)، التي زادت استعمالاً في هذه المنطقة من العالم، حيث أطلقت إسرائيل في إبريل عام 1995 قمراً صناعياً (أفق - 3) لأغراض متعددة، في مقدمتها الحصول على نوعية جديدة من المعلومات يقتضيها الواقع الإقليمي الجديد.

و. إن تكنولوجيا الإعلام والمعلومات التي تتكون من نظام متكامل يعتمد على الحواسب الآلية العملاقة والأقمار الصناعية لجمع المعلومات والاتصالات، يبرر لنا مدى خطورة القدرة الإعلامية والمعلوماتية.