إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / القوى الشاملة للدولة وحساباتها









المراجع والمصادر

ثانياً: عناصر التعاون والتنسيق والتفاعل (الكتلة الحيوية)

ويمكن تقسيمها إلى عوامل طبيعية وعوامل بشرية، فالعوامل الطبيعية تتمثل في الموقع والمناخ وسطح الأرض والمساحة، وتتمثل العوامل البشرية في السكان والدين والجنس واللغة والتركيب الأثنوغرافي.

1. العوامل الطبيعية

أ. موقع الدولة

(1) يعد موقع الدولة بالنسبة لدوائر العرض أهم من المواقع بالنسبة لخطوط الطول؛ وذلك لأن دائرة العرض هي التي تؤثر في المناخ، وبالتالي في تباين النشاط البشرى على سطح الأرض، وفي النشاط السياسي، ثم أهمية الدولة. ولذلك نجد أن الدول الكبرى مثل دول غرب أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية تتميز بتقدم اقتصادي وسياسي ملموس.

(2) وأن موقع الدولة بالنسبة لليابس والماء له أهمية كبرى، كالآتي:

فالمناطق الساحلية مناخها معتدل، وأكثر قرباً من المواصلات البحرية، مما يشجع على النشاط التجاري البحري، ويؤثر في اقتصاد الدولة الساحلية، وقد كان لهذا الموقع دور كبير في قوة بريطانيا، وامتداد نفوذها، ومثلها فرنسا واليابان، ومن قبل أسبانيا والبرتغال.

ويبدو أثر الموقع الساحلي أكثر وضوحاً بالنسبة للنرويج ذات الطبيعة الجبلية، والتي تفتقر إلى الموارد الزراعية، ولكنها ذات ساحل متعرج، تمكنت من استغلاله إلى حد كبير في صناعة السفن، وصيد الأسماك، هذا بخلاف السويد الواقعة على بحر البلطيق، والذي يتجمد في شهور الشتاء، إذ تعتمد على مواردها الزراعية.

(3) وتزداد أهمية الموقع البحري بالنسبة للدولة التي تقع على المضايق والممرات مثل تركيا، والتي تضم مضيقي البسفور والدردنيل اللذين يربطان البحر الأسود بالبحر الأدرياتيك المؤدى للبحر المتوسط، وكذا أهمية الدول التي تقع على مضيق جبل طارق ومضيق هرمز، الذي يصل الخليج العربي بالمحيط الهندي، وكذا مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي، والذي أعطى أهمية كبيرة لليمن والقرن الأفريقي، ومضيق تيران وجوبال في مصر (اُنظر جدول أهم المضايق في العالم).

(4) كما تبدو أهمية الموقع بالنسبة للدول المطلة على القنوات المائية مثل قناة السويس بالنسبة لمصر والتي تربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر، وقناة بنما التي تربط المحيط الأطلنطي بالمحيط الهادي.

(5) أما من الناحية العسكرية فينعكس الموقع البحري على أسلوب الدفاع الذي تعتمد عليه الدولة، فبينما تعتمد الدولة البحرية على الأساطيل البحرية فإن الدولة القارية تركز على الطائرات والقوات البرية.

(6) أما الدول القارية (الحبيسة) التي تفتقر إلى وجود سواحل لها تعانى من العزلة، ويوجد في العالم عدد كبير من الدول الحبيسة. ففي أوروبا تعد من الدول الحبيسة كل من سويسرا وتشيكوسلوفاكيا، التي انقسمت أخيراً إلى دولتين، والنمسا والمجر ولوكسمبورج، وفي أفريقيا تكثر الدول الحبيسة،حيث توجد كل من تشاد ومالي والنيجر وفولتا العليا وأوغندا وزامبيا وزيمبابوي وبتسوانا وليسوتو وسوازيلاند ورواندا وبورندي وأفريقيا الوسطى، وفي آسيا كل من أفغانستان ونيبال ومنغوليا وبوتان ولاوس، وفي أمريكا الجنوبية كل من بوليفيا وباراجواي، وبذلك تضم أفريقيا أكثر من نصف الدول الحبيسة في العالم.

(7) أما موقع الدولة بالنسبة للدول المجاورة فله تأثير على الدولة نفسها، فإذا كانت الدولة صغيرة وتقع بين دولتين كبيرتين متحاربتين فإن أراضيها تكون عرضة للاختراق، مثل بولندا والتي اختفت من الخريطة أكثر من مرة نظراً لموقعها بين كل من ألمانيا والاتحاد السوفييتي، وكذلك بلجيكا التي احتلتها ألمانيا لتتمكن من دخول فرنسا. مما أدى إلى قيام فرنسا بالحيطة والحذر، ونقل كثير من الصناعات التي كان يمكن أن تقوم في شمال فرنسا؛ نظراً لوجود الفحم هناك إلى جبهات بعيدة عن الحدود مع ألمانيا.

(8) وأحياناً يؤدى تجاور الدول إلى التعاون فيما بينها، وهذا التعاون يؤدى بدوره إلى القوة، وإلى التقدم الاقتصادي، كما هو الحال في دول غرب أوروبا، وقد يحدث العكس كما حدث عندما اعتدى العراق على الكويت.

ب. المناخ

(1) يلعب المناخ دوراً هاماً في تحديد قيمة الدولة وأهميتها السياسية، والمناخ يحدد نوع المحصول والنشاط البشرى، ففي المناطق الاستوائية يميل السكان إلى الكسل والخمول، وتكون التربة فقيرة وتفقد خصوبتها وصلاحيتها للإنتاج الزراعي، وفي المناطق شديدة البرودة تتجمد التربة فترة من الوقت مما يقصر فترة الإنبات، وبالتالي يجعل هذه المناطق غير قابلة للزراعة. كما أن الجفاف عامل من عوامل تأخر الدول، نظراً لانعدام المياه وخاصة في الأراضي الصحراوية.

(2) مما سبق نرى أن المناطق الاستوائية أو شديدة البرودة أو الصحراوية يصعب أن ينشأ فيها مجتمع متقدم أو أن تقوم فيها دولة عظمى.

(3) وبالنظر إلى الدول المتقدمة تكاد تكون مقصورة على الدول التي تقع في المناطق المعتدلة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، ودول غرب أوروبا، وجنوب أفريقيا. وقد كان لذلك أثره على النشاط البشرى في هذه الدول؛ وبالتالي على الأهمية السياسية لها إقليمياً وعالمياً.

(4) أما من وجهة النظر العسكرية، فللمناخ أثره الكبير على سير العمليات الحربية، فقد ساعدت الثلوج الكثيفة التي يتميز بها الاتحاد السوفييتي على هزيمة الجيوش الفرنسية بقيادة نابليون.

(5) والتشابه في المناخ عادة يؤدي إلى الترابط بين أجزاء الدولة الواحدة، وبين الدول المتشابهة في المناخ.

ج. سطح الأرض

(1) لسطح الأرض دور كبير في تقدير قيمة الدولة في النواحي الإنتاجية والعسكرية والسياسية، فالسهول تساعد إلى حد كبير على الإنتاج الزراعي، وبالتالي تؤدي إلى كثرة السكان إذا لم تكن هناك ظروف مناخية تعوق ذلك، كما تساعد السهول على تسهيل حركة النقل والمواصلات بما يؤدي إلى سهولة انتقال السكان والتجارة، ويؤدي ذلك إلى الوحدة الثقافية والترابط الفكري بين المواطنين، وكذلك التشابه في العادات والتقاليد بما يؤدى إلى سيطرة الحكومة على أجزاء الدولة.

(2) أما تعقد سطح الأرض فإنه يعوق الاختلاط، ويمنع التلاحم والامتزاج، كما يساعد على انفصال الأقليات، ويعوق تنفيذ القوانين، وسيادة الأمن والطمأنينة بين أجزاء الدولة، ولكنها في الوقت نفسه تساعد على الدفاع عن الدولة إذا تعرضت لغزو خارجي.

د. المساحة

(1) تؤدى زيادة مساحة الدولة إلى زيادة مواردها الاقتصادية بما يعطى الدولة فرصة أكبر في نموها الاقتصادي والسياسي.

(2) واتساع مساحة الدولة يعد المجال الحيوي، الذي تواجه به الدولة زيادة عدد سكانها؛ وخاصة إذا كانت تلك المساحة من النوع الذي تتوافر فيه وسائل الإنتاج.

(3) وزيادة عدد السكان عن الحدود المناسبة لمساحة الدولة يؤدى إلى الاضطرابات الداخلية بالإضافة إلى انخفاض مستوى المعيشة.

(4) والمساحة الكبيرة وحدها لا تكفي لتقدم الدولة، فقد يكون الجزء الأكبر منها مناطق جبلية أو صحراوية غير منتجة، وتقف عقبة أمام وسائل النقل وإنشاء الطرق، مما يعوق الإنتاج، ويؤثر على الدفاع عن الدولة، كما في ليبيا والجزائر وموريتانيا.

(5) وخلاصة القول أنه إذا كانت الدولة كبيرة المساحة وتتمتع بموارد متعددة وكثافة سكانية مناسبة موزعة على هذه المساحة بدرجة متوازنة وقدرة تكنولوجية وعلمية عالية فإن ذلك يساعد على تقدم الدولة، كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.

هـ. شكل الدولة

(1) إن الشكل المثالي للدولة أن تكون متماسكة متصلة الأجزاء، وأن تكون هذه الحدود منتظمة بقدر المستطاع، وأقرب الأشكال للمثالية هو الشكل الدائري أو المربع، والأشكال القريبة منها.

(2) إن أهمية هذه الأشكال المثلى تتركز في ملاءمتها لأغراض الإدارة والدفاع والحكم؛ لأن الإدارة والحكم من نقطة مركزية على أبعاد متساوية يجعل السيطرة على أجزاء الدولة أمراً سهلاً، كما أن جميع حدود الدولة تصبح متكافئة في عدم قابليتها للاختراق، الأمر الذي يحمى هذه الدولة من الغزو الأجنبي، كما أن التماسك المساحي لأراضي الدولة يساعد على التلاحم والتكامل بين أجزائها.

(3) وتختلف دول العالم في أشكالها من دولة لأخرى إذ يمكن تقسيمها إلى الشكل المندمج (المنتظم)، الشكل المستطيل، الشكل المجزأ، الشكل المنخرق.

2. العوامل البشرية

إن معظم المشكلات السياسية التي يعانى منها العالم تعود إلى الجانب البشرى ولذلك تعد العوامل البشرية هي الطرف الثاني في معادلة الكتلة الحيوية حيث تشمل السكان والدين واللغة والجنس والتركيب القومي (الأثنوغرافي).

أ. السكان

(1) يُعد عدد السكان من مكونات الدولة الأساسية، وبالتالي فإن قوة الدولة النسبية تعتمد على حجم السكان، والتاريخ شاهد على ذلك، فجميع الدول التي تقدمت وقويت تعتمد على سكانها إلى حد كبير، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وروسيا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، واليابان، وإيطاليا، ولذلك عندما توافرت لها عناصر القوة الأخرى كان للسكان دورهم الفعال في تقدم هذه الدول.

(2) وليست الكثرة العددية للسكان دائماً مصدراً للقوة إذا لم تتوافر لها جوانب أخرى، كالمستوى التعليمي، والتقدم التكنولوجي، والصحة العامة، والروح المعنوية العالية، والتماسك السياسي، وزيادة قوة العمل المنتجة، مع توافر الموارد لدى الدولة مما يجعل للسكان أهمية خاصة. وبالتالي زيادة الإنتاج الاقتصادي للدول.

(3) أمّا كثرة السكان مع ضيق موارد الثروة لدى الدولة، فإنه يؤدى إلى مشكلة كبيرة تعوق الدولة، وتكثر المشكلات الداخلية، وبذلك تصبح الكثرة السكانية عامل ضعف كما تكون عامل قوة.

(4) وينبغي أن يكون توزيع السكان في الدولة بانتظام في جميع أرجائها، وأن تباعد المناطق السكانية مع وجود فواصل طبيعية كالصحارى والجبال أو وقوع دولة أخرى بين شطري دولة فإن ذلك يؤدي إلى التفكك ومحاولة الانفصال عن الدولة كما حدث في كل من باكستان عندما انفصل الجزء الشرقي مكوناً بنجلاديش، وفي تيمور الشرقية نتيجة وجود جزر متباعدة وفواصل مائية بين هذه الجزر.

(5) كما تلعب الكثرة السكانية دوراً مهماً في الدفاع عن الدولة؛ إذ يجد الجيش القوة العددية المؤهلة للعمل في جبهات القتال.

(6) كما أن الدولة المكتظة بالسكان يصعب هزيمتها، فلم يكن بإمكان اليابان أن تستمر في احتلالها للصين نظراً لكثرة سكانها.

ب. الدين

(1) تبدو أهمية الدين في تماسك الدولة عندما تكون الدولة بأكملها على دين واحد، كما في المملكة العربية السعودية، حيث الدين الإسلامي الذي يسود الدولة بأكملها، مما ساعد على تماسك الدولة، لا على تفككها وتمزقها، كما يحدث في الدول متعددة الديانات.

(2) وكلما تقدمت الدولة وارتفع مستواها الثقافي قلت المنازعات في داخل الدولة الواحدة، وبين الدول وغيرها من الدول بسبب الدين، والدين يربط بين الدول دون مراعاة للحدود السياسية المصطنعة، ولعل خير دليل على ذلك الدين الإسلامي الذي يربط بين دول العالم الإسلامي جميعها دون مراعاة لانتمائهم القومي.

ج. اللغة

(1) تٌعد اللغة من أهم الروابط التي تلعب دوراً كبيراً في توحيد الشعوب التي تنتمي إلى الأمة، فهي وسيلة التعبير والتفاهم ونقل الأفكار والحضارة.

(2) وأفراد الشعب الذين يشتركون في لغة واحدة يتقاربون ويتعاطفون فيما بينهم بخلاف الشعب الذي يجمع بين أناس يتكلمون أكثر من لغة مما يؤدي إلى انفصال المجموعات عن بعضها البعض، وبالتالي يعد نقطة ضعف في الدولة.

د. الجنس

(1) إن كل جنس بشري يضم جماعة تتصف بصفات جسمية معينة تميزهم كمجموعة وتفصلهم عن غيرهم من الجماعات البشرية الأخرى. وتنقسم الأجناس الموجودة في العالم إلى ثلاث مجموعات بشرية كالمجموعة القوقازية، والمجموعة المغولية، والمجموعة الزنجية.

(2) ويظهر التمييز العنصري في أستراليا التي تمنع هجرة الملونين إليها، وفي إسرائيل، حيث يتكون السكان من خليط من الغرب والشرق، وتعطي الحكومة امتيازات أكبر للغربيين، وتفرق في المعاملة مع الإسرائيليين العرب في الأراضي المحتلة، ولاشك أن تعدد المجموعات والأجناس يؤثر على قوة الدولة بالسلب.

هـ. التركيب القومي: (الأثنوغرافي)

والمقصود به تلك الشعوب والقوميات التي توجد داخل إطار الوحدة السياسية (الدولة)، فلهذا أهمية كبيرة في الوزن السياسي للدولة.

(1) والاختلاف الأثنوغرافي في الدولة يؤدي إلى التفكك وعدم الانصهار، كما يعرقل الإدارة والحكم، ويضعف القوة السياسية للدولة.

(2) ويأخذ التكوين الأثنوغرافي للدولة صوراً مختلفة، فقد يكون بسيطاً أو مركباً، فالتكوين البسيط لا يتميز بالتنافر على الرغم من تعدد الأجناس التي تضمها الدولة، ويظهر ذلك في بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا. أما التكوين المركب فيظهر ذلك في الهند ونيجيريا وباكستان وجنوب أفريقيا وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا.