إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / القوى الشاملة للدولة وحساباتها









المراجع والمصادر

ثالثاً: عناصر التعاون والتنسيق والتفاعل بين القوى والقدرات المؤثرة

1. القوة الاقتصادية

إن استغلال إمكانيات الدولة الاقتصادية والممثلة في كل ما تملكه من موارد أو ما يمكنها الحصول عليه لتنفيذ إستراتيجيتها، وتأتى في مقدمة ذلك الموارد الغذائية والقوى المحركة، وما يمكن أن تقوم به الدولة من صناعات.

أ. الموارد الغذائية

(1) أن توفر الموارد الغذائية للدولة يعد عاملاً أساسياً، لأنه يحافظ على سيادتها، وعلى حرية اتخاذها القرارات المهمة، لأن الجوع ونقص الغذاء يعد من عوامل ضعف الدولة.

(2) إن مستوى توفر الغذاء يؤثر في التوجه السياسي الخارجي للدول، وفي تغيير فكرها السياسي بشكل عام من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، ومثال ذلك الاتحاد السوفييتي السابق بعد أن كان لديه فائض لتصدير القمح، أصبح الآن مستورداً للقمح.

(3) وعموماً يمكن القول إنه كلما توافرت للدولة الموارد الغذائية بشكل كاف كان ذلك من عوامل قوتها؛ لأن اعتماد الدول على غيرها يعد من عوامل ضعفها.

ب. الموارد المعدنية

(1) يختلف توافر الموارد المعدنية في الدول بالمقارنة بالموارد الغذائية، لأن توزيعها اقل انتظاماً من توزيع الأراضي الزراعية، فلا توجد دولة لديها اكتفاء ذاتي في جميع المعادن مهما بلغت قوتها واتساعها.

(2) وللاستفادة من التعدين فإن الأمر يتطلب توافر مقوماته الأساسية من خبرة ورأس مال وقوة عاملة وسوق.. الخ.

(3) وبقدر ما يمثل توافر الموارد المعدنية من عوامل قوة للدولة، فإن ذلك قد يكون سبباً في وضعها تحت سيطرة الدول الكبرى وفي دائرة نفوذها وخاصة في ظل النظام العالمي الجديد.

ج. القوى المحركة

(1) وتضم القوى المحركة الفحم والبترول والغاز الطبيعي والكهرباء واليورانيوم، وعلى الرغم من أن الدول المنتجة للبترول تقرب من مائة دولة في العالم، لكن تركزه في نحو عشر دول من دول العالم تضم نحو 80% من الإنتاج العالمي، وكذلك الفحم فالولايات المتحدة والصين تنتج نحو 60% من الإنتاج العالمي من الفحم.

(2) وتلعب القوى المحركة دوراً مهماً في قوة الدولة، وهي وسيلة سياسية للضغط على الدول الأخرى، كما حدث عندما استخدم العرب سلاح البترول عام 1973، وعندما خفضت الدول العربية إنتاجها المصدر للخارج مما دفع بعض الدول المساندة لإسرائيل إلى التراجع وفي مقدمتها دول غرب أوروبا (فرنسا - هولندا - بلجيكا - ألمانيا) نظراً لأهمية البترول لهذه الدول.

د. الصناعة

تعد المقدرة الصناعية للدول من العوامل المؤثرة في قوتها السياسية، فلا يمكن أن تكون هناك قوة عسكرية إذا لم تساندها قوة صناعية لإنتاج المعدات الحربية.

فالصناعة تساعد الدولة على رفع مستوى معيشة سكانها، وذلك باستخدام فائض الإنتاج باستثماره في الدول الأجنبية، أو توزيعه على الشعب وزيادة المرتبات، أو تقليل ساعات العمل والتوسع في الخدمات الاجتماعية لرفع مستوى الرفاهية، وبالتالي إنشاء وتكوين جيش قوي تستطيع تمويل الإنفاق عليه.

هـ. مما سبق يتضح أن أوجه التفاعل للقوة الاقتصادية مع عناصر القوة الشاملة الأخرى تتمثل في الآتي:

(1) إن نمو الاقتصاد القومي بمعدلات عالية يدعم من موقفها على المستويين الإقليمي والدولي، ويزيد من مصداقيتها ونفوذها.

(2) إن الاقتصاد هو العمود الفقري لقدرات الدولة؛ فهو الذي يوفر لها جميع الإمكانات والموارد المالية لبناء هياكلها وتطويرها حتى تتمكن من القيام بمهامها.

(3) إن نمو الاقتصاد وتنوعه إضافة إلى التقنية العالية في الكفاءة الإنتاجية يؤدي إلى زيادة الدخل القومي للدولة، ويزيد من حجم الصادرات، ويقلل الواردات، ويزيد الاستثمار، ويحد من التضخم، والبطالة، وبالتالي رفع المعاناة عن أفراد الشعب، وتحقيق الرفاهية بما يؤدي إلى الاستقرار الداخلي، ورفع الروح المعنوية، وزيادة الانتماء وتقليل فرص الانحراف للشباب بما يحمى الجبهة الداخلية من التيارات الوافدة في ظل النظام العالمي الجديد.

(4) إن القدرات الاقتصادية للدولة هي العامل الحاسم والرئيسي الذي يؤثر وينعكس على تحديد حجم وإمكانات ومدى تطور القدرة العسكرية.

2. القدرة العسكرية

أ. إن القدرة العسكرية توفر الحماية لباقي القدرات الأخرى للدولة لتنمو وتتطور، كما أنها تحمي الحدود الخارجية للدولة ومصالحها الحيوية من العدائيات الخارجية بما يؤدى إلى تحقيق الأمن القومي.

ب. كما أن القدرة العسكرية أداة فعالة في السياسة الخارجية؛ لأنها تؤازرها، بل تشكل أداتها أحياناً، ويمكن القول إن التنسيق بين القدرة العسكرية والقدرة السياسية أمر ضروري ومؤثر في جميع القرارات التي ترتبط بكل منهما في مجالات العلاقات الدولية، وتقاس فائدة القوة العسكرية بالمدى الذي يمكن أن تساند به القوة السياسية؛ إذ يقال أنها المظلة التي يمكن أن تتحرك في ظلها الدبلوماسية لتحقيق الهيبة والنفوذ إقليمياً وعالمياً وخير دليل على ذلك القوة العسكرية الأمريكية وتأثيرها القوى على تنفيذ سياستها الخارجية كما حدث في كوسوفا.

ج. إن قيام القوات المسلحة بالاعتماد الذاتي على التصنيع الحربي بالتكنولوجيا المتقدمة، وكذا في بعض المجالات الأخرى (الإسكان - الزراعة - الصناعة) يؤدى إلى تخفيف العبء إلى حد كبير عن القدرة الاقتصادية للدولة.

د. كما أن تفاعل القوات المسلحة على المستوى الداخلي لدعم القدرة السياسية الداخلية من خلال دعم الشرعية الدستورية، وحماية الوحدة الوطنية، وتأمين الانتقال السلمي للسلطة يعد دوراً إضافياً علاوة على دورها الرئيسي في حماية حدود الدولة.

هـ. ومن ثم فإن بناء قدرة عسكرية متوازنة قادرة على تحقيق الاتزان والردع بالإضافة إلى التدريب المشترك في المناورات يدعم العلاقة مع هذه الدول المشتركة بما يساعد على زيادة وزن الدولة ومكانتها، ومن ثم نفوذها السياسي على المستويين الإقليمي والدولي.

3. القدرة الدبلوماسية (السياسة الخارجية)

أ. يمكن القول بأن القدرة الدبلوماسية تشكل المظلة التي تحمي القدرات الأخرى للدولة من العواصف والتقلبات، وخاصة في ضوء المتغيرات الإقليمية والعالمية الجديدة، كما يمكن أن تشكل في الوقت ذاته العصا التي تفتح الأبواب المغلقة.

ب. إن تنمية العلاقات الدبلوماسية وتطويرها مع الدول إقليمياً ودولياً يسهل من التبادل التجاري والاقتصادي، ويفتح مجالات أخرى جديدة.

ج. إن الدبلوماسية هي الوجه الآخر للقدرة العسكرية، فكلاهما مكمل للآخر، وكلاهما، أيضاً، يمهد للآخر، وقد انضمت إلى هذه الثنائية القدرة الاقتصادية في ظل النظام العالمي الجديد حيث أصبحت ثلاثية تكمل بعضها، وبالتالي يمكن القول بأن قياس النجاح لا يقتصر على الانتصار العسكري في مسرح العمليات، بل بما يمكن أن تحققه السياسة باعتبارها الوجه المكمل لها، وتعد حرب أكتوبر 1973 خير دليل على ذلك.

د. إن الدبلوماسية السياسية الناجحة رفيعة المستوى تحافظ على مقدرات الدولة، وتحقق الأمن القومي للدولة بعيداً عن التدخلات العالمية الراهنة، وأيضاً الأيديولوجيات الواردة في ظل عولمة الاقتصاد والثقافات... الخ.

4. القدرة الدبلوماسية (السياسة الداخلية)

أ. تعنى السياسة الداخلية بجميع الأنشطة والسياسات المختلفة المادية والمعنوية التي تتم داخل حدود الدولة من حيث النظام السياسي للدولة، ومؤسساتها المختلفة، السياسية، والتشريعية، وكذلك التوجهات الأيدلوجية، وما لكل ذلك من انعكاسات على الاستقرار الداخلي للدولة، وعلى معدلات نموها الاقتصادي، ومن ثم على مصداقيتها وعلى سياستها الخارجية.

ب. كما أن الاستقرار الداخلي والعدل الاجتماعي وتحقيق مستوى معيشي مناسب للمواطنين بالإضافة إلى العناصر المعنوية التي تتعلق بحرية الرأي، وحقوق الإنسان، وتأمين الوحدة الوطنية يهيئ مناخاً مناسباً مما يساعد على تحقيق التنمية الشاملة للدولة بشكل إيجابي والعكس صحيح.

ج. كما أن السياسة الداخلية لها انعكاسات مباشرة على القدرة العسكرية في مجال حجم القوات المسلحة والبناء التنظيمي لها بما يؤثر على كفاءتها بالإيجاب أو السلب.

5. القدرة المعنوية

أ. تلعب دوراً حيوياً في رفع الروح المعنوية للشعوب وزيادة عزيمتها، ومن ثم حفز طاقتها الكامنة خلف القدرات المختلفة للدولة بما يؤدى إلى تعظيم القدرات الشاملة للدولة، ويبرز ذلك من خلال زيادة الإنتاج والاستجابة، والدعم للخطط التي تضعها الدولة في شتى المجالات.

ب. ولعل حرب أكتوبر 1973 خير شاهد على ذلك، وتؤكد مدى تعظيم الروح المعنوية للشعب للقدرة العسكرية لمصر في مواجهة القدرة العسكرية الإسرائيلية.

6. القدرة التكنولوجية (التقنية)

أ. يُعد التطور العلمي والتقني من العناصر الحاكمة لباقي الدولة، حيث أنه بقدر التطور التقني تتطور قدرات الدولة المختلفة، سواء كان ذلك في المجال الاقتصادي فيما يتعلق بطرق الإدارة والإنتاج الزراعي والصناعي وأساليبها، بالإضافة للمعدات المتطورة والتي تؤدي إلى إنتاجية وجودة أعلى، ومن ثم قدرة أعلى على التبادل الاقتصادي بشكل أكثر تكافؤاً وتوازناً بما ينعكس على المستوى المعيشي ورفاهية الشعب وروحه المعنوية.

ب. وينعكس، أيضاً، التطور التقني على القوات المسلحة في مجال تنمية نظم الأسلحة الحديثة وتطويرها، أو في مجال الحصول على المعلومات، بالإضافة إلى أساليب اتخاذ القرار، وإدارة أعمال القتال وآلية القيادة والسيطرة.

ج. أما في مجال الإعلام فإن الاتصال المباشر عبر القارات خاصة من خلال محطات التليفزيون والأقمار الصناعية يهيئ أنسب الظروف لزيادة التواصل الثقافي بين الشعوب، وينقل توجهات الدولة ورؤيتها للقضايا المعاصرة بهدف خلق رأي عام مؤيد لها.

د. إن إعداد الدولة للقوة البشرية المؤهلة والقادرة على استخدام التقنية الحديثة في شتى المجالات يزيد من قوة الدولة، وخاصة بقدر ما تخصصه من دخلها القومي لتطوير التكنولوجيا والتقنية في شتى المجالات.

هـ. إن خير دليل على استخدام التقنية الحديثة لخدمة اتخاذ القرار ودعمه هو ما تقوم به جميع أجهزة الدولة من مراكز دعم واتخاذ القرار بما توفره من معلومات حديثة تساعد متخذي القرار على اتخاذ القرار السليم في الوقت المناسب.

7. القدرة الإعلامية والمعلومات

أ. تتفاعل القدرة الإعلامية مع القيادة السياسية على التخطيط واتخاذ القرارات السليمة الموقوتة، سواء في السياسة الخارجية ( الدبلوماسية )، أو السياسة الداخلية إذ توفر القدرة الإعلامية إمكانية نقل التوجهات السياسية الخارجية للدولة ووجهة نظرها إلى خارج حدودها للتأثير في الآخرين سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي بما يساعد على دعم القدرة الدبلوماسية للدول، وبما يزيد من وزنها واحترامها.

ب. كما تؤدى إلى دعم القدرة الاقتصادية للدولة من خلال إظهار النشاط الاقتصادي للدولة من خلال الترويج للأنشطة الاقتصادية والسياحية وباقي مجالات التنمية المختلفة.

ج. أما على المستوى الداخلي فإن القدرة الإعلامية تلعب دوراً خطيراً في الحياة الثقافية والقيم الأخلاقية وتنمية الوعي والإدراك بالمشكلات المحلية والدولية وتوجهات السياسة الداخلية حيالها، بما يؤدي إلى رفع الروح المعنوية، وبالتالي توعية المجتمع بما يبث الإعلام الخارجي الموجه من الخارج للمحافظة على قيم المجتمع وتراثه وأمنه القومي وخاصة في ظل ظروف العولمة والسماوات المفتوحة، وما يبث من أفكار وأيديولوجيات تهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

نخلص مما سبق بأن القدرات الشاملة للدولة ليست أمراً ثابتاً يتميز بالجمود، وإنما هي جزء من المفاهيم الإستراتيجية للدولة وتعد في مجموعها موضوعاً ديناميكياً مرناً يتأثر بالمتغيرات المحلية والإقليمية، والدولية سواء المادي منها أو المعنوي، ولذلك فهي قابلة لإضافة عناصر جديدة طبقاً للمتغيرات الإقليمية والدولية.

إن التفاعل والتنسيق بين القدرات المختلفة للدولة ودعم بعضها البعض يعظم من القدرات الشاملة للدولة، وبالتالي وزنها النسبي ومن ثم مكانتها وهيبتها وتأثيرها على المستويين الإقليمي والعالمي.