إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / القوى الشاملة للدولة وحساباتها









المراجع والمصادر

أولاً: المناهج المختلفة لقياس قوة الدولة

قام العديد من العلماء والمفكرين بإصدار عدة دراسات، سواء كانت عربية أو أجنبية كشفت عن وجود اختلافات وتباينات كثيرة، إذ ما زالت هناك عدة نقاط تثير كثيراً من الجدل حول أساليب قياس العناصر التي تدخل في حساب قوة الدولة بمكوناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، إضافة إلى تحليلها، وكذا تحديد الأوزان النسبية لعناصرها الفرعية. ولتحليل مناهج القياس المختلفة سنتناول موقف الفكر العربي والفكر العالمي بهدف الوصول إلى تصنيف المحاولات التي تم طرحها من قبل، كالآتي:

1. قياس قوة الدولة من وجهة نظر المفكرين العرب

هناك قليل من الدراسات التي تعرضت بصفة مباشرة لهذا الموضوع، ويمكن تصنيف الفكر العربي إلى ثلاث مدارس مختلفة في هذا المجال، كالآتي:

أ. مدرسة العلاقات الدولية

وتتحدث هذه المدرسة عن عوامل قوة الدولة، أو العوامل التي تؤثر في العلاقات الدولية فقط، دون أن تمتد إلى قياس قوة الدولة، وهناك بعض الاستثناءات التي يمكن إيجازها في الآتي:

(1) دراسة محمد سليم، من خلال قياس الجوانب الموضوعية لقوة الدولة عن طريق ثلاثة مؤشرات وهي مؤشرات، (امتلاك الموارد الاقتصادية - القدرة على استخدام هذه الموارد - القدرة العسكرية)، إذ ركزت هذه المحاولة على قياس العناصر المادية دون العناصر المعنوية.

(2) وقد أضاف اللواء أحمد فخر محاولة أخرى، من خلال تطوير معادلة كلاين، حيث أدخل عنصرين جديدين هما القدرة الدبلوماسية، وقدرة النفوذ إقليمياً وعالمياً.

ب. مدرسة الاقتصاد السياسي

حيث تناول العديد من الاقتصاديين المصريين معايير قياس قوة الدولة التي تتجاوز الجوانب الاقتصادية؛ أي الخروج من نطاق المعايير الاقتصادية واستخدامها معايير سياسية واجتماعية بالإضافة إلى الجمع بين المعايير الكمية والمعايير الكيفية، ومن أمثلة هؤلاء المفكرين إبراهيم العيسوي، علي نصار، مدحت حسنين.

ج. دراسة الفكر العسكري

(1) وتم التركيز على المقومات العسكرية لقوة الدولة، حيث يرى أنصار هذه المدرسة أن التوازن الإستراتيجي بين الدول يقوم على عناصر عسكرية بالأساس.

(2) وتتسم هذه المدرسة بأنها ذات طابع كمي، ونادراً ما تدخل في حساباتها الاعتبارات الكيفية، كما لا تدخل العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية

2. تصنيف مناهج قياس قوة الدولة

لقد بدأت محاولات وضع نظريات حساب القوة الشاملة للدولة اعتباراً من النصف الثاني من القرن العشرين. وفي بداية عقد التسعينات أضيف التوازن والتفاعل وأدخل عاملين جديدين هما الإعلام والتقنية، وتعددت محاولات تصنيف مناهج قياس قوة الدولة بواسطة بعض المفكرين الأجانب، وتُعد من أهم المحاولات في هذا الصدد ما يلي:

أ. المحاولة الأولى

حيث تم تصنيفها إلى ثلاثة مقاييس كالآتي:

(1) مقياس نظرية المباريات

إذ تم وضع طريقة لتقييم توزيع القوة في نسق اجتماعي، استناداً على نظام الانتخاب والتصويت، حيث يتم تحديد القرار أو المخرجات من خلال المدخلات وهي التصويت، ومن رواد هذا الاتجاه كل من شابلى وشوبيك عام 1954.

(2) مقاييس تحديد التغيرات

ويقصد بها قياس القوة لدى دولة ما عن طريق معرفة كمية التغير ودرجته لدى هذه الدولة في مواجهة دولة أو مجموعة دول، ومن رواد هذا الاتجاه كل من (سيمون "1947" ومارش "1957"، ودال "1963" … إلخ).

(3) المقاييس الاقتصادية للقوة

إذ يُعد فيها القياس الكامل للقوة بما يتضمن تكاليف محاولة فرض النفوذ من جانب دولة ما، وتكاليف رفض ما يمكن أن تؤيده دولة أخرى، والتكلفة عندئذ ليست اقتصادية فقط، ولكنها تتضمن التكلفة النفسية، أيضاً.

ب. المحاولة الثانية

إذ تم تقسيم مناهج قياس القوة في العلاقات الدولية إلى ثلاثة مناهج كالآتي:

(1) منهج السيطرة من خلال الموارد

ويركز هذا المنهج على جوانب الثروة المتاحة لدى الدول، إذ يمكن السيطرة على الموارد وتحويلها إلى سيطرة على الفاعلين والأحداث.

(2) منهج السيطرة من خلال الفاعلين

ويحدد مفهوم القوة على أنه قدرة دولة ما على أن تجعل دولة أخرى تفعل شيئاً ما، لم تكن تفعله بدون تدخل وضغط الدولة الأخرى.

(3) منهج السيطرة على الأحداث والمخرجات

إذ يركز على حساب العمل الجماعي أو قياسه، انطلاقاً من أن السيطرة على الموارد أو على الفاعلين الآخرين تنبع من الرغبة في إنجاز أو تحقيق أهداف محددة بواسطة أسلوب العمل الجماعي، بما يعظم من قدرة الدولة، وإمكانية تاثيرها على الدول الأخرى الفاعلة، لتحقيق مصالحها القومية.

وعلى ضوء المحاولات النظرية السابقة لقياس قوة الدولة برزت ثلاث اتجاهات لمناهج قياس قــوة الدولة كالآتي:

أ. الاتجاه الأول

(1) وهو منهج قياس قوة الدولة من منظور العوامل المادية فقط، إذ يعتمد على قياس العوامل التي يمكن قياسها مباشرة كالقدرة العسكرية والاقتصادية.

(2) أضاف بعض رواد هذا الاتجاه للمؤشرين السابقين عنصر السكان، واكتفى بالدخل القومي كمؤشر للقدرة الاقتصادية، واعتبر أن النفقات العسكرية وحجم القوات المسلحة مؤشرين للقدرة العسكرية.

(3) كما أن البعض الآخر اكتفى بعنصرين فقط، وهما إجمالي الإنتاج المحلى، واستهلاك الطاقة كمؤشرين للدلالة على قوة الدولة.

(4) وقام بعض الرواد بتحديد عوامل رئيسية، لها أثر بالغ على قوة الدولة، وهي الاقتصاد القومي، ويشمل الموارد الزراعية، والمعدنية، والصناعية، والأرض، والسكان، والقوة العسكرية.

(5) ويندرج ضمن هذا الاتجاه مساهمات بعض المفكرين العرب، إذ حدد أحدهم "6" مؤشرات أساسية لمكانة الدولة، وهي الناتج القومي الإجمالي، ومعدل المشاركة في العمل، ومعدل الإلمام بالقراءة والكتابة، ومعدل الوفيات والأجل المتوقع عند الحياة، والقوات المسلحة. كما حدد مفكر آخر أن قياس الجوانب الموضوعية لقوة الدولة يتم من خلال ثلاثة أبعاد، هي:

(أ) مؤشرات امتلاك الموارد الاقتصادية.

(ب) مؤشرات امتلاك القدرة على استعمال الموارد.

(ج) مؤشرات القدرة العسكرية.

(6) أهم الانتقادات الموجهة لهذا المنهج

(أ) أن الوحدات الدولية (الدول) لا تمتلك دائماً القدرة على استخدام مواردها.

(ب) لا يحدد ما هي أنواع الثروات والموارد التي يمكن تضمينها في مقياس عام للقوة، كما أن هناك بعض الموارد يصعب قياسها، إذ يمكن التمييز هنا بين القوة الراهنة استناداً إلى الموارد الظاهرة، والقوة الكامنة التي لا يمكن التعرف عليها إلا في حالة استخدام القوة فعليا.

(ج) يتجاهل التعامل مع ظاهرة العمل الجماعي في العلاقات الدولية، والتحالفات بين الدول، وقدرة الدولة على استثمار موارد حلفائها وتوظيفها.

ب. الاتجاه الثاني

(1) وهو منهج الجمع بين العوامل المادية والمعنوية، أي أن قوة الدولة نتاج لمجموعتين من العوامل المادية والمعنوية.

(2) ويوجد ضمن هذا المنهج اتجاهان، الأول يدمج العناصر المادية والمعنوية معاً في معادلة شاملة، والثاني يفصلهما مع الإشارة إلى أهمية العناصر المعنوية.

(3) وقد تنوعت محاولات الباحثين في هذا الاتجاه، فالبعض منهم حدد ثلاثة أبعاد رئيسية لقياس قوة الدولة، ومنهم من حدد ستة أبعاد رئيسية، وآخر حددها بثمانية عناصر أساسية.

(4) وتندرج تحت هذا الاتجاه أبرز المحاولات، وهي محاولة راي كلاين عام 1980، وجمال زهران، إذ تم طرح معادلة لقياس قوة الدولة تجمع بين العناصر المادية والعناصر المعنوية.

ج. الاتجاه الثالث

(1) وهو منهج قياس قوة الدولة من منظور توظيفها، أي القدرة على تعبئة عناصر قوة الدولة وتوظيفها في موقف أو حدث أو ظروف معينة، أو في إطار متشابك من العلاقات على مستوى ثنائي أو جماعي محدود (إقليمي) أو على مستوى النسق العالمي كله، ومن رواد هذا المنهج كل من سجوستدت، كولمان، كلاوس، هارسالي.

(2) ومن مميزات هذا الاتجاه أنه يطرح عنصرين مهمين هما:

(أ) أن هناك موارد متوافرة، وقدرة من الدولة على توظيفها.

(ب) أن هناك إطار علاقة يمثل تفاعلات حركة الدولة في المحيط البيئي لها.

(3) وقام عدد من الباحثين بمحاولة قياس قوة الدولة وفق هذا المنهج، ويمكن تقسيمها إلى نوعين كالآتي:

(أ) محاولات متكاملة: وتندرج تحتها محاولتان كالآتي:

·   المحاولة المتكاملة الأولى هي محاولة (سجوستدت)، والذي اعتبر أن الدولة عند ممارستها للقوة تتكون من ثلاثة عناصر، وهي عناصر الثروة، وسيطرة الدولة على البيئة الخارجية. المكانة في (النسق الأول)، عناصر المناورة (القدرة على تعبئة القوة).

·   والثانية هي محاولة (كولمان) وتركز أساساً على حساب أو قياس العمل الجماعي وتعرف بقدرة الدولة في السيطرة على الأحداث.

(ب) المحاولات الجزئية: وتندرج تحتها محاولتان كالآتي:

·   المحاولة الجزئية الأولى، هي محاولة كلاوس نور، هارساني، والتي تنطلق من مفهوم قدرة الدولة (أ) على أن تجعل الدولة (ب) تتصرف أو تفعل شيئاً بما يتفق وما تريده الدولة (أ) وليس وفقاً للدولة (ب) أو رغبتها.

·   المحاولة الثانية وقام بها (مايكل سوليفان)، وأشار إلى أن هناك مستويين للقوة أحدهما المستوى الثنائي، والآخر مستوى النظام العالمي متعدد الأطراف، ومن أهم الانتقادات لهذه المحاولة أنها تقتصر في قياسها للقوة على عدد من العناصر القابلة للقياس بشكل جزئي، ولم تدرج العوامل المعنوية في القياس.

ولقد تعددت مناهج وأساليب قياس القوة الشاملة للدولة بهدف التوصل لرؤية جديدة تتواءم مع المتغيرات التي فرضت نفسها، وحاول كثير من المفكرين أن يضفي بجديد لتتواصل مناهج البحث في هذا الموضوع الإستراتيجي المهم.

على الرغم من أن كثيراً من هذه الأساليب قد تتسم بالواقعية، وتقترب من الحقيقة قدر الإمكان، وإن كانت ستظل رغم ذلك تقديرية وقابلة للتطور في المستقبل للأسباب الآتية:

1. إن جميع عناصر القوة تتفاعل مع بعضها البعض، ولا يمكن تقييم أي منها بمعزل عن باقي العوامل الأخرى.

2. ظهور عناصر جديدة طبقاً للمتغيرات العالمية، تنعكس وتؤثر على قوة الدولة.

3. إن هناك متغيرات كمية يمكن قياسها بدقة، وأخرى غير كمية لابد من أخذها في الحسبان عند قياس القوة (الروح المعنوية.. الخ). وهذه العناصر غير الكمية لا يمكن قياسها بدقة خاصة في المواقف المتغيرة.

وسوف نعرض بعض الأساليب المستخدمة في قياس القوة الشاملة للدولة.