إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / خط ماجينو في الحرب العالمية الثانية




نماذج دبابة من الورق المقوى
موانع الدبابات بخط ماجينو
مواقع أمامية محصنة للإنذار
نهر الموز
أنفاق حصن ماجينو
هتلر يقفز فرحا
نطاق الأسلاك بخط ماجينو
المولدات الكهربائية بخط ماجينو
الكولونيل جنرال كيتل
القاطرة التي وُقع فيها الاستسلام
احتلال ميناء ومدينة "دنكرك"
اختيار أماكن التحصينات
تحصينات خط ماجينو
تسليم الإنذار للأسطول الفرنسي
خط ماجينو على الحدود البلجيكية
خط سيجفريد
دشم خط ماجينو
شبكة المواصلات داخل ماجينو


أوضاع القوات المتضادة
معركة فرنسا يونيه 1940
الوصف العام لخط ماجينو
الهجوم الألماني على هولندا
الانسحاب من دنكرك
توغل الجيش الألماني
خطة المحور
زحف مصفحات رومل



الجيش الثامن البريطاني

المبحث الثاني

موقف القوات المتضادة حتى بداية الحرب العالمية الثانية

شجَّع التخاذل الأوروبي، وانهيار نفوذ عصبة الأمم أمام التحدي الألماني، هتلر على البدء بتنفيذ أهدافه ونقض معاهدة فرساي[1] Versailles في 11 مارس 1935، والتي كان من أهم بنودها:

1. إلغاء نظام التجنيد الإجباري، وألا يزيد تعداد القوات العسكرية عن 100 ألف جندي محترف، موزعين على عشر فرق صغيرة من المشاة والخيالة، محرومين من المعدات المصفحة والمدفعية الثقيلة والطيران، ومن هيئة أركان عامة.

2. فرض تعويضات على ألمانيا لصالح الدول المتضررة من الحرب بلغت 33 بليون دولار.

3. إعادة منطقتي الألزاس واللورين إلى فرنسا. ومنطقتي مالميدي وأوبن إلى بلجيكا. وشلزفيك إلى الدانمرك.

بدأت ألمانيا، بالفعل، تعيد بناء قواتها البرية والبحرية والجوية، وفي مارس 1936 تقدم الجيش الألماني واحتل منطقة الراين المنزوعة السلاح حسب اتفاقية فرساي، وفي أكتوبر 1938 دخلت القوات الألمانية أراضي تشيكوسلوفاكيا، وضمت منطقة السوديت وعدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة، بحجة أن الأكثرية من الألمان. وكان رد الفعل الأوروبي ضعيفاً وسلبياً، وبذلك حقق هتلر أكبر نصر سياسي، وظن أن القوة الألمانية لا تقهر.

وبدأت فرنسا وبريطانيا على الجانب الآخر تدعيم قواتهما البرية والبحرية والجوية حتى لا تقفا أمام القوات الألمانية موقف الضعيف، بعد تبنهما عدم احترام هتلر للمواثيق.

أولاً: قوات المحور

1. الجيش الألماني

بدأت ألمانيا إعادة بناء جيشها سراً، من عام 1930، تنفيذاً لبنود معاهدة فرساي، ولم يأمر هتلر بإعادة الخدمة الإجبارية، وبإنشاء جيش وطني إلا في 11 مارس 1935.

ومنذ ذلك التاريخ وضع الخبراء العسكريون إستراتيجية جديدة وافق عليها هتلر، ودعمها، وعُرفت باسم "الحرب المتحركة" التي تعتمد على الدبابة والطائرة، خاصة وأن الجيش الألماني ظل يراوده حنين إلى الدبابات خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة من عمره، فكان يجسدها في المناورات على شكل مصفحات من الورق المقوى والقماش، تحملها عجلات دراجات (أُنظر صورة نماذج دبابة من الورق المقوى)، بحيث تستخدم للخداع أو لتوفير المعدات الحقيقية، لكنه استعمل مصفحات حقيقية في مناورات على الأراضي السوفيتية بدعوة من الجيش الأحمر.

وكان الجيش الألماني على قناعة أن الآلية المدرعة لم تعد سلاحاً جامداً يقوم بدور مشابه للمدفع العادي، بل أصبحت سلاحاً مستقلاً يلعب الدور الرئيسي في اختراق الخطوط الدفاعية للعدو، مدعوماً بالمدفعية والطائرات، ليفسح المجال لدخول القوات المترجلة "المشاة"". وفي نهاية عام 1939 كان واقع الجيش الألماني كالآتي:

أ. القيادة العسكرية

بناء هرمي يعتمد على نظام مركزي متشدد:

(1) القيادة العليا للقوات المسلحة

على رأس الهرم، وتتألف من أدولف هتلر، وهيئة الأركان بإشراف الجنرال جودل، والجنرال كيتل.

(2) قيادة الأسلحة الرئيسية

(أ) قيادة سلاح البر

عُهدت إلى الجنرال ولتر فون بروخيتش، يعاونه رئيس أركانه، الجنرال فرانز هالد.

(ب) قيادة سلاح البحر

عُهدت إلى الأميرال إريك رايدر، يعاونه رئيس أركانه، الأميرال شنيونيد.

(ج) قيادة سلاح الجو

عُهدت إلى الفيلد مارشال غورنغ، يعاونه رئيس أركانه، الجنرال هانز جيشونك.

ب. سلاح البر

في نهاية عام 1939 كان الجيش الألماني يضم 98 فرقة متنوعة، منها 52 فرقة مجهزة تحت السلاح، وتتبع الجيش النظامي، وعشر فرق أخرى يمكن تعبئتها عندما يتطلب الموقف ذلك.

أما الفرق الـ36 الباقية، فهي غير مجهزة بأسلحة ثقيلة "دبابات ـ مدفعية". وفي حال إعلان التعبئة، توضع 16 فرقة احتياطية أخرى تحت السلاح.

(1) المشاة

يمتلك سلاح المشاة بنادق نوع موزر 1924، رشاشات مادسن، رشاشات خفيفة من نوع برغمان شميسر.

(2) المدفعية

جُهز سلاح المدفعية بمدافع عيار 105مم، ومدفع هاوتزر عيار 155مم، ومدافع 77مم مضادة للدروع، ومدافع 88مم مضادة للطائرات، فضلاً عن هاون عيار 81مم ومدافع مضادة للدروع من عيار 37مم، ورشاشات مضادة للطائرات عيار 20مم.

(3) المدرعات

كان الألمان قادرين، في سبتمبر 1939، على حشد ست فرق مدرعة، جُهزت كل واحدة بـ288 آلية مدرعة من الأنواع الآتية:

(أ) الدبابة PZK w-1: وهي دبابة خفيفة تزن ستة أطنان ومجهزة برشاشين، تدريعها بين 8-13مم فقط.

(ب) الدبابة PZK w-2: المُجهزة بمدفع عيار 20مم، ويبلغ وزنها 9 طن.

(ج) الدبابة PZK w-3: المُجهزة بمدفع عيار 27مم، ويبلغ وزنها 16 طن.

(د) الدبابة PZK w-4: والتي تزن 20 طناً، والمزودة بمدافع عيار 37، 75مم، إلا أن عدد الدبابات PZK w-4 لم يكن يتعدى 24 دبابة في كل فرقة.

تلك كانت فرق الدبابات الست الشهيرة التي أحدثت ثورة في الحرب، والتي رُقمت أقدم خمس منها من 1 إلى 5، وأحدثها الرقم 10. كانت هذه الفرق تتألف من لواء دبابات، ولواء قناصة، وكتيبة هندسية، وكتيبة اتصال، وسرب استخبارات، وفوج مدفعية.

ويعد هذا التسليح متواضعاً لو قُورن بالأثر الذي أحدثته هذه الفرق المدرعة، والنجاح الذي أحرزته، ولكن هذا التفوق يكمن في الاستخدام القتالي والجرأة التي رافقت تطبيق هذا الاستخدام في ميادين القتال.

ج. سلاح الجو

كان الطيران أقوى سلاح في الجيش الألماني، ظهر إلى حيز الوجود عام 1935، وزادت إمكاناته، وارتفع معدل إنتاجه السنوي.

وفي الأول من سبتمبر 1939، كان في سلاح الجو 2695 طائرة مستعدة للعمل، موزعة على الشكل التالي:

(1) 771 طائرة مطاردة نوع مسر شميت MI 19.

(2) 408 طائرة مطاردة ـ قاذفة نوع مسر شميت MI 110.

(3) 336 طائرة قاذفة ـ منقضة نوع شتوكا، تقصف من ارتفاعات منخفضة.

(4) 1180 طائرة قاذفة تقصف من ارتفاعات شاهقة.

وتلك القوة الجوية لم يكن لأي بلد في العالم أن يمتلك ما يوازيها.

د. سلاح البحر

يُعد سلاح البحرية الألماني الأضعف من بين الأسلحة الثلاثة الأخرى، وقوته لا تقارن بقوة أساطيل القوى الحليفة، حيث يتألف من البارجتين شاونهورست وغنزينو، والبوارج الصغيرة مثل دوتشلاند وشير وغراف فون سبي، والتي اشتهرت بكفاءة تسليحها، وسرعة تحركها، وقوة تدريعها.

يُضاف إلى ذلك الطرادات الثقيلة هيبر وبلوشر، والطرادات الخفيفة أمدن وكولن، وكونيغسبرغ ونورنبرغ وكارلسروه، بالإضافة إلى 21 سفينة نسافة[2] مضادة للطوربيدات، و12 زورقاً نسافاً له إمكانية إطلاق الطوربيدات.

ودخل الخدمة بعد بداية الحرب كل من: الطراد الثقيل برينز أوجين "سبتمبر 1940"، ودخلت البارجتان بسمارك وتربيتز "فيما بين أغسطس 1940 وفبراير 1941".

2. الجيش الإيطالي

عند دخول إيطاليا الحرب، كان جيشها يتألف من 73 فرقة تضم 106 فوج مشاة، و12 فوج مشاة خفيف، وعشرة أفواج جبلية، و32 فوج مدفعية أعيرة مختلفة، وخمسة أفواج مدرعة، و12 فوج خيالة، و29 فوج مهندسين عسكريين. بالإضافة إلى فيلق من فرق القمصان السود.

والحقيقة أن الـ73 فرقة الإيطالية لم تكن مستكملة ومستعدة للقتال عدا 19 فرقة فقط، كانت جاهزة فعلاً، و34 فرقة مجهزة بنسبة 25%، و20 فرقة بدون أي تجهيز.

والفرق المشاة الإيطالية أشبه ما تكون بالألوية، فهي تتألف من فوجي مشاة وفوج مدفعية. وتسليح الفرقة المشاة لا يتناسب مع متطلبات الحرب الحديثة، ليس لأنه قديم فحسب، بل لأنه لا تتوفر له خفة الحركة، والقدرة على المناورة، وقوة النيران اللازمة لتأمين أعمال قتال القوات.

والمدفعية كانت هي الأخرى في حالة سيئة، وكان أفضل أنواعها ذلك الذي أُخذ من النمساويين خلال الحرب العالمية الأولى.

وكذلك الدبابات كانت قديمة، وتدريعها غير كافٍ، وتسليحها ضعيف.

ولم يخلُ سلاح الطيران الإيطالي من الضعف، حيث أظهرت العمليات العسكرية، عند اشتراكه في الحرب، عدم التنسيق مع سلاح البحرية، وغياب شبه كامل للطيران البحري.

وكانت البحرية، أفضل الأسلحة الإيطالية، مؤلفة من أربع بوارج حديثة، من بينها "فيتوريو فينتيو" و"ليتوريو"، ذات حمولة 35 ألف طن، و7 طرادات ثقيلة، و12 طراداً خفيفاً، و59 مدمرة، و69 زورقاً نسافاً، و105 غواصة.

ثانياً: قوات الحلفاء

1. الجيش الفرنسي

لم تعد القيادة الفرنسية تؤمن بالمبدأ القائل أن الهجوم خير وسيلة للدفاع، وكانت خطة القيادة ترمي إلى حقن الدماء، والمحافظة على أرواح الفرنسيين، وتوجيه الجزء الأكبر من ميزانية التسليح في إنشاء دفاعات حصينة على طول الحدود، وخاصة المواجهة لألمانيا، فوضعت فرنسا آمالها في خط ماجينو، فقد كانت مدافع الحصن القوية مستعدة لحصد أكبر عدد ممكن من الألمان، وكانت القيادة تعتقد أن الأمر في النهاية سيقف عند حد التحام فرق المشاة الألمانية بفرق المشاة الفرنسية المتفوقة عددياً.

أما الدبابات والطائرات، فإن القيادة كانت تراها ثانوية، بالرغم من معارضة الكولونيل شارل ديجول في كتابه "نحو جيش محترف" عام 1935، والذي طالب فيه بإنشاء وحدات مدرعة مستقلة، وتنبأ أنه في حال حصول مثل هذه الثورة التكتيكية، فسيكون لهذه الوحدات دوراً حاسماً، خاصة عندما تعاونها قوات جوية متفوقة. لكن نظرية ديجول هذه جُوبهت بمعارضة شديدة، وكان نتيجة ذلك أن أخفقت هيئة أركان الحرب الفرنسية في أن تعد الجيش لحرب ميكانيكية عصرية، إذ وضعت ثقة كبيرة في مناعة خط ماجينو، ولم يتدبروا فيما يجب عليهم أن يفعلوه دفاعاً عن بلادهم إذا اخترق هذا الخط.

وفي نهاية عام 1939 كان واقع الجيش الفرنسي كالآتي:

أ. القيادة

لم تكن تركيبة الجيش الفرنسي مركزية كما هو الحال في الجيش الألماني، فهناك وزارة للدفاع الوطني هي وزارة الحربية سابقاً، بيد أن المفاهيم الفرنسية لا تتلاءم مع فكرة تولي رئيس الحكومة "إدوار دالادييه" للقيادة العليا على غرار "هتلر"، ويتولى الجنرال "غاملان" رئاسة أركان الدفاع الوطني، ينبغي له بهذه الصفة، قيادة القوات الرئيسية الثلاث "برية وبحرية وجوية"، ولكن هذا لم يكن، فالبحرية والطيران مستقلان تماماً، كما ينبغي أن تكون الجهة الرئيسية تحت إمرته بوصفه قائداً أعلى للقوات البرية[3]، لكن واقع الأمر مختلف، فكان الجنرال "جورج"، قائد الجبهة الشمالية الشرقية الأعلى وسيد مسرح العمليات في قطاعه، وقد احتفظ الجنرال "غاملان" لنفسه بحق إجراء تنقلات الضباط الكبار، ومعنى ذلك أن الجيش الفرنسي كان بلا قائد.

ب. القوات البرية

كان الجيش الفرنسي عام 1939 الأهم في العالم أجمع، فقد وصل عدد فرقه إلى 110 فرقة مجهزة بأكبر عدد ممكن من المدافع والدبابات، قياساً على بقية الجيوش، فضلاً عن تمتع الدولة بأن حدودها مؤمنة على الجبهة الرئيسية بأقوى خط دفاعي حصين، هو خط ماجينو، وكان موقف الأسلحة البرية كالآتي:

(1) المشاة

    فرقة المشاة الفرنسية من أكبر الفرق تسليحاً، وتتضمن مجموعة استطلاع، وثلاثة أفواج للمشاة، وفوجين للمدفعية، فضلاً عن الأسلحة المعاونة الأخرى، وبهذا التنظيم تحقق للجيش الفرنسي دخول الحرب بالآتي: 19 كتيبة رماة رشاشات، 78 كتيبة مشاة، خمسة أفواج مشاة مستقلة.

وكان التسليح الرئيسي للمشاة: بندقية 1886/1916، وبندقية ماس 1936، ورشاشات ثقيلة من نوع سان أتيانة وهوتشكيز، ومدافع هاون من عياري 60، 81مم.

(2) المدفعية

كان سلاح المدفعية الفرنسي يفوق سلاح المدفعية الألماني عدداً، فكان يتضمن 56 فوج مدفعية، 101 سرية مواقع، 78 سرية متحركة لمدفعية الحصون، وهي في مجملها أقوى بكثير، ولكن معظمها من مخلفات عام 1918، وطريقة استعمالها تتناسب وحرب الخنادق والمواقع، وكانت أسلحة المدفعية المضادة للطائرات غير كافية، على الرغم من أنها تضم المدفع عيار 90مم، وهو أفضل مدفع عصري مضاد للطائرات، ولكن لم يُصنع منه العدد الكافي.

وقد تضمن سلاح المدفعية المضادة للدبابات نوعين من المدافع الجيدة من نوع هوتشكيز عيار 25، 47مم.

وكان التسليح الرئيسي لسلاح المدفعية الفرنسية المدافع عيار 47 مم، 105مم، والمدفع الهاوتزر 155مم.

(3) سلاح المدرعات

كانت المدرعات الفرنسية أفضل تسليحاً من المدرعات الألمانية، فقد كانت أقوى دروعاً وأحسن تسليحاً، ولكن هذه الدروع الواقية كانت تقل من سرعة تحركها، وتحد من قدرتها على المناورة.

وهي من ثلاثة أنواع: رينو، وهوتشيكز، وإف. سي. إم، ويراوح وزنها بين 6-7 أطنان لعربات الاستطلاع، و12-15 طناً لعربات الرشاشات، و20-22 طناً لمصفحات ال"سوموا"، و30-33 طناً للدبابات من نوع ب-1، والتي يبلغ كثافة تدريعها بين 60-70مم.

أما من جهة العدد، فإن الفرنسيون قد استخدموا ـ فضلاً عن مخلفات الحرب العالمية الأولى ـ 2475 دبابة، منها 270 دبابة من فئة "ب" وزن 35 طناً، يضاف إليها 240 حاملة رشاش، ولم يؤمن هذا التفوق العددي أي تفوق تكتيكي، فظلت المدرعات على دورها التقليدي قوة دعم للمشاة دون إنشاء وحدات مدرعة مستقلة، كما طالب الكولونيل ديجول[4].

ج. سلاح الجو

وإذا تطرقنا إلى الميدان الجوي، فإن المقارنة ليست في صالح الفرنسيين، فقد اعترف "إدوار دالادييه" رئيس الحكومة بالواقع قائلاً: "في بلد يبلغ عدد سكانه 40 مليوناً، يصعب قيام جيش كبير، وبحرية كبيرة، وطيران كبير في آن واحد".

وإذا أحصينا القوات الجوية الفرنسية، فإن إجمالي عدد الطائرات 1300 طائرة، يعود بعضها إلى خمس أو عشر سنوات ماضية، وأبرز طائرات الأسطول الجوي من الأنواع الآتية: أميوت -343، وفارمان -223، وبلوش -174 و200 و201، وبلوغ -174 و200.

أما القاذفات الحديثة، فكانت من نوع ليور ـ أي ـ أوليفييه، وليو -45، لكن خمس طائرات فقط من هذا النوع كانت جاهزة في الثالث من سبتمبر 1939.

أما المطاردات فهي من نوع موران، وسولنييان -406، وكودرون -714.

د. سلاح البحرية

كانت البحرية الفرنسية بقيادة الأميرال دارلان، تملك من القطع الحديثة والقوية الشئ الكثير، حاملة طائرات واحدة، وثلاث بارجات، و18 طراداً، و32 سفينة مضادة للطوربيدات، 45 سفينة نسّافة، 71 غواصة، و6 غواصات زارعة ألغام، و8 سفن حربية صغيرة لحراسة القوافل البحرية.

2. الجيش البريطاني

كان الجيش البريطاني حليفاً قوياً للجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية، وكان ضابط الأركان، الذي تُوكل إليه مهمة مقارنة القوات المتضادة، لا يشعر بأي قلق إذا ما قارن قوة القوات الفرنسية والبريطانية مجتمعة في مقابل العدو التقليدي (القوات الألمانية). فالمقارنة العددية تأتي، غالباً، في صالح القوات الحليفة.

وفرضت بريطانيا الخدمة العسكرية الإلزامية، في 27 أبريل 1939، قبل فترة قصيرة من بداية الحرب، وكانت القوة البريطانية حينها لا تزال ضعيفة لا يحسب لها حساب، باستثناء سلاح البحرية الأقوى والأكثر عدداً في العالم، وكان واقع الجيش البريطاني كالآتي:

أ. القيادة العسكرية

لم تكن القيادة مركزية هرمية كما في ألمانيا، ولكنها كانت أكثر تماسكاً وتحديداً للمسؤولية من القيادة الفرنسية. فهناك لجنة من رؤساء أركان الجيوش الثلاثة برئاسة قائد الأركان الإمبراطوري الجنرال إيرونسايد، بينما القيادة العليا للقوات البحرية تخضع لسلطة رئيس اللوردات في الأميرالية السير ونستون تشرشل.

ب. سلاح البر

كان للأخذ بأسلوب التجنيد الاختياري تأثير كبير في إمكان تعبئة القوات قبل الحرب، بالحجم والكفاءة المطلوبين، ففي بداية الصراع تشكلت خمس فرق فقط بقيادة الجنرال غورت، وكانت 26 فرقة أخرى قيد الإعداد، على أمل أن تصل إلى 55 فرقة في أقرب وقت، وكان موقف الأسلحة البرية كالآتي:

كان سلاح المشاة عبارة عن بندقية نوع لي أنفيلد، ورشاش نوع ماكسيم، ومدافع هاون من عيار 81 مم. وكان المدفع الرئيسي للمدفعية من عيار 25 رطل، والمدرعات احتوت على عدد قليل من الدبابات معظمها من نوع فيكرز، تزن من 12-16 طناً، وتسليحها أربعة رشاشات ومدفعاً عيار 45 مم.

ج. سلاح الجو

يُعد سلاح الجو الملكي البريطاني، بقيادة الماريشال هوغ دافيد، الأضعف في القارة الأوروبية، عدا بعض الطائرات تميزت بالفعالية وبتقنية حديثة، أبرزها القاذفات ذات المحركين أرمسترونج، وإيتورث، وإيتلي فيكرز، وويلنجتون، وهاندلي بيج هامبرن. إضافة إلى المطاردات القديمة بولتون بول دفيانت، وغلوستر غلادياتور، والمطاردات الممتازة من نوع سبيتفاير. كما خُصصت الطائرات الضخمة سندرلاند، وسوردفيش لعمليات الاستطلاع بعيدة المدى، وعمليات القصف المختلفة.

د. سلاح البحر

من الطبيعي أن يكون سلاح البحرية هو أفضل الأسلحة، نظراً للطبيعة الجغرافية لبريطانيا، فهو يتفوق وحده على الأسطول الألماني، دون مساندة الأسطول الفرنسي.

ويتألف من: 12 بارجة، وثلاث طرادات مقاتلة، وسبع حاملات طائرات، وسفينتين لتزويد الطائرات المائية بالوقود، و15 طراداً ثقيلاً، و45 طراداً خفيفاً، و184 سفينة مضادة للطوربيدات، و58 غواصة، و27 نسّافة.

كما كان من المتوقع إنشاء القطع التالية: 10 بارجات، و9 حاملة طائرات، و23 طراداً، و32 سفينة مضادة  للطوربيدات.

ثالثاً: أوضاع القوات وخطط أعمال الجانبين "مايو 1940"

1. أوضاع القوات

احتشدت آلاف الدبابات والمدافع، وانتشر ملايين الجنود وجهاً لوجه على جانبي الحدود المشتركة بين ألمانيا من جهة، وفرنسا ولكسمبورج وبلجيكا وهولندا من جهة أخرى.

وكانت أوضاع قوات الطرفين المتقابلين كالآتي:

أ. قوات المحور "ألمانيا" (أُنظر خريطة أوضاع القوات المتضادة)

تشكل سلاح البر الألماني بقيادة الفيلدمارشال ولتر فون بروشتس في ثلاث مجموعات جيوش ميدانية، مجموعة الجيوش "أ" بقيادة الجنرال فون روندشتاد، ومجموعة الجيوش "ب" بقيادة الجنرال فون بوك، ومجموعة الجيوش "ج"، بقيادة الجنرال فون ليب.

وكانت أوضاع مجموعات الجيوش الميدانية كالتالي:

(1) مجموعة الجيوش "ب"

بإجمالي 34 فرقة منتشرة من جنوب الحدود الهولندية على بحر الشمال حتى مدينة اكس ـ لاشابيل Aix- La Chapelle، وتتكون من:

(أ) الجيش الثامن عشر، بقيادة الجنرال فون كوخلر، مؤلف من 12 فرقة "فرقة مصفحة، وفرقة خيالة، وعشر فرق مشاة".

(ب) الجيش السادس بقيادة الجنرال فون رايخناو، مؤلف من 22 فرقة "فرقتان مصفحتان، و20 فرقة مشاة.

(ج) وتعمل في نطاقه الفرقة السابعة مظليين "مشاة الجو".

(2) مجموعة الجيوش "أ"

بإجمالي 47 فرقة منتشرة من إكس ـ لاشابيل حتى مدينة تريف، وتتكون من:

(أ) الجيش الرابع بقيادة الجنرال فون كلوغي، والمؤلف من 14 فرقة "11 فرقة مشاة، وفرقتان مصفحتان، وفرقة من مشاة الصاعقة".

(ب) الجيش الثاني عشر بقيادة الجنرال ليست، والمؤلف من 15 فرقة "5 فرق مصفحة، و10 فرق مشاة".

(ج) الجيش السادس عشر بقيادة الجنرال بوش، والمؤلف من 18 فرقة.

(3) مجموعة الجيوش "ج"

وتتكون من الجيش الأول بقيادة الجنرال فون فيتزليبن، والمؤلف من 20 فرقة مشاة خلف خط سيجفريد Siegfried مواجهاً خط ماجينو، حيث يصعب القتال بالقوات المدرعة.

(4) في الاحتياط

يصل عدد الفرق الاحتياط الألماني إلى 42 فرقة تقريباً.

ب. قوات الحلفاء (أُنظر خريطة أوضاع القوات المتضادة)

اتخذت ثلاثة جيوش حليفة مختلفة على الجانب الآخر من الحدود الألمانية بقيادة الجنرال موريس غاملان، أوضاعها كالآتي:

(1) الجيش الهولندي

يتكون من ثماني فرق، ويحتل من أقصى الشمال بطول الحدود الألمانية الهولندية مواجهاً مجموعة الجيوش الألمانية "ب".

(2) الجيش البلجيكي

يتكون من 18 فرقة، ويتخذ أوضاعه بطول الحدود الألمانية الهولندية وجهاً لوجه قبالة مجموعة الجيوش الألمانية "أ".

(3) القوات الفرنسية ـ البريطانية

احتشدت في المناطق الواقعة وراء الحدود الفرنسية، وتوزعت على النحو الآتي:

(أ) الجيش الفرنسي السابع بقيادة الجنرال جيرو

    بإجمالي سبع فرق "فرقة آلية خفيفة، وفرقتان مشاة ميكانيكية، وأربع فرق مشاة"، منتشرة من بحر الشمال حتى مدينة بايول Bai Ueul.

(ب) الحملة البريطانية بقيادة الجنرال غورت

بإجمالي تسع فرق مشاة، ولواء مصفح، منتشرة من بايول حتى مولد Maulde.

(ج) الجيش الأول بقيادة الجنرال "بلانشار"

بإجمالي 12 فرقة "فرقتان أليتان خفيفتان، وثلاث فرق مشاة ميكانيكي، وسبع فرق مشاة"، منتشرة من مولد حتى نهر الواز.

(د) الجيش التاسع بقيادة الجنرال "كوراب"

بإجمالي تسع فرق "فرقة مشاة ميكانيكي، وفرقتين خيالة، وست فرق مشاة"، منتشرة من نهر الواز حتى مدينة ميزيير Mezér.

(هـ) الجيش الثاني بقيادة الجنرال "هونتزيغر"

بإجمالي ثماني فرق "فرقتين خيالة، وست فرق مشاة"، منتشرة من مدينة ميزيير حتى مدينة لونغيون Longuyon.

(و) الجيش الثالث بقيادة الجنرال كوندي

بإجمالي 13 فرقة "فرقة خيالة خفيفة، و11 فرقة مشاة، وفرقة مشاة بريطانية"، منتشرة من مدينة لونغيون حتى جنوب مدينة مس Metz.

(ز) الجيش الرابع بقيادة الجنرال روكان

بإجمالي ثماني فرق مشاة منها فرقة بولندية، منتشرة من مدينة "مس" حتى جنوب نهر الموزيل Mouzel.

(ح) الجيش الخامس بقيادة الجنرال بوري

بإجمالي تسع فرق مشاة منتشرة من جنوب نهر الموزيل حتى مدينة بال Bale على الحدود السويسرية.

(ط) الاحتياطي العام

خمس فرق "فرقة مشاة ميكانيكي، وفرقة مشاة، وثلاث فرق مدرعة".

2. المقارنة العددية للقوات

أ. الحلفاء

قُدر عدد جنود الحلفاء بمليونين و900 ألف رجل، و2574 دبابة حديثة، و2128 طائرة، منها 1648 طائرة فرنسية، و480 طائرة بريطانية، وبقيت 800 طائرة أخرى في بريطانيا.

ب. المحور

قُدر عدد جنود المحور بمليونين و750 ألف رجل، و2600 دبابة، بتدريع أقل من تدريع دبابات الحلفاء؛ لكنها تتمتع بخفة حركة أكبر، وبلغ عدد الطائرات الألمانية 3227 طائرة.

3. خطط أعمال الجانبين

لعب خط ماجينو الفرنسي، وخط سيجفريد الألماني دوراً مهماً في أسلوب إعداد خطط العمليات لكلا الجانبين، فقد حال هذا الخطان الدفاعيان المنيعان بين الجيوش المتحاربة والقيام بعمليات عسكرية خاطفة على طول الجبهة الألمانية الفرنسية.

والواقع أن خط ماجينو يُعد ذروة  في التطور العلمي الفرنسي والأوروبي، إلا أن نقطة الضعف فيه، أنه لم يمتد على الحدود البلجيكية ـ الفرنسية، واكتفى رجال الهندسة العسكرية الفرنسية بتحصين تلك الحدود بوضع حزام من الأسلاك الشائكة والأعمدة، وحفر الخنادق، (أُنظر صورة خط ماجينو على الحدود البلجيكية) لإعاقة تقدم الجيش الألماني وآلياته، ومن ثم وضعت خطط أعمال الجانبين كالآتي:

أ. خطة المحور

كان قرار الهجوم على فرنسا قد اتخذ منذ سبتمبر 1939، عندما صرح هتلر بذلك أمام كبار القادة الألمان، وبعد جلسات عديدة عُقدت في دار المستشارية الألمانية، اجتمعت الآراء على أن الهجوم الذي يصر عليه هتلر يُعد أمراً في غاية الصعوبة.

وجد الجنرال بروخيتش أن واجبه قائداً أعلى يُحتم عليه توضيح الموقف، وطلب أن يجتمع بهتلر في مقابلة مهمة، فاستجاب هتلر لطلبه مكرهاً، وبدأ بروخيتش تلاوة المذكرة التي جمع فيها الاعتبارات العسكرية التي تدعو إلى عدم الهجوم على فرنسا، أو تأجيله، حتى تكون الظروف مناسبة، وتتلخص في الآتي:

(1) الجيش الفرنسي قوي جداً.

(2) خط ماجينو الحصين يُشكل صعوبة بالغة.

(3) الجيش الألماني تنقصه المدفعية الثقيلة والذخائر اللازمة لمهاجمة التحصينات الفرنسية.

(4) الجيش الألماني خاصة المشاة تنقصه الروح الهجومية، ناهيك عن أعمال العصيان في بعض الفرق المقاتلة.

    لذلك يُنصح باستغلال التفوق السياسي والعسكري الذي أحرزته ألمانيا، خاصة بعد اجتياح بولندا، وذلك للتفاوض من أجل السلام العام بشروط مواتية لألمانيا، أو الاكتفاء بأعمال القصف الجوي لإرهاق العدو واستنزافه وإجباره على الخروج من تحصيناته هاجماً فيسحق.

كان هتلر يصغى واجماً، وفجأة انفجر غاضباً، وانتزع المذكرة ومزقها، وأمر بتجهيز خطة الهجوم، وإصدار الأمر الرقم (6)[5]، والذي كان على الجيش الألماني بموجبه أن يدخل البلدان الثلاثة "هولندا، وبلجيكا، ولوكسمبورج"، حتى يتحاشى خط ماجينو الحصين. وتحقيق المفاجأة التكتيكية بأن يكون اتجاه المجهود الرئيسي في غابات الأردين، التي عدت خطأ غير صالحة لقتال الدبابات. وبالدراسة المتأنية للأرض اتضح أن منفرجات أرلون، وتينتيني، وفلورانفيل تسمح بالوصول إلى نهر الموز (أُنظر صورة نهر الموز)، فلا تعترض الغابات سبيل الزحف والوصول إلى منطقة سيدان ـ ديفان، بغية خلق ظروف مواتية لمتابعة الزحف نحو الغرب.

    وتم تعديل أوضاع القوات، وذلك بتركيز الفرق المدرعة في مجموعة الجيوش "أ" لتناسب تنفيذ هذا المخطط، وحدث توحيد في الفكر بين القيادة الحربية والقيادة العليا لجيش البر للخروج بالشكل النهائي لخطة الهجوم، وتوزعت الأدوار على مجموعات الجيوش الثلاثة "أ، ب، ج" كالآتي: (أُنظر خريطة أوضاع القوات المتضادة)

(1) مجموعة الجيوش ب "السندان"

    تتكون من جيشين ميدانيين: الجيش الثامن عشر بقيادة فون كوخلر، والجيش السادس بقيادة فون رايخناو، وتفتقر المجموعة "ب" نسبياً إلى الوحدات المدرعة الكبيرة، ولكنها تملك أكبر ابتكار عسكري في ذلك الوقت، ألا وهو فرقة مشاة الجو[6]، التي تهاجم الأهداف الهامة والتحصينات بطرق مبتكرة طبقاً لطبيعة الهدف.

    كُلفت مجموعة الجيوش "ب" بما أسمته القيادة الألمانية هجوم التمركز، وقد حُدد بما يلي: قيام الجيش الثامن بمهاجمة الدفاعات الهولندية، واحتلال هولندا بأقصى سرعة، وأن يحول دون اتصال القوات الهولندية بالقوات البلجيكية، وفي التوقيت نفسه يقوم الجيش السادس بعملية سريعة صاعقة لتحطيم خطوط الدفاع البلجيكية والاستيلاء على النقط الحصينة، خاصة قلعة إيبن إيمايل Eben- Emael، وعزل القوات البلجيكية، وكان الهدف من ذلك هو خداع قيادة قوات الحلفاء بإقناعهم أن المعركة الرئيسية في هذا الاتجاه، فتحول معظم قواتها إلى شمالي المعركة، وبذلك تُهيأ أفضل الظروف للوصول إلى منطقة سيدان الإستراتيجية، وبهذا تكون مجموعة الجيوش "ب" قد قامت بدور السندان، تمهيداً للهجوم الرئيسي.

(2) مجموعة الجيوش أ "المطرقة" (أُنظر خريطة خطة المحور)

أوكلت القيادة العليا إلى مجموعة الجيوش "أ" القيام بدور المطرقة، وزودتها بما تقتضيه خطورة المهمة الأساسية، بقائد متميز، و46 فرقة، منها سبع فرق مدرعة، ورُسمت خطوط العملية باقتحام نهر الموز بين "دينان" و"سيدان" بأسرع وقت ممكن، ثم التوغل في اتجاه مصب "السوم" بكل ما يتيسر من إمكانات وبأقصى سرعة، بهدف تطويق المنطقة المحصنة في شمال فرنسا والاستيلاء عليها، وقد تقاسمت هذه المهمة ثلاثة جيوش ميدانية:

(أ) يشن الجيش الرابع، بقيادة فون كلوغي، الهجوم على جبهة واسعة بين حصن أبين ـ إيمايل Ebem- Emael وشمال لوكسمبورج Luxembourg.

(ب) يُهاجم الجيش الثاني عشر بقيادة "ليست"، على جبهة ضيقة في اتجاه سيدان، وقد فرض عليه أن يتوغل في ثلاثة أنساق بسبب الطرق. (أُنظر خريطة أوضاع القوات المتضادة)

(ج) الجيش السادس عشر بقيادة "بوش"، الذي يؤمن الجانب الأيسر للجيش الثاني عشر ضد أي ضربات مضادة فرنسية قد تأتي من الجنوب، ثم متابعة الزحف نحو الغرب؛ لاستكمال محاصرة قوات خط ماجينو.

(3) مجموعة الجيوش ج "الهجوم التثبيتي

تتخذ أوضاعها في مواجهة خط ماجينو الحصين من سويسرا حتى لكسمبورج؛ بهدف إحباط أي هجوم مضاد من هذا الاتجاه، ومنع تطويق القوات الألمانية، وكذلك جذب انتباه قيادة قوات الحلفاء إلى هذا الاتجاه، للاحتفاظ بقوات الحصون التي تتخذ أوضاعها في خط ماجينو، وخلفه في أماكنها، وعدم إشراكها في المعركة الرئيسية.

بعد نجاح مجموعة الجيوش "أ" في تحقيق مهمتها، تخترق مجموعة الجيوش "ج" خط ماجينو في جنوب "ساربورج"، وتتجه ناحية الجنوب الغربي لقطع الطريق على الفرق الفرنسية المنسحبة.

(4) العمليات الخاصة

لم تغفل الخطة الألمانية الرئيسية أعمال الخداع الإستراتيجي والأعمال الخاصة، ولكنها تركت الخداع التكتيكي للخطط الفرعية على المستويات المختلفة في مجموعات الجيوش، وكانت أهم هذه الأعمال، التي أشرف عليها هتلر بنفسه، ما يلي:

(أ) توجيه ضربات صاعقة شمال الميدان، يلفت بها اهتمام قيادة العدو إلى تلك الجهة.

(ب) قيام الفرقة السابعة مظليين بالانقضاض على ترعة "ألبير"، وعلى تحصينات "لياج"، وعلى جسر "فرونهوفن".

(ج) الإنزال على مرتفعات قلعة "أبين ـ إمايل" والاستيلاء عليها لتأمين تسلل الدبابات نحو "سيدان" عبر غابة الأردين.

(د) استمرار أعمال القصف المدفعي على خط ماجينو مع بداية المعركة.

    وبنجاح مجموعة الجيوش "أ" في الوصول للأرض المفتوحة خلف الدفاعات، توجه ضربة قوية لدفاعات خط ماجينو في جنوب "ساربورج".

    خُططت جميع هذه الأعمال في أوقات تخدم أعمال قتال القوات الرئيسية، لتضليل العدو؛ أو لإرباك قياداته.

ب. خطة الحلفاء

    كان منطقياً أن تكون خطة مجابهة القوات الألمانية، والذود عن فرنسا، خطة دفاعية، فقد كان راسخاً في الأذهان أن خطي "ماجينو" و"سيجفريد" هما من المناعة، بحيث إن أي جيش يغامر بشن هجوم سيكون مصيره كارثة. وهكذا اعتمدت القيادة على حماية خط ماجينو، وجعلته مركز المقاومة الأساسي الذي سيتم به النصر بعد صد هجوم الأعداء.

    اقتحمت الجيوش الألمانية بولندا في أول سبتمبر 1939، فأهدت فرنسا درساً ثميناً كان عليها أن تفيد منه، حين قدم لها الجيش الألماني عرضاً لأساليب القتال، والتي وردت في تقارير الاستخبارات الفرنسية، وهي:

(1) إفلاس نظرية الدفاع المعتمد على الخطوط.

(2) تفوق السرعة على قوة النيران.

(3) الجيش الألماني مقسم إلى جيشين، أحدهما قوامه المشاة والمدفعية، والآخر قوامه الدبابات والطيران، وكل منهما يعمل بسرعته الخاصة، طبقاً لطبيعة الأرض، ونوع المهمة.

رفضت القيادة الفرنسية أن تعير هذه التعاليم المستخلصة من حملة بولندا أي اهتمام، مدعية أن الظروف تختلف تمام الاختلاف، ففي بولندا صادفت ألمانيا جيشاً بدائياً، ضعيف القيادة، ضعيف العتاد، مرغماً على تأمين جبهات تفوق طاقته، في أرض تفتقر إلى التنظيم الدفاعي. أما فرنسا فتملك جيشاً حديثاً كامل العُدة، مؤمناً بجهاز دفاعي حصين، لم يشهد التاريخ له نظيراً، ألا وهو خط ماجينو، وأفضل دليل على اختلاف الوضعين أن هتلر انقض على بولندا انقضاضاً، بيد أنه يتريث في مهاجمة فرنسا.

كان يوم 10 يناير 1940 يوماً حاسماً لجميع الأطراف المتنازعة، فقد هبطت اضطراراً إحدى طائرات الاتصال الألمانية، بعد نفاذ وقودها، على ضفاف نهر الموز في الأراضي البلجيكية، وكان على متنها الميجور راينبرجر، المنتمي إلى الفرقة السابعة المنقولة جواً، وكان في حوزته وثائق سرية للغاية، تتضمن خطة الهجوم الألماني على هولندا، وعلى الأردين البلجيكية، ورُسمت على خريطة مرفقة تحدد خطوط مسيرة الجيوش، على معابر نهري الموز و"السامبر"، وقد أوكل أمر احتلالها إلى الفرقة السابعة المنقولة جواً؛ ولكن لم تكن هناك إشارة إلى توقيت تنفيذ الهجوم الألماني المرتقب.

كان لهذه الحادثة رد فعل على جميع الأطراف المتحاربة، يختلف باختلاف إستراتيجية الدولة في مجابهة هذا الهجوم، كالآتي:

(1) بلجيكا

    قبلت بلجيكا دخول قوات فرنسية ـ بريطانية في أراضيها، بعد أن كان البلجيكيون هذا المبدأ يرفضون رفضاً تاماً من قبل، بل إنهم طلبوا من باريس ولندن ضمان الحفاظ على كيان بلجيكا ومستعمراتها.

(2) فرنسا ـ بريطانيا

    قبلت القيادة مبدأ التدخل، وكان التخطيط إذ ذاك يقضي بالتقدم حتى نهر إيسكو البلجيكي، وإدارة أعمال دفاع تعطيلي (أُنظر خريطة أوضاع القوات المتضادة)، بغية تأخير الجحافل الألمانية الزاحفة على الحدود الفرنسية، ولكن الظروف اختلفت[7]، فضلاً عن أن التدخل له مميزات كثيرة، فمن الناحية الأدبية يضع حداً لإهمال الدول الصغيرة التقليدي، الذي بدأ بإهمال تشيكوسلوفاكيا، وثم بولندا. ومن الناحية الاقتصادية ينقذ أقاليم صناعية في بلجيكا، ويحرم العدو من الاستفادة منها. ومن الناحية الإستراتيجية يبعد التهديد الجوي والبحري عن إنجلترا. ومن الناحية العسكرية ينقل المعركة خارج الحدود الفرنسية، وتنضم عشرون فرقة بلجيكية إلى جيوش الحلفاء، من شأنها أن تعدل ميزان القوى.

(3) ألمانيا

    كانت القيادة الألمانية تعتقد أن الوثائق السرية قد حُرقت مع الطائرة، ولكن الاستخبارات أفادت أنَّ الفرقتين الفرنسيتين الآليتين 29 و25، قد احتشدتا على الحدود البلجيكية، وأن الحدود بين البلدين قد فُتحت، إذاً فقد كُشف السر، فأرجئ الهجوم إلى أجل غير مسمى، بعد أن كان قد تحدد له 17 يناير 1940؛ للاستفادة من البرد وتجمد مياه الأنهار.

    هذا التأجيل أتاح للحلفاء تجهيز مسرح العمليات الجديد، وإعداد خطط العمليات المستقبلية على النحو التالي:

(1) الخطة الهولندية

    جرت عدة محاولات لتنظيم دفاع مشترك بين بلجيكا وهولندا، لم يكتب لها النجاح؛ لاختلاف هدف كل دولة، وإيثارها مصلحتها الإقليمية، فالهولنديون أقلعوا عن فكرة الدفاع عن حدود الدولة؛نظراً لاتساعها في مقابل قوتهم العسكرية، التي لا تتعدى عشر فرق، واكتفوا بتركيز اهتمامهم على المثلث "أمستردام ـ لاهاي ـ روتردام"، وإنشاء جزيرة صناعية، وذلك بمد الفيضان في وجه القوات المعادية، وكانت الأوضاع الدفاعية كالآتي:

(أ) الفيلقان الثاني والرابع في الشمال وحول مدينة "أرنهيم".

(ب) الفيلق الثالث ومعه فرقة مشاة متخصصة، يدافع عن الموقع الممتد على طول مستنقع بيل.

(ج) الفيلق الأول يدافع على الخط العام "الراين" إلى "الزيدرزي"، وعليه أن يضمن حرمة المعقل الوطني.

(2) الخطة البلجيكية

كان الجيش البلجيكي يتشكل من 23 فرقة، ويخوض معركة الدفاع على خط الدفاع الرئيسي على نهر الموز من مدينة "جيفي" إلى مدينة "لياج"، ممتداً على ترعة "ألبير" من مدينة "لياج" إلى مدينة "أنفير"، تتخلل هذا الخط ثلاثة مواقع حصينة: "موقع نامور، وموقع لياج، وموقع أنفير. يبعد هذا الخط عن الحدود مسافة حوالي 40كم. واتخذت عشر فرق أوضاعها الدفاعية على هذا الخط.

يبعد عن هذا الخط الدفاعي بمسافة 10 كم خط الدفاع الثاني، والذي تحتله الفرقة السابعة، وتنتشر على مواجهة واسعة، حيث إنها محمية بموقع لياج الحصين، وبحصن "إيبن ـ إيمايل" المنيع، وكذلك بنهر الموز، يعززها خندق الترعة بوعورته الشديدة.

(3) الخطة الفرنسية ـ البريطانية (أُنظر خريطة أوضاع القوات المتضادة)

تتخذ الجيوش الميدانية الفرنسية ـ البريطانية خلف الجيش الهولندي بفرقه العشر، والجيش البلجيكي بفرقه الـ 23، تتخذ أوضاعها في المناطق الواقعة وراء الحدود الفرنسية كالتالي:

(أ) الجيش الفرنسي السابع من الشمال وحتى مدينة "بايول".

(ب) قوة التدخل البريطانية، بقوة تسع فرق تدافع عن الخط من "بايول" حتى مدينة "مولد".

(ج) المجموعة العسكرية الفرنسية الأولى تتخذ مواقعها الدفاعية في المنطقة الواقعة شمال خط ماجينو من "مولد" حتى "لونغوين"، بقوة 20 فرقة مشاة، وفرقتين مشاة ميكانيكي.

(د) المجموعة العسكرية الفرنسية الثانية بقوة 35 فرقة، والمجموعة العسكرية الفرنسية الثالثة بقوة 14 فرقة، على طول خط ماجينو من لونغوين حتى مدينة "بال" Bale السويسرية.

مع ظهور نوايا العدو للهجوم، تُدفع القوات المتحركة الآتية دفعة واحدة إلى هولندا: الجيش السابع الميداني، وفرقة آلية خفيفة من فيلق الخيالة الآلي بهدف المساندة في تأخير الهجوم لأطول فترة ممكنة.

يدفع فوج الخيالة الآلي عدا فرقة آلية خفيفة لاتخاذ الأوضاع على خط "تونجر ـ هانوت" لتخفيف العبء على خط "أنفير ـ نامور".

ومنذ اليوم الأول قتال تدفع ست فرق مشاة آلية للقيام بالهجوم المضاد في اتجاه سيدان ونامور وأنفير.

وبفضل هذا التخطيط، كان الحلفاء يتبعون خطة المقاومة والرد، تاركين أمر المبادرة للعدو. أما أساليب الرد فقد قررتها القيادة منذ اليوم الأول، مع احتفاظ قوات المحور بـ22 فرقة احتياط، منها ثلاث فرق مدرعة.



[1] معاهدة فرساي: عُقدت عام 1919 بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بين الحلفاء ودول المحور.

[2] سُفن نسافة: لها القدرة على نسف الألغام البحرية.

[3] الجبهة الرئيسية لفرنسا: هي الجبهة الشمالية الشرقية مع العدو الرئيس لفرنسا وهي ألمانيا.

[4] عام 1935 طالب الكولونيل شارل ديجول، في كتابه `في سبيل جيش محترف`، بإنشاء 6 فرق مدرعة يضم كل منها 500 دبابة قادرة ـ في حال خرق المعاهدات ـ أن تنقل الحرب فوراً إلى أرض العدو.

[5] الأمر الرقم (6): صادر بتاريخ 6 أكتوبر 1939، توقيع الفوهرر والآمر بقيام الجيش الألماني بهجوم واسع يكون الهدف منه احتلال الأراضي الهولندية والبلجيكية والفرنسية، وتشكيل حزام أمني حول حوض الروهر، قلب الصناعة الألمانية الثقيلة.

[6] مشاة الجو: ما يُطلق عليه اليوم قوات المظلات، التي تسقط من الجو وقوات الاقتحام الجوي التي تحط رحالها في المطارات وعلى الطرق الواسعة.

[7] الظروف اختلفت بعد الحصول على وثائق سرية تؤكد اتجاه ونية الهجوم الألماني على فرنسا من خلال هولندا وبلجيكا.