إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / خط ماجينو في الحرب العالمية الثانية




نماذج دبابة من الورق المقوى
موانع الدبابات بخط ماجينو
مواقع أمامية محصنة للإنذار
نهر الموز
أنفاق حصن ماجينو
هتلر يقفز فرحا
نطاق الأسلاك بخط ماجينو
المولدات الكهربائية بخط ماجينو
الكولونيل جنرال كيتل
القاطرة التي وُقع فيها الاستسلام
احتلال ميناء ومدينة "دنكرك"
اختيار أماكن التحصينات
تحصينات خط ماجينو
تسليم الإنذار للأسطول الفرنسي
خط ماجينو على الحدود البلجيكية
خط سيجفريد
دشم خط ماجينو
شبكة المواصلات داخل ماجينو


أوضاع القوات المتضادة
معركة فرنسا يونيه 1940
الوصف العام لخط ماجينو
الهجوم الألماني على هولندا
الانسحاب من دنكرك
توغل الجيش الألماني
خطة المحور
زحف مصفحات رومل



الجيش الثامن البريطاني

المبحث الرابع

تطبيق مبادئ الحرب وتقييم خط ماجينو

كانت العقيدة العسكرية الفرنسية ترى أن خط ماجينو، هو النمط المناسب للتحصينات الثابتة، التي تستطيع القوات من خلالها تطبيق مبادئ الحرب، وإيقاف الزحف الألماني نحو فرنسا، ولكن معارك الحرب العالمية الثانية أثبتت أن أسلوب إدارة المعارك، بالاستخدام الجيد للقوات، في إطار التنفيذ العملي لمبادئ الحرب، هو أقصر طريق لتحقيق النصر وحسم المعارك.

أولاً: تطبيق مبادئ الحرب

1. المحافظة على الغرض

حافظت القيادة العسكرية الفرنسية على الهدف من إقامة خط ماجينو لتأمين حدودها الشرقية عندما تبنت إستراتيجية دفاعية سلبية، تعتمد على أن هذا الخط الحصين، سوف ينهك القوات الألمانية المهاجمة، مما يسهل توجيه ضربات مضادة إليها وتدميرها.

2. المبادأة

تَبنى القادة العسكريون الفرنسيون نظرية دفاعية خاطئة تعتمد على حرب الخنادق[1]، وقد انعكس هذا الفكر على تنظيم القوات وكفاءتها، حيث وجه الاهتمام إلى القوات الفرنسية المدافعة عن خط ماجينو، دون اهتمام بتطوير القوات والتشكيلات المدرعة الميكانيكية، التي لا تتحقق المبادأة بدونها، في الوقت الذي طبقت فيه القوات الألمانية عقيدة الحرب الخاطفة باستخدام الطائرة والدبابة.

3. المفاجأة

تحولت المفاجأة إلى جانب القوات الألمانية، حينما قامت فرق البانزر الألمانية بتجنب دفاعات خط ماجينو، وإجراء التفاف بعيد، لتستولي على فرنسا بعد اختيار منطقة الأردين، وعبور نهر الموز، وإحداث ثغرة عميقة في سيدان.

كان من الممكن للقوات الفرنسية تحقيق عنصر المفاجأة، فيما لو قامت القوات الألمانية بالاشتباك مع دفاعات خط ماجينو، حيث ستكون المفاجأة بمدى التحصينات القوية، والمستوى العالي لقوات الحصون.

4. الحشد

    كان خط ماجينو قد خلب ألباب الفرنسيين، وكانوا على يقين ثابت من أنه لن يُقتحم، ورأوا أن قوات الحصون التي تدافع عنه كافية تماماً، وحتى لا يرهق الشعب الفرنسي في إعداد قوات تحقق مبدأ الحشد، اكتفت فرنسا بحشد القوات على الحدود البلجيكية، من لونجوي ومونميدي إلى بحر الشمال، ونجحت في حدود إمكانياتها البشرية من تحقيق ذلك، خاصة أنها كانت تعتمد على جيوش ثلاث دول أخرى في هذا الاتجاه، وهي لوكسمبورج، وهولندا، وبلجيكا.

5. الاقتصاد في القوى

    كان من الأهداف الرئيسية لإنشاء خط ماجينو تحقيق الدفاع عن الحدود الفرنسية بأقل حجم من القوات، وتوفير الوقت اللازم لتعبئة قوات كبيرة في مواجهة الغزو الألماني المرتقب، وتكلفت فرنسا أعباء مالية كبيرة في سبيل إنشائه، لكن الجيش الألماني حول هجومه في اتجاه الشمال الغربي[2] حتى يتفادى خط ماجينو.

6. خفة الحركة والمناورة

لم تُطبق دفاعات حصون خط ماجينو مبدأ خفة الحركة، والقدرة على المناورة، فقد كان هذا الخط يفتقر إلى العمق الذي يحوي احتياطيات خفيفة الحركة، هذه الاحتياطات من شأنها أن توجه ضربات مضادة في الاتجاهات التي نجحت الحصون في صد العدو المتجه إليها.

7. التعاون

صُمم خط ماجينو بحيث يوفر جميع متطلبات التعاون بين الأسلحة المختلفة، خاصة المشاة ومدفعية الحصون، وعناصر الاستطلاع، بما يوفر فتح النيران خلال ثلاثة دقائق من اكتشاف الهدف. كما كان التعاون واضحاً بين عناصر الشؤون الإدارية والإمداد بالذخائر، ولكن فيما عدا خط ماجينو، فلم يكن التعاون المطلوب قائماً، لاسيما بين سلاح الجو والقوات البرية.

أما التعاون على مستوى الجيوش المتحالفة، فقد كان غير كافٍ.

8. الوقاية

لقد حقق خط ماجينو أعلى درجات التحصين ووقاية القوات، فكان صُنع الدشم بحيث تستطيع أن تحمل ضربات مباشرة من الدشم المجاورة، دون أن تصاب بأذى، وكان سمك الحوائط الخرسانية للدشم يصل إلى 3.5 م، واختيرت أنواع الخرسانات المسلحة، بعد تجارب عديدة على مدى تحملها للضربات النيرانية الجوية والأرضية، كما رُوعي ألا يقل سمك ناتج الردم عن 20% فوق الدشم. والذي يدل على مدى تحقيق مبدأ الوقاية أن قوات الحصون التي كانت تعمل على خط ماجينو استسلمت بعد توقيع الهدنة في 22 يونيه بِعدّة أيام، بعد تلقيها أوامر من القيادة العليا، ولم تستسلم تحت ضغط العدو.

9. كفاءة القادة والقيادات

قامت القيادة الفرنسية بمسؤوليتها الكاملة، فيما يختص بخط ماجينو، من حيث اختيار أكفأ الضباط لتولي قيادات الحصن، وإجراء التدريبات، والاختبارات اللازمة، للتأكد من كفاءة التحصينات.

لكن قيادة قوات الحلفاء لم تكن على مستوى قيادة المحور التي يقودها هتلر بكفاءة عالية.

10 الأمن والسرية

كان لوجود خط ماجينو أكبر الأثر في تحقيق هذا المبدأ، فالقوات الفرنسية كانت محاطة بالسرية الكاملة، بدءاً من التعبئة في بداية المعركة، وحتى الإدارة الفعلية لها، للدرجة التي جعلت القوات المعادية تتجنب مهاجمة خط ماجينو حتى محاصرته، ودراسة نقاط الضعف فيه، وكان ذلك في 14 يونيه، بعد عشرة أيام من بدء معركة فرنسا.

11. الخداع

نجحت القوات الفرنسية في تحقيق مبدأ الخداع فيما يخص خط ماجينو، ولكنها لم تستطع ذلك عندما حاولت أن تخدع قوات المحور بإدعاء أن امتداد خط ماجينو على الحدود البلجيكية بنفس كفاءة خط ماجينو، فكانت القوات الألمانية على علم تام بأن امتداد هذا الخط من مدينة موتميدي على الحدود البلجيكية وحتى بحر الشمال، لم يكن بنفس درجة الكفاءة والتحصينات لباقي خط ماجينو، ولذلك حولت هجومها صوب هذا الاتجاه، رغم طبيعة الأرض الصعبة في منطقة الأردين.

12. القيادة والسيطرة

حققت القيادة الفرنسية مبدأ القيادة والسيطرة، وخاصة في خط ماجينو، الذي تتوفر به غرف القيادة المجهزة، مع توفر الاتصالات الخطية واللاسلكية.

13. الشؤون الإدارية

قامت القيادة الفرنسية بتجهيز خط ماجينو، بجميع الوسائل التي تؤمن وجود تشوينات موزعة على مخازن ومستودعات للوقود والمياه والذخائر والأطعمة، تكفي لمدة ثلاثة أشهر من القتال. كما قدمت أماكن لمبيت الجنود وراحتهم. وفوق ذلك زُود خط ماجينو بوسائل متعددة ومتنوعة، لنقل المواد داخل أنفاق باستخدام القاطرات والعربات والمصاعد الكهربائية.

أما القوات خارج الحصون، فلم تكن تعاني من مشكلات إدارية نظراً لأن غالبية أعمال القتال وقعت في أراضٍ فرنسية بها طرق الإمداد الجيدة، ووسائل إعاشتها للجنود ميسرة.

ثانياً: سلبيات خط ماجينو

1. سلبيات سياسية

لم تعد القيادة الفرنسية العليا تؤمن بالمبدأ الذي قال به فوش في الحرب العظمى، وهو أن الهجوم خير وسيلة للدفاع، فقد كان ذهن القيادة مملوءاً بأفكار سقيمة عن قلة المواليد في فرنسا، وعدم التناسب بين عدد الفرنسيين وعدد الألمان[3].

وكانت خطة القيادة السياسية ترمي إلى حقن الدماء والمحافظة على أرواح الفرنسيين. وقد شجع فرنسا على أن تتبع هذه السياسة السلبية وجود خط ماجينو المنيع، وقد قدرت أن سوف يحطم أطماع هتلر عندما يفكر في مناطحتها.

لم تتحرك فرنسا، في مارس 1936، عندما دخل الألمان إلى أرض الراين المنزوعة السلاح طبقاً لمعاهدة فرساي، واتبعت سياسة سلبية "سياسة انتظر حتى نرى". الأمر الذي شجع هتلر على التمادي في خرق بنود المعاهدة.

منذ ذلك التاريخ اتضح لحلفاء فرنسا، وهم تشيكوسلوفاكيا، وبولندا، ويوغسلافيا، أنه لم يعد لهم أمل كبير في الحصول على معونة فرنسا إذا انقض عليهم هتلر، فأصبحت فرنسا منعزلة عن حلفائها، عاجزة عن إرسال الإمدادات إليهم من داخل أوروبا، وبذلك فقدت مكانتها كدولة عظمى الدول العظمى.

وقد كانت وزارة الخارجية الفرنسية، بل والحكومة بأسرها تفهم ما يعنيه هتلر وما يرمي إليه باحتلال المناطق المنصوص على تجريدها من السلاح في معاهدة فرساي، ولكنها لم تتخذ موقفاً إيجابياً؛ ذلك أن هتلر اختار الوقت المناسب لضربته، قبل شهرين من الموعد المضروب للانتخابات العامة في فرنسا، ولم تكن الظروف السياسية مواتية لإثارة مشكلاتٍ مع ألمانيا، خاصة وأن الحكومة البريطانية لم تعدهم بالمساعدة في حال نشوب الصراع.

ولو أن الحكومة الفرنسية في ذلك الحين تذرعت بالشجاعة والجرأة أن تعمل وحدها، وكان لديها روح الاستقلال في العمل، لاستطاعت أن تصد القوات الألمانية، وتُوقف سياسة التوسع الهتلرية، ولكن فرنسا لم تكن مستعدة للمغامرة، التي كانت تملأ جوانبها في الحرب العظمى الأولى، وانسحبت وتوارت خلف خط ماجينو.

وعلى الصعيد الداخلي، لم تكن القيادة السياسية العليا تثق تمام الثقة في قوات خط ماجينو؛ وذلك لأنه يضم عدداً كبيراً من الوحدات يصل إلى ثلاثة جيوش، يمكنهم فرض إرادتهم إن أرادوا.

2. سلبيات اقتصادية

صدرت تعليمات البدء في المشروع عام 1929، وواكب ذلك فترة رواج اقتصادي عظيم لفرنسا، لذلك صوّت مجلس الشيوع على ما اصطلح تسميته "قانون ماجينو"، الذي يسمح بتخصيص 2.9 بليون فرنك فرنسي لتشييد الحصون على طول الحدود الألمانية والإيطالية، يُخصص نصف الاعتمادات للدفاع عن منطقة لورين، مفتاح الدخول للأنظمة الدفاعية، بينما يُخصص 50 مليون فرنك فرنسي فقط للدفاع عن شمال فرنسا.

بدأت أعمال التجهيز طبقاً للمراحل المحددة، بما فيها تصنيع الأسلحة طبقاً لمتطلبات الموقع[4]، ما زاد من الإنفاق بدرجة كبيرة، فلم يكف المبلغ المخصص لمرحلتين من التجهيز لمرحلة واحدة، فقرر المارشال بيتان Petan وزير الحربية[5] آنذاك، تخصيص مبلغ 1.2 بليون فرنك فرنسي لإنهاء أعمال المرحلة الأولى غير المكتملة، على أن يُخصص منها 800 مليون فرنك لدفع ديون التجاوزات التي كانت في تمويل المرحلة الأولى.

هذا التخصيص الإضافي أدى إلى الاتجاه نحو الكارثة الاقتصادية التي ألمت بفرنسا منذ عام 1932، واستمرت حتى بدء الحرب عام 1940. كانت لهذه الكارثة آثاراً سلبية على خطط التنمية للدولة، وخطط ميكنة الجيش، التي انعكست آثارها على نتيجة الحرب.

3. سلبيات عسكرية

وثق الفرنسيون في خط ماجينو ثقة تصل إلى حد العقيدة الدينية، ولكن مساوئ هذا الخط كان يعلمها الضباط المتمتعون بقدر قليل من استقلال الرأي وحسن البصيرة. فهو بالفعل "خط"، بمعنى أنه موقع دون أساس عميق، لا يمكن للقائد من خلاله إدارة معركة ناجحة من خلال أنساق ثانية، واحتياطيات موجودة في العمق.

فالحصون قوية ومنيعة ولكنها سيئة الالتصاق، وقد أهمل الذين بنوها إمكان تحملها لضربات جوية، ولم يحتسبوا للقصف الانقضاضي الذي بوسعه أن يدمر الحصون والدشم.

وكانت موانع الدبابات ضعيفة، وبينها ثغرات كبيرة وعديدة، وحجم النيران الذي يمكن أن ينتجه الخط قليل مقارنة بضخامته، وتكلفته العالية، وحجم القوات التي تشغله.

فلذلك يمكن القول إن خط ماجينو يعد ملجأ ممتازاً، ولكنه دون المستوى أداةً للحرب ولا يمكن أن يقال إنه منيع، والدليل على ذلك الغارة الألمانية في 10 مايو 1940، التي أظهرت الكثير من عيوبه. ومن هنا ظهرت المشروعات المطالبة بامتداده إلى بحر الشمال، وموازاته بخط آخر؛ لتقويته، وزيادة عمقه، ولكن هذا المشروع رُفض لكلفته العالية، ولأنه ضد الغرض الأساسي من بناء الحصون، وهو الاقتصاد في الرجال إذ من الممكن أن يشغل ثلثي الجيش الفرنسي.

ومن سلبياته أن كل فرقة مدافعة كانت ترسل إلى المقدمة مجموعة استطلاع ترافقها كتيبة أو كتيبتين مشاة، يُطلق عليها "فرق الفواصل"، وكان الألمان يهاجمون هذه الكتائب بغرض الاستطلاع، ويستولون على بعض الأسلحة والأسرى.

وكانت القيادة الفرنسية تردد أنها لا تريد أن تنزلق إلى اشتباكات محدودة حول المواقع الدفاعية، وتفضل أن يكون التركيز على معارك رئيسية، ولكن نتائج الحرب أثبتت إفلاس نظرية الدفاع المعتمدة على الخطوط. وتفوق الألمان في السرعة وقوة النيران، حيث كان لهما جيشان: جيش قوامه المشاة والمدفعية، والآخر قوامه الدبابات والطيران، وكلاهما يعمل في إطار خطة هجومية تتسم بالمرونة والسرعة، والتوسع في القيام بحركات الالتفاف والتطويق، وبذلك تفادوا خط ماجينو وتحركوا في الأراضي المفتوحة التي تساعد القوات المدرعة والمشاة الميكانيكية على سرعة الحركة، بمساندة المدفعية وسلاح الجو الألماني المتفوق، وهكذا سقطت أسطورة خط ماجينو الحصين.

ثالثاً: خط ماجينو مزاراً سياحياً

    قامت الفرق المدرعة الألمانية بتجنب دفاعات خط ماجينو، والتفت من حوله لتدخل فرنسا من الباب الشمالي الشرقي، دون أن يؤدي خط ماجينو أي مهمة قتالية، رغماً عن هذه التحصينات الدفاعية الثابتة. وبعد أن انتهت الحرب العالمية الثانية، وتحررت فرنسا على يد الجنرال شارل ديجول "زعيم فرنسا الحرة"، والذي كان أحد المطالبين بإتباع فرنسا عقيدة الحرب الميكانيكية، وإنشاء حلف شمال الأطلسي وفي أبريل 1949، واختيار باريس مقراً له. ظهرت الحاجة إلى خط ماجينو ليكون قادراً على توفير الوقاية ضد أسلحة التدمير الشامل، فعهد إلى سلاح المهندسين الفرنسي بمهمة تطهيره ورفع كفاءته.

وفي أوائل الستينيات عندما انسحبت فرنسا من حلف شمال الأطلسي، اعتماداً على كفاءة قدراتها النووية سلاحاً ردعاً ضد أي هجوم محتمل من الاتحاد السوفيتي، قلّت الحاجة إلى الاحتفاظ بتحصينات خط ماجينو.

وفي أواخر الستينيات قررت الحكومة الفرنسة تحويل بعض الدشم إلى مخازن للمزارعين، كما تحولت بعض قلاعه لتكون مزارع لنبات "عش الغراب"، وتحولت بعض الأماكن القريبة من المدن إلى مشروعات إسكان جديدة، ما أدى إلى نزع الأجزاء الحديدية والاستفادة منها.

تشكلت بعض الجمعيات لإنقاذ ما تبقى من خط ماجينو من الدمار وسوء الاستخدام، كما ساهمت بعض المنظمات الفرنسية في الدعم المالي اللازم للمحافظة على بعض الحصون لتكون مزاراً سياحياً، مثل حصن هاكينبرج Hackenberg، وسيمسيروف Simserhof، وميكلزبيرج Michelsberg، وحصن كاسو Casso.

لقد أدت هذه الجمعيات دورها في الحفاظ على ما تبقى من حصون خط ماجينو، ليكون شاهداً على حقبة هامة من تاريخ فرنسا على النحو التالي:

1. حصن هاكينبيرج

يُعد أقوى حصون خط ماجينو، يحتوي على 19 و18 قطعة مدفعية، ويسع أطقم يصل عددها إلى 1034 رجل، يقع فوق قمة هضبة هاكينبيرج التي يبلغ أقصى ارتفاع لها 343 متراً.

بعد إعلان فرنسا الحرب استخدمت هذا الحصن في الدعاية، لخط ماجينو، وتوالت الشخصيات لزيارة هذا الموقع، ومن ضمن هذه الشخصيات ملك إنجلترا، وونستون تشرشل الذي قال في حصن هاكينبيرج: "إن هذا هو المكان الذي يجب أن تقوم فيه الحرب".

رَمَّمت هذا الحصن جميعة أمفيورت ـ فيكرينج Amifert-Veckring ليكون مزاراً سياحياً، يقوم السائح بجولات قصيرة لمنطقة مخازن الذخيرة، وغرف العرض التي بها نماذج من الأسلحة والمعدات، التي اشتركت في الحرب، مثل المركبات، والمدرعات، ومدافع ماكينة مختلفة.

ويُفتح الحصن سنوياً من أول أبريل إلى 30 أكتوبر في يومي السبت والأحد، وتبدأ الزيارة من الساعة الثانية بعد الظهر، حتى الثالثة صباحاً.

2. حصن سيمسيروف

يُعد أقوى حصن في منطقة بيتش، انتهى بناؤه في عام 1938، يشمل ثماني نقاط قوية، ودورتين دخول، و18 قطعة مدفعية، وستة مدافع مضادة للدبابات، وقوة الحصن 800 رجل.

لم يقم الحصن خلال الحرب بدور فعال، حيث إنه لم يستطع منع سقوط هوت ـ بويرير Haut- Poirier، وويلشوف Welschhoff، وذلك لوقوعهما خارج مدى مدفعياته.

وَرَمَّمَ الجيش الفرنسي هذا الحصن بعد الحرب وأرجعه إلى حالته التي كان عليها من قبل، وظل هذا الحصن يعمل حتى عام 1970.

وهو الآن مفتوح للعامة من الزوار والسياح. ويُعد متحفاً كاملاً يعرض جميع أنواع مدفعيات الحصون.

3. حصن ميكلزبيرج

تولت "الجمعية الديناميكية" التي تتألف من متطوعين من فرنسا وألمانيا، ترميم هذا الحصن.

ولم تكتف هذه الجمعية بالترميم، ولكنها كونت مجموعات من المتطوعين تعمل بالتناوب داخله، وقد أُطلق عليه اسم حصن المدفعية من المستوى المتوسط[6]، وذلك لأن معظم تسليحه من المدفعية المتوسطة، التي تتميز بطول المدى، والتي تحتاج إلى ميدان رماية مفتوح، يقع أمام هذا الحصن.

يقوم المتطوعون بشرح أنواع الأسلحة، ونظم الضرب عليها، ونظام تنقية الهواء، والإمداد بالذخيرة وباقي النظم الأخرى، التي جعلت هذه الحصون قلاعاً حديثة باختراعها أو تطويرها.

ويفتح الحصن أبوابه للزوار جميع أيام الآحاد من شهر أبريل حتى سبتمبر، من الساعة الثانية ظهراً وحتى الساعة السادسة مساءً.

4. حصن كاسو

تشكلت جمعية خاصة بهذا الحصن تُسمى "جمعية حصن كاسو" Association fort Casso، وتولت ترميم هذا الحصن بالجهود الذاتية، وكونت مجموعات من المرشدين من أعضائها، ممن لديهم معرفة جيدة بالحصن، وتتوفر بهم شروط خاصة[7]. تقوم هذه المجموعات بوصف كل ما يتصل بالحصن للزوار والسائحين.

كان متوقعاً في أول الأمر أن يتكون هذا الحصن من ثماني دشم، ولكن بسبب قيود التمويل اشتمل الحصن على ثلاث دشم فقط، رغم مساحته الواسعة، ما أدى إلى وجود فواصل كبيرة بين الدشم لا يوجد بها سوى الكوابل، التي كانت سبباً في ثراء تجار الخردة.

انتهى بناؤه عام 1935، وكان عدد العاملين به 166 جندي مسلحين بـ: مدفعين 47مم، وثلاثة مدافع 25مم، ومدافع ماكينة متوسطة وخفيفة، عيار 7.5مم.

أدى هذا الحصن دوراً مهماً أثناء الحرب، ففي يونيه 1940 قام بتوجيه ضربات نيرانية لصد الهجوم الألماني عن حصن ويلشكوف Welschkof، والنقط القوية المستقلة في اتجاه الغرب.

وفي 22 يونيه اقترب العدو، وهاجم الدشمة الثالثة، ووجه الألمان ضربات مباشرة لمزاغل مدافع الماكينة، وفتحات المدفعية، ولكن مدفعية حصن سيمسيروف صدت هذا الهجوم.

وفي 24 يونيه جدد الألمان هجومهم، وصدته كذلك مدفعية حصن سيمسيروف، لم يفر طاقم الحصن من المعركة إلا بعد توقيع الهدنة، بناءً على أوامر من قيادتهم العليا وليس تحت ضغط العدو.

هذه المعلومات تعرض على شاشات بواسطة مجموعة المرشدين، كما تقوم مجموعة ثانية بعرض البنية الأساسية، وأثار الهجوم على الدشمة الثالثة، ومجموعة أخيرة تعرض بعض مخلفات الجنود، مثل أواني الطعام وأسرة النوم.

تبدأ زيارة الحصن في الثالثة مساء يومي السبت والأحد من كل أسبوع.

وما زال خط ماجينو يخلب ألباب الفرنسيين والألمان، حيث استمر تكوين الجمعيات المشتركة من المتطوعين من البلدين للمحافظة على ما تبقى من هذه الذكرى، وأخيراً في مدينة بيتش في عام 1955. أُنشئ متحف للحصن تحت رعاية جمعية سيمسيروف.



[1] أسلوب دفاعي عقيم يفتقر إلى خفة الحركة ويعتمد على انتظار المهاجم في تحصينات هي أقرب للملاجئ عن أن تكون وسيلة قتال.

[2] الاتجاه الشمالي الشرقي لفرنسا: هو حدود فرنسا مع بلجيكا، ويمثل الجزء الضعيف من خط التحصينات الفرنسية على الحدود.

[3] عدد الفرنسيين 40 مليون نسمة، وعدد الألمان 80 مليون نسمة طبقاً لتعداد 1938.

[4] تم تصنيع الأسلحة الخاصة بحصون خط ماجينو طبقاً لما تتطلبه ظروف المكان والأرض التي يشرف عليها الموقع، واتجاه تقدم العدو المنتظر.

[5] بيتان: كان بطل المعارك الدفاعية خلال الحرب العظمى، وصاحب نظرية أن الإبداع الفكري العسكري الجديد لصالح الدفاع وليس الهجوم.

[6] المدفعية المتوسطة: هي نوع من أنواع المدفعية ذات عيار متوسط، أكبر من 122مم، وحتى 152مم، وتُعد من المدفعية ذات المدى الطويل.

[7] الرغبة في العمل الطوعي، والقدرة على إيصال المعلومات بسهولة، والدراية الكاملة بكل ما يتصل بالحصن.