إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / معارك غزة بين الإنجليز والأتراك (مارس ـ أكتوبر 1917)





بيان القوات البريطانية
معركة غزة الأولى
معركة غزة الثانية

مسرح العمليات شمالي سيناء
خط الدفاع البريطاني
طبوغرافية فلسطين



الجيش الثامن البريطاني

ثالثاً: معركة غزة الأولى (26 ـ 27 مارس 1917) (أُنظر شكل معركة غزة الأولى)

صمم الإنجليز على الاستمرار في العمليات الهجومية في الميدان الشرقي، على أن تبدأ في الخريف، وكان الجنرال "إرشيباك موري" القائد العام للقوات البريطانية والذي اقترب من حدود فلسطين،بينما بدأ الجنرال "مود" القائد التركي تقدمه في العراق، وبين يناير ومارس 1917 أعيد تنظيم القوة الشرقية، حيث انتقلت الفرقة 42 إلى جبهة فرنسا، وحلت محلها الفرقة 53 بالعريش بعد انتهاء عملها كحامية بالوجه القبلي، وسحبت الفرقة 54 من دفاعات الوجه القبلي أيضاً لتتبع الفرقة 53 إلى حدود فلسطين. وكانت الفرقة 74 جاري تكوينها.

وأعيد تكوين القوات الراكبة لتكون فرقتان بكل منهما أربعة لواءات، الفرقة الأسترالية والنيوزيلندية الراكبة مكونة من اللواءين الأول والثاني من الفرسان الإسترالية الخفيفة، ولواء نيوزيلندي، واللواء 22 الراكب (يومنري)، أما الفرقة الراكبة الإمبراطورية قيادة الماجور جنرال "هود جوسون" فشملت اللواءين الثالث والرابع من الفرسان الإسترالية الخفيفة، واللواءين الخامس والسادس الراكبان.

وبذلك أصبحت القوة الشرقية قيادة الجبرال "دوبل" مكونة من ثلاث فرق مشاة (52، 53، 54) وفرقتي فرسان ولواء الهجانة الإمبراطوري، أما قول الصحراء بقيادة الجنرال "تشتود" مكوناً من فرقتي الفرسان ينقص كل فرقة لواء، والفرقة 3 بقيادة الماجور جنرال "والاس" وكذا دوريتين من دوريات السيارات الخفيفة وكانت رئاسة "دوبل" بالعريش.

1. القوات المتضادة

أ. القوات البريطانية (لا تقل عن 20 ألف مقاتل) بقيادة الجنرال "تشارلز دوبل"

(1) توزيع القوات

(أ) مركز القيادة المتقدم في (العريش).

(ب) قوة الصحراء في (دير البلح).

(ج) الفرقة 54 / قوة الصحراء الشرقية في (النصيرات).

(د) الفرقة 52 / قوة الصحراء الشرقية في (خان يونس).

(هـ) فيلق الهجانة / قوات الرئاسة العامة في (حول عبسان الكبير).

(2) التكوين

(أ) 6 لواء مشاة (ل 158، 159، 160، 161، 162، 163).

(ب) 4 لواء أسترالي خيالة خفيف (ل 1، 2، 3، 4).

(ج) 3 لواء نيوزلندي راكب (ل الخنادق، ل 5، ل 6).

(3) التسليح

(أ) السيوف          8500

(ب) البنادق          25000

(ج) مدافع            92

ب. القوات التركية (4 آلاف مقاتل) بقيادة "فون كرس"

(1) توزيع القوة

كانت القوة موزعة في رابية (المنظار) وموقع (التيه) المشرفين على غزة.

(2) التسليح

(أ) السيوف           1500

(ب) البنادق          16000

(ج) المدافع            74 منهم في غزة 20 مدفع

2. الاستعدادات للمعركة

أ. القوات التركية

بعد الانتهاء من عمليتي رفح والمغضية احتل القائـد التركي "فون كرس" القائد التركي موقعاً قوياً يوالي الشيخ نوران غرب الشلال ويقع على وادي غزة، وهذا الموقع يحمي السكة الحديدية التركية في بير سبع، وكذا مدينة غزة، وتم تعزيز قواته بالفرقتين 16،17 المشاة، والفرقة الثالثة الراكبة.

وفي مارس 1917 وضع "فون كرس" جزء من قواته بكل من بير سبع وغزة، واحتفظ بمعظم قوته عند تل الشريعة وجمامة حتى يظهر اتجاه تقدم القوات البريطانية، وعندما ظهر له هذا التقدم احتفظ بالفرقة (3) التركية عند يافا خوفاً من إنزال قوات من البحر من القوات البريطانية.

ب. القوات البريطانية

رأى الجنرال "تشارلز دوبل" أن يفاجئ الأتراك، ولذا قرر أن يبدأ الهجوم على غزة مستخدماً كل قواته الموجودة، ولصعوبة الإمداد بالذخائر والتعينات، والمياه المطلوبة للقوات المهاجمة،فبدأ بتجهيز القطارات، وحيوانات الحملة، والعربات لتحميل الاحتياجات اللازمة.

وكانت الفكرة العامة للهجوم هي إعادة تنفيذ خطة عمليات المغضية ورفح على شكل أوسع، وإذا تم الاستيلاء على غزة، فإن مياه الآبار الموجودة ستكون كافية، ومن الممكن إمداد القوات بالتعيين من البحر.

3. الخطة البريطانية للاستيلاء على غزة (أنظر شكل معارك غزة الأولى)

بعد الانسحاب من سيناء وخان يونس، جعل الأتراك خط قتالهم يمتد بين غزة وبئر السبع، ولكن ثغرات كثيرة كانت تضعف هذا الخط، ففي غزة مثلاً لم يكن هناك أكثر من 4 آلاف جندي بقيادة "فون كرس" وكانت هذه القوة متمركزة في تبة "علي المنطار" وموقع "التيه" المشرفين على غزة، وعلى طول الخط على بئر سبع كانت القوات الإنجليزية المتقدمة من سيناء قادرة على اجتياز صحراء النقب واحتلال بئر السبع، فيما إذا تمكن جناحها الأيسر من احتلال غزة.

على أساس هذا الموقف رسم "دوبل" قائد القوات البريطانية العاملة شرقي القناة، خطته الحربية، وعرضها على "موري" القائد الأعلى، فوافق عليها في 20 مارس 1917.

وتقرر موعد الهجوم يوم 25 مارس، على أن يتم الهجوم في مرحلتين:

الأولى: تقضي باحتلال وادي غزة.

والثانية: تقوم بتطويق المدينة وعزل حاميتها لحرمانها من تلقي الإمدادات من الشرق.

وكانت خطة الهجوم البريطانية تقضى بإرسال الفرق الراكبة ولواء الهجانة عبر وادي الغز عند الشيخ نبهان، ثم تتقدم إلى مندور، ثم إلى شرق وشمال شرق غزة، بهدف منع وصول الإمدادات التركية وأيضا لمنع الحامية التركية الموجودة بمدينة غزة من الانسحاب والفرار في هذين الاتجاهين ـ الشرقي والشمالي الشـرقي ـ أما الفرقة 54 فكانت مهمتها الهجوم على مدينة غزة من اتجاه تل (على المنطار) إلى تبة سمسون، وفى الوقت نفسه كلفت فصيلة من كتيبة مشاه وكتيبتان من الفرسان بالتقدم شمالا بمحـاذاة الساحل في اتجاه الشيخ عجلين، ومهمتهم حماية الجانب الأيسر للقوات الرئيسية المهاجمة، أما الجزء الباقي من الفرقة 54 فكان مهمته معاونة القوات الراكبة، وذلك باحتلال موقع عند المنصورة والشيخ عباس، وفى الاحتياط كانت الفرقة 52 ومن مهامها حماية خطوط المواصلات، أما مراكز القيادة فكان متمركز جنوب وادي الغز عند النصيرات في اتجاه دير البلح.

4. سير المعركة (أنظر شكل معارك غزة الأولى) و(خريطة مسرح العمليات شمالي سيناء)

في 26 مارس دارت معركة غزة وبدأ تنفيذ الخطة، ففي (الساعة الثانية والنصف صباحا) خرجت الفرقة الأسترالية النيوزيلندية من معسكرها ووصلت (الساعة العاشرة صباحا) إلى بيت درديس وتبعتها الفرقة الإمبراطورية الراكبة التي وصلت إلى مندور (الساعة التاسعة والنصف صباحا)، وقد تحرك أيضا فيلق الهجانة الإمبراطوري إلى مندور، أما الفرقة 53 فقد بدأت تقدمها (الساعة الواحدة صباحا) وقد وصل اللواء 158 إلى تبة المنصورة (الساعة الثانية إلا ربعا صباحا)، ومن سوء طالع الإنجليز فقد انتشر ضباب كثيف وقت شروق الشمس الأمر الذي أخر العمليات ما لا يقل عن ساعتين.

وبسبب الضباب لم تبدأ بوادر اتضاح رؤيا إلا (الساعة الثامنة والنصف صباحا) عندما فوجئ الأتراك مفاجأة تامة بوجود اللواء البريطاني القائد على مسافة 3.6 كم من موقعهم، ولكن لسوء الحظ كانت الفرقة 53 المشاة أضاعت ساعتين في انتظار انقشاع الضباب فلم تقم بالهجوم على المواقع التركية إلا قبيل الظهر، ولو أن المشاة كانت قريبة من مواقع الأتراك لأمكن إتمام العملية قبل حلول الليل لكن الضباب لم يمكنها من هذا الاقتراب مما أفسح الوقت أمام الأتراك وأضاع تأثير المفاجأة، وعندما بدأ هجوم المشاة أخيرا كان الأتراك قد أفاقوا من المفاجأة، واضطر البريطانيون إلى التقدم باللواء 158 في السهل المكشوف من المنصورة إلى تل على المنطار، وباللواء 160 إلى تبة السير المكشوفة وأيضا المعرضة للنيران، وكان لواء الاحتياط ـ اللواء 159 ـ قد أرسل في وقت مبكر للقيام بالهجوم من يمين اللـواء 158، ولم يقدم اللواء 161 من الفرقة 54 المعاونة له إلا في (الساعة الرابعة مساء)، والسبب في ذلك يرجع إلى فقد الاتصال بين الفرقة 53 واللواء 161، لذلك استغرق وقتاً طويلاً حتى يصل أمر المعاونة إلى اللواء 161.

وبرغم تلك الظروف فقد استولى البريطانيون (الساعة السادسة مساء) على التل الأخضر، وأصبح الموقع التركي على تل على المنطار بأكمله في أيديهم، وكان اللواء الثاني الخيالة الأسترالي الخفيف، واللواء النيوزيلندي الراكـب قد وصلا إلى الحدود الشمالية للمدينة واتصلوا بالمشاة على تل على المنطار.

كان النهار يقارب نهايته والظلام يحل تدريجيا، لذلك كان لابد من اتخاذ قرار عاجل إما بمواصلة الضغط والوصول إلى غزة قبل حلول الليل أو الانسحاب، حتى لا تواجه القوات مشكلة الإمداد بالمياه للقوات الراكبة التي إذا رجعت للحصول على المياه فإنها ستترك المشاة في مواقعهم الحالية وجانبهم الشرقي مكشوف ومعرض مع وجود ثغرة كبيرة بين لواءي الفرقة 54 عند الشيخ عباس والقوات التي عند تل على المنطار، وكان هناك خطر في مواصلة الهجوم والظلام ينتشر وفى الوقت الذي يتزايد فيه ضغط الأتراك وتزايد الإمدادات التركية القادمة إلى غزة، فقد أفادت التقارير الواردة في ذلك الوقت أن نحو 7000 جندي تركي تتقدمهم قوة من الفرسان يتقدمون من هريرة في الاتجاه الشرقي لمدينة غزة، وأن قوات أخرى كثيرة تقترب من ديرسنيد وهوج، ونظراً لشدة الحر والعطش بالجنود الإنجليز، ولما كان المدفعيون الألمان والرماة الأتراك قد استبسلوا في مراكزهم في الوادي، وما كادت (الساعة السادسة مساء) تنقضي حتى أصدر الجنرال "دوبل" أوامره للقوات الراكبة بالانسحاب إلى وادي الغز، وكان قد أصدر أوامره قبل ذلك للفرقة 54 بالتحرك إلى يمين الفرقة 53 وذلك لسـد الثغرة التي بين الفرقتين، ولكن هذا الأمر لم يكن معلوما للقوات المهاجمة، إذ أنه أمر قائد الفرقة 53 بسحب جناحها الأيمن بقصد الاتصال بالفرقة 54.

وبناء على ذلك ترك البريطانيون الأرض التي تشرف على غزة من اتجاه الجنوب الشرقي والتي تكبدوا في سبيل الاستيلاء عليها قرابة من 4000 جندي، كما كان من نتيجة هذه الأوامر أن جاء صباح 27 مارس والفرقة 53 في موقع مواجه للغرب في منطقة الشلوفا والفرقة 54 في موقع مواجهة للشرق في منطقة المنصورة والبورجابية، مما يتضح منه، أنه لم يكن هناك تبادل للمعلومات ولم تكن القوات على علم بمجمل الأوضاع في ميدان المعركة، الأمر الذي أفقد القوات القدرة على تبادل المعاونة، وكان ذلك سببا في إخلاء التلال والتباب الحاكمة ليلة 26/27 مارس مثل تبة الشيخ عباس وتل على المنطار كما كانت التحركات الليلية المهمة التي قامت بها كل من الفرقة 53، والفرقة 54 غير معلومة للأخرى.

ونتيجة لتلك الأخطاء تمكن الأتراك أن يحتلوا ثانية الموقعين الحاكمين اللذين تم إخلاؤهما الشيخ عباس، وعلى المنطار، وفي (الساعة التاسعة والنصف صباحا) يوم 27 مارس كانت الفرقتان 53، 54 ظهرا لظهر ويفصل بينها مساحة أرضية مسافتها حوالي 3.5 كم، وقد فشلت المحاولات التي قام بها اللواء 160 واللواء 161 لاحتلال تل على المنطـار، برغم تمكن قوات المقدمة لكل منها من احتلال مواقع على كل من على المنطار والتل الأخضر، ولكن عنف الهجمات المضادة التركية لم تمكنهـم من التمسك بها واضطرتهم للانسحاب، وعندئذ لم يعد للبريطانيين أمل في الاستيلاء على غزة، لذلك صدرت الأوامر بالانسحاب إلى وادي الغز، وقد سحبت القوات ووصلت المشاة كلها إلى الضفة الغربية لوادي الغز عند أول ضوء يوم 28 مارس، واحتل الأتراك دفاعات غزة ولكنهم لم يتقدموا بعدها، وثبتوا فيها.

وقد علق القائد العام البريطاني الجنرال "موري" على تلك المعركة فقال "كانت العملية ناجحة إلى أقصى حد. ولولا الضباب وطبيعة الإقليم الخالي من الماء لسقطت غزة ولحلت بالأتراك كارثة كبيرة". وقد قرر البريطانيون أن المخاطر التي تنجم عن مواصلة الهجوم تفوق بمراحل كل احتمالات النجاح الممكنة.

وقد تمخضت المعركة عن أسر البريطانيين 837 أسيرا تركيا والاستيلاء على مدفعين مقابل 3960 من الخسائر في الجـانب البريطاني[1]، ومن هذه النتيجة يمكن تقييم التعليق الذي قاله الجنرال "موري" ومدى صدقيته.

وهكذا فشلت الحملة فشلاً ذريعاً للإنجليز، مع أن "موري" أبرق إلى لندن بالنجاح، وتسلّم تهاني الملك "ولويد جورج" على انتصاره!.

ليس هذا فحسب، بل إن القيادة في لندن طلبت إليه أن يغير خطته، بحيث تتضمن الاستمرار في التقدم على جنوب فلسطين واحتلال مدينة القدس. وكانت القيادة في ذلك متأثرة برغبات "لويد جورج" الشخصية أكثر من تأثرها بحقيقة الموقف الحربي لجيوشها.

5. أسباب فشل المعركة

لم يكن الخطأ خطأ القوات التي قاتلت بعزيمة وروح، ولا خطأ الخطة التي وضعت بمهارة وجرأة ولكن الأخطاء كثيرة وهي:

أ. كان ضياع الوقت سدى، هو السبب الرئيسي للفشل وليس ظهور الضباب في ذلك اليوم.

ب. ولم يكن ضباط الأركان مدربون تدريباً كافياً وإلا لعملوا على توفير الوقت بقدر الإمكان.

ج. انسحاب القوات الراكبة الذي تسبب في كشف جناح الفرقة 53 الأيمن.

د. واجهت القوات الراكبة مشكلة قلة المياه بسبب ضغط الأتراك عليهم.

هـ. كانت منطقة القتال منتشرة ومتسعة لدرجة جعلت من الصعب السيطرة على الموقف.



[1]  وجاء على لسان "موري" أن الخسائر في القوات البريطانية 3500 فرد، وفي الأتراك 8000، وأن الرقم الصحيح يراوح بين 2500 إلى 4000.