إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / الملحق العسكري، وأنواع الملحقين الآخرين ومهامهم









الفصل الثانى

المبحث الثاني

الاختيار، والتأهيل، والترشيح، والحصانة

يُعد الملحق العسكري شخصية اعتبارية، ذات مستوى، ومدلول خاص، تتطلب العديد من الشروط في الاختيار والتأهيل. فمجال عمله يعكس صورة الحياة العسكرية في دولته أمام دول العالم، من خلال اختلاطه بالملحقين العسكريين للدول الأخرى، ويعكس قدر الاهتمام الذي توليه دولته، تجاه الدولة المعين فيها. كما يمثل إرادتها في تحديد مستوى التعاون والتنسيق في المجال العسكري معها. وقد دلت الخبرات والتجارب السابقة، أن اختيار الملحق العسكري، كان له مردود طيب في الارتقاء بالعلاقات العسكرية، التي تعكس آثارها على العلاقات الأخرى، فضلاً عن أن الاختيار غير الموفق كان سبباً في حدوث توتر، وانخفاض في مستوى العلاقات بين دولتين.

ويخضع اختيار الملحقين العسكريين وتأهيلهم لعدد من الاعتبارات، التي قد تختلف من دولة إلى أخرى، ولكنها تتفق في أن الملحق العسكري المؤهل جيداً، هو الشخصية المطلوبة في مجال تحسين العلاقات الدبلوماسية، بصفة عامة، والعسكرية بصفة خاصة.

وما ينطبق على المحلقين العسكريين في الاختيار والتأهيل وأسلوب العمل، ينطبق، إلى حد كبير أيضاً، على مختلف مكاتب التمثيل العسكري، بدءا من مكاتب الاتصال، وانتهاءً بالمكاتب الفنية المختلفة. فلا بد أن يكون لكل منها تنظيم محدد لأسلوب الاختيار، ومنهج التأهيل، وتنظيم العمل في المجال الخارجي. وكلها عملية مستمرة مرتبطة الحلقات. وحسن اختيار المحلق العسكري وتأهيله ينعكس على كفاءة أدائه عند استلام وظيفته في الخارج، وتنظيم مهامه، التي يجب أن تكون متوازنة، ولا تقتصر على مهمة دون أخرى. وتتعدد مهام الملحق العسكري، وتتنوع، مثال ذلك: الحصول على معلومات سواء عن ميدان العمل، أو عن أي تهديدات تمس الأمن القومي للدولة، وتحسين العلاقات العسكرية، وإيجاد أرضية مشتركة للتعاون العسكري، والاطلاع على الحديث في تكنولوجيا التسليح، ونظريات الحرب الحديثة… إلى آخر تلك المهام.

وفي ضوء أهمية هذه المهام، يُختار الملحق العسكري، ويتم تأهيله بالأسلوب الذي يحقق تلك المهام، بحيث يفيد دولته، ويُصبح عضواً متميزاً بين أقرانه من الملحقين العسكريين.

أولاً: اختيار الملحق العسكري

تتعدد المدارس التي تحدد أسلوب اختيار الملحق العسكري. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وشيوع تعيين الملحقين العسكريين، مرت عملية الاختيار بالعديد من الأساليب والمدارس. وأصبحت معايير الاختيار والترشيح تختلف في عصر الحرب الباردة، في الدول الشيوعية، عنها في الدول الرأسمالية. وكانت الدول الصغرى التي تدور في فلك القطبين الرئيسيين، ترشح ملحقيها العسكريين طبقاً للنظام المعمول به في القطب الذي تتبعه. وكانت المدرسة الشيوعية تميل إلى ممارسة الجاسوسية، واستخدام القهر، والرشوة، والجنس، في عمل الملحق العسكري للحصول على أكبر قدر من المعلومات. أما المدرسة الرأسمالية، فكانت تعتمد على الطرق غير المباشرة، من خلال توطيد العلاقات، واستخدام الوسائل التقنية (طبقاً لإمكانيات العصر)، في عمل الملحق العسكري. وقد ساعد الاستعمار القديم، وارتباط الكثير من القيادات العسكرية المختلفة في الدول الصغرى بالدول الغربية، التي تعلموا فيها، وحصلوا منها على الأسلحة، في نجاح المدرسة الغربية في مهامها في الدول النامية. ولكن، مع المتغيرات الرئيسية خلال حقبة الستينيات، وانتشار النفوذ السوفييتي في مناطق عديدة من العالم، تغير المفهوم الرئيسي لتلك المدرسة، في بذل الجهد الدبلوماسي لإنجاح العلاقات العسكرية، بما يخدم الإستراتيجية الجديدة التي اتبعتها الولايات المتحدة، منذ نجاحها في السيطرة على أزمة خليج الخنازير في كوبا عام 1962، حيث استخدمت لأول مرة دبلوماسية إدارة الأزمات، وقد طورت في أساليب عمل الملحقيات العسكرية، ضمن النظام الدبلوماسي العام ليخدم تلك الإستراتيجية، بينما استمر الاتحاد السوفييتي في أساليبه، في التجسس والتجنيد وشراء النفوس، ورشاوى المسؤولين في بعض الدول النامية، كأسلوب رئيسي في عمل الملحقيات العسكرية، إلا أن العديد من تلك الأساليب تغيرت في العقد الأخير من الألفية الثانية، في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي القديم، لتنكمش مهام الملحقيات العسكرية، مع انخفاض الاعتمادات المالية المخصصة لها. وعموماً، فإن اختيار الملحقين العسكريين في الدول المختلفة، ينقسم إلى خمسة أقسام رئيسية:

1. الاختيار والترشيح

يطبقه كثير من دول العالم، من الكتلة الشرقية أو غيرها من الدول، ومنها دول عربية عديدة، وكثير من دول الشرق الأوسط بصفة عامة. وينبع الاختيار هنا من مبدأ رئيسي، هو أن الملحق العسكري، مسؤول بالدرجة الأولى عن الحصول على معلومات في مجال عمله، طبقاً لاحتياج دولته. ولتحقيق هذا المبدأ، فإن اختياره يتم من ضباط الاستخبارات العسكرية، حيث تكون قدرته واستعداده متلائمين مع أسلوب جمع وتحليل المعلومات المختلفة، التي يرسلها إلى دولته، ويكون الترشيح، إما بالأقدمية لضباط الاستخبارات، أو من خلال الضباط الذين يعملون في مجال الدولة المرشح لها الملحق، حيث يكون الضابط أكثر قدرة على التعايش مع ميدان العمل الجديد، الذي سبق أن عرف عنه الكثير في أثناء المتابعة اليومية السابقة. وهذا الأسلوب له مميزاته، وله عيوبه أيضاً:

أ. فالمميزات

تظهر في سرعة تجاوب الملحق الجديد في ميدان العمل، نتيجة لمعرفته السابقة النظرية، أو زياراته السابقة للدولة نفسها في مجال العمل (إن حدثت)، كما أنه يكون على علم بالمطالب المعلوماتية، المطلوب الحصول عليها عن ميدان العمل، ومن ثم يمكن تجميعها تراكمياً، طبقاً لقدرة الملحق العسكري، وتوفر الوسائل المتاحة للحصول على المعلومات.

ب. أما العيوب

فتنحصر، في القيود، التي يضعها الملحق حول نفسه خلال اجتهاده للحصول على المعلومات، ومن ثم يترك باقي المجالات، وهى أكثر أهمية، سواء في تحسين العلاقات العسكرية وإيجاد أرضية مشتركة للتفاهم بين الدولتين في المجال العسكري، كما أن معرفة العسكريين في الدولة المضيفة، أن الملحق العسكري كان ضابط مخابرات، يجعل الرقابة تزداد حوله لتقييد حريته في الحصول على المعلومات. وقد تمثل المعرفة السابقة للملحق، عن ميدان العمل، قيداً عليه شخصياً، حيث يدور في فلكها، ولا يتطلع للتعرف على المتغيرات، أو تصحيح أخطاء سابقة، فتتقلص الاستفادة من عمله.

وهكذا ما بين المميزات والعيوب، يُلقى عبء مضاعف على الملحق العسكري، في إحداث التوازن بين مجالات عمله المختلفة.

2. اختيار الملحق العسكري من الضباط الممتازين، من واقع مسابقات تُجرى بينهم

هذا النظام مطبق في كثير من الدول، خصوصاً تلك التي أخذت بالمبدأ الديموقراطي حديثاً، وكذلك الدول، التي تحرص على إشعال التنافس بين الضباط في قواتها المسلحة، من أجل الارتقاء بمستوى الكفاءة القتالية.

ويتم الاختيار هنا على مرحلتين، المرحلة الأولى، وهي الفرز، حيث يُرشح الضباط الممتازون؛ لدخول مسابقة اختيار الملحقين العسكريين. أما المرحلة الثانية، فهي اختبار الضباط أنفسهم، وتنقسم، عادة، إلى اختبارين، الأول نظري، ويُتعرف من خلاله على مستوى الضابط العلمي، ومدى إجادته للعلوم المتعلقة بميدان العمل، أما الثاني فهو عملي، ويقسم إلى شقين: الأول قياسات نفسية وسيكولوجية، والثاني اختبار مواجهة، يقاس من خلاله شخصية الضابط، ومدى إلمامه باللغات الأجنبية، ومواجهة المواقف الصعبة.

وربما يتخلل هذا الأسلوب بعض الاستثناءات، للضباط المتفوقين، أو الذين أحرزوا المراكز الأولى في المسابقات، على مستوى القوات المسلحة، كتكريم لهم على هذا التفوق. وهذا لا يتعارض مع الاختبارات التي مر بها أقرانهم. ذلك أن حافز التفوق، مطلوب في أي قوات مسلحة، حتى ترتفع بمستوى الكفاءة القتالية وحتى يكون جنى ثمار التفوق حافزاً لهم في أثناء الخدمة.

وأسلوب اختيار الملحقين من الضباط الممتازين، هو أحد الأساليب الرئيسية في مراحل إعداد القادة لتولي المناصب العليا. ذلك أن عمله ملحقاً عسكرياً، سوف يضيف إلى قدراته، الحس السياسي، والتعامل على مستويات مختلفة، لم يقابلها أثناء خدمته في القوات المسلحة، ويمنحه خبرة كبيرة في اتخاذ قرارات على مستويات عليا، عند تدرجه في مناصب القيادة. وهذا الأسلوب تحرص عليه إسرائيل في إعداد القادة الرئيسيين، حيث تشترط عند ترشيح قادة المناطق، ورئيس الأركان، أن يكون قد عمل ملحقاً عسكرياً في إحدى الدول الأوروبية، ونال العديد من الدراسات المدنية، خصوصاً في مجال إدارة الأعمال، والتكنولوجيات الحديثة.

ولهذا الأسلوب أيضاً مميزات ونقاط ضعف. فمن مميزاته، اختيار الرجل المناسب لتولي المنصب المناسب، علاوة على ما سبق ذكره من إعداد الضابط لتولى المناصب العليا، وحسن اختياره لتمثيل العسكرية في دولته، فضلاً عن ضمان حسن أدائه لمهامه، انطلاقاً من كونه ضابطاً ممتازاً.

أما نقاط الضعف: فتنحصر في ضرورة تأهيل الملحق العسكري من خلال دورة طويلة نسبياً، حتى يمكن إلمامه بأسلوب تنفيذ المهام الموكولة إليه. كذلك إجراءات الأمن غير العادية، التي يجب أن ينفّذها، والتي لم يسبق تعوده عليها. ومن الخبرات في ميدان العمل، فإن الضابط، سرعان ما يتفاعل، مع التدريب، ويكون مؤهلاً تماماً بعد انتهاء الدورة. وربما تفوق على أقرانه من ضباط الاستخبارات العسكرية، المشار إليهم في " الخيار الأول".

3. وهو خليط ما بين الخيارين

ظهر هذا الأسلوب، نتيجة للخبرات المكتسبة من تطبيق النظام الثاني خاصة، حيث اتضح أن هناك مجالات عمل تحتاج إلى ضباط مخابرات، وأخرى تتطلب ترشيح ضابط بصورة فورية، لا يسمح بها نظام الاختيار والاختبارات، ثم التأهيل. لذلك يصبح البديل المتاح في ترشيح ضابط استخبارات موثوق فيه لتولى المهمة. ومن الجانب الآخر، فإن إدارات الاستخبارات المختلفة، تحتفظ عادة لنفسها ببعض مناطق العمل، كي ترشح فيها ضباطها، دون مرورهم بسلسلة الاختبارات، التي يتأسس عليها الاختيار الثاني، وتجد في ذلك حقاً مشروعاً، نظراً لأنها هي التي تشرف على عمل الملحقين العسكريين.

والنسبة التي يشغلها ضابط الاستخبارات، لا تتعدى 15 - 20% من عدد الملحقين العسكريين في ميدان العمل، وهم، عادة، ينضمون إلى دورات التأهيل مع باقي الملحقين، أو تعقد لهم دورات قصيرة، إذا كان اختيارهم، وضرورة سفرهم على وجه السرعة، طبقاً لقرار سياسي.

ومميزات هذا الاختيار وعيوبه، أنه خليط من مميزات وعيوب الأسلوبين الأول والثانى، ولكنها ضرورة قد تواجه القوات المسلحة في أي مكان، كما أنها ضرورة تفرضها قيود الاختيارات في مناطق معينة، وتواجهها إدارات الاستخبارات بالمتاح الفوري أمامها.

4. البناء المتدرج للملحق العسكري

وهو أسلوب راقٍ يتبعه العديد من الدول، ذات التاريخ العسكري العريق، وفى مقدمتها فرنسا. ويتم هذا الأسلوب عن طريق الاختيار المبكر للضابط، الذي يصلح للعمل في هذا المجال، ووضع خطة لتربيته، وتدريبه. وتبدأ الخطة بعملية الفرز لاختيار الضباط الذين لهم الرغبة في العمل في اتجاهات خاصة، حيث يتلقون دروساً لتعلم اللغة في إحدى دول هذا الاتجاه، ثم يعمل الضابط مساعداً إدارياً في أحد المكاتب حتى يتعرف على نظام الدولة، وتزيد قدرته على التكلم بلغتها. وفى مرحلة محددة، يتم إلحاقه في دورات دراسية عسكرية، في إحدى دول هذا الاتجاه؛ لكي يتعرف على العلم العسكري، وأساليب القتال، التي تتبعها دول المنطقة، وينمي علاقاته بالعديد من الضباط في تلك الدولة، سواء من الدارسين معه، أو الضباط المعلمين في المعهد الدراسي، وخلال فترة تلك الدراسة، يُجري الضابط بحثاً متكاملاً عن الدولة التي يدرس فيها، وتكون تلك الدراسة بمثابة تقويم أخير لترشيحه كمساعد ملحق عسكري، أو ملحق لدولته، في تلك الدولة فيما بعد.

ويتبع الضباط المرشحون لمثل هذا العمل، الاستخبارات العسكرية. وهي التي تضع خطة تدريبهم وتنشئتهم ليكونوا ملحقين عسكريين أكفاء، على أن الضابط في هذا المجال ترتبط حياته العسكرية، ارتباطاً مطلقا، بالعمل في مجال الملحقيات العسكرية خارج دولته، أو في الاستخبارات العسكرية داخل دولته. أي أن الضابط في هذه المرحلة، يكون متخصصاً في هذا المجال.

وتتبع الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفييتي القديم (روسيا حالياً)، أسلوب التخصص نفسه، ولكن بصورة مغايرة عن فرنسا، حيث يتلقى الملحقون العسكريون مبادئ اللغة، وتحرص دولهم على تعيين مترجمين أكفاء لهم، علاوة على أن دورات التأهيل على العلوم العسكرية، التي تتبعها الدول المعين فيها الملحق، تتم داخل الولايات المتحدة وروسيا، ضمن دورات التأهيل، التي يتلقاها الضباط المرشحون للعمل.

كما أن نظام الخدمة في كل من الولايات المتحدة، وروسيا، لا يقصر مجال العمل على اتجاه واحد، ولكن تتعدد الاتجاهات خلال خدمة الضباط، ذلك أن سير خدمة الضابط في الولايات المتحدة يفرض عليه أن يخدم (بالتناوب) في معظم قواعدها الخارجية، من دون أن تقتصر خدمة الضباط على مكان أو (مجال) محدد طوال فترة حياته العسكرية.

وهذا الأسلوب له مميزاته، وعيوبه

فالمميزات: تنحصر في التخصص، وسهولة الانطلاق في مجال العمل، وتحقيق المهام المكلف بها من دولته. وفى حالة ـ مثل حالة الملحق العسكري الفرنسي ـ فإن المعرفة باللغة والعلوم العسكرية للدولة، التي يعمل فيها، تعطيه الثقة للانطلاق في مختلف مجالات العمل، بحيث يكون مصدراً فاعلاً للمعلومات، وتكوين العلاقات العامة، التي تنعكس على التقارب بين الدولتين في المجالات العسكرية.

ونلاحظ هنا، أن مهمة الملحق العسكري للدول الكبرى، لا تنحصر فقط في حدود الدولة التي يعمل بها، ولكن له مهمة أخرى أكثر أهمية، وتتطلب فكراً وتخطيطاً دقيقاً، وهى متابعة علاقات تلك الدولة بالقوى العالمية الأخرى، التي تتنافس معها. فمثلاً الملحق الفرنسي، لابد أن يتابع العلاقات بين الدولة التي يعمل بها، والدول الكبرى الأخرى مثل الولايات المتحدة، وروسيا، وبريطانيا، وألمانيا.. الخ، وعليه أن يراقب تطور العلاقات، وصفقات التسليح، والبعثات التدريبية، والزيارات، وتأثير تلك الدول على تطوير القوات المسلحة في الدولة التي يعمل بها، ومدى اقتناع أفراد القوات المسلحة بالتعامل مع كل دولة كبيرة على حدة. وكل ذلك يكون مفيداً، عندما ترسم دولة، مثل فرنسا علاقاتها العسكرية مع كل دولة على حدة. وعلى نمط ما تفعله فرنسا، تكون مهام الملحقين العسكريين الآخرين للدول الكبرى، هي متابعة فرنسا، ضمن المتابعة العامة لكل القوى الكبرى، وهكذا.

أما العيوب: فتنقسم إلى قسمين، الأول، داخل الدولة، التي تعين الملحق العسكري، حيث يكون هذا الضابط شبه منعزل عن قواته المسلحة. كذلك، فإن ضباط القوات المسلحة في دولته، ينظرون إليه، بنوع من الغيرة، والحقد. أما الثاني، فمرده إلى أن تعود الضابط على روتين العمل في هذا المجال، ينعكس على أدائه، وآرائه، وعلاقاته، ومن ثم فإن حجم الإنجازات التي يؤديها تتناقص تدريجياً، وتكون محدودة، إذا قيست بمجال التنافس المفتوح بين ضباط أكفاء، على تنفيذ مهمة معينة.

5. الاختيار طبقاً لاعتبارات خاصة

هذا الأسلوب هو السائد، في الدول ذات الحكم الشمولي، كما أنه، أحد الأساليب، التي تتبعها بعض الدول الديموقراطية في تعيين ملحقين عسكريين طبقاً لاعتبارات خاصة تتعلق بالمنصب، من جهة، أو بمهمة محددة، من جهة أخرى.

ففي الدول ذات الحكم الشمولي: يكون لوظيفة الملحق العسكري، بريق خاص، مادياً ومعنوياً، وبما أن معظم الدول الشمولية، هي في الأساس دول حدثت فيها انقلابات عسكرية، وتولى الجيش السلطة على أثرها، فإن المجموعة، التي قامت بالثورة، وتولت الحكم، تنقسم إلى عدة أقسام. الأولى: هي المجموعة القائدة، وهي التي تحكم وتتولى السلطة، والثانية: هي التي تسيطر على الدولة من خلال قيادة مؤسساتها، والأخيرة هي التي تستمر في العمل في القوات المسلحة، على أن تكون لها الأفضلية في كل شيء، ووظيفة الملحق العسكري هي أحد المناصب المفضلة لدى بعض رجال القسم الثالث. بينما، قد يكون تعيين شخص في تلك الوظيفة، قُصد به إبعاده عن النظام في مرحلة ما، طبقاً لإرادة السلطة الحاكمة نفسها. ويجد هذا الشخص نفسه في وظيفة لم يكن يحلم بها، فيستقر ويرضى. وهذا الوضع لا يقتصر على الدولة الثورية، فهناك العديد من الدول، التي تمارس الحكم الشمولي ـ من دون أن تكون دولاً ثورية ـ وفى هذه الحالة، فإن الواسطة، وعدم الشفافية تلعب دوراً رئيسياً في تعيين الملحقين العسكريين، ليس من أجل تحقيق هدف محدد أو خدمة الدولة وقواتها المسلحة، ولكن من أجل توفير الرفاهية لهذا الشخص، وإرضاء غرور الشخص الذي "توسط له".

وهذا الأسلوب ليس له مميزات تذكر، بينما عيوبه أكبر كثيراً من أي عيوب أخرى، حيث سيستغل الملحق العسكري صفته الاعتبارية من أجل شخصه، وسوف يكون أداؤه ضعيفاً للغاية، ولن يحدث تطور في العلاقات العسكرية بسبب ضعف مجهوده، كذلك لن تتكون قاعدة معلومات عن الدولة التي يخدم بها، نتيجة لاضمحلال فكره.

أما الحالة الأخرى التي يعين فيها الملحق العسكري لاعتبارات خاصة، فهي حالة متكررة لدى معظم الدول، حيث تتطلب بعض المواقف، أن يعين شخص له صفات خاصة في منصب الملحق العسكري؛ لتحقيق هدف خاص أو محدد. وقد يكون هذا الهدف محدداً من دولته، وباختيارها، وقد يكون بالاتفاق بين دولتين على شخص محدد، يجدان فيه صفات فنية أو اعتبارية لتحقيق مهمة معينة.

وهذا الأسلوب، لاشك، له مميزاته في التفاعل من أجل تحقيق تعاون عسكري مشترك بين الدولتين، أو إنجاز مهمة معينة في وقت محدد، اتفقت عليه الدولتان.

ونخلص مما سبق، إلى أن اختيار الملحق العسكري، يخضع للعديد من الاعتبارات، ولا يوجد أسلوب واحد يحدد هذا الاختيار، ولكن يختلف الاختيار باختلاف نظام الدولة، ومستوى كفاءة قادة قواتها المسلحة، ومدى حرصها على التنسيق والتعاون العسكري مع الدول الأخرى، وكذلك حرصها على إيجاد مكان مناسب لها في نطاق الجهود العسكرية، التي تتفاعل حالياً مع العولمة، وتستخدم التكنولوجيات الحديثة.

ثانياً: تأهيل الملحق العسكري

عقب اختيار الملحق، تُتخذ الإجراءات لإعداده، لتولي مهام منصبه. وهذا الإعداد يأتي في صورة دورة علمية متنوعة، تستمر لعدة أشهر، يتم خلالها صقل مواهب الضابط، وتأهيله للقيام بمهام وظيفته بالصورة اللائقة، التي تعكس صورة العسكرية في دولته.

وتتنوع مواد التأهيل في الدورة، طبقاً للخبرة السابقة للملحق العسكري، وأهمية الدولة المرشح للعمل بها، والوقت المُتاح قبل سفره لمقر عمله.

والمسؤول عن تنظيم تلك الدورة، هي وزارة الدفاع، عن طريق إحدى هيئاتها أو إداراتها، وتسخر لها كل الإمكانيات لإنجاحها. وعند تأهيل الملحق العسكري، فإن مستوى المحاضرين أو المدربين، لابد أن يتناسب مع مستوى الملحق الجاري تأهيله. لذلك يُختار محاضرون على أعلى مستوى في العلم، وأرقى المعاهد لعقد الدورة بها (سواء كانت معهداً واحداً، أو تقسّم على عدة معاهد، أو يخصص لها مكان خاص يأتي المحاضرون إليه).

وتحتوي الدورة على تسعة موضوعات رئيسية، ينبغي أن يلم بها الملحق جيداً. وتنقسم في مضمونها إلى محاضرات وتدريبات عملية، وتنظيم لقاءات، وزيارات، وبحث علمي. وقد تختلف طبيعة الدورات من دولة إلى أخرى، وقد تزيد أو تنقص، ولكن ما يعرضه البحث، هو رؤية مثالية لما يجب أن يتدرب عليه الملحق العسكري، الذي لديه خلفية مناسبة من الثقافة والعلوم العسكرية والمدنية، التي تم اختياره على أساسها، وليتم صقل تلك الخلفية، من خلال الدورة.

1. الموضوع الأول: عن العمل الدبلوماسي ومفهوم الدبلوماسية

تتعدد العلوم الدبلوماسية، وتستند إلى قواعد ونظم وقوانين دولية، وأخرى وطنية. كما أن العرف الدبلوماسي والعادات والتقاليد الدبلوماسية، لها أصول وإجراءات، تحرص عليها الدول، وكل ذلك يجب أن يلم به الملحق العسكري من خلال محاضرات، يتولاها أساتذة في المعاهد الدبلوماسية، كذلك سفراء من وزارة الخارجية، وملحقون عسكريون سابقون مشهود لهم بالكفاءة. ثم تصقل تلك المحاضرات من خلال زيارات ميدانية، يقوم بها الدارسون إلى وزارة الخارجية، وبعض سفارات الدول الصديقة والشقيقة، كما يتم تدبير زيارة ميدانية، يقوم بها الملحق (الدارس) إلى ملحقية الدولة، التي سوف يعمل فيها (الموجودة في دولته)، للتعارف بين الملحقين، والاستفسار عن أمور قد يراها الملحق العسكري ضرورية. وهنا يجب أن يراعي الملحق الشروط الدبلوماسية في طرح الأسئلة طبقاً للبروتوكولات الدبلوماسية، كذلك يجب أن يظهر سعادته بالخدمة في تلك الدولة، ويطرح الأمور المختلفة من أجل تحسين العلاقات (والتي يجب أن يلقن بها قبل إتمام الزيارات). وستكون تلك المعلومات، هي أول ما يصل إلى الدولة، التي سيعمل بها.

ومن خلال دراسة موضوع " العمل الدبلوماسي"، يتعرف الملحق العسكري، على تنظيم ومهام المكاتب الفنية في السفارة، وعلاقته بها، وأسلوب تنظيم العمل بها، والتنسيق المطلوب لخدمة العمل الدبلوماسي بصورة عامة.

ومن خلال الدورة أيضاً، يُلم الملحق العسكري، بجميع القوانين، التي تنظم العمل الدبلوماسي، والمعاهدات التي تحدد حقوق الدبلوماسيين، ومعنى الحصانة الدبلوماسية، وكيف يتمتع بها ويصونها، وما هي الإجراءات السّلبية التي قد تؤدى إلى رفعها، أو ارتكاب فعل يؤدى إلى تعرض الملحق العسكري للطرد أو المساءلة، كما يجب أن يلم بقواعد وأسس القانون الدولي، التي تنظم العلاقات بين الدول. كما يتعرف على جميع المعاهدات والاتفاقيات التي أبرمتها دولته مع الدولة التي سيعمل بها، وكيف تسير خطوات تلك الاتفاقيات، والمطلوب تفعيلها بصورة أكبر.

2. الموضوع الثاني: وهو الأحداث الجارية، والمتغيرات الدولية

وخصوصاً المؤثّرة على دولته، أو الدولة التي سيعمل بها، وينقسم هذا الموضوع إلى ثلاثة موضوعات فرعية، يجب أن يتفهمها الملحق العسكري، ويلم بها جميعاً، وتنحصر في الآتي:

أ. المشاكل العالمية المعاصرة

وهى كثيرة ومتعددة، ولا تقتصر الدراسة على نوع واحد منها، ولكن ينبغي أن تكون شاملة، وتحتوى على المشاكل السياسية والاقتصادية، والاجتماعية والعسكرية، المؤثّرة في العالم المعاصر. ويجب أن يُعد المنهج ويدرّسه أساتذة متخصصون على مستوى عال من الكفاءة، ولهم رؤيتهم الثاقبة في العلوم السياسية والإستراتيجية، على أن لا يقتصر المنهج على طرح المشكلات فقط؛ بل تطرح الآراء في المتغيرات المستقبلية، وتأثيراتها على دولة الملحق بالإيجاب والسلب، وتأثيراتها على الدولة، التي سيعمل فيها الملحق.

وربما تكون هناك ضرورة لأن تشغل التحالفات الجديدة، والتجمعات العالمية والإقليمية، حيزاً مناسباًً في المشاكل العالمية المعاصرة، لأنها نتاج فاعل لمشاكل العولمة، والاقتصاد. ويكون من الأفضل، اختيار الأحلاف/ التجمعات، التي لها تأثير على دولة الملحق، والدولة التي سيعمل بها؛ للدراسة التفصيلية التي قد تنعكس آثارها في مجال عمله، وتجعله متابعاً جيداً للمتغيرات المختلفة، التي قد تؤثر على دولته.

ب. المشاكل الإقليمية المؤثرة على دولته

وتُدرس تفصيلياً على نهج دراسة المشاكل العالمية، ولكنها تحتاج إلى جهد أكبر، ومتابعة دائمة، لأن من مسؤوليات الملحق في الدولة التي يعمل بها، متابعة المتغيرات التي تؤثر على دولته، أياً كان حجمها، لأنها تتعلق بالأمن القومي المباشر، فضلاً عن أن المتغيرات الإقليمية لابد أن يكون لها انعكاسات ـ على درجات مختلفة ـ تؤثر على كل دولة في الإقليم.

ج. الأسلوب العلمي لتبني وجهة نظر دولته، تجاه كل المتغيرات

وهو أمر يتطلب أن يتفهم الملحق العسكري التوجُهات السياسية لدولته، من مصادرها الأصلية، الممثلة في وزارة الخارجية. فالإعلام لا يعكس بالضرورة وجهة النظر الحقيقية. ومعرفة الملحق العسكري لوجهة نظر دولته، تجعله شجاعاً في الدفاع عن قضية بلده، كما تمده بالقدر الكافي من المعلومات التي تساعده على التبرير الصحيح لوجهة النظر تلك. أما إذا كان يجهلها، فربما يخطئ في حق دولته - دون أن يشعر - نتيجة لاقتناعه بوجهة نظر أخرى، قد تكون مضادة.

على أن إمداد الملحق العسكري بوجهة نظر دولته في المشاكل المختلفة، يجب ألاّ ينقطع بعد سفره إلى مقر عمله، لابد من وجود آلية لإمداد الملحق بالحقائق، ووجهة النظر، وأُسلوب التصرف نحو قضايا بعينها، طوال فترة خدمته.

3. الموضوع الثالث: حضارة الدولة وأهميتها الجيوبوليتيكية

    يتعرض الملحق العسكري دوماً لأسئلة تدور حول هذا الموضوع، خصوصاً إذا كانت دولته ذات حضارة عريقة امتدت لآلاف السنين، ولها موقع إستراتيجي مؤثر. وإن لم يكن الملحق العسكري ملماً بهذا الموضوع إلماماً كاملاً، فسوف يقع في حرج هائل، وتهتز صورته أمام السائلين، سواء من الملحقين الأجانب، أو من المسؤولين في الدولة التي يعمل بها.

لذلك يجب أن تشمل الدورة التأهيلية، المعلومات الرئيسية عن حضارة الدولة وأهميتها الإستراتيجية، ويتولى تدريسها أساتذة مختصون على أعلى مستوى، وأن تقترن الدراسة بزيارات ميدانية لمظاهر الحضارة، حتى يستكمل انطباعها في عقل الملحق ووجدانه.

وهذا النوع من الدراسة يجب أن تشترك فيه زوجة الملحق العسكري، وأولاده الكبار، إذا كانوا سوف يسافرون معه، لأنهم يمثلون النصف الآخر لصورة الملحق. وتشتمل مناهج هذا الموضوع على العديد من الدراسات، أهمها:

أ. التاريخ القديم والحديث للدولة، وأهم الآثار التي تركها القدماء، وحالتها، ودلالاتها الحضارية، وكيف تستفيد منها الدولة؟ وما تأثير تلك الحضارة على العالم، وعلى الدولة نفسها؟

ب. الأهمية الإستراتيجية للدولة، وتأثيرها الإقليمي والدولي، وانعكاسات تلك الأهمية على الأحداث الجارية في العالم (سابقاً، ولاحقاً)، وكيف تطوع الدولة، تلك الإستراتيجية من أجل تحقيق مستوى متقدم للشعب.

ج. الحروب التي خاضتها الدولة، قديماً وحديثاً، وكانت لها ردود فعل إقليمية، وعالمية، على أن تشمل أسباب الحروب، ونتائجها، والدروس المستفادة منها. وعلى كل ملحق على المستوى العربي، أن يلم تماماً بتطورات الصراع العربي الإسرائيلي، منذ نشأته، حتى الآن، واحتمالات المستقبل، كذلك حرب الخليج، التي تزامنت مع متغيرات عالمية حادة وأصبحت جزءاً منها، وتفاعلت معها لتصبح نتائجها إحدى آليات المتغيرات الحديثة على مستوى العالم.

د. وتشمل الدراسة أيضاً العديد من الموضوعات الرئيسية المهمة، مثل المتغيرات الاقتصادية، وتوجه الاقتصاد الوطني في المستقبل، كذلك التكوين الجغرافي، والديموجرافي للدولة، والتطور المستقبلي لهذه التكوينات، ويجب أن تشمل أيضاً المعرفة الكاملة بالثقافة، والفن القديم والمعاصر.

هـ. وفى كل تلك الدراسات، يُفضل أن يجمع الملحق العسكري عدداً مناسباً من المراجع، التي سوف يستفيد منها خلال اطلاعه المستمر، وكذلك الكتيبات والنشرات التي يمكن توزيعها على الأجانب في المناسبات المختلفة، لتوضيح صورة دولته وحضارتها.

4. الموضوع الرابع: موضوعات التعاون العسكري

هي الموضوعات يمكن أن تشكل أرضية مشتركة، في مجال التنسيق المستقبلي بين دولة الملحق، والدولة المعتمد لديها، ويأتي في مقدمة تلك الموضوعات:

أ. الصناعات الحربية في الدولة، والمميزات التي تتحلى بها تلك الصناعات، والتكنولوجيات التي يحملها الإنتاج الحربي، وإمكانيات بيع تلك الأسلحة والمعدات إلى الدول الأجنبية، والشروط والمبادئ، التي توضع لتنفيذ الاتفاقيات المختلفة. كذلك على الملحق العسكري أن يتعرف على الصناعات العسكرية في الدولة المعتمد لديها، وهل هناك مجالات يمكن التعاون من خلالها بين الصناعات العسكرية في دولته، والدولة الأخرى.

وتكون الدراسة هنا نظرية من خلال محاضرات، وتدعم بزيارات ميدانية لمشاهدة المصانع المختلفة. كما يزود "بكتالوجات" توضح الصناعات الحربية المختلفة، ومميزاتها.

ب. التدريبات المشتركة، التي تقام على أرض الدولة، وتشارك فيها دول أجنبية. فعلى الملحق أن يلم بموضوعات التدريب، ومستوى المشاركة، والتقنيات المستخدمة، وإمكانية مشاركة دول أخرى، وأساليب تلك المشاركة، من ناحية الاتفاقيات والبروتوكولات، والتوقيتات. ويجب أن يوضح للملحق ضرورة، أو إمكانية مشاركة الدولة، التي يعمل بها في تلك التدريبات، حتى يكون على بينة، عندما يُطرح عليه هذا الموضوع في الدولة التي يعمل بها.

ج. المعاهد العسكرية في الدولة، التي تسمح بالتحاق دارسين أجانب بها : ذلك أن التعاون العسكري الإقليمي أصبح مهماً في عصرنا، وأقل مظاهره التحاق دارسين في المعاهد العسكرية للدولة المتقدمة. لذلك، فإن معرفة الملحق العسكري للشروط، التي تحددها دولته لهذا الغرض، تكون مهمة، سواء عند طرحه الموضوع على المختصين في الدولة المعتمد لديها، أو عند طلبهم هم إلحاق دارسين.

وهناك العديد من الموضوعات العسكرية الأخرى، التي قد تختلف من دولة إلى دولة أخرى، ولكن تصب في النهاية في اتجاه تحقيق الهدف؛ لإيجاد أرضية مشتركة للتعاون العسكري، يكون الملحق العسكري، المنسق الرئيسي لها.

5. الموضوع الخامس: اللغات الأجنبية

من المفيد أن يتقن الملحق العسكري وزوجته، لغة الدولة التي يعمل بها، حتى يسهل عليه التعايش اليومي في مجال عمله، ومجاله الاجتماعي، ويتمكن من الاطلاع على معظم وسائل الإعلام، ويتبادل المناقشة مع المسؤولين، أو الفئات المحيطة به بسهولة، ويتعرف على واقع ميدان العمل عن قرب، وبفهم كامل.

كذلك على الملحق العسكري أن يلم بإحدى اللغتين الإنجليزية، أو الفرنسية (طبقاً لمنطقة العمل)، حتى يستطيع التفاهم مع أقرانه من الملحقين العسكريين، ومع البعثات الدبلوماسية المختلفة.

6. الموضوع السادس: البروتوكول

البروتوكول لغة عالمية، وآلية على مستوى راقٍ للتعامل في المجالات الرسّمية، مثل اللقاءات، والحفلات والمآدب، والأعياد، والمكاتبات، ولغة التخاطب، واحترام الأقدميات، وأسلوب التعامل…… الخ، والإلمام به، وتنفيذه، يعطي قيمة حضارية للملحق العسكري، ويجعله محترماً في الأوساط الدبلوماسية المختلفة. كما أن الأخطاء في البروتوكول قد تسبب أزمة دبلوماسية، قد تتصاعد لمستوى أزمة بين دولتين.

لذلك، فإن دراسة البروتوكول، يجب أن يركز عليها جيداً بواسطة اختصاصيين مشهود لهم بالكفاءة، وملحقين عسكريين سابقين وزوجاتهم، لتأهيل الملحقين الجدد وزوجاتهم أيضاً.

ويكون من ضمن الدروس العملية للبروتوكول، أن يقيم الملحقون الجدد حفلات رسمية، يطبقون فيها الأسس البروتوكولية التي تعلموها، ويتم تقويم الملحق وزوجته بناء على تلك الحفلة، كذلك يمكن عقد لقاءات للتدريب على تلك الأسس.

وخلال الفترة التدريبية، فإن على الجهة القائمة بالتدريب، بالتنسيق مع وزارة الخارجية، أن تنظم حضور الملحقين الجدد لحفلات السّفارات، أو الملحقيات العسكرية بأعيادها القومية، حتى يتعودوا على التصرف في تلك المواقف، ويشاهدوا بأعينهم التنظيم البروتوكولي لمثل تلك الاحتفالات.

7. الموضوع السابع: الأمن الشامل

    يُعد عمل الملحق العسكري عملاً حساساً، وهو شخص مستهدف أمنياً، من خلال المراقبة، المتنوعة الأشكال، من الدولة التي يعمل بها، أو من الدول الأجنبية المعادية، التي قد تخطط لتصفيته جسدياً. لذلك، فإن تدريب الملحق على موضوعات الأمن يُعد أمراً أساسياً في أثناء فترة الإعداد. والموضوعات الأمنية الرئيسية، التي ينبغي أن يلم بها الملحق العسكري، تتلخص في الآتي:

أ. تأمين نفسه وأسرته، من خلال التصرف على أساليب اكتشاف المراقبة، والهروب منها، وسرعة اكتشاف الإجراءات المريبة التي تدور حوله، وتنظيم لقاءاته، وتحركاته، والتحري عن الأشخاص المحيطين به، أو الذين يطلبون مقابلته… وما إلى ذلك.

ب. تأمين المكتب والمنزل، والتأكد من خلوهما من أي أجهزة استماع دقيقة. كما يجب أن يكون المكتب والمنزل في مناطق يصعب تنظيم المراقبة المستديمة لهما، وأن يكونا محاطين بسور بارتفاع مناسب، ولهما بوابات حديدية محكمة الإغلاق. كما يجب أن يستخدم الملحق الوسائل التقنية الحديثة في التأمين، بما يحقق صعوبة الاختراق من أي جهة كانت.

ج. تأمين الحقيبة الدبلوماسية، وهى دائماً معرضة للفتح من قبل أجهزة المخابرات في الدولة المعتمد لديها، فيما لو تركت دون رقابة محكمة حتى صعودها الطائرة، وقيام الطائرة فعلاً برحلتها. وفى حالة دولة مثل الولايات المتحدة، فإن الحقائب الدبلوماسية، تُرسل في صحبة مسؤول أمني في السفارة، للتأكد من عدم تعرضها للفتح.

د. تأمين الاتصالات بين المكتب، وبين النطاق الخارجي، سواء المحلي في الدولة، التي يعمل بها، أو بينه وبين دولته.

هـ. مراقبة أفراد المكتب أنفسهم، وتصرفاتهم، خشية تجنيدهم بواسطة أجهزة مخابرات أخرى، للتجسس على الملحق نفسه (بمعنى الاختراق من الداخل).

8. الموضوع الثامن: تكليف الملحق بإعداد دراسة عن الدولة، التي سوف يعمل بها

وهو تكليف يتم من بداية الدورة التأهيلية، وتجري مناقشته في نهايتها. ويترك للملحق (الباحث) فترة مناسبة لإعداد الدّراسة، من خلال المراجع المتعددة، وقراءاته المختلفة، والدراسات الميدانية السابقة، واللقاءات التي تتم خلال الدورة التدريبية، والأسس التي درسها خلال الدورة.

وتأخذ الدراسة، شكل البحث الأكاديمى، ويعين لها مشرف، ولجنة مناقشة، تكون أول تقويم للملحق في ميدان عمله. وتتكون الدراسة من:

أ. الأهمية الجيوبوليتيكية للدولة، ومدى تأثير الموقع على إقليمها، وعلى العالم، وكيف تستفيد "دولة الملحق" من تلك الأهمية مستقبلاً، بعد إجراء مزيد من التعاون في المجالات المختلفة، ومنها المجال العسكري.

ب. الوضع الديموجرافي في الدولة، وتأثير التّجمعات السكانية، والأقليات، على الدولة، ودور الفرد في مجتمع تلك الدولة، والمشاكل والأزمات التي يتسبب فيها الأفراد.

ج. اقتصاد الدولة، ومستوى المعيشة، وانعكاسه على قدرة الدولة.

د. القدرة العسكرية، وتأثيرها على الدولة، وتوازنها الإقليمي.

هـ. حضارة الدولة، وثقافتها، وكيفية الاستفادة منها.

و. علاقة الدولة، بدولة الملحق.

ز. الاستنتاجات والتوصيات، وتكون أحد الأسس التي سوف تعتمد عليها القاعدة في تكليفه بالمهام، تجاه تحسين العلاقات العسكرية بين الدولتين.

9. الموضوع التاسع: التطبيق العملي للأسس النظرية، التي يتلقاها الملحق العسكري

وتتم من خلال زيارات متعددة لكل المعالم، التي ذكرت في المحاضرات النظرية، وتعدد لقاءات الملحق العسكري بالدبلوماسيين والملحقين العسكريين المعتمدين في دولته، من خلال ترتيبات تنظمها الهيئة العسكرية المسؤولة عن ذلك في دولته.

    في الوقت نفسه، يجب ترتيب زيارة ميدانية للملحق العسكري، إلى الدولة التي سوف يعمل بها، حتى يتعرف على نواحي الحياة بها، وأسلوب الملحق السابق في إدارة العمل، وأصدقائه وأعضاء السفارة، والجهات الرسمية التي لها ارتباطات تعاون مع دولته. وكل ذلك سوف يفيده بلا شك، عندما يتسلم العمل رسمياً ملحقاً عسكرياً.