إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / أسس ومبادىء الأمن الوطني





نموذج مجموعة دول
نموذج لعدة منظمات
نموذج دولة واحدة
مهددات الأمن الوطني
هرم ماسلو
مستويات الأمن الوطني
الأمن القومي والسياسة الوطنية
تأثر الأمن الجماعي
تسلسل صياغة الالتزامات الأمنية
دور الدولة في حماية الأمن

نظرية ماهان
نظرية ماكيندر
نظرية القوى الجوية
نظرية سبيكمان



أُسُس ومبادئ الأمن الوطني

أولاً: علاقة الأمن الوطني، بالمصطلحات الوطنية الأخرى

يمتلئ الحقل السياسي بالعديد من المصطلحات، وهي ذات علاقة متشابكة مع بعضها ببعض. بـل إن بعضاً منها يمتد ليتعدى الأسوار السياسية، كما تمتد النباتات المتسلقة، ليتشابك من مصطلحات أخرى في الحقول المجاورة. هذه العلاقة المتشابكة، فرضت ضرورة التعرف عليها، ومعرفة اتجاهها، حتى يمكن فهم المصطلحات، والقصد منها بشكل أفضل، والتوصل إلى حقيقة المفاهيم والتعريفات، كما أراد قائلها وما كانوا يعنوه بها في وقتها.

   تمثل العلاقة بين المصطلحات، البيئة المحيطة بها، وهي التي تمكن من رؤيتها بشكل طبيعي صحيح، فهي الوسط الفني التي تستوعب من خلاله. فالفهم المجرد للمصطلح، خارج تلك البيئة، قد لا يعطي الانطباع السليم، خاصة لغير المتخصصين، وهو ما يصعب معه الاسترسال في متابعة الموضوع، وتقل درجة التركيز فيه، ثم تتناقص حتى تتوقف، دون أن تتعدى قراءة الصفحات الأولى، ليستبعد الموضوع عن دائرة الاهتمام.

1. الأمن الوطني والإستراتيجية الوطنية National Strategy

وضع عدد من الباحثين تعريفات للإستراتيجية، كل منها اتجاهاً خاصاً، يقيس اتجاه مجرد من وجهة نظر قائلها. إلاّ أنها في مجملها انقسمت إلى اتجاهين، الأول كان يقتصر على الجانب العسكري من الإستراتيجية ونما مفهومه في كنف العسكرية والحروب. أما الاتجاه الثاني، فقد كان أوسع إدراكاً، وأشمل تحديداً ليتضمن كل القدرات التي يمكن استغلالها. وهو اتجاه عصري، ظهر عندما وضح أن هناك قوى فاعلة أخرى غير القوة العسكرية (السياسة، الاقتصاد، المجتمع).

ومن تعريفات الاتجاه الأول الشهيرة، تعريف الجنرال البروسي كارل فون كلاوزفيتز Carl Von Clausewitz[1]، الذي عرّف الإستراتيجية بأنها "فن استخدام المعارك، كوسيلة للوصول إلى هدف الحرب، فالإستراتيجية تضع مخططات الحرب، والتطور المتوقع للمعارك الحربية، كما تحدد الاشتباكات التي ستقع في كل معركة". وكان الجنرال فون مولتكه، رئيس هيئة الأركان العليا الألمانية وصاحب الخطط الإستراتيجية الشهيرة قبل الحرب العالمية الأولى، أكثر وضوحاً حيث وضع تعريفاً أفضل من سابقه، وإن اقتصر على الجانب العسكري للإستراتيجية فقط، يقول: "إنها إجراء الملاءمة العلمية للوسائل الموضوعة تحت تصرف القائد، إلى الهدف المطلوب". ويعني ذلك مطابقة الأهداف مع الإمكانات المتيسرة.

أما تعريفات الاتجاه الثاني، فمن أشهرها تعريف ميجور جنرال د. ك. بالت، الهندي الجنسية، وأحد مشاهير الكتاب العسكريين المعاصرين، الذي تناول تعريفه المفهوم الواسع للإستراتيجية، بأنها "فن تعبئة وتوجيه موارد الأمة (أو مجموعة من الأمم) لدعم وحماية مصالحها من أعدائها الفعليين أو المحتملين". وهي بهذا الشكل المبسط، تعد أفضل توزيع للإمكانات المتاحة، لاستخدامها الاستخدام الأمثل، لتحقيق الهدف (الأهداف). والإمكانات المتاحة هي قوى الدولة، التي تكوّن موارد الأمة المشار إليها في التعريف، (القدرات السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والاجتماعية، والمعنوية) والتنسيق بينها سلماً وحرباً، لتحقيق أهداف وغايات الدولة الوطنية. وهي بذلك تستخدم أبعاد الأمن الوطني وأدواته (التي هي نفسها تلك القوى الخمس)، التي بتحقيقها تتحقق أهداف الأمن الوطني.

ويتوافق تعريف الإستراتيجية، في الاتجاه الثاني، مع تعريف مفهوم الأمن القومي. حيث يشمل كل منهما عدة قوى. لذلك كان تعريف الجنرال الفرنسي الشهير أندريه بوفر، عن الإستراتيجية: "أنها استخدام الإمكانيات القومية المتاحة تحت جميع الظروف، من أجل إنتاج أقصى سيطرة ممكنة على العدو، عن طريق التهديدات، بهدف تحقيق مصالح الأمن الوطني للدولة". وهو التعريف الذي يوضح مدى ارتباط مصطلحيّ الأمن الوطني والإستراتيجية، باستخدامهما الأدوات نفسها، وهي الإمكانيات القومية المتاحة (السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والاجتماعية، والمعنوية).

ويعكس ذلك تصوراً خاصاً للعلاقة بين المصطلحين، يمكن التعبير عنها بأنها تجسيد للأمن الوطني، بخططه ومبادئه. حيث تستخدم الإستراتيجية أبعاد الأمن الوطني السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والمعنوية، وهي نفسها الإمكانات والقدرات التي تحسب الشامل للدولة في إطار مجموعها، ثم تعكس مكونات الأمن الوطني في إستراتيجيات تخصصية للأبعاد نفسها، أي أن الإستراتيجية الوطنية هي تطبيق عملي لنظرية الأمن الوطني.

2. الأمن الوطني، والسياسة الوطنية العليا National Policy

تعرف السياسة الوطنية العليا بأنها، "الموائمة بين الغايات والأهداف الوطنية، وبين الإمكانات والقدرات الفعلية، بما يحقق توجه قوى الدولة، لتحقيق أمنها الوطني". ويصيغ صانعوا القرار[2] عادة السياسة الوطنية العليا، في ضوء الأهداف والغايات الوطنية، خلال مرحلة محددة. وقد يكون التحديد المرحلي زمنياً، أو فترة حكم بعينها، أو خلال حدث وطني هام يجري الإعداد له. ويتفرع من السياسة الوطنية العليا، سياسات تخصصية في مجالات مختلفة. تشمل كل مجالات الأمن الوطني وأبعاده. ومن تلك السياسات تتفرع الإستراتيجيات المتخصصة، التي هي مرتبطة أصلاً بالإستراتيجية الوطنية النابعة من السياسة الوطنية العليا، وهو ما يضمن ـ عند تحقيقها ـ تحقيق النتائج المستهدفة للأمن الوطني. (اُنظر شكل الأمن القومي والسياسة الوطنية)

3. الأمن الوطني، والقوى الشاملة للدولة

تحسب قوة الدولة، بتجميع كافة الإمكانات، وتأثيراتها الإيجابية والسلبية. وهو ما تعارف عليه بأنها ناتج تجميع القوى المختلفة للدولة، السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، والجيوبولتكية بكل سماتها وخصائصها (قوتها وضعفها)"، وهو ما ينتج عنه تأثيرات إيجابية للسمات القوية فتحسب بالإضافة، وأخرى سلبية للسمات الضعيفة يتم حسابها بالخصم، ويكون الناتج النهائي هي محصلة كَمْيّة تسمى "قدرة الدولة على تحقيق مصالحها في المجتمع الدولي وفي التأثير على غيرها".

مقارنة تلك المحصلة أجمالاً، أو مقارنة مفرداتها (القوى الشاملة) مع نظيرها لدولة أخرى، يُمكِّن من قياس قوة الدولة وقدراتها في المجتمع الدولي، أو مقابل خصومها.

ويشترط عند قياس قوة الدولة الشاملة، ثبات معيار القياس المستخدم، حتى تكون نتائج المقارنة صحيحة، وذات دلالة هادفة. وهناك عدة معايير للقياس، والاختلاف بينها، هو اختلاف العناصر الأساسية المستخدمة في القياس، نوعاً وعدداً، باختلاف العلماء المُنَظِّرين. حدد العالم فوكس Fucks متغيرين لحساب قوة الدولة الشاملة من خلال العلاقة بينهما، بينما وضع العالم جيرمان German مصفوفة رياضية من 26 متغيراً، في أربعة عناصر أساسية، هي: السكان، والموارد، والمساحة، وقوة العمل. واعتمد العالم الأمريكي كلاين Ray Cline على خمسة متغيرات، هي: الكتلة الحيوية[3] والقدرة الاقتصادية، والقدرة العسكرية، والهدف الإستراتيجي والإرادة القومية.

ويضيف بعض الأكاديميين العسكريين متغيرين آخرين، هما القدرة الدبلوماسية، وقدرة ممارسة النفوذ، دولياً وإقليمياً. ويتضمن النموذج المصري الأكاديمي سبعة عناصر أساسية متغيرة، يشتمل كل منها على العديد من التفاصيل الدقيقة ليمكن قياسه كمياً، قبل أن توضع القيمة في النموذج الرياضي التالي[4]:

P. P. = (C + E + M + I) x (S + W + D)

حيث:

P. P = قوة الدولة المدركة (إجمالي القوى الوطنية الشاملة) Total Percieved Power

C = الكتلة الحيوية Critical Mass

E = القدرة الاقتصادية Economic Capability

M     =     القدرة العسكرية Military Capability

I   = قدرة ممارسة النفوذ دولياً وإقليمياً Image (Influence)

S = الهدف الإستراتيجي للدولة Strategic Purpose

W     =     الإرادة القومية Will to pursue national strategic

D = القدرة الدبلوماسية Diplomacy Capability

ويُدرس كل قدرة من كافة مكوناتها، في منظور إقليمي متكامل.

إنّ العناصر المقاسة قيمياً، والموضوعة في النموذج الرياضي، ما هي إلا متغيرات القوى الوطنية، التي هي أبعاد الأمن الوطني. وهي بذلك تحول الأمن الوطني إلى قيمة حسابية ضمناً. كما تُهيئ مفرداتها التفصيلية، دراسة وافية لأبعاد الأمن الوطني، التي منها تتحدد السياسات المتخصصة (لكل بُعد)، والإستراتيجيات المتخصصة النابعة من السياسات. ويصيغ صانعوا القرار، الإستراتيجية الوطنية على أساس حساباتهم للقوى الوطنية الشاملة، وسياسات الأمن الوطني لها[5].

4. الأمن الوطني وإعداد الدولة للدفاع

يتطلب إعداد الدولة للدفاع تنفيذ خطة عامة (مركزية)، وخطط مرحلية تخصصية، تهدف جميعها إلى تأمين قطاعات خاصة بالدولة، وحشد طاقات قوى بعينها، كذلك، لصد أي عدوان خارجي، أو الاستعداد له.

ويشمل إعداد الدولة للدفاع، عدة عناصر أساسية، هي:

أ.  إعداد السياسة الخارجية للدولة.

ب. إعداد القوات المسلحة.

ج. إعداد الاقتصاد الوطني.

د.  إعداد أراضي الدولة.

هـ.   إعداد أجهزة الدولة.

و. إعداد الشعب.

وتهدف خطط الإعداد، إلى تأمين تلك العناصر، وكذلك ردع الاعتداء ومجابهته بحسم، والانتصار عليه في أقصر وقت، وبأقل خسائر. وتلك الخطط، هي استخدام آمن لقوى الدولة الشاملة، التي هي (كما سبق القول) أبعاد الأمن القومي (سياسية واقتصادية وعسكرية ـ واجتماعية، وجيوبوليتيكية). فيكون إعدادها للدفاع وتأمينها، هو تأمين لأبعاد الأمن الوطني في إطار إستراتيجية وطنية.

5. الأمن الوطني وتوازن القوى Balance of Power والردع Deterrence

يُعَرّف الردع على أنه "فن استخدام الوسائل والقوى لتحقيق الهدف، دون الوصول إلى مرحلة الاشتباك. ويكون هدف الردع، منع أي قوة معادية من اتخاذ قرار باستخدام الأسلحة، أو منعها ـ أي القوة المعادية ـ من الإقدام على فعل (أو رد فعل) إزاء موقف معين. ويفشل الردع عندما يبدأ القتال".

وتعريف الردع كان يرتكز على المفهوم العسكري فقط ثم طور ليشمل كافة قوى الدولة السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والاجتماعية) التي زادت فعالياتها، وأصبحت ذات تأثير واضح على قرارات الدول. فمنع الخصم من الإقدام على فعل، أو رد على فعل، إزاء موقف محدد، بالتلويح باستخدام إحدى أو بعض قوى الدولة ضده، هو أحد أشكال الردع بالمعنى المتطور.

يُعَرّفْ توازن القوى، بأنه: "الحالة التي يتعذر على الأطراف في ظلها اللجوء إلى استخدام القوى (أي كان نوعها) لفض المنازعات. وإذا اضطرت لذلك، فيكون في أضيق الحدود". لذلك، فإن ممارسة سياسة ما (حسب تخصصها اقتصادية أو عسكرية أو اجتماعية أو سياسية) بلا قوة تساندها؛ يفقدها مصداقيتها، وتحقيق التعادل بين الأطراف المتنازعة في القوى المختلفة (التوازن)، يحقق الاستقرار، الذي لا بد له من قوة، فهي التي تحقق الردع.

ويُدخل توازن القوى في حسبانه، المؤثرات العديدة على مكونات القوى. لذلك، فإن ظهور خللٍ في توازن القوى، يعني خللاً في القوى المختلفة (أو إحداها)، وهو يعني تلقائياً تهديداً للأمن الوطني، الذي تكون أبعاده هي القوى نفسها، وهو الأمر الذي لا يمكن الاستعاضة عنه، باستعارة قوى من دول أخرى (تحالف)، فإنه يقع تحت طائلة خطرين بدلاً من واحد، فسوف يهدد الدولة الخطر الأول، الناتج عن خلل القوى أصلاً، والخطر الثاني، الناتج عن تدخل الحليف باستخدام قواه وقدراته لإحداث التوازن المطلوب، خاصة عندما يكون الحليف أجنبياً، ذا مطامع، وأن تكون معونته بالوجود داخل الدولة، في أي بعد كان.

6. الأمن الوطني والمجال الحيوي للدولة

يرتبط مفهوم المجال الحيوي أساساً، بظاهرة الاستعمار الغربي لدول العالم الثالث في آسيا وأفريقيا، وفرضها السيادة والهيمنة على مناطق الثروات الطبيعية بهما، منذ عصر الكشوف الجغرافية، حتى القرنين الأخيرين في أشكال متعددة شملت الاحتلال والاستيطان والحماية والتحالف والتعاهد، ولجأت إلى تقسيم القارتين إلى مناطق إقليمية، تشكل بالنسبة لتلك الدول الأوروبية المستعمرة، مجالها الحيوي، الذي تتحرك وتتفاعل فيه مع المنطقة، للوصول لأقصى استغلال مفيد من وجهة نظرها الخاصة، مانعة تداخل أي قوى أخرى معها في هذا المجال، وإلاّ فإن الصدام المسلح واقع لا محال.

تخلق السياسة المجالات الحيوية طبقاً للمصالح، التي أساسها في عصر الاستعمار الغربي اقتصادي وتجاري. ثم يتطلب الأمر تأمين تلك المجالات، من خلال إستراتيجيات للسيطرة والنفوذ والسيادة والحروب. وقد يصل الأمر إلى إعادة تنظيم المنطقة المتداخلة والمؤثرة في المجال الحيوي، بما يضمن تلك المصالح. وتتشابك الإستراتيجيات والسياسات، لكونها محصلة لأهداف وطنية واحدة، لتضع أسس تأمين المجال الحيوي ضمن خططها الرامية، إلى تأمين الدولة ذاتها من العدائيات، وهو ما يُدخل المجال الحيوي في الأبعاد الأمنية الوطنية ومجالاته، على أن تهديدات المجال الحيوي تكون أسبقياتها أعلى، لكونها مؤشراً لتهديد مصالح الدولة.



[1] جنرال بروسي، وكاتب عسكري، ومنظّر إستراتيجي، مؤلف كتاب "فن الحرب".

[2] يقصد بهم القيادة والسلطة التنفيذية بالدولة.

[3] تشمل السكان والإقليم.

[4] النموذج العربي للقوة الوطنية للدولة لكلية الدفاع الوطني، أكاديمية ناصر العسكرية العليا المصرية.

[5] النموذج العربي للقوة الوطنية للدولة لكلية الدفاع الوطني، أكاديمية ناصر العسكرية العليا المصرية.