إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / أسس ومبادىء الأمن الوطني





نموذج مجموعة دول
نموذج لعدة منظمات
نموذج دولة واحدة
مهددات الأمن الوطني
هرم ماسلو
مستويات الأمن الوطني
الأمن القومي والسياسة الوطنية
تأثر الأمن الجماعي
تسلسل صياغة الالتزامات الأمنية
دور الدولة في حماية الأمن

نظرية ماهان
نظرية ماكيندر
نظرية القوى الجوية
نظرية سبيكمان



الفصل الثاني

ثانياً: مجالات الأمن الوطني

يهتم الإنسان بتأمين نفسه ضد الاعتداءات المؤذية والضارة، وهو لذلك يسعى لتأمين جسده وشعوره ضد تلك العدائيات. وهو ما يمثل المجال الأول للأمن (المجال الداخلي)، شاملاً جزءاً مادياً (تأمين الجسد) وآخر معنوياً (التأمين النفسي). كما يهتم الإنسان، في أولوية تالية، بكل المؤثرات الخارجية، التي قد تعترض مطالبه، وتعوق حصوله على احتياجاته الحيوية، من مأكل ومشرب وملبس ومأوى، ثم وظيفة وهيبة اجتماعية، ثم رفاهية العيش ورغدة، والسعادة والهناء، ويمثل ذلك المجال الثاني للأمن (المجال الخارجي)، الذي يتضمن كل العلاقات التي يقيمها الإنسان لتأمين الحصول على احتياجاته الضرورية. والتجمعات (المنظمات والمؤسسات)، مهما اختلفت توجهاتها، أو أنشطتها، فلابد لها من تحديد مجاليها الأمنيين، الداخلي والخارجي.

1. المجال الداخلي لأمن الدولة الوطني

يشمل هذا المجال، على مستوى الدولة، إقليم الدولة نفسها، داخل حدودها السياسية، التي إذا انطبقت مع الحدود الجغرافية الطبيعية، تكون أكثر مثالية من حيث الأمن، لأن الدولة، في هذه الحالة، تتوفر لها عوائق طبيعية مانعة (نسبياً)، تحقق الأمن للسكان من الأخطار الخارجية (الهجرات والغزوات)، وهو ما ينطبق على شبه الجزيرة العربية، التي يحيط بها البحار من اتجاهات ثلاثة (الخليج العربي شرقاً، بحر العرب جنوباً، البحر الأحمر غرباً) كما أن ما يلي تلك البحار أراضٍ صحراوية شاسعة، امتدت شمالاً كذلك، لتكمل متطلبات الأمن (في العصور القديمة والوسطى).

ويلحق بهذا المجال، ما ينتقل منه إلى الخارج (بصفة مؤقتة)، ليمتد المجال الداخلي إلى خارج الحدود السياسية. فعندما ينتقل بعض المواطنين إلى خارج دولتهم، فإن أمنهم الداخلي، يظل تابعاً، ومسؤولية دولتهم توفير الحماية الآمنة لهم في موقعهم[1]. وعندما ينتقل بعض المتمردين أو المعارضين سياسياً، أو حتى المجرمين (جنائياً) إلى خارج الدولة، فعلى الدولة أن تلاحقهم، حتى لا تقوى شوكتهم، أو يروعوا مواطنيها في الخارج. وفي تلك الحالة، لا تكون الملاحقة مطلقة، وإنما يحكمها وينظمها، القوانين والأعراف الدولية، والاتفاقيات والمعاهدات، بين الدولة والدول، التي يقدر المسؤولون بالدولة، خطورة لجوء هاربين إليها.

2. المجال الخارجي لأمن الدولة الوطني

يتسع هذا المجال، ليتخطى حدود الدولة السياسية، ويشمل المناطق التي بها مصالح الدولة واهتماماتها في الأبعاد الأمنية كلها (سياسية، واقتصادية، وعسكرية، واجتماعية، وجيوبوليتيكية)، وكذلك المؤثرات على عناصر الأبعاد الأمنية. وهو بخلاف المجال الداخلي، تتغير حدوده واتساعه بتغير محدداته.

يُقَسّم المجال الخارجي، لسهولة التعامل مع مكوناته الكثيرة، إلى بعد جغرافي قريب (مجال خارجي إقليمي)، قد يكون متعدداً، فمثلاً يمكن لدولة مثل مصر، أن يكون لها مجال خارجي إقليمي عربي وآخر أفريقي، وثالث إسلامي، ورابع متوسطي، وخامس نيلي، وسادس بحر أحمري، وهكذا، وكلها أبعاد جغرافية قريبة مادياً (نسبة للمسافة) أو قريبة معنوياً (نسبة للأهمية، مثل المجال الإسلامي)[2]. والقسم الآخر هو البعد الجغرافي الأبعد، أو الأكثر شمولاً، بحيث يضم معه المجالات الإقليمية الخارجية، وهو المجال الخارجي الدولي. وقد زادت أهمية هذا المجال بتطور وتقدم المواصلات والاتصالات، وأصبحت العوامل والأحداث البعيدة (مسافة أو أهمية) ذات تأثير على الأمن الوطني (أو في أحد مكونات أبعاده).

وتشمل الدراسات الأمنية، عادة، المجالين الداخلي والخارجي، لأهميتها في تحديد المؤثرات على أبعاد الأمن الوطني. كما أن مخططي السياسات والإستراتيجيات، يضعون في اعتبارهم المجالين، عند صياغة الأهداف والغايات الوطنية، وما ينبع منها من سياسات وإستراتيجيات وطنية ومتخصصة.

3. دوائر الأمن الوطني

يُقَسّم بعض المنظرين الأمن الوطني إلى دوائر، متخذين من المصالح الوطنية، والعلاقات الدولية للدولة أساساً للتقسيم. فالدائرة الكبرى للأمن الوطني، يُمثلها الأمن الدولي (أمن جماعي ـ مجال خارجي دولي). والصراعات الإقليمية والعلاقات مع الدول القريبة، ترسم حدود دائرة اهتمام أكثر خصوصية للأمن الوطني، في علاقة محددة (أمن إقليمي ـ مجال خارجي إقليمي)، وعندما تقفل دائرة الاهتمام على دول تجمعها صفات أساسية واحدة، أو مصالح مشتركة، فهي دائرة اهتمام خاصة بقومية محددة، أو تجمُع محدد (أمن قومي ـ مجال خارجي إقليمي كذلك)[3]. وأصغر الدوائر، هي أشدها خصوصية، ويقصد بها الدائرة المحلية لدولة (أمن محلي ـ مجال داخلي) أو عدة دول (أمن دون الإقليمي ـ مجال داخلي لإقليم أو تجمع)، وتكاد تنطبق هذه الدائرة على الحدود السياسية للدولة (أو عدة دول).

وتتعلق دوائر الأمن الوطني، بمجالات اهتمام الدول، أو عدة دول، أو منظمة، أو حلف أو اتحاد، في مساحة مكانية محددة، تشمل كل أبعاد الأمن، أو بعضاً منه، طبقاً للمصلحة الوطنية المطلوب تحقيقها، أو تأمينها.

4. علاقة الأمن الوطني، بالأمن القومي

بعض الدول، يتماثل لديها المفهوم اللغوي للفظي "وطني"، و"قومي"، فتطلق اسم الأمن القومي، على أمن الدولة، وأمن مجموعة دول كذلك، من دون تفرقة. فلا يعني لديها الأمن القومي أي مدلول على قومية بذاتها. بينما تفضّل دول أخرى الفصل بين التسميتين، فهي تخص "بالأمن الوطني" مفهومها لأمن نفسها (الدولة) وإجراءاتها للحفاظ على كيانها ومصالحها، في حدود ما تسمح به قدراتها. بينما تعني "بالأمن القومي" أمن مجموعة من الدول، ذات مصلحة مشتركة، وما تنفذه من معاهدات وتنظيمات لوقاية مصالحها المشتركة، حماية لها ضد الغير. وفي كلا المفهومين، فإن مراعاة المتغيرات الخارجية (الدولية والإقليمية ) تكون محل الاعتبار.

ويضيف بعض الدارسين تحليلاً جوهرياً، للتفريق بين الأمن الوطني. والأمن القومي، فيعني الأول (الأمن الوطني)، في مفهومه دولة واحدة، بينما يعني مفهوم الثاني (الأمن القومي) عدة دول مشتركة في صفة أو مصلحة. وقد يتفرع من مفهوم الأمن القومي، مصطلح أصغر في مفهومه (الأمن دون القومي). وهو يستخدم لعدة دول من مجموعة أكبر، مشتركة في صفة أو مصلحة (دول الخليج العربي العربية، من مجموع الدول العربية، جزء من الدول الأوروبية من مجموع تجمع الأمم الأوروبية المتحدة).

ويرى بعض المتخصصين في الكتابات الأمنية، أن تلك التفرقة أسلوب غير دقيق، في منهجية التأصيل والبحث، سببه أن الدولة الواحدة، لا يتعلق بالضرورة مفهومها للأمن القومي بعدد الدول المشاركة في الترتيبات الأمنية، ولكنه يتعلق، أساساً، بالمجالات التي يُهتم بها، قاصدين بالمجالات أبعاد الأمن المختلفة، فترجع صفة القومية إلى تعدد الأبعاد الأمنية ومؤثراتها.

ويمكن القول، إنّ التحديد الدقيق للمفاهيم اللفظية المختلفة لوصف الأمن، يتأتى من توضيح المستوى الذي يتعامل معه. فيكون الأمن الوطني هو المستوى الثاني من الدرجة الأدنى، وهو ما يخص دولة بعينها من ترتيبات لأمنها، يعلوه الأمن دون الإقليمي، لمجموعة دول، لم تشمل كل قوميتها، أو كل إقليميتها (بما يعني إمكان إطلاق تسمية أمن دون القومي أيضاً عليها أحياناً، طبقاً لسمات الحالة المنطبقة عليها)[4]، ويكون المستوى التالي علواً هو الأمن الإقليمي، عندما يشمل كل دول إقليم معين، أو أمن قومي عندما يشمل كل دول قومية بذاتها، مع ضرورة التفرقة بين مفهومي "الإقليمي" و"القومي"، ليستمر نهج التحديد الدقيق المتبع.

5. علاقة الأمن الوطني، بالأمن الحربي

يختلف الأمن الوطني عن الأمن الحربي، باختلاف مفهوم لفظي القدرة والقوة. فإذا كانت "القدرة" العسكرية Military Capacity، هي إحدى وسائل تحقيق أهداف الأمن الوطني، فإن "القوة" العسكرية Military Power، تكون إحدى وسائل تحقيق الأمن الحربي.

ومن المعروف، أنه لا يوجد مؤسسة عسكرية عادلة، إلا إذا كانت الدولة تتمتع أصلاً بنظام سياسي عادل، ونظام اقتصادي عادل، وعلاقة اجتماعية عادلة كذلك. وفي غياب العدل والصلاح، تصبح القوة العسكرية خطراً على الأمن الوطني نفسه، حيث تُستخدم لكبح المطالبين بالحق والعدل، أو للاستيلاء على ما يملكه الغير، ويعلل ذلك، بزيادة القدرة، فتتحول القوة إلى وسيلة لتعزيز القدرة، أي أن الأمن الحربي يصبح هو المحقق للأمن الوطني، عندما يتحقق هو نفسه.

من وجهة نظر أخرى، فإن الأمن الوطني، مجاله الإستراتيجية العظمى Grand Stratigy، بينما الأمن الحربي مجاله الإستراتيجية، وهما فئتا الإستراتيجية، في الفكر العسكري الغربي.

6. علاقة الأمن الوطني، بالتأمين الذاتي

يوضح تعريف التأمين الذاتي، الاختلاف بينه، وبين الأمن الوطني. فالتأمين الذاتي هو"الإجراءات التي تتخذ، للحفاظ على بقاء نظام سياسي، أو شخص حاكم، لأطول فترة ممكنة. ويكون ذلك، عادة، بالتركيز على أساليب تعزيز السلطة في أيدي هؤلاء، المعروفين بأنهم أكثر أمناً (ولاء)، وليس الأكثر كفاءة"، مما يعني أنّ تفضيل الأمن الذاتي على الأمن الوطني، هو تفضيل للفرع على الأصل، ويكون في ذلك انحراف عن أهداف الأمن الوطني. مما يُحْدِث خللاً أمنياً، يصعب رتقه وإصلاحه، ويستلزم تغيراً يعكس الأمور ويعيدها لأصلها.

وعلى مستوى الدول، فإن ما تتخذه دولة ما، من إجراءات، لتغلّب بها مصالحها الوطنية، على مصالح المجموع، في تجمع معين، يُعد أيضاً تغليباً للأمن الذاتي لتلك الدولة (في ثوب أمنها الوطني)، على حساب الأمن القومي (الإقليمي) للمجموع. كأن تخفض دولة من أسعار سلعها لفائدة خاصة، بما يضر باقتصاد الآخرين المنتجين للسلعة نفسها، أو أن ترفع دولة من حجم إنتاجها النفطي، عن القدر المحدد لها في اتفاق مع باقي المنتجين، لتحقق زيادة في دخلها الوطني، لحاجة خاصة (العراق وإيران، خلال حربهما معاً 1980 ـ 1988، حتى يمكنهما شراء مزيد من الأسلحة) على حساب مصالح الدول الأخرى المصدرة للنفط.

وغالباً تكون الفائدة العائدة من التأمين الذاتي، وقتية، لتزداد حدة المشكلة التي تثيرها فيما بعد. فالنظام الحاكم، ذو إجراءات الأمن الذاتي، يكون في مأمن بواسطة تلك الإجراءات، التي يقيمها على حساب الأمن الوطني، ولكن انهيار الأخير بسبب ذلك التأمين الذاتي، ينهار تبعاً له الأمن الذاتي (الوقتي كذلك)، فهو فرع من الأصل، بانهياره تنهار كل الفروع.

يُعد التوازن بين نفقات ثلاث (تنمية وتسليح وتأمين)، هو الأساس في تصنيف الأمن في الدولة:

أ. زيادة نفقات رفع القدرة الإنتاجية، ورفع مستوى المعيشة للمواطنين، يعبر عن أمن وطني يرتكز على التنمية الشاملة، يقوي بتقويتها وارتفاع معدلاتها.

ب. ارتفاع نفقات التسليح والدفاع، تُعبر عن أمن وطني مرتكز على قدرات عسكرية، ينهار بانهيارها.

ج. ازدياد نفقات حفظ النظام وتعزيز السلطة القائمة، يعني أمناً ذاتياً، غير مرتكز على أصول، فينهار ويؤدي إلى انهيار الأمن الوطني معه، فيؤدي إلى حرب أهلية، وانهيار اقتصادي (حالة الصومال منذ عام 1990) أو يتعرض لتدخل خارجي (عسكري أو اقتصادي).



[1] حاول الأمريكيون إنقاذ الرهائن المحتجزين في السفارة الأمريكية بطهران، عقب الثورة الإيرانية، بعمل عسكري، وعندما فشل سعوا لتحقيق الهدف بالوسائل الدبلوماسية. ونجح الإسرائيليون في عملية مماثلة، الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين الذين خطف الفلسطينيون طائرتهم إلى مطار عنتيبي بأوغندة.

[2] لا يرتبط البعد المكاني بصفة الإقليمية، أو الدولية، في حدود معينة، فقد يكون البعد المقصود على مسافة كبيرة من الدولة، وخارج النطاق الإقليمي، إلا أن مؤثراته تهدد المجال الإقليمي، وهو في هذه الحالة يلحق بالمجال الخارجي الإقليمي، وليس الدولي وعكس ذلك أيضاً صحيح. وعلى سبيل المثال فإن وجود قطعة بحرية معادية لدولة مجاورة (إقليمية) في أعالي البحار، لتهديد مصالح الدولة في تلك المنطقة، يعتبر من وجهة نظر الأمن تهديداً عسكرياً للمجال الإقليمي للدولة، كما يمكن اعتباره دولياً إذا شارك فيه عدة دول بعضها غير إقليمي أو تابعين لمنظمة دولية.

[3] كان يشترط قبلاً، أن تكون الدول ذات قومية عرقية واحدة، ليطلق اسم أمن قومي على أمنها الخاص، وهو ما لم يعد مهماً في قواعد السياسة العصرية، حيث يكتفي بتجمع الدول حول مصلحة واحدة لتشملهم التسمية بالقومية (الأمن القومي الأوروبي، الأمن القومي للدول المصدرة للبترول الأوبك، الأمن القومي لدول غرب أفريقيا، الأمن القومي لدول حوض النيل).

[4] أمن مجلس التعاون الخليجي، هو من جهة العروبة أمن دون القومي، حيث يشمل عدد محدود من الدول العربية (ست دول من إحدى وعشرين دولة)، وهو من جهة الموقع أمن دون الإقليمي، حيث يشمل بعض الدول الواقعة على الخليج العربي (ست من ثماني).