إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / أسس ومبادىء الأمن الوطني





نموذج مجموعة دول
نموذج لعدة منظمات
نموذج دولة واحدة
مهددات الأمن الوطني
هرم ماسلو
مستويات الأمن الوطني
الأمن القومي والسياسة الوطنية
تأثر الأمن الجماعي
تسلسل صياغة الالتزامات الأمنية
دور الدولة في حماية الأمن

نظرية ماهان
نظرية ماكيندر
نظرية القوى الجوية
نظرية سبيكمان



الفصل الثاني

ثالثاً: خصائص الأمن الوطني

يتميز الأمن الوطني، بعدة سمات، هي الخصائص المميزة لمفهومه، ليصبح الأسلوب الأمثل لتأمين كيان الدولة، والمجتمع، والحفاظ على سلامة وسيادة الوطن، وبقائه.

1. الأمن القومي ذو مفهوم إستراتيجي، يتكون من جانبين

للأمن الوطني جانبان أحدهما موضوعي (مادي) يمكن تحديد مكوناته وعناصره بدقة، والتعبير عنه كمياً، لذلك فهذا الجانب، يمكن حسابه وتقديره بسهولة، كما يمكن إجراء مقارنة بينه وبين نظيره لدى الدول، والمجتمعات الأخرى، ويمكن كذلك التفرقة بين عنابر قوته، ومسببات ضعفه. وما يمكن تقديره، يمكن وقايته، بما يعد من إجراءات مناسبة لذلك التقدير.

الجانب الثاني معنوي، يخص معنويات المجتمع، ومدى ارتباطه بالنظام السياسي القائم، فهو غير ملموس، يصعب التعبير عنه كمياً بدقة، ويستعاض عن الحساب الدقيق، بالتقدير لما ينتج عنه من آثار، أي تقدير قوة وقدرة غير الملموس، بما يحدثه من آثار ونتائج ملموسة. فتكون الوحدة المقاتلة محبطة، ومنخفضة المعنويات بدرجة كبيرة، عندما تفشل في تحقيق مهامها القتالية، على الرغم من جاهزيتها العالية تدريباً وتسليحاً، أو أن الإنتاج الزراعي للدولة دون الهدف المحدد كماً وجودة، على الرغم من توفر كل عناصر الإنتاج، فيكون المجتمع الزراعي خاصة، والدولة عامة، منخفض المعنويات من جراء ممارسات سياسية، أو فشل في قطاع آخر (هزيمة عسكرية قاسية مثلاً، مثلما حدث مع المجتمع الأمريكي عشية الاضطرار للانسحاب من فيتنام الجنوبية).

وعلى الرغم من صعوبة تقدير الجانب المعنوي كميّاً، فإن أي دراسة أمنية، لكي تتصف بالشمول والدقة، يجب أن تعبر عن كلا الجانبين، تقديراً أو كماً.

عندما يعبر مفهوم الأمن الوطني عن جانبيه، ويتصف ذلك بالشمول، يصبح ذا مفهوم إستراتيجي، جوهره يتلخص في تلمس عناصر الضعف الإستراتيجية للدولة (أو الإقليم، أو القومية)، والعمل على تخطيها، بإجراءات وقائية، تهدف إلى ضمان ألا يصدر عن الضعف تمزق قاتل للأمة. لذلك، يجب أن يتعاون "المُنّظِر السياسي" مع "المُخَطِّطْ العسكري"، في صياغة المبادئ السياسية وتخطيط الإجراءات الوقائية، للحفاظ على كيان الأمة وأمنها.

2. الأمن الوطني ينبع من خصائص الإقليم الجيوبوليتيكية، لذلك فهو محصلة للتفاعل بين عوامله المحلية والإقليمية والدولية

إن عوامل الأمن الوطني في المستويات الثلاثة (المحلي والإقليمي والدولي) ليست بمعزل عن بعضها، ولكن تؤثر عوامل كل مستوى، وتتأثر، بعوامل المستويين الآخرين:

أ. العوامل المحلية، تتعلق بحماية المجتمع من التهديدات الداخلية، التي غالباً ما تكون بمساندة خارجية، وتتعارض مع أهداف النظام السياسي القائم، ومع مبادئ الشعب الحقيقية.

ب. العوامل الإقليمية، تمس علاقة الدولة مع الدول الأخرى في الإقليم نفسه، الذي تنتمي إليه، خاصة دول الجوار الجغرافي.

ج. العوامل الدولية، علاقات ترتبط بها الدولة بالمحيط الدولي، وطبيعة تحالفاتها مع الآخرين، وعلاقاتها بالنظام العالمي (درجة تبعيتها للدول العظمى والكبرى بالنظام).

لذلك، فإن مفهوم الأمن الوطني، يتجه إلى قواعد التكامل الدولي والإقليمي، النابعة أصلاً من خصائص الإقليم الجيوبوليتيكية، من موقع وظواهر جغرافية، وطبيعة أرض، ومجتمع، وموارد، متضمناً شكلاً من أشكال التوازن، بين الذاتية (المحلية) لحماية القومية والوطنية، من جهة، وما يفرضه الجوار الجغرافي من سياسة للتعايش والتعامل السلمي، من جهة أخرى. وهو بذلك (أي مفهوم الأمن الوطني لدى دولة ما)، قد يصبح الدافع لسياسة استفزازية توسعية (النظام النازي لألمانيا في العقدين الثالث والرابع من القرن العشرين، والمفهوم الإسرائيلي للأمن الوطني)، أو دافعاً لسياسة استقلالية قومية (النموذج الفرنسي للسياسة الخارجية عقب الحرب العالمية الثانية). ولا يجوز المقارنة بين المفهومين، على الرغم من أنهما ينبعان من قاعدة (خاصية) واحدة لمفهوم الأمن الوطني.

3. الأمن الوطني حقيقة نسبية

برهن التاريخ دوماً، على أن الأمن المطلق، يعني ضمناً تهديد أمن الآخرين. فتحقيق ذلك الأمن، يستلزم السيطرة التامة على العالم ومقدراته. لذلك، تسعى الدول عادة، لتحقيق هامش مناسب من الأمن، يكفل لها أمناً وطنياً بدرجة معقولة.

تلك الحقيقة النسبية للأمن، تؤكد ضرورة أن يوضع في الاعتبار، عند تخطيط أهداف الأمن الوطني، ووسائل تحقيقها، أمن ما جاورها من دول، وأمن الإقليم الذي تنتمي إليه، دون أن تدخل في سباق أمني لزيادة هامش أمنها، وهو ما يدفع غيرها إلى محاولة زيادة هامشه الأمني كذلك، ليصل إلى درجة محسوبة من التوازن، وهو ما يخل، في النهاية، بأمن المنطقة، أو أمن أي من الدوائر الأمنية التي تهم الدولة. ويؤدي ذلك إما إلى الصدام، أو تنازل أحدهما عن جزء من هامشه الأمني. ففي الثمانينيات من القرن العشرين تنافست إيران مع العراق، في زيادة الهامش الأمني لكل منهما في الخليج العربي، مما أدى للصدام بينهما في حرب ضروس استمرت ثماني سنوات. وعندما أراد العراق أن يوسع هامش أمنه العربي، على حساب جاراته العربيات في بداية العقد الأخير من القرن العشرين، بدأ بالتنازل عن جزء من هامشه الأمني الخليجي، لصالح إيران، وهو الذي كافح ثماني سنوات محاولاً تحقيقه في تلك الحرب الضارية. كذلك فإن شبه الجزيرة الهندية، بما تحتويه من دول متناقضة التكوين والأهداف، تشهد دواماً، منافسة شديدة بين طرفيها الرئيسيين الهند وباكستان، حيث تحاول كل منهما التوسع في هامشها الأمني الإقليمي، فنتج عن ذلك ثلاثة حروب، ولم يتوقف بعد التنافس لزيادة الهامش الأمني لكل دولة، بل اتجه إلى مكان هو أكثر كلفة، وخطراً، وهو التسابق على الأمن النووي، والمظلة الأمنية النووية الصاروخية، التي لا يحمد عقباها إذا استخدمت. والعجز عن اكتساب وتأكيد رقعة جديدة للأمن الوطني، يعني ضرورة التنازل للطرف الآخر.

يقابل ذلك في مفهوم الأمن الوطني، ما يسميه السياسيون، "الوجه السلبي لسياسة حسن الجوار"، ويعد أحد تقاليد السياسة الدولية القديمة، حيث تفرض علاقة الجوار، حسن النية في التعامل، وهذه العلاقة، هي أساس سياسة التجمعات، المرتبطة بسياسة المساندة الإقليمية، العصرية[1]. فيدور مفهوم الأمن الوطني لحماية الإقليم والقومية، (وهو ما لا يتمشى مع قوانين التوازن، وسمات النظام العالمي (مهما اختلف عدد أقطابه) فالدول العظمى والكبرى تميل إلى تبرير سياستها التوسعية الدولية)، على حساب سياسة المساندة الإقليمية. فتسمى إجراءاتها الأمنية، التعسفية غالباً، بالحرب الوقائية أحياناً، والتعدي على مجالها الحيوي، أحياناً أخرى. وعندما يكون النظام العالمي متعدد الأقطاب، أو ثنائياً، فإن الدول الإقليمية وتجمعاتها، تستطيع أن تحقق لنفسها هامشاً أوسع من الأمن، باستغلال طبيعة التوازن بين تلك القوى (استطاعت الملكة زنوبيا، ملكة تدمر عام 269م، أن تبني دولة قوية، إقليمياً، مستفيدة من طبيعة التوازن بين دولتين عظميين في عصرها، وهما إمبراطوريتا الفرس، والرومان، باسطة نفوذها من البوسفور إلى وادي النيل، وعندما تخلى الفرس عن مناصرتها، استطاع الرومان الإيقاع بها وبدولتها)، أما عندما يكون النظام الدولي أحادي القطبية، فإن طبيعة التوازن تجعل من الدولة العظمى الحاكم الأعلى للعالم المتمدين، ولا يُعطي ذلك مرونة أمنية كافية على المستوى الإقليمي، فتكون المواجهة والصدام، والحرب، دائماً، نتيجة وحيدة لمحاولات تحقيق أمن إقليمي أو وطني محلي، يتعارض مع رؤية النظام العالمي الأمني، وترتيباته الأمنية، في المنطقة الإقليمية أو الدولة (مثال ذلك ممارسات الولايات المتحدة الأمريكية في القضايا الإقليمية، والمحلية أحياناً، عقب انهيار الاتحاد السوفيتي 1991، القطب الثاني في النظام العالمي، الذي ساد عقب الحرب العالمية الثانية).

4. مفهوم الأمن الوطني، عملية تقنين لمبادئ السلوك الوطني، ولكنه أيضاً ذو طاقة ديناميكية حركية

يتكون مفهوم الأمن الوطني، من مبادئ مُقننة، تضع في اعتبارها طبيعة الأوضاع الإستراتيجية، وخصائص الامتداد الإقليمي، وعلاقات التعامل معه، كذلك سلوكيات العنصر البشري كطرف آخر، ودول الجوار الجغرافي، وتقدير وزنها الإقليمي والدولي كطرف ثالث، وهي ـ أي المبادئ المقننة ـ تصبح مصدراً للقيم الوطنية، (والقومية) دون أن تصير مجرد مثاليات، وإنما ذات مصداقية واقعية.

من جهة أخرى، فإن الأمن الوطني مجموعة من العوامل المركبة، بعضها مجموعة ثوابت، إلا أن الجزء الأكبر منها متغيرات، تكسب مفهوم الأمن الوطني خاصية ديناميكية، وتحقق له طاقة حركية، هي لازمة لتطوره المستمر، لتتابع الدولة المتغيرات في المستوى الإقليمي الدولي، وتتمكن من تعديل قدراتها لتحافظ على درجة الأمن، التي ترغب بها، وهي الحركة المهمة كعنصر بقاء، دون أن تصبح مثاليات مجردة، وإنما حركة ديناميكية، مصدرها المتغيرات في الأمن الوطني، تكسبها الواقعية اللازمة لبقائها.

يفسر ذلك، أهمية عدم خروج الحاكم على تلك القيم والمبادئ المقننة للأمن الوطني. فالخروج يفقده حتما الشرعية، ويعرض نظامه للتقويض لمخالفته لأهداف الأمن الوطني للدولة، وتعريضها للخطر. مثال ذلك، أن أحد عناصر مفهوم الأمن الوطني لإسرائيل، قبل عام 1967، كان هو الأهمية الحيوية لمضايق تيران، في مدخل خليج العقبة، وكذلك أهمية عدم وجود قوة عسكرية على قدر كافٍ من القوة بالقرب من الحدود الإسرائيلية المصرية في سيناء. وكانت تلك الأهمية الأولى تكمن في حجم التجارة الخارجية لإسرائيل مع العالم الخارجي، جنوباً، ونوع تلك التجارة التي تحتوي مصادر الطاقة، والمواد الغذائية (خاصة الحبوب واللحوم) بشكل أساسي، ويشكل منعها من الوصول إلى إسرائيل، في توقيتها، توقف الحياة الطبيعية بالدولة، ويهدد ذلك أمنها. الأهمية الثانية نابعة من ضعف في الثوابت الجيوبوليتيكية لإسرائيل، فهي دولة محدودة الاتساع، تستطيع القوة المحددة (أي أكبر مما تستطيع إسرائيل حشده في الساعات الأولى للقتال). أن تشطرها إلى جزءين، عازلة الجنوب عن الشمال، فتفقدها اتصالها بخليج العقبة، وتهدد أمنها بالدرجة نفسها، لغلق مضايق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية. لذلك سعت القيادات السياسية، عند بدء تشكيل الدولة، إبان الجولة العربية ـ الإسرائيلية الأولى (حرب فلسطين 1948)، إلى توجيه قواتها، والاستماتة ـ بعد الهدنة الثانية ـ للوصول إلى خليج العقبة وإيجاد موطأ قدم للدولة الوليدة هناك، ولو على حساب بقاء القدس (العاصمة الدينية المنادى بها من الصهيونية العالمية) في أيدي عرب، وليأتي دورها فيما بعد. كذلك سعت القيادة السياسية نفسها، أو من تلاهم، في الاتفاقيات والمعاهدات، التي أبرمت مع مصر ـ بالتفاوض المباشر أو عن طريق وسيط دولي ـ لإبعاد القوات المسلحة المصرية عن حدودها، بما لا يسمح لها الدفاع عنها بالسرعة الواجبة، في إطار عقيدتها المنتقاة، "الضربة الوقائية" أي إجهاض الهجوم قبل أن يبدأ بعيداً عن شريان أمنها الحيوي في العقبة. ولم تتجرأ قيادة سياسية في إسرائيل، على الخروج عن هذا المبدأ المقنن، إلا بعد تكريسه كقيمة ثابتة، بضمان القوى العظمى لحرية الملاحة في خليج العقبة، وبقاء القوات المصرية في الشريط الغربي لسيناء (غرب الخط أ) المحدد في الاتفاقيات الأخيرة، التي ضمنتها كذلك الولايات المتحدة الأمريكية، راعية الأمن الوطني لإسرائيل.

5. خطورة التوسع في تطبيقات الأمن الوطني (ممارسات القوى العالمية والكبرى)

يخضع مفهوم الأمن الوطني، لسوء استخدام، من قِبَل القوى العملاقة، في مختلف العصور. وازداد سوءاً في النصف الثاني من القرن العشرين، ثم انقلب إلى حالة حادة من السوء، في العقد الأخير من القرن.

التوسع في مفهوم الأمن الوطني، أمر طبيعي، عند اتساع الإقليم الوطني، للدولة المتسعة المساحة، الكبيرة التعداد السكاني، المتعددة دول الجوار، وهي ما تسمى بالدولة العملاقة. فعند ظهور الاتحاد السوفيتي (ومن قبله روسيا القيصرية) كانت الدولة، ذات إقليم شاسع المساحة، يقطنه مئات الملايين من البشر، من قوميات متعددة، كما وصل عدد الدول الواقعة على حده الجنوبي (الآسيوي) أكثر من اثنتي عشرة دولة، مختلفة القوة، مختلفة التوجهات كذلك. ويكون المفهوم الموسّع للأمن الوطني لمثل تلك الدولة العملاقة، أمراً طبيعياً عندما يشمل كل الأبعاد، بما يتهددها مع تلك القوى الإقليمية المجاورة، أو ما بداخل الاتحاد من قوميات مختلفة. ويصبح غير طبيعي إذا تعدى ذلك إلى أقاليم بعيدة، لمساندة قوة أو معاداة أخرى.

ويختلف الأمر مع دولة عملاقة أخرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية. فهي دولة قارية متسعة الأرجاء، ضخمة الموارد البشرية، إلا أن حدودها لا تجاورها إلا دولتان، هما من الدول ذات التوجهات المتمشية معها، فيكون هنا التوسع في المفهوم، غير طبيعي، لأن الولايات المتحدة الأمريكية، وسعت من مفهومها الأمني، ليبرر انتهاكاتها للأعراف الدولية، واعتداءاتها على أمن الآخرين.

هناك ثلاثة أبعاد واضحة، لسوء استخدام التوسع في مفهوم الأمن الوطني:

أ.  اتساع المفهوم ليصبح مرتبطاً بأي متغيرات دولية أو إقليمية، يمكن أن تعكس خطراً على الدولة. ويعني ذلك مساندة الدولة العظمى للأنظمة الحاكمة، القائمة، بما يضمن بقاءها، وبقاء ولائها لها سواء في الدول المجاورة (دول أوروبا الشرقية، ذات نظم الحكم الشيوعية، بالنسبة للاتحاد السوفيتي، الذي سحق أي محاولة لتغيير توجهاتها الشيوعية في بولندا، وتشيكوسلوفاكيا، والمجر)، أو في مناطق بعيدة ضماناً للمصالح الحيوية في تلك المناطق، بما يبرر تدخلها بالقوة لحماية تلك المصلحة، التي يصونها نظام الحكم القائم (التدخل الأمريكي الأوروبي، لصالح إعادة الشرعية الحاكمة في دولة الكويت، بعد أن غزاها العراق، بصرف النظر عن أحقية الدولة الكويتية في ذلك، فقد كان تصرف ذلك التجمع الدولي من منطلق مصلحة خاصة، تتحقق له من خلال الشرعية الحاكمة، باستمرار تدفق النفط إلى شرايينه الصناعية، بينما لم يتدخل الاتحاد السوفيتي، جدياً، بصرف النظر، كذلك، عن متاعبه التي أدت لانهياره في الوقت نفسه، وإنما لأن مطالبه النفطية محققة ذاتياً).

ب. اتساع المفهوم، بالتوسع في مفهوم الإقليمية، والأصل في مفهوم الأمن الوطني، هو الأمن الإقليمي، وكيفية حمايته، حيث يحقق ذلك، الأمن الوطني للدولة العضو في ذلك الإقليم، أو يحقق أمن الدولة الإقليمية (التي تشمل الإقليم كله)، ومن الأمثلة الصارخة على سوء استخدام هذا الاتساع، ما صرحت به الإدارة الأمريكية، مهما تغيرت وجوهها، بأن أمن إسرائيل ووجودها هو أحد عناصر أمنها الوطني، وبينهما أكثر من أحد عشر ألفاً من الكيلومترات.

ج. التوسع في المفهوم، خارج الإطار الإستراتيجي، ودون ارتباط بالأوضاع الجيوبوليتيكية، مما يفقده المصداقية، ويخلط بين سياسة الأمن عامة، وسياسة الأمن الوطني. فالأولى هي تحرك حذر، دون تقبل لمغامرة غير محسوبة، في كل ما يتعلق بالمصلحة العامة، ومن تطبيقات تلك: السياسة الأمنية العامة، والأمن الداخلي، والأمن السياسي، والأمن الاجتماعي، والأمن العسكري، والأمن الوطني نفسه، بينما سياسة الأمن الوطني إحدى تطبيقات سياسة الأمن (التطبيق الخامس) وهو، لخطورته وحساسيته، يتأثر بالتطبيقات الأربعة الأخرى، التي هي تطبيقات مترادفة. ويصبح بذلك، هذا الخلط في التطبيق توسعاً، يخلق مجالاً لتبرير شرعية، غير حقيقية، للسلوك العدواني والاستفزازي لبعض الدول (دعاوى الحق التاريخي، لتبرير غزو العراق للكويت عام 1990).

وعندما تتوسع دولة هامشية (نامية) في مفهومها الأمني، خارج قدراتها وإمكاناتها، تفقد بذلك، مفاهيمها الأمنية القوية، والتي لم يتمكن عدوها من اختراقها لصلابتها، فتتعرض تلك المفاهيم الصلبة للإذابة به، باقتراب الخصم منها من اتجاه آخر، سُمِحَ له به (تعامل اقتصادي أو تبادل ثقافي مثلاً، ويصبح بعدها استخدام القوة العسكرية دفاعاً عن الحق، أمراً غير مشروعاً، كما كان من قبل.

الواقع الذي يجب التنبه إليه، أن التوسع في مفهوم الأمن الوطني، لا يصح إلا عندما يكون تعبيراً عن إرادة مسيطرة (يمكن فرضها). فالدول الكبرى، لا تجرؤ على توسيع مفاهيمها الأمنية، إلا في مواجهة الدول الصغرى، أو الأضعف، بينما تلتزم الاعتدال في مفهومها، وتتجانس لغة الخطابة السياسية فيها، مع التقليد السياسي، ويصبح منطقها طبيعياً، عندما تجابه قوة متوازنة معها. (تراجع الاتحاد السوفيتي في المفهوم الموسع لأمنه، إبان ما عرف بأزمة الصواريخ الكوبية في أكتوبر 1962، على الرغم من أن النظام الحاكم الكوبي ذو توجه شيوعي موال، عندما جوبه الاتحاد السوفيتي برد أمريكي عنيف لما ظنت أنه تهديد لأمنها الوطني. فالصواريخ السوفيتية في الأراضي الكوبية تتحسس ليونة بطنها مباشرة ـ 140 كم جنوب ولاية فلوريدا الأمريكية ـ مهددة الأمن الوطني الأمريكي).



[1] أي نصرة للدول الإقليمية الأخرى، لتحقيق الأمن الإقليمي، الذي يتحقق به الأمن الوطني، على غرار ما قامت به أسرة مجلس التعاون الخليجي، عندما غزا العراق إحدى دولها (الكويت عام 1990).