إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / أسس ومبادىء الأمن الوطني





نموذج مجموعة دول
نموذج لعدة منظمات
نموذج دولة واحدة
مهددات الأمن الوطني
هرم ماسلو
مستويات الأمن الوطني
الأمن القومي والسياسة الوطنية
تأثر الأمن الجماعي
تسلسل صياغة الالتزامات الأمنية
دور الدولة في حماية الأمن

نظرية ماهان
نظرية ماكيندر
نظرية القوى الجوية
نظرية سبيكمان



الفصل الثاني

أولاً: إدراك وتحديد مجالات مصادر التهديد

كان للتطورات المذهلة للتقنية، في العقود الأخيرة للقرن العشرين، آثار على مفهوم الأمن الوطني وعلى أبعاده. فقد تغيرت مفاهيم عديدة، بالنسبة للمستويات، ومكونات الأبعاد، وعناصرها، وأساليب تحقيق الأمن الوطني، وحمايتها. وتُعد التطورات في مجال المعلومات والاتصالات والمواصلات، أكثر التقنيات فاعلية، فلم يعد هناك مكان في العالم، بمنأى عن الاتصال بكافة الأرجاء، وأصبح الوصول إلى أي مكان في العالم، أكثر يسراً وأقل زمناً.

   تفاعلت البيئة الدولية ـ التي أصبحت بفعل ثورة المعلومات والمواصلات أكثر تماسكاً ـ مع الأمن الوطني للدول، طبقاً لتصور كل مجتمع لأهدافه الوطنية والقومية والإقليمية والدولية، من خلال دوائر الأمن الوطني، التي تهمه وتؤثر عليه. ونشأ عن ذلك خريطة عالمية معاصرة، ذات مفاهيم جديدة.

   تشير معالم الخريطة العصرية للعالم في العلاقات السياسية، إلى تشابك المصالح الدولية، في ظل نظام دولي قائم على تبادل المنفعة في شتي المجالات. ويوجب ذلك على الدولة، أن تصنع لنفسها إستراتيجية، وسياسة، لتحقيق مصالحها وأهدافها، في إطار أمنها الوطني. واضعة في الاعتبار، نقاط التعارض العديدة مع الآخرين، لتنوع المصالح واختلاف الأهداف وتعقدها. وينبئ هذا التعارض بتوقع الصدام في المصالح، الذي قد يتصاعد من خلال صراع سياسي أو اقتصادي، إلى صراع مسلح. وفي ظل ضعف فاعليات المؤسسات الدولية (والإقليمية ضمناً) ـ الذي أثبتته الأحداث المتتالية، منذ انهيار النظام الدولي السابق، في بداية العقد الأخير من القرن العشرين ـ فإن مهددات الأمن الوطني تصبح أكثر خطورة، وتزيد نسبة توقع حدوثها، ويلزم الدولة أن تحرص على كشف البعد الذي تتجمع حوله تلك المهددات، والمكوّن الذي تصطدم به، والهدف الذي تحاول الوصول إليه. هناك خطوتان لكشف تهديدات الأمن الوطني، الأولى. أن تُدرك الدولة وجود هذا التهديد، والثانية: أن تحدد مصدره.

1. إدراك مصادر تهديد الأمن الوطني

هي مرحلة مهمة، عند دراسة معطيات الأمن الوطني، يترتب عليها إرساء قواعد التعامل مع ما يعوق تحقيقه (ما يتم إدراكه من تهديدات ). وكلمّا كان الإدراك لمصدر التهديد شاملاً، كانت الإجراءات لإزالة التهديد أكثر استيفاء، فالمصدر الذي لا يُكْتَشّفْ (يُدْرَكْ) لن يحسب له حساب، ولا توجه ضده أي إجراءات لإزالته (التغلب عليه).

وينتج عن إدراك مهددات الأمن الوطني، وضع أساليب مسبقاً، للتغلب على التهديدات، وحماية الأمن الوطني. لذلك، فإن تلك المرحلة (إدراك مصادر التهديد) تتم بالتوازي مع المراحل الأخرى، من تحديد للأسس والمبادئ، والإستراتيجيات والسياسات (العامة منها، والتخصصية). وتصبح مرحلة الإدراك رئيسية، تدخل في خطوات تحديد الأهداف الوطنية العليا، وفي خطط تحقيق الأمن الوطني، وكذلك أعمال الحماية المهددة له.

ولعملية الإدراك، ثلاثة مستويات، كل منها له وظيفة أساسية، في تحديد مصادر التهديدات وأنواعها:

أ. مستوى صناعة القرار

أعلى المستويات الأمنية، التي تشمل الأجهزة الرسمية العاملة في مجال الأمن الوطني (وزارة الدفاع، وزارة الخارجية، أجهزة المخابرات)، في الدول، التي تهتم بالحفاظ على أمنها الوطني، وصيانته. وتتعدد المؤسسات العاملة في مجالات الأمن القومي، بزيادة حجم علاقات الدولة، واهتمامها محلياً، وإقليمياً، ودولياً، طبقاً لنظام الدولة[1].

يضع هنا المستوى، خطوات العمل لكشف مهددات الأمن الوطني. كما يحدد العناصر التي يكشف عنها، والتي سبق تحديدها كمصادر للتهديد، ورتبها في أولويات أثناء تحديد الأهداف الوطنية، وما نبع منها من إستراتيجية وسياسة أمنية. يقوم هذا المستوى كذلك، بالإطلاع بصفة مستمرة، وقد تكون دورية، على المتغيرات في الإطار العام للشكل الأمني، عسى أن يكتشف التهديد، ومستواه وبعده، وهدفه، ويحدد الأسلوب الأمثل للتعامل معه، مبكراً.

ب. مستوى النخبة

يماثل مستوى صناعة القرار في الأهمية، إلا أنه غير رسمي، وهو يضم قادة الرأي في الأبعاد الأمنية والمجالات كلها، والخبراء والباحثين الأكاديميين، وغير الأكاديميين، والكُتّاب، ويتوازى مع المستوى الأعلى السابق، بما يضمه من خبراء متخصصين، كل منهم يعبر عن رؤيته الأمنية، ويصف المحاذير في كل تصرف، وحدث، وعلاقة، دولية كانت أو إقليمية، أو محلية، دون قيد، مما يجعل لأدائهم، ورؤياهم، قيمة عالية.

وتختار السلطة الحاكمة أحياناً، بعضهم، لشغل وظيفة رسمية، في مستوى صناعة القرار، للاستفادة برأيهم السديد، ورؤيتهم العميقة. كذلك، يقع على عاتق هذا المستوى مهمة التوعية العامة للمجتمع، وتوضيح المحاذير الأمنية، التي يجب الابتعاد عنها، والأهداف (الرسمية أو غير الرسمية)، التي لا تستطيع الجهات الرسمية شرحها إلى الجمهور مباشرة.

ويتابع هذا المستوى الأداء الحكومي، وخططه في مجال الأمن الوطني، ويدرس ويحلل هذه الخطط، وهذا الأداء، من زاوية اهتمامه الخاصة (غير الرسمية، والبعيدة عن القيود)، ليصل إلى أفضل النتائج، ويوجه نقده وينقل تحذيره للمسؤولين، موضحاً ما أدركه من تهديدات، واضعاً حلولاً مقترحة، غير ملزمة لأحد، قد تفيد الحكومة، والمجالس الرسمية المتخصصة في عملها.

ويفتقر هذا المستوى، إلى المعلومات المؤكدة، والوفيرة، ليبني عليها تحليله، وفرضياته، وضع أسس التعامل، مع التهديدات الأمر الذي يمكن لهذه النخبة أن تتداركه، بما لديهم من خبرات كثيفة (في مجال تخصصهم)، واضعين تصوراً لاحتمالات عدة، لسلوك الآخرين في الحدث، مبنية على الحقائق المتيسرة، وخبرة الماضي، والنذر القليل من التصريحات الرسمية، والوثائق المنشورة.

ج. مستوى الجماهير (العامة)

يخضع مستوى الإدراك للجماهير لعدة مقاييس، تختلف من دولة إلى أخرى. وأهم تلك المقاييس درجة انتشار الوعي الأمني بين الجماهير، وهي المسؤولية الأدبية للنخبة، والمسؤولية الوظيفية لصانعي القرار. يلي ذلك المقياس الأهم، مقياس المستوى الثقافي العام بالدولة، وهو في مرتبة متقدمة من الأهمية، حيث يوضح ارتفاعه زيادة حاسة الإدراك الجماهيري للمؤثرات على أمن الوطن، وهي، بلا شك، ذات أهمية خاصة.

قوة الانتماء للوطن، من العوامل الأساسية عند قياس مستوى الإدراك لدى الجماهير. ويتبادر إلى الذهن، أن ذلك العامل أمراً طبيعياً، وهو كذلك فعلاً، إلا أن البعض، يخلط ما بينه وبين التمسك بأشخاص (التشيع)، أو اتجاهات سياسية (حزبية)، أو نظام حكم (سابق أو قادم، طبقاً للنظم السياسية للدولة). وهذا الخلط، الذي يحدث عفواً في مستوى الجماهير (العامة)، وعمداً في المستويين الآخرين، يضر بمصالح الأمن الوطني، التي ستتأخر في ترتيب الأهمية لدى الجماهير، فيتأخر إدراكها للمخاطر المهددة للأمن، حيث سيغلب على الجماهير هدف بثه إليها المستويان الآخران، وغالباً ما ستكتشفه الجماهير، خلال سعيها للهدف الخادع (التمسك بشخص، أو تأييد اتجاه سياسي، أو تعضيد نظام حكم). ولكن ذلك يأتي متأخراً بعد أن غُرر بالجماهير لصالح هؤلاء الخالطين للأمور، المدفوعين من قوى أخرى كذلك، في سلسلة طالت أم قصرت، فإن طرفها النهائي سيُكتشف أنه في أيدي أجنبية، تسعى لمصالحها الخاصة، وأمنها الخاص.

وحتى يكون الوضع مثالياً بالدولة، فإن مستوى الجماهير، يجب أن يكون لديه مفهوم المستويان الآخران. فاتفاق كل الأطراف على رؤيا إدراكية واحدة، تتيح تعاوناً مثمراً، وفعالاً، بين المستويات الثلاثة، ينتج عنه حلقة قوية، توقع بما يهدد الأمن الوطني، ويسارع الجميع للمشاركة عند تعبئة الجهود لدرء الخطر، أو مواجهته.

2. تحديد مصادر التهديد

الخطوة الثانية لكشف مصادر التهديد، هي تحديدها بعد إدراكها. ويُفَرّقْ بين مستويين لمصادر التهديد، هما مصادر التهديد الرئيسية، ومصادر التهديد الثانوية. كما يجب أن يوضّح مجال تلك المستويات المهددة للأمن، وكلاهما يعملان من خلال مجالي الأمن الوطني، فأولهما المجال الداخلي، والآخر المجال الخارجي.

أ. مستويات مصادر التهديد

(1) مصادر التهديد الرئيسية

توصف بأنها رئيسية، تلك المصادر التي يمثل تهديدها، خطراً يهدد مصادر الحياة في الدولة، وخطراً، بالغاً على حياة الشعب ووجوده، ويمس بذلك كيان الدولة نفسها. فعندما يهدد خطرٌ مصادر الحياة للدولة، ويعمل على نقصانها، فهو تهديد مباشر لكيان الدولة وبقائها، مثال ذلك تهديد دولة لمصادر مياه دولة أخرى. فالدولة المصرية، تعتمد على مياه النيل، بصفة أساسية، كمورد رئيسي لاحتياجاتها المائية للزراعة والشرب والصناعة، ويصبح تهديد ذلك المصدر المائي، من قبل دولة أخرى، تهديداً جدياً يؤثر على موارد المياه المصرية، تهديداً رئيسياً موجها لأمن مصر الوطني.

إلا أن هذه المادة نفسها ـ المياه ـ لا تعتبر بالدرجة من الأهمية ذاتها عند آخرين. ففي تركيا، أو الصومال، مثلاً، موارد مائية متعددة، أنهار وآبار وأمطار، هذه الوفرة والتعددية في مصادرة المياه، تجعل الاعتداء على بعض منها، مصدر تهديد لا شك، ولكن بدرجة أقل في الأهمية، أو رتبة أدنى، فلا يكون إذن تهديداً رئيسياً. وقد لا تمثل أي تهديد عندما تكون وفرتها، وتعدد مصادرها، يفوق الحاجة إليها، فتنعدم الخطورة، ولا تمثل أي مصدر للتهديد. وقد تعتبر الدولة، صاحبة الموارد الطبيعية الوفيرة، أن العدوان على مواردها، لا يمثل تهديداً لأمنها، لوفرة ما لديها، إلا أنها من وجهة نظر أخرى، تنظر إلى ذلك العدوان على أنه، قد يشجع آخرين على الحذو حذوه، أو أنه قد يشجع الدولة المعتدية نفسها على تكرار العدوان على موارد أخرى، مما يعرض أمن الدولة للخطر، فتصبح هذه الدولة المعتدية مصدر تهديد رئيسي. يدل ذلك على أن تصنيف مستوى التهديد، بين رئيسي وثانوي، هو عملية نسبية.

وعلى النمط نفسه، يمكن القول إن الاعتداء على مصادر النفط في دولة، تعتمد مواردها المالية على عائدات ذلك الخام، لا بد أن يكون مصدراً رئيسياً للتهديد، على الرغم أنه لم يكن كذلك في فترات سابقة، عندما كانت المعيشة بالدولة، لا تعتمد على النفط (الذي قد يكون لم يكتشف بعد). ومن وجهة أخرى فإن كل تهديد لما يرتبط بالنفط، يلحق به من حيث الأهمية، فمناطق الإنتاج ووسائل النقل وخطوطه، ومعامل تكريره كلها مناطق حيوية تقفز من مستوى مصادر التهديد الثانوية، إلى مستوى مصادر التهديد الرئيسية.

(2) مصادر التهديد الثانوية

مواجهة مصادر التهديد الرئيسية، تستلزم حشد كافة القوى والقدرات في الدولة، وتعبئتها في الحال. بينما يمكن التريث في مواجهة مصادر التهديد الثانوية، ريثما تنتهي الأعمال الأكثر أهمية، شريطة أن تبقى مصادر التهديد الثانوية، تحت السيطرة حتى لا تتحول إلى مصادر تهديد رئيسية.

وعندما لا يمس مصدر التهديد كيان الدولة ووجودها، بل يلحق الضرر ببعض الأبعاد الأمنية، فانه يمكن استنفار بعض الجهود دون تعبئة شاملة لمواجهته، بل إن المواجهة الجزئية، يمكن، تأجيلها لوقت لاحق، طبقاً للضرر العائد منها وتوقيته.

وبعض مصادر التهديد، تصنف "ثانوية"، لعدم أهميتها الراهنة، أو لضعف تأثيرها (أو أن تأثيرها جزئي لا يشمل الدولة كلها)، إلا أن صانعي القرار يصنفونها كمصدر تهديد رئيسي. فهي تقديرياً يمكن أن تُستخدم فيما بعد، كسبب لإثارة مشاكل أمنية، أو أن التأخر عنها في الوقت الحاضر، قد يصعب معه مواجهتها، في وقت لاحق، أو قد يخشى استفحال آثارها إذا تأجلت المواجهة.

ب. مجالات مصادر التهديد

(1) مصادر التهديد الداخلية

تهدد هذه المصادر أبعاد الأمن الوطني في شقه الداخلي، أي أنها موجهة للدائرة المحلية للأمن الوطني للدولة، وغالباً تكون ذات تأثير قوي على تماسك الشعب، وقوة نسيجه الاجتماعي. فهي تؤلب الطوائف، وتثير الأقليات، وتهدد الأمن الذاتي للمواطنين، مثال ذلك هجمات الجماعات المسلحة في الجزائر على القرى لقتل المواطنين، في مذابح شبه يومية، أو عمليات التخريب للمنشآت والمصانع، التي قامت بها الفصائل الثورية عام 1991 في الصومال للإطاحة بحكم الرئيس السابق محمد سياد بري، أو ما تقوم به بعض الجماعات المتطرفة في مصر، بالتعرض بالأذى للسائحين، للأضرار بالاقتصاد المصري، حتى تنهار الدولة والحكومة.

ويكون الأمر أكثر صعوبة، ويتصاعد سريعاً بحدة عندما يوجه التهديد إلى البعد العسكري، فيصل بسرعة إلى حد الصراع المسلح والاشتباكات بالنيران، وهو ما ينقله إلى مرحلة الحرب الأهلية، وهو ما عانت منه لبنان في الثمانينيات من القرن العشرين وما قبلها لفترة طويلة، وما عانت منه اليمن بين شطريها بعد مرور عام تقريباً على الوحدة بينها، ومازالت تعاني منه السودان وجيبوتي والصومال وجزر القمر (من الدول العربية) وغيرها من الدول النامية.

تنبع مصادر التهديد الداخلية، للأمن الوطني، من داخل الدولة، (أو الإقليم في حالة تهديد الأمن القومي / الإقليمي لمجموعة دول)، وتكون عناصر التهديد، هي عناصر غير المتوافقة مع نظام الحكم، وغير مواليه له. أو قد تتضمن مثيري الشغب والإثارة، أو عناصر المعارضة السياسية، أو بعض عتاة الإجرام الذين تلجأ إليهم قيادات العناصر المتمردة، للاستفادة من خبراتهم، في السيطرة على الشارع المحلي، عندما يكون الهدف إثارة الذعر، وإشعار المواطنين، بانعدام الأمن. وقد تضم هذه الجماعات أحياناً، أعوان النظام الحاكم نفسه، وتكون هي الأداة التي تروّع المواطنين، لتستمر في مواقع النفوذ والسلطة.

أعطت السنوات الأخيرة من القرن العشرين، صورة قاتمة لمصادر التهديد الداخلية، التي أصبحت أكثر قوة وشراسة وخطورة على الأمن الوطني. وقد أصيبت الدول بعدواها، صغيرة كانت أم كبيرة، غنية أم فقيرة، وهي أكثر شراسة وقوة، وأسرع في الدول النامية (الفقيرة)، عنها في الدول الأكبر والغنية، التي تكون عادة غير مكتملة النمو في حسها الوطني، كما تضعف قدراتها الاندماجية الداخلية، بين طوائفها وفئاتها المختلفة، مما يسهل معه اختراق أمنها.

تَتّبِعْ مصادر التهديد الخارجية إستراتيجية غير مباشرة، باستخدامها مصادر التهديد الداخلية، لتهديد أمن الدولة، وانهياره. وهي ظاهرة، انتشرت في نهاية القرن العشرين. كذلك، فإن مصادر التهديد الداخلية، قد تكون رئيسية، عندما تمس كيان الدولة ذاته، وثانوية عندما لا يكون هناك إلحاحٌ لمواجهتها، ويمكن تأجيلها لفترة قادمة.

(2) مصادر التهديد الخارجية

توجه هذا المصادر، تهديداتها للأبعاد الأمنية للدولة، في دوائرها الخارجية (إقليمية ـ دولية)، وهي تعني ضمناً تدخلاً من قوى خارجية، أجنبية غالباً، أو جماعات منشقة، أو معارضة تحتضنها دولة أجنبية، غالباً من دول الجوار الجغرافي، مثل جنوب السودان، والأكراد في المناطق العراقية والإيرانية، وغيرها، العديد من الدول التي لديها لاجئين، تستخدمهم كورقة ضغط على حكومات تلك الدول من آونة لأخرى بإثارتهم ودفعهم لإثارة القلق لحكوماتهم. وغالباً ما تؤثر نتائج التهديدات الخارجية في المصادر الداخلية للتهديد.

ويُعد الاعتداء المسلح على أراضي الدولة ومصالحها الخارجية، أعلى درجات مصادر التهديد الخارجية، ويكون الامتناع عن التعاون، والتحالف مع الخصوم مظهراً له.

ويبالغ الحكام عادة في تصوير دور المصادر الخارجية للتهديد، في تهديد أمن الوطن. وتزداد تلك المبالغة، باختلاف العقائد بين الطرفين، ويتحول الأمر إلى تصور بوجود مؤامرة خارجية ضد أمن البلاد ـ وهو ما يعرف بالنظرية التآمرية، التي تتعاظم حتى يصل الاعتقاد إلى حد التهديد المطلق (التعميم، وعدم وضوح معالم محددة)، مثل اتهام الإمبريالية العالمية.

وتستخدم النظم السياسية الحاكمة (الضعيفة، أو الدكتاتورية)، مصادر التهديد الخارجية كحل لأزمتها الداخلية، أو لإيجاد مبرر لإجراءات البطش الداخلية التي تقوم بها[2].

ينتشر في الفكر السياسي، الغربي، نظرية استحداث مصادر تهديد خارجية، لتحقق إجماع وطني (أو قومي)، خلف القيادة والزعامة الوطنية، وحشد القدرات والطاقات الوطنية لصالح هذه الزعامة (الأمير)[3]. وتستخدم إسرائيل تلك المقولة على نحو واسع منذ وجودها في المنطقة العربية، لتحصل على المعونات الخارجية، وعلى تماسك الطوائف العديدة التي يتكون منها شعبها، في مواجهة هذا الخطر الخارجي، الذي لا يأتي.

وكما في مصادر التهديد الداخلية، فإن مصادر التهديد الخارجية يمكن أن تكون رئيسية، تستوجِب مواجهتها في الحال، أو ثانوية يمكن التريث في مواجهتها، أو تأجيل ذلك لحين الانتهاء من المواجهات الأكثر تهديداً.

لا يعد التميز الجغرافي للمكان، في تصنيف مصادر التهديد (تهديد داخلي ـ تهديد خارجي) دقيقاً بما يكفي، لإضفاء الخطورة والأولوية على مصادر التهديد، فأحياناً تكون مصادر التهديد الداخلية أكثر خطورة وأهمية من مصادر التهديد الخارجية، مما يهدر فرص الإعداد للمواجهة، وتجهيز سبل الوقاية. لذلك، فإن الخبراء والسياسيين ابتعدوا عن النظرة الكلاسيكية للتمييز، واتخذوا من التمييز على أساس مصدر تهديد رئيسي أو ثانوي، أساساً لتحديد الأولويات.



[1] في الولايات المتحدة الأمريكية، هناك ثلاث مؤسسات حكومية تعمل في مجال الأمن، وزارة الدفاع (البنتاجون)، ووزارة الخارجية، والمخابرات المركزية الأمريكية، وتصب أعمالهم في مجلس الأمن الوطني الأمريكي، الذي يرأسه رئيس الدولة. وكان النظام المناظر، في الاتحاد السوفيتي (السابق)، هو أن يتولى مجلس الدفاع الوطني كل المسؤوليات لإدراك التهديدات، ورسم السياسات الأمنية على المستوى الرسمي، ويرأسه رئيس الوزراء وعضوية وزير الدفاع، وسكرتير عام الحزب الشيوعي، والشخصيات المهمة، ورئيس جهاز المخابرات، ورئيس لجنة الخطة (المسؤول عن التخطيط). أما الدول النامية فمعظمها لا يوجد بها نظام محدد لذلك، ويقوم صانعو القرار السياسي بهذه المهام.

[2] من صور ذلك، إلغاء نتائج الانتخابات بدعوى تدخل أجنبي، وإيجاد مبرر لإعلان الأحكام العرفية للحصول على سلطات استثنائية.

[3] صاحب هذه النظرية السياسي الأوروبي الشهير نيكولا مكيافيللي (عصر النهضة الأوروبية)، الذي تضمنه كتابه الأكثر شهرة "الأمير The Prince".