إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / معركة ووترلو






منطقة العمليات لمعركة ووترلو
معركة ووترلو 1815



الجيش الثامن البريطاني

أولاً: الاستعداد لمعركة ووترلو

1. تحركات الفريقين استعداداً لمعركة ووترلو

في 11 يونيه 1815، طلب نابليون من المارشال دافو أن يرسل إلى المارشال ناي، ويكلفه بالحضور فوراً إلى مقر القيادة في أفسن في 14 يونيه 1815. في فجر يوم 12 يونيه 1815، غادر نابليون باريس، وقد أسند قيادة الجناح الأيمن لقواته إلى جروشي، والجناح الأيسر لناي، وتولى بنفسه قيادة الوسط. وكان على باقي الوحدات الفرنسية الانتشار في فانديه بقيادة لامارك، وفي لافار بقيادة بورون، وفي الألب بقيادة سوشيه، وفي جورا بقيادة لوكورب، وعلى ضفاف الراين بقيادة راب.

وصل نابليون، في 14 يونيه 1815، إلى الحدود البلجيكية عند مدينة آفن، وأذاع النشرة الإمبراطورية Le Bulletin - Impérial، التالية:

"أيها الجنود اليوم نتذكر معركتي مارنجو وفريدلاند، اللتان تقرر فيهما مصير أوروبا من قبل، وشهدتا تصرفنا الكريم مع ملوك أبقيناهم على عروشهم بعد أن وثقنا بعهودهم وأيمانهم المغلظة. واليوم قد تنكروا لنا ونقضوا عهودهم، وأرادوا إهانة فرنسا، وتحطيم كرامتها، وسلب حقوقها المقدسة، وأمعنوا في عداوتهم. فلنزحف لملاقاتهم… أيها الجنود أمامنا طريق طويلة، قُدِّر علينا أن نسير فيها إلى النهاية، ومعارك ينبغي أن نخوض غمارها، ومخاطر لا مندوحة من اقتحامها، ولسوف نفوز بالنصر إذا ثبتنا، وسنعيد حقوق الإنسان وسعادة الوطن. وقد دنت ساعة الاختبار لكل فرنسي، في صدره قلب ينبض، فإما أن يفوز بالنصر أو يموت!".

تحرك نابليون من آفن إلى بومون، في اليوم نفسه، 14 يونيه 1815، وهناك جاءته الأخبار أن الجنرال بورمون، وبعض الضباط الآخرين، قد تركوا الجيش الفرنسي، وانحازوا إلى معسكر الحلفاء. وثارت ثائرة نابليون، ثم عزم على التحرك بسرعة؛ فأصدر أوامره المفصلة بتحركات كل فيلق، قبل فجر اليوم التالي؛ بهدف الاستيلاء على جسور نهر سامبر Sambre، بين شارلروا Charleroi وثوين، بحيث يعبر ريلِّي بفيلقيه، وعن يساره ديرلون بفيلقيه، عند بلدتي مارشيان وثوين، بينما تعبر بقية الجيش، بما في ذلك فيالق الخيالة الأربعة عند شارلروا، بحيث تنتهي عملية عبور نهر سامبر بكاملها قبل ظهر15 يونيه 1815. كان نابليون قد وضع خطته أن يقطع وسط الخط البروسي الإنجليزي الممتد على طول الحدود البلجيكية، وأن يقضي على أي قوة تواجهه في الطريق من أي من جيشي الحلفاء؛ فإذا تم له النصر، وتحطيم بلوخر وولِّنجتون، استدار إلى حرب الروس والنمساويين، وعندئذ تجثو أوروبا عند قدميه تستجدي السلام. وأراد لهذه الخطة أن تتم بسرعة ودقة وسرية تامة.

استغرقت عملية عبور نهر سامبر وقتاً أطول من المقدر لها؛ فقد تمت بعد ظهر يوم 16 يونيه 1815، بدلاً من 15 يونيه 1815؛ وذلك بسبب الضباب الكثيف والازدحام على الجسر عند شارلروا. وكذلك التقى الفيلق الخامس بقيادة لوبو، لدى قدومه من بومون إلى شارلروا، الفيلق الثالث بقيادة فاندام، الذي كان لا يزال في مكانه؛ لأنه لم يتسلم أي أمر بالتحرك. كما حدث تأخير آخر مع الفيلق الرابع بقيادة جيرار، بعد أن تخلَّى بورون، قائد الفرقة 14، عن ولائه لنابليون، وفر مع أركانه إلى الحلفاء، وباح لهم بأسرار خطة نابليون. ومن ثم قرر نابليون تغيير خطته؛ فأصدر أوامر جديدة، في الساعة الثالثة بعد ظهر 16 يونيه 1815، بأن يسير فيلق ريليِّ، يتبعه فيلق ديرلون، شمالاً إلى بلدة كوسيلي لدعم ناي هناك في القتال. ضد البروسيين.

كان المارشال ناي قد وصل، بعد ظهر 15 يونيه 1815، إلى شارلروا، وكان قد تلقى من نابليون رسالة شفوية بالتحرك لقيادة ميسرة الجيش، والتقدم شمالاً إلى كوسيلي، للتعامل مع المؤخرة البروسية، التي تركها الجنرال زيتن، قائد الفيلق البروسي الأول المسؤول عن خط نهر سامبر عند كوسيلي، لتغطية انسحابه من شارلروا إلى فلوريس Fleurus، على بُعد عشرة كيلومترات إلى الشمال الشرقي. وقد تقدم ناي مسرعاً إلى كوسيلي، بينما تقدمت خيالته شمالاً عبر بلدة فراسن في طريقها إلى مزرعة كاتر برا Quatre Bras، عند تقاطع طريق نيفيل ـ نامور Nevelles-Namur، مع الطريق الرئيسي العام من شارلروا إلى بروكسل. وفي مزرعة كاتر برا كان هناك قوة هولندية بقيادة الأمير برنار، تابعة لجيش ولِّنجتون، فاشتبكت مع خيالة ناي اشتباكاً قصيراً، سقط فيه من الفرنسيين الجنرال ليتوار، حاجب الإمبراطور، وتراجعت الخيالة الفرنسية إلى فراسن، بينما أمضى ناي ليلته في كوسيلي.

يعُّد نجاح نابليون بونابرت في اجتياز نهر سامبر عند شارلروا، وحشده لقواته بين فيليب وبومون، ضربة شديدة لخطط ولِّنجتون وبلوخر؛ فقد كان ولِّنجتون وبلوخر يتوقعان أن يزحف الفرنسيون على بروكسل، عن طريق مدينتي موبيج ومونس. ولكن فات بلوخر أن يجهز دفاعات على نهر سمبر، الذي يجري عبر مضيق ضيق عميق مشكلاً مانعاً طبيعياً قوياً.

وأمر بلوخر، لدى علمه بعبور الفرنسيين لنهر سمبر، أن تحتشد فيالق جيشه في سومبروفا، على بُعد عشرين كم شمال شرقي شارلروا. وكان ذلك سهلاً على كل من الجنرال زيتن، قائد الفيلق الأول في شارلروا، والجنرال بيرتشي، قائد الفيلق الثاني في نامور Namur، اللذان كان كل منهما على بعد عشرين كيلومتراً من سومبروفا. ولكنه كان صعباً على كل من ثيلمان وقواته، في سيناي على بُعد 51 كم، وبيلو قائد الفيلق الثالث في لياج، على بُعد 80 كم. وكان من الممكن أن يتعرض أيٌ منها لهجمات من الفرنسيين، ولكن ذلك لم يحدث.

لحسن حظهما كان بلوخر يعتزم حشد قواته لخوض معركة في ليجني Ligny.

في الساعة الرابعة من صباح 16 يونيه 1815، أصدر ولِّنجتون أوامره إلى قواته بالتحرك إلى انجهين Enghien، ثم في الطريق أمر بتغيير الاتجاه إلى نيفيل Nivelles، ولدى وصول قواته إلى هناك، أمر بالتحرك بسرعة إلى كاترا برا Quatre Bras، وهناك دارت المعارك بينه وبين القوات الفرنسية التي يقودها المارشال ناي. في ذلك الوقت كان نابليون مشغولاً يدرس أوضاع الجيش البروسي بقيادة بلوخر، وعندما علم بوجود مسافات متباعدة بين الفرق البروسية تحول دون سرعة التئامها، فكر في أن يقسم جيشه إلى قسمين، وكتب أوامره بذلك إلى ناي:

"سأرسل القائد جروشي على الجناح الأيمن إلى سومبروفا، مع الفيلقين الثالث والرابع، وأرسل حرسي إلى فلوريس، وأكون هناك لأهاجم العدو إذا التقيت به، وأطهر الطريق حتى جنبلو. وهناك، وتبعاً لما قد تسفر عنه الأمور، سأتخذ قراري. وأريد منك، فور أن أتخذ قراري، أن تكون جاهزاً للزحف على بروكسل. سأدعمك بحرسي، الذي سيكون في فلوريس أو في سومبروفا. وأود أن أصل إلى بروكسل غداً صباحاً… يجب أن تكون فرقتك الأساسية على مسافة ثمانية كيلومترات وراء كاتر برا، بينما تتمركز ست فرق حولها. لقد رأيت ان أقسم الجيش إلى جناحين واحتياطي: يكون جناحك، وهو الجناح الأيسر، مؤلفاً من أربع فرق من الفيلق الأول، وأربع فرق أخرى من الفيلق الثاني، مع فرقتين من الخيالة الخفيفة، وفرقتين من خيالة كيللرمان، فيكون المجموع الكلي للأفراد ما بين 45 إلى 50 ألفاً… ويتألف الجناح الأيمن من العدد نفسه، بقيادة جروشي… ويؤلف الحرس الإمبراطوري الاحتياط العام، وسأتحرك من جناح إلى آخر وفقاً للظروف".

وأرسل نابليون كتاباً مماثلاً إلى جروشي، مع أحد ضباط الأركان. وهذه الأوامر تبين خطة نابليون بوضوح؛ لقد ظن أن باستطاعة جروشي الزحف إلى فلوريس، ورد البروسيين على أعقابهم سريعاً إلى معاستريخت، في الوقت الذي يكون فيه ناي، مع بعض الصعوبات البسيطة، قد نجح في اختراق المراكز الأمامية الشرقية التابعة لجيش ولِّنجتون. بينما يتحرك نابليون بنفسه، بعد نجاح جروشي في تحطيم البروسيين عند فلوريس، إلى السير غرباً لمساعدة ناي، ويدخل منتصراً إلى بروكسل صبيحة 17 يونيه 1815، ثم يتقدم للقضاء على جيش ولِّنتجون.

2. معركة ليجني Ligny

في الساعات الأولى من صباح 17 يونيه 1815، جاء تقرير من جروشي يفيد بأن فرقاً قوية من البروسيين قد وصلت، أثناء الليل، قادمة من نامور، وأنها تنتشر على مقربة من ليجني. وجاء تقرير آخر من ناي يقول إن العدو يحتشد في مزرعة كاتر برا. فأرسل نابليون أمره إلى ناي بمبادرة  عدوه في كاتر برا بالهجوم، بينما أسرع هو إلى فلوريس، فوصلها قبل الظهر، وكان يظن أنه سيواجه هناك جزءاً من البروسيين، بقيادة زيتن، ولكنه فوجأ بأنه أمام الجيش البروسي كله هناك، وقرر نابليون دخول المعركة ومحاولة تطويق البروسيين، وأرسل إلى ناي يأمره أن يتحول بجيشه، أو بجزء منه على الأقل، عن الطريق المؤدية إلى بروكسل، وينقض على جانب البروسيين ومؤخرتهم؛ بينما يشتبك نابليون وجورشي مع البروسيين ليحيط بجناحهم الأيسر، ثم ينقض على جناحهم الأيمن والقلب. وقال الإمبراطور لجيرار: "من الممكن أن يتقرر مصير الحرب بعد هذه اللحظة بثلاث ساعات. وإذا أسرع ناي بتنفيذ أوامري بدقة، فلن يفلت من يده مدفع واحد من مدافع الأعداء".

بدأ القتال عند الثالثة بعد الظهر، وصمد البروسيون، بقيادة بلوخر، صموداً شديداً في جميع النقاط، وأنزلت مدفعيتهم بالفرنسيين خسائر فادحة. وأدرك نابليون أن البروسيين أقوى بكثير مما كان يتخيل، لذا أرسل إلى ناي يستعجله مرة أخرى، ولكنه لم يأت. ومن الغريب أنه كان لدى نابليون الفيلق الرابع بقيادة لوبو، متمركزاً احتياطياً في ضواحي شارلروا، ولأمر ما غير مفهوم، لم يستخدم نابليون هذا الفيلق، وبدا وكأنه قد نسي وجوده بالمرة. وأخيراً قذف نابليون بقوات الحرس إلى المعركة، بعد أن انتظر، دون جدوى، وصول ناي وقواته. ونجحت قوات الحرس في تمزيق مركز الثقل البروسي، وحاول بلوخر، على رأس الخيالة البروسية، شن عدة هجمات مضادة يائسة، باءت كلها بالفشل، وهُزم البروسيون، وبدأوا في التراجع والانسحاب مسرعين في فوضى، في أول الأمر، جعلت بلوخر يسقط عن جواده، وتدوسه أقدام المذعورين. ولكن سرعان ما تمالك البروسيون أنفسهم، وأخذوا يتقهقرون في انتظام، بعد أن فقدوا 16 ألفاً من رفاقهم، و21 مدفعاً، بينما خسر الفرنسيون 11 ألف فرد منهم، وهي خسارة فادحة؛ لأنه لا يمكن تعويضها. وكان نابليون في أقصى درجات الإعياء؛ فغادر الميدان، عند حلول الظلام، على ظهر جواده دون أن يأمر جروشي بمطاردة البروسيين المهزومين. أمّا ناي فبدلاً من أن يتقدم مسرعاً إلى بروكسل، حسب الأوامر الصادرة إليه في أول الأمر، بعد أن يقتحم مراكز العدو في كاترا برا في الصباح، حين كان أمير أورانج لا يملك سوى 7.800 مقاتل، فقد أخَّر القتال إلى ما بعد الظهر، أي بعد أن وصلت الإمدادات لعدوه، وصار عدده أربعة أمثال عدد قوات ناي. ومن ثم غرق ناي إلى أُذُنيه في كاتر برا، ولم يعُد يستطيع شيئاً سوى منع ولِّنجتون من مساعدة بلوخر. أمَّا فرقة القائد ديرلون، المؤلفة من عشرين ألفاً، والتابعة لقيادة ناي، فقد بدأت في التحرك متأخرة نحو كاترا برا. ثم قبيل المساء جاء إلى ديرلون مبعوث من نابليون، بتعليمات مكتوبة، يأمره بالسير فوراً لمساندته في ليجني. فاتجه شرقاً حتى أصبح بقواته على مرأى من نابليون، إلاّ أن أمراً من ناي وصل إليه يلح في طلب عودته فوراً إلى كاترا برا، فأطاع ديرلون أمر رئيسه المباشر، وبذلك استنزفت هذه الفرقة قوتها جيئة وذهاباً بين الميدانين، دون أن تسهم بنصرة فريق منهما في أيٍ من المعركتين. وقد وصل ديرلون إلى مقر قيادة ناي، قرب الليل، وقد أوشكت المعارك على الانتهاء بين ناي وولِّنجتون، واضطر ناي إلى الانسحاب بعد أن خسر أربعة آلاف جندي، بينما كانت خسارة ولِّنجتون أكثر من ذلك بقليل.