إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / معركة ووترلو






منطقة العمليات لمعركة ووترلو
معركة ووترلو 1815



الجيش الثامن البريطاني

ثانياً: معركة ووترلو

في صباح 17 يونيه 1815، انسحبت قوات ولِّنجتون لتتوقف جنوب بلدة ووترلو Waterloo، بين جبل سان جين Saint-Jean، وتل بيلل أليانس Belle-Alliance، وغابة سوانييه، وشكلت مربعاً تصل زاويتاه الأخريان إلى سانت أوهين، وهوجمونت Hougomnt.

أمَّا نابليون فقد جاءه في صباح 17 يونيه 1815، تقرير من باجول أن البروسيين يتجهون غرباً إلى نامور، وأنه هاجم مؤخرتهم واستولى على ثمانية مدافع. وكان باجول مخطئاً؛ فهذه المدافع لم تكن من المؤخرة، وإنما كان أصحابها قد ضلوا طريقهم، وهم يبحثون عن مخازن الذخيرة، أمَّا الجيش البروسي بأكمله، عدا بعض من تأخر عن اللحاق برفاقه، فقد كان في طريقه إلى الشمال عبر جنبلو Gemblowx، إلى قرية وفر Wavre، على مسافة 13 ميلاً من ووترلو، وجاء هذا التقرير ليؤكد ظن نابليون أن بلوخر يتراجع عبر نامور ولييج إلى معاستريخت، وأن جيش ولِّنجتون صار الآن تحت رحمته في كاتر برا. ومما أكد هذا الظن الخاطئ كله وصول تقرير من ناي يعتذر فيه عن فشله في احتلال كاتر برا، ويلقي باللوم على ديرلون. وقد رد عليه نابليون برسالة مكتوبة يقول فيها:

"لقد أخطأتَ حين شتَّتت شمل قواتك… ولو كان فيلق ديرلون وريلِّي مجتمعين معاً لما تمكن أي إنجليزي من الإفلات. ولو أن ديرلون أطاع أمري وجاء لمساندتي على الفور لأمكن تدمير الجيش البروسي كله، وربما كنا قد حصلنا على ثلاثين ألف أسير… أرجو أن تتحرك إلى كاترا برا".

أضاع نابليون بعض الوقت في تفقد الجرحى والجنود، وأخذ يتحدث مع قادته عن الوضع السياسي في باريس. وعند الظهر أصدر أمره إلى جروشي بالتحرك سريعاً لمطاردة البروسيين إلى جنبلو بجيش، عدده 33 ألف مقاتل، و96 مدفعاً، أي ثلث قوته الضاربة كلها، في حين كان يكفي أن يرسل فرقة مشاة واحدة وبعض الخيالة. وتحرك نابليون إلى كاتر برا ليساند ناي، ولم يُكتب له أن يرى جروشي بعد ذلك قط!

أمّا ناي فقد ظل في فروسن، رغم أوامر نابليون بالتحرك إلى كاتر برا، إلى أن وصل نابليون نحو الثانية بعد الظهر إلى هناك، ولحق به ناي وديلون، والجميع يظنون أن ولِّنجتون لا يزال مع جيشه هناك.

جن جنون نابليون عندما رأى أن فريسته قد أفلتت من يده، وراح يؤنِّب ناي، ثم انطلق على رأس القوات يريد اللحاق  بولِّنجتون إلى ووترلو، حتى وصل إلى هناك قرب مساء يوم 17 يونيه 1815، وفجأة هبت عاصفة رعدية عنيفة، مصحوبة بأمطار غزيرة على شكل سيول حوَّلت الأرض إلى أوحال، وأوقفت تحركات المشاة والفرسان. وأمضى نابيلون الليلة في مزرعة لوكايوّ، على بعد نحو أربعة كيلومترات من مواقع ولِّنجتون، وضرب خيام جيشه على جانب الطريق.

في صباح يوم 18 يونيه 1815، وصل إلى نابليون ضابط يحمل تقريراً من جروشي يقول فيه: "إن البروسيين يتراجعون، وقد انقسموا إلى رتلين: رتل يُرجَّح أنه يتوجه إلى وفر، والآخر يبدو متوجهاً مباشرة إلى برويز… وقد يجتمع هذان الرتلان مع قوات ولّنتجون. أما بلوخر فيقود جيش الوسط منسحباً إلى ليج". وطلب جروشي جواباً فورياً وتعليمات إضافية، ولكن نابليون لم يرد عليه إلاّ بعد 8 ساعات يخبره أنه على وشك مهاجمة ولِّنجتون وقواته في ووترلو، وأن على جروشي أن يتحرك باتجاه وفر ليكون قريباً، مع الحرص على مهاجمة الفيلق البروسي، الذي سار في الاتجاه نفسه، إلى وفر بأسرع ما يمكن. وهذا الأمر يبين أن نابليون لم يطلب دعماً مباشرًا من جروشي؛ ظناً منه أن البروسيين يهربون، وأن دور جروشي هو الوصول إلى وفر للحيلولة دون وصول البروسيين إلى ووترلو. أمَّا ولِّنجتون فقد تلقى خبراً في ليلة 17 يونيه 1815، مؤداه أن البروسيين يتجهون إلى وفر. وأرسل ولّنتجون إلى البروسيين يخبرهم أنه يحتاج إلى مساعدتهم، ولو بفرقة واحدة ليواجه نابليون في ووترلو، وإلاّ سيكون مضطراً إلى ترك بروكسل، والانسحاب إلى ما وراء نهر شلت. وجاءه الرد أن بلوخر يجمع قواته عند وفر، وأن في إمكانه الاعتماد على مساعدته. ومن ثم كان تقدير ولّنتجون أن تتمكن المدافع البروسية، على أسوأ الاحتمالات، بسبب الأوحال في الطرقات، من الوصول عند الظهر؛ لكي تصوِّب نيرانها على الميمنة الفرنسية؛ فتخفف الضغط على مواقع قواته.

في الساعات الأولى من صباح 18 يونيه 1815، تحركت مجموعة، من جيش ولِّنجتون، تضم الفرقة السابعة فرسان، والفرقة الثالثة عشرة فرسان خفيفة، والفرقة الخامسة عشرة فرسان، تحت قيادة اللواء جرانت Maior-General Grant، إلى المركز الأيمن، واتخذت مواقعها على يسار الطريق المؤدية إلى نيفيل Nivelles، في مؤخرة لواء الحرس الذي يقوده اللواء باينج Major-General Byng. واحتلت مجموعة من لواء الحرس قصر هوجومونت وحدائقه. وفي مؤخرتها كان هناك مجموعة أخرى من الحرس، تليها فرقة فرسان كاملة.

خرج نابليون مع سولت لدراسة ميدان القتال، وأمر أن تحتل القوات الفرنسية المواقع المواجهة لقوات ولِّنجتون، على المنحدر الأمامي لتل بل ألليانس، وبدا على نابليون التفاؤل بأنه سيسحق ولّنتجون هذا اليوم، وقال لأركانه: "لدينا الآن ما يزيد على تسعين نقطة لصالحنا لنكسب الحرب". ولم يوافقه قادته في هذا التفاؤل، بل كان سولت في غاية الضيق بسبب عدم وجود قوات جروشي؛ وكان سولت قد سبق أن تعامل مع ولّنتجون في أسبانيا، وعرف عناده وشدة تصميمه، وذكر ذلك لنابليون، الذي رد عليه بقوله: "أؤكد لك أن ولِّنجتون قائد خامل ضيق الأفق، والجيش الإنجليزي يفتقر إلى النظام والشجاعة والمبادرة"، ورفض نابليون أن يلقي بالاً لرأي ريلي، الذي كان قد شهد الحرب في أسبانيا كذلك، حين قال لنابليون إن المشاة الإنجليز لا يؤثر فيهم الهجوم المباشر، ولا يمكن التغلب عليهم إلاّ بالخديعة والتمويه، وقال نابليون: "إذا نفذتم أوامري بدقة وذكاء، فسوف نمضي الليلة القادمة في بروكسل".

كان نابليون قد قرر الهجوم في التاسعة صباحاً، لكنه اضطر إلى التأجيل؛ لأن دافو قال إن الأرض عبارة عن أوحال زلقة لا تسمح بوصول المدافع إلى مواقعها. بلغ عدد قوات نابليون في ذلك الوقت 72 ألف مقاتل، معهم 270 مدفعاً، وهي بذلك تتفوق على قوات ولِّنجتون المكونة من 68 ألف مقاتل، و154 مدفعاً، وكان ولِّنجتون قد خصص منها 17 ألف مقاتل، و20 مدفعاً في موقع، جنوب هال، على طريق مونس ـ بروكسل، على بُعد 13 كم إلى الغرب من ووترلو؛ تحسباً لمحاولة نابليون الالتفاف حول ميمنة جيشه؛ ليقطع خطوط مواصلاته مع أوستند Ostend. وهنا لو أن نابليون أبقى قوات جروشي، المؤلفة من 33 ألف مقاتل و96 مدفعاً، على جناحه الأيسر، لتغيرت نتائج معركة ووترلو.

أزمع نابليون أن يستخدم خطط المفاجأة السريعة، التي نجحت في كثير من معاركه السابقة، والتي حصل على النصر بها في ليجني؛ فيباغت الصفوف الإنجليزية التي يشعر أنها أضعف، ثم يخترق قلب الجيش الإنجليزي بهجوم مباشر شامل، تحت ستار من قذائف المدفعية المركزة. وأزمع كذلك أن يبدأ أولاً بعملية تضليل قصيرة سريعة، إلى جهة مزرعة هوجومون Hougoumont، قرب خط تقدم جناح قوات ولِّنجتون الأيمن.

في الساعة 11 صباحاً، أصدر نابليون تعليماته الأخيرة إلى قادته أنه عندما يكون الجيش بكامله جاهزاً للقتال، نحو الساعة الواحدة ظهراً، يبدأ الهجوم عند تلقي إشارة الإمبراطور، بالاستيلاء على قرية مون سان ـ جين عند تقاطع الطرق، تحت ستار من القصف المركز من مدافع الهاون الـ 24، من الفيالق الثلاثة الأولى، ثم يبدأ الكونت ديرلون هجومه بفرقته اليسرى في المقدمة، تدعمها فرق الفيلق الأول، إذا لزم الأمر. وبينما يتقدم الفيلق الثاني، بمحاذاة فيلق ديرلون، تكون السرية الهندسية، في الفيلق الأول، جاهزة لتحصين مون سان ـ جين فور الاستيلاء عليها.

لم يكن هذا التخطيط يصلح مع الجيش الإنجليزي، المشكَّل على هيئة مربعات متصلة من المشاة، تدعمها مدفعية قوية مدربة. ولكن نابليون كان يستهين بالقوات البريطانية وقائدها، وكان واثقاً من أن المبادرة بالقصف من مدفعيته المتفوقة، يتبعها زحف قواته، في حشود متراصة، سيتمكن من اختراق قلب جبهة ولِّنجتون، ويدمر جيشه، ويفتح طريقاً ممهدة إلى بروكسل، ومن ثم كان أفراد حرس نابليون يحملون في حقائبهم، المحمولة على ظهورهم، ملابس وشارات الاحتفال بالنصر!.

بدأ نابليون القصف المدفعي في الساعة 11.3 مركزاً على الجناح الأيسر، من قوات ولِّنجتون، لمنع أي اتصال مع القوات البروسية، ولم تكن نتائج هذا القصف مؤثرة، بالصورة التي توقعها نابليون؛ فقد أمر ولِّنجتون أفراد مشاته بالانبطاح أرضاً طوال مدة القصف، وأمر مدفعيته أن ترد بقصف مماثل. وتسببت الأوحال في ضياع تأثير القنابل الفرنسية، فغاصت فيها، بعد أن كان المأمول أن تصطدم هذه القنابل بالأرض الصلبة، فتنفجر وترتد شظاياها لتحدث التدمير المطلوب. وباءت هجمات ديرلون وريلِّي بالفشل؛ فقد تشبثت قوات الحرس في جيش ولِّنجتون بمواقعها، ودافعت عنها دفاع المستميت، إضافة إلى أن الهجوم المباشر الذي بدأه ديرلون على قلب جيش ولِّنجتون، في الساعة الواحدة بعد الظهر، كان في أربعة صفوف ضيقة الجبهة عظيمة الطول؛ كل صف يشتمل على ثمان فرق، الواحدة تلو الأخرى. ومن ثم أصبحت قوات ديرلون هدفاً سهلاً لنيران المشاة الإنجليز. وعندما شرع فيلق ريلِّي في الهجوم، وكان جيروم، شقيق نابليون، قائداً للفرقة السادسة التي تشكِّل ميسرة هذا الفيلق، وقد اندفع يقذف بفرقته كلها، في هجوم عنيف، ضد مواقع العدو المتقدم في هوجومون، عوضاً عن الالتفاف حول هذا الموقع، كما كان ينبغي أن يفعل. ومن ثم رأى ريلِّي أن من واجبه أن يدعم جيروم، فاضطر أن يرسل بفرقة إثر فرقة للاستيلاء على الموقع، دون فائدة، رغم الخسارة الفادحة في الجانبين؛ فقد سقط من الفرنسيين أعداد هائلة، وسقط من جيش ولِّنجتون عدد لا بأس به، وجُرح المقدم بويس Lieut-Colonel Boyse، الذي أصابت فرسه قذيفة مدفع، فمات الفرس، ووقع بويس مصاباً بجرح بليغ، وحمله جنوده خارج الميدان، وتولى قيادة الفوج مكانه الميجور لاورنس B. Lawrence. جُرح كذلك كل من القائدين باك Packe، وإرفنج Erving، وحُملا إلى المؤخرة. ومع ذلك حافظت فرق ولِّنجتون على مواقعها.

أخذ نابليون يراقب الموقف بالمنظار فرأي كتلة سوداء تتحرك إلى ميمنة قوات ولِّنجتون، وتمنى نابليون أن تكون تلك الكتلة هي جروشي وقواته، ولكنها، لسوء حظه، كانت كتائب المارشال بورون، التي تخلت عن الفرنسيين، وانضمت إلى أعدائهم، وقد جاءت لتقديم النجدة لقوات ولِّنجتون. وفي الوقت نفسه كان بلوخر يسرع بثلاثة فيالق من قواته، تاركاً فيلق ثيلمان للتعامل مع جروشي في وفر، عبر المسالك الموحلة، لنجدة ولِّنجتون. وتحرج موقف الفرنسيين؛ فسارع سولت وأرسل، برسالة عاجلة، إلى جروشي يقول فيها: "إننا مشتبكون الآن قرب ووترلو، عند غابة سوانيه، مع قلب العدو ووسطه في مون سان ـ جين… أسرع والحق بنا، بأقصى سرعة، دون تضييع أي وقت". وتحرك مبعوثه بهذه الرسالة، في نحو الساعة الثالثة بعد الظهر، ولكنه لم يستطع الوصول إلى جروشي إلاّ عند الساعة السادسة؛ بسبب الوحل وسوء الطريق، ووجد جروشي مشتبكاً مع فيلق ثيلمان، ولا يستطيع الخلاص منه بحال.

في الساعة الرابعة، بينما المشاة الإنجليز صامدون لم يتزحزحوا عن مواقعهم، التف اللوردان أكسبريدج وهيل بقواتهما، وشنا هجمات مكثفة على المشاة الفرنسيين، ففرَّقت شملهم، وقتلت منهم أعداداً كبيرة، بينما لاذت أعداد أخرى من الفرنسيين، بالفرار لا يلوون على شيء، تارِكين مواقعهم ليسيطر عليها الإنجليز، الذين انهالت عليهم قذائف مدفعية الفرنسيين، دون تأثير كبير، إلاّ أنها أصابت النقيب جوبنز Captain Gubbins، فأردته قتيلاً، وجرح الضابطان جيل Geale، وبيم Pymm، جراحاً مميتةً. وفي ذلك الوقت تسرَّع ناي، مخترقاً عرض الوادي، على رأس قوة كبيرة من الخيالة لمهاجمة المشاة، دون إذن من نابليون، وشن سلسلة من الهجمات العنيفة، ولكنها ضاعت سدى؛ بسبب بسالة المشاة الإنجليز، وخاصة بعد وصول البروسيين وانضمامهم إليهم.

قذف نابليون بخيالة المارشال كيلرمان لدعم ناي. وعند الساعة السادسة حاولت الخيالة الفرنسية بقيادة ناي وديرلون الاستيلاء على منطقة لاهاي ـ سانت، ونجحت المحاولة، بعد عناء شديد. ولكن في الساعة السابعة بلغت المعركة ذروتها. كان البروسيون قد عززوا مواقعهم في بلانسنوا، وصاروا يهددون مؤخرة قوات نابليون، وخط تراجعه. فأرسل نابليون كتيبتين من حرسه لمحاولة استعادة بلانسنوا، وأرسل الثمانية كتائب الباقية من الحرس لدعم ناي. وبدلاً من أن يستغل ناي الثغرة التي صنعها في لاهاي ـ سانت، قاد الحرس بعيداً إلى اليسار، مهاجماً القطاع الذي يسيطر عليه مشاة الحرس البريطاني. وأخذت مدفعيته تقصف قصفاً عنيفاً. ولكن مشاة الحرس البريطاني ظلوا ساكنين حتى أصبح ناي وقواته على مسافة 15 متراً منهم، وعندئذ قابلوهم بنيران كثيفة، فأخذ الحرس الفرنسي، في أول الأمر، يهجمون وهم يصرخون""يحيا الإمبراطور"، في محاولات يائسة لشق صفوف الإنجليز، ونيران الإنجليز تحصدهم حصداً. ونظر نابليون فإذا البروسيون قد قطعوا خط الرجعة، وانضم كثير منهم إلى مشاة الحرس البريطاني، يحصدون الحرس الفرنسي، الذين بدأوا في التراجع مذعورين يتصايحون: "لقد خدعتنا الخيانة! هيا إلى النجاة!". وأخذوا يفرون، لا يلوون على شيء، وكرر اللورد هيل أوامره إلى رجال فرقته، وفرقة الجنرال دورنبرج، الذين يشكلون ميسرة الجيش لتشديد الوطأة على المشاة الفرنسيين، الذين تبعثرت صفوفهم وسادتهم الفوضى، وسقط منهم آلاف القتلى والجرحى. وسقط كثير من الإنجليز قتلى وجرحى، ومن الجرحى الضابطان دوهرتي، وبورز، والنقيب دوهرتي، وقُتلت أعداد كبيرة من خيول الإنجليز. وفي ذلك الوقت شدَّد البروسيون الوطأة على ميمنة الفرنسيين، وأصبح الفرنسيون بين شقي الرحى، والقائد ولِّنجتون يصيح في رجاله أن يطاردوهم ويقتلوهم، ولم يكف البروسيون عن مطاردتهم، والثأر منهم، وسقطت مركبات ذخائر الفرنسيين وصناديق المتفجرات، والمؤن والأمتعة وكل ما كان في ساحة القتال من أسلحة في أيدي قوات ولِّنجتون وبلوخر.

وتسرب اليأس إلى قلب نابليون، واخذ يردد: "ياللزجاج المشؤوم! لقد توقعت ذلك". وكان قبل المعركة قد اصطدمت قدماه بلوح زجاج مكسور، فشحب لونه واعتراه القلق، واعتبر ذلك نذير شؤم.

وترك نابليون الميدان، في الساعة التاسعة، وأسرع مع فلول من تبقى من رجاله إلى شارلفيل Charleville، داخل الأراضي الفرنسية التي وصلها في فجر اليوم التالي، وليس معه سوى 150 رجلاً فقط.

انهارت كل أحلام نابليون، وتحطمت أماله، فعاد إلى باريس، وأرسل النشرة الإمبراطورية في يوم 21 يونيه 1815، إلى جريدة المونيتور Le Moniteur، اعترف فيها بهزيمته في ووترلو، وحاول أن يقنع مجلس النواب في 22 يونيه 1815، بالموافقة على تعبئة جيش من 300 ألف رجل، ولكن المجلس لم يوافق وأمهله ساعة واحدة؛ لكتابة وثيقة التنازل عن العرش، فوقَّعها نابليون، وبقي بضعة أيام في باريس، وعلم أن السفن الحربية الإنجليزية، وباقي قوات الحلفاء، تتجه إلى فرنسا، فأرسل رسالة في 27 يونيه 1815، إلى الوصي على عرش إنجلترا (جورج الرابع)، يطلب منه أن يسمح له بأن ينزل ضيفاً على الشعب البريطاني. وتسلم قبطان السفينة الحربية البريطانية "بيليرفون" الرسالة، ووافق على استضافة نابليون على متنها، بعد ورود الموافقة من لندن. وفي 15 يوليه 1815، صعد نابليون إلى السفينة قائلاً: "جئت أضع نفسي في حماية أميركم وقوانينكم"!

كان الحلفاء مصممين، في هذه المرة، على وضعه في مكان لا يستطيع منه أن يمثل أي قلق بعد ذلك؛ فصدر القرار بنفيه إلى جزيرة سانت هيلانة Saint -Héléna في المحيط الأطلسي، تابعة لبريطانيا، (وتقع على بعد ألف ميل غرب جنوب أفريقيا، وعلى بُعد ألفي ميل جنوب غرب أوربا).

وصل نابليون إلى هناك يوم 17 أكتوبر 1815، وعاش كئيباً مهموماً تتدهور صحته يوماً بعد يوم، إلى أن مات يوم 5 مايو 1821.