إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / معركة العلمين (23 أكتوبر – 4 نوفمبر 1942)





تشكيل قتال الجيش الثامن
تشكيل قتال الفيلق 30
تشكيل قتال الفيلق 13
تشكيل قتال الفيلق العاشر

أوضاع قوات الجانبين
مراحل مطاردة قوات المحور
مسرح عمليات العلمين
أعمال قتال قوات الجانبين
معركة علم حلفا
الموقف يوم 1/7/1942
الإغارة على طبرق وبني غازي
الساحل الشمالي للصحراء الغربية
الصحراء المصرية الليبية
تطور هجوم الفيلق 30 (1)
تطور هجوم الفيلق 30 (2)
خطة هجوم الفيلق 30



بسم الله الرحمن الرحيم

المبحث الأول

مسرح العمليات وموقف الجانبين في معركة العلمين

أولاً: طبوغرافية مسرح عمليات شمال أفريقيا

دارت معارك شمال أفريقيا، في ميدان شاسع ممتد على طول شاطئ أفريقيا الشمالي، والهضبة الساحلية المتاخمة له، ما بين دلتا النيل شرقاً، وشاطئ أفريقيا، على المحيط الأطلنطي غرباً، مسافة أربعة آلاف كم. وتضم هذه المنطقة بصفة عامة الصحراء الليبية الممتدة من وادي النيل حتى حدود ليبيا مع تونس، ثم الأرض الجبلية التي يتميز بها الشاطئ الأفريقي إلى الغرب من حدود ليبيا. وسنقتصر فـي هذا السرد على الوصف الطبوغرافي للمنطقة الممتدة من غرب الدلتا حتى الحدود الليبية مع تـونس، وتفصيلياً في منطقة العلمين التي دارت فيها أكبر معركة دبابات، في ذلك الوقت، وكذا تأثير خواص الصحراء على العمليات العسكرية.

1. طبيعة الأرض في مسرح العمليات

أ. صحراء مصر الغربية (اُنظر خريطة الساحل الشمالي للصحراء الغربية)

تقع صحراء مصر الغربية، في الركن الشمالي الشرقي للصحراء الليبية، وتتكون من سلسلة من الهضاب، تتدرج في الارتفاع، كلما اتجهنا جنوباً. ففي الجنوب الغربي، توجد هضبة الجلف الكبير، ويزيد ارتفاعها عن 1000 م، فوق سطح البحر، وتنخفض الأرض في الجلف الكبير شرقاً وشمالاُ إلى هضبة يبلـغ ارتفاعها 400م، ويوجد على حافتها الشرقية سلسلة من المنخفضات، تضم واحات الداخلة، الخارجة، الفرافرة. أما الحافة الشمالية، فتنتهي عند سلسلة منخفضات وادي النطرون، وواحة البحرية، ومنخفض القطارة، وواحة سيوة. ويعد بحر الرمال الأعظم، ومنخفض القطارة، أهم ظاهرتين طبيعيتين في الصحراء الغربية.

(1) بحر الرمال الأعظم (اُنظر خريطة الساحل الشمالي للصحراء الغربية)  

يتواجد في الجنوب الغربي، من الصحراء الغربية، ويمتد بمحاذاة الحدود المصرية ـ الليبية، ما بين الجلف الكبير وواحة سيوة. وهو عبارة عن منطقة كثبان رملية ناعمة، يبلغ عرضها 200 كم، ويمتد منه لسان عرضه 150 كم، من جنوب سيوة، حتى واحة جالو في داخل ليبيا. ويعتبر مانع طبيعي لأي تحركات عسكرية، سواء الآلية أو المترجلة.

(2) منخفض القطارة

يقع إلى الجنوب من هضبة السلوم، ويمتد نحو الجنوب الغربي مسافة 300 كم، ويبلغ عرضه في أقصى اتسـاع له 150 كم، وتبلغ مساحته 19.5 كم2، وهي مساحة كبيرة جداً، تقترب من مساحة الدلتا. ويبلغ أقصى انخفاض فيه، حوالي 150 م تحت سطح البحر. وقاع هذا المنخفض عبارة عن سبخة لينة، ومستنقعات مالحة، لا يمكن السير فيها بالعربات. والحافة الشمالية له، عبارة عن جرف حاد وعمودي، ويبلغ ارتفاعه، في المتوسط، حوالي 159 م، ولذلك لا يمكن نزول هذا الجرف، إلا عن طريق ممرات معينة، مثل نقب "أبو دويس" في الشرق، ونقب "القطارة" في الغرب.

(3) هضبة السلوم

توجد في الشمال الغربي من منخفض القطارة، ويبلغ ارتفاعها 200 متر، وهي مثلثة الشكل، رأسها عند جبل الطاقة شمال المغرّة، في الطرف الشمالي الشرقي لمنخفض القطارة. وقاعدتها ممتدة بين السلوم وسيوة. وسطح الهضبة، منبسط صلب، يصلح لجميع أنواع الحملات. ويمتد على الهضبة عدد كبير من الدروب، تصل ما بين سيوة والسلوم ومرسى مطروح. ويمكن الهبوط، من الهضبة إلى السهل الساحلي، عن طريق نقبي (حلفاية والسلوم) فقط. كما يمتد لسان هذه الهضبة غرباً داخل الحدود الليبية مسافة 50 كم حتى واحة جغبوب.

(4) السهل الساحلي

يمتد من هضبة السلوم حتى شاطئ البحر، ويتراوح عرضه ما بين 15 إلى 30 كم. إلا أنه يضيق، كلما اتجهنا غرباً، حتى يكاد يتلاشى عند السلوم، حيث يلتقي الطريق الساحلي بالهضبة، عند نقب السلوم. ولذلك لعبت هذه المنطقة دوراً ذا أهمية بالغة في العمليات التي دارت على الحدود المصرية.

ويمر بالسهل الساحلي خط سكك حديدي فردي، من الإسكندرية إلى مرسى مطروح. ويمتد بمحاذاته طريق مرصوف يصل الدلتا بمرسى مطروح.

ويوجد في شمال السهل الساحلي موانئ صغيرة هي مرسى مطروح، والسلوم، تستقبل السفن الصغيرة حمولة من 300 إلى 500 طن. كما توجد عدة مطارات، في الدخيلة، وفوكه، ومرسى مطروح، وسيوة.

وتسقط الأمطار في منطقة السهل الساحلي، فيما بين نوفمبر وفبراير، ولكنها تنعدم تماماً على مسافة 60كم من الشاطئ، وكلما اتجهنا جنوباً. وتنحدر هذه المياه من فوق هضبة السلوم، في وديان عميقة، نحو السهل الساحلي، في شكل سيول جارفة، تسبب صعوبة التحركات خارج الطريق المرصوف.

ب. الصحراء الليبية (اُنظر خريطة الصحراء المصرية ـ الليبية)

تعد الصحراء الليبية امتداداً طبيعياً للصحراء الغربية المصرية، فتتدرج الأرض في الارتفاع من الشمال إلى الجنوب. وتنخفض نحو الشرق والشمال، مكونة هضبة ذات سعة كبيرة، من الصخور الرملية والجيرية، ولكن هذه الهضبة من الشمال عبارة عن سلسلة من المنخفضات تتضمن واحة جغبوب، وجالو، ومرادة، وهون، كما توجد واحة الكفرة في شرق ليبيا، وفي الغرب توجد واحات إقليم فزان، وأهمها واحة مرزوق.

وتلي منطقة المنخفضات هضبة تمتد حتى السهل الساحلي، وتتميز بكثرة الوديان العميقة التي سببتها الأمطار، وتمتد هذه الوديان من الجنوب إلى الشمال، ويصعب التحرك بالحملات الميكانيكية عبر الهضبة إلا في مناطق محدودة.

وتنتهي الهضبة شمالاً بجرف يطل على السهل الساحلي. ويتفاوت عرض السهل الساحلي، من منطقة لأخرى، ويغطي أجزاء منه رمال ناعمة، وسبخات مالحة، ومستنقعات صغيرة، كل هذا أثر على العمليات التي دارت في مناطق إجدابية، والعقيل، وخليج سرت.

ويخترق السهل الساحلي طريق مرصوف، يمتد من حدود مصر إلى تونس، ويعد هذا الطريق وسيلة المواصلات العسكرية الرئيسية خلال العمليات في الصحراء الليبية.

والساحل الليبي غني بالموانيء، وأهم هذه الموانيء هي طبرق، وبني غازي، وطرابلس، ولذلك لعبت هذه الموانيء دوراً حيوياً في سير العمليات، وكانت دائماً من الأهداف الرئيسية للعمليات البرية.

ويتضمن السهل الساحلي، والقسم الشمالي من الهضبة عدداً من المطارات وأراضي الهبوط في البردية، وجمبوت، والعضم، وطبرق، والمرج، وبني غازي، وإجدابية، والمردومة، وطرابلس.

2. طبيعة الأرض في منطقة العلمين (اُنظر خريطة مسرح عمليات العلمين)

تعد منطقة العلمين أصلح منطقة للدفاع عن مصر من ناحية الغرب، ولذا علّق الحلفاء آمالاً كبيرة، على الاحتفاظ بمواقعهم الدفاعية بها. حيث إذا تمكنت قوات المحور من اختراقها، سوف لا يمكن إيقافها في أي منطقة دفاعية أخرى، قبل الوصول إلى وادي النيل.

والجزء الشمالي من هذه المنطقة عبارة عن أرض منبسطة تقريباً، تكثر بها الرمال الناعمة، وتكاد تكون خالية من الهيئات الطبيعية، فيما عدا بعض التباب القليلة الارتفاع، التي تبدو من بعد كأنها عديمة الأهمية. غير أنها ذات أهمية تكتيكية، ولذا دارت معارك عنيفة، تبادلت خلالها تلك الهيئات بين كلا الطرفين مرات عديدة. ومن أمثلة هذه الهيئات تل العيصي، وتبة المطرية، وتبة كيدني، وتل العقاقير.

ولا يوجد بالجزء الشمالي، سوى الطريق الرئيسي الساحلي المرصوف، وخط السكة الحديد المتوازيين والمتجاورين، بقرب الساحل.

وتمتد في منتصف المسافة بين شاطئ البحر ومنخفض القطارة، سلسلة ضيقة من التلال المنخفضة، لعدة كمات من الشرق إلى الغرب، تسمى تبة "الرويسات" وهي تقسم خط العلمين إلى قطاعين متساويين تقريباً، قطاع شمالي، وقطاع جنوبي، والأرض في القطاع الجنوبي أكثر صلابة وارتفاعاً من القطاع الشمالي، وتنتشر في أقصى الجنوب بالقرب من منخفض القطارة، بعض المرتفعات الصخريـة التي توجد في أسفلها الرمال الناعمة، كهضبة هنتر، وقارة الحميمات. ويوجد أيضاً في هذا الجزء، بعض المنخفضات الصغيرة، ويلي ذلك مباشرة نحو الجنوب منخفض القطارة.

3. تأثير خواص الصحراء على العمليات العسكرية

فرضت الصحراء طبيعتها، على إستراتيجية الحملات العسكرية في شمال أفريقيا، كما أثرت على تكتيكات القـوات المقاتلة في العمليات التي دارت في هذا الميدان، وكان العاملان الأساسيان المؤثران، هما افتقار الصحراء، بصفة عامة إلى الموارد الطبيعية، والمواصلات، لإعاشة القوات، ثم خلو القسم الشمالي منها، من أية موانع ذات صفة إستراتيجية، وكذا من أية أهداف ذات قيمة حيوية، من الناحية السياسية، أو الاقتصادية. وقد ترتب على خلو الصحراء من الموارد الطبيعية. واضطرار القوات إلى الاعتماد على قواعدها الإدارية في الدلتا (بالنسبة للقوات البريطانية)، أو في طرابلس (بالنسبة للإيطاليين)، والتزام القوات المقاتلة الرئيسية، المنطقة الشمالية، حيث تتوفر المواصلات. لذلك لم تدر أي عمليات عسكرية، ذات صفة جدية، في المنطقة الجنوبية، حيث يصعب إمداد أي قوات فيها.

ونظراً لأن طاقة المواصلات البرية المتيسرة، في المنطقة الشمالية محدودة، فقد أثرت بالتالي على حجم القوات، التي يمكن استخدامها في المعركة. لذلك برزت أهمية الموانئ، المنتشرة على طول الساحل، ولعبت دوراً هاماً في توجيه العمليات العسكرية، وتحديد أهدافها ومداها، فأصبحت الموانئ مـن أهم الأهداف التي تسعى إليها، أي قوات مهاجمة لاحتلالها، حتى يسهل عملية الإمداد والتموين عن طريقها، وتقليل العبء الواقع على العربات، القائمة بنقل الإمدادات والتموين، من قواعدها الإدارية الخلفية.

وخلو الصحراء من الموانع الطبيعية، التي يمكن أن تحد من التحركات الآلية، أعطت العمليات، طابع خاص، يتميز بحرية المناورة للقوات المقاتلة، وشبهت معارك الصحراء بالمعارك البحرية، حيث لا يحد تحرك الأساطيل، مانع أو عائق، كما ترتب على خلو الصحراء، من الأهداف ذات القيمة السياسية، أو الاقتصادية، أن فقدت الأرض أهميتها، وأصبح الاحتفاظ بها أو التخلي عنها، أمراً يخضع للاعتبارات العسكرية فقط، وليس لأي اعتبارات أخرى.

لذلك اتسمت عمليات القوات، في الصحراء بالعمق، بهدف وصول القوات المنسحبة، إلى أنسب مواقع دفاعية في الخلف، بحيث يتعذر على القوات المتقدمة، أن تهاجمها قبل أن تعيد تنظيم مواصلاتها، وبنـاء احتياجاتها الإدارية، مما يستغرق وقتاً طويلاً يمكن للمدافع استغلاله، في تدعيم موقفهن أو الاستعداد لهجوم مضاد.

ونتيجة لذلك، شهدنا صورة جديدة للحرب، تدور معاركها في ميدان شاسع، لا يحده سوى طاقة الحملات الإدارية، على استمرار الإمداد بالاحتياجات للقوات المقاتلة من قواعدها الإدارية، ولقد نتج عن هذه الصورة، أن يعتمد القتال بصورة أساسية، على القوات المدرعة، لما تتصف به من خفة حركة، وقوة نيـران فائقتين. ولذلك أصبح تدمير القوات المدرعة للعدو، الهدف الرئيسي لأي عملية هجومية يقوم بها أي من الجانبين المتضادين.

وبرزت في الصحراء بعض المشاكل الثانوية، وكانت أهمها مشكلة التحركات عبرها، مما استلزم من التشكيلات والوحدات المقاتلة والإدارية، اتخاذ إجراءات واسعة النطاق، لفرص السيطرة وإرشاد القوات المتحركة خاصة أثناء الليل.

كما احتلت مشكلة الإخفاء والتمويه، مكاناً بارزاً، فقد أصبح إحراز المفاجأة، أمراً غير ميسور من دون بذل جهد عنيف لإخفاء القوات والتدابير الإدارية الضخمة، اللازمة للقيام بالعمليات الهجومية الرئيسية.

وسببت العواصف الرملية، مصاعب عديدة سواء من ناحية صيانة المعدات، أو من ناحية عمليات الاستطلاع، كما سبب السراب كثيراً من المتاعب بالنسبة للمراقبة الأرضية.

ثانياً: موقف الجانبين المتضادين (في أوائل يوليه 1942)

1. موقف القوات البريطانية

عندما وصل الجيش الثامن البريطاني، إلى خط العلمين، بعد هزيمته في معركة مرسى مطروح، كان قد فقد 80 ألف جندي، وكمية كبيرة من المعدات، وكان الجنود في حالة شديدة من الإعياء، فكانت أول مهمة، تواجه القائد العام البريطاني، الجنرال "أوكنلك"، هي إعادة تنظيم هذه القوات، ثم احتلال خط دفاع قوي، في منطقة العلمين، لوقف تقدم قوات المحور.

كان موقع العلمين، موقعاً دفاعياً طبيعياً، فهو يرتكز على مانعين طبيعيين كبيرين، هما البحر الأبيض المتوسط شمالاً، ومنخفض القطارة جنوباً، ولذا كان يُعد الموقع المثالي، لقوة فقدت عنصرها المدرع، في عملياتها العسكرية السابقة. وبدأت القوات البريطانية المنسحبة من مرسى مطروح، في إنشاء الدفاعات، ووضع موانع الأسلاك الشائكة، وحفر الخنادق المضادة للدبابات، وبث الألغام المضادة للأفراد والدبابات، أمام موقع العلمين. وقد أدى انسحاب القوات البريطانية إلى هذا الخط، إلى تقصير خطوط مواصلاتهم، فاستطاعوا بذلك، استعواض الكثير مما فقدوه من قواعدهم الإدارية الرئيسية في الدلتا، بينما طالت خطوط مواصلات قوات المحور.

وكانت كل الدفاعات البريطانية الموجودة أصلاً في منطقة العلمين، عبارة عن ثلاثة مناطق دفاعية، منفصلـة عن بعضها البعض ويصل الفاصل بينهم إلى 15 ميل. محتلة باللواء 3 جنوب أفريقيا حول بلدة العلمين، واللواء 6 النيوزيلندي في منطقة باب القطارة أو قارة العبد[1]، واللواء 90 الهندي في أقصى الجنوب عند نقب أبو دويس، وهكذا لم يكن خط العلمين خطاً بالمعنى المفهوم، وإنما كان عبارة عن مناطق دفاعية متناثرة، لا يوجد بينها أي تعاون. وعندما تسلم الجنرال"نوري"، قائد الفيلق 30 ، قيادة هذا الخط في 23 يونيه 1942، أمر بإنشاء منطقة دفاعية في منطقة باب القطارة جنوباً. وفي يوم 28 يونيه احتله اللواء 18 الهندي الذي كـان قد وصل من العراق حديثاً. وبدأت جميع القوات في تحسين دفاعاتها، ووضع الأسلاك الشائكة والألغام قبل أن تصل قوات المحور.

كانت الخطة العامة التي قرر الجنرال "أوكنلك" إتباعها. مبنية على اعتبار أن قوات "روميل"، لا بد وأن تكون في غاية الإرهاق والإنهاك. لذا كانت خطته تتلخص في إيقاف "روميل" عند العلمين، بإتباع أسلوب الدفاع المتحرك.

ولتنفيذ خطة الدفاع المتحرك هذه قام "أوكنلك" بإعادة تنظيم قواته، على شكل مجموعات قتال خفيفة الحركة بنفس الطريقة التي خططها في معركة مرسى مطروح، والتي لم تنجح إذ ذاك لأنها كانت جديدة ومفاجـأة للقوات. كما إنها نفذت في وقت فوضى وارتباك وانسحاب وتغيير قيادة الجيش. وأصدر "أوكنلك" أوامره أيضاً، بأن الجنود المشاة الزائدين عن هذه المجموعات خفيفة الحركة، يرسلون فوراً إلى الخلف إلى منطقة الإسكندرية، والدلتا لإعداد وتجهيز الدفاعات الموجودة بها.

وتنفيذاً لهذه الأوامر شكلت الفرقة الأولى جنوب أفريقيا مجموعتين خفيفتين الحركة. كل منها تعادل مجموعة لواء تقريباً، والمجموعة الأولى منها هي مجموعة اللواء 2 جنوب أفريقيا، وقد احتلت مواقعها غرب علم القنصل بحوالي ميل واحد، والثانية هي مجموعة اللواء الأول جنوب أفريقيا واحتلت مواقعها جنوب غرب المجموعة الأولى بأربعة أميال شمال تبة الرويسات مباشرة.

وفي الوقت نفسه، شكلت بقايا الفرقة 50 البريطانية ثلاث مجموعات خفيفة الحركة، بكل منها بطارية مدفعية ميدان، واتخذت جميعها أوضاعها الدفاعية خلف "علم القنصل". كما شكلت الفرقة 10 الهندية مجموعة اتخذت أوضاعها الدفاعية على تبة الرويسات. وفي أقصى الجنوب كانت الفرقة 5 الهندية قائمة أيضاً بتشكيل مجموعات خفيفة الحركة.

أما الفرقة الثانية النيوزيلندية. فعلى أثر قيام اللواء 6 منها، باحتلال المنطقة الدفاعية في "باب القطارة"، يوم 28 يونيه، استمرت باقي وحدات الفرقة (اللواءان 4، 5) التي كانت منسحبة من مرسى مطروح في الوصول تباعاً إلى منطقة "باب القطارة" خلال اليوم نفسه، وقام جنودها بمعاونة اللواء 6 في إعداد وإتمام دفاعاته، ثم بعد ذلك اتخذا اللواءان (4، 5) أوضاعهما الدفاعية خلفه في منطقة دير المناصيب.

وكانت جميع القوات الموجودة في القطاع الشمالي (الفرقة الأولى جنوب أفريقيا، والفرقة 50 البريطانية، والقوات المدرعة) تحت قيادة الفيلق 30، بينما كانت جميع القوات في القطاع الجنوبي (الفرقة 2 النيوزيلندية، والفرقة 15 الهندية) تحت قيادة الفيلق 13. وكان مركز قيادة الجيش الثامن يحتل خلف تبة "علم حلفا" وجنوب تبة "الرويسات" بحوالي عشرة أميال، للسيطرة على العمليات وتنسيق العمل بين الفيلقين.

وقد وصلت إلى قوات الجيش الثامن البريطاني، إمدادات كبيرة من القوات الجديدة، وكذا الأسلحة والمعدات والذخائر، من أرجاء الإمبراطورية، في منطقة العلمين، ويسر هذا قرب منطقة العلمين من الإسكندرية والدلتا، كما خفف العبء الإداري إلى أقصى درجة ممكنة.

كان هذا موقف البريطانيين عموماً في منطقة العلمين، عصر يوم 30 يونيه حينما وصلت طلائع قوات البانزر الألمانية أمام دفاعاتهم.

2. موقف قوات المحور

في عصر يوم 30 يونيه، وصلت قوات المحور، أمام الدفاعات البريطانية، في مواجهة خط العلمين. وعندما وصل "روميل" إلى هذا الخط، كان قد فقد جزء كبير من قواته وعرباته ودباباته. وفي هذا الوقت كان 85 % من عرباته عبارة عن عربات بريطانية مستولي عليها في معاركه السابقة، كما كانت دبابات فرقتي البانزر (15، 21)، لا تزيد عن 55 دبابة، وأفراد مشاة الفرقتين لا يزيدون عن 500 جندي. بينما قوة الفرقة 90 المشاة الخفيفة لا تزيد على 1100 جندي. وكان عدد المدافع الألمانية من جميع الأنواع 330 مدفعاً، منها 39 مدفعاً من عيار 25 رطل، من المستولي عليه، و29 مدفعاً من عيار 88مم. أما القوات الإيطالية فكانت تتكون من 30 دبابة، و200 مدفع من مختلف الأنواع، و5500 جندي من المشاة.

وكانت خطة "روميل" العامة يوم 30 يونيه لمهاجمة منطقة العلمين تشابه خطته في معركة مرسى مطروح. وتتلخص في أن تقوم الفرقة 90 الخفيفة بالتقدم على يسار فيلق أفريقيا، ثم تلتف حول دفاعات منطقة العلمين، من الجنوب ثم تستمر في التقدم شرقاً، وتلتف بعد ذلك لقطع خطوط مواصلات البريطانيين وكذا خطط انسحابهم نحو الشرق.

وفي نفس الوقت كان على فيلق أفريقيا (فرقتي البانزر 15، 21)، التقدم بين قطاعي الفيلق (30، 13) البريطانيين، ثم الالتفاف نحو الجنوب، لتطويق جميع قوات الفيلق 13 البريطاني، لإرغامهم على الانسحاب السريع. وكلف فرقة ليتوريو المدرعة بمواجهة وتثبيت القوات البريطانية المدرعة التي كان يعتقد إنها محتلة في "قارة العبد". كما كلف الفيلق 20 الإيطالي بمواجهة اللواء 10 الهندي، الذي كان يعتقد، كذلك، أنه محتل منطقة "دير الأبيض". بينما يتقدم باقي الفيلق إلى تبة "الرويسات"، خلف القوات المهاجمة. كما كلف الفيلق 21 الإيطالي بمهاجمة دفاعات خط العلمين من الغرب.

وكان من المقرر بدأ الهجوم سعت 0300، في اليوم الأول من يوليه 1942. إلا أنه نظراً للمصاعب الإدارية وعمليات إعادة تنظيم القوات، أصبح من الضروري أن يتأخر الهجوم إلى صباح نفس اليوم.

3. الهجوم الأول لقوات المحور على خط العلمين (اُنظر خريطة الموقف يوم 1/7/1942)

أ. الموقف العام

في 30 يونيه 1942، استقرت التشكيلات البريطانية في خط العلمين، وكانت من الشمال إلى الجنوب، كالآتي:

الفرقة الأولى جنوب أفريقيا، حول بلدة العلمين، على شكل نصف دائرة، احتلها اللواء 3 جنوب أفريقيا، في الشمال، فاللواء 18 هندي (وصل حديثاً في منطقة دير الشين)، في المنتصف، فاللـواء 9 هندي، في الجنوب، عند نقب أبو دويس. بينما وضعت الفرقة الأولى المدرعة في الاحتياطي إلى الشرق.

ب. هجوم قوات المحور

في صباح الأول من يوليه 1942، بدأ هجوم قوات المحور. وفي ليلة 1 – 2 يوليه، تم اكتساح اللواء 18 هندي من مواقعه، وبدأ "روميل" في صباح 2 يوليه، في توسيع ثغرة الاختراق، فدفع الفيلق الأفريقي، وفرقة آريتي المدرعة، ومعظم فرق المشاة الإيطالية إلى المعركة. ونشب إثر ذلك قتال عنيف، مما اضطر "روميل"، بحلول مساء 2 يوليه، إلى سحب قواته من الثغرة التي أحدثها، في خط العلمين.

وفي يوم 3 يوليه، استأنف "روميل" الهجوم مرة أخرى، ولكن تم صد جميع هجماته. وبانتهاء هذا الهجـوم على خط العلمين، أخذ "روميل" يفقد المبادأة، بينما بدأ الجنرال "أوكنلك"، سلسلة من الهجمات المضادة، لتحسين موقف قواته.

ج. الهجمات المضادة البريطانية

أعاد الجنرال "أوكنلك"، تنظيم قواته، فاحتل الفيلق 30، القطاع الشمالي، من شاطئ البحر إلى تبة الرويسات، واحتل بفرقة من الفيلق 13، منطقة علم "نايل"، بينما احتفظ بباقي الفيلق في الاحتياطي، لحراسة الجانب الأيسر للمواقع البريطانية.

بدأ "أوكنلك"، هجومه يوم 9 يوليه، وتمكنت قواته من احتلال تل "العيصي"، وتل "المخاض". إلا أن قوات المحور قامت بهجوم عنيف ليلة 13/14 يوليه، وتمكنت من استرداد هذين التلين.

استأنفت القوات البريطانية الهجوم في المدة بين 15، 17 يوليه واستولت على تل "العيصي"، وتل "المخاض"، وتبة "المطرية"، إلا أن قوات المحور، استطاعت استردادها جميعاً، مرة أخرى، بعد قتال عنيف.

استمرت أعمال القتال بعد ذلك بين الجانبين، إلا أن الهجمات البريطـانية جميعها فشلت، وبذلك توقفت العمليات الهجومية المحلية، خلال شهر أغسطس استعداداً لمعركة علم حلفا.

ثالثاً: معركة العلمين الأولى (معركة علم حلفا):[2] (31 أغسطس حتى 7 سبتمبر 1942)

1. الإعداد للمعركة

أ. قوات المحور

خلال شهر أغسطس 1942، وصلت إلى قوات المحور إمدادات جديدة، من الأسلحة، والمعدات، والدبابات، وقوات جديدة، خاصة الفرقة 164 المشاة، والآلاي 125 مشاة، من حامية كريت، إضافة إلى عدة كتائب مظلات ألمانية.

وقد تعرضت خطوط مواصلات قوات المحور، بصفة دائمة للهجمات من القوات الجوية والقطع البحرية البريطانية، التي ركزت على الموانئ وكذا سفن النقل الصغيرة. ونظراً لطول خطوط المواصلات، قلت كفاءة حملاته الإدارية البرية، وأصبح موقف قوات المحور، من الإمدادات الإدارية، خاصة البترول حرجاً للغاية.

ب. القوات البريطانية

خلال شهر أغسطس 1942، كذلك، وصلت إلى القوات البريطانية، في العلمين، إمدادات جديدة، من القوات، الفرقتان (44، 51) المشاة، فضلاً عن عدة مئات من مدافع الميدان ذاتية الحركة، وعدد ضخم من طائرات القتال، والقاذفات، التي لم يكن متوقعاً وصولها قبل منتصف أغسطس. لذلك قرر "أوكنلك" في أول أغسطس إيقاف العمليات الهجومية، وتعزيز مواقعه الحالية حتى يحين الوقت لتوجيه ضربة رئيسية لقوات المحور.

ج. تغيير القيادة البريطانية وتعيين مونتجمري

كان المسؤولون عن إدارة الحرب في بريطانيا. يشعرون أن الموقف في الشرق الأوسط، يتطلب إجراءً حاسمًا لوضع الأمور في نصابها. نتيجة لانخفاض الروح المعنوية للقوات، والهزائم المتتالية للجيش وهنا قال "تشرشل" عبارته المشهورة عن الجيش الثامن (إنه جيش شجاع ولكنه يبعث على الحيرة)، ولذلك قرر أن يتوجه بنفسه إلى القاهرة، لدراسة الموقف مع كبار القادة البريطانيين، والبحث عن مخرج للأزمة التي وصلت إليها القوات البريطانية شمال أفريقيا.

وصل تشرشل إلى القاهرة يوم 3 أغسطس 1942، حيث اجتمع مع الفيلد مارشال "سمطس"، رئيس وزراء جنوب أفريقيا، والجنرال "ويفل"، والجنرال "ألن بروك" رئيس هيئة أركان حرب الإمبراطورية البريطانية. وأخذ يضيّق الخناق على "أوكنلك" للقيام بهجوم عاجل قبل التاريخ الذي حدده الأخير، في 15 سبتمبر 1942.

اتضح لـ "ونستون تشرشل"، رئيس وزراء بريطانيا، أثناء زيارته لجبهة الجيش الثامن في الصحراء، أن الجنرال أوكنلك، لم يكن على استعداد للقيام بأي أعمال قتال تعرضية، قبل مرور زمن طويل، كما أن الاستعدادات الدفاعية، التي كانت تُجرى، كانت توحي بأن القائد العام البريطاني لم يكن واثقاً، من إمكان إيقاف الهجوم الألماني المنتظر. ولذلك، عزل ونستون تشرشل، الجنرال "أوكنلك"[3] وَوَلَي بدلاً منه الجنرال "ألكسندر"[4]، قيادة القوات البريطانية في الشرق الأوسط، كما أصدر أمراً، بتعيين الجنرال "جوت"، قائد الفيلق 13، قائداً للجيش الثامن، إلاّ أنه قُتل في اليوم نفسه، عندما أَسْقَطَتْ طائرتَهٌ طائرةٌ مقاتلةٌ ألمانية، وهو متجه إلى القاهرة، لاستلام قيادته الجديدة من تشرشل. ولكن على إثر مصرع الجنرال "جوت"، أصدر تشرشل أمراً، بتعيين الجنرال "بيرنارد لو مونتجمري"، قائداً للجيش الثامن البريطاني. وبدأ عمله في يوم 12 أغسطس 1942.

وكان رأي "تشرشل" ترشيح الجنرال "ولسون" للقيادة. ولكن الفيلد مارشال "سمطس"، و"ألن بروك"، نجحا في إقناع "تشرشل" بأن يوافق على تعيين "مونتجمري" لقيادة الجيش الثامن.

وبوصول الجنرال مونتجمري، إلى منطقة العلمين، اتخذ أول قراراته، بحرق جميع خطط الانسحاب، واستخدام الدبابات والمدفعية في أكبر حشد، وتجميع قوات الدلتا للقتال في العلمين، وعدم مطاردة "روميل". وفي الوقت نفسه، بدأ في دراسة نقط الضعف، فاتضحت له الحقائق التالية:

(1) عدم إتباع الجنرال "أوكنلك"، لسياسة هجومية وإتباع سياسة دفاعية سلبية ترمي إلى التخلي عن مواقع العلمين.

(2) القتال بمجموعات لواءات مستقلة، بدلاً من القتال بفرق كاملة.(عدم إتباع مبدأ من مبادئ الحرب، وهو حشد القوات).

(3) عدم تنسيق خطط العمليات، بين القوات الجوية، والقوات البرية.

(4) ضعف الروح المعنوية في الجيش الثامن.

وبدأ "مونتجمري" في دراسة موقف القوات، والخطط والأساليب المتبعة في القتال، وخرج من دراسته باتخاذ قرار بإتباع سياسة دفاعية جديدة، تتلخص في الآتي:

(1) أن واجب الجيش الثامن البريطاني، هو تحطيم قوات المحور في شمال أفريقيا.

(2) أن الجيش الثامن البريطاني، لن ينسحب من مواقع العلمين.

(3) سيكون الجيش الثامن البريطاني، على استعداد لمواجهة الهجوم الألماني، لو حدث بعد أسبوعين، أي بعد 27 أغسطس.

(4) البدء فوراً في وضع الخطط للهجوم البريطاني الكبير المنتظر، ولهذا تم تشكيل الفيلق 10 المدرع، مكوناً من فرقتين مدرعتين، والفرقة 2 المشاة النيوزيلندية، ليكون القوة الضاربة الرئيسية، على أن تسحب إلى الخلف للتدريب.

(5) تعود القوات إلى القتال، بفرق كاملة وتلغي طوابير "جوك".

(6) تنتقل رئاسة الجيش الثامن، إلى جوار رئاسة قوة الصحراء الجوية، ليتم التنسيق بينهما.

2. خطط الجانبين ومراحل المعركة

أ. الخطة الدفاعية البريطانية

قرر الجنرال "مونتجمري" أن تقوم خطته على مبدأين:

الأول: حرمان قوات المحور، من أي فرصة للوصول إلى خطوط مواصلاته، في السهل الساحلي.

الثاني: الامتناع عن التورط، في أي عملية هجومية.

وأخذ "مونتجمري" في دراسة الخطة الألمانية المنتظرة. وقد وجد أن "روميل" من المحتمل أن يكرر تكتيكاته الناجحة، التي استخدمها في معاركه السابقة، ويوجه ضربته القادمة، في القطاع الجنوبي من خط العلمين، ثم يتقدم شمالاً بهدف الوصول إلى خط السكك الحديدية، والطريـق الساحلي لقطع انسحاب القوات البريطانية الأمامية، ويرغم القوات المدرعة البريطانية، على الدخول في معركة، يستطيع أن يدمرها خلالها[5]، وفي حالة فشل "روميل" في ضربته، فسيحاول الانسحاب لاستـدراج القوات المدرعة البريطانية، وإغرائها على القيام بهجوم مضاد عام. وعندئذٍ يستطيع "روميل" أن يواجهها بستارة، من نيران المدافع من عيار 88 مم، للقضاء عليها، كما فعل في معظم معاركه السابقة.

كان هناك طريقا اقتراب محتملان للتقدم الألماني المنتظر. الطريق الأول بين تبة علم حلفا ودير الحمة، والطريق الثاني يمر شرق تبة علم حلفا إلى بلدة الحمام في السهل الساحلي.

وقرر "مونتجمري" أن نجاح "روميل" في التقدم على أي من الطريقين يتطلب احتلال تبة علم حلفا أولاً، وهي أعلى هيئة في المنطقة الدفاعية كلها، يمكن السيطرة منها على الأرض شمالها وجنوبها، وكذا على طريقي التقدم شرقها وغربها. كما أنها تُعَد مفتاح الموقع الدفاعي كله، ونقطة ارتكازه، في منطقة العلمين. وعلى ذلك قرر ضرورة احتلال هذه الهيئة وتأمينها. ضد أي هجوم، وأعطيت الأوامر للفرقة 44 مشاة باحتلال تبة علم حلفا والتمسك بها. كما دُعمت الفرقة الثانية النيوزيلندية، في تبة "علم نايل"، بلواء من الفرقة 44، وبذلك أصبح موقع "علم نايل"، هو الآخر، قوياً.

ولمواجهة احتمال تقوم قوات المحور المدرعة، شرق علم حلفا أو في الثغرة بينها وبين علم نايل أُمرت الفرقة 10 المدرعة بسد طريق الاقتراب بينهما. أما الفرقة 7 المدرعة فقد كلفت بمراقبة الجهة الجنوبية بين "علم نايل" وقارة "الحميمات"، على أن لا تتورط في القتال.

في 28 أغسطس تم تنظيم الموقع الدفاعي. طبقاً للخطة السابقة، وتم كذلك تنسيق خطة المعاونة الجوية للعمليات المنتظرة. وبذلك أصبح "مونتجمري" على استعداد تام لمواجهة الضربة الألمانية المنتظرة.

ب. خطة هجوم المحور

وضع "روميل"خطته للهجوم على أساس القيام بهجوم تثبيتي في الشمال ضد الجبهة البريطانية بين شاطئ البحر وعلم نايل، بينما يقوم الفيلق الأفريقي الألماني، والفيلق 20 الإيطالي باختـراق الخط الدفاعي جنوب علم حلفا، والتقدم إلى علم حلفا واحتلالها، ثم اختراق الثغرة بين علم حلفا وعلم نايل، لتطويق جميع القوات البريطانية في الشمال.

ج. مراحل سير المعركة (اُنظر خريطة معركة علم حلفا)

(1) المرحلة الأولى (مهاجمة تبة علم حلفا)

تضمنت اختراق خط الدفاع البريطاني والاتصال بموقع علم حلفا والفشل في مهاجمته.

بدأ "روميل" الهجـوم في ليلة 30/31 أغسطس. بعد أن قام السلاح الجوي الألماني، بهجمات قوية على القوات البريطانية. ففي الشمال قامت فرقتان إيطاليتان بهجوم خداعي، وفي أقصى الجنوب تم فتح ثغرتين في حقول الألغام البريطانية، وعبرتهما القوة الضاربة الرئيسية للمحور.

يوم 31 أغسطس استمرت القوة الضاربة الرئيسة (فرقتا البانزر الألمانيتين) في التقدم شمالاً في اتجاه تبة علم حلفا. والهجوم على اللـواء 22 المدرع، الذي كان يحتل النقطة (102)، والطرف الغربي من موقع الفرقة 44 المشاة. وقد تمكن اللواء في النهاية من صد الهجوم بعد قتال عنيف، وبمعاونة اللواء 23 المدرع، ولذا أصدر "روميل" أوامره بإيقاف الهجوم.

في ليلة 31 أغسطس/1 سبتمبر قامت الفرقة 9 الأسترالية بهجوم تمكنت خلاله من فتح ثغرة في خطوط المحور الدفاعية، بهدف إرسال جماعات صغيرة، خلال هذه الثغرة، في صباح يوم 1 سبتمبر للإغارة على المناطق الخلفية لقوات المحور، إلا أن القوات المدافعة تمكنت من سد هذه الثغرة على أثر هجوم ألماني مضاد.

وفي صباح يوم 1 سبتمبر، اتضح للجنرال "مونتجمري"، أن محور تقدم القوات المهاجمة، هو تبة "علم حلفا" ومنه شمالاً إلى تبة "الرويسات"، وبذلك يتم لروميل طي الموقع البريطاني من الجنوب إلى الشمال. وعلى ذلك أصدر "مونتجمري" أوامره، بأن تتحرك الفرقة 10 المدرعة إلى الثغرة، بين "علم حلفا"، و"علم نايل"، وأن يحل محلها، لواء من الفرقة 50 ، وأن يحتل لواء من الفرقة الأولى جنوب أفريقيا، الطرف الشرقي لتبة الرويسات.

وفي اليوم نفسه، يوم 1 سبتمبر، قامت الفرقة 15 بانزر بالهجوم على المنطقة شرق النقطة (102) حيث كانت الفرقة 10 المدرعة في مواقعها الجديدة، وقد نجحت الفرقة 15 البانزر في التقدم على الرغم من المقاومة العنيفة، ولكنها في النهاية اضطرت إلى التوقف عن الهجوم، لنفاذ الوقود من دباباتها.

وفي يوم 2 سبتمبر، توقف فيلق أفريقيا عن الهجوم، نتيجة لنيران المدفعية الكثيفة، وضربات سلاح الطيران البريطاني، وعمليات الإزعاج التي قامت بها الفرقة 7 المدرعة في مؤخرة قواته، وعلى ذلك أمر مونتجمري، بأن يبدأ الهجوم المضاد لقفل الثغرة التي دخلت منها قوات المحور.

وخلال 2/3 سبتمبر استمرت الهجمات الجوية البريطانية العنيفة مرة أخـرى، وعندئذٍ قرر "روميل" إيقاف الهجوم والانسحاب تدريجياً إلى الخلف مرة أخرى. وعلى الفور قرر "مونتجمري" القيام بالهجوم المضاد العام لقفل الثغرات التي دخلت منها القوات المهاجمة، وفي الوقت نفسه، أصدر أوامره للفرقة 7 المدرعة بتشديد ضغطها على المنطقة بين جاب الله وقارة الحميمات.

(2) المرحلة الثانية (الهجوم المضاد)

في فجر يوم 3 سبتمبر قطع "روميل" اتصاله بالقوات البريطانية، واتجه نحو الجنوب الغربي وفي الساعة 2230 ليلة 3 / 4 سبتمبر بدأ الهجوم البريطاني المضاد بالفرقة 2 المشاة النيوزيلندية، بهدف سد الثغرات في حقول الألغام. ولكنه اصطدم بمقاومة عنيفة من الفرقة 90 الخفيفة، غير أن الهجوم نجح في اليسار وفشل في الجانب الأيمن.

في فجر يوم 4 سبتمبر نفذت قوات المحور هجوم مضاد عنيف، ببعض العناصر من فرقتي تريستي وبريسيكا والفرقة 90 الخفيفة، كما نفذ هجوم مضاد آخر في مساء اليوم نفسه، وعلى أثر ذلك اضطرت القيادة البريطانية في ليلة 4/5 سبتمبر إلى سحب الفرقة النيوزيلندية إلى منطقتها مرة أخرى، وقد استمرت الهجمات الجوية البريطانية على قوات المحور طوال يوم 4/5 سبتمبر.

في ليلة 5/6 سبتمبر انسحب "روميل" تدريجياً، تحت ستر ستارة قوية من نيران المدفعية المضادة للدبابات. وفي صباح يوم 6 سبتمبر لم تكن هناك قوات للمحور شرقي حقول الألغام البريطانيـة عدا ثلاث نقاط دفاعية تتحكم في الأرض الواقعة شرقها.

وفي يوم 7 سبتمبر، قرر "مونتجمري"، إيقاف العمليات العسكرية، وعدم مهاجمة النقط، التي احتفظت بها قوات المحور، والبدء في إنشاء دفاعات جديدة، شرق حقل الألغام. وبذلك انتهت معركة علم حلفا بالفشل التام، وضاع أمل "روميل" في الوصول إلى قناة السويس، وأخذ "مونتجمري" في تركيز جهوده للاستعداد للمعركة الكبرى القادمة، "معركة العلمين".

3. العمليات قبل معركة العلمين (يوم 30 سبتمبر 1942) (اُنظر خريطة الإغارة على طبرق وبني غازي)

خلال الفترة بين نهاية معركة علـم حلفا وبدء معركة العلمين، دبرت القيادة البريطانية في الدلتا وقيادة البحرية البريطانية خطة للهجوم، على طبرق، وبني غازي، وأشرفت القيادتان على تنفيذها. وكان الهدف منها القيام بعملية برية بحرية مشتركة ضد الميناءين لتدمير مرافقهما، أو محاولة الاستيلاء عليها بمساعدة الأسرى البريطانيين الموجودين فيها بعد إطلاق سراحهم.

وتحدد للقيام بهذه العمليات ليلة 13/14 سبتمبر، بعد أن قامت القاذفات المتحالفة بغارة عنيفة عليها.

وقامت قوة طبرق البرية من اتجاه سيوة، مستخدمة العربات الألمانية المستولى عليها، واستخدام اللبس الألماني للأفراد، وكانت معظم الجماعات الأولى تتكلم الألمانية بطلاقة، وكانت كل هذه التدابير بقصد خداع دوريات وحراس النقط الدفاعية للمحور، للسماح بالمرور دون معارضة.

وقد أمكنهم التسلل إلى طبرق وهاجموا بعض المدافع الساحلية، كما حاولوا إطلاق سراح الأسرى البريطانيين. وكان المفروض أن تصل إليهم القوة البحرية وتتعاون معهم بإنزال الجماعات ولكنها لم تصل في موعدها، ولم تصل إلى أماكنها المحددة، علاوة على فقد ثلاث مدمرات وثلاث سفن إنزال صغيرة في هذا العمل، وأخيراً اضطرت القوة للانسحاب بخسائر جسيمة.

أما قوة "بنغازي" البرية (سميت قوة سترلنج، بأسم قائدها)، فبدأ تقدمها من واحة الكفرة، فقطعت رحلة هائلة طولها 700 كم، عبر الصحراء الجرداء، حتى وصلت إلى مطار بني غازي، فلما وجدت دفاعاته قوية عادت من حيث أتت.

وهكذا انتهت العمليتين بفشل تام، ولم يكن لهما أي نتائج سوى فقد الجزء الأكبر من الجنود المدربين علاوة على القطع البحرية.

عمليات يوم 30 سبتمبر 1942

يوم 30 سبتمبر 1942 بدأ "مونتجمري" هجوم تمهيدي استعداداً لمعركة العلمين، بقصد السيطرة على منخفض المناصيب، أو على الأقل للإشراف عليه لإمكان مراقبته.

وفي فجر يوم 30 سبتمبر، قام لواء من الفرقة 44 المشاة البريطانية بالهجوم في اتجاه الجنوب الغربي على مواقع المحور الدفاعية في منطقة دير المناصيب، وكان يعاونه في هذا الهجوم 9 آلايات مدفعية ميدان، وآلاي مدفعية متوسطة. وقد تمكنت الكتيبة اليمنى من الوصول إلى هدفها عند الحافة الشمالية للمنخفض حيث عززت مواقعها المكتسبة. أما الكتيبة اليسرى، فقد تعثرت في تقدمها، بسبب الألغام. وقد تمكنت من الوصول إلى هدفها عند الحافة الجنوبية للمنخفض، إلا إنها لم تتمكن من تعزيز مواقعها بسبب هجمات المحور المضادة المستمرة طوال اليوم.

وفي ليلة 30 سبتمبر/1 أكتوبر، أعاد اللواء تنظيمه، واستأنف القتال إلا أنه فشل في السيطرة على الحافة الجنوبية للمنخفض.

وهكذا انتهت هذه العملية بالسيطرة على حافة منخفض دير المناصيب الشمالية، فقط وساد الهدوء ميدان العلمين، مرة أخرى، في انتظار المعركة الكبرى.



[1] كان البريطانيون يُطلقون على هذه المنطقة اسم "باب القطارة"، بينما يسميها الألمان "قارة العبد"، وهما اسمين لمكانين متقاربين في منطقة دفاعية واحدة.

[2] سميت معركة حلفا بمعركة ستالينجراد الصحراء الغربية، لما في المعركتين من تشابه في النتائج وفي التوقيت. ولقد كانت لكل منهما نقطة تحول في مسرح العمليات الذي دارت فيه.

[3] عُين الجنرال أوكنلك، قائداً للقوات البريطانية في إيران والعراق، وكانت هذه المنطقة خالية من أي نشاط، ووجد في ذلك تنزيل في مركزه وإهانة له، ولذلك رفض هذا المنصب وفضل اعتزال الخدمة العسكرية.

[4] كان الجنرال ألكسندر قائداً للانسحاب البريطاني الشهير من `دنكرك` وصاحب أعظم عقلية إستراتيجية في بريطانيا.

[5] كانت هذه الخطة هي التي وضعها `أوكنلك` في تقديره للموقف عند إخلال خط العلمين.