إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / معركة العلمين (23 أكتوبر – 4 نوفمبر 1942)





تشكيل قتال الجيش الثامن
تشكيل قتال الفيلق 30
تشكيل قتال الفيلق 13
تشكيل قتال الفيلق العاشر

أوضاع قوات الجانبين
مراحل مطاردة قوات المحور
مسرح عمليات العلمين
أعمال قتال قوات الجانبين
معركة علم حلفا
الموقف يوم 1/7/1942
الإغارة على طبرق وبني غازي
الساحل الشمالي للصحراء الغربية
الصحراء المصرية الليبية
تطور هجوم الفيلق 30 (1)
تطور هجوم الفيلق 30 (2)
خطة هجوم الفيلق 30



بسم الله الرحمن الرحيم

ثانياً: مدى تطبيق الجانبين لمبادئ الحرب في معركة العلمين

كانت معركة العملين معركة فاصلة، استعرض فيها كلا الجانبين أقصى ما لديهما من البراعة، في أساليب القتال. لذلك، أمكن الخروج منها بعدة دروس، ومبادئ للحرب، أمكن تطبيقها في العمليات التالية، وما زالت هذه المبادئ صالحة، حتى يومنا هذا. وهذه أهم المبادئ التي برزت في معركة العلمين، التي لا يمكن ضمان النصر بدون تحقيقها.

1. المفاجأة

على الرغم من أن الموقف لم يسمح لـ "مونتجمري" بتحقيق المفاجأة، إلاّ أنه استطاع تحقيق المفاجأة التكتيكية، وذلك بإخفاء حجم القوات، واتجاه وموعد الهجوم. وتم تحقيق مفاجأة قوات المحور، عند بدء الهجوم ليلة 23/24 أكتوبر. وليس أدل على ذلك، من أن "روميل" كان متغيباً، في برلين في ذلك الوقت، لاعتقاده أن موعد الهجوم البريطاني لم يحن بعد.

وكان من تأثير المفاجأة البريطانية، أن قوات المحور، لم تتمكن من توجيه أي هجمات مضادة كبرى، ضد القوات البريطانية، في المراحل الأولى من المعركة. وظل "روميل" في شك، عن اتجاه المجهود الرئيسي حتى يوم 26 أكتوبر، وبذلك ظلت قوات المحور المدرعة، موزعة بين القطاعين الشمالي، والجنوبي، حتى هذا الوقت.

ونجح الجيش الثامن البريطاني، حين انتهز فرصة اهتمام قوات المحور، بهجوم الفرقة 9 الأسترالية في الشمال، ووجه ضربته الرئيسية، بواسطة الفرقة 2 المشاة النيوزيلندية من الفيلق 30، في مكان يبعد كثيراً، عن المنطقة، بعد أن تحركت معظم قوات فيلق أفريقيا (الاحتياطي المدرع)، إلى أقصى الشمال، لمواجهة هجمات الفرقة 9 الأسترالية، وبذلك استطاعت الفرقة 2 المشاة النيوزيلندية، أن تخترق دفاعات المحور اختراقاً تاماً في ليلة 1/2 نوفمبر.

ومن أمثلة المفاجأة، في تلك المعركة، ذلك الهجوم الليلي، الذي قام به البريطانيون، ضد نقب حلفاية بدون معاونة من المدفعية، إذ تمكنت القوات المهاجمة، بفضل المفاجأة، من أسر ما يقرب من ستة أضعاف حجمها، من جنود قوات المحور، علاوة على استيلائها على النقب، من دون أي خسائر تذكر على الرغم من مناعته.

2. الحشد

ما زالت القدرة على حشد أكبر قوة ممكنة، في المكان والزمان المناسبين، هي العمل الأول لكسب أي معركة من المعارك، وخاصة إذا اشترك الحشد مع المفاجأة. وقد أكدت معركة العلمين، هذه الحقيقة، تأكيداً تاماً، إذ أن "مونتجمري" لم يكن لينجح في اختراق خطوط المحور، في ليلة 1/2 نوفمبر، لو لم يحشد لهذا الاختراق أكبر قوة ممكنة، في الوقت والمكان المناسبين. ومبدأ الحشد، لا ينطبق على القوة العددية فحسب، لكنه يتوقف كذلك، على قدرة الأسلحة والمعدات المتيسرة وكفاءتها. كما يتوقف الحشد، بصورة أساسية، على تقدير موقف دقيق للقائد، وبعد نظره، ومراعاته لمدى احتياج قواته من المطالب الإدارية، وخاصة في المناطق الصحراوية، حيث يتوقف حجم القوة، التي يستخدمها القائد، على مدى استعدادته الإدارية.

ولقد حشد "مونتجمري" الفيلقين (10، 30) في أضيق جبهة ممكنة، وقام بالهجوم بأربع فرق بمواجهة 10 كم تعاونها نيران 800 مدفع، ومن خلفها فرقتان مدرعتان. ولقد كان هذا دون شك أعظم حشد أمكن تحقيقه في جميع عمليات الصحراء، في ذلك الوقت، وجاء مؤيداً لنظرية "مونتجمري"، بالنسبة لاستخدام المدفعية والدبابات. وكانت هذه النظرية، تؤكد ضرورة استخدام هذين السلاحين، في أعظم حشد ممكن، حتى يمكنهما إظهار أعظم قوة لهما في المعركة، وفي الوقت نفسه، أحرز سلاح الطيران البريطاني، التفوق الجوي الساحق، مما أتاح الفرصة للقوات البرية، لإعادة التجميع، والقيام بالهجوم في الوقت المناسب.

ومن ناحية أخرى، فإن "روميل"، لم يكن لينجح في صد الهجوم البريطاني، من ليلة 23/24 أكتوبر، حتى أواخر ذلك الشهر، لو لم ينجح في تحريك احتياطيه المدرع، وحشده، في الأماكن المناسبة، لصد اختراق الجيش الثامن. وقد فشل بعد ذلك في صد الهجوم النهائي، الحاسم، للقوات البريطانية، لعجزه عن حشد احتياطياته في الوقت المناسب، تجاه منطقة الهجوم.

3. المرونة وخفة الحركة

لا يتحقق نجاح إتمام عمليات الحشد، إلاّ إذا توفر للوحدات والتشكيلات، قدر كاف من المرونة، وخفة الحركة، والقدرة على المناورة، حيث أن الحرب الحديثة في الأراضي الصحراوية، تتطلب تحريك قوات كبيرة بأسلحتها ومعداتها الثقيلة في أوقات محدودة.

لقد أثبتت العمليات، أن المرونة، عامل أساسي في عمليات الصحراء، نظراً لطبيعة الصحراء المفتوحة، التي تتطلب قدراً أكبر من التحركات لمواجهة كل الاحتمالات. كما أن الصحراء يتعذر فيها تحديـد اتجاه معين لتطور العمليات، ولذا يجب أن تكون كل الوحدات المقاتلة، والإدارية، على استعداد للتحرك، في أي وقت، من مكان لآخر، طبقاً لما يتطلبه تطور أعمال القتال، وهذا بالتالي يؤكد أهمية تحويل كل الوحدات، التي تعمل بالصحراء، إلى وحدات آلية، حتى لا تلاقي مصيراً، مثل الذي لاقته فرق المشاة الإيطالية، التي لم تكن لديها أي حملات بالقطاع الجنوبي، في معركة العلمين.

لقد أثبتت عمليات المطاردة، التي تلت معركة العلمين، أن كثيراً من المعدات، تحتاج إلى تطوير، حتى تزداد سرعة تحرك الوحدات لمسافات طويلة. وقد أثبتت تلك العمليات، أهمية وضع أسس جديدة، لحل مشكلة الإمداد والتموين للقوات القائمة بأعمال المطاردة، حتى لا تتقيد مرونتها، بسبب مشاكل الإمداد كما حدث للقوات البريطانية أثناء مطاردتها لقوات المحور في "برقة"[3].

وأثبتت العمليات أيضاً، في تلك الفترة، كفاءة النظام الإداري الألماني، الذي كان يتميز على النظام البريطاني بشيئين مهمين، كان لهما أكبر الأثر، في توفير قدر أكبر من المرونة، لدى قوات المحور، الشيء الأول: تحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي، والشيء الثاني: تهيئ أفضل فرصٍ لإصلاح العربات، والمعدات المعطلة، ولذلك كانت قدرة القوات الألمانية على التحرك أكثر من قدرة القوات البريطانية، وهذا هو الذي مكن "روميل"، من استخدام هذه القوات بمرونة تامة، طوال فترة الانسحاب، وهي شبه منفصلة عن قواعدها الإدارية، فضلاً عن كفاءتها الفائقة في التحرك لمسافات طويلة في أزمنة محدودة.

4. المبادأة

حصل "مونتجمري" على ميزة المبادأة في معركة العلمين، وحافظ عليها طوال سير العمليات، ولم يتحول عن خطته الأصلية على الرغم من هجمات "روميل" المضادة، بقواته المدرعة. فلم يتحول مرة واحدة عن خطته، ليواجه أي هجمات مضادة ألمانية. ولم يتخذ إجراءات لمواجهة هذه الهجمات، سوى ما يكفي لوقف خطرها. وعلى العكس من ذلك، فَقَدَ "روميل" ميزة المبأداة منذ اللحظة الأولى، ولم يستطع أن ينتزعها من "مونتجمري"، كما كان يفعل في معظم معاركه السابقة ضد الجيش الثامن البريطاني. والوسيلة الرئيسية، للمحافظة على المبادأة، هي أن يكون لدى القائد احتياطي من القوات، والأسلحة والمعدات، لاستخدامه في توجيه ضربات مستمرة إلى خصمه، في اتجاهات غير متوقعة.

تمكن "مونتجمري"، من المحافظة على المبادأة، لوجود احتياطي كبير من القوات والمعدات لديه، وقام باستخدامه لتوجيه ضربات مستمرة إلى خصمه، في اتجاهات غير متوقعة. وقد مكّنه من ذلك وفرة القوات لديه.

أما "روميل"، فلم يكن لديه الاحتياطي الكافي من القوات لمواجهة الهجمات المتعددة التي قام بها "مونتجمري" في قطاعات الجبهة، إذ كانت معظم قواته الرئيسية (فيلق أفريقيا) قد تورطت في اتجاهات أخرى من جبهة القتال فعلاً. لقد فقد "روميل" المبادأة لقلة القوات المتيسرة لديه. ويقول "مونتجمري" في ذلك: "وعندما تجد قائداً يعيد تنظيم قواته أثناء مرحلة دقيقة من العمليات، فهذا دليل على أنه سيكسب المعركة".

5. الخداع

لا شك أن للخداع دوراً مهماُ في العمليات العسكرية، لإحراز النصر، لذا عمد "مونتجمري" إلى وضع خطة واسعة النطاق لخداع قوات المحور، عقب وضع خطة الهجوم مباشرة، لعلمه بأنه لن يستطيع إحراز المفاجأة الإستراتيجية، لذلك استخدم كافة وسائل الخداع لإحراز المفاجأة التكتيكية، وكان هدفه من ذلك، تضليل العدو عن حجم قواته، وموعد هجومه الرئيسي، واتجاهه.

وبدأ "مونتجمري" في تنفيذ خطته بدءً من منتصف شهر أغسطس 1942. فقـد اتخذ الإجراءات لإظهار المنطقة التي ستحتشد فيها قوات الهجوم الرئيسي بالمظهر نفسه، الذي ستكون عليه ليلة الهجوم، وذلك بنشر جميع العربات الإدارية، الزائدة عن الحاجة، والعاطلة، وكثير من العربات، والأسلحة الهيكلية، في المنطقة الأمامية للهجوم (منطقة الحشد الأمامية)، وفي الليلة السابقة على الهجوم، تم سحب هذه المعدات ليلاً إلى المناطق الخلفية على مسافة 50 كماً، وتـم إحلال جميع العربات والأسلحة والمعدات، التي ستدخل المعركة بالفعل، بدلاً عنها. وقد أمكن بهـذه الطريقة حشد الفرقة 2 المشاة النيوزيلندية، والفيلق 10 المدرع، بالمنطقة الأمامية، في اليوم السابق للهجوم، من دون أن يفطن المحور إلى ذلك.

كما استخدمت عربات هيكلية، لإخفاء مدافع الميدان تحتها، ومُوهت الدبابات على شكل عربات، حتى لا تكتشف قوات المحور عدد المدافع والدبابات، التي تم حشدها في منطقة الهجوم. كما استمرت الفرقة 7 المدرعة طوال الأسابيع السابقة على الهجوم، في القيام بعمليات تدريب واسعة النطاق، بالقطاع الجنوبي، حتى يوحي نشاطها بأن الهجوم الرئيسي سيوجه من ذلك القطاع.

وأُنشئت الخنادق والحفر والدشم، اللازمة لاستيعاب قوات الهجوم الرئيسي، بالمنطقة الأمامية للهجوم، وذلك قبل موعد بدء الهجوم بشهر كامل. واتخذت الإجراءات لإظهارها وكأنها محتلة بالقوات، بينما لم تحتلها القوات المخصصة للهجوم، إلاّ قبيل بدء الهجوم بمدة يسيرة. كما تمت جميع تحركات القوات المخصصة للهجوم ليلاً، وكانت جميع أعمال الحفر الإضافية، تتم ليلاً وتُخفي وتموه قبل أول ضوء.

كما أُذيعت ليلة الهجوم، معلومات من رئاسة أحد اللواءات المدرعة، بطريقة توحي إلى العدو ـ إذا التقطها ـ إن القوات المدرعة البريطانية تتحرك نحو الجنوب.

واُتخذت التدابير، والإجراءات، لإيهام قوات المحور، بأنه ستتم عملية إنزال بحري، على الساحل الشمالي، على نطاق واسع، خلف مواقعه الدفاعية على خط العلمين، وفي يوم الهجوم، خرجت عدة سفن حربية بريطانية، في الساعة 1600، من ميناء الإسكندرية، واتجهت غرباً. وقد تم شحن هذه السفن، بالجنود والدبابات، على مرأى من عدد كبير من الناس، الذين يُعْتَقَدُ أن بينهم بعض عملاء المحور. وقد عادت معظم السفن إلى الإسكندرية أثناء الليل، إلاّ عدد قليل من سفن الإنزال، كُلف بمهمة القيام بهجوم تظاهري مخادع، على الساحل الشمالي خلف خطوط المحور الدفاعية، على خط العلمين، وذلك باستخدام الهاونات، والرشاشات، والإشارات الضوئية، مع قيام الأسطول البريطاني، بتعزيز هذا الإنزال البحري، بضرب مواقع المحور بالمدفعية. وقد حُدد موعد بدء هذا الهجوم، من الساحل، بحيث يكون بعد بدء الهجوم البري الرئيسي، بثلاث ساعات،على أمل أن يضطر المحور، إلى الاحتفاظ باحتياطية الموجود بالمنطقة الشمالية الساحلية، لمواجهته.

ونجحت خطة الخداع هذه نجاحاً هائلاً، حتى أن "روميل" نفسه، كان متغيباً في ألمانيا، عندما بدأت معركة العلمين، لاطمئنانه بأنه ما زال هناك بعض الوقت، قبل موعد بدء الهجوم البريطاني المنتظر، علاوة على أن قيادة قوات المحور، لم تفطن إلى الاتجاه، الذي ستوجه منه الضربة الرئيسية، ولذلك اضطرت إلى تقسيم قواتها المدرعة إلى قسمين، كاحتياطيات قوية، أحدهما بالقطاع الشمالي، والآخر بالقطاع الجنوبي، بدلاً من تركيز هذه القوات، أمام قطاع الهجوم الرئيسي.

6. القيادة

كانت القيادة البريطانية، قبل معركة العلمين، ليست على قدر كبير من الكفاءة، وحسن التصرف، والقدرة على إدارة العمليات. ويرجع الفشل الذي مُنيت به القوات البريطانية، في شمال أفريقيا، إلى فشل القيادات سواء في قيادة الجيش الثامن، أو قيادات الفيالق والفرق. وكانت القيادة البريطانية، لقوات الشرق الأوسط في القاهرة، تسيطر على قيادة الجيش الثامن في الميدان وهي بعيدة عنها، مما أفقد الأخيرة، القدرة على اتخاذ القرارات السريعة المناسبة.

وعندما تولى "مونتجمري" قيادة الجيش الثامن، استبدل آخرين، ممن لم يتأثروا بالهزائم البريطانية السابقة، بمعظم قادة الفيالق والفرق، وهؤلاء القادة الجدد، ممن يثق في كفاءتهم شخصياً. كما أن القيادة البريطانية لقوات الشرق الأوسط، والحكومة البريطانية، أعطت "مونتجمري" أكبر قسط من الحرية في إدارة العمليات العسكرية. بل أنهم كانوا يصدقون على رأيه، مثال ذلك، حينما وافق "تشرشل" على رأي "مونتجمري" الخاص بتأجيل موعد الهجوم شهراً كاملاً، حتى يتم إعداد وتدريب القوات، رغم أن جميع الاعتبارات الإستراتيجية والسياسية كانت تحبذ تبكير موعد بدء الهجوم بقدر الإمكان.

وقد أمر "مونتجمري" مركز قيادته، بأن يفتح في الأمام أثناء العمليات، وكذا مراكز قيادة التشكيلات، حتى يتمكن القادة، من السيطرة على قواتهم، ولكي يتتبعوا تطورات المعركة، وذلك بعد أن لمس الفائدة، التي عادت على القوات الألمانية، من إتباع القيادة الألمانية ذلك.

أما قيادة قوات المحور، فقد كانت كعهدها سابقاً، على مستوى عالٍ من الكفاءة والمقدرة. وكان "روميل" يقظاً طوال معركة العلمين، يصدر أوامره لقواته، في الوقت المناسب، حسب تطورات موقف العمليات. ولكن القيادة العليا الألمانية والإيطالية، تدخلت في المرحلة النهائية لمعركة العلمين، وعرقلت بذلك خطة الانسحاب، التي أمر بها "روميل" قواته، ولم تؤد إلاّ إلى إيقاع أربع فرق مشاة إيطالية، في أيدي البريطانيين.

ولم يؤثر التفوق الكبير، للقوات البريطانية، على مقدرة "روميل" في القيادة، على الرغم من أنه كان يدرك خطورة هذا التفوق، ويقدر نتيجة المعركة ضده، قبل نشوبها. واستمر “روميل” في قيادة قواته، وإدارة العمليات، بما عهد فيه من جرأة وصلابة.

7. الروح المعنوية

كانت مسألة رفع الروح المعنوية، لجنود الجيش الثامن، هي المشكلة الأولى التي واجهت "مونتجمري" عند توليه قيادة هذا الجيش. فقد وجد أن الجنود فقدوا الثقة في قادتهم، وتسودهم روح التشاؤم، لذا عمل في الوقت نفسه على غرس الثقة في نفوس الأفراد من جميع الرتب، وقد ساعد وصول الأسلحة والمعدات الجديدة على ذلك.

وعمل "مونتجمري"، أيضاً، على تنمية الروح الهجومية لدى قواته، وذلك بتكليف الوحدات، وخاصة تلك التي أصابها الفشل سابقاً، بعمليات صغرى مضمونة النجاح، حتى يُكْسِبَهُم هذا النجاح، الثقة بالنفس، ويزيد من حماسهم للأعمال الهجومية.

أما عن قوات المحور، فقد كانت الروح المعنوية للجنود الألمان، مرتفعة على الدوام، وكانوا يؤمنون بالانتصار، إيماناً تاماً، على الرغم من انسحابهم المتواصل، وذلك لثقتهم المطلقة في قائدهم "روميل".

وكانت القوات الإيطالية، في حالة معنوية مرتفعة، في أول الأمر، عند وصولهم إلى العلمين، ولكنها تأثرت بعض الشيء عقب بدء الهجوم البريطاني. وكان "روميل" قد احتاط لذلك، فوزع بعض القوات الألمانية بين التشكيلات الإيطالية. وقد ساعد هذا على صمود تلك التشكيلات، في مواقعها، حتى أصدر "روميل" أوامره بالانسحاب، وبعدها انهارت الروح المعنوية للإيطاليين انهياراً كبيراً، بسبب الفرق الأربعة، التي تُركت بالقطاع الجنوبي، لعدم وجود العربات اللازمة لنقلهم إلى الخلف.

كان "مونتجمري" يؤمن بأهمية الروح المعنوية، ولذلك عمل كل ما في طاقته، لرفع الروح المعنوية لقوات الجيش الثامن، بعد ما أثرت فيها هزائم معركة الغزالة أثراً بالغاً. وكان انتصار "مونتجمري"، في معركة علـم حلفا أعظم عَامِلٍ أثَّر في رفع الروح المعنوية لقواته، إذ استرد الجنود ثقتهم، في قيادتهم العليا، وفي أنفسهم وأسلحتهم. وكانت الإمدادات المستمرة، والأسلحة الحديثة، التي سُلح بها الجيش الثامن، وتغيير بعض القادة، الذين ثبت أنهـم غير أكفاء، وشخصية "مونتجمري"، وأحاديثه لجنوده قبيل المعارك، وما كان يظهره لجنوده من ثقة بالنصر، والإيمان به، وعنف تدريب القوات وجديته. كل ذلك ساعد كثيراً، على إذكاء الروح المعنوية للجنود.

ولعل من أروع الأمثلة، التي تدل على مدى ما يمكن للروح المعنوية المرتفعة أن تحققه من معجزات، ذلك الانسحاب الجريء، الذي قام به لواء الرامكي الألماني، من جنود المظلات، حيث تمكن من الانسحاب سيراً على الأقدام، عبر الصحراء، والتسلل خلال مواقع القوات البريطانية، واللحاق بباقي قوات المحور، ضارباً بذلك أروع الأمثلة على الجلد، والشجاعة، والاستبسال، نتيجة ارتفاع روحهم المعنوية وثقتهم في قادتهم.

ومن الوسائل التي اتبعها الألمان، في التأثير على الروح المعنوية للجنود البريطانيين، نشر الإشاعات، وتوصيلها بشتى الطرق إليهم، حتى تتزعزع ثقتهم بقادتهم، وبالهدف الذي يحاربون من أجله، وقد عمد "مونتجمري" إلى إجراء مضاد، لإيقاف خطر هذه الإشاعات، وذلك بطبع ثلاث نشرات يومية، توضح آخر تطورات الموقف عن سير أعمال القتال، وكانت هذه النشرات، توزع على الوحدات، وتسلم لأفراد الشرطة العسكرية، المكلفين بتنظيم التحركات على الطرق، لتوزيعها على الوحدات المارة بهم، علاوة على وضعها على لوح إعلانات، في كثير من الأماكن، التي يتردد عليها الجنود، كملاجئ الإيواء، أو نقاط توزيع الطعام، ونقاط إعادة الملء بالمياه والوقود.

8. التعاون

دلت معركة العلمين على أهمية التعاون بين القوات الرئيسية الثلاث (البرية، والبحرية، والجوية)، وقد أنشأ البريطانيون كلاًّ من قيادة الجيش الثامن، وقيادة قوة سلاح الطيران البريطاني، بحيث تكونا قريبتين من بعضهما البعض، كما أنشئت مواصلات خطية، ولاسلكية، مباشرة بين القيادتين. وعلاوة على ذلك، فقد أنشئت خطوط مواصلات مباشرة، بين قيادات الفيالق، ومجموعات الاستطلاع الجوي المخصصة للتعاون الوثيق معها، حتى يمكن لقيادات الفيالق الحصول على نتائج الاستطلاع مباشرة، وفي أسرع وقت.

وقد بُذلت جهود كبيرة، لتنسيق التعاون بين القوات البرية، والبحرية أيضاً، وأنشئت خطوط اتصالات مباشرة بين هذه القيادات، لإحكام التعاون بينهما. وعلاوة على هذا وضع نظام لتحقيق التعاون بين القوة البحرية، والقوة الجوية، حتى يمكن لكلتا القوتين التعاون معاً، وخاصة فيما يتعلق بحماية السفن الحربية، من هجوم طائرات المحور، وبذلك أمكن للقوات الثلاثة، أن تعمل كسلسلة واحدة محكمة الاتصال.

وقد كان من نتيجة هذا التعاون، أنه أمكن للقوة البحرية، الاشتراك في ضرب استحكامات العدو، والتعاون مع القوات البرية في تنفيذ خططها التكتيكية، علاوة على قيامها بنقل الإمدادات، إلى الموانئ الواقعة على طرق تقدم الجيش الثامن. كما قام الجيش الثامن، بكثير من التسهيلات الإدارية اللازمة، لكل من البحرية والطيران، مثل فتح الموانئ، وإنشاء المطارات.

وليس أدل على فائدة هذا التعاون، من ذلك النجاح، الذي أدى إليه، توحيد خطط القوات الثلاثة، حيث تمكنت البحرية والطيران، من شل حركة إمداد وتموين قوات المحور، بضرب قوافله البحرية، طوال فترة العمليات، مما أدى إلى تفاقم مشاكل المحور الإدارية، وكان لهذا أثره الحاسم، في عجز "روميل"، عن إعادة التوازن بين قواته، وبين قوات "مونتجمري"، على الرغم من أن خطوط مواصلاته قد قصرت، في الوقت الذي طالت فيه خطوط مواصلات البريطانيين، وبـالتالي عجز "روميل" عن القيام بمناوراته خفيفة الحركة، التي اعتاد عليها في معاركه السابقة وفقد قدرته على القيام بأي هجوم كبير ضد الجيش الثامن، طوال فترة المطاردة، نتيجة لضرب سفن إمداده في عرض البحر.

9. الأمن

تزداد أهمية مبدأ الأمن في الحروب الصحراوية، عن أي نوع آخر من الحروب، حيث أن قلة الموانع والهيئات الطبيعية، واتساع الأرض، وصلاحيتها لسير جميع الحملات، في معظم أجزائها، يزيد من تعرض القوات المقاتلة والإدارية، لأخطار التطويق، وأعمال التسلل، ولذلك تتضاعف مسئولية القائد، نحو تأمين قواته وحمايتها، ضد تلك الأخطار، في هذا النوع من الأراضي.

وقد راعى "مونتجمري" ذلك المبدأ، بصفة خاصة، أثناء عمليات المطاردة، بل بالغ في تطبيقه، إلى درجة جعلت الكثيرين يصفونه بالتردد. ولعل أبرز أمثلة على تطبيق هذا المبدأ، بواسطة "مونتجمري"، تلك الاحتياطات التي اتخذها لتأمين قواته القائمة بالمطاردة في برقة، فقد راعى تجنب أخطاء أسلافه، عند الوصول إلى منطقة العقيلة، واكتفى بتخصيص فرقة واحدة، وهي الفرقة 7 المدرعة، لمواصلة الاتصال بقوات المحور عند العقيلة، بينما حشد الفيلق 10 بأكمله، في المنطقة، حول التميمي، وعين الغزالة، ليمكنه مهاجمة الجانب الأيسر لقوات المحور، إذا ما حاولت التقدم من العقيلة مرة أخرى نحو الحدود المصرية، كما حدث من قبل.

أما "روميل"، على الرغم مما عرف عنه من جرأة في عملياته، فإنه لم يتخل عن هذا المبدأ هو الآخر، طوال فترة انسحابه. على الرغم من أن مشكلة الأمن لديه كانت أصعب كثيراً، منها لدى "مونتجمري"، خلال تلك المرحلة، إذ كانت قواته تنسحب أمام قوات تفوقها عدداً وعدة، علاوة على قلة الوقود المتيسر لديه، وعدم وجود أي حملات آلية لفرقه المشاة الإيطالية. ولكي يواجه "روميل" هذه الظروف بطريقة تكفل له تحقيق الأمن لقواته، راعى دائماً، سحب قواته المشاة، التي لا توجد لديها حملات، إلى المواقع التعطيلية المتتالية، منذ وقت مبكر، واعتمد أساساً على قواته الآلية، لتعطيل القوات البريطانية. ونظراً لتعرض الجانب الأيمن، لقوات المؤخرة لخطر التطويق طـوال فترة الانسحاب، فقد خصص "روميل" بصفة دائمة، جزءاً من قواته المدرعة، للقيام بواجب حراسة هذا الجانب، وبهذا تمكن من الاحتفاظ بالطريق الساحلي مفتوحاً لانسحاب قوات المؤخرة، ونجح في إحباط المحاولات البريطانية، لتطويق قواته طوال فترة الانسحاب.

راعى "مونتجمري"، طوال تقدمه، أن يحتفظ بقوة كبيرة في المواقع الإستراتيجية المهمة في الخلف منه، وذلك خوفاً من أن يتمكن "روميل"، من هزيمة قواته الأمامية. إذ أن الاحتفاظ بتلك القوة الكبيرة، في الخلف، يمكن أن يوقف تقدم "روميل" في هذه الحالة، وبذلك يضمن "مونتجمري" عدم انهيار الموقف، علاوة على أن هذا الإجراء، يتيح للقوات الأمامية في حالة هزيمتها الانسحاب إلى المواقع (القاعدة)، التي تحتلها القوات الخلفية، لمواصلة أعمال القتال منها. وقد أطلق "مونتجمري" علـى هذا الإجراء "التوازن الإستراتيجي"، وهو في الواقع ليس إجراءً جديداً في حرب الصحراء، حيث أن "روميل" سبقه في هذا، إذ كان يحتفظ دائماً، بجزء من قواته، على مسافة مناسبة، خلف منطقة القتال. إلاّ أنه من الملاحظ، أن "روميل" لم يغال في تطبيق "التوازن الإستراتيجي"، مثل "مونتجمري"، إذ أن الأخير كان يحتفظ بفيلق كامل في الخلف، بينما يكتفي بفيلق مماثل في المنطقة الأمامية.


 



[1] من أعظم الفرص التي ضاعت على "مونتجمري" فرصة العمل الجريء الحاسم ضد قوات "روميل" وهي في أشد مراحل ضعفها عند العقلية والنوفيلية.

[2] كانت الأوامر لسلاح الطيران البريطاني تقضي بعدم إتباع طريقة الهجوم المنخفض، ولذلك فشل في إيقاع خسائر كبيرة بالقوات المنسحبة.

[3] على الرغم من التدابير التي اتخذها "مونتجمري" مقدماً لإمداد قواته المخصصة للمطاردة، فقد توقفت وحدات المقدمة لتلك القوات مرات عديدة بسبب عدم تمكن الوحدات الإدارية ملاحقة تقدمها.