إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / مبادئ الحرب





هجوم القوات المصرية
الأوضاع الدفاعية
المفاجأة بإخفاء اتجاه الضربة
تطبيق القوات الجوية ومبدأ المفاجأة
حرب الخليج الثانية




المبحث الثاني

المبحث الثاني

مبادئ الحرب في العقيدة الإسلامية

أولاً: توصيف وتوظيف مبادئ الحرب الإسلامية

1. تعريف مبدأ الحرب الإسلامي

مبدأ الحرب الإسلامي هو حكم عملي ملزم، يعمل مفعوله على إنجاح المهمة ووقايتها من الفشل، ومجمل مفعول المبادئ، يعمل على إيجاد وحفظ الضروريات والحاجيات والتحسينات اللازمة لتحضير وإدارة العمليات والمعارك، وإنجاز أهدافها بنجاح على أتم وأفضل وجه.

2. مصادر تحديد وتحديث مبادئ الحرب الإسلامية

أ. إن نصوص آيات القرآن هي المصدر الأول لتحديد مبادئ الحرب الإسلامية الأساسية، ونصوص الأحاديث النبوية الصحيحة هي المصدر الثاني لتحديد هذه المبادئ، خاصة فيما لم يرد في شأنه نص قرآني.

ب. الإجماع والقياس وما إليهما من أدلة شرعية هي مصدر تطوير وتحديث قائمة مبادئ الحرب الإسلامية، وهي مصدر استنباط المبادئ، التي لم يرد في شأنها نصوص صريحة اللفظ أو المعنى.

3. مضمون وموضوع وتفاعل المبادئ

ينطوي كل مبدأ حرب إسلامي على خلاصة نهائية ثابتة المفعول، تظهر في صورة مفهوم أو إجراء أو عمل.... إلخ يختص بمسألة جزئية من النشاط العسكري، وتتكامل مجموعة مبادئ هذا النشاط وتتفاعل ويتضافر مفعولها معاً، بما يوفر ركائز صلبة، ومحددات دقيقة، وضوابط فعالة لأداء جميع أجزاء ومكونات هذا النشاط العسكري المعين.

4. مستويات تطبيق مبادئ الحرب الإسلامية

أ. إن النصوص القرآنية الدالة على مبادئ الحرب، هي نصوص تخاطب بها جماعة المؤمنين المكلفين، وأيضاً كل فرد مكلف من أفراد المؤمنين في نفس الوقت، وهذا ما يعرف في علم أصول الفقه "مدلول العام من باب الكلية"، المحكوم فيه على كل فرد مطابقة إيجابياً أو سلبياً، ومن ثم فإن تطبيق مبادئ الحرب الإسلامية تقع على عاتق كل مسلم مكلف.

ب. من وجهة النظر العسكرية البحتة، إن قائمة مبادئ الحرب الإسلامية تنطبق على جميع مستويات الحرب، مع اختلاف مسؤوليات ووسائل تطبيقها.

5. قوة الالتزام بالمبدأ

حددت الشريعة الإسلامية قوة إلزام ابتدائية لكل مبدأ من مبادئ الحرب الإسلامية، وتقع قوة إلزام أغلب المبادئ داخل نطاق الواجب والمندوب، والقليل منها داخل نطاق المحرم والمكروه.

ثانياً: أمثلة على تحديد مبادئ الحرب، من الأدلة الشرعية

1. مبدأ الجهاد

أ. الألفاظ الصريحة الواردة في نص الآية ]وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ[ (سورة الحج: الآية 78) وفي نص الآية ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ (سورة المائدة: الآية 35).

ب. قرر علماء الفقه والشريعة، حكم مبدأ الجهاد بأنه واجب.

2. مبدأ الشورى

أ. الألفاظ الصريحة الواردة في نص الآية ]فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ[ (سورة آَلِ عمرانَ: الآية 159).

ب. قرر علماء الفقه والشريعة، حكم مبدأ الشورى بأنه واجب.

3. مبدأ الطاعة

أ. يستدل على المبدأ من الألفاظ الصريحة الواردة في نص الآية ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا[ (سورة النّسَاءِ: الآية 59)، ونص الآية ]وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلا مُبِينًا[ ( سورة الأَحزَابِ: الآية 36). 

ب. قرر علماء الفقه والشريعة - حكم مبدأ الطاعة بأنه واجب.

4. مبدأ الاستعداد القتالي الدائم ومبدأ أخذ الحذر

أ. يستدل على المبدأ من المعنى الضمني الذي اشتملت عليه نصوص الآيات ]َإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا[ (سورة النّسَاء: الآية 102).

ب. ودليل مبدأ الحذر في نصوص سورة النساء، والتي دلت بالمعنى الضمني على مبدأ الاستعداد القتالي الدائم.

ج. قرر علماء الفقه والشريعة، حكم الاستعداد هو الوجوب.

5. مبدأ المهمة/ الهدف

إن دليل هذا المبدأ هو القياس على النصوص القرآنية، التي حددت مهام وأهداف العمليات الإسلامية ]وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ[ (سورة البقرة: الآية 193). 

ثالثاً: السمات الإسلامية الخاصة والمميزة لبعض المبادئ

1. مبدأ الهدف/ المهمة

لا يقتصر هذا المبدأ على اختيار الهدف وتحديد المهمة فحسب، وإنما يحرص أيضاً على أن تكون المهمة المخصصة مطابقة ومناسبة للإمكانيات والقدرات المعنوية والمادية المتاحة. وهو ما يعبر عنه بمبدأ التكليف بقدر التوسع، وبذلك يتيسر للقوات تطبيق مبدأ المحافظة على الغرض.

2. قانون الردع/ ومبدأ الردع

أ. إن الردع المعنوي والمادي للعدو سلماً وحرباً، أي الردع على المستوى السياسي والعسكري للصراع، يرتفع في المفهوم الإسلامي إلى مستوى القانون الأعلى الذي تدخل تحته جميع أنواع مبادئ الحرب أياً كان عددها، فالقرآن يؤكد أن الردع هو غاية ونتاج الإعداد الشامل بجميع القوى والمقومات الشاملة، التي أجملها أمره تعالى في الآية ]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ[ (سورة الأَنفَالْ: الآية 60). 

ب. أما على المستوى الإستراتيجي العسكري، وما دونه من مستويات، فإن الردع في المفهوم الإسلامي هو مبدأ مركب، يشتمل على مبدأي الهجوم والدفاع، ومعهما جميع مبادئ الحرب اللازمة لتطبيقها، ولقد تأكدت هذه الحقيقة من سير العمليات الإسلامية في العهد النبوي، كما تأكدت من سياق التوجيه القرآني لتلك العمليات.

3. مبدأ التحفز

التحفز هو حالة دفاعية، كان فيها المسلمون في أقصى درجة من درجات الاستعداد للتحول إلى الهجوم، من أجل ردع أي عدوان قائم أو محتمل، ولقد كان تمسك المسلمين الدائم بهذا المبدأ منذ بداية العمليات الإسلامية، حتى بداية الفتح الإسلامي، السبب الأول وراء الضربات الوقائية المسبقة، وضربات الإحباط، التي طبقت خلال أغلب الغزوات، وقد عبر المنهج القرآني عن أبعاد هذا المبدأ في صورة واضحة، يمكن معها تعريف التحفز بالمصطلح الحديث، بأنه الدفاع الهجومي أو مبدأ الدفاع الضارب، الذي يجسد مبادئ الاستعداد الدائم، المبادأة، والهجوم، والأمن وحرية العمل.

4. مبدأ النفير العام

هو بالمصطلح الحديث التعبئة والحشد العام، وقد سمح تطبيق هذا المبدأ للمسلمين بتعبئة جميع الرجال الصالحين للقتال دفعة واحدة، ووضع أكبر قوة في الميدان خلال أقصر وقت، وبذلك كان في مقدورهم دائماً إنجاز أكبر حشد نسبى في المكان وفي الزمان، حسب تعبير مبادئ "كلاوزفيتز". والقرآن يبين أن تخلف ثلاثة أفراد فقط، واستئذان بعض الأفراد الآخرين عن اللحاق بغزوة تبوك، التي بلغت قوتها ثلاثين ألف فرد، كان ظاهرة خطيرة منكرة، على رغم أن عدد الأفراد المتخلفين لم يؤثر سلبياً على حجم الحشد العام، الذي تحقق وقتها.

5. مبدأ النفير الجزئي

يعرف هذا المبدأ في المصطلح الحديث، بمبدأ الاقتصاد في القوى، حيث حرص المسلمون على استخدام أقل حجم من القوات يلزم لتنفيذ المهمة، وعلى استبعاد قسم من القوات من الاشتباك الفعلي، والاحتفاظ به ليكون احتياطياً عاماً في قاعدة العمليات، على نحو ما هو متبع حديثاً في تطبيق هذا المبدأ، أما السمة الإسلامية الخاصة، التي ميزت تطبيق هذا المبدأ، فهي ادخار قوى المسلمين عن طريق التحكم في استخدام القوة، وإيقاف استخدامها بمجرد تحقيق الهدف المحدد، وعدم استنزاف القوة وتبديدها فيما وراء ذلك الهدف، كما تحقق الادخار عن طريق تركيز القوة المتاحة قليلة كانت أم كبيرة ضد الهدف الحساس أو ضد مركز الثقل المعادي، ومن ثم أمكن، للقوات الإسلامية، تحقيق نتائج تفوق حجمها الحقيقي.

6. مبدأ الحذر

أ. هذا المبدأ يقابله في المصطلح الحديث مبدأ الأمن، إلا أن مبدأ الحذر الإسلامي أقوى وأعم وأشمل وأتم، فالحذر فريضة إسلامية دائمة ملزمة للأمة كلها، سلماً وحرباً، في جبهة القتال وفي الجبهة الداخلية، ولقد بلغ من قوة الإلزام بفريضة الحذر أن عدل الله سبحانه من كيفية أداء فريضة الصلاة، بحيث يمكن أداء الفريضة والحذر الكامل على أتم وجه، حتى في مواقيت الصلاة.

ب. لمبدأ الحذر أبعاد شتى، ففي السلم تحاط الأمة بحماية حدودها بالرباط والإعداد والاستعداد الشامل الدائم، طبقاً لتقنيات العصر والتطور. كما يتم تأمين الدولة، خارجياً بالتحالفات وغيرها من أوجه العمل السياسي العسكري، وتؤمن داخلياً بالولاء الإسلامي، وبالتحريض، وبتأمين استقرار المؤخرة، أما في ميدان القتال فإن وحدة وكفاءة القيادة تعمل على تأمين حرية عمل القوات بالاستطلاع والمخابرات، وبالسرية، والخداع، وبالتعاون، والترابط، والتكامل، وبتعزيز الأهداف المكتسبة، وبغير ذلك من مبادئ الحرب الإسلامية، التي تمنح الدولة وقواتها المسلحة أكبر قدر من الأمن الموثوق به والمعتمد عليه، والذي ينعكس إيجابياً على مستويات الصراع لصالح المسلمين.

7. مبادئ البساطة، والمرونة، والتعزيز

تختلف أدلة هذه المبادئ الثلاثة عن أدلة باقي المبادئ الإسلامية، فهذه المبادئ لا تتحدد بموجب نصوص من القرآن والسنة، بقدر ما تتحدد من مجمل القرآن ومن مجمل السنة، فالمطلع على وسائل وأساليب استدلال وأحكام المنهج القرآني في أي مجال، يجد أن البساطة والمرونة شائعتان في كل أرجاء المنهج، أما التعزيز فإنه يتجلى بوجه خاص في إثبات وحدة الألوهية وتعزيزها بآيات تلو آيات وبأدلة فوق أدلة من كل نوع واتجاه، كما يتجلى التعزيز في التشريع القرآني، الذي يحرص على أحكام البدايات والنهايات، وعلى أن تكون نهاية المرحلة في عمل معين تامة، ومحددة ببداية المرحلة التالية من هذا العمل، مثال ذلك تشريع اختبار رشد اليتامى كنهاية لمرحلة الولاية وتمهيداً لتسليم اليتامى أموالهم.

8. مبادئ وحدة القيادة، والتعاون، والرباط، والتكامل

وضع المنهج الإسلامي هذه المبادئ الأربعة، من أجل تحقيق هدف واحد هو توحيد القوى والجهود الإسلامية، ويتضح من هذه المبادئ أن لكل مبدأ نوعاً ودرجة ومجال تأثير مختلف عن المبادئ الأخرى، بحيث ينتج عن مجمل هذه التأثيرات توحيد قوى الأمة، وتحقيق تماسك الشعب والقوات المسلحة، وتوثيق الجهود القتالية في العمليات الحربية معنوياً وفكرياً ومادياً، والسمة الإسلامية الشديدة الخصوصية هنا أن مفعول هذه المبادئ ينبعث مباشرة من العقيدة الإيمانية الراسخة، ومن تشريعاتها الضابطة الملزمة.

9. مبدأ الجهاد

إن مبدأ الجهاد غير فريضة الجهاد، التي تعنى الإستراتيجية الشاملة العليا، فالجهاد بوصفه مبدأ حرب إسلامي يقتضي بذل أكبر جهد في تحضير وإدارة أعمال القتال سواء كان هذا الجهد على مستوى الفرد، أو على مستوى التجميع الإستراتيجي، وسواء كان الجهد مبذولاً بين صفوف القوات المسلحة من أجل إعدادها واستخدامها على أفضل وجه، أو كان الجهد موجهاً إلى شل قدرة وإمكانيات العدو، وتطبيق هذا المبدأ من مسؤولية القادة والمرؤوسين، ويمتد مفعوله إلى مختلف المجالات المعنوية، والنفسية، والعقلية، والمادية، للعمل العسكري.

10. مبدأ العمل السياسي ـ العسكري

أ.  إن السمة الإسلامية الخاصة بهذا المبدأ تنطبق، من مستوى الفرد المسلم فما فوق، فالتشريع الإسلامي يحتم على كل مقاتل مسلم أن يعطى الأمان والسلم لكل من يطلبهما من العدو في أثناء القتال. ذمة المسلم الواحد في مثل هذه الحالة تنوب عن ذمه المسلمين عامة، ومن هنا فإن القائد المسلم يتمتع، شرعياً، بوحدة القيادة السياسية العسكرية في نطاق عملياته، ولكن هذه الوحدة محكومة منضبطة تشريعياً، بحيث تبرز إيجابيات القيادة دون سلبياتها، وعلى صعيد آخر، فإن المقاتل هو المكلف بتطبيق آداب وأخلاقيات القتال والمحافظة على حقوق العدو. ومن ثم فإن مجموع ممارسات الأفراد في هذا المجال، هي التي تحقق مبدأ العمل السياسي العسكري في أعلى مستوياتها، ألا وهي الحرص على تحقيق سلام أفضل، وإصلاح فساد الأرض، وما إلى ذلك من أهداف كبيرة وكما دخل مبدأ المسالمة ضمن مبدأ العمل السياسي العسكري، كذلك يدخل مبدأ المماثلة، الذي يبيح للمسلم معاملة العدو بالمثل، وخاصة إذا ما خرج عن الأعراف والعهود والمواثيق السياسية أو التراثية، ومع ذلك فإن المماثلة لا تجاري العدو فيما يُغضب به الله.

ب. إن مبدأ العمل السياسي العسكري لا يطبق فقط على أحوال التعامل مع العدو، إنما يستخدم أيضاً سياسة الحرب بين المسلمين أنفسهم، والأدلة على ذلك كثيرة ومؤكدة، فقبل نشوب القتال في غزوة بدر الكبرى حسم الرسولr مسألة اشتراك الأنصار في القتال، بتطبيق هذا المبدأ، وقبيل غزوة أُحد، عندما همت طائفتان من المؤمنين أن تخرجا من التجميع القتالي الإسلامي حسم الرسولr، الموقف بتطبيق هذا المبدأ، ثم إن تحريض المؤمنين على القتال، الذي كلف الله سبحانه الرسولr، بمباشرته، إن هو إلا تطبيق لمبدأ العمل السياسي العسكري بين المسلمين.

ج. وفي عمليات الفتح الإسلامي، أكدت سنة الخلفاء الراشدين نهائياً أن مبدأ العمل السياسي العسكري مسؤولية قيادية من الدرجة الأولى، تدعم وتستكمل وحدة القيادة بيد القائد المسؤول، إلا أن ذلك لا يحرم أفراد المسلمين من تأمين أفراد ومجموعات العدو، الذين يستسلمون، وهذا أمر طبيعي وارد حتى في الجيوش التقليدية.

11. مبدأ الإعداد

الإعداد عام وخاص، كما أنه مادي ومعنوي، فالإعداد العام يشمل إعداد جميع القوى المادية والمعنوية للدولة، بكل ما في الاستطاعة، مع تأمين وضع هذه القوى في حالة صلاحية واستعداد دائم، والمسؤول عن هذا الإعداد رئيس الدولة، وكل قائد عسكري مسؤول عن إعداد قواته إعداداً شاملاً، وعن المحافظة على قدراتها واستعدادها القتالي، أما الإعداد الخاص فهو مسؤولية كل فرد عن إعداد نفسه مادياً، وعقائدياً، ونفسياً، ومعنوياً، بالعلم، وبالتدريب، وبالمحافظة على لياقته، وصحته، وغير ذلك مما شرعه الإسلام وألزم به المكلفين.

12. مبدأ التحريض

التحريض هو الإعداد والتعبئة المعنوية العقلية للشعب والقوات المسلحة، في أثناء السلم وفي أثناء الحرب، ويشمل التحريض جزئياً تحديد العدائيات، وأسباب ودوافع الحرب، وأهدافها.

13. مبدأ التفوق النوعي

أوجب القرآن على المسلم الواحد ألا يفر من قتال فردين من العدو، وجاء ذلك في الآية ]الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُم وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُم ضَعْفَاً فإِن يَكُن مّنكُم مّاْئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلبُواْ مِاْئَتَينِ وَإِن يَكُن مِنّكُم أَلْفٌ يَغْلبَواْ أَلفَينِ بِإِذْنِ اللَّه وَاللَّهُ مَعَ الصَّ‍ابِرِيِنَ[ (سُورَةُ الأَنَفَاّلْ: الآية 66)، ومن ثم فإن تناسب القوى بين المسلمين وبين أعدائهم هو نسب 1 : 2، كما بين القرآن أنه كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة، غير أن المنهج القرآني لم يدع المسألة عند هذا الحد، بل إنه زود المسلمين بالمبادئ، التي إذا طبقتها القلة المسلحة تفوقت نوعياً وتغلبت على التفوق العددي المعادي، وهذه المبادئ هي الانتقاء، والتدريب، والطاعة، والانضباط، والصبر، والمثابرة، والثبات، والشدة، والغلظة في القتال. ويتدعم هذا التفوق النوعي ويتضاعف مفعوله بمجموعة مبادئ القوة الروحية والتفوق المعنوي، ومما تقدم يتضح أن مبدأ التفوق النوعي هو مبدأ حرب مركب مثل مبدأ الردع.

14. مبدأ الانتقاء

يعتني هذا المبدأ بانتقاء العناصر الأقوى والأصلح للقتال، وبتشكيل قوات الصفوة الإسلامية، التي تكون عماد وعضد القوات في المواقف الصعبة، على غرار ما فعل أهل بيعة الرضوان في غزوة حنين وفي غيرها.

15. مبدأ الصبر

الصبر في الإسلام قوة إيجابية عظيمة الشأن، ليس فيها أي شائبة من شوائب السلبية والاستسلام والوهن، والصبر الإسلامي، كما يظهر من آيات القرآن، هو الإرادة، وهو العزم، وهو التصميم على بلوغ الغاية، على رغم أي مشاق، فمبدأ الصبر هو القوة النفسية العقلية المقاتلة.

16. مبدأ الثبات /الصمود

توضح أدلة مبدأ الثبات أنه يشمل على ثبات معنوي أيضاً، فالثبات المادي يكون بخوض القتال بشدة، وإيجابية، وصمود، وصدق، وإخلاص؛ أما الثبات المعنوي، وما يصاحبه من اتزان نفسي، فذلك يتحقق لكل من آمن بالله وباليوم الآخر، وبالقضاء والقدر، وبأن نصر الله حق لمن ينصره.

17. مجموعة مبادئ التفوق المعنوي

اشتملت قائمة الحرب الإسلامية على مجموعة مبادئ إذا ما ارتبطت بأصولها الصحيحة حققت التفوق المعنوي، الذي اجتاح المسلمون به العالم، ومن هذه المبادئ ما هو اعتقادي ينبع مباشرة من العقيدة الإيمانية، مثل مبادئ القتال في سبيل الله والنصر للمؤمنين والنصر من عند الله، ومنها ما هو مادي يوازن بين متطلبات الدين ومتطلبات الدنيا، ويلبى مطالب الفطرة البشرية، مثل مبدأي المغنم المادي ورعاية أسر المقاتلين والشهداء، ومجموع هذه المبادئ تخلص المقاتل من هموم وشواغل الدنيا، وتفرغ جهده المادي والعقلي والمعنوي كله في طلب أحد أمرين إما النصر أو الشهادة.