إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / المملكة العربية السعودية بعد الملك عبدالعزيز









الفصل الأول

ملحق

تقرير الخبير المالي الدولي زكي سعد، عن الوضع المالي للمملكة العربية السعودية

التقرير الذي نشر في 15 من رجب 1378 / 25 يناير 1959، درس الحالة المالية من جميع نواحيها،ويصف الحالة أصدق وصف، وهاهو مدرج هنا، نقلاً عن جريدة أم القرى، ليكون سجلاً تاريخياً لتلك الحقبة من الزمان.

نص التقرير

"وصلت إلى الرياض بتاريخ 11 جمادى الثانية عام 1378،الموافق 23 ديسمبر 1958، بعد أن أُخبرت بأن التقديرات المبدئية للموازنة قد تم إعدادها،أو أوشك، وأن مناقشتها في مجلس الوزراء ستبدأ عقب ذلك، تمهيداً للموافقة عليها، في أول رجب، وهو التاريخ، الذي حددته الحكومة لبدء العام المالي، بدلاً من أول المحرم. والسبب في ذلك التعديل يرجع إلى أنه وجد بالتجربة، أن إعداد الموازنة ومناقشتها قبل أول المحرم، أمر يتعذر حدوثه؛ نظراً لانصراف الحكومة إلى الأمور المتعلقة بالحج، في الأشهر الأخيرة من العام الهجري.

وقد تشرفت، عقب وصولي إلى الرياض، بمقابلة حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم، الذي أظهر لي اغتباطه بما تم حتى الآن، من تقدم ملحوظ في أمور البلاد النقدية، وأظهر، كعادته، استعداده للتضحية بكل مرتخص وغال، في سبيل إسعاد شعبه الكريم، وكلفني، بالتعاون مع حكومته، إعداد الموازنة، وإنجازها في المواعيد المقررة لها.

وقد سألني، جلالته، عن رأيي في الحالة الاقتصادية في البلاد، فأظهرت له اغتباطي بما تحققته من مطالعة التقارير، التي ترسل إليّ تباعاً في واشنطن، من مؤسسة النقد العربي السعودي، وما شاهدته في أثناء زيارة عابرة، في ربيع الثاني الماضي، من تقدم عجيب، يعود الفضل فيه ـ بعد الله ثم جلالة الملك ـ إلى حكومته، فقد عالجت الأمور بحزم وعزم، وأمرت بتنفيذ برنامج تدعيم النقد، بدقة وعناية، وقامت بما وعدت به في بلاغها الرسمي، الصادر في 15 ذي القعدة عام 1377، من وضع حد نهائي للعجز المتواصل، في الموازنة العامة، وإيجاد فائض ليس بالقليل، يرد كله إلى مؤسسة النقد، تدعيماً للنقد، وتثبيتاً له. وقد تم هذا في الوقت القصير، دون إخلال بالتوازن الاقتصادي في البلاد، فتخلصت المملكة، من براثن تضخم مالي فظيع، بغير أن تقع في انكماش اقتصادي خطير، وصمد الريال السعودي، ثم ظل يصعد حتى وصل الآن إلى 5.4 ريالات للدولار، بعد أن كان 6.4 ريالات منذ عام واحد، ولا نعلم لهذا النجاح من نظير في كافة البلدان الأخرى.

وفي نحو هذا الوقت من العام الماضي، كان الماليون الأجانب، وأهل الرأي في الشؤون الاقتصادية الدولية، في ريب عظيم، من مقدرة هذه البلاد، على وقف التدهور الاقتصادي، ومنع الانهيار التام. ولكي نشرح مدى التقدم، الذي أحرزته المملكة، يجب استعراض الماضي القريب، ومقارنته بالحاضر.

وإني أذكر هنا، أنه في شهر شوال من عام 1377، رفعت تقريراً لجلالة الملك ولحكومته، بينت فيه خطورة الحالة المالية، والخلل التام، الذي أصاب الموازنة وأسبابه. ولا حاجة بي إلى الرجوع تفصيلاً على هذا الموضوع، فكله مبين في التقرير السالف الذكر، وإنما أقول: إن ما تحقق عن نفقات الدولة، في خلال الثمانية الأشهر الأولى من عام 1377، كان يزيد على ما كان مقدراً صرفه نسبياً، في تلك المدة، بأكثر من 200 مليون ريال، وقد تسدد هذا العجز، بطريقة غير مقبولة، أضرت ضرراً بليغاً بالنقد، فقد أقرضت المؤسسة، في ذلك الوقت، الحكومة، وهذا أمر يحرمه قانون المؤسسة نفسها، 100 مليون ريال، أضيفت كلها إلى النقود المتداولة في الأسواق، بغير أن يكون لها ما يقابلها من غطاء كامل، فكان، لذلك، أسوأ الأثر في انخفاض الريال، وارتفاع الأسعار.

ومـن جهة أخرى، حصـلت الحكومـة علـى قروض جديدة بالدولار، مقدرة بالريال بنحو 000 870 52، وذلك، بدلاً من سداد بعض ما عليها من قروض أجنبية (كما أوصيت بذلك) واستردت ما دفع لفرنسا، ثمنا لأسلحة سبق شراؤها، ولم تسلم مبلغ 000 750 33 ريال، وأخيراً قضت الحكومة على الوفر، الذي كان مخصصاً لتدعيم النقد، ومقداره 125 مليون ريال، قضاء كلياً، ولما تمض ثمانية أشهر من العام.

كل هذا، وغيره ذهب بغير جدوى ولا نفع، وترك وراءه أبلغ الضرر،من تضخم مالي ذريع، وزيادة في ديون الدولة، من خارجية وداخلية. وكانت المؤسسة خاوية من الاحتياطي، ومن غطاء النقد، وليس بها إلا القدر اليسير من الذهب والفضة، وليس بها نقد أجنبي أصلاً. بل كانت غارقة في الديون، وعليها التزامات جسيمة بالعملات الأجنبية، وليس بها من النقد الخارج عن التداول، سوى مبلغ 304 ريالات فقط.

وبالجملة، فقد كانت الخزانة العامة خاوية، والمؤسسة في حالة عجز تام.

وفي شوال 1377، قبضت الحكومة على زمام الأمر بيد قوية، وقررت ألا يصرف إلا الضروري اللازم، وعلى شرط أن يكون هذا، في حدود الواردات العامة. وقد قدرت الواردات، وقتئذ، بحوالي 106 ملايين ريال شهرياً، (أي حوالي 318 مليون ريال في الثلاثة الأشهر الباقية).

وقدر للحكومة النجاح، فمرت تلك الأيام العصيبة، بغير الالتجاء إلى وسائل عنيفة غير مرضية؛ ولا إلى عقد قروض جديدة، ولم يكن هناك من يقرض بلاداً، وصل حالها إلى تلك المرحلة، بل لقد انتهت السنة، ورصيد الحكومة لدى المؤسسة 117.4 مليون ريال، كلها تحققت في الثلاثة الأشهر الأخيرة من عام 1377.

وعلى ضوء هذا الاستعراض للماضي القريب، يجب أن تقارن الحالة في الوقت الحاضر.

وجاء العام الجديد المحرم 1378 ولم تنشر موازنة جديدة، واكتفي بمراقبة النفقات العامة مراقبة صارمة، حتى لا يصرف غير الرواتب والأجور، إلا ما كان ضرورياً لا مفر منه، واقتطع الكثير من البذخ والترف والإسراف.

وكانت نتيجة ذلك أنه في خلال الستة الأشهر، من المحرم إلى أول رجب، زادت الواردات على النفقات، بما قدر بنحو 105.5 مليون ريال سعودي، إذا أضيفت إلى ال 117.4 مليون ريال السابق ذكرها، أصبح المجموع حوالي 223 مليون، دفع منها إلى مؤسسة النقد العربي السعودي، مبلغ 197.5 مليون ريال، بالإضافة إلى ما يقرب من 116 مليون ريال حققتها المؤسسة من أرباحها في السوق الحرة، في نحو ستة أشهر، بدأت من أواخر ذي الحجة عام 1377، فيكون مجموع ما رد إلى المؤسسة في المدة المذكورة، هو 313.5 مليون ريال، وهو أكثر بكثير مما كان منتظراً، وروده إليها في عام بأكمله. وقد كان لهذا الوفر الكبير أثره الفعال في قوة العملة وكيانها، وارتفع غطاء النقد إلى أكثر من 50 في المئة من النقد المتداول، في أوائل الشهرين الماضين، بعد أن كان منذ بضعة أشهر 14 في المئة فقط، وهو غطاء هزيل، غير كاف كلية لحماية النقد، وعلى الأخص أن المؤسسة كانت مستغرقة بالديون والالتزامات، بالعملات المحلية، وبالعملات الأجنبية.

ولثقة الناس في مقدرة الحكومة على منع الريال من التدهور، ولظنهم أنها قد تستمر في رفع قيمة الريال تدريجياً، عمد كثير منهم إلى تخزين الريال، واقتراض ما يلزمه من العملات الأجنبية، على أن يسددها في شهور مقبلة. ولذلك شح الريال في الأسواق، غير أن الحكومة تراقب الحالة عن كثب، وإذا لزم الأمر، فستتخذ الإجراءات اللازمة لمواجهة هذه الحالة في الوقت المناسب.

أما الديون العامة، من محلية وأجنبية، فقد تم حصرها، تمهيداً لسدادها بطريقة منظمة، على أقساط معقولة. وقد خصص في الموازنة العامة مبلغ 130 مليون ريال، لسداد ديون المؤسسة، وبعض الديون العاجلة، التي لا تحتمل التأخير، ويضاف، إلى هذا، المبلغ ما تستحقه المؤسسة من عملياتها في السوق الحرة، وكذلك ما يزيد في الواردات، وما يتوفر من النفقات العامة.

وقد صدرت الموازنة، هذا العام في ميعادها، بعد أن دقق في جميع بنودها تدقيقاً عظيماً، وأهم ما يلفت النظر فيها، هو النقص الكبير في موازنة الخاصة الملكية، فقد أمر جلالة الملك بتخفيض مصروفاتها، تخفيضاً كبيراً، وتنازل ـ حفظه الله ـ هو وباقي أفراد الأسرة المالكة، عن جزء كبير من مخصصاتهم. ولا يزال البحث دائراً حول إمكان تخفيض آخر في الفوائد السنوية، والمخصصات الذاتية، سواء أكان ذلك خاصاً بأفراد الأسرة الملكية، أم كان بالنسبة لغيرهم، ممن يتناولون مبالغ أخرى، بالإضافة إلى رواتبهم، في أغلب الأحوال.

وقد خصص، في الموازنة، مبلغ 55 مليون ريال للمشاريع العامة، ولا يشمل هذا المبلغ المشاريع الأخرى، الخاصة بالوزارات المختلفة، وهي كثيرة، وستنشر الحكومة بياناً بجميع المشاريع قريباً.

ونرى أن المبالغ، التي خصصت للمشاريع، فيها الكفاية في هذا العام، ولا يمكن زيادتها بغير المخاطرة ببرنامج تدعيم النقد، في هذه المرحلة الدقيقة، التي يجب أن توجه فيها الجهود لتخفيض أكبر مبلغ ممكن اقتصاده، بدون إضرار باقتصاديات البلاد، لسد ديون المؤسسة، وتغطية النقد، وبغير نقد سليم لا يمكن لمشروعات إنتاجية أن تدوم أو تثمر.

وأخيراً، فإنه مع اغتباطي بما شاهدته من تقدم عظيم في حالة البلاد، وما رأيته من سيرها في طريق النجاح بخطى واسعة، أقول: إن الطريق لا يزال طويلاً وعراً، محفوفاً بالمخاطر، يقتضي دوام اليقظة والانتباه، وتمحيص الأمور، وفحصها على أسس فنية سليمة. وينبغي ألا يفوتنا أنه لا يزال على الحكومة، لمؤسسة النقد وحدها، نحو 365 مليون ريال، منها 295.5 مليون ريال تنقص من عطاء النقد، هذه غير مئات الملايين من الريالات، من الديون المحلية والأجنبية الواجبة الأداء، وكلها أموال اقترضت علاوة على واردات الدولة الضخمة، وذهبت مع الريح، ولم تستفد منها البلاد شيئاً، وعليها الآن أن ترزح تحت أعبائها حتى تعيدها كاملة.

والفترة، التي تجتازها الآن، هي بداية تحول خطير في سياسة البلاد المالية والنقدية، ونحن على يقين أن الجميع سيتكاتفون لتنفيذ برنامج تدعيم النقد، ويقبلون التضحيات، التي يستلزمها مثل هذا التحول، عن طيب خاطر ورضا، ما دام أن العاقبة هي الاستقرار التقدمي، وهو أساس كل رخاء اقتصادي، وتقدم اجتماعي.

الرياض في 8/ 7/ 1378 ـ 18/ 1/ 1959