إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / المملكة العربية السعودية بعد الملك عبدالعزيز









الفصل الأول

ملحق

خطة الأمير فيصل، ولي العهد، في وزارته الجديدة

 

في يوم الثلاثاء 9 جمادى الآخرة 1382/ 6 نوفمبر 1962، ألقى الأمير فيصل بن عبدالعزيز بيانه، الذي تضمن خطته للإصلاح، وذلك في أول اجتماع رسمي عقدته الوزارة، التي شكلها بعد أداء القسم أمام الملك سعود. وهذا هو نص البيان:

حرصت الدولة السعودية، منذ فجر تأسيسها، على أن تخوض، بكل جد وقوة، معركة بناء هادفة. ولقد مرت سنون طويلة من العرق والدم، سار خلالها المغفور له الملك عبدالعزيز، رحمه الله، في طريق شاق، وخاض معارك عنيفة، استطاع بعدها أن يؤسس كيان هذا البنيان الشامخ الكبير. وجاءت، بعد ذلك، عملية إرساء الأسس لنهضتنا. وعلى الرغم من أن عمليات إرساء الأساس لا تظهر عادة أهميتها البالغة للعين المجردة، وعلى الرغم من أن تدفق موارد الزيت لم يتم إلا منذ عهد قريب في حساب الزمن، فقد استطاعت حكومة جلالة الملك سعود المعظم، بفضل توجيهاته الرشيدة أن تستفيد من هذا المورد الهام، وأن تظهر آثاره سريعاً، على الرغم من تباعد أطراف المملكة، وقسوة طبيعة الصحراء فيها، وندرة أصحاب الكفاءات لديها.

ويسر حكومة صاحب الجلالة أن تعلن، نتيجة لهذا الجهد الشاق المتواصل، فقد آن لها وللمواطنين من أبناء هذا الوطن الكريم أن يقتطفوا، منذ الآن، ثمار بعض جهودهم، وأن يستعدوا، بعد ذلك، للاستمرار في اقتطاف ثمار الجهود الأخرى.

وسوف تضاعف حكومة صاحب الجلالة جهودها، في تطوير كيان هذه الدولة الفتية، وتدعيمه والأخذ بيد المواطنين إلى المكان اللائق بهم، كشعب كان، منذ فجر التاريخ العربي، مركز انطلاق العروبة الحقة، ومصدر إشعاع للحضارة الإسلامية الخالدة.

وفي سبيل قطف الثمار، ومضاعفة الجهود لتطوير الكيان، فقد وضعت حكومة صاحب الجلالة برنامجاً إصلاحياً ضخماً، يمكن تلخيص أهم عناصره في النقاط التالية:

أولاً. لما كان، من الواجب، أن يكون نظام الحكم في أي دولة صورة صادقة لحقيقة التطور، الذي وصل إليه مجتمعها، فقد حرصت حكومة صاحب الجلالة، على تطوير المجتمع السعودي علمياً وثقافياً واجتماعياً، حتى يصل إلى المستوى، الذي تنعكس معه صورته في شكل نظام راق للحكم، يمثل الأهداف العظيمة الخالدة، التي جاءت بها شريعتنا الغراء. ولقد حدثت، من آن لآخر، عدة تطورات فعلية لشكل الحكم السعودي، كانت تمثل تطور المجتمع لدينا، وتحاول في الوقت نفسه أن تأخذ بيده، لمستوى أرقى مما هو عليه.

وتعتقد حكومة صاحب الجلالة أن الوقت قد حان الآن، لإصدار أساسي نظام للحكم مستمد من كتاب الله وسنة رسوله وسيرة خلفائه الراشدين، حيث توضع، في وضوح كامل، المبادئ الأساسية للحكم، وعلاقة الحاكم بالمحكوم، وتنظم سلطات الدولة المختلفة، وعلاقة كل جهة بالأخرى. وينص على الحقوق الأساسية للمواطن، ومنها حقه في حرية التعبير عن رأيه، في حدود العقيدة الإسلامية، والنظام العام.

ولقد شرعت الوزارة السابقة في تطوير مجلس الشورى؛ ليقوم بدوره كسلطة تنظيمية للبلاد، وستكون هذه الدراسة، مع ما سيطرأ عليها من إضافات وتعديلات، جزءاً من النظام الأساسي للحكم، الذي لن يتأخر صدوره، إن شاء الله، والذي سيأتي صورة صادقة عن المستوى الكريم الذي وصلت إليه أمتنا، ونموذجاً رائعاً لنظام الحكم الإسلامي المستمد من نصوص الشريعة وروحها. ومما يساعد على بلوغ هذا الهدف السامي، أن قواعد شريعتنا السمحة مرنة متطورة، صالحة لمواجهة كل الظروف، وقابلة للتطبيق في كل مكان وزمان، حسب متطلبات ذلك الزمان والمكان.

ثانياً. ولم تكتف حكومة صاحب الجلالة في التفكير، فقط، في نظام أساسي، يضطلع بقواعد الحكم المركزي فحسب، بل إنها قامت بدراسات مختلفة؛ لوضع نظام للمقاطعات، يوضح طريقة الحكم المحلي لمناطق المملكة المختلفة. ولقد تبلورت شتى الدراسات، التي تمت لمشروع نظام المقاطعات لدرجة لن يطول معها ظهوره إلى حيز الوجود. وسيكون عند صدوره عاملاً فعالاً في دفع عجلة التطور الإداري، والسياسي، والاجتماعي، لمملكتنا الفتية.

ثالثاً. وتحرص حكومة صاحب الجلالة، على أن يكون للقضاء حرمته ومكانته، فهو مناط القسط ورمز العدالة. وكلما ارتفع شأنه وعظمت حريته، حققنا بذلك هدفاً أساسياً من أركان ديننا الإسلامي الحنيف. وقد عقدنا العزم على مضاعفة الجهود، نحو هذه الغاية، وإصدار نظام باستقلال القضاء، يمسك بزمامه مجلس أعلى للقضاء. وقررنا إنشاء وزارة للعدل، تشرف على الشؤون الإدارية للقضاء، ويلحق بها نيابة عامة للدولة، ترعى مصالح المواطنين، وتذود عن حقوقهم، وتقوم بالتعاون مع المحاكم المختلفة للدولة، مقام الحارس الأمين، الذي يدافع عن المظلومين ويضرب على أيدي الظالمين.

رابعاً. ولما كانت نصوص الكتاب والسنة محددة ومتناهية، بينما وقائع الأزمنة، وما يستجد للناس في شؤون دنياهم أمور متطورة غير متناهية، ونظراً لأن دولتنا الفتية تقيم حكمها، والحمد لله، على أساس الكتاب والسنة، نصاً وروحاً، فقد أصبح لزاماً علينا أن نمنح الفُتيا عناية أكبر، وأن يكون لفقهائنا وعلمائنا، حملة مشاعل الهدى، دور إيجابي فعال في بحث ما يستجد من مشاكل الأمة، بغية الوصول إلى حلول، مستمدة من شريعة الله، ومحققة لمصالح المسلمين. ولذلك كله، فقد قررت حكومة حضرة صاحب الجلالة تأسيس مجلس للفتيا، يضم عشرين عضواً من خيرة الفقهاء والعلماء؛ ليتولى النظر فيما تطلب الدولة منه النظر فيه، وما يوجهه إليه أفراد المسلمين من أسئلة واستشارات، وليكون أداة قوية لتنوير الأذهان، وتذليل العقبات، التي تعترض سبيل التقدم السليم.

خامساً. إن حكومة صاحب الجلالة لتشعر شعوراً تاماً بواجبها للعمل بكل جد واهتمام لنشر دعوة الإسلام، وتثبيت دعائمه، والذود عنه قولاً وعملاً. وقد عملت وستعمل على اتخاذ كل الوسائل لتحقيق أداء هذا الواجب الشريف.

سادساً. ولما كانت الخصيصة الأولى لهذه الأمة الإسلامية المجيدة أنها خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ولحرص الإسلام على هذه الوظيفة السامية، فقد بينت الشريعة فضلها وفضل من يقوم بها، وألزمته بأن يدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يبذل جهده ليعمر قلوب الناس بالحق والخير والمحبة، ولهذا قررت حكومة صاحب الجلالة أن تقوم حالاً بإصلاح وضع هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بما يتمشى مع الأهداف الإسلامية الرفيعة، التي وضعت أساساً من أجلها، وبما يضمن اجتثاث بواعث المنكر من قلوب الناس، ما استطعنا لذلك سبيلاً.

سابعاً. وتشعر حكومة صاحب الجلالة أن من أهم واجباتها، النهوض بالمستوى الاجتماعي للأمة. وقد قامت الدولة بأدوار هامة وفعالة في هذا الحقل، فضمنت لشعبها العلاج والدواء بالمجان، في داخل المملكة وخارجها. وفعلت مثل ذلك بالتعليم، وجعلته مجاناً في جميع مراحله، بل منحت الكثير من الطلبة مكافأة مالية سخية، تعينهم على متطلبات العيش. وابتعثت على حسابها آلاف الطلبة في شتى حقول العلم والمعرفة، ولجميع أنحاء المعمورة. وأعفت كثيراً من المواد الغذائية من الرسوم الجمركية، بل منحت إعانات ضخمة لتخفيض أسعارها للمستهلكين.

وجاء، أخيراً، نظام الضمان الاجتماعي؛ ليجعل الدولة مسؤولة، مسؤولية كاملة، عن معيشة كل شيخ وعاجز ويتيم وامرأة، ممن لا مورد أو عائل لهم شرعاً. ولن يمضي وقت طويل، حتى يصل إلى كل محتاج ما يكفيه ذل السؤال، ويضمن له العيش الكريم.

وعندما تقدم الدولة، لطائفة من العمال فيها، نظاماً يحميهم من البطالة، نكون بذلك قد وصلنا إلى المستوى الاجتماعي، الذي لا يزال حلماً يراود كثيراً من دول العالم المتحضر، وحققنا فعلياً أهداف العدالة الاجتماعية الحقّة، دون أن تطغى الدولة على حريات الناس الفردية، أو تسلبهم أموالهم وحقوقهم.

ولن تقتصر حكومة صاحب الجلالة على تيسير الكفاية لشعبها، وتأمين فرص العمل له، بل إنها تسعى، جادة، إلى إجراء تعديلات هامة، في شكل الحياة الاجتماعية، وإلى توفير الوسائل للتسلية لجميع المواطنين.

ثامناً. وتؤمن حكومة صاحب الجلالة بأن التطور الاقتصادي والتجاري والاجتماعي، الذي ساد مجتمعنا، في السنوات الأخيرة، لا يزال، في كثير من محمولاته، يفتقد التنظيم؛ ولذلك فإن مجموعة كبيرة من الأنظمة الهامة ستأخذ طريقها تباعاً إلى الصدور، بحيث تصبح الدولة، بعد فترة غير طويلة، ولديها تراث تنظيمي شامل، يساعد على تقدم النشاط، وسرعة الحركة، واجتذاب رؤوس الأموال. وسوف تنشئ الدولة أجهزة مستقلة، تتولى تطبيق مختلف الأنظمة، التي تصدرها، وسيكون كل ذلك متمشياً مع شريعة الله الخالدة، ومحققاً لمصالح الأمة العليا.

تاسعاً. أما الانتعاش المالي والتطور الاقتصادي، فهو شغل الحكومة الشاغل. وإلى جانب الاحتفاظ بالمركز المالي القوي، الذي تمتاز به المملكة، بين مختلف دول العالم، فقد اتخذت حكومة صاحب الجلالة، وسوف تتخذ، إجراءات هامة وحاسمة؛ لوضع برامج إصلاحية ملموسة، ينتج عنها انتعاش دائم للحركة الاقتصادية، ولتكون هذه المملكة في مستوى عال من المعيشة لكل أفرادها. ومن أهم ما سيبرز إلى حيز الوجود قريباً، إن شاء الله، برنامج ضخم للطرق، يربط جميع أطراف المملكة ومدنها بعضها ببعض. وسنبذل عشرات الملايين من الريالات لدراسة مصادر المياه، وتوفيرها للزراعة والشرب. وسوف تبني الحكومة السدود اللازمة، لحفظ مياه الأمطار، وتوفير المراعي. وسوف تمد الصناعة الخفيفة والثقيلة بعون فعال، يحميها، ويجذب رؤوس الأموال إليها. وستكون المملكة السعودية، بحول الله في القريب، دولة صناعية، ولها اكتفاء زراعي ذاتي، فتتعدد مصادر دخلها وتتنوع، بما يسهل لها القيام بواجباتها نحو شعبها الكريم.

وإلى جانب المبالغ، التي ترصد في ميزانية الدولة، لتنفيذ المشروعات، فقد قررت حكومة صاحب الجلالة أن ترصد جميع المبالغ الإضافية، التي سوف تستلمها من شركة أرامكو عن حقوقها، التي تطالب بها الشركة للسنوات الماضية، في ميزانية إنتاجية خاصة، بحيث تصرف جميعها على المشروعات الإنمائية، كالطرق، والسدود، والمرافق العامة، وغير ذلك. وسوف يكون هذا العمل دفعة قوية لاقتصاد المملكة، وتحقيقاً سريعاً لكثير من مشروعاتها الإعمارية. ويجرى الآن اتخاذ المراحل النهائية لدراسة إنشاء بنك صناعي، وآخر زراعي. كما أن المؤسسة العامة للبترول والمعادن ستظهر للوجود قريباً، وسوف تسهم هذه المؤسسات الثلاث، مع غيرها من المؤسسات الحكومية والأهلية، في إظهار خيرات البلاد، والكشف عن ثرواتها المعدنية، وغيرها.

عاشراً. ومن المعروف أيضاً موقف الشريعة الإسلامية من الرق، يحث على فك الرقاب. ومن المعروف أيضاً أن الرقيق الموجود في العصر الحاضر قد تختلف فيه كثير من الشروط الشرعية، التي أوجبها الإسلام لإباحة الاسترقاق. ولقد واجهت الدولة السعودية، منذ تأسيسها، مشكلة الرق والرقيق، وعملت بجميع الوسائل التدريجية، للقضاء عليه، فمنعت أول الأمر استيراده، وفرضت العقوبات على ذلك، ثم منعت مؤخراً بيعه أو شراءه. وتجد الحكومة الآن الفرصة مواتية، لأن تعلن إلغاء الرق مطلقاً، وتحرير الأرقاء. وستقوم الحكومة بتعويض من يثبت استحقاقه للتعويض.

هذه جملة من الإجراءات الأساسية، التي عزمت حكومة صاحب الجلالة على تنفيذها. وهناك ولاشك، أمور كثيرة هي موضع اهتمام هذه الحكومة. وستعلن عن كل شيء في حينه.

نسأل الله أن يسدد خطانا جميعاً، وأن يوفقنا لما يرضيه.

* وبعد أن وافق مجلس الوزراء على ما جاء في هذا البيان الكريم، قرر تشكيل لجنتين تقوم الأولى منها بإعداد النظام الأساسي للحكم، وتتولى اللجنة الأخرى إعداد مشروع نظام لاستقلال القضاء المنوه عنهما في البيان الكريم.